دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 04:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي وسطية دين الإسلام

وهوَ بينَ الْغُلُوِّ والتقصيرِ.
وبينَ التَّشْبِيهِ والتعطيلِ.
وبينَ الجَبْرِ والقَدَرِ.
وبينَ الأَمْنِ والإِياسِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وهوَ بينَ الْغُلُوِّ والتقصيرِ.
(2) وبينَ التَّشْبِيهِ والتعطيلِ.
(3) وبينَ الجَبْرِ والقَدَرِ.
(4) وبينَ الأَمْنِ والإِياسِ.




(1) فالإسلامُ وسطٌ بين الغُلُوِّ، وهوَ: الزيادةُ والتشديدُ، وبينَ التقصيرِ، وهو: الجَفَاءُ، فدينُ الإسلامِ وَسَطٌ لا تشديدَ فيهِ ولا تَحَلُّلَ منهُ، فَكِلاَ الطَّرَفَيْنِ مَذْمُومٌ، والوسطُ خيرٌ، ولهذا قَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} (المائدة: 77) وقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ) قالَهَا ثلاثًا، والمُتَنَطِّعُونَ هم المُتَشَدِّدُونَ في أمورِ الدينِ، ولَمَّا قَالَ نَفَرٌ على عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... قَالَ أَحَدُهُم: أَنَا أصومُ ولا أُفْطِرُ. وقَالَ الآخرُ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي ولا أَنَامُ. وقَالَ الثالثُ: أَمَّا أَنَا فَلاَ آكُلُ اللَّحْمَ. وقَالَ الرابعُ: أَمَّا أَنَا فَأَعْتَزِلُ النساءَ. فقَالَ عليهِ الصلاةُ
والسلامُ: (أَمَا إِن
ِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَإِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). لِأَنَّ هذا تشديدٌ, ما أَمَرَ اللَّهُ بهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة: 87) يَعْنِي: مِن بابِ التَّدَيُّنِ، وقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلاَ تَعْتَدُوا} (المائدة: 87) فالآيةُ شَمِلَت الطَّرَفَيْنِ، فالدينُ وَسَطٌ.


(2) أي: في العقيدةِ، بينَ التعطيلِ والتشبيهِ، بينَ تعطيلِ أسماءِ اللَّهِ وصفاتِهِ، وبينَ تشبيهِ المَخْلُوقِ بالخالقِ، والعقيدةُ وَسَطٌ، فالمُعَطِّلَةُ غَلَوْا في التَّنْزِيهِ، فَنَفَوا الأسماءَ والصفاتِ، والمُشَبِّهَةُ غَلَوْا في الإثباتِ حتَّى شَبَّهُوا اللَّهَ بِخَلْقِهِ، والعقيدةُ وَسَطٌ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) هذا رَدٌّ على المُشَبِّهَةِ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشًُّورَى: 11) هذا فيه رَدٌّ على المُعَطِّلَةِ، ونحنُ- مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ– نُثْبِتُ ما أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَمَا أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ، من الأسماءِ والصفاتِ، ولا نُعَطِّلُهَا وَلاَ نَنْفِيهَا، ولا نُشَبِّهُ اللَّهَ بِأَحَدٍ مِن خَلْقِهِ، بلْ: نَقُولُ: أسماءُ اللَّهِ وصفاتُهُ تَلِيقُ بهِ سُبْحَانَهُ, وَإِنْ كانتْ هذهِ الأسماءُ والصفاتُ موجودةً في البشرِ، لَكِنَّ الكَيْفِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ، والصفةُ تابعةٌ للموصوفِ.

(3) مَذْهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ وَسَطٌ بينَ الْجَبْرِيَّةِ والقدريةِ، فالْجَبْرِيَّةُ يَغْلُونَ في إثباتِ القَدَرِ حَتَّى يَسْلُبُوا العبدَ عن الاختيارِ، فيقولونَ: العبدُ لَيْسَ لَهُ اختيارٌ، أَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَجْبُورٌ عليها، فهو آلةٌ يُحَرِّكُهُ القَدَرُ، فصلاتُهُ وصيامُهُ وأعمالُهُ لَيْسَ لَهُ فيها اختيارٌ، فهو يُحَرَّكُ كما تُحَرَّكُ الآلَةُ، وهذا مذهبٌ باطلٌ. والقَدَريةُ غَلَوْا في إثباتِ اختيارِ العبدِ فَنَفَوا القَدَرَ، حتى جَعَلُوا العبدَ يَسْتَقِلُّ بأفعالٍ وَيُخْرِجُونَهَا من إرادةِ اللَّهِ ومَشِيئَتِهِ، وأنَّ العبدَ لَهُ إرادةٌ مستقلةٌ، فقالوا: هو الذي يَخْلُقُ فِعْلَ نفسِهِ، ولَيْسَ للهِ فيها تَصَرُّفٌ. وهذا مذهبُ الْمُعْتَزِلَةِ.
أَمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فَتَوَسَّطُوا في هذهِ المسألةِ، وقالوا: إنَّ العبدَ لَهُ اختيارٌ ومشيئةٌ، يَفْعَلُ باختيارِهِ، ولكنَّهُ لا يَخْرُجُ عن قضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، فأفعالُهُ خَلْقُ اللَّهِ، وهيَ فِعْلُهُ وكَسْبُهُ، فهو الذي يَفْعَلُ المعاصيَ، ويَفْعَلُ الطاعاتِ، ولَكِنَّ اللَّهَ هو المُقَدِّرُ، فلذلكَ يُعَاقَبُ على جَرَائِمِهِ، ويُثَابُ على طاعتِهِ، ولو كَانَ يَفْعَلُ هذا بِغَيْرِ اختيارِهِ ما حَصَلَ على الثوابِ ولا العقابِ، فالمجنونُ والصغيرُ لا يُؤَاخَذَانِ، وكذلكَ المُكْرَهُ الذي لَيْسَ لَهُ اختيارٌ لا يُؤَاخَذُ.

(4) وكذلكَ، هذا مِن عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو الوسطُ بينَ الأمنِ مِن مَكْرِ اللَّهِ والإيَاسِ مِن رَحْمَتِهِ، فهم يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ، ولا يَأْمَنُونَ من مَكْرِ اللَّهِ، ولا مِن العذابِ والفتنةِ، لكنْ لا يَقْنَطُونَ مِن رحمةِ اللَّهِ، فَيَجْمَعُونَ بينَ الخوفِ والرجاءِ، وهو ما كَانَ عليهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأَنْبِيَاء: 90)، فهؤلاءِ هم الأَنْبِيَاءُ، فَخَوْفُهُم من اللَّهِ لم يَحْمِلْهُم على القنوطِ من رَحْمَةِ اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَومُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} (الحجر: 56)، وأيضًا: رَجَاؤُهُم من اللَّهِ لم يَحْمِلْهُم على الأمنِ مِن مَكْرِ اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف: 99).
فَإِبْرَاهِيمُ أبو الأَنْبِيَاءِ يَقُولُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّأَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إبراهيم: 35) فإبراهيمُ ما أَمِنَ على نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ خَافَ الفتنةَ؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ.
فَلاَ يَأْمَنُ الإنسانُ على نَفْسِهِ, ويقولُ: أنا رجلٌ صالحٌ. بل يَخَافُ على نَفْسِهِ، مع عَدَمِ القنوطِ من رحمةِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَأَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذِّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوالَهُ} (الزُّمَر: 53، 54).
فالواجبُ على الإنسانِ: أنْ يَفْعَلَ أسبابَ الرحمةِ، وهي التوبةُ وإسلامُ الوجهِ للهِ سُبْحَانَهُ، عندَ ذلكَ يَحْصُلُ على رحمةِ اللَّهِ، فرحمةُ اللَّهِ قريبٌ من المحسنينَ، والإحسانُ سببُ الرحمةِ، هذا مَذْهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو بينَ مذهبِ المرجئةِ الذينَ يَقُولُونَ: لاَ يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، فإذا كَانَ الإنسانُ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ فَلاَ تَضُرُّهُ المعصيةُ، فهؤلاءِ أَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، ويقولونَ: الأعمالُ لاَ تَدْخُلُ في حقيقةِ الإيمانِ، فيَدْخُلُ الجنَّةَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا عِنْدَهُمْ، وَهَذَا مذهبٌ أَفْسَدَ الدُّنْيَا، تَحَلَّلَ الناسُ من الدينِ بِسَبَبِهِ، وقالوا: ما دَامَ أَنَّنَا نَدْخُلُ الجنَّةَ، فلا حَاجَةَ إلى الأعمالِ، فَيَفْعَلُونَ ما يَشَاؤُونَ.
وبينَ الوَعِيدِيَّةِ الخوارجِ الذين يُكَفِّرُونَ بالكبائرِ التي دونَ الشركِ، وَيَرَوْنَ إنفاذَ الوعيدِ الذي ذَكَرَهُ اللَّهُ على مَن عَصَاهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَ العُصَاةَ، لَكِنْ قَالَ: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48) فَهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وهوَ الوسطُ.
والقولُ الحقُّ مع أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، الذينَ تَوَسَّطُوا بينَ الأمنِ والرجاءِ، والخوفِ والقنوطِ، ولهذا يقولونَ: الخوفُ والرجاءُ بالنسبةِ للإنسانِ كَجَنَاحَي الطَّائِرَةِ، ولا بُدَّ مِن سلامةِ الجناحَيْنِ، فكذلكَ الخوفُ والرجاءُ لو اخْتَلَّ أحدُهُما سَقَطَ، فلا بُدَّ مِن التعادلِ كما يَتَعَادَلُ جَنَاحَا الطائرِ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 11:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقوله: بين الغلو والتقصير- قال تعالى: قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق. وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا ؟ ! لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. وفي غير الصحيحين: سألوا عن عبادته في السر، فكأنهم تقالوها. وذكر في سبب نزول الآية الكريمة: عن ابن جريج، عن عكرمة أن عثمان بن مظعون، و علي بن أبي طالب، و ابن مسعود، و المقداد بن الأسود، و سالم مولى أبي حذيفة، رضي الله عنهم في أصحابه - تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني اسرائيل، وهموا بالإختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الإختصاء، فلما نزلت فيهم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: إن لأنفسكم عليكم حقاً، وإن لأعينكم حقاً، صوموا وأفطرواً، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت.
وقوله: وبين التشبيه والتعطيل - تقدم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تشبيه، فلا يقال: سمع كسمعنا، ولا بصر كبصرنا، ونحوه، ومن غير تعطيل، فلا ينفي عنه ما وصف به نفسه، أو وصفه به أعرف الناس به: رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك تعطيل، وقد تقدم الكلام في هذا المعنى. ونظير هذا القول قوله: ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه. وهذا المعنى مستفاد من قوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فقوله: ليس كمثله شيء - رد على المشبهة، وقوله: وهو السميع البصير - رد على المعطلة.
وقوله: وبين الجبر والقدر - تقدم الكلام أيضاً على هذا المعنى، وأن العبد غير مجبور على أفعاله وأقواله، وأنها [ليست] بمنزلة حركات المرتعش وحركات الأشجار بالرياح وغيرها، وليست مخلوقة للعباد، بل هي فعل العبد وكسبه وخلق الله تعالى.
وقوله: وبين الأمن والإياس - تقدم الكلام أيضاً على هذا المعنى، وأنه يجب أن يكون العبد خائفاً من عذاب ربه، راجياً رحمته، وأن الخوف والرجاء بمنزلة الجناحين للعبد، في سيره إلى الله تعالى والدار الآخرة.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 05:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال رحمه الله بعدها: "وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل , وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس"
هذه الأربع ألفاظ متقابلة , نص عليها رحمه الله؛ لأجل أن الفرق الضالة أو التي خالفت نحت إلى أحد هذه الثماني صفات، فذكر ثماني صفات:

الأولى: الغلو.
الثانية: التقصير.
الثالثة: التشبيه.
الرابعة: التعطيل.
الخامسة: الجبر.
السادسة: القدر.
السابعة: الأمن.
والثامنة: اليأس.

ثم قال بعدها: "فهذا ديننا واعتقادنا..." إلى آخره.
قوله: "وهو بين" يعني: أن هذه الصفات الإسلام لا يرتضيها، ودين الله الحق ليس مع الغلو، كما أنه ليس مع التقصير، ودين الله الحق ليس مع التشبيه، كما أنه ليس مع التعطيل، وكذلك دين الله الحق ليس مع الجبر في الأفعال , كما أنه ليس مع إثبات الفعل للإنسان خلقاً دون الله جل وعلا , وهو المسمى بالقدر , وكذلك بين الأمن من مكر الله جل وعلا, وبين اليأس من روح الله Y.
فيريد أن أهل السنة والجماعة , أتباع السلف الصالح , أخذوا بهذه الوسطية بين هذه المسائل، منهم وسط بين الغلو والتقصير، فهم وسط بين التشبيه والتعطيل، وهم وسط بين الجبر والقدر، وهم وسط بين الأمن واليأس.
وإذا تبين لك ذلك، فهذه الجملة يبحث فيها كل العقيدة، كل ما ذكرنا من شرح في هذا الكتاب تدخل في هذه الجمل، فهو بين الغلو والتقصير في العمل والإيمان ومراتبه، بين التشبيه والتعطيل في مسائل الصفات والإثبات... إلى آخره.
الغلو ذهب إليه الخوارج، والتقصير ذهب إليه المرجئة وأهل الشهوات، التشبيه ذهب إليه المجسمة، والتعطيل ذهب إليه المعطلة والمؤولة ونفاة الصفات، والجبر ذهب إليه الجبرية الجهمية والأشاعرة وطائفة من الماتريدية، والقدر يعني القدرية الأوائل نفاة العلم , ثم المعتزلة الذين أثبتوا خلق الإنسان بفعله.
والأمن من مكر الله جل وعلا ذهب إليه أهل الشهوات , فعلوا ما يشاؤون وأمنوا مكر الله.
واليأس ذهب إليه طائفة من المتصوفة , فيئسوا من روح الله جل وعلا , وهكذا في أصناف شتى في هذه الأمة.
فإذن هذه الجملة هي في الحقيقة تلخيص لما سبق، وهي عرض لها , كما تذكرون شيخ الإسلام ابن تيمية في مبحث الوسطية، وكل من صنف في الاعتقاد يعرض لها لكن بأساليب مختلفة، وهي التي سماها عدد من طلبة العلم في هذا العصر الوسطية، الوسطية في الاعتقاد، في الصفات، الوسطية في الإيمان، الوسطية في القدر، الوسطية في السلوك، الوسطية في العبادة، الوسطية في الحكم على الناس وعلى الأحوال.
وهكذا ولا شك أن دين الإسلام وسط، كما أثنى الله جل وعلا على أهله بقوله: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [ , وقوله: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [ يعني: أمة عدلاً خياراً. كما فسرها السلف، لماذا صارت عدلاً؟ لأنها توسطت فيما ذهب إليه الملل من قبل، فعندك اليهود، عندهم التشدد والغلو والأغلال والآصار، والنصارى عندهم التساهل والزيادة والابتداع إلى آخره. فأهل الإسلام وسط في كل أحوالهم، وسط في العقيدة , ووسط في العبادات في جميع أحوالها وأنواعها.
إذا تبين ذلك فنعرض لهذه الجمل سريعاً في مسائل:

المسألة الأولى:
الغلو والتقصير قد يعبر عنه بالغلو والجفاء، والغلو لفظ جاء في الكتاب والسنة كما قال الله جل وعلا: ] يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [ , وقال جل وعلا في الآية الأخرى: ] يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق [ , وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في بعض السنن: ((بمثل هؤلاء فارموا لما مسك أو قبض على حصى الخذف , وإياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)).
فنهى عن الغلو عليه الصلاة والسلام. كما أنه يكون في الاعتقاد، كذلك يكون في العبادة، وحقيقة الغلو في تعريفه الشرعي: هو الزيادة عما أذن به شرعاً في السلوك أو في التعبد أو في الاعتقاد. يعني: في التدين , في الدين , إذا زاد في الدين عما أذن به فإنه يكون غالياً , كما أنه إذا زاد في الإنفاق عما.. أو في الفعل عما أُذن به صار مسرفاً.
أما التقصير فهو: ترك ما أمر به العبد بأن يقصر ويجفو ويتبع الشهوات، وهو عكس الغلو، فأولئك يغلون في الاعتقاد , أو يغلون في الإثبات , أو يغلون في السلوك، مثاله الخوارج , غلوا في جانبين بل في عدة جوانب، غلوا في العقيدة، فضلوا كفروا وتركوا نهج الصحابة، وغلوا في العبادة , حتى إن بعض الصحابة يحقر صلاته مع صلاتهم , وصيامه مع صيامهم , كما جاء في الحديث.
وغلوا أيضاً في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فقاتلوا جهاداً من لا يستحق القتال شرعاً، بل من يحرم قتاله، حتى آل الأمر بغلوهم أنهم تعبدوا بقتل خيار الله Y مثل الصحابة , فأكرم الصحابة وأعلاهم منزلة وأفضلهم في زمنه علي بن أبي طالب t , ومع ذلك تقربوا إلى الله بقتله، بل أساس قتل عثمان هو من فعل الخوارج t، قتلوا علياً وهم يتمنون الجنة بقتل عثمان , وبقتل علي؛ لشدة غلوهم، وكما وصفهم النبي r: ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)) يعني: أهل الشرك.
وأما التقصير فهو حال أهل الشهوات , الذين تركوا العبادة وتركوا طاعة الله جل وعلا , ولم يبلغوا ما أمر الله جل وعلا به، بل هم في تقصير وغشيان للشهوات والمحرمات والكبائر , ولا يرعون ولا يتوبون ولا يتذكرون، هؤلاء يقابلون المتشددين , يقابلهم أهل التساهل والكبائر والذنوب والمعاصي.

الثانية: قوله: "بين التشبيه والتعطيل". التشبيه هو أن يجعل شيئا شبهاً لشيء، فعملية الجعل هذه هي تشبيه، شبه تشبيهاً، والتشبيه قسمان , يعني جعل الشبيه قسمان , جعل الشبيه لله جل وعلا في صفاته كلها، أو في بعض صفاته أو في تمام معنى الصفة، ممكن أن تقول اختصاراً أن يشبه الله جل وعلا بخلقه أو يشبه الخلق بالله جل وعلا في الكيفية , في كيفية الصفات أو في كيفية صفة، أو في تمام معنى بعض الصفة.
النوع الثاني من التشبيه: أن يشبه الله جل وعلا بخلقه , أو أن تشبه صفة الله جل وعلا ليس أن يشبه الله بخلقه، أن يشبه صفة من صفات الله تعالى بصفة خلقه في أصل المعنى , دون تمامه , اتركوا الأولى , لا يدخل هنا أن يشبه الله بخلقه هذا في الأول، أما الثاني أن تشبه صفة الخالق جل وعلا بصفة المخلوق في بعض المعنى , أو في أصل المعنى.
وهذان القسمان هل ينفيان عن الله جل وعلا جميعاً؟ أم ينفى أحدهما دون الآخر؟ اختلف أهل العلم في ذلك، والذي يوافق طريقة أهل السنة والجماعة أن يُنفى الأول وهو المراد بالتمثيل دون نفي الثاني؛ لأن إثبات الصفات إثبات للصفة مع المعنى، والمعنى يشترك المخلوق فيه أصل الصفة، في أصل المعنى دون كماله، كما أنه المخلوق يوصف بالوجود والله جل وعلا يوصف بالوجود، فبينهما اشتراك في أصل المعنى دون تمامه ودون حقيقته لذلك , يوصف المخلوق بالسمع , والله جل وعلا يوصف بالسمع، وللمخلوق سمع يناسبه , ولله جل وعلا سمع كامل متنزه عن النقائص , وما لا يليق بجلاله وعظمته جل وعلا.
فتحصل من هذا أن الأول متفق على منعه وهو التمثيل، والثاني مختلف في إطلاقه بين أهل العلم، والأَوْلَى ألا يستعمل التشبيه إلا في معنى التمثيل؛ حتى لا يظن الظان ممن لا يفهم طريقة أهل السنة والجماعة , أنهم يتساهلون في مسألة التشبيه , فيصدقون أنهم مشبهة أو يؤكدون أنهم شبهة، فهذا وإن استعمله بعض أهل العلم كابن تيمية وغيره، لكن أرادوا منه حقًّا , وهو ألا تنفى الصفات، ولكن من حيث الاستعمال لا تستعمل لا يقال: إنه هناك تشبيه جائز أو أن من التشبيه ما هو حق، فهذا ليس كذلك.
لذلك لفظ التشبيه لم يأت في الكتاب والسنة منفياً، وإنما جاء نفي المثيل ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ لكن لا نستعمل لفظ التشبيه , فالله جل وعلا ليس كمثله شيء , لا في ذاته ولا في صفاته، وكذلك ليس له شبيه جل وعلا.
وأهل التشبيه هم أهل الضلال، لهذا قال هنا: "وبين التشبيه والتعطيل"، فالمشبهة وهم الذين جعلوا صفات الله جل وعلا مشبهة بصفات خلقه , إما جميع الصفات كحال أهل التجسيم، أو بعض الصفات، هؤلاء نتبرأ منهم , وليس في طريقة أهل السنة لفظ التشبيه مثبتاً، ما نقول: إنه قد يكون مثلما استعمله بعض المعاصرين ممن لم يتحقق بطريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحديث.
القسم الثاني: التعطيل، والتعطيل مأخوذ.. أو معناه الإخلاء , مأخوذ من العطل وهو التخلية، يقال: جيد عاطل، يعني جيد للمرأة عاطل، يعني أنه خال من الحلية، من الحلي، كما قال الشاعر وهو امرؤ القيس:

وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحشٍ إذا هي نصته ولا بمعطل

يعني: بمعطل يعني بخالٍ من الحلية.
فالتعطيل معناه التخلية، فتعطيل الله، أو التعطيل في حق معناه أن يخلى الله جل وعلا من صفاته، فنفاة الصفات معطلة، وكل من نفى صفة أو أكثر فله نصيب من التعطيل بقدر ما نفى؛ لأن التعطيل إخلاء من الصفة، فنفاة الصفات مثل المعتزلة والأشاعرة، أو يعني من نفى كل الصفات أو نفى بعضها فإنه يطلق عليهم معطلة.
وبالمناسبة تجد في كتب أهل العلم تارة يقولون عن هؤلاء: نفاة الصفات , وتارة يقولون: مثبتة الصفات. ففي موضع يجعلونهم مع النفاة , وفي موضع يجعلونهم مع المثبتة بحسب السياق، فإذا نظر إلى نفيهم للصفات يعني المعتزلة والأشاعرة , إذا نفيهم للصفات قيل لهم: نفاة، نفاة للصفات مع الجهمية , يعني هم أصلا نفاة الصفات، وإذا نظر إلى ما أثبتوا , وأن الجهمية تنفي جميع الصفات قيل عنهم: إنهم مثبتة للصفات، يعني الأصل الصفات وليسوا منكرين لأصل الاتصاف.
فالمقصود من ذلك أن التعطيل ينطبق على نفاة الصفات , سواء نفى كل الصفات أو نفى بعض الصفات، إذا كان كذلك فدين الله بين التشبيه والتعطيل , يعني ما بين نفي الصفات , وما بين أن يجعل لله جل وعلا صفات كصفات المخلوق، فنثبت لله جل وعلا الصفات لكن

الـوجـه الـثـانـي

على قاعدة: ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [، وعلى قاعدة أهل العلم أن إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وأن بين الصفة وبين الصفة , يعني بين صفة الخالق وصفة المخلوق , كما بين الذات والذات.
والله جل وعلا ضرب لنا مثلاً في المخلوقات، المخلوقات ليست متساوية في الصفات، الذباب له قوة تناسبه , والإنسان له قوة تناسبه، ولكن هنا ثم قوة وثم قوة، البعوض له سمع وله بصر يناسبه، والإنسان له سمع وله بصر يناسبه , والفيل له قوة وله سمع وله بصر وله قدرة تناسبه.
فإذن المخلوقون، الأصناف التي خلقها الله جل وعلا جعلها متفاوتة فيما تتصف به، وإذا كان كذلك فإذن ما بين الخالق وما بين المخلوقين من البون والفرق الكبير في الاتصاف , في الصفات , كما بين ذات الرب Y وذوات المخلوقين الوضيعة. والناس يدركون هذا تمام الإدراك فيما يزاولونه وينظرون إليه.

الثالثة: قال: "بين الجبر والقدر"، والجبر والقدر مر معنا تفصيل ذلك، وأن الجبر يعني به الجبرية , وأن الجبرية صنفان: جبرية غالية وجبرية متوسطة، مرت معنا في مبحث القدر.
وكذلك القدرية صنفان: قدرية غلاة وهم الذين نفوا العلم، وقدرية ليسوا بغلاة وهم المعتزلة الذين نفوا مرتبة من مراتب القدر، وهي خلق الله جل وعلا لأفعال العباد، وعموم مشيئته I.
قال: "وبين الأمن والإياس". والأمن كما ذكرت لك الأمن من مكر الله , واليأس هو اليأس من روح الله جل وعلا, والواجب على المؤمن والمسلم أن يعلم أن الإسلام لا يقر الأمن من مكر الله كما لا يقر اليأس من روح الله، فهو بين هذا وهذا، وهو أن يسير خائفاً راجياً، يخاف من الله جل وعلا أن يعاقبه , أو أن يستدرجه , وأنه إذا فعل ذنباً فإنه لا ييأس من روح الله جل وعلا.
وههنا مسألة يذكرها أهل العلم، وهي الأمن والإياس والخوف يعني والرجاء، أيهما يغلب؟ هل يكون خائفاً أو يكون راجياً؟ وهم متفقون على أن الخوف الذي يبلغ المرء إلى اليأس فإنه مذموم، وأن الرجاء الذي يبلغ المرء إلى الأمن من مكر الله فإنه مذموم، فإذا كان كذلك فهم يبحثون بين الخوف والرجاء , ولا يقصدون الخوف الذي يوصل إلى اليأس، ولا الرجاء الذي يوصل إلى الأمن، اختلف أهل العلم في ذلك كما هو معلوم لديكم، في أي الخوف والرجاء يغلب؟
قال طائفة: يغلب جانب الخوف، وقال آخرون: يغلب جانب الرجاء. والصحيح في ذلك هو التفصيل، وهو أن الإنسان لا يخلو في حاله من أحد ثلاثة أحوال: إما حال صحة أو حال مرض، أو حال قرب للوفاة:
فإذا كان في حال الصحة فيغلب جانب الخوف على الرجاء، حتى ينتهي عن الذنوب ولا يضره ولا تغرنه صحته في الإقدام على الذنوب والمعاصي , واقتحام ما لا يرضي الله جل وعلا , وكذلك يرجو حتى يعمل ويستمر في العمل.
الحالة الثانية حال المرض..
والحالة الأولى قال فيها طائفة من أهل العلم: إنه يسوي بين الخوف والرجاء، وهذا ليس بموضعه كما سيأتي.
الحالة الثانية: حال المرض، حال المرض ينبغي للإنسان أن يغلب جانب الرجاء في الله جلا وعلا , ويكون أعظم من خوفه؛ لأنه في حالٍ، الخوف عنده، ولو أمر بتغليب الخوف خشي أن يصل به إلى عدم الرجاء في الله جل وعلا، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء)) ويناسب المريض أن يكون راجياً مغلباً عن الخوف؛ حتى يلطف الله جلا وعلا به.
الحالة الأخيرة: هي حالة الوفاة، حال الوفاة الأفضل للمرء فيها أن يسوي بين الجانبين، أن يكون خائفاً راجياً، وقد جاء رجل إلى النبي r فقال له، أظنه كان مريضاً فعاده (هه؟) كان مريضا فعاده في أول الحديث أظنه كان مريضا فعاده، فقال: ((كيف تجدك)) قال: أجدني أخشى ذنوبي وأرجو رحمة ربي , فقال عليه الصلاة والسلام له: ((لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا إلا أنجاه الله من النار)) أو كما جاء في الحديث. حفظي له مشوش.
المقصود أنه استدل به على أنه في هذه الحال , أن يسوي المرء بين الخوف والرجاء.

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 12:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


اعتدال دين الإسلام بين الغلو والتقصير
قال المصنف رحمه الله: [وهو بين الغلو والتقصير] . الغلو: هو الزيادة، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال: (هلك المتنطعون) ، وهذا معنى الغلو، أي التكلف، ومن هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم كثيراً ما يقولون لأقوامهم: {وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] ، ومن معنى هذه الآية، أنهم لم يأتوا بهذا من جهة أنفسهم، وهذا المعنى وإن كان بيناً إلا أنه ينبغي لطالب العلم أن يفقهه، وأن الأصل، أن الإنسان لا يتكلم ويخاطب غيره بأمرٍ ونهي شرعي، إلا إذا تحقق عنده أن هذا الأمر وهذا النهي قد جاءت به الشريعة. فالمسائل منها ما محل إجماع، وهي مسائل بينة، ومنها ما هو محل نزاع بين السلف، ومسائل النزاع تنقسم إلى قسمين:
الأول: مسائل فيها آثار من السنة، ولكن خالف من خالف لموجب من الموجبات، إما لعدم بلوغ النص إليه أو لغير ذلك.
الثاني: مسائل هي في أصلها ليس فيها آثار مختصة، وإنما مبناها على مقام من الاجتهاد والفقه ونحو ذلك. فينبغي لطالب العلم أن يعرف قدر كل مسألة، فالأصل يجب أن يكون أصلاً، والخلاف يبقى خلافاً، والاجتهاد يبقى اجتهاداً، وأما أن يتكلف بعض طلاب العلم في المسائل ليحسم في كل مسألة حسماً تاماً فهذا وجه من الغلط في دراسة الفقه، بخلاف مسائل الأصول. مثال ذلك: من يدرس مسألة الرؤية وهي من مسائل أصول الدين، ومن الطريقة السنية الصحيحة اللازمة النظر إلى أدلة المعتزلة، والرد على جميعها وإبطالها؛ لأن إثبات الرؤية هو قول السلف، وهو الحق المطلق، وما ضاد هذا القول أو ناقضه فهو باطل ولا بد، ولا يمكن أن يكون حقاً، بل يقضى بكونه باطلاً وضلالاً. لكن إذا كانت المسألة من مسائل النزاع بين الأئمة الأربعة، تجد أن البعض يذكر الأقوال وأدلتها، ويرى أن الترجيح غير ممكن إلا إذا استطاع أن يقضي قضاءً مبرماً وتاماً على كل دليل في الأقوال الأخرى التي لم يرجحها، فمثلاً: إذا قال: الراجح قول الحنابلة قال: الجواب عن أدلة المالكية، فما يدع دليلاً من أدلتهم إلا ويجعل الاستدلال به متعذراً، وهكذا.. وهذا لا شك أنه غلط؛ لأن هذه مسائل مقولة بالأحرى والأخلق والأظهر والأرجح، ومقام الاستدلال مقام دقيق عند الأئمة، كما قد تقدمت الإشارة لهذا. والمجتهدون ينقسمون إلى أقسام: فهناك المجتهد المطلق، وهناك المجتهد في المذهب، ويريدون بالمجتهد في المذهب من يستدل بأقوال الإمام، وكثير من أصحاب الأئمة الأربعة من هذا القبيل، كما أنهم قد أضافوا إلى مذاهب أئمتهم بعض الأقوال التي ما كانت محققة عن الأئمة الأربعة، وأيضاً فإنهم استدلوا لمذاهب أئمتهم، فالاستدلال الذي يستدل به حنبلي متأخر لقول الإمام أحمد ، ليس بالضرورة أن يكون هو الدليل الذي كان الإمام أحمد يعتبره، ولا يقال على هذا: إن ما في كتب الحنابلة ليست هي دليل المذهب الحنبلي، بل لابد أن ما في كتب الحنابلة ينتهي إلى دليل المذهب الحنبلي، وهكذا بقية المذاهب. والذي ينبغي لطالب العلم هو أن يمحص وأن ينظر في كلام الأئمة وفي مسائلهم الأولى وفي كلام كبار أئمتهم ما أمكن، وأما التعجل بهذا الوجه، فليس طريقة مناسبة.

عدم التشديد في مسائل الخلاف والاعتدال فيها
المقصود: أن المسائل الخلافية ينبغي ألا يشدد فيها، فالصحابة كانوا يختلفون وما كان يضيق بعضهم على بعض في قوله، إلا إذا قال -ولو كان فقيهاً أو إماماً أو كان مجتهداً- قولاً ظاهر المخالفة للسنة والآثار، كإنكار الصحابة على ابن عباس في مسألة العول مع أن ابن عباس كان يقول: هاتوا دليلاً من كلام الله أو من كلام رسوله، لكن فقه جماهير الصحابة في مسألة العول هو الصواب. فإذا قال إمامٌ متقدم أو معاصر قولاً يخالف صريح الكتاب أو ظاهر الأدلة والمأثور عن عامة الصحابة، فهذا ينكر، وأحياناً بعض طلاب العلم ينكرون أقولاً ويقولون: إنها مخالفة للسنة، مع أن عليها العامة من السلف، مثلاً: الحائض إذا طهرت في وقت العصر، لا شك أنها تصلي العصر، لكن هل تصلي الظهر؟ المسألة فيها نزاع، فمن العدل أن يقال: المسألة فيها نزاع، وتبقى مسألة خلافية، لكن الإشكال أن ترى بعض طلاب العلم أحياناً يقرر أن القول بأنها تقضي الظهر قول لا دليل عليه، مع أن الإمام أحمد يقول: عامة التابعين على هذا القول إلا الحسن ، أي أنها تصلي الظهر والعصر، فكيف يقال: بأن هذا القول لا دليل عليه وعامة التابعين على هذا القول؟ ولو كان القائل واحداً لقلنا: إنه اجتهد فأخطأ، ولكن هذا قول الجماهير. - وكذلك مسألة اعتبار طلاق الثلاث واحدة، فكونك تقول بأن الراجح أن طلاق الثلاث واحدة لحديث ابن عباس عند مسلم ، هذا لا إشكال فيه، وقد أفتى به شيخ الإسلام ، وأفتى به بعض الأكابر من المعاصرين، لكن الإشكال هو أن تقول: إن القول بأن طلاق الثلاث ثلاث لا دليل عليه، فهل يطبق عامة أهل العلم على مسألة ليس فيها دليل؟! وليس المقصود من هذا الكلام أن يقال: إنه ينبغي لطالب العلم أن يتبع الجمهور، بل يجب على طالب العلم أن يتبع الدليل، لكن يجب أن يتأدب، فإذا اختار قولاً فلا يقول عن القول الآخر إنه لا دليل عليه، فهذا إنما يقال في مسائل البدع، أو في مسائل ظاهرة الشذوذ عن السنة والفقه، وأما الأقوال التي عليها أكابر العلماء، فلا شك أنه من غير الممكن ذلك. يقول شيخ الإسلام : (وقد اعتبرت مسائل الشريعة في الجملة، فما وقع عليه النظر، فإن القول الذي يذهب إليه الجمهور من السلف يكون هو الصواب في الجملة)، وعلل ذلك بقوله: (لأنه من المتعذر أن السنة في المسألة تخفى على جمهور أئمة سلف الأمة، ولاسيما إذا اختلفت أمصارهم)، فإذا رأيت العراقيين والحجازيين والشاميين يقولون قولاً، فهنا ينبغي أن تنتبه. كذلك أيضاً إذا رأيت الليث بن سعد في مصر، و مالكاً في المدينة، والثوري في العراق، و الأوزاعي في الشام -وهؤلاء الأربعة كما قال شيخ الإسلام وغيره: هم أعلم الأئمة في طبقة تابع التابعين- إذا رأيت مثل هؤلاء الأربعة أجمعوا على قول فيجب ألا تقول عن مثل هذا القول إنه لا دليل عليه.

وسطية أهل السنة في الأسماء والصفات والقدر
قال المصنف رحمه الله: [وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس] . التشبيه: هو تشبيه صفات الله، والذين أحدثوا هذه البدعة هم أئمة الرافضة كـهشام بن الحكم و هشام بن سالم و داود الجواربي ، ثم انتقل الرافضة من بعد ظهور المعتزلة البغدادية في الجملة إلى مذهب المعتزلة، والتعطيل هو تعطيل صفات الله بالتحريف الذي سموه تأويلاً على طريقة الجهمية والمعتزلة، ويدخل في ذلك ما استعمله طائفة من متكلمة الصفاتية في الصفات الفعلية وغيرها. قوله: (وبين الجبر والقدر)، الجبر: هو القول بأن العبد مجبور على فعله، والقدر: هو نفي القدر، والقدرية على قسمين: غلاةٌ، وغير غلاة، وقد تقدم الكلام عليهم. قوله: (وبين الأمن والإياس)، هذا في مسائل الأحوال، وتقدم التعليق على هذه المسألة. ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دين, وسطية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir