دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأيمان والنذور

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الأيمان والنذور

كِتَـابُ الأَيْمَـانِ والنُّـذُورِ
عن عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((يا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَل الإِمارَةَ فإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ: وُكِّلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَها عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ: أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الذي هُوَ خَيْرٌ)) .
عن أبِي موسى رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((إِنِّي وَاللهِ –إِنْ شَاءَ اللهُ- لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلتُهَا)) .

  #2  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

كتابُ الأيمانِ إلى آخِرِ الكتابِ

قولُه : الإمارةُ .
بكسْرِ الهمزةِ أي الولايةُ ( ..................).
وُكِلْتَ إليها هو بتخفيفِ الكافِ المكسورةِ يقالُ : وَكَلْتُ الأمرَ إليه أَكِلُه إذا رَدَدْتُه واعتَمَدْتُ فيه عليه وقد يُسألُ عن مناسبتِه .

قولُه : ((وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ)).
مع ما قَبلَه ويُجابُ بأن قولَه : وإن أُعطِيتَها مسألةً يَشْمَلُ حالتين إعطاءَها له لا عن امتناعٍ وإعطاءَها له مع امتناعٍ وحَلِفٍ فبيَّنَ حكْمَ الحلِفِ لاحتمالِ أن يؤدِّيَه الامتناعُ إلى الحلِفِ ويكونَ المصلَحَةُ في القبولِ .

  #3  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 02:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ الأَيْمَانِ والنُّذُورِ

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ والخمسونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَل الإِمارَةَ فإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ: وُكِّلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَها عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ: أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الذي هُوَ خَيْرٌ)).

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ والخمسونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي موسى رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي وَاللَّهِ –إِنْ شَاءَ اللَّهُ- لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: كراهةُ طلبِ الإمارةِ والولاياتِ والوظائفِ كُلِّهَا والحرصِ عليها.
الثَّانِيَةُ: أنَّ مَنْ جَاءَتْهُ بِلَا طَلَبٍ فَسَيُعَانُ عَلَيْهَا.
الثَّالِثَةُ: أنَّ مَنْ حَلَفَ أنْ لا يَفْعَلَ كذا، أوْ أنْ يَفْعَلَهُ، ثمَّ رَأَى الخيرَ في الذي حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلْيَأْتِ الذي هوَ خيرٌ ولْيُكَفِّرْ عنْ يَمِينِهِ.

  #4  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 02:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كِتَابُ الأَيمَانِ والنذورِ(181)
الحديثُ الخامسُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثلاثِمائةٍ
355- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذي هُوَ خَيْرٌ)) .

الحديثُ السادسُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
356- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ- لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَتَحَلَّلْتُهَا)) .(182)
_____________________
(181) الأيمانُ - لُغَةً - بفتحِ الهمزةِ جمعُ ((يمينٍ)) . وَاليمينُ خلافُ اليسارِ، وأُطلقتْ عَلَى الحَلِفِ؛ لأنَّهم كانوا إذا تحالفُوا، أخذَ كلٌّ منهم يمينَ صاحبِهِ .
وتعريفُهُ شَرْعًا : تحقيقُ الأمرِ المحتمَلِ أوْ تأكيدُهُ، بذكرِ اسمٍ من أسماءِ اللهِ تعالى، أَوْ صفةٍ منْ صفاتِهِ .
وَالْأَصْلُ فيهِ الكتابُ، وَالسنَّةُ، وَالإجماعُ .
فأَمَّا الكتابُ: فَقَوْلُهُ تعالى : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) الآيةُ . وقولُهُ تعالى : (وَلَا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) .
والسنَّةُ شهيرةٌ بذلكَ، ومنهُ ما يَأتي من الأحاديثِ إنْ شاءَ اللهُ .
وقد أجمعَت الأُمَّةُ عَلَى مشروعِيَّةِ اليمينِ، وثبوتِ أحكامِهَا .
ولا يَنْبَغي الإكثارُ من الحَلِفِ، ويُشْرَعُ مَعَ الحاجةِ لإزالةِ شُبهةٍ، أَوْ نَفْيِ تُهمةٍ، أَوْ تأكيدِ خبرٍ .
فقد أَمَرَ اللهُ تعالى نبيَّهُ محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُقْسِمَ عَلَى البعثِ فِي ثلاثةِ مواضِعَ من القرآنِ (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي) (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ) (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ) وأقْسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمناسباتٍ كثيرةٍ .
والحَلِفُ أنواعٌ، جاءَ فِي الأحاديثِ التي ذَكَرَهَا المؤلِّفُ (اليمينُ الغموسُ) و[اليمينُ التي تَدْخُلُهَا الكفَّارةُ] وسيأتي الكلامُ عليهما.
ولم يَذْكُر المؤلِّفُ [لَغْوَ اليمينِ] وأحسنُ ما فُسِّرَ بهِ نوعانِ :
الأوَّلُ : أَنَّهَا اليمينُ التي لا يَقصدُها الحالفُ، بل تجري عَلَى لسانِهِ من غيرِ تعقيدٍ ولا تأكيدٍ، كما جاءَ عن عَائِشَةَ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((هو كلامُ الرجلِ فِي بيتِهِ ))، ((لا وَاللهِ )).وجاءَ عنها هَذَا الأثرُ موقوفًا أيضًا .
الثاني : أن يَعْقِدَ الحالفُ اليمينَ ظانًّا صِدْقَ نفسِهِ، ثُمَّ يتبيَّنُ بخلافِهِ .
فهَذَانِ النوعانِ من لَغْوِ اليمينِ ليس عَلَى صاحبِهِمَا إثمٌ ولا كفَّارةٌ .
(182) المعنى الإجماليُّ :
يرشدُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدَ الرحمنِ بنَ سَمُرَةَ، وهَذَا النصحُ وَالإرشادُ للأُمَّةِ عامَّةً.
فيقولُ : لا تَطْلُب الإمارةَ، وَالولاياتِ وَالوظائفَ عامَّةً، وتحرصْ عليها وعلى تحصيلِها بالوسائلِ وَالوسائطِ .
فإنْ وُلِّيتَهَا عن هَذَا الطريقِ، فإنكَ سَتُوكَّلُ إِلَى جُهْدِكَ وقُوَّتِكَ .
وأنتَ ـ بلا عَوْنِ اللهِ تعالى وتوفيقِهِ ـ ضعيفٌ قاصرٌ؛ ولذا فإنكَ ستخفقُ فِي عملِكَ ؛وذلكَ أنكَ اتَّكَلْتَ عَلَى جُهْدِكَ، وجئتَ العملَ عن غُرورٍ وعُجْبٍ بنفسِكَ، ولمْ يكنْ لِطلبِ العونِ من اللهِ وَالتوفيقِ محلٌّ فِي نفسِكَ . فحريٌّ أن يخذُلَكَ .
ولأنكَ غالبًا ما طلبتَهَا إلَّا لأغراضِكَ الخاصَّةِ .
وستكونُ أغراضُكَ من مالٍ أَوْ جاهٍ أَوْ غيرِهما هِيَ مقصودَك وهدفَك، ولن تُعْطِيَ العملَ حقَّهُ، فيكونَ ذلكَ سببًا لإخفاقِكَ وعدمِ نجاحِكَ أيضًا .
أَمَّا إنْ جاءتكَ من غيرِ مسألةٍ ولا طلبٍ، فالغالبُ أنَّكَ حينَ لمْ تَسْتَشْرِفْ لها ستكونُ مهتمًّا للقيام ِبها، وَالاجتهادِ فيها .
وهذا سيدعوكَ إلى الالتجاءِ إلى اللهِ تعالى بطلبِ مدَدِه وعونِه وتسديدِه وستحرصُ على القيامِ بها وبهذا تعانُ عليها فتنجحَ فيها .
ثم ذكرَ أنَّهُ قَدْ يَفْرُطُ منكَ يمينٌ، بسببِ الامتناعِ عن الإمارةِ أَوْ قبولِها، فَأَمَرَكَ أنَّك إذا حَلَفْتَ عَلَى أمرٍ لتفعلَهُ أَوْ لِتَدَعَهُ، فإن كَانَ لا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَلِفِكَ شيءٌ، فأنتَ مخيَّرٌ بينَ المُضِيِّ فيها أَو التكفيرِ .
وإِنْ كَانَ الأحسنُ هُوَ فعلَ المحلوفِ عَلَى تركِهِ، أَوْ تركَ المحلوفِ عَلَى فعلِهِ، فأْتِ الذي هُوَ خيرٌ، وكفِّرْ عن يمينِكَ .
وكما أنَّ هَذَا أمرُهُ، فهو فعلُهُ الرشيدُ أيضًا، كما بَيَّنَهُ فِي الحديثِ الثاني، حيثُ أقسمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أنَّهُ لَا يحلِفُ عَلَى يمينٍ فيرى غيرَها خيرًا إلَّا أتى الذي هُوَ خيرٌ، وتحلَّلَ من يمينِهِ بكفَّارةٍ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- كراهةُ طلبِ الإمارةِ، وَالمرادُ بها الولاياتُ وَالوظائفُ كلُّها، وَالحرصِ عليها لما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ((مَنِ ابْتَغَى القَضَاءَ وَسَألَهُ وُكِّلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ )) وَلِمَا فِي ذلكَ من تعريضِ نفسِهِ لعملٍ قَدْ لا يقومُ بحقوقِهِ فيكونُ مُعَرِّضًا نفسَهَ للخطرِ، ولما فِي ذلكَ ـ غالبًا ـ من العُجبِ وَالغرورِ، فإنَّهُ ما طلبهُ إلَّا معتدًّا بنفسِهِ وقوَّتِهِ، وناسيًا إعانةَ اللهِ تعالى وتوفيقَهُ؛ ولما فيهِ غالبًا من سوءِ القصدِ، فإنَّهُ لَنْ يطلبَها معَ وجودِ مَن يقومُ بها غيرُهُ إلَّا لغرضِ مالٍ، أَوْ جاهٍ أَوْ غيرِ ذلكَ من المقاصدِ الدنيئةِ .
2- إنَّ مَن جاءتْهُ الولايةُ بلا طلبٍ ولا استشرافٍ، فَسَيُعَانُ عليها؛ لأنَّه يرى القصورَ بنفسِهِ، ويخافُ العجزَ عنها، وحينئذٍ سيلتجئُ إِلَى اللهِ تعالى، فتأتيهِ الألطافُ الإلهيَّةُ بالعونِ وَالتسديدِ، وسيحرصُ عَلَى عملِهِ ويخلصُ فيهِ، فيكونُ سببًا لنجاحِهِ وقيامهِ بهِ .
3- مناسبةُ هذهِ الفقرةِ فِي الحديثِ لِمَا بعدَها، ولعلها تكونُ ما بيَّنه الزَّرْكَشِيُّ بقولِهِ : [الاحتمالُ أن يؤدِّيَهُ الامتناعُ عن الإمارةِ إِلَى الحَلِفِ، وتكونُ المصلحةُ فِي القبولِ ] .
4- إنَّ مَن حَلَفَ أن لا يفعلَ كذا، أَوْ أنْ يفعلَهُ، ثُمَّ رأى الخيرَ فِي غيرِ الذي حَلَفَ عليهِ، إمَّا الفعلَ وإمَّا التركَ، فَلْيَأْتِ الذي هُوَ خيرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عن يمينِهِ، ويختلفُ هَذَا، باختلافِ المحلوفِ عليهِ .
فقد يكونُ الحِنْثُ وَاجبًا، وَقَدْ يكونُ مستحَبًّا، وَقَدْ يكونُ حرامًا، وَقَدْ يكونُ مباحًا: فَيُخَيَّرُ بين البقاءِ عَلَى يمينِهِ، أَو الحِنْثِ مَعَ التكفيرِ .
5- عندَ جمهورِ العلماءِ أَنَّ الكفَّارةَ رخصةٌ شرعَهَا اللهُ تعالى لحلِّ ما عقدت اليمينُ؛ ولذلكَ تجزئُ قبلَ الحِنْثِ وبَعْدَهُ، وذكرَ عياضٌ أنَّ الذين قالوا بتقديمِ التكفيرِ من الصحابةِ أربعةَ عَشَرَ صحابيًّا، كما قَالَ بهِ قبلَ الحِنْثِ ربيعةُ وَالأوزاعيُّ وَالليثُ ومالكٌ وأحمدُ وسائرُ فقهاءِ الأمصارِ غيرُ أهلِ الرأيِ .
6- إنَّ هَذَا التشريعَ، كما هوَ أمرُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو أيضًا فِعْلُهُ، فقد أخبرَ أنَّهُ لا يحلفُ عَلَى يمينٍ فيرى غيرَها خيرًا منها إلَّا أتى الذي هُوَ خيرٌ، وكفَّرَ عن يمينِهِ .
وهَذَا هُوَ عينُ المصلحةِ، وَهُوَ تخفيفٌ من ربِّنَا ورحمةٌ .
وكانت الأممُ السابقةُ ليس عندهمْ تحليلٌ وتكفيرٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الوفاءِ بأيمانِهِمْ .
ولذا فإنَّ أيوبَ عليه السلامُ لَمَّا حَلَفَ أن يضربَ زوجتَهُ، وتركَ عزمَهُ، لم يجدْ لقضاءِ يمينِهِ إلَّا أنْ يضربَها بِضِغْثٍ فيه عددُ الجلداتِ المرادةِ.

  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كتابُ الأيْمَانِ والنُّذُورِ
الحديثُ الأوَّلُ: عن عبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإْمَارَةَ، فإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يِمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ".
فيه مسائلُ. الأولَى: ظاهرُهُ يقتضِي كراهيةَ سؤالِ الإمارةِ مطلقًا، والفقهاءُ تصرَّفُوا فيه بالقواعدِ الكُلِّيَّةِ، فمَن كانَ مُتعَيَّنًا للولايةِ وجبَ عليه قَبولُهَا إنْ عُرضتْ عليه، وطَلَبُهَا إنْ لم تُعْرَضْ؛ لأنَّه فرْضُ كفايةٍ، لا يتأدَّى إلا به؛ فيتعيَّنُ عليه القيامُ به، وكذا إذا لم يتعيَّنْ، وكانَ أفضلَ من غيرِهِ، ومنَعْنَا ولايةَ الفضولِ مع وُجودِ الأفضلِ، وإنْ كانَ غيرُهُ أفضلَ منه، ولم نَمْنعَ توليةَ المفضولِ مع وجودِ الفاضلِ، فههنا يُكرَهُ له أنْ يدخلَ في الولايةِ، وأنْ يسألَهَا. وحرَّمَ بعضُهم الطلَبَ، وكَرِهَ للإمامِ أنْ يولِّيَهُ، وقالَ: إنْ ولَّاهُ انعقدتْ ولايتُهُ، وقد استُخْطِئَ فيما قالَ. ومن الفقهاءِ مَن أطلقَ القولَ بكراهيةِ القضاءِ، لأحاديثَ وردتْ فيه.
المسألةُ الثانيةُ: لمَّا كانَ خطرُ الولايةِ عظيمًا؛ بسببِ أمورٍ في الوالِي، وبسببِ أمورٍ خارجةٍ عنهُ: كانَ طلَبُهَا تكلُّفًا، ودخولًا في غَرَرٍ عظيمٍ، فهو جديرٌ بعدمِ العوْنِ، ولمَّا كانت إذا أتتْ من غيرِ مسألةٍ. لم يكنْ فيها هذا التكلُّفُ: كانتْ جديرةً بالعونِ علَى أعبائِهَا وأثقالِهَا.
وفي الحديثِ إشارةٌ إلَى ألطافِ اللَّهِ تعالَى بالعبدِ بالإعانةِ علَى إصابةِ الصوابِ في فعْلِهِ وقولـِهِ، تفضُّلًا زائدًا علَى مجرَّدِ التكليفِ والهدايةِ إلَى النَّجْدَيْنِ، هي مسألةٌ أصوليَّةٌ، كثُرَ فيها الكلامُ في فنِّهَا، والذي يُحتاجُ إليهِ في الحديثِ: ما أشرْنَا إليهِ الآنَ.
المسألةُ الثالثةُ: للحديثِ تعلُّقٌ بالتكفيرِ قبلَ الحِنْثِ، ومَن يقولُ بجوازِهِ قد يتعلَّقُ بالبُداءةِ، بقولـِهِ عليه السلامُ: "فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وهذا ضعيفٌ، لأنَّ الواوَ لا تقتضِي الترتيبَ، والمعطوفُ والمعطوفُ عليه بها كالجملةِ الواحدةِ. وليسَ بجيِّدٍ طريقةُ مَن يقولُ في مثلِ هذا: إنَّ الفاءَ تقتضِي الترتيبَ والتعقيبَ، فيقتضِي ذلك أنْ يكونَ التكفيرُ مستعقِبًا لرؤيةِ الخيرِ في الحنْثِ. فإذا استعقَبَهُ التكفيرُ: تأخَّرَ الحِنْثُ ضرورةً، وإنَّمَا قلْنَا: "إنَّهُ ليسَ بجيِّدٍ" لِمَا بيَّناهُ من حُكْمِ الواوِ. فلا فرْقَ بين قْولِنا: "فكفِّرْ، وائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وبين قولِنَا: "فَافْعَلْ هَذَيْنِ" ولو قالَ كذلك لم يقتَضِ ترتيبًا ولا تقديمًا، فكذلك إذا أتَى بالواوِ.
وهذهِ الطريقةُ التي أشرْنَا إليها ذكرَهَا بعضُ الفقهاءِ في اشتراطِ الترتيبِ في الوضوءِ. وقالَ: إنَّ الآيةَ تقتضِي تقديمَ غسْلِ الوجهِ، بسببِ الفاءِ. وإذا وجبَ تقديمُ غسْلِ الوجهِ، وجبَ الترتيبُ في بقيَّةِ الأعضاءِ اتِّفاقًا، وهو ضعيفٌ؛ لِمَا بيَّناهُ.
المسألةُ الرابعةُ: يقتضِي الحديثُ: تأخيرَ مصلحةِ الوفاءِ بمقتضَى اليمينِ إذا كانَ غيرُهُ خيرًا بنصِّهِ. وأمَّا مفهومُهُ: فقد يُشيرُ بأنَّ الوفاءَ بمقتضَى اليمينِ عند عدَمِ رؤيةِ الخيرِ في غيرِها مطلوبٌ. وقد تنازعَ المفسِّرُونَ في معنَى قولـِهِ تعالَى: (2: 224 وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا) وحمَلَهُ بعضُهم علَى ما دلَّ عليهِ الحديثُ. ويكونُ معنَى: “عُرْضَةً" أيْ: مانعًا، وَ "أَنْ تَبَرُّوا" بتقديرِ: مَا أَنْ تَبَرُّوا.
361 – الحديثُ الثانِي: عن أبي موسَى رضيَ اللَّهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: "إنِّي واللَّهِ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يمِينٍ، فأرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا".
في هذا الحديثِ: تقديمُ ما يقتضِي الحِنْثَ في اللفظِ علَى الكفَّارةِ، إنْ كانَ معنَى قولـِهِ عليهِ السلامُ: "وتَحَلَّلْتُهَا" التكفيرَ عنها، ويحتملُ أنْ يكونَ معناهُ: إتيانَ ما يقتضِي الحِنْثَ. فإنَّ التحلُّلَ نقيضُ العَقْدِ. والعَقْدُ: هو ما دلَّتْ عليهِ اليمينُ من موافقةِ مقتضاهَا. فيكونُ التحلُّلُ: الإتيانَ بخلافِ مقتضَاهَا.
فإنْ قلْتَ: فيكفِي عن هذا قولـُهُ: "أتَيْتُ الذي هوَ خيرٌ" فإنَّهُ بإتيانِهِ إيَّاهُ تحصُلُ مخالفةُ اليمينِ والتحلُّلُ منها. فلا يُفيدُ قولـُهُ عليهِ السلامُ حينئذٍ: "وتحلَّلْتُ" فائدةً زائدةً علَى ما في قولـِهِ: "أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ".
قلْتُ: فيهِ فائدةُ التصريحِ والتنصيصِ علَى كوْنِ ما فعلَهُ مُحلَّلًا، والإتيانُ بهِ بلفظِهِ يُناسبُ الجوازَ والحِلَّ صريحًا. فإذا صرَّحَ بذلك كانَ أبلَغَ ممَّا إذا أتَى بهِ علَى سبيلِ الاستلزامِ.
وقد أكَّدَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ في هذا الحديثِ الحُكْمَ المذكورَ باليمينِ باللَّهِ تعالَى. وهو يقتضِي المبالغةَ في ترجيحِ الحِنْثِ علَى الوفاءِ عندَ هذهِ الحالةِ.
وهذا "الخيْرُ" الذي أشارَ إليهِ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: أمْرٌ يرجعُ إلَى مصالحِ الحِنْثِ، المُتعلِّقةِ بالمفعولِ المحلُوفِ علَى ترْكِهِ مثلًا.
وهذا الحديثُ لـهُ سببٌ مذكورٌ في غيرِ هذا الموضعِ. وهو: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ حلفَ أنْ لا يَحْمِلَهم، ثم حَمَلَهُمْ".

  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 02:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

...................................

  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:01 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كتاب الأيمان والنذور

عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ياعبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها , وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها , وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير)) .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها , إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها)) .
الشيخ: من الأحكام الكلام على الأيمان وعلى النذور , اليمين: هي الحلف ، ويسمى قسما . وسمي يمينا ؛ لأن المتحالفينِ في الجاهلية يتاقبضون بالأيمان ؛ من باب التأكد , ومن باب التقوية , فيمسك أحدهم بيمين صاحبه , كل منهم يمسك يمين الآخر ، ثم يقسم هذا القسم المؤكد ، فمِن ثم سمي الحلف يمينا ، ذكر في قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} , وذكر باسم الحلف في قوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} , حيث ذكر الله كفارة اليمين ، ثم ذكر أن هذا حلف , وذُكر باسم القسم في قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} , وفي قوله: {وقاسمهما} , يعني حلف لهما. ونكمل بعد الأذان .
وقد أقسم الله تعالى في القرآن في عدة مواضع , كقوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس} , {فلا أقسم بالشفق} , {لا أقسم بهذا البلد} , {لا أقسم بيوم القيامة} , وكذا قوله: {والفجر} , {والليل إذا يغشى} , {والضحى} , {والشمس وضحاها} , {والعاديات ضبحا} , {والمرسلات عرفا} {والصافات صفا} , {والطور} , {والذاريات ذروا} , وما أشبهها , هذه تسمى أقسام القرآن التي أقسم الله فيها . والله تعالى له أن يقسم من خلقه بما يشاء ، وأما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بخالقه وبربه ؛وذلك لأن القسم تعظيم للمقسم به كما سيأتي .
فأولا اليمين أو القسم يعتبر مؤكدا للكلام , إذا أقسم على شيء فمعناه تقوية ذلك الشيء وتأكيده ، والتحقق من وجوده وما أشبه ذلك ، فإذا حلف أنه سيأتيك فإن هذا تعهد ، وإذا حلف أنه ما ضرب فلانا فهذا تأكيد لعدم فعله ، وإذا حلف مثلا أن يعطيك كذا وكذا فإن هذا تقوية ؛ لأنه تعهد بإعطائك ، وإذا حلف أن فلانا موجود فإن هذا أقوى من أن يقال: إنه موجود حاضر دون أن يأتي بكلام , وهكذا بقية الأمثلة ، فالقسم يؤكد الكلام .
ولأجل هذا تستعمل اليمين في الحكومات في القضايا ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) . وفي حديث آخر قضى باليمين على المدعى عليه ، اليمين, التي هي الحلف , جعلها على المنكر أو على المدعى عليه ؛ وذلك لأن فيها نفي لما ادعي به ، فهذا دليل على أن اليمين تؤكد الكلام , فإذا قال: ما عندي لك دين ، ثم حلف على ذلك , فقد تقوى النفى ، وتقوة براءته من ذلك الحق الذي تدعيه عليه .
ثم في هذين الحديثين أنه يجوز الحنث والكفارة إذا كان في ذلك خير , فالحديث الأول: يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله لا تسأل الإمارة ؛ فإنك إن أعطيتها عن غير مسأله أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها)) . والمراد بها الولاية على مجموعة ،والرئاسة عليهم ، الأمير هو الذي يكون واليا على أهل بلد , أو واليا وأميرا ورئيسا على قسم ، أو على جهة ، أو على أسرة أو قبيلة أو نحو ذلك , يرجعون إليه ويطيعونه ، ويأمرهم بما يراه صالحا لهم ونحو ذلك ، الإمارة يختار لها الأكفاء الذين فيهم الأهلية ، ويبتعد عن اختيار من ليس كفئا لها, والإنسان لا يحرص عليها ؛ وذلك لما فيها من المسئولية ،ولما فيها من التعب والعمل الذي يناط بذلك الأمير ؛ ولأن الناس سيتعلقون به ، ويطلبون منه أن يفعل كذا وكذا , فيكون ذلك قدحا في عدالته إذا اتهم وألصقت به التهم ، أو عمل وليس من أهل العمل أو نحو ذلك ، فلأجل هذا ينهى عن أن يسألها .
أما إذا عين أميرا أو رئيسا ، أو مديرا أو نائبا , وهو لما يسأل هذه الولاية ، وإنما اختير لها , واتفق على اختياره ؛ لكونه كفئا- فإنه يعان عليها , يعينه الله ويسدده , هذا ما يتعلق بالإمارة ، وهي في هذا الحديث ذكرت استطرادا .
الشاهد من الحديث قوله: ((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير , وكفر عن يمينك)), الإنسان قد يحلف ويؤكد الحلف , ويكون حلفه على ترك معروف أو على فعل منكر أو نحو ذلك , ثم بعد ذلك يندم , يندم على يمينه ويقول: ليتني ما حلفت , لقد أوقعتني هذه اليمين في حرج , إذا حلف مثلا ألا يدخل بيت أخيه , أو حلف ألا يكلم أباه , أو حلف ألا يعطي المساكين من الصدقات ونحوها ولا يعطي هذا المسكين , أو حلف ألا يصلي في هذا المسجد ؛ كراهية لإمامه , ولا ذنب له مثلا , أو حلف ألا يصل أرحامه ، أو حلف أن يعق أباه ، أو حلف أن يقطع أقاربه ، أو حلف ألا يأكل عند فلان وإن كان أكلا عاديا أونحو ذلك ، ثم رجع إلى نفسه , فهذا الحلف تارة يكون على مخالفة ومعصية ، وتارة يكون على أمر عادي ، فالأولى له في الحالات كلها أن يفعل الذي هو خير ، حتى ولو كان من الأمور العادية ، وسيأتي لها أمثلة في النذور إن شاء الله .
وعلى هذا يكفر عن يمينه ، ويفعل الذي هو خير , إذا حلف أن يهجر فلانا ولا يسلم عليه بقي على هذا الهجران شهر, فكر بعد ذلك وقال: أليس هذا ذنب ؟ نعم إن التهاجر ذنب ، ما المخرج ؟ أنا قد حلفت , المخرج أن تكفر , فتطعم عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك أو تكسوهم ، أو تعتق رقبة , فإن لم تجد الثلاثة فتصوم ثلاثة أيام متتابعة ، وتفعل الذي هو خير , فسلامك على أخيك خير من هجرانه ، وأكلك من طعامه جبر لنفسه خير من تركك لذلك , وصلتك لأرحامك خير من قطيعته , من القطيعة ، بل إن القطيعة ذنب .
وكذلك عند الحاجة , قد يحلف وتحمله الحاجة على المخالفة , فجعل الله له كفارة فقال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين} إلى آخره ، تعقيد الأيمان يعني تأكيدها وتقويتها , عقدتم يعني..وفي قراءة: {عاقدتم الأيمان} يعني عقدتم اليمين وأكدتموها .
عفا الله تعالى عن اللغو , كثيرا ما يجري على لسانك وأنت في المجلس قولك: لا والله , وبلى والله ، وأنت ماعزمت على الحلف , فهذا من اللغو الذي يعفى عنه ، وأما إذا عزمت وجزمت وحلفت أنك ما تركب في هذه السيارة ، أو أنك ما تعطي ولدك مفاتيحها مثلا أو أنك ما يقود بك سيارة مثلا ، أو أنه لا يدخل عليك طوال حياتك مثلا ، أو حلفت أن تقتل هذا الرجل وأنت ظالم له ، أو حلفت أن تقطع يده بغير حق ، أو تقطع منه طرفا , حلفت ألا تقضيه حقه مع أنه مستحق , حلفت ألا تشتري من هذا الدكان بغير ذنب , وأنت ستحتاج إلى أن تشتري منه ، مثل هذه الأشياء الأولى بك أن تخالف ما حلفت عليه ، وأن تكفر عن يمينك , وأن تفعل الذي هو خير .
ومن الدليل عليه أيضا حديث أبي موسى ، وقصته في غزوة تبوك , الأشعريون أربعة أو خمسة يحبون أن يغزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم , وهم لا يجدون ما يركبون , لا يجدون رواحل يرحلون عليها ، فأرسلوا واحدا منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يحملهم , فعند ذلك جاءوا إليه وهو غضبان من كثرة من ينازعه ، وكثرة من يطلبه , ففي حالة طلبهم له وهو غضبان قال:((ما عندي ما أحملكم , ووالله ما أحملكم)) . صدرت منه هذه اليمين: والله ما أحملكم , فرجعوا يبكون ؛ أسفا على أنه لم يحملهم , وبعد ساعات جاءه عليه الصلاة والسلام رواحل فقال: ((أين أبا موسى الأشعري)) ؟ فقيل: إنه رجع ، فأرسل إليهم بخمس من الإبل ليركبوها وليرتحلوا عليها ويغزوا معه ، فلما جاءتهم قالوا: إنه قد حلف ألا يحملنا ، إنا استغفلناه يمينه , استغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه ، والله لا يبارك لنا .
فعند ذلك رجعوا إليه وقالوا: إنك قد حلفت ألا تحملنا ، ثم حملتنا فقال: ((ما أنا حملتكم , ولكن الله حملكم , إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وتحللتها)). فعلت الذي هو خير , فجعل هذا من فعل الخير , حلف أنه لا يحملهم وكان في حملهم وكان في غزوهم مصلحة ومنفعة وخير فحملهم , بعدما حلف ألا يفعل ، وكفر عن يمينه , فهذا ونحوه دليل على أن من حلف ألا يفعل معروفا, فإن الأولى له أن يفعله .
ذكروا أن رجلا كان له دين على إنسان فأفلس ذلك المدين ، وكثر عليه الدين ، فقالوا لصاحب الدين: لعلك تنزل عنه ، وتسقط عنه شيئا من دينك من باب التسامح , فحلف وقال: والله لا أسقط منه شيئا . فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:حلف ألا يفعل معروفا , ثم أمره بأن يكفر ويسقط , يسقط عنه بعض الشيء , فهذا مثال في أن من حلف ألا يفعل معروفا فإن الأولى له أن يفعله ، ويكفر عن يمينه ، ومن حلفأن يفعل منكرا فإن عليه أن يتركه كما سيأتي .
وبكل حال فاليمين إذا كان الترك خيرا من الفعل فالإنسان يترك ما حلف عليه , يترك ما حلف عليه ، وفي الكفارة محو لذلك الذنب الذي فعله , فإذا كفر الكفارة التامة محي عنه ذلك الحنث ، وأما إصراره على ذلك فإنه مذموم , قال تعالى: {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} , يعني فعل الشيء بدون كفارة . فهناك ثلاثة أشياء:
الأول: الحلف على فعل منكر ثم يفعله ,فهذا منكر .
الثاني: الحلف على ترك معروف ثم يتركه , فهذا أيضا منكر .
الثالث: أن يفعل ..أن يحلف على فعل شيء , ثم يرى أن فعله منكر , فيكفر ويمحو الله عنه اليمين الذي حلف بها .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأيمان, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir