قضايا الشعر الجاهلي التي تناولها الكتاب
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ) :(
حين دعيت إلى هذه الجامعة، بدا لي أن أجعل أحاديثي عن شعر الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، فلما مضيت في دراسة شعره، تبين لي أن أبدأ بحديث عن الشعر الجاهلي، لأن رأيي فيه لا ينفصل البتة عن رأيي في شعر الأعشى...
أجده أمرًا لا بد منه أن أتحدث حديثًا موجزًا عن الشعر الجاهلي عامة، قبل أن أبدأ حديثي عن شعر الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، وشعره الذي وصل إلينا في ديوان مجموع، هو من رواية أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، مولى
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 9]
بني شيبان، وهو الإمام الذي انتهت إليه إمامة أهل الكوفة، ولد سنة مئتين، وتوفي ببغداد ليلة السبت لعشر خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومئتين.
وبعض هذه الحديث عن الشعر الجاهلي لا بد منه، لأنه لا ينفصل البتة عن رأيي في شعر الأعشى، وفيما وصل إلينا منه، ولا عن رأيي فيما قاله بعض علمائنا الأقدمين في بعض قصائده التي انتهت إلينا أنها مصنوعة، ولا عن رأيي فيما ادعاه بعض المحدثين من الحكم على كثير من شعره، أو على أكثر شعره، أنه موضوع منحول.
وعندي أن أكبر القضايا التي يثيرها أمر >الشعر الجاهلي< ثلاث قضايا:
القضية الأولى: قضية عمر الشعر الجاهلي الذي وقع إلينا، وهي قضية متفرعة عن أولية الشعر نفسه في لسان العرب.
والقضية الثانية: قضية شعراء الجاهلية المعروفين، وما انتهى إلينا من أشعارهم، ومقدار هذا الشعر.
والقضية الثالثة: قضية وضع الشعر ونحله شعراء الجاهلية، أهي صحيحة أم باطلة؟ فإن صحت، فأين هذا المنحول فيما وصلنا عن العلماء الرواة من أشعارهم؟
وهذه القضايا الثلاث متداخلة متشابكة، ومن صواب الرأي أن يحاول المرء أن يوضح مواضع الفصل بين كل قضية وقضية. لأن هذا الفصل بين متداخلاتها خليق أن يضيء الطريق للباحث، ويعينه على تصور قضية الشعر الجاهلي كله تصورًا صحيحًا أو قريبًا من الصحيح، وسأحاول أن أفعل ذلك، مستعينًا بالله، وباذلاً غاية جهدي اليوم، بعد زمان طويل مضى على محنتي محنة شديدة قاسية بأمر الشعر الجاهلي في أول عمري، وما وقعت يومئذ فيه من الاضطراب حتى استقر قراري على صحة ما انتهيت إليه من الثقة بصحة هذا الشعر ثقة لا تتزعزع، فرميت كل ما كان يومئذ دبر أذني، وانطلقت أدرس الشعر نفسه، وبلذة أجدها في دراسته. غير مبال بكل ما كان من
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 10]
اضطرابي حتى انتهيت إلى الاستقرار والاطمئنان إلى صحة هذا الشعر. فالآن بعد هذا الزمان المتباعد. أحاول أن ألم شعث ما انتشر وضاع ونسى من أسباب ثقتي بهذا الشعر) [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 9-11]