23/584 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ آخِرَهُ زَايٌ: المَالُ المَدْفُونُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلَبَ بِكَثِيرِ عَمَلٍ (الخُمُسُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
لِلْعُلَمَاءِ فِي حَقِيقَةِ الرِّكَازِ قَوْلانِ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ المَالُ المَدْفُونُ فِي الأَرْضِ مِنْ كُنُوزِ الجَاهِلِيَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ المَعَادِنُ.
قَالَ مَالِكٌ بِالأَوَّلِ, قَالَ: وَأَمَّا المَعَادِنُ فَتُؤْخَذُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ. وَمِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ,وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَتِ الهَادَوِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ,وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((العَجْمَاءُ جُبَارٌ, وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ, وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ)). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ, فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ المَعْدِنِ.
وَخَصَّ الشَّافِعِيُّ المَعْدِنَ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ,لِمَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ, أَنَّهُمْ قَالُوا: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ الَّتِي خُلِقَتْ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ)). إلاَّ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ.
وَاعْتَبَرَ النِّصَابَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ؛عَمَلاً بِحَدِيثِ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ)) فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ, وَإِلَى أَنَّهُ يَجِبُ رُبُعُ العُشْرِ بِحَدِيثِ: ((وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ العُشْرِ)) بِخِلافِ الرِّكَازِ فَيَجِبُ فِيهِ الخُمُسُ وَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ. وَوَجْهُ الحِكْمَةِ فِي التَّفْرِقَةِ أَنَّ أَخْذَ الرِّكَازِ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ بِخِلافِ المُسْتَخْرَجِ مِن المَعْدِنِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ فِيهِ مِن المَشَقَّةِ.
وَذَهَبَتِ الهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الخُمُسُ فِي المَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَأَنَّهُ لا تَقْدِيرَ لَهُمَا بِالنِّصَابِ بَلْ يَجِبُ فِي القَلِيلِ وَالكَثِيرِ, وَإِلَى أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ مَا اسْتُخْرِجَ مِن البَحْرِ وَالبَرِّ مِنْ ظَاهِرِهِمَا أَوْ بَاطِنِهِمَا فَيَشْمَلُ الرَّصَاصَ وَالنُّحَاسَ وَالحَدِيدَ وَالنِّفْطَ وَالمِلْحَ وَالحَطَبَ وَالحَشِيشَ, وَالمُتَيَقَّنُ بِالنَّصِّ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ, وَمَا عَدَاهُمَا الأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ.
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ مَوْجُودَةً فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ وَلا يُعْلَمُ أَنَّهُ أَخَذَ فِيهَا خُمُساً, وَلَمْ يَرِدْ إلاَّ حَدِيثُ الرِّكَازِ وَهُوَ فِي الأَظْهَرِ فِي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ, وَآيَةُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} وَهِيَ فِي غَنَائِمِ الحَرْبِ.
24/585 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا,أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ: ((إنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ فَعَرِّفْهُ, وَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ)) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ: إنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ فَعَرِّفْهُ, وَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ).
وفِي قَوْلِهِ: ((فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ)) بَيَانُ أَنَّهُ قَدْ صَارَ مِلْكاً لِوَاجِدِهِ, وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ خُمُسِهِ, وَهَذَا الَّذِي وَجَدَهُ فِي قَرْيَةٍ لَمْ يُسَمِّهِ الشَّارِعُ رِكَازاً؛ لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْرِجْهُ مِنْ بَاطِنِ الأَرْضِ, بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي ظَاهِرِ القَرْيَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرِّكَازِ أَمْرَانِ: كَوْنُهُ جَاهِلِيًّا، وَكَوْنُهُ فِي مَوَاتٍ، فَإِنْ وُجِدَ فِي شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ فَلُقَطَةٌ؛ لأَنَّ يَدَ المُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ جُهِلَ مَالِكُهُ فَيَكُونُ لُقَطَةً, وَإِنْ وُجِدَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إنْ لَمْ يَنْفِهِ عَنْ مِلْكِهِ, فَإِنْ نَفَاهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلِمَنْ مَلَكَهُ عَنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى المُحْيِي لِلْأَرْضِ.
وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ: ((إنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ أَوْ طَرِيقٍ مَيْتَاءَ فَعَرِّفْهُ, وَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ)).
25/586 - وَعَنْ بِلالِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ,أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِن المَعَادِنِ القَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
(وَعَنْ بِلالِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ المُزَنِيُّ,وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَكَنَ المَدِينَةَ,وَكَانَ أَحَدَ مَنْ يَحْمِلُ أَلْوِيَةَ مُزَيْنَةَ يَوْمَ الفَتْحِ, رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الحَارِثُ,مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِن المَعَادِنِ القَبَلِيَّةِ) بِفَتْحِ القَافِ وَفَتْحِ المُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ اللاَّمِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الفُرْعِ (الصَّدَقَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
وَفِي المُوَطَّإِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الحَارِثِ المَعَادِنَ القَبَلِيَّةَ, وَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ دُونَ الخُمُسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ:لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحَدِيثِ, وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ إقْطَاعُهُ.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ فِي المَعَادِنِ دُونَ الخُمُسِ فَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ,وَالحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي المَعَادِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الخُمُسُ, وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الأَوَّلِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ,وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى الثَّانِي وَهُوَ وُجُوبُ الخُمُسِ؛ لِقَوْلِهِ:((وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ)). وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ كَمَا سَلَفَ.