القارئ :
الأمر الثاني والعشرون: التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ :
احْذَرْ ( أبا الْجَهْلِ ) المبْتَدِعَ ، الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ ، ويَعْدِلُ عن النَّصِّ ، وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ؟! ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ ، ويُقالُ لهم أيضًا : ( أهلُ الشُّبُهَاتِ ) ( وأهلُ الأهواءِ ) ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ ( الأصاغِرَ ) .
وقالَ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( إذا رأيتَ المتكَلِّمَ المبْتَدِعَ يَقولُ : دَعْنَا من الكتابِ والأحاديثِ وهاتِ ( العَقْلَ ). فاعْلَمْ أنه أبو جَهْلٍ وإذا رأيتَ السالكَ التوحيديَّ يَقولُ : دَعْنَا من النقْلِ ومن العَقْلِ وهاتِ الذَّوْقَ والوَجْدَ ؛ فاعْلَمْ أنه إبليسُ قد ظَهَرَ بصورةِ بَشَرٍ ، أو قد حَلَّ فيه ، فإن جَبُنْتَ منه فاهْرُبْ ، وإلا فاصْرَعْهُ وابْرُكْ على صَدْرِه واقْرَأْ عليه آيةَ الكُرْسِيِّ واخْنُقْهُ ) اهـ .
الشيخ :
يقول: (احْذَرْ ( أبا الْجَهْلِ ) ) , أبا الجهل يعني صاحب الجهل , (المبْتَدِعَ الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ) , وهذا التحذير الذي قاله الشيخ بكر أمر لازم , يجب أن نحذر أهل البدع وإن صاغوا البدع بصياغة مغرية مزخرفة فإنما هم كما قيل فيهم :
حجج تهافت كالزجاج تخالها = حقا وكل كاسر مكسور
فأنت كالظمآن يرى السراب فيحسبه ماء , حتى إذا جاءه وجد الله عنده فوفاه حسابه .
احذر صاحب الهوى , وهؤلاء الذين يتبعون أهواءهم في العقيدة يسمون ذلك : العقل .
والحقيقة أنه عقل لكنه عَقَلَهُم عن الهدى إلى اتباع الهوى، فهم كما قال ابن القيم في أمثالهم :
هربوا من الرق الذي خلقوا له = وبلوا برق النفس والشيطان
(ويَعْدِلُ عن النَّصِّ) ويقول: لقد دل العقل على خلافه - سبحان الله - هل العقل يخالف النص؟! أبدا , لا يمكن لأي عقل صريح أي خالٍ من الشبهات والشهوات يخالف النقل الصريح , أبداً لكن العلة إما من النقل بحيث يكون غير صحيح , وإما من العقل بحيث يكون غير صريح .
أما مع صراحة العقل وصحة النقل فلا يمكن أن يوجد تعارض إطلاقا , ولهذا ينعى الله سبحانه وتعالى عن المخالفين للرسل ينعى عليهم عقولهم , يقول : {أفلا يعقلون} {أفلا تعقلون} {لا يفقهون} وما أشبه ذلك
فالعقل كما قال الشيخ : (وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ؟!)
قال : (ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ) , وأكثر ما يكون هذا في الوعاظ والقصاص , تجدهم يحشون أدمغتهم بالأحاديث الضعيفة من أجل تهييج الناس ترغيبا أو ترهيبا . يتأتي مثلا يقول: (قل هو الله أحد) يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يخلق من كل حرف من سورة (قل هو الله أحد) ألف طائر , ولكل طائر ألف لسان كلها تدعو أو تسبح لهذا الذي قرأها ) .
من قال هذا ؟ وأشياء عجيبة غريبة في فضائل الأعمال تذكر .
كذلك (ويُقالُ لهم أيضًا : ( أهلُ الشُّبُهَاتِ ) ( وأهلُ الأهواءِ ) ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ ( الأصاغِرَ ) ).
وهذا وصف مطابق لموصوفه , فهم أصاغر وإن عظموا أنفسهم , وكل من خالف النص فهو صغير .
أما كلام الذهبي فيقول : ( إذا رأيتَ المتكَلِّمَ المبْتَدِعَ يَقولُ : دَعْنَا من الكتابِ والأحاديثِ وهاتِ ( العَقْلَ ). فاعْلَمْ أنه أبو جَهْلٍ) وليس أبا علم , بل هو جاهل .
(وقالَ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : وإذا رأيتَ السالكَ التوحيديَّ يَقولُ : دَعْنَا من النقْلِ ومن العَقْلِ وهاتِ الذَّوْقَ والوَجْدَ) , وهؤلاء الصوفية , الصوفية كل دينهم ذوق , ووجد .
فهذا أيضا يقول: (فاعْلَمْ أنه إبليسُ قد ظَهَرَ بصورةِ بَشَرٍ) . والظاهر أن الذهبي رحمه الله لقي النكد من هؤلاء , ولهذا شدد في تقبيح أوصافهم، (أو قد حَلَّ فيه) يعني هو إما شيطان أو حل فيه الشيطان .
(فإن جَبُنْتَ منه فاهْرُبْ ), يعني إن عجزت أن تجادله وتناظره فاهرب , لأن هذه هي الحكمة وإلا كنت تستطيع أن تجادله وتفحمه فاصرعه ، صرعا حسيا أو معنويا؟ نرى
(وإلا فاصْرَعْهُ وابْرُكْ على صَدْرِه) . هذا يدل على أنه حسي.
(واقْرَأْ عليه آيةَ الكُرْسِيِّ ) –حتى يخرج الشيطان- (واخْنُقْهُ) .
الإنسان يسمع كلام الذهبي رحمه الله هذا في ظني أنه إذا صرعه ثم برك على صدره ثم قرأ عليه آية الكرسي ثم خنقه ، سينجو ، لأن الشيطان خنقه حينئذ شديدا وقويا، ولكن على كل حال الظاهر أن الشيخ رحمه الله –الذهبي- قد أصابه ما أصابه من هؤلاء, والمعافى من عافاه الله منه .
لو ذهبت إلى بعض البلاد الإسلامية لوجدت من هؤلاء القوم عجبا , كما يذكر عنهم , كما يذكر عنهم العلماء السابقون أم نحن يعني يصلون إلى حد الجنون , يضربون بالطبول يضربون بالعصي على الأرض، يغبرون ، تغبير يأخذ كل واحد منهم سوط ويهللون بتهليلاتهم وأذكارهم ثم يضرب الإنسان الأرض , ومن كان أكثر غبار فهو أصدق إرادة , يعني إذا كان أكثر غبارا صار أشد وأقوى فيكون هذا دليلا على أنه مريد حقا .
القارئ :
وقالَ أيضًا رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقرأتُ بخطِّ الشيخِ الموَفَّقِ قالَ : سَمِعْنَا دَرْسَه – أي: ابنِ أبي عَصْرونَ – مع أخي أبي عُمرَ وانْقَطَعْنَا ، فسمعتُ أَخِي يقولُ : دَخَلْتُ عليه بَعْدُ ، فقالَ : لم انْقَطَعْتُم عَنِّي؟ قلتُ : إنَّ ناسًا يَقولون: إنك أَشْعَرِيٌّ. فقالَ : واللهِ ما أنا أَشعريٌّ. هذا معنى الْحِكايةِ ) اهـ .
الشيخ :
يعني يستفاد منه أنه لا ينبغي أن تجلس إلى مبتدع ولو كانت بدعته خفيفة كبدعة الأشعريين .
القارئ :
وعن مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ : ( لا يُؤْخَذُ العِلْمُ عن أربعةٍ : سفيهٌ يُعْلِنُ السَّفَهَ وإن كان أَرْوَى الناسِ ، وصاحبُ بِدعةٍ يَدْعُو إلى هَواهُ ، ومَن يَكْذِبُ في حديثِ الناسِ ، وإن كنتُ لا أتَّهِمُه في الحديثِ ، وصالحٍ عابدٍ فاضلٍ إذا كان لا يَحْفَظُ ما يُحَدِّثُ به ) .
فيا أيُّها الطالِبُ ! إذا كنتَ في السَّعةِ والاختيارِ ؛ فلا تَأْخُذْ عن مُبْتَدِعٍ : رافِضِيٍّ أو خارجيٍّ أو مُرْجِئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبُورِيٍّ . . . وهكذا ؛ فإنك لن تَبْلُغَ مَبْلَغَ الرجالِ – صحيحَ العَقْدِ في الدينِ مَتينَ الاتِّصالِ باللهِ صحيحَ النظَرِ تَقْفُو الأَثَرَ إلا بِهَجْرِ المبْتَدِعَةِ وبِدَعِهِم .
الشيخ :
وظاهر كلام الشيخ رحمه الله ووفقه الله, أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيء حتى فيما لا يتعلق ببدعته , فمثلا إذا وجدنا رجلا مبتدعا لكنه جيد في علم العربية: البلاغة والنحو والصرف , فهل نجلس إليه ونأخذ منه العلم الذي هو مجيد فيه أو نهجره ؟
ظاهر كلام الشيخ أننا لا نجلس إليه , لأن ذلك يوجب مفسدتين :
المفسدة الأولى : اغتراره بنفسه فيحسب أنه على حق .
والمفسدة الثانية : اغترار الناس به حيث يتوارد عليه طلاب العلم ويتلقون منه , والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة , لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل الأهواء والبدع مطلقا , حتى وإن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف مثلا إلا فيهم , فسيجعل الله له خيرا منهم .
لأن كوننا نأتي إلى هؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم .
أسئلة يجيب عنها الشيخ
القارئ :
وكُتُبُ السِّيَرِ والاعتصامِ بالسُّنَّةِ حافلةٌ بإجهازِ أهلِ السُّنَّةِ على البِدْعَةِ ومُنابَذَةِ الْمُبْتَدِعَةِ والابتعادِ عنهم كما يَبْتَعِدُ السليمُ عن الأجْرَبِ المريضِ ولهم قِصَصٌ وواقعاتٌ يَطولُ شَرْحُها لكن يَطيبُ لي الإشارةُ إلى رُؤوسِ الْمُقَيَّدَاتِ فيها :
فقد كان السلَفُ رَحِمَهم اللهُ تعالى يَحتسِبونَ الاستخفافَ بهم وتَحقيرَهم ورَفْضَ المبتدِعِ وبِدْعَتَهُ ويُحَذِّرُون من مُخالَطَتِهم ومُشاوَرَتِهم ومُؤاكَلَتِهم فلا تَتَوَارَى نارُ سُنِّيٍّ ومُبتدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن لا يُصَلِّي على جَنازةِ مُبْتَدِعٍ ، فيَنصرِفُ وقد شُوهِدَ من العَلَّامَةِ الشيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، انصرافَه عن الصلاةِ على مُبْتَدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن يَنْهَى عن الصلاةِ خَلْفَهم ويَنْهَى عن حكايةِ بِدَعِهم ؛ لأنَّ القلوبَ ضَعيفةٌ والشُّبَهَ خَطَّافَةٌ .
وكان سهْلُ بنُ عبدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ لا يَرَى إباحةَ الأَكْلِ من الْمَيْتَةِ للمبتدِعِ عندَ الاضطرارِ ؛ لأنه باغٍ لقولِ اللهِ تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ … } الآيةَ . فهو باغٍ ببِدْعَتِه .
وكانوا يَطْرُدُونَهم من مَجالسِهم ؛ كما في قِصَّةِ الإمامِ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى مع مَن سأَلَه عن كيْفِيَّةِ الاستواءِ وفيه بَعْدَ جوابِه المشهورِ : ( أَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ) وأَمَرَ به فأُخْرِجَ .
وأخبارُ السلَفِ مُتكاثِرَةٌ في النُّفْرَةِ من المبتَدِعَةِ وهَجْرِهم حَذَرًا من شَرِّهم وتَحجيمًا لانتشارِ بِدَعِهم وكَسْرًا لنفوسِهم حتى تَضْعُفَ عن نَشْرِ البِدَعِ ، ولأنَّ في مُعاشَرَةِ السُّنِّيِّ للمُبتدِعِ تَزكيةً له لدَى الْمُبْتَدِئِ والعامِّيِّ – والعامِّيُّ مُشْتَقٌّ من العَمَى ، فهو بِيَدِ مَن يَقودُه غالبًا - .
ونَرَى في كتبِ المصطَلَحِ ، وآدابِ الطلَبِ ، وأحكامِ الْجَرْحِ والتعديلِ : الأخبارَ في هذا.
الشيخ :
المؤلف وفقه الله حذر هذا التحذير البليغ من أهل البدع وهم جديرون بذلك , ولاسيما إذا كان المبتدع سليط اللسان فصيح البيان , فإن شره يكون أكبر وأعظم , ولاسيما إذا كانت بدعته أيضا مكفرة أو مفسقة تفسيقا بالغا فإن خطره أعظم , ولاسيما إذا كان يتظاهر أمام الناس بأنه من أهل السنة لأن بعض أهل البدع عنده نفاق , تجده عند من يخاف منه يتمسكن ويقول أنا من أهل السنة وأنا لا أكره فلانا ولا فلانا من الصحابة وأنا معكم وهو كاذب فمثل هؤلاء يجب الحذر منهم , وقد مر علينا في الدرس الماضي أنه وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة ولا تتعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وما أشبهها فلا تأخذ منه . لأن يتولد من ذلك مفسدتان :
الأولى : اغتراره بنفسه.
والثانية : اغترار الناس به. الناس لا يعلمون، فلذلك يجب الحذر.
وقوله: (كان من السلف من لا يصلي على مبتدع), هذه على كل حال إذا كانت البدعة مكفرة فلا شك أن الصلاة عليه لا تجوز لقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنافقين : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } فهذا لا يصلى عليه .
أما إذا كانت غير مكفرة , فهذا ينظر فيما يترتب على ترك الصلاة عليه من المفسدة أو عدمها .
فإذا كان أهل السنة أقوياء وكان أهل البدعة في عنفوان دعوتهم فلا شك أن ترك الصلاة عليهم أولى , لأنه أهل السنة أقوى منهم وهؤلاء في عنفوان دعوتهم ربما إذا تركنا الصلاة عليهم يحصل بذلك ردع عظيم لهم .
وما ذكر عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله , مفتي البلاد السعودية في زمنهم يدل على قوته رحمه الله وصرامته , حيث انصرف عن الصلاة على مبتدع وأيضا الصلاة خلفه , من باب أولى أن يحذر الإنسان منه فإن كانت بدعته مكفرة فالصلاة خلفه مع العلم ببدعته المكفرة لا تصح , لأنه ائتم بمن ليس بإمام , وإن كانت دون ذلك فالصحيح أن الصلاة خلفه صحيحة لكن لا ينبغي أن يصلي خلفه .
وأما ما ذكر عن سهل بن عبد الله التستري الذي لا يبيح أكل الميتة للمبتدع وإن اضطر إلى ذلك , فإن كان هذا المبتدع كافرا فإنه لا يباح له عند الله أكل الميتة ولا أكل المزكاة,
لقوله الله تبارك وتعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)
ولقوله الله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) فدل هذا على أن الطيبات من الرزق والزينة التي أخرج الله للعباد ليست خالصة لغير المؤمنين يوم القيامة بل يحاسبون عليها .
فإذا كانت بدعته مكفرة فإننا نقول لا يحل له أن يأكل الميتة عند الاضطرار ولا المزكاة عند الاختيار . لكن نقل تب إلى الله من بدعتك المكفرة وكل كما يأكل المؤمنون .
وإن كانت بدعته مفسقة , ففيما قاله رحمه الله نظر , لأن الصحيح أن قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) أي: غير مبتغ لأكل الميتة , ولا عاد : أي غير معتد لأكل ما لا يحتاج إليه .
هذا هو الصحيح في معنى الآية, والدليل على أن هذا هو الصحيح قوله تعالى : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم )
ومن العلماء من قال إن المراد بالباغي: من بغى على الإمام , وليس كل فاعل معصية , ففي كلام سهل رحمه الله فيه هذا التفصيل .وهو إذا كانت بدعته مكفرة فحرام عليه أن يأكل الميتة والمذكاة ويحاسب بذلك عند الله ، وإن كانت غير مكفرة ففيما قاله نظر، أما طرده من المجالس ؟ فنعم , يطردوه من المجالس، وللشيخ أن يطرد من مجلسه ما دون ذلك إذا رأى من أحد الطلبة أنه يريد أن يفسد الطلب عند زملائه , بحيث يعتدون على الشيخ ولا يهابونه ويحتقرونه , فله أن يطرده , لأن هذا يعتبر مفسدا فيطرد .
والإمام مالك رحمه الله قال : ما أراك إلا مبتدعا , لأن الذين يسألون عن مثل ذلك هم المبتدعة , يسألون كيف استوى ؟ يحرجون بذلك أهل السنة , يقول: أخبرني كيف استوى؟ كيف استواؤه؟ والجواب عن ذلك سهل : أن الله تعالى أخبرنا أنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى .
وهل نعلم كيفية شيء لم نعلم به وهو غائب عنا ؟ أبدا .
لو قال لك قائل: إني بنيت بيتا , فقد علمت أنه بنى بيتا وتعرف كيف بناء البيت , لكن هل تعرف كيفية هذا البيت وما فيه من الحُجَر والغرف؟. الجواب: لا. إذا كنت لم تشاهده.
وهكذا صفات الله عز وجل , أخبرنا عنها ولم نخبر عن كيفيتها .
وقوله: (العامي : من العمى ), لم أعرف أنه مشتق من العمى إلا الآن فينظر في ذلك، هل هو من العمى؟ أو من العموم؟ أي من عموم الناس , والعامي لا شك أنه هو الجاهل الذي لا يعرف والجهل: عمى . فينظر في ذلك.
القارئ :
فيا أيُّها الطالِبُ ! كن سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، واحْذَر الْمُبْتَدِعَةَ أن يَفتِنُوكَ فإنهم يُوَظِّفُون للاقتناصِ والْمُخاتَلَةِ سُبُلًا ، يَفْتَعِلُون تَعبيدَها بالكلامِ المعسولِ – وهو : ( عَسَلٌ ) مَقلوبٌ
الشيخ :
العسل المقلوب كيف يكون؟ لسع.
القارئ :
وهُطولِ الدَّمعةِ ، وحُسْنِ البَزَّةِ ، والإغراءِ بالْخَيالاتِ ، والإدهاشِ بالكَرَامَاتِ ، ولَحْسِ الأَيْدِي ، وتَقبيلِ الأَكْتَافِ ........
وما وراءَ ذلك إلا وَحَمُ البِدعةِ ، ورَهَجُ الفِتنةِ ، يَغْرِسُها في فؤادِك ويَعْتَمِلُكَ في شِرَاكِه ، فواللهِ لا يَصْلُحُ الأَعْمَى لقِيادةِ العِميانِ وإرشادِهم .
الشيخ :
فضلا عن قيادة المبصرين. أليس كذلك؟ الله المستعان.
القارئ :
أمَّا الأَخْذُ عن عُلماءِ السنَّةِ فالْعَق العَسَلَ ولا تَسَلْ .
وفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ ؛ لتَنْهَلَ من مِيراثِ النُّبُوَّةِ صافيًا ، وإلا ، فلْيَبْكِ على الدِّينِ مَن كان باكيًا .
وما ذَكَرْتُه لك هو في حالِ السَّعةِ والاختيارِ ، أمَّا إن كنتَ في دِراسةٍ نِظاميَّةٍ لا خِيارَ لك ، فاحْذَرْ منه ، مع الاستعاذةِ من شَرِّه ؛ باليَقَظَةِ من دَسائسِه على حَدِّ قولِهم : ( اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ ) ولا تَتخاذَلْ عن الطلَبِ ، فأَخْشَى أن يكونَ هذا من التَّوَلِّي يومَ الزَّحْفِ ، فما عليك إلا أن تَتَبَيَّنَ أَمْرَه وتَتَّقِيَ شَرَّه وتَكْشِفَ سِتْرَهُ .
الشيخ :
هذا احتراز جيد , يعني أنه قد يلجأ إنسان إلى الأخذ عن مبتدع , وذلك في الدراسات النظامية , قد يندب إلى التدريس في علوم العربية أو في علوم أخرى من هو مبتدع ومعروف أنه من أهل البدعة , ولكن ماذا تعمل إذا كانت لا بد أن تدرس على هذا الشيخ ؟ نقول: خذ من خيره ودع شره , إن تكلم أمام الطلاب بما يخالف العقيدة فعليك بمناقشته إن كنت تقدر وإلا فارفعه لمن يقدر على مناقشته , واحذر أن تدخل معه في نقاش لا تستطيع التخلص منه , لأن هذا ضرر، ليس عليك أنت، ضرر على القول الذي تدافع عنه , لأنك إذا فشلت أمام هذا الأستاذ مثلا صار في هذا كسر للحق ونصر للباطل , لكن إذا كان عندك قدرة في مجادلته فعليك بذلك .
وربما يكون في هذا مصلحة للجميع , مصلحة لك أنت يهديه الله على يديك , ومصلحة له هو يهديه الله من بدعته , وهل يقال مثل ذلك في من ابتلوا في الدراسة مع الاختلاط على وجه نظامي ؟ لا، وواحد يقول: نعم , والثاني: يفصل , هاتوا ثالث يفصل، يمكن أن يقال بالتفصيل إن دعت الضرورة لذلك بأن لا يوجد جامعات أو مدارس خالية من ذلك فهنا قد تكون هناك ضرورة , وفي هذه الحال يجب على الطالب أن يبتعد عن الجلوس إلى امرأة أو التحدث معها أو تكرار النظر إليها , يعني بقدر ما يستطيع يبتعد عن الفتنة فأما إذا كان يمكن أن يدرس في مدارس أخرى خالية من الاختلاط , أو بها نصف اختلاط بأن يكون النساء في جانب والرجال في جانب آخر , وإن كان الدرس واحدا فليتق الله ما استطاع .
القارئ :
ومن النُّتَفِ الطريفةِ أنَّ أبا عبدِ الرحمنِ الْمُقْرِئَ حَدَّثَ عن مُرْجِئٍ ، فقيلَ له : لِمَ تُحَدِّثُ عن مُرْجِئٍ ؟ فقالَ : ( أَبيعُكم اللحمَ بالعِظامِ ) .
فالْمُقْرِئُ رَحِمَه اللهُ تعالى حَدَّثَ بلا غَرَرٍ ولا جَهالةٍ إذ بَيَّن فقالَ : ( وكان مُرْجِئًا ) .
الشيخ :
يعني معناه ما من لحم إلا وفيه عظم , فالباء هنا ليست للبدل بل للمصاحبة والمعية ,
فأنا أعلمكم أو أحدثكم بما حدثت به لكن أقول وكان مرجئا , فيكون العظم هنا في وسط اللحم , ولا شك أنه إذا دعت الحاجة إلى التحديث عن شخص صاحب بدعة لا شك أنه يُحَدث عنه لكن يبين حاله .
ما لم تكن بدعته مكفرة فإنه لا يقبل منه الحديث .
القارئ :
وما سَطَّرْتُه لك هنا هو من قَواعدِ مُعْتَقَدِكَ ؛ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ؛ ومنه ما في ( العَقيدةِ السلَفِيَّةِ ) لشيخِ الإسلامِ أبي عثمانَ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرحمنِ الصابونيِّ ؛ قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه ، ولا يُحِبُّونَهُم ، ولا يَصْحَبُونَهم ، ولا يَسْمَعُون كلامَهم ، ولا يُجالسونَهم ولا يُجادلونَهم في الدِّينِ ، ولا يُناظِرُونَهم ، ويَرَوْنَ صَوْنَ آذانِهم عن سَماعِ أباطلهم التي إذا مَرَّتْ بالآذانِ ، وقَرَّتْ في القلوبِ ، ضَرَّتْ ، وجَرَّتْ إليها من الوَساوِسِ والْخَطَراتِ الفاسدةِ ما جَرَتْ ، وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ).
الشيخ :
كلام الصابوني رحمه الله يحتاج إلى بيان , فقوله : (ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه)
لا شك أن هذا أمر واجب، على كل مسلم أن يبغض من أحدث في دين الله ما ليس منه , لكن إذا كانت بدعته غير مكفرة فإنه يبغض من وجه ويحب من وجه آخر , لكن بدعته تبغض بكل حال .
ولا يصحبونه , أيضا الصحبة إذا صحبته تأليفا له ودعوة له فلا بأس لكن بشرط أنك إذا أيست من صلاحه تركته وفارقته .
لا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين , ولا يناظرنهم :
كل هذه تحتاج إلى قيود :
لا يسمعون كلامهم , إذا لم يكن في ذلك فائدة , فإن كان في ذلك فائدة بحيث يسمع كلامه ليرى ما عنده من باطل حتى يرد عليه , فإن السماع والاستماع هنا واجب , لأنه لا يمكنك أن ترد على قول إلا بعد أن تعرفه إذ أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره , وأيضا لا تسمع عن أقوال أهل البدع من أعدائهم بل من كتبهم , لأنه ربما تشوه المقالة , فإذا قلت: أنتم تقولون كذا وكذا قالوا: أبدا ما قلنا بهذا , أين كتبنا؟ ولهذا يخطئ بعض الناس حيث يحكم على شخص ببدعة أو بمفسق دون أن يرجع إلى الأصل , لا بد من الرجوع إلى الأصل لأنك إذا قلت لأحد أهل البدع أنتم قلتم كذا وكذا وقالوا لم نقل هذا هذه كتبنا تخسر كل الجولة ، ولا يوثق بكلامك , كذلك أيضا لا يجادلونهم في الدين, هذا يجب أن يقيد , لأن الله تعالى قال : ( وجادلهم بالتي هي أحسن)
فلا بد من المجادلة , كيف نعرف تميز الحق من الباطل إلا بالمجادلة والمناظرة.
نعم المجادلة التي يقصد بها المراء هذه (...) ويتركون , إذا علمنا أن الرجل يجادل مراءاة ما قصده الحق , فهذا (...) ويترك , وانظر إلى قصة أبي سفيان , حيث جعل ينادي يوم أحد: أفيكم محمد , أفيكم ابن أبي قحافة , أفيكم عمر ؟
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تجيبوه) . لماذا ؟
إهانة له وإذلالاً وعدم مبالاة به , فلما قال : أعل هبل , وافتخر بصنمه وشركه , قال : (أجيبوه) . الآن لا يمكن السكوت.
قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : (الله أعلى وأجلّ).
إذا كان صنمك قد علا اليوم فالله أعلى وأجل.
ثم قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال.يوم بدر لمن؟ للمسلمين , ويوم أحد؟ لهؤلاء المشركين . قالوا له : لا سواء , قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .
هذا أيضا افتخر بقومه واستذل المسلمين فلا بد من مجاوبته , قالوا: لا سواء , قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، على كل الحال المجادلة إذا كان المقصود بها بيان الحق كانت واجبة ولا بد منها, وكذلك المناظرة .
يرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات . هذا صحيح , الإنسان الذي يخشى على نفسه من سماع البدع أن يقع في قلبه شيء فالواجب عليه البعد وعدم السماع , وأما إذا كان عنده من اليقين والقوة والثبات ما لا يؤثر عليه سماعها فإنه إن كان في ذلك مصلحة سمعها , واستحببنا له أن يسمعها، وإن لم يكن في ذلك مصلحة قلنا الأولى أن لا تسمعها لما في ذلك من إضاعة الوقت واللغو.
(وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } )
الآية واضحة , { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } , لكن إذا كنت تريد أن تعرف ما هم عليه من الباطل لترده فإنه لا يدخل في الآية الكريمة .
سؤال : ما هي شروط وحدود إطلاق كلمة مبتدع ؟
الجواب:
هذا يعرف بتعريف البدعة , البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع وبغير ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه من عقيدة أو قول أو فعل , فقولنا: (التعبد) خرج به الأمور العادية , هذه وإن لم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنها لا تضر . لكن إذا فعل الإنسان عبادة يدين الله بها سواء عقيدة أو قول أو فعل فهذه هي البدعة ومن تلبس بها فهو مبتدع .
لكن هل يضلل ويمقت ؟
نقول: لا , حتى تقوم عليه الحجة , ويبين له أن هذه بدعة , فإن أصر حينئذ قلنا إن الرجل فاسق أو كافر حسب ما تقتضيه هذه البدعة .
سؤال: هل الأشعري الذي له خير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن حوزة الدين (...) ؟
إذا كان ينشر بدعته هذا الأشعري يجب أن تبين حاله ولكنه يثنى عليه بما معه من الخير ما لم يحصل بذلك فتنة.
الشيخ:
الذي يبدو لي والله أعلم أنها من العموم ، يعني من عموم الناس، يعني عمومهم ، فالظاهر هذا أنها من العموم، ويدل على هذا أنها تقرن في بعض الأحيان بالخاصة ، لأن الخاصة هم: حاشية الإنسان وأقاربه وأصدقاؤه وما أشبه ذلك، الظاهر أنه من عموم الناس، العامة يعني عموم الناس ، الذين لا يتميزون في شيء، هذا كلام الشيخ بكر كل يخطئ ويصيب .
الكلام السابق كان بحث جديد على كلمة العامّي ، لأن الشيخ بكر قال: إنه من العمى، وطلبت من القارئ أن يبحث الموضوع فتبين لنا أن مقتضى المادة أنه مأخوذ من العموم وأن العامية المنسوب للعامة، يعني عامة الناس، الذين لا يتميزون بشيء يختصون به.
فهذا كان بحث من أجل كلمة العامي.
القارئ :
بسم الله الرحمن الرحيم، قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
وعن سليمانَ بنِ يَسَارٍ أنَّ رَجُلًا يقالُ له : صَبِيغٌ ، قَدِمَ المدينةَ ، فجَعَلَ يَسألُ عن مُتشابِهِ القرآنِ ؟ فأَرْسَلَ إليه عمرُ رَضِي اللهُ عَنْهُ وقد أَعَدَّ له عَراجينَ النخْلِ ، فقالَ : مَن أنت ؟ قال : أنا عبدُ اللهِ صَبِيغٌ ، فأَخَذَ عُرجونًا من تلك العَراجينِ فضَرَبَه حتى دَمِي رأسُه ، ثم تَرَكَه حتى برَأَ ، ثم عادَ، ثم تَرَكَه حتى بَرَأَ ، فدَعَى به ليَعودَ ، فقالَ : إن كنتَ تُريدُ قَتْلِي ، فاقْتُلْنِي قَتْلًا جَميلًا فأَذِنَ له إلى أرْضِه ، وكتَبَ إلى أبي موسى الأشعريِّ باليَمَنِ : لا يُجالِسْهُ أحَدٌ من المسلمينَ .رواه الدارِمِيُّ .
وقيلَ : كان مُتَّهَمًا برأيِ الخوارجِ .
الشيخ :
هذا الحديث إذا صح سنده واتصاله فهو يدل على شدة عمر رضي الله عنه , على أولئك الذين يريدون المتشابه من القرآن , لأنه كان يورد آيات متشابه.
مثلا يقول : ( لا يؤذن لهم فيعتذرون )
ثم يأتي بالآيات الأخرى التي تدل على أنهم يعتذرون ولا يقبل منهم . ويأتي يقول : ( ولا يكتمون الله حديثا )
ثم يأتي بآيات أخرى تدل على إقرارهم بذنوبهم .
وما أشبه ذلك . وهذا لا شك أنه سعي في الأرض بالفساد وتشكيك الناس ، وحقَّ لمن هذه حاله أن يفعل به أمير المؤمنين رضي الله عنه ما فعل .
وفيه أيضا : أن بعض الناس قد يورد المتشابهات لاشتباهها عليه حقيقة وهذا لا يلام , قد يورد المتشابهات لأنه من الأصل لم يركز نفسه على إرادة الجمع بين النصوص , فتجده دائما يتتبع الأشياء المتشابهة ثم يأتي: ما الجمع بين كذا وكذا؟ .
وهذه الحقيقة مهنة ليست جيدة . وأذكر أن محمد الخلوتي رحمه الله , كان له حاشية على متن (الممتع) , وكان كل ما أتى ببحث قال: يحتمل كذا ويحتمل كذا , فلقب عند بعض طلبة العلم بالشكاك لأنه لا يستقر على رأي .
ولهذا ينبغي أن تتخذ لنفسك طريقا بأن تبني على أن الأمور واضحة ولا تتبع المتشابهات , لأنك إن تتبعت المتشابهات ربما تزل .
عرجون النخل : العذق الذي فيه التمر , قال تعالى: ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )
القارئ :
والنوويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ في كتابِ ( الأذكارِ ) : ( بابُ : التَّبَرِّي من أهلِ البِدَعِ والمعاصِي ) .
وذَكَرَ حديثَ أبي موسى رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ من الصالِقَةِ ، والحالِقَةِ ، والشاقَّةِ ) . متَّفَقٌ عليه .
الشيخ :
هذه الثلاث معناها واضح:
الصالقة : هي التي ترفع صوتها بالنياحة .
والحالقة : التي تحلق شعرها تسخطا , وسواء حلقته بالموسى أو نتفته باليد .
والشاقة : التي تشق الجيب عند المصيبة.
وإنما برئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هؤلاء الثلاث , لعدم رضاهن بالقدر , ومن فعل من الرجال مثلهن فحكمه حكمهن .
لكنه ذكر ذلك لأن الغالب أن هذا يقع من النساء لأن الرجال أشد تحملا من النساء .
القارئ:
وعن ابنِ عمرَ بَراءَتُه من القَدَرِيَّةِ . رواه مسْلِمٌ .
الشيخ :
لأنه لما حدث بأن عندهم قوما يقولون: إن الأمر أُنف : يعني مستأنف وأن الله لم يقدره من قبل . قال للذي بلغه: أخبرهم بأن ابن عمر منهم بريء.
لأنهم أنكروا قضاء الله وقدره السابق.
تدرون من هم القدرية : هل هم الذين يثبتون القدر أم الذين ينفون القدر ؟
الذين ينفون القدر .
وهي نسبة عكسية لأن الذي يسمع القدرية يظن أن المعنى هم الذين يثبتون القدر . والأمر بالعكس , فهي نسبة سلب لا إيجاب , وهؤلاء القدرية يسمون مجوس هذه الأمة , وقد وردت في ذلك أحاديث , ووجه ذلك : أنهم جعلوا للحوادث محدثين , الحوادث الكونية التي من فعل الله أحدثها الله عز وجل كإنشاء الغيم وإنزال المطر وما أشبه ذلك , والحوادث التي تكون من فعل العبد استقل بها العبد , فهم يرون أن العبد مستقل بعمله وأن الله تعالى لا علاقة له به , إطلاقا , ولهذا سموا مجوسا لأنهم كالمجوس الذين يقولون: إن للحوادث خالقين , النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر .
القارئ :
والأمرُ في هَجْرِ المبتدِعِ يَنْبَنِي على مُراعاةِ المصالِحِ وتَكثيرِها ودَفْعِ الْمَفاسِدِ وتَقْلِيلِها ، وعلى هذا تَتَنَزَّلُ المشروعيَّةُ من عَدَمِها ؛ كما حَرَّرَه شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في مَوَاضِعَ .
الشيخ :
إذن عاد الشيخ إلى ما ذكرنا بالأمس وهو أن ينظر إلى المصالح , فإذا رأينا أن من المصلحة أن لا نهجره ولكن نبين الحق , لا نداهنه ونبقيه على بدعته ونقول: أنت على بدعتك ونحن على سنتنا , إذا رأينا من المصلحة هذا فترك الهجر أولى , وإن رأينا من المصلحة الهجر بأن يكون أهل السنة أقوياء وأولئك ضعفاء مهزومين فالهجر أولى .
القارئ :
والمبتدِعَةُ إنما يَكْثُرون ويَظْهَرون ؛ إذا قَلَّ العِلْمُ ، وفَشَا الْجَهْلُ، وفيهم يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رحِمَهُ اللهُ تعالى : ( فإنَّ هذا الصِّنْفَ يَكْثُرُون ويَظهرونَ إذا كَثُرَت الجاهليَّةُ وأَهْلُها ، ولم يكنْ هناك من أَهْلِ العلْمِ بالنُّبُوَّةِ والمتابَعَةِ لها مَن يُظْهِرُ أنوارَها الماحيةَ لظُلمةِ الضَّلالِ ، ويَكشِفُ ما في خِلافِها من الإِفْكِ والشرْكِ والْمُحَالِ ) اهـ .
فإذا اشْتَدَّ ساعِدُك في العِلْمِ ، فاقْمَعْ المبتدِعَ وبِدعتَه بلسانِ الْحُجَّةِ والبيانِ ، والسلامُ .
الشيخ :
صحيح، إذا اشتد ساعدك في العلم , أما إذا لم يكن عندك العلم الوافي في رد البدعة فإياك أن تجادل . لأنك إذا هزمت وأنت سني لعدم قدرتك على مدافعة هذا المبتدع , فهو هزيمة لمن ؟ هزيمة للسنة , ولذلك لا نرى أنه يجوز للإنسان أن يجادل مبتدعا إلا وعنده قدرة على مجادلته .
وهكذا أيضا مجادلة غير المبتدعة - الكفار - لا نجادلهم وإلا ونحن نعلم أننا على يقين من أمرنا , وإلا كان الأمر عكسيا , بدل أن يكون الانتصار لنا ولما نحن عليه من دين وسنة , يكون الأمر بالعكس .
ومن ذلك يعني من قوة الحجة أن يكون معك من يساعدك , كما قال الشاعر :
لا تخاصم بواحد أهل بيت = فضعيفان يغلبان قويا
إذا صار معك أحد فإن حجتك سوف تقوى . لأن هو يقمعهم من الخد الأيمن وأنت تقمعهم من الخد الأيسر ، حتى يضيع. (...)
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد
تم التهذيب بواسطة زمزم