كِتَابُ الْجِهَادِ
مُقَدِّمَةٌ
الْجِهَادُ: بِكَسْرِ الجيمِ، أَصْلُهُ لُغَةً: المَشَقَّةُ، يُقَالُ: جَاهَدْتُ جِهَاداً؛ أَيْ: بَلَغْتُ الْمَشَقَّةَ، فَهُوَ مَصْدَرُ: جَاهَدْتُ الْعَدُوَّ؛ إِذَا قَابَلْتُهُ فِي تَحَمُّلِ الْجِهَادِ إِذَا بَذَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُهْدَهُ وَطَاقَتَهُ فِي دَفْعِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ غَلَبَ فِي الإِسْلامِ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ.
وَشَرْعاً: بَذْلُ الجُهْدِ فِي قتالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ.
وَمَشْرُوعِيَّتُهُ: بِالْكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ.
وَقَدْ تَكَاثَرَت النصوصُ فِي الأَمْرِ بِهِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، والترغيبِ فِيهِ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي، سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وإلاَّ أَثِمُوا جَمِيعاً مَعَ الْعِلْمِ وَالقُدْرَةِ، إِلاَّ فِي ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ فَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ:
الأَوَّلُ: إِذَا تَقَابَلَ الفَرِيقَانِ تَعَيَّنَ، وَحَرُمَ الانْصِرَافُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}. [الأنفال: 16].
الثَّانِي: إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ بِالْبَلَدِ وَحَاصَرَهَا، تَعَيَّنَتْ مُقَاوَمَتُهُ.
الثالثُ: إِذَا اسْتَنْفَرَ الإمامُ النَّاسَ اسْتِنْفَاراً عَامًّا، أَوْ خَصَّ وَاحِداً بِعَيْنِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}. [التوبة: 38].
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)).
شُبْهَةٌ وَرَدُّهَا:
ذَهَبَ بَعْضُ الغَرْبِيِّينَ الْمُنَصِّرِينَ إِلَى أَنَّ الإِسْلامَ قَامَ عَلَى العُنْفِ والعَسْفِ، وَانْتَشَرَ بِالسَّيْفِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى القَسْرِ وَالإِكْرَاهِ فِي الدُّخُولِ فِيهِ.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: هَذَا زَعْمٌ خَاطِئٌ، وَهُوَ نَاشِئٌ إِمَّا عَنْ جَهْلٍ بالدينِ الإسلاميِّ وَفُتُوحَاتِهِ وَغَزَوَاتِهِ وَنُصُوصِهِ، وَإِمَّا نَاشِئٌ عَنْ عَصَبِيَّةٍ وَعَدَاءٍ للدِّينِ.
وَالحقُّ أَنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ قَامَ عَلَى الدعوةِ بالحكمةِ والموعظةِ الْحَسَنَةِ، وَنَادَى بالسلامِ، وَدَعَا إِلَيْهِ، فَإِنَّ الإِسْلامَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلامِ.
وَمَنْ تَتَبَّعَ نُصُوصَ الْقُرْآنِ الكريمِ وَالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، الَّتِي مِنْهَا وَصَايَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمَرَاءِ جُيُوشِهِ، وَمِنْهَا سِيرَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزَوَاتِ؛ عَلِمَ أَنَّ الإِسْلامَ جَاءَ بالحكمةِ، والرحمةِ، والسلامِ، والوِئَامِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بالإصلاحِ لا بِالْفَسَادِ.
اقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}. [البقرة: 256].
وَاقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. [يُونُس: 99].
وَاقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. [الممتحنة: 8]. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}. [البقرة: 190] والآياتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَكُلُّ أَعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحروبِ وَوَصَايَاهُ لِقُوَّادِهِ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِن الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: ((اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً)).
(وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النساءِ وَالصِّبْيَانِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اخْرُجُوا بِاسْمِ اللَّهِ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ)).
وَقَالَ: ((وَلا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً)).
وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيراً عَلَى رَبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الشَّامِ بِقَوْلِهِ: (إِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرِ خِلالٍ:
1- لا تَقْتُلِ الْمَرْأَةَ.
2- وَلا صَبِيًّا.
3- وَلا كَبِيراً هَرِماً.
4- وَلا تَقْطَعْ شَجَراً مُثْمِراً.
5- وَلا تُخَرِّبْ عَامِراً.
6- وَلا تَعْقِرَنَّ شَاةً.
7- وَلا بَعِيراً إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ.
8- وَلا تَقْطَعَنَّ نَخْلاً وَلا تَحْرِقْهُ.
9- وَلا تَغْلُلْ.
10- وَلا تَجْبُنْ).
رَوَاهُ مَالِكٌ فِي (المُوَطَّأِ).
وَقَالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]: (مَعْنَى الآيَةِ: لَيْسَ الدِّينُ مَا يَدِينُ بِهِ مِنَ الظَّاهِرِ عَلَى جِهَةِ الإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ الْقَلْبُ، فَتَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ، إِنَّمَا الدِّينُ هُوَ المُعْتَقَدُ فِي الْقَلْبِ).
وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْ عَلَى دِينِهِ قَطُّ، أَوْ أَنَّهُ إِنَّمَا قَاتَلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَأَمَّا مَنْ هَادَنَهُ فَلَمْ يُقَاتِلْهُ مَا دَامَ مُقِيماً عَلَى هُدْنَتِهِ، لَمْ يَنْقُضْ عَهْدَهُ.
بَلْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِم مَا اسْتَقَامُوا لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}. [التوبة: 7] وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، صَالَحَ الْيَهُودَ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ.
فَلَمَّا حَارَبُوهُ وَنَقَضُوا عَهْدَهُ غَزَاهُم فِي دِيَارِهِم، وَكَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ هُم الَّذِينَ يَغْزُونَهُ، كَمَا قَصَدُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ، ويومَ الخندقِ، ويومَ بَدْرٍ أيضاً هُم جَاؤُوا لِقِتَالِهِ، وَلَو انْصَرَفُوا عَنْهُ، لَمْ يُقَاتِلْهُمْ.
وَالمَقْصُودُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكْرِهْ أَحَداً عَلَى الدخولِ فِي دِينِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِهِ اخْتِيَاراً وَطَوْعاً.
فَأَكْثَرُ أَهْلِ الأَرْضِ دَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُم الْهُدَى، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقًّا.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]: أَيْ: لا تُكْرِهُوا أَحَداً عَلَى الدخولِ فِي دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، جَلِيَّةٌ دَلائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ، لا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ.
بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ للإسلامِ وَشَرَحَ صدرَهُ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَإِنَّهُ لا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهاً مَقْسُوراً.
وَكلامُ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ رُوحِ الإِسْلامِ، وَمَبَادِئِهِ، وَمَقَاصِدِهِ.
ولكنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلامِ يَأْبَوْنَ إِلاَّ أَنْ يَصِفُوهُ بِمَا يُشَوِّهُهُ، وَيَشِينُهُ؛ لِلتَّضْلِيلِ والتَّنْفِيرِ.
وَغَزَوَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فَتَحَتِ الْقُلُوبَ والعقولَ، وَمُعَامَلاتُهُ، وَمُعَاهَدَاتُهُ، وَدَعْوَتُهُ بالحكمةِ والموعظةِ الْحَسَنَةِ والمُجَادَلَةُ بالتي هِيَ أَحْسَنُ - تَدْحَضُ تِلْكَ المزاعمَ، فَإِنَّ رَبَّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (زَادِ الْمَعَادِ)، حَيْثُ قَالَ:
(فَصْلٌ
فِي تَرْتِيبِ سِيَاقِ هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ
مِنْ حِينَ بُعِثَ إِلَى حِينَ لَقِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَوَّلُ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ رَبِّهِ الَّذِي خَلَقَ، وَذَلِكَ أَوَّلَ نُبُوَّتِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ إِذْ ذَاكَ بالتبليغِ.
ثُمَّ نَزَّلَ عَلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ}. [المدثر: 2] فَنَبَّأَهُ بِقَوْلِهِ: {اقْرَأْ}. وَأَرْسَلَهُ بِـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأَقْرَبِينَ، ثُمَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، ثُمَّ أَنْذَرَ مَنْ حَوْلَهُ مِن الْعَرَبِ، ثُمَّ أَنْذَرَ الْعَرَبَ قَاطِبَةً، ثُمَّ أَنْذَرَ الْعَالَمِينَ، فَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ نُبُوَّتِهِ يُنْذِرُ بالدعوةِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَيُؤْمَرُ بالكَفِّ، والصبرِ، والصَّفْحِ.
ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الهجرةِ، وأَذِنَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَيَكُفَّ عَمَّنِ اعْتَزَلَهُ وَلَمْ يُقَاتِلْهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ). اهـ.
قُلْتُ: وَيُعْلَمُ مِن المرحلةِ الأخيرةِ فِي القتالِ وُجُوبُ قتالِ الْكُفَّارِ، وَمُهَاجَمَتِهِم بَعْدَ دَعْوَتِهِم، والإعذارِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، وَأَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ فِي الإِسْلامِ لَيْسَ مُدَافَعَةً فَقَطْ، بَلْ هُوَ حركةٌ جِهَادِيَّةٌ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ دِينَهُ، وَأَنْ يُعْلِيَ كَلِمَتَهُ، إِنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيُطْلَقُ الجهادُ عَلَى مجاهدةِ النفسِ، والشيطانِ، والفُسَّاقِ.
فَأَمَّا مجاهدةُ النفسِ: فَتَكُونُ عَلَى تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ، ثُمَّ الْعَمَلِ بِهَا، ثُمَّ تَعْلِيمِهَا. وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ: فَعَلَى دَفْعِ مَا يَأْتِي بِهِ مِن الشُّبُهَاتِ، وَمِمَّا يُزَيِّنُهُ مِن الشَّهَوَاتِ. وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الفُسَّاقِ: فَبِالْيَدِ، وَاللِّسَانِ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ.
أَمَّا فَضْلُ الْجِهَادِ: فَيَكْفِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ ذِرْوَةَ سَنَامِ الدِّينِ، وَذِرْوَةُ السَّنَامِ هِيَ أَشْرَفُ وأَعْلَى شَيْءٍ فِي المَوْصُوفِ.
وَمَنْ تَدَبَّرَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الكريمِ فِي الجهادِ عَلِمَ مَقَامَهُ، وَفَضْلَهُ، وَعُلُوَّ رُتْبَتِهِ فِي العباداتِ.
وَكَذَلِكَ طَفَحَت السُّنَّةُ النبويةُ الشريفةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُصِبِ المسلمينَ مَا أَصَابَهُم مِن الذُّلِّ، وَالْمَهَانَةِ، والضَّعْفِ، وَتَسَلُّطِ الأعداءِ، إِلاَّ بِتَرْكِهِم الْجِهَادَ، وَإِخْلادِهِم إِلَى الراحةِ والدَّعَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.