سورة النور
قوله عز وجل: {أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (24: 4، 5).
اشترط [في] خروجهم من وصف الفسق الإصلاح بعد التوبة، مع أنه يغفر لهم بمجرد التوبة بالإجماع وهم يخرجون من الفسق بها.
والجواب: أن المراد خروجهم من الفسق في الحكم الظاهر لنا، لا في نفس الأمر، فهم يخرجون من الفسق في نفس الأمر بالتوبة. ولا يمكننا نحن أن نتحقق ذلك منهم ونقبل شهادتهم حتى يظهر أثر ذلك عليهم من مباعدتهم لما
[فوائد في مشكل القرآن: 199]
كانوا عليه، وتمسكهم بالخير، كل واحد حسب حاله، وخبثه ومكره في الرياء والمداهنة.
قوله عز وجل: {فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} (24: 13).
والآية نزلت في شأن الإفك، وهم كاذبون عند الله، سواء أتوا بهم أو لم يأتوا. فكيف علق، والمعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه، وكذبهم واجب التحقق، فلا ينتفي.
والجواب: أن معنى «عند الله» أي: في حكم الله، كما تقول: هذا عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة حلال، ولا شك أنهم لو أتوا بالبينة المعتبرة كان حكم الله أنهم صادقون.
قوله عز وجل: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} (24: 33).
لا يصح أن يكون الإكراه لأجل الابتغاء، لأن الابتغاء حاصل قبل الإكراه، وتحصيل الحاصل محال. لأنه لو لم
[فوائد في مشكل القرآن: 200]
يطلب عرض الحياة الدنيا ما أكره، فلو قال: «لتأخذوا» كان يستقيم.
والجواب: أنه عبر بالابتغاء عن المبغي وهو الأخذ.
قوله عز وجل: {في بيوت أذن الله أن ترفع} (24: 36).
العامل في المجرور، قيل: «كمشكاة كائنة في بيوت» فتكون صفة لمشكاة تتوقد في بيوت. وفائدة إدخال المساجد في المثل، أنها أفضل البقاع فيكون المصباح في المسجد [مما] يزيد في شرفه. فيحسن التشبيه به.
قوله عز وجل: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} (24: 37).
قيل: البيع للمقيم، والتجارة للمسافر. وقيل: المسافر والمقيم سيان، لكن التجارة هي بيع يقترن به قصد الربح، وقد بيع الإنسان ما لا يقصد به الربح، فالبيع أعم.
[فوائد في مشكل القرآن: 201]
وهاهنا سؤال، وهو أن عادة العرب يؤخرون في مدحهم الأمدح، وهاهنا ليس كذلك، لأن البيع الذي فيه قصد الربح يلهي أكثر من البيع الذي ليس كذلك. فالمدح به يكون أعظم، فينبغي أن يؤخر، لكنه قدم فيكون مشكلاً.
والجواب: أن البيع عنده يحصل الربح والفوائد، فيكون أشد إلهاءًا، فيكون التمدح به أمدح، فوجب أن يؤخر.