القارئ :
قال المؤلف :
الثبات والتثبت : تحل بالثبات والتثبت ، لا سيما في الملمات والمهمات ، ومنه : الصبر والثبات في التلقي ، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ "من ثبت نبت".
الشيخ :
هاتان الصفتان ذكرهما المؤلف في آداب طالب العلم المتعلقة بنفسه ، الصفة الأولى: الثبات ؛ والثبات يراد به البقاء على الأمر المعروف و عدم الانتقال عنه إلى غيره،
والثبات تشمل الثبات في المعتقدات بحيث لا ينجر الإنسان في معتقده لأي متكلم يتكلم معه حتى يكون متثبتا في أمره.
الثاني : الثبات فيما يتعلق في التصرفات ، فلا يكون الإنسان من أتباع كل ناعق كلما تكلم متكلم سار معه و إنما يكون ثابتا على مبدئه وطريقته.
الثالث : الثبات فيما يتعلق بنصرة الأشخاص ، فلا ينصر العبد إلا إذا علم أنه على حق وأما أن ينصر قريبه أو صاحب بلده بدون أن يكون متثبتا من حاله فهذا يكون من العصبية المذمومة وحمية الجاهلية. الرابع : الثبات فيما يتعلق بما يؤديه العبد من الأعمال الصالحة بحيث لا تصرفه الصوارف عن عمله الصالح الذي يؤديه سواءا كان من الفرائض أو النوافل ، وتعلمون أنّ النصوص قد جاءت في الترغيب في المداومة على الأعمال الصالحة وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) ، وقد روي مرفوعا وموقوفا .
الأمر الخامس : مما يؤمر بالثبات فيه الثبات في طلب العلم بحيث لا تأتي المشغلات فتشغل الطالب عن طلبه للعلم ، وهذه مسألة مهمة جدا ينبغي الالتفات إليها فإنّ بعض الناس عندما يأتيه أدنى أمر ينشغل عن طلب العلم ولا يثبت فيه ، وحينئذ لا يرزق بركته و لا يستمر معه ، و نجد طلبة العلم كثر ثم بعد ذلك لا يثبتون وما ذلك إلا لانشغال مرات بتوافه ومرات بلعب ومرات بلهو ومرات بهيشات ومرات بأمور لا تناسب طالب العلم ، ولذلك هذه الهيشات وهذه المشغلات لا تكون سببا في انصراف طالب العلم عن طلب العلم ، ولذلك ذكر المؤلف هنا أو رغب في الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب على الأشياخ ، فإنّ (من ثبت) يعني في طلب العلم ، (نبت) وأصبح عالما، وأما من بذل من وقته شيئا ثم انصرف فإنه لا يستفيد العلم .
والصفة الثانية : التثبت بحيث لا يقبل ما يرد عليه من الواردات حتى يكون متيقنا من أنه الحق وأنه الصحيح وهذا يشمل أمورا :
أولها : ما يتعلق بالمعتقدات فإذا وردت إليك مسألة عقدية كلام من أحد الناس فتثبت فيها .
وثانيها : التثبت فيما يتعلق بالأحاديث التي تورد على الإنسان ، فلا يأخذ منها إلا ما تثبت أنه صحيح ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما بمعرفة إسناده ، أو بمعرفة من صححه من أهل العلم ، أو بنقله من عالم التزم الصحة في حديثه و فيما ينقله من الأحاديث.
الثالث : التثبت في نسبة الأقوال إلى علماء الشريعة ، فكم من مرة وجدنا أقوالا تنسب إلى فقهاء وهم منها برءاء ، وهذا في مسائل عظيمة من مسائل العقائد فضلا عن مسائل الفقه ، وإذا نظر الإنسان إلى مثل هذا وجده كثيرا ، حتى أنهم قالوا عن بعض المسائل هذه مسائل التراجم أو قول التراجم ما معنى قول التراجم : هي القول الذي ترجم كل طائفة به الطائفة الأخرى بدون أن يكون صحيحا ، مثال ذلك : مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ إذا نظرنا إلى كتب الأصول عند الحنفية قالوا: وقد قالت الشافعية بأنّ الكفار غير مخاطبين ، وإذا نظرنا إلى كتب الشافعية وجدناهم يقولون: الحنفية يقولون بأنّ الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ، وإذا نظرت مثلا إلى مسألة التصويب والتخطئة في المعتقدات وجدناهم أنهم ينسبون أقوالا عظيمة إلى عبيد الله بن حسن العنبري وهو منه براء ، بل ينسبون إلى طوائف كثيرة أقوالا هم منها براء ، وفي نفس الوقت في مثل هذه المسألة -مسألة التأثيم في الخطأ في مسائل العقائد- نجدهم ينسبون إلى جماهير أهل العلم بخلاف ما يقولون به ، -فمسألة التصويب والتخطئة- نجد أئمة كالنووي وابن حجر يقولون: الجمهور أو ينسبون إلى الجمهور أنهم يقولون بأنّ كل مجتهد مصيب، ولعلهم يقصدون جمهور الأشاعرة وإلا فإنّ جمهور أهل العلم من بقية الطوائف يقولون بخلاف هذا؛ يقولون أنّ المصيب واحد وأنّ ما عاداه مخطئ ،
وهكذا أيضا فيما يتعلق بالأخبار التي يتناقلها الناس يكون الإنسان متثبتا فيها ولا يتقبل منها إلا ما يكون قد قامت عليه القرائن والدلائل على صحته وقد قال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وورد في بعض القراءات فتثبتوا .