السؤال:
الآية .... {قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون....} في سورة الأنعام الآية 33:
من المعروف أن قد هي حرف تحقيق مع الفعل الماضي وحرف تقليل مع الفعل الحاضر..
وهنا استخدم الله تعالى قد مع الحاضر ..... وأعوذ بالله أن يكون هناك تقليل لعلمه ...
فكيف يمكن استخدام "قد" مع علم الله وهو فعل حاضر ... ففي هذا الاستخدام تقليل للفعل .. فكيف ذلك؟
الإجابة:
وفقك الله وسدد خطاك
لا يلزم أن تفيد (قد) التقليل مع المضارع، بل قد تفيد معاني أخرى ذكرها العلماء، وخاصة أصحاب التصانيف في حروف المعاني؛ كالمرادي في الجنى الداني وغيره.
والحروف إذا تعددت دلالاتها لا يعرف المعنى المقصود منها إلا من السياق؛ لأن الحرف نفسه لا يتغير من موضع إلى موضع.
وإذا نظرنا إلى كلام العرب وجدنا أن (قد) إذا جاءت مع أفعال العلم أفادت التحقيق لا التقليل؛ كمثل قول الشاعر الجاهلي:
قد يعلم القوم إذ طالت غزاتهم ......... وأرملوا الزاد أني منفذ زادي
فالشاعر هنا يتمدح بهذا الوصف، ولا يتم تمدحه إن كانت (قد) للتقليل كما لا يخفى.
وقال أبو محجن الثقفي (إسلامي):
قد يعلم القوم أنا من سراتهم .......... إذا سما بصر الرعديدة الفرق
والكلام فيه كالكلام في البيت السابق.
وعلامة صحة هذا المعنى أنك إن حذفت (قد) من الكلام لم يفسد المعنى ولم يتأثر السياق؛ كما في قول الفرزدق:
تسمّع وأنصت يا يزيد مقالتي .......... وهل أنت إن أفهمتك الحق فاهمه
أنبّئك ما قد يعلم الناس كلهم .......... وما جاهل شيئا كمن هو عالمه
وكذلك الفعل (رأى) كما في قول دريد بن الصمة:
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ........... غوايتهم وأنني غير مهتد
فهو يعلم وقوعهم في الغواية ولا يشك في هذا.
وفي حديث التخيير في البخاري قالت عائشة: (قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك) فهي تجزم بهذا ولا تشك فيه كما لا يخفى.
وهذا الاستعمال شائع في الكلام حتى عند المتأخرين كما في قول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني:
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى .......... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
والله أعلم.