التنبيه على بعض ما لا يصحّ عن الصحابة من الصحف:
مما ينبغي أن يُعلم أنه ليس كلّ ما يُنسب إلى الصحابة يكون صحيح النسبة، ولذلك اجتهد الأئمة النقاد في تمييز ما كتب عن الصحابة رضي الله عنهم فما كانت من كتابة الثقات أخذ وروي واحتُجّ به، وما كان من رواية الضعفاء المجروحين بضعف الضبط أو سوء الفهم أو المتّهمين بالكذب فقد حذّروا منه، ولذلك أمثلة منها:
1: صحف رُويت عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
فقد كُتب عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه صحف متعددة غير منضبطة؛ وبعض ما كُتب عنه ليس من إملائه، وإنما هو مما فهمه بعض من سمعه أو بلغه عنه أحاديث؛ فيجمعها في صحيفة.
وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه من طريق نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة أنه قال: كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني، فقال: «ولد ناصح، أنا أختار له الأمور اختيارا، وأخفي عنه »
قال: فدعا بقضاء علي، فجعل يكتب منه أشياء، ويمرّ به الشيء، فيقول: «والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضلَّ» رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قوله: (ويخفي عنّي) لعل سببه أن ابن ابي مليكة كان قاضياً لابن الزبير في الطائف، وكان بين ابن الزبير وابن عباس خلاف بسبب البيعة.
- وقال سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير عن طاووس بن كيسان قال: (أُتي ابن عباس بكتابٍ فيه قضاء علي رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر"، وأشار سفيان بن عيينة بذراعه ). رواه مسلم أيضاً في مقدمة صحيحه.
والمقصود أنّ هذا الكتاب الذي اطّلع عليه ابن عباس منسوباً إلى عليّ فيه أشياء أنكرها ابن عباس ، وأبقى ما أقرّه، وهذا يدلّ على أنّ الذي كتب هذه الصحيفة عن عليّ ليس من المتثبتين، وهذا كان من أسباب منع ابن عباس العامّة أن يكتبوا عنه، وإنما كان يأذن للخاصّة الذين يعرفهم بالتثبت وحسن أخذ العلم.
- قال عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي قال: (لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجلٌ من أصحاب عليّ: (قاتلهم الله، أي علم أفسدوا). رواه مسلم.
- وكتب الحارث الأعور عن عليّ كتاباً تركه أهل الحديث وحذّروا منه.
2: نسخة نبيط بن شريط رضي الله عنه:
وهي نسخة وضعت على نُبيط بن شَريط بن أنس الأشجعي(ت:80ه تقريباً) رضي الله عنه، عرفت بنسخة نبيط بن شريط، وفيها أحاديث لا يُرتاب في وضعها، وضعها عليه أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط (ت:287ه) وكان كذاباً.
ذكر الذهبي في ميزان الاعتدال أنه روى عن أبيه، عن جده بنسخة فيها بلايا، ومن ذلك مرفوعاً: "الجيزة روضة من الجنة".
- ومنها: "يا محمد لا أعذب بالنار من سمى باسمك".
- ومنها: "أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وغيرها.
ونبيط صحابي شهد حجّة الوداع وسمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة.
3: نسخة أبي هند الداري رضي الله عنه:
وهي نُسخة واهية تُروى عن أبي هند الداري رضي الله عنه، يرويها سعيد بن زيّاد بن فائد بن زيّاد بن أبي هند الداري، عن أبيه عن جدّه زيّاد عن أبيه أبي هند رضي الله عنه، ذكر منها ابن حبان في كتاب "المجروحين" حديثين ثم قال: (حدثنا بهما بن قتيبة ثنا سعيد بن زياد في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد تفرد بها سعيد بهذا فلا أدري البلية فيها منه أو من أبيه أو من جده لأن أباه وجده لا يعرف لهما رواية إلا من حديث سعيد، والشيخ إذا لم يرو عنه ثقة فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به؛ لأنَّ رواية الضعيف لا تخرج من ليس بعدل عن حد المجهولين إلى جملة أهل العدالة، كأن ما روى الضعيف وما لم يرو في الحكم سيان).
4: نسخة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده:
وجده عمرو بن عوف صحابي رضي الله عنه.
- قال الشافعي: ( كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب).
- وقال أحمد بن حنبل: (منكر الحديث، ليس بشيء).
- وقال ابن حبان: (منكر الحديث جداً، يروي عن أبيه عن جده نسخةً موضوعةً لا يحلّ ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب).
5: نسخة أبان عن أنس:
- قال أبو بكر الأثرم: (رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء في زاوية وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه.
فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة؟ فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه؟!!
فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله! أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجئ إنسان بعده فيجعل أبان ثابتا ويرويها عن معمر، عن ثابت، عن أنس،
فأقول له: كذبت إنما هو عن معمر، عن أبان لا عن ثابت).
6: نسخة الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس:
- قال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت سفيان الثوري يقول: (قال الكلبي: كل شيء أحدّث عن أبي صالح فهو كذب). رواه ابن عدي.
- وقال يحيى بن معين: (الكلبي إذا روى عن أبي صالح فليس بشيء؛ لأن الكلبي يحدث به مرة من رأيه، ومرة عن أبي صالح، ومرة عن أبي صالح عن ابن عباس). رواه ابن أبي خيثمة.
7: نسخة جعفر بن الزبير الدمشقي عن القاسم مولى معاوية عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه
- قال ابن حبان: (روى جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة نسخة موضوعة أكثر من مائة حديث).
8. نسخة بشر بن الحسين الهلالي عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه
- قال ابن حبان في ترجمة بشر هذا: (يروي عن الزبير بن عدي بنسخة موضوعة، ما لكثير حديث منها أصل، يرويها عن الزبير عن أنس شبيهاً بمائة وخمسين حديثاً، مسانيد كلها، وإنما سمع الزبير من أنس حديثاً واحداً "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه").
9: نسخة الحسين بن داوود البلخي، عن يزيد بن هارون، عن حُميد، عن أنس رضي الله عنه.
- قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: (ولم يكن الحسين بن داود ثقة، فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، أكثرها موضوع).