840- وعن أبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَاناً تَزَوَّجَ قَالَ: ((بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ)). رَواهُ أَحْمَدُ والأربعةُ، وصَحَّحَه التِّرْمِذِيُّ، وابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ حِبَّانَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ.
قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رواهُ أَحْمَدُ، وابنُ أَبِي شَيْبَةَ، والنَّسائِيُّ، وابنُ مَاجَهْ، والدارِمِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، ورجالُه ثِقاتٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِن طَرِيقَيْنِ.
إِحْدَاهُما: عَن الحَسَنِ البصريِّ عن عَقيلِ بنِ أبي طَالِبٍ بالعَنْعَنَةِ، فليسَ فيه تَصْرِيحٌ بالسماعِ، فهو في حُكْمِ المُنْقَطِعِ.
الثانيةُ: رواهُ الإمامُ أَحْمَدُ عن عَقِيلٍ مِن طريقٍ أُخْرَى، فالحديثُ قَوِيٌّ باجتماعِ هذيْنِ الطريقيْنِ، وقدْ صَحَّحَه التِّرْمِذِيُّ، وابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكِمُ، ووَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وابنُ دَقِيقِ العِيدِ.
* مُفْرَدَاتُ الحَدِيثِ:
- رَفَّأَ إنساناً: بفَتْحِ الراءِ، وتشديدِ الفاءِ، يَجوزُ فيهِ الهَمْزُ، وعَدَمُه.
الرفاءُ: المُوافَقَةُ، وحُسْنُ العِشْرَةِ، وهو مِن رَفَأ الثَّوْبَ، أي: أصْلَحَهُ.
والمعنى: دَعَا له بالتوفيقِ، وحُسْنِ العِشْرَةِ، وهَنَاءٍ بزَواجِه.
- بَارَكَ: يُقالُ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وفيكَ، وعليكَ: جَعَلَكَ مُبارَكاً، ووضَعَ فيك البَرَكَةَ، والبَرَكَةُ: الخَيْرُ والزيادَةُ، حِسِّيَّةً أو مَعْنَوِيَّةً، والبَرَكَةُ أيضاً: ثُبوتُ الخَيْرِ الإلهِيِّ، ودَوامُه في الشيءِ.
* مَا يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- عَقْدُ النِّكَاحِ صَفْقَةٌ هَامَّةٌ جِدًّا, هذا العَقْدُ يَحْتَاجُ مِن أصحابِه إلى النُّصْحِ الخَالِصِ، والدعاءِ الصالِحِ.
وعَاقِبَةُ هذا العَقْدِ مَجْهولةٌ خَطِرَةٌ، فهي إمَّا مِن أَكْبَرِ السعادات،ِ وإمَّا من أَخْسَرِ الصَّفَقَاتِ.
2- لذا كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا دَعَا لإنسانٍ قَدْ تَزَوَّجَ دَعَا له بهذهِ الدعواتِ الطيِّباتِ الكريماتِ، أنْ تَحُلَّ فيهِ بَرَكَةُ اللهِ، وأنْ تَنْزِلَ عليه، وأنْ يَجْمَعَ اللهُ بينَه وبينَ زَوْجَتِه في خيرٍ.
3- والخَيْرُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لمعاني السعادةِ، من العِشْرَةِ الحَسَنةِ، والرَّغَدِ في العَيْشِ، وحُصولِ الأولادِ الصالحِينَ.
4- فيُسْتَحَبُّ لمَن حَضَرَ عَقْدَ النكاحِ أنْ يَدْعُوَ للمُتَزَوِّجِ بهذا الدُّعاءِ، وهذا أفْضَلُ من دُعاءِ الجاهِلِيَّةِ: بالرَّفَاءِ والبَنِينَ؛ فإنه دُعاءٌ قَاصِرٌ، قَلِيلُ البَرَكَةِ، ولا يَكْفِي ما تَعارَفَه النَّاسُ الآنَ مِن قَوْلِهم للمُتَزَوِّجِ أو الخَاطِبِ: مَبْرُوكٌ، ونَحْوِه، فالأفْضَلُ أنْ يَكُونَ بهذهِ الصيغةِ النبويَّةِ الكريمةِ، فإنَّها جَامِعَةٌ لمعاني الخيرِ والسعادةِ.
5- أمَّا المُتَزَوِّجُ فالسُّنةُ في حَقِّه ما رَواهُ أبو دَاوُدَ، والنَّسائِيُّ، وابنُ مَاجَهْ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ)) ومعنى أَفَادَ، أي: اسْتَفَادَ.
6- استحبابُ دُعاءِ المسلمين بعضِهم لبعضٍ، لا سِيَّما عندَ المُناسباتِ، أو عندَ الأزماتِ، وفائدةُ الدعاءِ أنه وَسِيلَةٌ قَوِيَّةٌ لحُصولِ المطلوبِ، إذا تَوَفَّرَتْ شُروطُه، وانْتَفَتْ مَوانِعُه.
7- رَوَى الإمامُ أَحْمَدُ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسائِيُّ، وغيرُهم، مِن حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ, عن جَدِّه، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِكَ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لأَهْلِي فِيَّ، وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ)).