دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعراب الأسماء الستة


وارْفَعْ بواوٍ وانْصُبَنْ بالألِفْ =واجْرُرْ بياءٍ ما مِن الأسْمَا أَصِفْ
مِنْ ذاكَ ذُو إنْ صُحبةً أَبَانَا= والفمُ حيثُ الميمُ منهُ بَانَا
أبٌ أخٌ حمٌ كذاكَ وهَنُ= والنَّقْصُ في هذا الأخيرِ أَحْسَنُ
وفي أبٍ وتالِيَيْهِ يَنْدُرُ = وقَصْرُها مِنْ نَقْصِهنَّ أَشْهَرُ
وشرْطُ ذا الإعرابِ أنْ يُضَفْنَ لا =لِلْيَا كجَا أخو أبيكَ ذا اعْتِلَا


  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

وارْفَعْ بوَاوٍ وَانْصِبَنَّ بالأَلِفْ = واجْرُرْ بِيَاءٍ ما مِنَ الأَسْمَا أَصِفْ ([1])
شَرَعَ في بيانِ ما يُعْرَبُ بالنيابةِ عمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، والمرادُ بالأسماءِ التي سَيَصِفُها الأسماءُ الستَّةُ، وهي أبٌ وأخٌ وحَمٌ وهَنٌ وفُوهُ وذُو مالٍ، فهذه تُرْفَعُ بالواوِ، نحوُ: (جاءَ أبو زيدٍ) وتُنْصَبُ بالألفِ، نحوُ: (رأيْتُ أباه)، وتُجَرُّ بالياءِ، نحوُ: (مَرَرْتُ بأَبِيهِ)، والمشهورُ أنها مُعْرَبَةٌ بالحروفِ، فالواوُ نائبةٌ عن الضمَّةِ، والألفُ نائبةٌ عن الفتحةِ، والياءُ نائبةٌ عن الكسرةِ، وهذا هو الذي أشارَ إليه المصنِّفُ بقولِهِ: (وارْفَعْ بواوٍ..) إلى آخرِ البيتِ.
والصحيحُ أنها معربةٌ بحَرَكَاتٍ مقدَّرةٍ على الواوِ والألفِ والياءِ، فالرفعُ بضمَّةٍ مقدَّرةٍ على الواوِ، والنصبُ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ، والجرُّ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على الياءِ، فعلى هذا المذهَبِ الصحيحِ لم يَنُبْ شيءٌ عن شيءٍ ممَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ ([2]).
مِن ذاكَ (ذُو) إنْ صُحْبَةً أَبَانَا = والفَمُ حَيْثُ المِيمُ مِنْهُ بَانَا ([3])
أي: من الأسماءِ التي تُرْفَعُ بالواوِ وتُنْصَبُ بالألفِ وتُجَرُّ بالياءِ ذُو وفَمٌ، ولكنْ يُشْتَرَطُ في (ذو) أنْ تكونَ بمعنى صاحبٍ، نحوُ: (جَاءَنِي ذُو مالٍ)؛ أي: صاحِبُ مالٍ، وهو المرادُ بقولِهِ: (إنْ صُحْبَةً أَبَانَا) أي: إنْ أَفْهَمَ صُحْبَةً، واحْتَرَزَ بذلك عن (ذو) الطَّائِيَّةِ؛ فإنَّها لا تُفْهِمُ صُحْبَةً، بل هي بمعنَى الذي، فلا تكونُ مثلَ (ذي) بمعنى صاحبٍ، بل تكونُ مبنيَّةً، وآخِرُها الواوُ رفعاً ونصباً وجرًّا، نحوُ: (جاءَنِي ذو قامَ، ورأيتُ ذُو قامَ، ومَرَرْتُ بذو قامَ)، ومنه قولُه:
4- فإمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ = فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا ([4])

وكذلك يُشترَطُ في إعرابِ الفَمِ بهذه الأحرفِ زَوَالُ الميمِ منه، نحوُ: (هذا فُوهُ، ورأَيْتُ فاهُ، ونَظَرْتُ إلى فِيهِ) وإليه أشارَ بقولِه: (وَالْفَمُ حَيْثُ المِيمُ مِنْهُ بَانَا)؛ أي: انْفَصَلَتْ منه الميمُ؛ أي: زالَتْ مِنه، فإنْ لم تَزُلْ مِنه أُعْرِبَ بالحركاتِ، نحوُ: (هذا فمٌ، ورأيتُ فَماً، ونَظَرْتُ إلى فَمٍ).
أَبٌ أَخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ = وَالنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ أَحْسَنُ ([5])
وفي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ = وقَصْرُهَا مِن نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ ([6])
يعني: أن (أباً وأخاً وحَماً) تَجْرِي مَجْرَى (ذُو وفَمٍ) اللذيْنِ سَبَقَ ذِكْرُهُما، فتُرْفَعُ بالواوِ، وتُنْصَبُ بالألفِ، وتُجَرُّ بالياءِ، نحوُ: (هذا أَبُوه وأخوه وحَمُوها، ورأيتُ أباه وأخاه وحَمَاها، ومَرَرْتُ بأبيه وأخيه وحَمِيها)، وهذه هي اللغةُ المشهورةُ في هذه الثلاثةِ، وسَيَذْكُرُ المصنِّفُ في هذه الثلاثةِ لُغَتيْنِ أُخْرَيَيْنِ.
وأمَّا (هَنٌ) فالفصيحُ فيه أنْ يُعْرَبَ بالحَرَكَاتِ الظاهرةِ على النونِ، ولا يكونَ في آخِرِه حرفُ عِلَّةٍ، نحوُ: (هذا هَنُ زَيْدٍ، ورأيتُ هَنَ زيدٍ، ومَرَرْتُ بِهَنِ زَيْدٍ) ([7]) وإليه أشارَ بقولِه: (والنَّقْصُ في هذا الأخيرِ أَحْسَنُ)؛ أي: النقصُ في (هَنٍ) أحسنُ من الإتمامِ، والإتمامُ جائزٌ، لكنَّه قليلٌ جِدًّا، نحوُ: ( هذا هَنُوهُ، ورأيتُ هَنَاهُ، ونَظَرْتُ إلى هَنِيهِ)، وأَنْكَرَ الفَرَّاءُ جوازَ إتمامِه، وهو محجوجٌ بحكايةِ سِيبَوَيْهِ الإتمامَ عن العربِ، ومَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحْفَظْ.
وأشارَ المصنِّفُ بقولِهِ: (وَفِي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ....) إلى آخرِ البيتِ، إلى اللُّغَتَيْنِ الباقيتيْنِ في (أبٍ) وتالِيَيْهِ؛ وهما (أَخٌ وحَمٌ) فإحدى اللغتيْنِ النقصُ، وهو حذفُ الواوِ والألفِ والياءِ والإعرابُ بالحركاتِ الظاهرةِ على الباءِ والخاءِ والميمِ، نحوُ: (هذا أَبُهُ وأَخُهُ وحَمُهَا، ورَأَيْتُ أَبَهُ وأَخَهُ وحَمَهَا، ومَرَرْتُ بِأَبِهِ وَأَخِهِ وحَمِهَا) وعليه قولُه:
5- بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الْكَرَمْ = وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ ([8])
وهذه اللغةُ نادرةٌ في (أَبٍ) وتَالِيَيْهِ؛ ولهذا قالَ: (وفي أبٍ وتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ)؛ أي: يَنْدُرُ النقصُ، واللغةُ الأخرَى في (أبٍ) وتَالِيَيْهِ أنْ يكونَ بالألفِ رفعاً ونصباً وجرًّا، نحوُ: (هذا أباهُ وأخاهُ وحَماها، ورأيتُ أَبَاهُ وأخاه وحماها، ومَرَرْتُ بأباهُ وأخاهُ وحَماها)، وعليه قولُ الشاعرِ:
6- إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا = قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا([9])
فعلامةُ الرفعِ والنصبِ والجرِّ حركةٌ مقدَّرةٌ على الألفِ، كما تُقَدَّرُ في المقصورِ، وهذه اللغةُ أشهرُ من النقصِ.
وحاصلُ ما ذَكَرَه أنَّ في (أَبٍ وأَخٍ وحَمٍ) ثلاثَ لغاتٍ، أَشْهَرُها أنْ تكونَ بالواوِ والألفِ والياءِ، والثانيةُ: أنْ تكونَ بالألفِ مُطلقاً ([10])، والثالثةُ: أنْ تُحْذَفَ مِنها الأحرفُ الثلاثةُ، وهذا نادرٌ، وأن في (هَنٍ) لُغَتَيْنِ: إحداهما: النَّقْصُ، وهو الأشهرُ، والثانيةُ: الإتمامُ، وهو قليلٌ.
وشرطُ ذا الإعرابِ أنْ يُضَفْنَ لاَ = لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ ([11])
ذكَرَ النَّحْوِيُّونَ لإعرابِ هذه الأسماءِ بالحروفِ شروطاً أربعةً:
أَحَدُها: أنْ تكونَ مُضافةً، واحْتُرِزَ بذلك مِن ألاَّ تضافَ؛ فإنَّها حينَئذٍ تُعْرَبُ بالحركاتِ الظاهرةِ، نحوُ: (هذا أبٌ، ورأَيْتُ أباً، ومَرَرْتُ بأَبٍ).
الثاني: أنْ تُضافَ إلى غيرِ ياءِ المتكلِّمِ، نحوُ: (هذا أبو زَيْدٍ وأَخُوه وحَمُوه)، فإنْ أُضِيفَتْ إلى ياءِ المتكلِّمِ أُعْرِبَتْ بحَرَكَاتٍ مقدَّرَةٍ، نحوُ: (هذا أبي، ورَأَيْتُ أبي، ومَرَرْتُ بأبي) ولم تُعْرَبْ بهذه الحروفِ، وسيأتي ذِكْرُ ما تُعْرَبُ به حينَئذٍ.
الثالثُ: أنْ تكونَ مُكَبَّرَةً، واحْتُرِزَ بذلك مِن أنْ تكونَ مصغَّرةً؛ فإنَّها حينَئذٍ تُعْرَبُ بالحركاتِ الظاهرةِ، نحوُ: (هذا أُبَيُّ زيدٍ وذُوَيُّ مالٍ، ورأيتُ أُبَيَّ زَيدٍ وذُوَيَّ مالٍ، ومَرَرْتُ بأُبَيِّ زيدٍ وذُوَيِّ مالٍ).
الرابعُ: أنْ تكونَ مُفْرَدَةً، واحْتُرِزَ بذلك مِن أنْ تكونَ مجموعةً أو مُثَنَّاةً، فإنْ كانَتْ مجموعةً أُعْرِبَتْ بالحركاتِ الظاهرةِ ([12]) نحوُ: (هؤلاءِ آبَاءُ الزَّيْدِينَ، ورَأَيْتُ آبَاءَهُم، ومَرَرْتُ بآبائِهِم)، وإن كانَتْ مُثَنَّاةً أُعْرِبَتْ إعرابَ المثنَّى؛ بالألفِ رفعاً، وبالياءِ جرًّا ونصباً، نحوُ: (هذانِ أبوا زَيْدٍ، ورَأَيْتُ أَبَوَيْهِ، ومَرَرْتُ بأَبَوَيْهِ).
ولم يَذْكُرِ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى مِن هذه الأربعةِ سِوَى الشرطيْنِ الأَوَّلَيْنِ، ثمَّ أشارَ إليهما بقولِه: (وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لاَ لِلْيَا)؛ أي: شرطُ إعرابِ هذه الأسماءِ بالحروفِ أنْ تُضافَ إلى غيرِ ياءِ المتكلِّمِ، فعُلِمَ من هذا أنه لا بُدَّ مِن إضافتِها، وأنه لا بُدَّ أنْ تكونَ إضافتُها إلى غيرِ ياءِ المتكلِّمِ.
ويُمْكِنُ أنْ يُفْهَمَ الشرطانِ الآخَرَانِ مِن كلامِه؛ وذلك أنَّ الضميرَ في قَوْلِهِ: (يُضَفْنَ) راجعٌ إلى الأسماءِ التي سَبَقَ ذِكْرُها، وهو لم يَذْكُرْها إلاَّ مُفْرَدَةً مكبَّرَةً، فكأنَّه قالَ: وشَرْطُ ذا الإعرابِ أنْ يُضافَ أبٌ وإخوتُه المذكورةُ إلى غيرِ ياءِ المتكلِّمِ.
واعْلَمْ أنَّ (ذو) لا تُسْتَعْمَلُ إلاَّ مضافةً، ولا تُضافُ إلى مُضْمَرٍ، بل إلى اسمِ جِنْسٍ ظاهرٍ غيرِ صفةٍ، نحوُ: (جَاءَنِي ذُو مالٍ) فلا يَجُوزُ: (جاءَنِي ذُو قائمٍ) ([13]).


([1]) (وارْفَع) الواوُ للاستئنافِ، ارْفَعْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (بواوٍ) مُتَعَلِّقٌ بارْفَعْ، (وَانْصِبَنَّ) الواوُ عاطفةٌ، انْصِب: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على الفتحِ لاتصالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، وهو معطوفٌ على ارْفَعْ، (بالألفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِب، (واجْرُر) الواوُ عاطفةٌ، اجْرُرْ: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، وهو معطوفٌ على ارْفَعْ، (بياءٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْرُرْ، (ما) اسمٌ موصولٌ تُنَازِعُه الأفعالُ الثلاثةُ، (مِن الأَسْمَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَصِفِ الآتي، أو بمحذوفٍ حالٍ مِن ما الموصولةِ، (أَصِفْ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، والجملةُ صلةُ الموصولِ لا محلَّ لها من الإعرابِ، والعائدُ ضميرٌ محذوفٌ منصوبُ المَحَلِّ بأَصِفْ؛ أي: الذي أَصِفُه.
([2]) في هذه المسألةِ أقوالٌ كثيرةٌ: وأشهرُ هذه الأقوالِ ثلاثةٌ: الأوَّلُ: أنها معربةٌ من مكانٍ واحدٍ، والواوُ والألفُ والياءُ هي حروفُ الإعرابِ، وهذا رأيُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، وإليه ذهَبَ أبو الحسنِ الأَخْفَشُ في أحدِ قَوْلَيْهِ، وهو الذي ذَكَرَه الناظِمُ هنا ومالَ إليه.
والثاني: أنها معربةٌ مِن مكانٍ واحدٍ أيضاًً، وإعرابُها بحَرَكَاتٍ مقدَّرةٍ على الواوِ والألفِ والياءِ، فإذا قُلْتَ: (جاءَ أَبُوكَ) فأبوكَ: فاعلٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرةٍ على الواوِ مَنَعَ مِن ظُهُورِها الثِّقَلُ، وهذا مذهَبُ سِيبَوَيْهِ، وهو الذي ذَكَرَه الشارِحُ وزَعَمَ أنه الصحيحُ، ورَجَّحَهُ الناظِمُ في كِتَابِه (التَّسْهِيلِ)، ونَسَبَه جماعةٌ مِن المتأخِّرينَ إلى جمهورِ البَصْرِيِّينَ، والصحيحُ أنَّ مَذْهَبَ هؤلاءِ هو الذي قَدَّمْنَا ذِكْرَه.
قالَ أتباعُ سِيبَوَيْهِ: إنَّ الأصلَ في الإعرابِ أنْ يكونَ بحَرَكَاتٍ ظاهرةٍ أو مُقَدَّرَةٍ، فمَتَى أَمْكَنَ هذا الأصلُ لم يَجُزِ العدولُ عنه إلى الفروعِ، وقد أَمْكَنَ أنْ نَجْعَلَ الإعرابَ بحركاتٍ مقدَّرةٍ، فيَجِبُ المصيرُ إليه.
والقولُ الثالثُ: قولُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ، وحاصِلُه أنها معربةٌ مِن مكانيْنِ، قالُوا: إنَّ الحركاتِ تكونُ إعراباً لهذه الأسماءِ في حالِ إفرادِها؛ أي: قَطْعِها عن الإضافةِ، فتقولُ: هذا أبٌ لكَ، وقد رَأَيْتُ أخاً لكَ، ومَرَرْتُ بحَمٍ، فإذا قلتَ في حالِ الإضافةِ: (هذا أبوكَ) فالضمَّةُ باقيةٌ على ما كانَتْ عليه في حالِ الإفرادِ، فوَجَبَ أنْ تكونَ علامةَ إعرابٍ؛ لأنَّ الحركةَ التي تكونُ علامةَ إعرابٍ للمفردِ في حالةِ إفرادِه هي بعينِها التي تكونُ علامةً لإعرابِه في حالِ إضافتِه، ألاَ تَرَى أنكَ تقولُ: (هذا غلامٌ) فإذا قلتَ: (هذا غلامُكَ) لم يَتَغَيَّرِ الحالُ؟ فكذا هنا، وكذا الواوُ والألفُ والياءُ معَ هذه الحركاتِ في حالِ إضافةِ الأسماءِ الستَّةِ تَجْرِي مَجْرَى الحركاتِ في كَوْنِها إعراباً، بدليلِ أنها تَتَغَيَّرُ في حالِ الرفعِ والنصبِ والجرِّ.
فدَلَّ ذلكَ على أنَّ الضَّمَّةَ والواوُ جميعاً علامةٌ للرفعِ، والفتحةَ والألفَ جميعاً علامةٌ للنصبِ، والكسرةَ والياءَ جميعاً علامةٌ للجرِّ، وإنما أَلْجَأَ العربَ إلى ذلك قِلَّةَ حروفِ هذه الأسماءِ، فرَفَدُوها ـ في حالِ الإضافةِ التي هي من خصائصِ الاسمِ ـ بحروفٍ زائدةٍ؛ تكثيراً لحروفِها.
([3]) (مِن ذاكَ) مِن ذا: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، والكافُ حرفُ خطابٍ، (ذُو) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (إنْ) حرفُ شرطٍ، (صُحْبَةً) مفعولٌ به مقدَّمٌ لأبانَ، (أَبَانَا) أبانَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ذُو، وأَلِفُه للإطلاقِ، وهو فعلُ شرطٍ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جزمٍ، والجوابُ محذوفٌ، والتقديرُ: إنْ أَبَانَ ذُو صُحْبَةً فارْفَعْهُ بالواوِ، (وَالْفَمُ) معطوفٌ على ذو، (حَيْثُ) ظرفُ مكانٍ، (المِيمُ) مبتدأٌ، (مِنْهُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ببانَ الآتي، (بَانَا) فعلٌ ماضٍ بمعنى انْفَصَلَ، مبنيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الميمِ، وألِفُه للإطلاقِ، وجُمْلَتُه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو قولُه: (المِيمُ) وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (حيثُ) إليها.
([4]) هذا بيتٌ من الطويلِ، وهو من كلامِ مَنْظُورِ بنِ سُحَيْمٍ الفَقْعَسِيِّ، وقد اسْتَشْهَدَ به ابنُ هِشامٍ في (أَوْضَحِ المسالِكِ) (ش 7) في مبحثِ الأسماءِ الستَّةِ، وفي بابِ الموصولِ، كما فَعَلَ الشارِحُ هنا، واسْتَشْهَدَ به الأَشْمُونِيُّ (ش155) مرتيْنِ أيضاًً، وقبلَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ به قولُه:
ولَسْتُ بِهَاجٍ فِي الْقِرَى أَهْلَ مَنْزِلٍ = عَلَى زَادِهِمْ أَبْكِي وأُبْكِي الْبَوَاكِيَا
فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ = فحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ ...البيتَ
وإمَّا كِرَامٌ مُعْسِرُونَ عَذَرْتُهُمْ = وإِمَّا لِئَامٌ فَادَّخَرْتُ حَيَائِيَا
وعِرْضِيَ أَبْقَى مَا ادَّخَرْتُ ذَخِيرَةً = وبَطْنِيَ أَطْوِيهِ كَطَيِّ رِدَائِيَا
اللغةُ: (هاجٍ) اسمُ فاعلٍ مِن الهجاءِ، وهو الذمُّ والقَدْحُ، تَقُولُ: هَجَاهُ يَهْجُوهُ هَجْواً وهِجَاءً، (القِرَى) بكسرِ القافِ مقصوراً: إكرامُ الضيفِ، و(في) هنا دالَّةٌ على السببيَّةِ والتعليلِ، مِثْلُها في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ)). أي: بسببِ هِرَّةٍ ومِن أجلِ ما صَنَعَتْه معَها. يُرِيدُ أنه لنْ يَهْجُوَ أحداً ولنْ يَذُمَّه ويَقْدَحَ فيه بسببِ القِرَى على أيَّةِ حالٍ؛ وذلك لأنَّ الناسَ على ثلاثةِ أنواعٍ:
النوعُ الأوَّلُ: كِرَامٌ مُوسِرُونَ.
والنوعُ الثاني: كِرامٌ مُعْسِرُونَ غيرُ واجدينَ ما يُقَدِّمُونَه لضِيفَانِهِم.
والنوعُ الثالثُ: لئامٌ بِهِمْ شُحٌّ وبُخْلٌ وضَنَانَةٌ.
وقد ذَكَرَ هؤلاء الأنواعَ الثلاثةَ، وذَكَرَ معَ كلِّ واحدٍ حالَه بالنسبةِ له، ( كِرَامٌ) جمعُ كريمٍ، وأرادَ الطيِّبَ العُنْصُرِ الشريفَ الآباءِ، وقابَلَهُم باللئامِ، (مُوسِرُونَ) ذَوُو مَيْسَرَةٍ وغِنًى وعندَهم ما يُقَدِّمُونَه للضِّيفَانِ، (مُعْسِرُونَ) ذَوُو عُسْرَةٍ وضِيقٍ لا يَجِدُونَ ما يُقَدِّمُونَه معَ كَرَمِ نُفُوسِهِم وطِيبِ عُنْصُرِهِم.
الإعرابُ: (إما) حرفُ شرطٍ وتفصيلٍ، مبنيٌّ على السكونِ لا محلَّ له من الإعرابِ، (كِرَامٌ) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه السياقُ، وتقديرُ الكلامِ: إمَّا لَقِيَنِي كِرامٌ، ونحوُ ذلك، مرفوعٌ بذلكَ الفعلِ المحذوفِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، (مُوسِرُونَ) نعتٌ لكِرَامٌ، ونعتُ المرفوعِ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِه الواوُ نيابةً عن الضمَّةِ؛ لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالمٍ، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المفردِ، (لَقِيتُهُمْ) لَقِيَ: فِعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على فتحٍ مقدَّرٍ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، والتاءُ ضميرُ المتكلِّمِ فاعلُ لَقِيَ، مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ رفعٍ، وضميرُ الغائبينَ العائدُ إلى كِرامٌ مفعولٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ نصبٍ، وجملةُ الفعلِ الماضي وفاعلِه ومفعولِه لا محلَّ لها من الإعرابِ؛ تفسيريَّةٌ، (فحَسْبِيَ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، حرفٌ مبنيٌّ على الفتحِ لا محلَّ له مِن الإعرابِ، حَسْب: اسمٌ بمعنَى كافٍ خبرٌ مقدَّمٌ، وحَسْب مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جرٍّ، (مِن) حرفُ جرٍّ مبنيٌّ على السكونِ لا محلَّ له ، (ذو) اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بمِن، وإنْ رُوِيَتْ (ذِي) فهو مجرورٌ بمِن، وعلامةُ جرِّه الياءُ نيابةً عن الكسرةِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بحَسْب، (عِنْدَهُمْ) عندَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ يَقَعُ صلةً للموصولِ الذي هو ذو بمعنَى الذي، وعندَ مضافٌ وضميرُ الغائبينَ مضافٌ إليه مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، (مَا) اسمٌ موصولٌ بمعنَى الذي مبتدأٌ مؤخَّرٌ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعٍ، (كَفَانِيَا)، كفَى: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على فتحٍ مقدَّرٍ على الألفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِه التعذُّرُ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى الاسمِ الموصولِ الذي هو مَا، والنونُ للوقايةِ، وياءُ المتكلِّمِ مفعولٌ به مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ نصبٍ، والألفُ للإطلاقِ، وجملةُ كفَى وفاعلِه ومفعولِه لا محلَّ لها؛ صِلَةُ ما.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فحَسْبِيَ مِن ذُو عِنْدَهُمْ) فإنَّ (ذو) في هذه العبارةِ اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي، وقد رُوِيَتْ هذه الكَلِمَةُ بروايتيْنِ، فمِن العلماءِ مَن روَى ( فحَسْبِيَ مِن ذِي عندَهم) بالياءِ، واسْتَدَلَّ بهذه الروايةِ على أن (ذا) الموصولةَ تُعامَلُ معاملةَ (ذِي) التي بمعنى صاحبٍ، والتي هي من الأسماءِ الستَّةِ، فتُرْفَعُ بالواوُ، وتُنْصَبُ بالألفِ، وتُجَرُّ بالياءِ؛ كما في هذه العبارةِ على هذه الروايةِ، ومعنى ذلك أنها معربةٌ ويَتَغَيَّرُ آخرُها بتغيُّرِ التركيبِ.
ومن العلماءِ مَن رَوَى (فحَسْبِيَ مِن ذُو عندَهم) بالواوِ، واسْتَدَلَّ بها على أن (ذو) التي هي اسمٌ موصولٌ مبنيَّةٌ، وأنها تَجِيءُ بالواوِ في حالةِ الرفعِ وفي حالةِ النصبِ وفي حالةِ الجرِّ جميعاً، وهذا الوجهُ هو الراجحُ عندَ النُّحاةِ، وسَيَذْكُرُ الشارِحُ هذا البيتَ مرَّةً أُخْرَى في بابِ الموصولِ، ويُنَبِّهُ على الروايتيْنِ جميعاً، وعلى أنَّ روايةَ الواوِ تَدُلُّ على البناءِ، وروايةَ الياءِ تَدُلُّ على الإعرابِ، لكِنْ على روايةِ الياءِ يكونُ الإعرابُ فيها بالحروفِ نيابةً عن الحركاتِ على الراجحِ، وعلى روايةِ الواوِ تكونُ الكَلِمَةُ فيها مبنيَّةً على السكونِ. فاعْرِفْ ذلك ولا تَنْسَهُ.
قالَ ابنُ مَنْظُورٍ في (لِسانِ العربِ): وأما قولُ الشاعرِ:
* فإنَّ بيتَ تَمِيمٍ ذُو سَمِعْتَ بِهِ *
فإن (ذو) هنا بمعنى الذي، ولا يكونُ في الرفعِ والنصبِ والجرِّ إلا على لفظٍ واحدٍ، وليسَتْ بالصفةِ التي تُعْرَبُ نحوُ قولِكَ: مَرَرْتُ برجلٍ ذي مالٍ، وهو ذو مالٍ، ورأيتُ رجلاً ذا مالٍ، وتقولُ: رأيتُ ذُو جَاءَكَ، وذُو جاءَاكَ، وذو جَاؤُوكَ، وذو جاءَتْكَ، وذُو جِئْنَكَ، بلفظٍ واحدٍ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ، ومن أمثالِ العربِ: أتى عليه ذو أتَى على الناسِ؛ أي: الذي أتَى عليهم، قالَ أبو منصورٍ: وهي لغةُ طَيِّئٍ، وذو بمعنى الذي). اهـ.
وفي البيتِ الذي أَنْشَدَهُ في صدرِ كلامِه شاهدٌ كالذي معَنا على أَنَّ (ذو) التي بمعنَى الذي تكونُ بالواوِ ولو كانَ موضِعُها جرًّا أو نصباً؛ فإنَّ قولَ الشاعرِ: (ذو سَمِعْتَ بهِ) نعتٌ لبيتَ تَمِيمٍ المنصوبِ على أنه اسمُ إنَّ، ولو كانَتْ (ذو) معربةً قالَ: فإنَّ بيتَ تميمٍ ذا سَمِعْتَ بهِ، فلَمَّا جاءَ بها بالواوِ في حالِ النصبِ عَلِمْنَا أنه يَرَاهَا مبنيَّةً، وبناؤُها كما عَلِمْتَ على السكونِ.
([5]) (أَبٌ) مبتدأٌ، (أَخٌ حَمٌ) معطوفانِ على أبٌ معَ حذفِ حرفِ العطفِ، (كذاكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ تَنَازَعَه كلٌّ مِن أبٌ وما عُطِفَ عليه، (وَهَنُ) الواوُ عاطفةٌ، هَنُ: مبتدأٌ، وخَبَرُه محذوفٌ، أي: وهَنٌ كذلكَ، (وَالنَّقْصُ) مبتدأٌ، (في هذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالنقصُ، أو بأَحْسَنُ، (الأَخِيرِ) بَدَلٌ أو عطفُ بيانٍ من اسمِ الإشارةِ، أو هو نعتٌ له، (أَحْسَنُ) خبرُ المبتدأِ الذي هو النَّقْصُ.
([6]) (وَفِي أَبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَنْدُرُ الآتي، (وَتَالِيَيْهِ) معطوفٌ على أبٍ، (يَنْدُرُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى النَّقْصُ، (وَقَصْرُها) الواوُ عاطفةٌ، قَصْرُ: مبتدأٌ، وقصرُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (مِن نَقْصِهِنَّ) مِن نَقْص: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَشْهَرُ، ونَقْص مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (أَشْهَرُ) خبرُ المبتدأِ الذي هو قَصْرُهَا.
([7]) ومِن ذلكَ قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلاَ تَكْنُوا)) وتَعَزَّى بعزاءِ الجاهليَّةِ معناهُ دعاءٌ بدعائِها فقالَ: يا لَفُلانٍ، ويا لَفُلانٍ، والغرضُ أنه يَدْعُو إلى العصبيَّةِ القَبَلِيَّةِ التي جَهَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهْدَه في مَحْوِهَا.
ومعنى ((أَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ)) قولوا له: عَضَّ أَيْرَ أَبِيكَ، ومعنى ((وَلاَ تَكْنُوا)) قولوا له ذلكَ بلفظٍ صريحٍ؛ مبالغةً في التشنيعِ عليه، ومحلُّ الاستشهادِ قولُه صَلَوَاتُ اللهِ عليه: ((بِهَنِ أَبِيهِ)) حيثُ جَرَّ لفظَ الهَنِ بالكسرةِ الظاهرةِ، ومن ذلك قولُهم في المَثَلِ: (مَنْ يَطُلْ هَنُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ) يُرِيدُونَ: مَن كَثُرَ إِخْوَتُه اشْتَدَّ بِهِم ظَهْرُه وقَوِيَ بِهِم عِزُّه، (وانْظُرْه في مَجْمَعِ الأمثالِ رَقْمِ 4015 في 2/300 بتحقِيقِنا).
([8]) 5- يُنْسَبُ هذا البيتُ لِرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، مِن كَلِمَةٍ يَزْعُمُونَ أنه مَدَحَ فيها عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ، وقبلَه قولُه:
أنتَ الحَلِيمُ والأميرُ المُنْتَقِمْ = تَصْدَعُ بِالْحَقِّ وَتَنْفِي مِنْ ظُلَمْ
اللغةُ: (عَدِيٌّ) أرادَ به عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ الطائِيَّ الجَوَادَ المشهورَ، (اقْتَدَى) يُرِيدُ أنه جَعَلَه لنفسِه قُدْوَةً فسَارَ على نَهْجِ سِيرَتِه، (فمَا ظَلَمْ) يُرِيدُ أنه لم يَظْلِمْ أُمَّهُ؛ لأنَّه جاءَ على مِثالِ أبيه الذي يُنْسَبُ إليه، وذلك لأنَّه لو جاءَ مُخالِفاً لِمَا عليه أبوه من السَّمْتِ أو الشَّبَهِ أو من الخُلُقِ والصفاتِ لنَسَبَه الناسُ إلى غيرِه، فكانَ في ذلك ظلمٌ لأُمِّهِ واتِّهَامٌ لها (انْظُرْ مَجْمَعَ الأمثالِ رقمَ 4020 في 2 / 300 بتحقيقِنا).
الإعرابُ: (بِأَبِهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ باقتدَى، وأَب مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (اقْتَدَى عَدِيٌّ) فعلٌ ماضٍ وفاعلُه، (في الْكَرَمْ) جارٌّ ومجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ مُتَعَلِّقٌ باقْتَدَى أيضاًً، وسُكِّنَ المجرورُ للوقفِ، (ومَنْ) اسمُ شرطٍ مبتدأٌ (يُشَابِهْ) فعلٌ مضارعٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بالسكونِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، (أَبَهُ) مفعولٌ به لِيُشَابِهْ، ومُضافٌ إليه، (فما) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وما: نافيةٌ، (ظَلَمْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، والجملةُ في محلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، وجملةُ الشرطِ وجوابِه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو اسمُ الشرطِ، وهذا أحدُ ثلاثةِ أقوالٍ، وهو الذي نُرَجِّحُهُ مِن بينِها، وإنْ رَجَّحَ كثيرٌ مِن النُّحَاةِ غَيْرَه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بِأَبِهِ ـ يُشَابِهْ أَبَهُ) حيثُ جرَّ الأوَّلَ بالكسرةِ الظاهرةِ، ونَصَبَ الثانِيَ بالفتحةِ الظاهرةِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ قوماً من العربِ يُعْرِبُونَ هذا الاسمَ بالحركاتِ الظاهرةِ على أواخِرِه ولا يَجْتَلِبُونَ لها حروفَ العلةِ لتكونَ علامةَ إعرابٍ.
([9]) 6- نَسَبَ العَيْنِيُّ والسيِّدُ المُرْتَضَى في (شرحِ القاموسِ) هذا البيتَ لأبي النَّجْمِ العِجْلِيِّ، ونَسَبَه الجَوْهَرِيُّ لِرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وذَكَرَ العَيْنِيُّ أنَّ أبا زيدٍ نَسَبَه في نوادِرِهِ لبعضِ أهلِ اليمنِ، وقد بَحَثْتُ النوادِرَ فلم أَجِدْ فيها هذا البيتَ، ولكنِّي وَجَدْتُ أبا زيدٍ أَنْشَدَ فيها عن أبي الغُولِ لبعضِ أهلِ اليمنِ:
أيَّ قَلُوصِ رَاكِبٍ تَرَاهَا = طَارُوا عَلَيْهُنَّ فَشُلْ عَلاَهَا
واشْدُدْ بِمَثْنَى حَقَبٍ حَقْوَاهَا = نَاجِيَةً ونَاجِياً أَبَاهَا
وفي هذه الأبياتِ شاهدٌ للمسألةِ التي معَنا، وقافِيَتُها هي قافيةُ بيتِ الشاهدِ، ومِن هنا وَقَعَ السهوُ للعَيْنِيِّ، فأَمَّا الشاهدُ في هذه الأبياتِ ففي قَوْلِهِ: (ونَاجِياً أَبَاها)؛ فإنَّ (أبَاهَا) فاعلٌ بقولِه: (ناجياً) وهذا الفاعلُ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدرةٍ على الألفِ منَعَ مِن ظُهُورِها التعذُّرُ، وهذه لغةُ القَصْرِ، ولو جاءَ به على لغةِ التمامِ لقالَ: (وناجياً أبوها).
الإعرابُ: (إِنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، (أباها) أبا: اسمُ إنَّ منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ منصوباً بالألفِ نِيابةً عن الفتحةِ؛ كما هو المشهورُ، وأبا مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (وَأَبَا) معطوفٌ على اسمِ إنَّ، وأبا مضافٌ وأبا مِن (أباها) مضافٌ إليه، وهو مضافٌ، والضميرُ مضافٌ إليه، (قَدْ) حرفُ تحقيقٍ، (بَلَغَا) فعلٌ ماضٍ، وألفُ الاثنيْنِ فاعلُه، والجملةُ في مَحَلِّ رَفْعِ خبرِ إنَّ، (فِي الْمَجْدِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالفعلِ قبلَه، وهو بَلَغَ، (غَايَتَاهَا) مفعولٌ به لبَلَغَ على لغةِ مَن يُلْزِمُ المُثَنَّى الألفَ؛ أي: منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِها التعذُّرُ، وغَايَتَا مضافٌ وضميرُ الغائبةِ مضافٌ إليه، وهذا الضميرُ عائدٌ على المَجْدِ، وإنما جاءَ به مُؤَنَّثاً ومِن حَقِّهِ التذكيرُ؛ لأنَّه اعْتَبَرَ المجدَ صِفَةً أو رُتْبَةً أو مَنْزِلَةً، والمرادُ بالغايَتَيْنِ المبدأُ والنهايةُ، أو نهايةُ مجدِ النسبِ ونهايةُ مجدِ الحَسَبِ، وهذا الأخيرُ أَحْسَنُ.
الشاهِدُ فيه: الذي يَتَعَيَّنُ الاستشهادُ به في هذا البيتِ لِمَا ذَكَرَ الشارحُ هو قولُه: (أَبَاهَا) الثالثةُ؛ لأنَّ الأولى والثانيةَ يَحْتَمِلانِ الإجراءَ على اللغةِ المشهورةِ الصحيحةِ كما رأيتَ في الإعرابِ، فيكونُ نَصْبُها بالألفِ، أما الثالثةُ فهي في موضعِ الجرِّ بإضافةِ ما قبلَها إليها، ومعَ ذلك جاءَ بها بالألفِ، والأرجحُ إجراءُ الأُولَيَيْنِ كالثالثةِ؛ لأنَّه يَبْعُدُ جِدًّا أنْ يَجِيءَ الشاعرُ بكَلِمَةٍ واحدةٍ في بيتٍ واحدٍ على لغتيْنِ مختلفتيْنِ.
([10]) هذه لغةُ قومٍ بأعيانِهم من العربِ، واشْتُهِرَتْ نِسْبَتُها إلى بَنِي الحارِثِ وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ، وكلُّهم ممَّن يُلْزِمُونَ المُثَنَّى الألفَ في أحوالِه كلِّها، وقد تَكَلَّمَ بها في الموضعيْنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك في قَوْلِهِ: ((مَا صَنَعَ أَبَا جَهْلٍ؟)) وقولِه: ((لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ))، وعلى هذه اللغةِ قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لا قَوَدَ في مُثَقلٍ ولو ضَرَبَه بأَبَا قُبَيْسٍ) وأبو قُبَيْسٍ: جبلٌ معروفٌ.
([11]) (وشرطُ) الواوُ للاستئنافِ، شرطُ: مبتدأٌ، وشرطُ مضافٌ و(ذا) مضافٌ إليه، (الإعرابِ) بدلٌ أو عطفُ بيانٍ أو نعتٌ لذا، (أَنْ) حرفٌ مَصْدَرِيٌّ ونَصْبٍ، (يُضَفْنَ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، وهو مبنيٌّ على السكونِ؛ لاتِّصالِهِ بنونِ النِّسوةِ في محلِّ نصبٍ بأنْ، وأنْ ومَدْخُولُها في تأويلِ مصدرٍ خبرُ المبتدأِ؛ أي: شرطُ إعرابِهِنَّ بالحروفِ كَوْنُهُنَّ مُضَافاتٍ، و(لا) حرفُ عطفٍ، (لِلْيَا) معطوفٌ على محذوفٍ، والتقديرُ: لكلِّ اسمٍ لا للياءِ، (كجَا) الكافُ حرفُ جرٍّ، ومجرورُه محذوفٌ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وذلك كائنٌ كقولِكَ، وجَا: أصلُه جاءَ: فعلٌ ماضٍ، (أَخُو) فاعلُ جاءَ مرفوعٌ بالواوِ، وأخو مضافٌ وأبي مِن (أبيكَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالياءِ، وأبي مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه، (ذَا) حالٌ منصوبٌ بالألفِ نِيابةً عن الفتحةِ، وهو مضافٌ، و(اعْتِلاَ) مضافٌ إليه.
وأصلُه اعتلاءٌ فقَصَرَه للاضطرارِ، وتقديرُ البيتِ: وشرطُ هذا الإعرابِ الذي هو كونُها بالواوِ رفعاً وبالألفِ نصباً وبالياءِ جرًّا في كلِّ كَلِمَةٍ من هذه الكلماتِ -كَوْنُها مضافةً إلى اسمٍ؛ أيِّ اسمٍ من الأسماءِ لا لياءِ المتكلِّمِ، ومثالُ ذلك قولُكَ: جاءَ أخو أبيكَ ذا اعتلاءٍ، فأخو: مثالٌ للمرفوعِ بالواوِ، وهو مضافٌ لِمَا بعدَه، وأَبِيكَ: مثالٌ للمجرورِ بالياءِ، وهو مضافٌ لضميرِ المخاطَبِ، وذا: مثالٌ للمنصوبِ بالألفِ، وهو مضافٌ إلى (اعْتِلاَ) وكلُّ واحدٍ مِن المضافِ إليهنَّ اسمٌ غيرُ ياءِ المتكلِّمِ كما ترَى.
([12]) المرادُ جمعُ التكسيرِ كما مُثِّلَ، فأمَّا جمعُ المذكَّرِ السالمِ فإنَّها لا تُجْمَعُ عليه إلا شُذُوذاً، وهي حينَئذٍ تُعرَبُ إعرابَ جمعِ المذكَّرِ السالمِ شُذُوذاً، بالواوِ رفعاً، وبالياءِ المكسورِ ما قبلَها نصباً وجَرًّا، ولم يَجْمَعُوا مِنها جمعَ المذكَّرِ إلاَّ الأبَ وذُو.
فأمَّا الأبُ فقد وَرَدَ جمعُه في قولِ زِيادِ بنِ واصلٍ السُّلَمِيِّ:
فلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتَنَا = بَكَيْنَ وفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَا
وأمَّا (ذو) فقدْ وَرَدَ جَمْعُه مُضافاً مرتيْنِ: إحداهما إلى اسمِ الجنسِ، والأُخْرَى إلى الضميرِ شُذُوذاً، وذلك في قولِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزَنِيِّ:
صَبَحْنَا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفَاتٍ = أَبَارَ ذَوِي أَرُومَتِها ذَوُوها
ففي (ذَوُوهَا) شذوذٌ من ناحيتيْنِ: إضافتُه إلى الضميرِ، وجمعُه جمعَ المذكَّرِ السالِمِ.
([13]) اعْلَمْ أنَّ الأصلَ في وَضْعِ (ذو) التي بمعنى صاحبٍ أنْ يُتَوَصَّلَ بها إلى نعتِ ما قبلَها بما بعدَها، وذلك يَسْتَدْعِي شيئيْنِ:
أحدُهما: أنْ يكونَ ما بعدَها ممَّا لا يَمْتَنِعُ أنْ يُوصَفَ به.
والثاني: أنْ يكونَ ما بعدَها ممَّا لا يَصْلُحُ أنْ يَقَعَ صِفَةً من غيرِ حاجةٍ إلى توسُّطِ شيءٍ؛ ومن أجلِ ذلكَ لازَمَتِ الإضافةَ إلى أسماءِ الأجناسِ المعنويَّةِ كالعِلْمِ والمالِ والفضلِ والجاهِ، فتقولُ: مُحَمَّدٌ ذو عِلْمٍ، وخالدٌ ذو مالٍ. وبَكْرٌ ذو فضلٍ، وعليٌّ ذو جاهٍ، وما أَشْبَهَ ذلك؛ لأنَّ هذه الأشياءَ لا يُوصَفُ بها إلا بواسطةِ شيءٍ، ألاَ تَرَى أنَّكَ لا تقولُ: (مُحَمَّدٌ فضلٌ) إلا بواسطةِ تأويلِ المصدرِ بالمشتقِّ أو بواسطةِ تقديرِ مضافٍ، أو بواسطةِ قصدِ المبالغةِ.
فأمَّا الأسماءُ التي يَمْتَنِعُ أنْ تكونَ نعتاً ـ وذلك الضميرُ والعَلَمُ ـ فلا يُضافُ (ذو) ولا مُثَنَّاهُ ولا جمعُه إلى شيءٍ منها، وشَذَّ قولُ كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزَنِيِّ الذي سَبَقَ إنشادُه:
صَبَحْنَا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفَاتٍ = أَبَارَ ذَوِي أَرُومَتِهَا ذَوُوهَا
كما شَذَّ قولُ الآخَرِ:
إنَّمَا يَعْرِفُ ذا الفَضْـ = ـلِ مِن الناسِ ذَوُوهُ
وشَذَّ كذلك ما أَنْشَدَهُ الأَصْمَعِيُّ، قالَ: أَنْشَدَنِي أعرابِيٌّ مِن بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ مِن بَنِي حَنْظَلَةَ لنفسِه:
أَهْنَأُ المعروفِ ما لَمْ = تُبْتَذَلْ فيهِ الوُجُوهُ
إنما يَصْطَنِعُ المَعْـ = ـرُوفَ في الناسِ ذَوُوهُ
وإنْ كانَ الاسمُ أو ما يَقُومُ مقامَه ممَّا يَصِحُّ أنْ يكونَ نَعتاً بغيرِ حاجةٍ إلى شيءٍ ـ وذلكَ الاسمُ المشتَقُّ والجملةُ ـ لم يَصِحَّ إضافةُ (ذو) إليه، ونَدَرَ نحوُ قولِهم: اذْهَبْ بذِي تَسْلَمُ، والمعنى: اذْهَبْ بطريقٍ ذِي سلامةٍ.
فتَلَّخَصَ أنَّ (ذو) لا تُضافُ إلى واحدٍ من أربعةِ أشياءَ: العَلَمِ، والضميرِ، والمشتَقِّ، والجملةِ، وأنها تُضافُ إلى اسمِ الجنسِ الجامدِ، سواءٌ أكانَ مَصدراً أم لم يَكُنْ.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 04:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

الْبَابُ الأَوَّلُ: بَابُ الأسماءِ السِّتَّةِ، فَإِنَّهَا تُرْفَعُ بالواوِ، وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ، وتُخْفَضُ بِالْيَاءِ، وَهِيَ: (ذُو) بِمَعْنَى صَاحِبٍ، والفَمُ إِذَا فَارَقَتْهُ الْمِيمُ، والأبُ، والأخُ، والحمُ، والهَنُ، وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ (ذُو) أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً لا مُفْرَدَةٍ، فَإِنْ أُفْرِدَتْ أُعْرِبَتْ بالحركاتِ، نَحْوَ: {وَلَهُ أَخٌ} ([1])، وَ {إِنَّ لَهُ أَباً}([2])، وَ {وَبَنَاتُ الأَخِ} ([3])، فَأَمَّا قَوْلُهُ:
6 - خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا

فَشَاذٌّ، أَو الإضافةُ مَنْوِيَّةٌ، أَيْ: خَيَاشِيمَهَا وَفَاهَا، وَاشْتُرِطَ فِي الإضافةِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْيَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ للياءِ أُعْرِبَتْ بِالحركاتِ المُقَدَّرَةِ، نَحْوَ: {وَأَخِي هَارُونُ} ([5])، {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} ([6])، وَ (ذُو) ملازمةٌ للإضافةِ لِغَيْرِ الْيَاءِ ([7])؛ فَلا حَاجَةَ إِلَى اشتراطِ الإضافةِ فِيهَا.
وَإِذَا كَانَتْ (ذُو) مَوْصُولَةً لَزِمَتْهَا الْوَاوُ، وَقَدْ تُعْرَبُ بالحروفِ، كَقَوْلِهِ:
7 - فَحَسْبِي مِنْ ذِي عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا
وَإِذَا لَمْ تُفَارِقِ الْمِيمُ (الْفَمَ) أُعْرِبَ بالحركاتِ ([8]).
فَصْلٌ: وَالأفصحُ فِي الهَنِ النَّقْصُ؛ أَيْ: حَذْفُ اللَّامِ، فَيُعْرَبُ بالحركاتِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلا تَكْنُوا)) ([9]). وَيَجُوزُ النقصُ فِي: الأبِ، والأخِ، والحمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
8 - بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الْكَرَمْ = وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ ([10]) فِي التثنيةِ: (أَبَانِ) وَ (أَخَانِ)، وَقَصْرُهُنَّ أَوْلَى منْ نَقْصِهِنَّ، كَقَوْلِهِ:
9- إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا
وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: (مُكْرَهٌ أَخَاكَ لا بَطَلٌ) ([11]).
وَقَوْلِهِمْ لِلْمَرْأَةِ: (حَمَاةٌ) ([12]).

([1]) سُورَةُ النساءِ، الآيَةُ: 12.
([2]) سُورَةُ يُوسُفَ، الآيَةُ: 78.
([3]) سُورَةُ النساءِ، الآيَةُ: 23.
6 - هَذَا بيتٌ مِنْ مَشْطُورِ الرَّجَزِ، وَقَدْ نَسَبَ النُّحَاةُ هَذَا البيتَ إِلَى الْعَجَّاجِ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَصْلِ ديوانِ أَرَاجِيزِهِ، وَبَعْدَ البيتِ قَوْلُهُ:

صَهْبَاءَ خُرْطُوماً عُقَاراً قَرْقَفَا
اللغةُ: (خَيَاشِيمَ) جَمْعُ: خَيْشُومٍ، وَأَرَادَ بِهِ الأنفَ. (فَا) أَرَادَ بِهِ: فَاهَا، (صَهْبَاءَ) هِيَ الخَمْرُ، (خُرْطُوماً) هِيَ الخَمْرُ أَوَّلَ عَصِيرِهَا، (عُقَاراً) هِيَ الخمرُ أَيْضاً، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لأَنَّهَا تَعْقِرُ شَارِبَهَا، (قَرْقَفَا) هِيَ الخمرُ أَيْضاً، وَأَرَادَ بهذهِ الألفاظِ مَا تَحْمِلُهُ مِنَ الأوصافِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهَا مُجَرَّدَ الاسْمِيَّةِ.
الْمَعْنَى: يُرِيدُ أَنَّ نَكْهَةَ سَلْمَى طَيِّبَةٌ، وأنَّ الريحَ الَّتِي تَنْبَعِثُ مِنْ فِيهَا زَكِيَّةٌ أَرِجَةٌ؛ لأَنَّ رِيقَتَهَا كَأَنَّهَا مُزِجَتْ بالخمرِ، وَوَصْفُ ريحِ الفمِ بالطِّيبِ مِمَّا كَثُرَ فِي الشعرِ العربيِّ، وَمِنْ شَوَاهِدِ النُّحَاةِ:
وَا، بِأَبِي أَنْتِ وَفُوكِ الأَشْنَبُ = كَأَنَمَّا ذُرَّ عَلَيْهِ الزَّرْنَبُ
الإِعْرَابُ: (خَالَطَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى الخمرِ، والخمرُ مِمَّا يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ، وَإِنْ يَكُن الأكثرُ فِيهِ التأنيثَ. (مِنْ سَلْمَى) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِخَالَطَ، (خَيَاشِيمَ) مَفْعُولٌ بِهِ لِخَالَطَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ. (وَفَا) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، فَا: مَعْطُوفٌ عَلَى خَيَاشِيمَ مَنْصُوبٌ بالألفِ نِيَابَةً عَن الفتحةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ الستَّةِ، والمضافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ عَلَى مَا سَتَعْرِفُهُ فِي بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ، (صَهْبَاءَ) حَالٌ مِن الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ فِي خَالَطَ، (خَرْطُوماً عُقَاراً قَرْقَفَا) أَحْوَالٌ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الضميرِ المُسْتَتِرِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (وَفَا)، فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ، وَقَدْ عَطَفَتْ (فا) عَلَى (خَيَاشِيمَ) المنصوبِ عَلَى أَنَّهُ مفعولٌ بِهِ لِخَالَطَ، كَمَا تَبَيَّنَ لَكَ فِي الإعرابِ، وَهَذَا المعطوفُ مِن الأسماءِ الستَّةِ، وَقَدْ نَصَبَهُ الشاعرُ بالألفِ نيابةً عَن الفتحةِ، مع أَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ فِي اللفظِ إِلَى شَيْءٍ.
وبهذا الظاهرِ يَبْطُلُ قَوْلُ النُّحَاةِ: إِنَّ شَرْطَ إعرابِ هَذِهِ الأسماءِ الستَّةِ بالواوِ رَفْعاً وبالألفِ نَصْباً وبالياءِ جَرًّا أَنْ تَكُونَ مضافةً؛ لأَنَّ الشاعرَ أَعْرَبَهَا هَذَا الإعرابَ وَلَيْسَتْ مِن الإضافةِ فِي شَيْءٍ، وللنُّحَاةِ فِي الردِّ عَلَى هَذَا الاعتراضِ وَجْهَانِ:
الأوَّلُ: أَنَّ هَذَا البيتَ شَاذٌّ غَيْرُ جَارٍ عَلَى الكثيرِ المُسْتَعْمَلِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشاذَّ يُحْفَظُ وَلا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وأنَّهُ لا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى القواعدِ المُتْلئِّبَّةِ المُطَّرِدَةِ فِي كَلامِ الفُصَحَاءِ.
والثاني: أَنا لا نُسَلِّمُ أَنَّ (فَا) فِي هَذَا البيتِ غَيْرُ مُضَافٍ إِلَى ضميرٍ عَائِدٍ إِلَى المَحْبُوبَةِ مَحْذُوفٍ مع أَنَّهُ مَنْوِيُّ الثبوتِ، وَأَصْلُ الْكَلامِ عَلَى هَذَا: (خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَهَا وَفَاهَا)، فَحَذَفَ الضميرَ مِن اللفظِ وقَدَّرَهُ مَوْجُوداً، فَأَعْرَبَ الاسمَ نَفْسَ الإعرابِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ وُجُودُ المُضَافِ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مَا فِي البابِ أَنَّنَا نَتَوَسَّعُ فِي شرطِ الإضافةِ فنقولُ: سَوَاءٌ أَكَانَ المضافُ إِلَيْهِ مَذْكُوراً فِي اللفظِ وَهُوَ الغالبُ أَمْ كَانَ مُقَدَّراً وَهُوَ قليلٌ، وَهَذَا البيتُ مِمَّا فِيهِ الإضافةُ إِلَى مُقَدَّرٍ، فَهُوَ مِن القليلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ أَبُو الْحَسَنِ الأَخْفَشُ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ صَاحِبُ الألفيَّةِ، وَعَنْهُمَا نَقَلَ المُؤَلِّفُ هَذَا التخريجَ بِقَوْلِهِ: (أَو الإِضَافَةُ مَنْوِيَّةٌ)، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْكَلامَ اشْتَمَلَ عَلَى جَوَابَيْنِ عَن البيتِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ العبارةَ (أَو الإضافةُ)، وَفِي نُسْخَةٍ (والإضافةُ مَنْوِيَّةٌ) بالواوِ، فَيَكُونُ جَوَاباً وَاحِداً، وَمَا بَعْدَ الْوَاوِ تَسْهِيلٌ لِوَجْهِ الشذوذِ.
([5]) سُورَةُ القصصِ، الآيَةُ: 34.
([6]) سُورَةُ المائدةِ، الآيَةُ: 25.
([7]) اعْلَمْ أَوَّلاً أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا بأسماءِ الأجناسِ؛ أَيْ: أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا أَسْمَاءَ الأجناسِ صِفَاتٍ، فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ النَّعْتَ لا يَكُونُ إِلاَّ مُشْتَقًّا أَوْ مُؤَوَّلاً بالمُشْتَقِّ، فَاتَّخَذُوا كلمةَ (ذُو) وُصْلَةً وَذَرِيعَةً إِلَى الوصفِ باسمِ الجنسِ، وَالْتَزَمُوا إِضَافَتَهَا لاسمِ جنسٍ غَيْرِ وَصْفٍ؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمُ الجنسِ وَصْفاً لَمَا احْتِيجَ فِي الوصفِ بِهِ إِلَى وصلةٍ، وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ (ذُو) لا تُضَافُ إِلَى الأعلامِ، وَلا إِلَى الضمائرِ، وَلا إِلَى الصفاتِ، وَلا إِلَى الجُمَلِ، وَقَدْ وَرَدَتْ إِضَافَتُهَا إِلَى الْعَلَمِ قَلِيلاً فِي نَحْوِ: (أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةٍ)، وَوَرَدَ إِضَافَتُهَا إِلَى الضميرِ شُذُوذاً فِي قَوْلِ الشاعرِ:
إِنَّمَا يَعْرِفُ ذَا الْفَضْـ = ـلِ مِنَ النَّاسِ ذَوُوهُ
وَوَرَدَتْ إِضَافَتُهَا إِلَى جملةٍ شُذُوذاً أَيْضاً فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: (اذْهَبْ بِذِي تَسْلَمْ).
7 - هَذَا الشاهدُ مِنْ كلمةٍ لِمَنْظُورِ بْنِ سُحَيْمٍ الفَقْعَسِيِّ، وَقَبْلَهُ:
وَلَسْتُ بِهَاجٍ فِي القِرَى أَهْلَ مَنْزِلٍ = عَلَى زَادِهِمْ أَبْكِي وَأُبْكِي الْبَوَاكِيَا
فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ = فَحَسْبِي مِنْ ذِي.........
الْبَيْتَ، وَبَعْدَهُ:
وَإِمَّا كِرَامٌ مُعْسِرُونَ عَذَرْتُهُمْ = وَإِمَّا لِئَامٌ فَادَّخَرْتُ حَيَائِيَا
وَعَرْضِيَ أَبْقَى مَا ادَّخَرْتُ ذَخِيرَةً = وَبَطْنِيَ أَطْوِيهِ كَطَيِّ رِدَائِيَا
اللغةُ: (هَاجَ) اسْمُ فاعلٍ مِنَ الْهِجَاءِ، وَهُوَ الذمُّ والقدحُ، تَقُولُ: هَجَاهُ يَهْجُوهُ هَجْواً وَهِجَاءً. (فِي القِرَى) الْقِرَى -بكسرِ القافِ مَقْصُوراً -: إِكْرَامُ الضيفِ، و (فِي) هُنَا دَالَّةٌ عَلَى السببيَّةِ والتعليلِ، مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ))؛ أَيْ: بِسَبَبِهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ لَنْ يَهْجُوَ أَحَداً بِسَبَبِ القِرَى عَلَى كُلِّ حالٍ؛ لأَنَّ النَّاسَ ثلاثةُ أنواعٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الأنواعَ الثلاثةَ، وَذَكَرَ مَعَ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَدْعُوهُ إِلَى تَرْكِ هِجَائِهِ، (كِرَامٌ) جَمْعُ: كَرِيمٍ، وَأَرَادَ بِهِ الطَّيَّبَ العُنْصُرِ الشَّرِيفَ الآباءِ، وَقَابَلَهُم باللِّئَامِ، (مُوسِرُونَ) ذَوُو مَيْسَرَةٍ وَغِنًى وَعِنْدَهُمْ مَا يُقَدِّمُونَهُ للضِّيفَانِ، (مُعْسِرُونَ) ذَوُو عُسْرَةٍ وَضِيقٍ لا يَجِدُونَ مَا يَقْرُونَ بِهِ الضَّيْفَ.
الإعرابُ: (إِمَّا) حَرْفُ شَرْطٍ وَتَفْصِيلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ لا مَحَلَّ لَهُ، (كِرَامٌ) فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ السِّيَاقُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلامِ: إِمَّا قَابَلَنِي كِرَامٌ، (مُوسِرُونَ) نَعْتٌ لـ (كرامٌ) مَرْفُوعٌ بالواوِ نِيَابَةً عَن الضمَّةِ؛ لأَنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، وَالنونُ عِوَضٌ عَن التنوينِ فِي الاسمِ المفردِ، (لَقِيتُهُمْ) فِعْلٌ مَاضٍ وَفَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ، وَالجملةُ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ مُفَسِّرَةٌ، (فَحَسْبِي) الفاءُ واقعةٌ فِي جوابِ الشرطِ، حَسْب: اسْمٌ بِمَعْنَى كَافٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (مِنْ) حَرْفُ جَرٍّ، (ذِي) اسْمٌ مَوْصُولٌ بِمَعْنَى الَّذِي، مَجْرُورٌ بِمِنْ، والجارُّ وَالمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِحَسْبِ، (عِنْدَهُمْ) عِنْدَ: ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةِ الموصولِ، والضميرُ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (مَا) اسْمٌ موصولٌ بِمَعْنَى الَّذِي مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، وَيَجُوزُ العكسُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَسْب مُبْتَدَأً، والاسمُ الموصولُ خَبَراً، (كَفَانِيَا) كَفَى: فِعْلٌ ماضٍ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى الاسمِ الموصولِ، والنونُ للوقايةِ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفْعُولٌ بِهِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لَهَا صِلَةُ الموصولِ وَهُوَ مَا.
الشَّاهِدُ فِيهِ: (مِنْ ذِي عِنْدَهُمْ) فَإِنَّ (ذِي) فِي هَذِهِ العبارةِ اسْمٌ موصولٌ بِمَعْنَى الَّذِي، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الكلمةُ بِرِوَايَتَيْنِ، فَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ رَوَاهَا: (فَحَسْبِي مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ) بالواوِ، مع أَنَّ الكلمةَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِمِنْ، وَاسْتَدَلَّ بهذهِ الروايةِ عَلَى أَنَّ (ذُو) الموصولةَ مَبْنِيَّةٌ مِثْلُ سَائِرِ الموصولاتِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا: (فَحَسْبِي مِنْ ذِي عِنْدَهُمْ) بالياءِ، وَاسْتَدَلَّ بهذهِ الروايةِ عَلَى أَنَّ (ذِي) الموصولةَ تُعَامَلُ معاملةَ (ذِي) الَّتِي هِيَ مِن الأسماءِ الستَّةِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُعْرَبَةٌ، وَأَنَّهَا تُرْفَعُ بالواوِ وَتُنْصَبُ بالألفِ وَتُجَرَّ بالياءِ، والمُؤَلِّفُ قَدْ أَتَى بالكلمةِ هُنَا عَلَى هَذِهِ الروايةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جمهورُ النُّحَاةِ هُوَ الأوَّلُ، قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَأَمَّا قَوْلُ الشاعرِ:
فَإِنَّ بَيْتَ تَمِيمٍ ذُو سَمِعْتُ بِهِ
فإنَّ (ذُو) هَهُنَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَلا يَكُونُ فِي الرفعِ والنصبِ والجرِّ إِلاَّ عَلَى لفظٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَتْ بالصفةِ الَّتِي تُعْرَبُ، نَحْوَ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ برجلٍ ذِي مَالٍ، وَهُوَ ذُو مَالٍ، وَرَأَيْتُ رَجُلاً ذَا مَالٍ، وَتَقُولُ: رَأَيْتُ ذُو جَاءَكَ، وذُو جَاءَاكَ، وَذُو جَاؤُوكَ، وذُو جَاءَتْكَ، وَذُو جِئْنَكَ، بِلَفْظٍ وَاحِدٍ للمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، وَمِنْ أمثلةِ الْعَرَبِ: أَتَى عَلَيْهِ ذُو أَتَى عَلَى النَّاسِ؛ أَي: الَّذِي أَتَى عَلَيْهِمْ.
قالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهِيَ لُغَةُ طَيِّئٍ، وَذُو بِمَعْنَى الَّذِي) اهـ.
وفي كلامِهِ شَاهِدٌ كالذي مَعَنَا عَلَى أَنَّ ذُو بالوَاوِ ولو كَانَ مَوْضِعُهَا جَرًّا أَوْ نَصْباً؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: (ذُو سَمِعْتَ بِهِ) نَعْتٌ لِبَيْتِ تَمِيمٍ المنصوبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ إِنَّ، وَلَوْ كَانَتْ (ذُو) مُعْرَبَةً لَقَالَ: فَإِنَّ بَيْتَ تَمِيمٍ ذا سَمِعْتَ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ بِهَا بالواوِ مع ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَرَاهَا مَبْنِيَّةً.
([8]) تُسْتَعْمَلُ كَلِمَةُ (فَم) بالميمِ مُضَافَةً، وَتُسْتَعْمَلُ مَقْطُوعَةً عَن الإضافةِ، فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا مضافةً فَنَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)). وَنَحْوُ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ
وَمِنْ مَجِيئِهَا غَيْرَ مُضَافَةٍ قَوْلُهُمْ: (هِنْدٌ أَطْيَبُ النَّاسِ فَماً)، وَقَد اسْتَعْمَلَهُ الشاعرُ مَقْصُوراً مِثْلُ: الفَتَى وَالْعَصَا فِي قَوْلِهِ:
يَا حَبَّذَا وَجْهُ سُلَيْمَى وَالْفَمَا = وَالْجِيدُ وَالنَّحْرُ وَثَدْيٌ قَدْ نَمَا
وَوَجْهُ الدلالةِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ صحيحَ الآخرِ لَكَانَ بِضَمِّ الميمِ.
([9]) تَعَزَّى - بِوَزْنِ تَجَلَّى -؛ أي: انْتَسَبَ وَانْتَمَى، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: (يَالِفُلانٍ) لِيَخْرُجَ النَّاسُ معهُ إِلَى القتالِ فِي الباطلِ. وَأَعِضُّوهُ - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ العَيْنِ وَتَشْدِيدِ الضادِ -؛ أَيْ: قُولُوا لَهُ: (اعْضَضْ عَلَى هَنِ أَبِيكَ)، وَمَعْنَى (لا تَكْنُوا) قُولُوهُ بِلَفْظِهِ الصريحِ؛ اسْتِهْزَاءً بِهِ وَاحْتِقَاراً لِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ.
8 - مِنَ النُّحَاةِ مَنْ نَسَبَ هَذَا البيتَ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَمْدَحُ فِيهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ، وَلا يُوجَدُ البيتُ فِي ديوانِ أَرَاجِيزِ رُؤْبَةَ، وَإِنْ ذَكَرَهُ نَاشِرُهُ فِي زِيَادَاتِهِ، وَقَبْلَ هَذَا البيتِ قَوْلُهُ:
أَنْتَ الْحَلِيمُ وَالأَمِيرُ الْمُنْتَقِمْ = تَصْدَعُ بِالْحَقِّ وَتَنْفِي مِنْ ظُلَمْ
اللُّغَةُ: (الْحَلِيمُ) وَصْفٌ مِنَ الحِلْمِ، وَهُوَ ضِدُّ الخِفَّةِ وَالطَّيْشِ والجَهْلِ، (تَصْدَعُ بالحَقِّ) تُجَاهِرُ بِهِ وَتُعْلِنُ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ، وَأَصْلُ الصَّدْعِ كَسْرُ الإناءِ، وَنَحْوُهُ (ظُلَم) بِضَمِّ الظاءِ وَفَتْحِ اللامِ، جَمْعُ ظُلْمَةٍ، (اقْتَدَى) يُرِيدُ أَنَّهُ جَعَلَهُ قُدْوَةً لَهُ إِمَاماً فَسَارَ سِيرَتَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ، (فَمَا ظَلَمْ) أَحْسَنُ مَا تُوَجَّهُ بِهِ هَذِهِ العبارةُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ أُمَّهُ؛ لأَنَّهُ جَاءَ عَلَى مثالِ أَبِيهِ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ أَبَاهُ لَنَسَبَ النَّاسُ أُمَّهُ إِلَى الزِّنَا، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ فِي المَثَلِ: (مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ) انْظُرِ المَيْدَانِيَّ.
الإِعْرَابُ: (بِأَبِهِ) الْبَاءُ حَرْفُ جَرٍّ، أَب: مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ، وعلامةُ جَرِّهِ الكسرةُ الظاهرةُ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَضَمِيرُ الغائبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِاقْتَدَى الآتِي، (اقْتَدَى) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى فتحٍ مُقَدَّرٍ عَلَى الأَلِفِ، (عَدِيٌّ) فَاعِلُ اقْتَدَى مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (فِي) حَرْفُ جَرٍّ، (الْكَرَم) مَجْرُورٌ بِفِي، وعلامةُ جَرِّهِ الكسرةُ الظاهرةُ، وَسُكِّنَ لأجلِ الوقفِ، (مَنْ) اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ الأَوَّلُ فِعْلُ الشرطِ وَالثاني جَوَابُهُ وَجَزَاؤُهُ، مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ، (يُشَابِهْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ فِعْلُ الشَّرْطِ مَجْزُومٌ وَعَلامةُ جَزْمِهِ السكونُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى مَن الشَّرْطِيَّةِ، (فَمَا) الفاءُ وَاقِعَةٌ فِي جوابِ الشرطِ، مَا: حَرْفُ نَفْيٍ، (ظَلَمْ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى مَنِ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَهُ مَفْعُولٌ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُ الْكَلامِ: فَمَا ظَلَمَ أُمَّهُ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ لَكَ فِي لغةِ البيتِ، وَالجملةُ مِنَ الفعلِ الماضي المَنْفِيِّ بِمَا وَفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ المَحْذُوفِ فِي مَحَلِّ الشرطِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (بِأَبِهِ)، وَقَوْلُهُ: (يُشَابِهْ أَبَهُ) حيثُ أَعْرَبَ الشاعرُ هَاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ بالحركاتِ الظاهرةِ، فَجَرَّ الأُولَى بالكسرةِ الظاهرةِ، وَنَصَبَ الثانيةَ بالفتحةِ الظاهرةِ، معَ أَنَّهُمَا مُضَافَتَانِ إِلَى ضميرِ الغائبِ، وهذهِ لُغَةٌ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ فِي الأسماءِ الستَّةِ، يُعْرِبُونَهَا بالحركاتِ وَإِنْ كَانَتْ مُضَافَةً لِغَيْرِ ياءِ المُتَكَلِّمِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ اللغةُ لُغَةَ النَّقْصِ، كَمَا أَنَّ إِعْرَابَهَا بالحروفِ - الْوَاوِ والألفِ والياءِ، تُسَمَّى لُغَةَ الإتمامِ، وَسَتَأْتِي لُغَةٌ ثالثةٌ نُبَيِّنُهَا فِي الشاهدِ التالي، وَتُسَمَّى لغةَ القصرِ، وعلى لغةِ النقصِ الَّتِي جَاءَ عليها بيتُ الشاهدِ مَوْضِعِ حَدِيثِنَا الآنَ يُقَالُ فِي تَثْنِيَةِ الأبِ: أَبَانِ، وَفِي تَثْنِيَةِ الأخِ: أَخَانِ، جَعَلُوا الْبَاءَ وَالخاءَ آخِرَ الكلمةِ، وَلَمْ يَكْتَرِثُوا باللامِ المحذوفةِ، وَذَلِكَ كَمَا قِيلَ فِي تثنيةِ يَدٍ وَدَمٍ: يَدَانِ وَدَمَانِ، وَقِيلَ فِي جَمْعِهِ جَمْعَ المُذَكَّرِ السالِمَ، مع أَنَّهُ لَيْسَ وَصْفاً وَلا عَلَماً: أَبُونَ، وَأَبِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ زِيَادِ بْنِ وَاصِلٍ السُّلَمِيِّ:
فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتَنَا = بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَ
قالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ: (الْعَرَبُ تَقُولُ: هَذَا أَبُوكَ، وَتَقُولُ: هَذَا أَبَاكَ، وَتَقُولُ: هَذَا أَبُكَ، فَمَنْ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، أَوْ قَالَ: هَذَا أَبَاكَ، قَالَ فِي التَّثْنِيَةِ: هَذَانِ أَبَوَانِ، وَمَنْ قَالَ: هَذَا أَبُكَ، قَالَ فِي التثنيةِ: هَذَانِ أَبَانِ) انْتَهَى بِإِيضَاحٍ يَسِيرٍ.
([10]) يُرِيدُ أَنَّ مِنْ نَقْصِ أَبٍ وَأَخٍ، قَوْلَ بَعْضِهِمْ فِي التثنيةِ: أَبَانِ وَأَخَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ آخِرَ الْكَلامِ عَلَى الشاهدِ السابقِ رَقْمِ 8، وَبَيَانُ ذَلِكَ بإيضاحٍ أَنَّهُ ثَنَّاهُ بِغَيْرِ وَاوٍ، فَقَالَ: (أَبَانِ، وَأَخَانِ) كَمَا تَقُولُ فِي تَثْنِيَةِ يَدٍ: (يَدَانِ)؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ثَنَّى أَباً وَأخاً مَحْذُوفَي اللامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرُدَّ لَهُمَا اللامَ المحذوفةَ، وَلَوْ كَانَ يُثَنِّي أَبُوكَ وَأَخُوكَ أَوْ يُثَنِّي أَباً وَأَخاً بِرَدِّ لامِهِمَا، عَلَى مَا هُوَ الأصلُ فِي نَظَائِرِهِمَا - لَوَجَبَ أَنْ يَقُولَ: (أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ). وَقَدْ تَلَخَّصَ لَك مِنْ هَذَا الْكَلامِ أَنَّ قَوْلَكَ: (أَبَانِ، وأَخَانِ) لا يَحْتَمِلُ إِلاَّ وَجْهاً وَاحِداً هُوَ أَنْ يَكُونَا تَثْنِيَةَ أَبٍ وَأَخٍ، وَأَمَّا أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ فَيَحْتَمِلانِ وَجْهَيْنِ؛ لِذَلِكَ كَانَ (أَبَانِ وَأَخَانِ) دَلِيلاً عَلَى لغةِ النقصِ.

9- نَسَبَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الشاهدَ إِلَى أَبِي النَّجْمِ الفَضْلِ بْنِ قُدَامَةَ العِجْلِيِّ الرَّاجِزِ، وَنَسَبَهُ آخَرُونَ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَزَعَمَ العَيْنِيُّ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَاهُ بِسَنَدٍ عَنْ أَبِي الغولِ مَنْسُوباً إِلَى بَعْضِ أَهْلِ اليمنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَفِي نَوَادِرِ أَبِي زَيْدٍ (ص58) أَبْيَاتٌ عَلَى قَافِيَةِ هَذَا الشاهدِ تَرْتَفِعُ رِوَايَتُهُ لَهَا إِلَى أَبِي الغولِ الطُّهَوِيِّ، وَلَكِنَّ بيتَ الشاهدِ لَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا، والنُّحَاةُ يَرْوُونَ قَبْلَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ بِهِ:
وَاهاً لِرَيَّا ثُمَّ وَاهاً وَاهَا = هِيَ الْمُنَى لَوْ أَنَّنَا نِلْنَاهَا
يَا لَيْتَ عَيْنَاهَا لَنَا وَفَاهَا = بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أَبَاهَا
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا = قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
اللُّغَةُ: (وَاهاً) كلمةٌ تُقَالُ عِنْدَ التعجُّبِ مِنَ الشيءِ، وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ، مَعْنَاهُ: أَعْجَبُ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: (إِذَا تَعَجَّبْتَ مِنْ طِيبِ الشيءِ قُلْتَ: وَاهاً لَهُ مَا أَطْيَبَهُ!) اهـ كلامَهُ.
(لِرَيَّا) يُرْوَى فِي مَكَانِهِ: (لِسَلْمَى) وَيُرْوَى: (لِلَيْلَى) وَكُلُّهُنَّ أَسْمَاءُ نِسَاءٍ، (المَجْدِ) الشَّرَفُ وَرِفْعَةُ النسبِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: (الشَّرَفُ والمجدُ يَكُونَانِ بالآباءِ، يُقَالُ) رَجُلٌ شَرِيفٌ مَاجِدٌ، إِذَا كَانَ لَهُ آباءٌ مُتَقَدِّمُونَ فِي الشرفِ، وَالحَسَبِ والكرمِ يَكُونَانِ فِي الرجلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ) اهـ.
الإعرابُ: (وَاهاً). اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ بِمَعْنَى: أَعْجَبُ، مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أَنَا، (لِسَلْمَى) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِوَاهاً، (ثُمَّ) حَرْفُ عَطْفٍ، (وَاهاً) مِثْلُ سَابِقِهِ، (وَاهاً) تَأْكِيدٌ لَهُ، (هِيَ المُنَى) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، (لَوْ) حَرْفُ شَرْطٍ مَعْنَاهُ امْتِنَاعُ الجوابِ لامتناعِ الشرطِ، (أَنَّنَا) أَنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ وَنَصْبٍ، والضميرُ اسْمُهُ، (نِلْنَاهَا) فِعْلٌ مَاضٍ وفاعلُهُ وَمَفْعُولُهُ، والجملةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ أَنَّ، وَأَنَّ مع مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَرْفُوعٍ يَقَعُ فَاعِلاً لِفِعْلٍ محذوفٍ، وَتَقْدِيرُ الْكَلامِ: لَوْ ثَبَتَ نَيْلُنَا إِيَّاهَا، وَهَذِهِ الجملةُ شرطُ لَوْ، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، وَالتقديرُ: لَوْ ثَبَتَ نَيْلُنَا إِيَّاهَا لَكَانَ ذَلِكَ غَايَةَ المُنَى، (إِنَّ) حَرْفُ تَوْكِيدٍ وَنَصْبٍ، (أَبَاهَا) اسْمُ إِنَّ مَنْصُوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، وَضَمِيرُ الغائبةِ العائدُ إِلَى سَلْمَى مُضَافٌ إِلَيْهِ، (وَأَبَا) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ، أَبَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَبَاهَا السابقِ مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مِثْلَهُ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَأَبَا مِنْ (أَبَاهَا) مُضَافٌ إِلَيْهِ مَجْرُورٌ بِكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَضَمِيرُ الغائبةِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (قَدْ) حَرْفُ تَحْقِيقٍ، (بَلَغَا) بَلَغَ: فِعْلٌ ماضٍ، وَأَلِفُ الاثْنَيْنِ فَاعِلُهُ، وَجُمْلَةُ الفعلِ وَفَاعِلِهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ إِنَّ، (فِي المجدِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِبَلَغَ، (غَايَتَاهَا) غَايَتَا: مَفْعُولٌ بِهِ لِبَلَغَ مَنْصُوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، وهذهِ لغةُ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الأَلِفَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا، وَغَايَتَا: مُضَافٌ، وَضَمِيرُ الغائبةِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي محلِّ جَرٍّ.
الشاهدُ فِيهِ: فِي هَذِهِ الأبياتِ عِدَّةُ شَوَاهِدَ للنُّحَاةِ، والمقصودُ الاستشهادُ هُنَا بقولِهِ: (وَأَبَا أَبَاهَا) حيثُ أَتَى بِأَبَاهَا مَجْرُوراً بِكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مع كَوْنِهِ مُضَافاً لِغَيْرِ ياءِ المُتَكَلِّمِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُ الأسماءَ الستَّةَ مع اسْتِيفَائِهَا للشروطِ، إِعْرَابَ المقصورِ مِنْ نَحْوِ: فَتًى وَعَصًى وَأَشْبَاهِهِمَا، وَهِيَ لُغَةُ القَصْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شرحِ الشاهدِ السابقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الاستشهادَ عَلَى هَذِهِ اللغةِ بِهَذا البيتِ إِنَّمَا يَتِمُّ بالكلمةِ الثالثةِ؛ لأَنَّ مَوْضِعَهَا خَفْضٌ بإضافةِ (أَبَا) الثانيةِ إِلَيْهَا، أَمَا الكلمتانِ الأُولَى والثانيةُ فَتَحْتَمِلانِ الإجراءَ عَلَى هَذِهِ اللغةِ والإجراءَ عَلَى لغةِ الإتمامِ الَّتِي هِيَ أشهرُ اللغاتِ الثلاثِ؛ وَذَلِكَ لأنَّهُمَا مَنْصُوبَتَانِ: الأُولَى لِكْوَنِهَا اسْمَ إِنَّ، والثانيةُ لِكَوْنِهَا مَعْطُوفَةً عَلَى الأُولَى، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهَما بالألفِ نِيَابَةً عَن الفتحةِ كَمَا هُوَ أَشْهَرُ اللُّغَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُمَا بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، عَلَى مَا هُوَ لغةُ القصرِ، الَّتِي نَحْنُ الآنَ بِصَدَدِهَا، لَكِنْ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُجْرِيَهُمَا عَلَى لغةِ القصرِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ الكلمةَ الثالثةَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا لغةُ القصرِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ البيتَ مُلَفَّقاً مِنْ لُغَتَيْنِ، فَافْهَمْ ذَلِكَ وَتَدَبَّرْهُ.
([11]) هَذَا مَثَلٌ مِنْ أمثالِ الْعَرَبِ، ذَكَرَهُ المَيْدَانِيُّ مَرَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي حَرْفِ الميمِ (4117 فِي 2/318)، والأُخْرَى فِي حَرْفِ الثاءِ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ قَوْلِهِمْ فِي المَثَلِ: (ثُكْلٌ أَرْأَمَهَا وَلَداً) (771 فِي 1/152) وَهُوَ يُضْرَبُ للرجلِ يَحْمِلُهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ رَجُلاً اسْمُهُ بَيْهَسٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضٍ كَانَ سَابِعَ سَبْعَةٍ إِخْوَةٍ لَهُ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَهُمْ فِي إِبِلِهِمْ، فَقَتَلُوا إِخْوَتَهُ جَمِيعاً، وَبَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ، وَكَانَ مُحَمَّقاً، وَغَبَرَ عَلَى ذَلِكَ دَهْرٌ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ أُنَاساً مِنْ أَشْجَعَ فِي غَارٍ يَشْرَبُونَ، فَانْطَلَقَ بِخَالٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَنَشٍ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي غَارٍ فِيهِ ظِبَاءٌ لَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْهَا؟ وَانْطَلَقَ بَيْهَسٌ بِخَالِهِ حَتَّى أَقَامَهُ عَلَى فَمِ الغارِ وَهُوَ يَقُولُ: ضَرْباً أَبَا حَنَشٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ أَبَا حَنَشٍ لَبَطَلٌ، فَقَالَ أَبُو حَنَشٍ: مُكْرَهٌ أَخَاكَ لا بَطَلٌ، هكذا رَوَى المَيْدَانِيُّ، وَحَكَى شَارِحُ الْكِتَابِ القِصَّةَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ أَبَا حَنَشٍ هُوَ الَّذِي دَفَعَ بَيْهَساً فِي الغارِ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَى المُتَلَمِّسِ قَوْلُهُ.
قِيلَ: وَعَزَمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ يَوْماً لِيَخْرُجَنَّ إِلَى قِتَالِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبٍ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَلَمَّا الْتَقَيَا قَالَ عَمْرٌو: مُكْرَهٌ أَخَاكَ لا بَطَلٌ، فَأَعْرَضَ عنهُ عَلِيٌّ ولمْ يُحَارِبْهُ. وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ نِسْبَةَ قَوْلِ هَذَا المَثَلِ إِلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ لَيْسَتْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الظاهرُ، وَإِنَّمَا تَمَثَّلَ بِهِ عَمْرٌو.
الإعرابُ: (مُكْرَهٌ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (أَخَاكَ) أَخَا: مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، وَأَخَا مُضَافٌ، وَضَمِيرُ المُخَاطَبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ فِي محلِّ جرٍّ، (لا) حَرْفُ عَطْفٍ، (بَطَلٌ) مَعْطُوفٌ بِلا عَلَى مُكْرَهٌ، وَالمَعْطُوفُ عَلَى المرفوعِ مَرْفُوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ (مُكْرَهٌ) مُبْتَدَأً وَتَجْعَلَ (أَخَاكَ) نَائِبَ فَاعِلٍ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ؛ لأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ذَلِكَ عِنْدَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ أَنْ يَكُونَ المُبْتَدَأُ مُعْتَمِداً عَلَى نَفْيٍ أَو اسْتِفْهَامٍ، نَعَمْ لَوْ جَرَيْتَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِينَ لا يَشْتَرِطُونَ الاعتمادَ عَلَى النفيِ أَو الاستفهامِ كَانَ لَكَ أَنْ تُعْرِبَهُ هَذَا الإعرابَ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (أَخَاكَ)، حَيْثُ أَتَى بهذهِ الكلمةِ بالألفِ مع كَوْنِهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، سَوَاءٌ أَجَرَيْتَ عَلَى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ فَجَعَلْتَ (أَخَاكَ) مُبْتَدَأً مُؤَخَّراً أَمْ جَرَيْتَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فَجَعَلْتَ (أَخَاكَ) نَائِبَ فاعلٍ بِـ(مُكْرَهٌ) سَدَّ مَسَدَّ خَبَرِهِ، وَمَجِيءُ هَذِهِ الكلمةِ بِالألفِ فِي مَوْضِعِ الرفعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُتَكَلِّمَ اعْتَبَرَ رَفْعَهُ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ كَالأسماءِ المقصورةِ.
([12]) قَدْ وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
إِنَّ الْحَمَاةَ أُولِعَتْ بِالكَنَّهْ = وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بِالْهَنَّهْ
وَالكَنَّةُ امْرَأَةُ الابنِ، وَوَجْهُ الاستدلالِ أَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا للأُنْثَى: (حَمَاة) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ للمُذَكَّرِ: (حَماً) بِأَلِفِ مَقْصُورَةً؛ إِذْ لا فَرْقَ بَيْنَ المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ إِلاَّ تاءُ التأنيثِ كَمَا قَالُوا: (فَتًى، وَفَتَاةٌ) وَأَنْتَ تُعْرِبُ (الفَتَى) بِحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، وَتُعْرِبُ (الفتاةَ) بِحَرَكَاتٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى التاءِ؛ لأَنَّ الإعرابَ الَّذِي كَانَ عَلَى أَلِفِ (الفَتَى) لِكَوْنِهَا آخِرَ الكلمةِ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى تاءِ (الفتاةِ) لَمَّا صَارَتْ هِيَ آخِرَ الكلمةِ، فَافْهَمْ ذَلِكَ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ مِنَ اللُّغَاتِ فِي الأسماءِ السِّتَّةِ: أَنَّ هَذِهِ الأسماءَ عَلَى ثلاثةِ أَضْرُبٍ، ضَرْبٌ فِيهِ لُغَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ ذُو بِمَعْنَى صَاحِبٍ، وَالفَمُ إِذَا فَارَقَتْهُ الميمُ، وَضَرْبٌ فِيهِ لُغَتَانِ: النَّقْصُ، وَالإتمامُ، وَهُوَ الهَنُ، وَضَرْبٌ فِيهِ ثَلاثُ لُغَاتٍ: الإتمامُ، والقصرُ، والنقصُ، وَهُوَ ثلاثةُ ألفاظٍ: الأبُ، والأخُ، والحمُ.


  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 04:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

واعْلَمْ أنَّ النائبَ في الاسمِ إما حرفٌ وإما حركةٌ، وفي الفعلِ إما حرفٌ وإما حذفٌ، فنيابةُ الحرفِ عن الحركةِ في الاسمِ تكونُ في ثلاثةِ مواضعَ: الأسماءِ الستَّةِ، والمثنَّى، والمجموعِ على حَدِّه، فبدأَ بالأسماءِ الستَّةِ لأنَّهَا أسماءٌ مفردةٌ، والمفردُ سابقُ المثنَّى والمجموعُ، ولأنَّ إعرابَهَا على الأصلِ في الإعرابِ بالفرعِ مِنْ كلِّ وجهٍ، فقال:
27- وَارْفَعْ بِوَاوٍ، وَانْصِبَنْ بِالأَلِــفِ = وَاجْرُرْ بِيَاءٍ مَا مِنَ الأَسْمَا أَصِــفْ
(وَارْفَعْ بِوَاوٍ، وَانْصِبَنْ بِالأَلِــفِ *وَاجْرُرْ بِيَاءٍ) أي: نيابةً عنِ الحركاتِ الثلاثِ (ما) أي: الذى (مِنَ الأَسْمَا أَصِفْ) لك بعدُ (مِنْ ذاكَ) أي: من الذي أصِفُهُ لك.
28- مِنْ ذَاكَ ذُو إِنْ صُحْبَةً أَبَانَـا = وَالفَمُ حيثُ الميمُ مِنُه بَانَــــــا
(ذُو إِنْ صُحْبَةً أَبَانَا) أي: أظهَرَ، لا ذُو الموصولةِ الطائيةُ، فإنَّ الأشهرَ فيها البناءُ عن طيِّيءٍ (وَالفَمُ حَيْثُ المِيمُ منه بَانَا) أي: انفصلَ، فإنْ لم ينفصِلْ منه أُعْرِبَ بالحركاتِ الظاهرةِ عليها. وفيه حينئذٌ عشرُ لغاتٍ: نقْصُه، وقصْرُه، وتضعيفُه- مثلثُ الفاءِ فيهنَّ- والعاشرةُ إتباعُ فائِه لميمِهِ، وفصحاهُنَّ فتحُ فائِه منقوصًا.
29- أَبٌ، أَخٌ، حَمٌ، كَذَكَ، وَهَنُ = والنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرَ أَحْسَــــنُ
30- وَفِي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْـــدُرُ = وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَـــــرُ
و(أَبٌ) و(أَخٌ) و(حَمٌ كَذَلِكَ) مِمَّا أَصِفْهُ (وَهَنُ) وهي كلمةٌ يُكْنَى بها عنْ أسماءِ الأجناسِ ، وقيل: عمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ، وقيل: عَنِ الفرجِ خاصَّةً، فهذِه الأسماءُ الستَّةُ تعرَبُ بالواوِ رفعًا، وبالألفِ نصبًا، وبالياءِ جرًّا، وهذا الإعرابُ متعيَّنٌ في الأوَّلِ منها- وهو ذو- ولهذا بَدَأَ بِهِ، وفي الثاني منها- وهو الفمُ- في حالةِ عدمِ الميمِ، ولهذا ثُنِّيَ به، وغَيْرُ مُتَعَيِّنٍ في الثلاثةِ التي تليهما- وهي "أَبٌ"، و"أَخٌ" و"حَمٌ"- لكنَّهُ الأشهرُ والأحسنُ فيها (والنقصُ في هذا الأخيرِ) وهو "هَنُ" (أحسنُ) مِنَ الإتمامِ، وهو الإعرابُ بالأحرفِ الثلاثةِ، ولذلك أخَّرَهُ. والنقصُ: أن تحذَفَ لامُهُ ويعرَبُ بالحركاتِ الظاهرةِ على العينِ، وهي النونُ، وفي الحديثِ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلَيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهُنِ أَبِيِه وَلا تَكْنُوا)) ولقلَّةِ الإتمامِ في "هَنُ" أنكرَ الفراء ُجوازه، َوهو محجوجٌ بحكايةِ سيبويهِ الإتمامَ عنِ العربِ، ومن حفظَ حُجَّةُ على مَنْ لَمْ يحفَظْ (وفي أَبٍ وَتَالِيَيْه) وهما "أخٌ" و"حمٌ" (يَنْدُرُ) أي: يقلُّ النقصُ، ومنه قولُه [من الرجز]:
15- بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمِ = وَمَنْ يُشَابِهُ أَبَهُ فَمَا َظَلَـــــمْ
(وَقَصْرُها) أي: قصْرُ "أبٍ" و"أخٍ" و"حمٍ"(من نقصِهنَّ أَشْهَرُ) "قصْرُهُا": مبتدأ،ٌ و"أشهرُ": خبرُهُ، ومِنْ نقصهِنَّ: متعلِّقٌ بِأَشْهَرُ، وهو "مِنْ" تقديمِ مِنْ على أفعلِ التفضيلِ، وهو قليلٌ، كما ستعرِفه. والمرادُ أنَّ استعمالَ "أَبٍ"و"أَخٍ" و"حَمٍ" مقصورةٌ- أي: بالألفِ مطلقًا- أكثرُ وأشهرُ مِنَ استعمَالِها منقوصةً- أي: محذوفةَ اللاماتِ- معرَبَةً على الأحرفِ الصحيحةِ بالحركاتِ الظاهرةِ. ومن القَصْرِ قولُه [من الرجز]:
16- إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَـــا = قَدْ بَلَغا في المجدِ غايتاهـَـــــا
وفى المثلِ "مُكْرَهٌ أَخَاكَ لاَ بَطَلَ"؛ وحاصلُ ما ذكَرَه أنَّ في "أبٍ" و"أخٍ" و"حمٍ" ثلاثُ لغاتٍ: أشهرُها الإعرابُ بالأحرفِ الثلاثةِ، والثانيةُ أنْ تكونَ بالألفِ مطلقًا، والثالثةُ أنْ تحذَفَ منها الأحرفُ الثلاثةُ، وهذا نادرٌ، وأنَّ في هَنُ لغتين: النقصُ وهو الأشهرُ، والإتمامُ وهو قليل ٌ؛ وزادَ في التسهيلِ في "أبٍ" : التشديدُ، فيكونُ فيه أربعُ لغاتِ؛ وفي "أَخٍ" التشديدُ و"أَخُوًا" - بإسكانِ الخاءِ- فيكونُ فيه خمسُ لغاتٍ، وفي "حَمُ": "حَمْوًا " كـ "قَرْوِ"، وحمأً كقَرْءٍ، وحَمَأ كخَطَأ فيكونُ فيه ستُّ لغاتٍ.
تنبيهٌ : مذهبُ سيبويهِ أنَّ "ذو: بمعنى صاحبٍ وزنُها "فَعَلٌّ"- بالتحريكِ- ولامُها ياءٌ ، ومذهبُ الخليل أنَّ وزنَها "فَعَلٌّ" بالإسكانِ ولامها واواً في باب قوة وأصله ذَوُو، وقال ابن كيَسْانَ: تحتملُ الوزنينِ جميعًا. و"فُوكَ": وزنُه عندَ الخليلِ وسيبويهِ فَعَلٌ- بفتحِ الفاءِ وسكونِ العينِ- وأصلُه: "فَوْهٌ" لامُه هاٌء، وذهبَ الفرَّاءُ إلى أنَّ وزنَه "فُعْل"، بضمِّ الفاءِ. و"أبٌ" و"أخٌ" و"حمٌ" و"هَنٌ": وزنُها عند البصريِّينَ فَعَلٌ- بالتحريكِ- ولاماتُها واواتٌ، بدليلِ تثنيتِها بالواوِ، وذهَبَ بعضُهُم إلى أنَّ لامَ " حَم " ياءٌ مِنَ الحمايةِ؛ لأنَّ أحماءَ المرأةِ يحمونُها، وهو مردودٌ بقولِهم في التثنيةِ: "حَمَوَان"، وفي إحدى لغاتِه "حَمْو"، وذهبَ الفرَّاءُ إلى أنَّ وزنَ "أَب" و"أَخ" و"حَم": فَعْل، بالإسكانِ ، ورُدَّ بِسماعِ قصرِها، وبجمعِها على "أفعالَ". وأما "هَنُ" فاستدلَّ الشارحُ على أنَّ أصلَهُ التحريكُ بقولِهِمْ: هَنَةٌ وهَنَوَات، وقد استدلَّ بذلك بعضُ شرَّاحِ الجَزُولِيَّةِ، واعترضَهُ ابنُ إيازٍ بأنَّ فتحةَ النونِ في "هَنَةٌ" يحتمِلُ أنْ تكونَ لهاءِ التأنيثِ، وفي "هَنَواتٍ" لكونِهِ مثلَ "جَفَنَاتِ"، فتح لأجلِ جمعِه بالألفِ والتاءِ، وإنْ كانَتِ العينُ ساكنةً في الواحدِ، وقد حكَى بعضُهُمْ في جمعِه أَهْنَاء، فبه يُستدَلُّ على أنَّ وزنَه "فَعَل" بالتحريك.
31- وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ: أَنْ يُضَفْنَ لَا = لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ
(وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ) بِالأَحْرُفِ الثَّلاَثَةِ فِي الكلِماتِ الستِّ (أَنْ يُضَفْنَ لاَ لليَا)، معَ مَا هنّ عليه مِنَ الإفرادِ والتكبيرِ (كجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ) فكلُّ واحدٍ مِنْ هذه الأسماءِ مُفْرَدٌ، مُكَبَّرٌ، مُضَافٌ، وإضافتُه لغيرِ الياءِ، وقد احتَوَتْ هذه الأمثلةُ على أنواعٍ غيرِ الياءِ، فَإِنَّ غَيْرَ الياءِ: إما ظاهرٌ أو مضمرٌ؛ والظاهرُ إمَّا معرفةً أو نكرةً، والاحترازُ بالإضافةِ عما إذا لم يُضَفْ، فإنَّها تكونُ منقوصةً معربةً بالحركاتِ الظاهرةِ، نحو: "جَاءَ أَبٌ"، و"رَأَيْتُ أَخًا"، و"مَرَرْتُ بِحَمِ". وكلُّها تُفْرَدُ إلا "ذُو" فإنَّها ملازمةٌ للإضافةِ. وإذا أُفْرِدَ "فُوكَ" عُوِّضَ مِنَ عينِه- وهي الواوُ- ميمٌ، وقد تُثْبَتُ الميمُ معَ الإضافةِ، كقولِه [من الرجز]:
17- يُصْبِحُ ظَمْآنَ وفِي البَحْرِ فَمُهْ = .......
ولا يختصُّ بالضرورةِ، خلافًا لأبي عليٍّ، لقولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلَّم: (( لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطَيْبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ريحِ المِسْكِ))، والاحترازُ بقولِه: لا للياءِ عمَّا إِذَا أُضِيفَتْ لِلْيَا، فإنَّها تُعْرَبُ بحركاتٍ مقدَّرَةٍ كسائرِ الأسماءِ المضافةِ للياءِ. وكلُّها تُضَافُ للياءِ إلا "ذو"، فإنَّها لا تُضَافُ لمضمرٍ، وإنما تضافُ لاسمِ جنسٍ ظاهرٍ غيرِ صفةٍ، وما خالَفَ ذلك فهو نادرٌ. وبكونِها مفردةً عمَّا إذا كانت مُثَنَّاةً أو مجموعةً جمعَ سلامةِ، فإنَّها تُعْرَبُ إعرابُها، وإن جُمِعَتْ جمعَ تكسيرٍ أُعْرِبَتْ بالحركاتِ الظاهرةِ. وبكونِها مكبَّرَةً عمَّا إذا صُغِّرَتْ، فإنَّها تُعْرَبُ أيضًا بالحركاتِ الظاهرةِ.
واعْلَمْ أنَّ مَا ذكَرُه الناظمُ مِنْ أنَّ إعرابَ هذه الأسماءِ بالأحرفِ هو مذهبُ طائفةٌ من النحويِّينَ: منهم الزجَّاجِيُّ، وقُطْرُبٌ، والزِّيَادِيُّ، مِنَ البصريِّينَ، وهشامٌ مِنَ الكوفيِّينَ، في أحدِ قوليه. قال في (شرحِ التسهيلِ): وهذا أَسْهَلُ المَذَاهِبِ وأبعدُها عنِ التكلُّفِ، ومذهبُ سيبويهِ والفارسيِّ وجمهورِ البصريِّينَ أنَّهَا معرَبَةٌ بحركاتٍ مقدَّرَةٍ على الحروفِ، وأُتْبِعَ فيها ما قبلَ الآخرِ للآخرِ، فإذا قُلْتَ: "قامَ أبُو زيدٍ"، فأصلُه: أبَوُ زيدٍ، ثُمَّ أُتْبِعَتْ حركةُ الباءِ لحركةِ الواوِ فصارَ أبُوُ زيدٍ، فاستُثْقِلَتِ الضمَّةُ على الواوِ فحُذِفَتْ. وإذا قلْتَ: رأَيْتُ أبا زيدٍ، فأصلُه أَبَو زيدٍ، فقيلَ: تحرَّكَتِ الواوُ وانفتَحَ ما قبلَها فقُلِبَتْ ألفًا، وقيلَ : ذهَبَتْ حركةُ الباءِ ثمَّ حرِّكَتِ إتباعًا لحركةِ الواوِ، ثم انْقَلَبَتِ الواوُ أَلِفًا. قيل: وهذا أَوْلَى ليتوافَقَ النصبُ مع الرفعِ والجرِّ في الاتباعِ، وإذا قُلْتَ: مررْتُ بِأَبِي زيدٍ، فأصلُه بأَبَوِ زيدٍ، فأُتْبِعَتْ حركةُ الباءِ لحركةِ الواوِ فصارَ: بأبِوِ زيدٍ، فاستُثْقِلَتِ الكسرةُ على الواوِ فحُذِفَتْ كما حُذِفَتِ الضمَّةُ، ثم قُلِبَتِ الواوُ ياءً؛ لسكونِها بعدَ كسرةٍ كما في نحوِ: "مِيزَانٍ". وذكَرَ في (التسهيل) أن هذا المذهبَ أصحُّ، وهذان المذهبانِ مِنْ جملةِ عشرةِ مذاهبَ في إعرابِ هذه الأسماءِ، وهما أقواها.
تنبيهٌ : إنما أُعْرِبَتْ هذه الأسماءُ بالأحرفِ تَوْطِئَةً لإعرابِ المُثَنَّى والمجموعِ على حَدِّهِ بها؛ وذلك أنَّهُم أرادُوا أن يُعْرِبُوا المثَنَّى والمجموعَ بالأحرفِ للفرقِ بينهما وبينَ المفردِ، فأعربُوا بعضَ المفرداتِ بها ليأنسَ بها الطبعُ، فإذا انتقَلَ الإعرابُ بها إلى المثنَّى والمجموعِ لم ينفُرْ منه لسابقِ الأُلْفَةِ وإنما اخْتِيرَتْ هذه الأسماءُ لأنَّهَا تُشْبِهُ المثَّنَى لفظًا ومعنى: أما لفظُا فلأنَّهَا لا تُسْتَعْمَلُ كذلك إلا مضافةً، والمضافُ مع المضافِ إليه اثنانِ، وأما معنًى فلِاستلزامِ كلِّ واحدٌ منها آخرَ: فالأبُ يستلزُم ابنًا، والأخُ يستلزمُ أخًا، وكذا البواقي، وإنما اخْتِيرَتْ هذه الأحرفُ لمَا بينَها وبينَ الحركاتِ الثلاثِ مِنَ المناسبةِ الظاهرةِ.


  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 04:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

إعرابُ الأسماءِ الستَّةِ

27- وارْفَعْ بواوٍ وانْصِبَنَّ بالألِفْ = واجْرُرْ بياءٍ ما مِن الأسْمَا أَصِفْ
28- مِن ذاكَ ذو إنْ صُحبةً أَبَانَا = والفمُ حيثُ الميمُ منه بَانَا
29- أَبٌ أَخٌ حَمٌ كَذَاكَ وهَنُ = والنَّقْصُ في هذا الأخيرِ أَحْسَنُ
30- وفي أبٍ وتالِيَيْهِ يَنْدُرُ = وقَصْرُها مِن نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ
31- وشرْطُ ذا الإعرابِ أن يُضَفْنَ لا = لليَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذا اعْتِلاَ
هذا البابُ الأوَّلُ مما يكونُ الإعرابُ فيه بعَلاماتٍ فَرعيَّةٍ، وهو بابُ الأسماءِ الستَّةِ: (أبٌ، أخٌ، حَمٌ، فَمٌ، هَنٌ، ذُو- بمعنى صاحِبٍ- فإنها تُرْفَعُ بالواوِ نِيَابةً عن الضمَّةِ، نحوُ: هذا أبوكَ، قالَ تعالى عن الْمَرأتينِ: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} وتُنْصَبُ بالألِفِ نِيَابةً عن الفَتحةِ، نحوُ: احتَرِمْ أباكَ، قالَ تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}، وتُجَرُّ بالياءِ نِيَابةً عن الكَسرةِ، نحوُ: اسْمَعْ نَصيحةَ أَبيكَ، قالَ تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ}.
وهذا الإعرابُ هو أَشْهَرُ اللغاتِ في الأسماءِ السِّتَّةِ، وأَسْهَلُها ويُسَمَّى الإتمامَ، إلاَّ كَلِمَةَ (هَنٌ)، فالأشْهَرُ فيها الإعرابُ بالحركاتِ، وهناك لُغةٌ أُخرى تَلِيهَا وهي القَصْرُ، ومعناه لُزومُ الألِفِ في جميعِ الأحوالِ؛ (الرفْعِ والنصْبِ والْجَرِّ)، ويكونُ الإعرابُ بحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ للتَّعَذُّرِ، مِثلُ: حَضَرَ أخاكَ، صافَحْتُ أخاكَ، مَرَرْتُ بأخاكَ.
وهناك لُغةٌ ثالثةٌ وهي لُغةُ النَّقْصِ، ومعناه: إعرابُها بالحركاتِ الظاهِرَةِ وحَذْفُ حَرْفِ العِلَّةِ، مِثلُ: هذا أَبُكَ ورَأَيْتُ أَبَكَ، ومَرَرْتُ بأَبِكَ، وتقولُ: هذا هَنُكَ، ورَأيتُ هَنَكَ، ومَرَرْتُ بِهَنِكَ، قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلاَ تَكْنُوا)). أخْرَجَه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ.
فالأسماءُ الستَّةُ بالنظَرِ إلى اللَّهَجَاتِ الواردةِ فيها ثلاثةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: ما فيه لَهجةٌ واحدةٌ، وهو: ذُو وفُو، وإعرابُها بالحروفِ.
الثاني: ما فيه لَهجتانِ، وهو: هَنٌ، ففِيه النقْصُ وهو أفْصَحُ، والإتمامُ.
الثالثُ: ما فيه ثلاثُ لَهَجَاتٍ، وهو: أبٌ، أخٌ، حَمٌ، ففيها الإتمامُ والقَصْرُ والنقْصُ، وهذا نادِرٌ فيها.
ولا تُعْرَبُ الأسماءُ الستَّةُ بالحروفِ إلاَّ بشُروطٍ، وهي نوعانِ:
1- شروطٌ عامَّةٌ، وهي أربعةٌ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ مُضافَةً، فإنْ لم تُضَفْ أُعْرِبَتْ بالحَرَكَاتِ الأَصْلِيَّةِ، قالَ تعالى: {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً}، وقالَ تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}، وقالَ تعالى: {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}.
الثاني: أنْ تكونَ إضافتُها لغيرِ ياءِ المتكَلِّمِ، فإنْ أُضِيفَتْ لياءِ المتكلِّمِ أُعْرِبَتْ بحَرَكَاتٍ أصْلِيَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، قالَ تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً}.
وقالَ تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي}، وقالَ تعالى: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي}.
الثالثُ: أنْ تكونَ مُفْرَدَةً، فإنْ كانَتْ مُثَنَّاةً أو مَجموعةً أُعْرِبَتْ إعرابَ الْمُثَنَّى أو الْجَمْعِ، نحوُ: جاءَ أَبَوَانِ، ورَأَيْتُ أَبَوَيْنِ، وذَهَبْتُ إلى أَبَوَيْنِ، وجاءَ آباءُ الطُّلاَّبِ، ورَأَيْتُ آباءَهم، ومَرَرْتُ بآبائِهم، قالَ تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}، وقالَ تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}.
الرابعُ: أنْ تكونَ مُكَبَّرَةً؛ أي: غيرَ مُصَغَّرَةٍ، فإنْ صُغِّرَتْ أُعْرِبَتْ بالحَرَكَاتِ الأصليَّةِ، نحوُ: هذا أُبَيُّ زَيدٍ.
2- شُروطٌ خَاصَّةٌ:
فيُشْتَرَطُ في كَلِمَةِ (فَمٍ) حَذْفُ الميمِ مِن آخِرِها، نحوُ: يَنْطِقُ فُوكَ بالْحِكمةِ، فإنْ لم تُحْذَفْ أُعْرِبَتْ بالحَرَكاتِ الأصليَّةِ، نحوُ: فَمُكَ نَظيفٌ.
ويُشترَطُ في (ذو) أنْ تكونَ بمعنى صاحِبٍ، وأنْ تُضافَ لاسْمِ جِنْسٍ ظاهِرٍ غيرِ صِفةٍ، نحوُ: جاءَ ذُو مالٍ، ونَصَحْتُ ذا مالٍ، وسَلَّمْتُ على ذي مالٍ، بخِلافِ: جاءَ ذو قَامَ؛ لأنها مَوصولةٌ.
وبخِلافِ: جاءَ ذو قائِمٌ؛ فمِثْلُ هذا لا يُتَكَلَّمُ به؛ لأنها أُضِيفَتْ لوَصْفٍ.
وهذا معنى قولِه: (وارْفَعْ بواوٍ.. إلخ)؛ أي: ارْفَعْ بالواوِ نِيَابةً عن الضمَّةِ، وانْصِبْ بالألِفِ، واجْرُرْ بالياءِ ما أَصِفُه لكَ مِن الأسماءِ.
ومِن ذاك (ذُو) بشَرْطِ أنْ يُبَيِّنَ صُحبةً؛ أيْ: يَدُلَّ على صُحبةٍ؛ بأنْ يكونَ بمعنى صاحِبٍ، ومنها: الفَمُ بشَرْطِ أنْ تَبِينَ منه الميمُ؛ أيْ: تَنْفَصِلَ، وكذا: أبٌ، أخٌ، حَمٌ، وهَنٌ، والنقْصُ في كَلِمَةِ (هَنٍ) الأخيرةِ أحْسَنُ مِن الإعرابِ بالحروفِ، وأمَّا أبٌ وأخٌ وحَمٌ، فالنقْصُ نادِرٌ فيها - معَ جَوَازِه- والقَصْرُ أحسَنُ منه، وشرْطُ إعرابِها بالحروفِ أنْ تُضافَ لا للياءِ، ثم ذَكَرَ الْمِثالَ، ويُمْكِنُ فَهْمُ الشَّرطينِ الثالثِ والرابعِ مِن الْمِثالِ؛ فإنَّ قولَه: (أَخُو أَبيكَ ذا اعْتِلاَ) مُفْرَدٌ غيرُ مُصَغَّرٍ، و(اعْتِلاَ) مَصْدَرٌ قُصِرَ للوقْفِ. والاعتلاءُ هو العُلُوُّ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأسماء, إعراب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir