سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
الحمد لله أن هيأ لأنبيائه صحبة وأخلاء وأزواج وذرية ،فقال في محكم التنزيل : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ) ، وهذا من حكمته ورحمته ومنته وفضله ، فكان ذلك نصرة وتأييدا لهم ، و معينا في تعليم الناس أمر دينهم ،ونشرا لدعوتهم ، فهيأ الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيضا كما هيأ للأمم السابقة من الأصحاب والأخلاء والأزواج والذرية ،فأزواجه هن أمهات المؤمنين ، فقال تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (الأحزاب/6).
فها هي عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ،فهي الصديقة بنت الصديق ، البكرية ،حب النبي صلى الله عليه سلم ، سُئِل ـصلوات الله وسلامه عليه ـ: ( أي الناس أحب إليك؟، قال: عائشة، قيل : فمن الرجال؟، قال: أبوها ) رواه البخاري .
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بالسابعة من عمرها ، وبنى بها وهي بالتاسعة من عمرها ، وعرفت بالذكاء والوعظ والشعر والفطنة والعلم والفقه ومعرفتها بالتنزيل وبسننه ، فقد نشأت في كنف النبي صلى الله عليه وسلم وتلقت منه علمها بعد زواجها حتى مات عليه الصلاة والسلام في حجرها ،وروت عنه أحاديث كثيرة ، وكانت تسأله في كل ما أشكل عليها .
قال نافع بن عمر: حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسب عذب» قالت عائشة: فقلت أوليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قالت: فقال: " إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك). رواه البخاري .
وكانت رضي الله عنها مرجعا يرجع لها الصحابة رضوان الله عليهم ليسألونها في الفرائض والتفسير أيضا .
- الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: (رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض). رواه ابن سعد.
-قال الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} قال: قلت: أكُذِبوا أم كُذّبوا؟
قالت عائشة: «كُذّبوا»
قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن؟
قالت: «أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك»
فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذِبوا، قالت: «معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها» قلت: فما هذه الآية؟ قالت: «هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم، وصدقوهم فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك».
عاشت رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنوات عديدة ،ثم توفيت في السنة السابعة والخمسين للهجرة .
روى عنها من الصحابة :أبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم.
ومن التابعين :عروة بن الزبير، القاسم بن محمد بن أبي بكر، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وابن أبي مليكة، وأبو العالية الرياحي، والأسود بن يزيد، وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله،وغيرهم .
وهناك من أرسل عنها ومنهم : عبد الله بن بريدة، وميمون بن أبي شبيب، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم .
الفوائد من سيرتها :
- الحرص على السؤال فيما أشكل من العلوم ، لأن السؤال مفتاح العلم .
- أن تلقي العلم لا يمنعه صغر السن ولا كبره .
- أن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة .
- أن الحفظ والفهم من الأمور المهمة التي تعين على تلقي العلم .
- تفاوت الصحابة في علمهم .
- ملازمة العالم تعين على أخذ العلم ، والنهل من علومه .