دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:07 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة النور


سورة النور
فإن قيل: كيف قدمت المرأة في آية حد الزنا، وقدم الرجل في آية حد السرقة؟
قلنا: لأن الزنا إنما يتولد من شهوة الوقاع، وشهوة المرأة أقوي وأكثر، والسرقة إنما تتولد من الجسارة والجراءة والقوة، وذلك في الرجل أكثر.
فإن قيل: كيف قدم الرجل في قوله تعالى: (الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٌ)؟
قلنا: لأن الآية الأولى سبقت لعقوبتها على ما جنيا، والمرأة هي الأصل في تلك الجناية لما ذكرنا، والآية الثانية سيقت لذكر النكاح والرجل هو الأصل فيه عرفًا، لأنه هو الراغب والخاطب والبادئ بالطلب، بخلاف الزنا فإن الأمر فيه بالعكس غالبًا.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً) أي لا يتزوج: (والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٌ) ونحن نري الزاني ينكح عفيفة ومسلمة، والزانية ينكحها العفيف المسلم؟
قلنا: قال عكرمة: نزلت هذه الآية في بغايا موسرات كن بمكة، وكان بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير، وكان لا يدخل عليهن إلا زاني من أهل القبلة، أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد جماعه من الفقراء المهاجرين أن ينكحوهن فنزلت هذه الآية زجرًا لهم عن ذلك.
فإن قيل: ما فائدة دخول "من" في غض البصر دون حفظ الفرج
[أنموذج جليل: 354]
في قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)؟
قلنا: فائدته الدلالة على أن أمر النظر أوسع من أمر الفرج، ولهذا يحل النظر في ذوات المحارم والإماء المسترضعات إلى عدة من أعضائهن، ولا يحل شيء من فروجهن.
فإن قيل: لأي حكمه ترك الله تعالى ذكر الأعمام والأخوال في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهنّ) يعني الزينة الخفية: (إلّا لبعولتهنّ) وهم من المحارم وحكهم من استثنى في الآية؟ قلنا: سئل الشعبي عن ذلك فقال لئلا يصفها العم عند ابنه وهو ليس بمحرم لها، وكذا الخال فيقضي إلى الفتنة، والمعني فيه أن كل من استثني يشترك هو وابنه في المحرمية إلا العم والخال وهذا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط في سترهن، ولقائل أن يقول هذا المفسدة محتمله في آباء بعولتهم، لاحتمال أن يذكرها أبو البعل عند ابنه الآخر وهو ليس بمحرم لها وأبو البعل أيضًا نقض على قولهم أن كل من استثني يشترك هو وابنه في المحرمية.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنًا)
[أنموذج جليل: 355]
مع أن إكراههن على الزنا حرام في كل حال؟
قلنا: لأن سبب نزول الآية أن الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا مع إرداتهن التحصن (فورد النهي عن على صفه السبب وإن لم يكن شرطا فيه، الثاني أنه تعالى إنما شرط إرادة التحصن) لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن لأن الأمة إذا لم ترد التحصن فإنها تزني بالطبع، لأن إرادتها الجماع مستمرة في جميع الأحوال طبعًا، ولا بدله من أحد الطرفين، الثالث أن (إن) بمعني إذ كما في قوله تعالى: (وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين) وقوله تعالى: (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)
والرابع: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا تقديره: وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم وإن أردن تحصنًا، ويبقي قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) مطلقًا معلق.
فإن قيل: كيف مثل الله تعالى نوره أي معرفته وهداه في قلب المؤمن بنور المصباح في قوله تعالى: (مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ) ولم يمثله بنور الشمس، مع أن نورها أتم وأكمل؟
قلنا: المقصود تمثيل النور في القلب، والقلب في الصدر، والصدر
[أنموذج جليل: 356]
في البدن كالمصباح وهو الضوء أو الفتيلة وهي في الزجاجة والزجاجة في الكوة التي لا منفذ لها، وهذا التمثيل لا يستقيم إلا في ذكر، الثاني، أن نور المعرفة له آلات يتوقف على اجتماعها كالذهن والفهم والعقل واليقظة وانشراح القلب وغير ذلك من الخصال الحميدة، كما أن نور القنديل يتوقف على اجتماع القنديل والزيت والفتيل وغير ذلك، الثالث: أن نور الشمس يشرق متوجها إلى العالم السفلي لا إلى العالم العلوي، ونور المعرفة يشرق متوجها إلى العالم العلوي كنور المصباح، الرابع: أن نور الشمس لا يشرق إلا بالنهار ونور المعرفة يشرق بالليل والنهار كنور المصباح، الخامس: أن نور الشمس يعم جميع الخلائق ونور المعرفة، لا يصل إليه إلا بعضهم كنور المصباح الموصوف.
فإن قيل: هب أنه تعالى لم يمثله بنور الشمس لما ذكرتم فكيف لم يمثله بنور الشمع، مع أنه أتم وأكمل وأشرق من نور المصباح؟
قلنا: إنما لم يمثله تعالى بنور الشمع لأنه في الشمع غثًا لا محالة بخلاف الزيت الموصوف، فلو مثله تعالى بنور الشمع لتطاول المنافق المغشوش إلى استحقاق نصيب في المعرفة، الثاني: أنه تعالى لم يمثله بنور الشمع لأنه مخصوص بالأغنياء، بخلاف نور المعرفة فإنه في الفقراء أغلب.
فإن قيل: التجارة تشمل الشراء والبيع، فما فائدة عطف البيع عليها.
[أنموذج جليل: 357]
في قوله تعالى: (لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه)؟
قلنا: التجارة هي الشراء والبيع الذي يكون صناعه للإنسان ومقصودًا به الربح، وهو حرفة الشخص الذي يسمى تاجرًا، والبيع أعم من ذلك، وقيل: المراد بالتجارة هنا مبادلة الآخرة بالدنيا كما في قوله تعالى: (أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) والمراد بالبيع مبادلة الدنيا كما في قوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر اللّه) وقيل: إنما عطف البيع على التجارة لأنه أراد بالتجارة الشراء إطلاقا لأسم الجنس على النوع، وقيل إنما عطفه عليها للتخصيص والتميز من حيث أنه أبلغ في الإلهاء، لأن البيع الرابح يتعقبه حصول الربح، بخلاف الشراء الرابح فإن الربح فيه مظنون مع كونه مترقبًا منتظرًا، وقيل: التجارة مخصوصة بأهل الجلب بخلاف البيع.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ) وبعض الدواب ليس مخلوقًا من الماء كآدم عليه الصلاة والسلام وناقة صالح وغيرهم؟
قلنا: المراد بهذا الماء الماء الذي هو أصل جميع المخلوقات، وذلك أن الله تعالى خلق قبل خلق الأشياء جوهرة، ونظر إليها نظر هيبة فاستحالت ماء، فخلق من ذلك الماء جميع الموجودات، فقد سبق مثل هذا السؤال في قوله تعالى: (وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ)
[أنموذج جليل: 358]
فإن قيل إذا كان الجواب هذا فما فائدة تخصيص الدابة بالذكر أو تخصيص الشيء الحي؟
قلنا: إنما خص بالذكر لأن القدرة فيه أظهر وأعجب منها في الجماد وغيره.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (فمنهم من يمشي على بطنه) وقال تعالى: (ومنهم من يمشي على أربعٍ) وهي مما لا يعقل؟
قلنا: لما كان أسم الدابة يتناول المميز وغيره غلب المميز على غيره فأجرى عليه لفظه.
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (من يمشي على بطنه) وذلك إنما يسمي زحفًا لا مشيا ولا يسمي مشيًا إلا ما كان بقوائم؟
قلنا: هو مجاز بطريق المشابهة، كما يقال مشي هذا الأمر، وفلان لا يتمشي له أمر، وفلان ماشي الحال. فإن قيل: كيف أمر الله تعالى بالاستئذان للأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بقوله تعالى: (والّذين لم يبلغوا الحلم منكم) أي من الأحرار؟ قلنا: هو في المعني أمر للآباء والأمهات بتأديب الأطفال وتهذيبهم لا للأطفال.
[أنموذج جليل: 359]
فإن قيل: كيف أباح الله للقواعد من النساء وهن العجائز التجرد من الثياب بحضرة الرجال بقوله تعالى: (والقواعد من النّساء... الآية)؟
قلنا: المراد بالثياب هنا الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار لا جميع الثياب، وقوله تعالى: (غير متبرّجاتٍ بزينةٍ) أي غير قاصدات، بوضع الثياب الظاهرة إظهار زينتهن ومحاسنهن، بل التخفيف ثم أعقبه بأن التعفف بترك الوضع خيرًا لهن.
فإن قيل: قال تعالى: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) مع أن انتفاء الحرج عن أكل الإنسان من بيته معلوم لا شك فيه ولا شبهة؟
قلنا: المراد بقوله من بيوتكم أي من بيوت أولادكم، لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه فلهذا عبر عنه به وفى الحديث أن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه، ويؤيد ذلك أنه ذكر بيوت جميع الأقارب ولم يذكر بيوت الأولاد، وقيل: المراد بقوله تعالى: (أن تأكلوا من بيوتكم) أي أن تأكلوا من مال أولادكم وأزواجكم الذين هم في بيوتكم ومن جمله عيالكم، وقيل: المراد بقوله تعالى "من بيوتكم" البيوت التي تسكنونها.
[أنموذج جليل: 360]
وهم فيها عيال لغيرهم كبيت ولد الرجل وزوجه وخادمه ونحو ذلك. فإن قيل معنى السلام هو السلامة فإذا قال الرجل لغيره السلام عليك، كان معناه سلمت منى وأمنت، فما معنى قوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلّموا على أنفسكم)؟
قلنا: المراد به فإذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم، وقيل: معناه إذا دخلتم المساجد أو بيوتا ليس فيها أحد فقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أي من ربنا.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (فليحذر الّذين يخالفون عن أمره) وإنما يقال خالف أمره؟
قلنا: عن زائدة كذا قاله الأخفش، الثاني: أن فيه إضماره تقديره: فليحذر الذين يخالفون الله تعالى ويعرضون عن أمره أو ضمن المخالفة معنى الإعراض فعداه تعديته.
[أنموذج جليل: 361]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النور, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir