سؤال عن حكم طلب الدعاء، وكيف يقصد نفع الداعي بالدعاء؟

[لطيفة المنصوري]

قال الشيخ صالح آل الشيخ:

(اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن طلب الدعاء من المسلم الحي يكون مشروعاً إذا قُصِد به: نفع الداعي، ونفع المدعو له. إذا قَصَد الطالب أن ينفع الجهتين -ينفع الداعي، وينفع المدعو له- فهذا محسن وطالب لنفسه؛ فهذا من المشروع).

السؤال: كيف يقصد نفع الداعي؟

[عبد العزيز الداخل]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لطيفة المنصوري

قال الشيخ صالح آل الشيخ:

السؤال: كيف يقصد نفع الداعي؟

يقصد نفعه بأن يحمله على الدعاء فينفع نفسه بذلك؛ فإنّ من الناس من يكون فيه غفلة وقد يكون في موضع ترجى فيه إجابة الدعاء كالسفر والثلث الأخير من الليل فيكون في حثّه على الدعاء إعانة له عليه ولا بأس أن يطلب منه أن يدعو له؛ هذا من حيث الأصل.
وقد اختلف العلماء في حكم طلب الدعاء على أقوال:
فذهب بعضهم إلى المنع وقال هو كسؤال المال وقد نهي عن سؤال الناس عموماً إلا لحاجة ، والدعاء لا تتعلق به الحاجة إذ لا يوجد ما يمنع صاحب الحاجة من الدعاء حتى يطلبه من غيره
وذكروا أسباباً أخرى.
منها: أن بعض الطالبين للدعاء يكون في قلوبهم نوع تعلق بمن طلبوا منهم ، ولذلك تجد بعضهم يتطلب العبّاد ومن عرف صلاحه واشتهر ويلح عليه في الطلب مما يظهر منه بعض ما قام في قلبه
وذهب بعضهم إلى التقييد في ذلك بأن يكون قصده نفع الداعي أو نفعهما جميعاً
وذهب بعضهم إلى الإباحة بشرط أن لا تتضمن محذوراً فإن ظهر من الطالب تعلق بالمطلوب منه نهي عن ذلك ، وإن أدى ذلك إلى اتكاله على دعاء الناس له نهي عن ذلك، وإن علم من حاله كثرة طلب الدعاء نهي عن ذلك أيضاً وهكذا.
وهذا هو المختار وهو ما كان عليه هدي الصحابة رضي الله عنهم فلا بأس بطلب الدعاء إلا حين يتضمن ذلك الطلب محذوراً أو يخشى على الطالب أن يقع في محذور، وفي صحيح مسلم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان وكانت تحته الدرداء قال قدمت الشام ، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء ، فقالت: أتريد الحج العام ؟
فقلت: نعم .
قالت: فادع الله لنا بخيرفإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل)
قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت أن من الصحابة رضي الله عنهم من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء له ومنهم عكاشة بن محصن والهيثم بن التيهان وأم سليم وأم حرام بنت ملحان وغيرهم ، وقد ورد ذلك في عدة أحاديث ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليلبي لهم طلباً فيه مخالفة لمقاصد التوحيد ، فعلم بذلك إقراره لهم على ذلك، وعلم من هديهم رضي الله عنهم قلة طلب الدعاء
وكبار الصحابة وفقهاؤهم توجهت عنايتهم لتحصيل أسباب بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما ينبغي أن يعلم أن طلب الدعاء يكون بلسان المقال ويكون بلسان الحال فالإحسان إلى الناس والبر بهم ولا سيما الضعفاء والمساكين من أسباب دعائهم الذي ترجى إجابتهم، وقد روى أبو نعيم في الحلية من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل تنصرون إلا بضعفائكم بدعوتهم، وإخلاصهم)
ومما ينبغي التنبه له أن بعض الناس يترك طلب الدعاء ظناً أنه أفضل حالاً وأكرم على الله من أن يطلب من أحد أن يدعو له ، وهذا مدخل من مداخل الشيطان .
فمن ترك طلب الدعاء من الناس توكلاً على الله عز وجل، وتوجهت عنايته لتحصيل بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ببعض الأعمال التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن يقوم بها فقد أصاب هدي الصحابة رضي الله عنهم ولو حصل منه طلب الدعاء أحياناً فلا بأس بذلك كأن يطلب من المسافر والحاج والمجاهد ونحوهم لمظنة إجابة دعواتهم.
أما أن يكون ديدنه طلب الدعاء وتتبع الصالحين والعباد والسفر إلى بعضهم ليطلب منه الدعاء فهذا لا شك في منعه والله تعالى أعلم.