28/1207 - وَعَنْ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.
(وَعَنْ صَخْرِ): بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ، (ابْنِ الْعَيْلَةِ): بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَة، وَحَدِيثُهُ عِنْدَهُمْ، رَوَى عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَهُوَ ابْنُ ابْنِهِ.
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ).
وَفِي مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ)) الْحَدِيثَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِن الْكُفَّارِ حَرُمَ دَمُهُ وَمَالُهُ. وَلِلْعُلَمَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مَلَكَ مَالَهُ وَأَرْضَهُ، وَذَلِكَ كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقِتَالِ فَالإِسْلامُ قَدْ عَصَمَ دِمَاءَهُمْ، وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَالْمَنْقُولُ غَنِيمَةٌ، وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ فَيْءٌ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي صَارَتْ فَيْئاً لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: لِمَالِكٍ، وَنَصَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، أَنَّهَا تَكُونُ وَقْفاً يُقْسَمُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ، وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرَاتِ، إلاَّ أَنْ يَرَى الإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِن الأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قِسْمَتِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بِلالٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِم الأَرْضَ الَّتِي فَتَحُوهَا فِي الشَّامِ، وَقَالُوا لَهُ: خُذْ خُمُسَهَا وَاقْسِمْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا غَيْرُ الْمَالِ، وَلَكِنْ أَحْبِسُهُ فَيْئاً يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَافَقَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ جَرَى فِي فُتُوحِ مِصْرَ والْعِرَاقِ وَأَرْضِ فَارِسَ وَسَائِرِ الْبِلادِ الَّتِي فَتَحُوهَا عَنْوَةً، فَلَمْ يَقْسِمْ مِنْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ قَرْيَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ: وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الأَئِمَّةِ، وَإِن اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ بَقَائِهَا بِلا قِسْمَةٍ.
فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ، أَنَّ الإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ، لا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ قِسْمَتَهَا قَسَمَهَا، وَإِنْ كَانَ الأَصْلَحُ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الأَصْلَحُ تَرْكَ الْبَعْضِ وَوَقْفَ الْبَعْضِ فَعَلَهُ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الأَقْسَامَ الثَّلاثَةَ؛ فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْضَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَتَرَكَ قِسْمَةَ مَكَّةَ، وَقَسَمَ بَعْضَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ بَعْضَهَا لِمَا يَنُوبُهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الأَصْلَحِ مِن الأَرْبَعَةِ الأَشْيَاءِ؛ إمَّا الْقَسْمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، أَوْ يَتْرُكُهَا لأَهْلِهَا عَلَى خَرَاجٍ، أَوْ يَتْرُكُهَا عَلَى مُعَامَلَةٍ مِنْ غَلَّتِهَا، أَوْ يَمُنُّ بِهَا عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.