دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > كتاب التوحيد لابن خزيمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الآخرة 1434هـ/23-04-2013م, 10:49 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي باب إثبات الأصابع للّه عزّ وجلّ من سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قيلًا له لا حكايةً عن غيره

قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت: 311هـ): (باب إثبات الأصابع للّه عزّ وجلّ من سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قيلًا له لا حكايةً عن غيره، كما زعم بعض أهل الجهل والعناد أنّ خبر ابن مسعودٍ ليس هو من قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما هو من قول اليهود، وأنكر أن يكون ضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تصديقًا لليهوديّ
[التوحيد: 1/187]
حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ، والحسين بن عبد الرّحمن الجرجرائيّ، ومحمّد بن محمّد بن خلّادٍ الباهليّ، ومحمّد بن ميمونٍ، ومحمّد بن منصورٍ المكّيّ قالوا: ثنا الوليد بن مسلمٍ، قال الزّهريّ عن عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، وقال محمّد بن خلّادٍ، ثنا المكّيّ، حدّثني عبد
[التوحيد: 1/188]
الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، قال: حدّثني بسر بن عبيد اللّه الحضرميّ، قال: حدّثني أبو إدريس الخولانيّ قال: حدّثني النّوّاس بن سمعان الكلابيّ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من قلبٍ إلّا هو بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى إن شاء أقامه، وإنّ شاء أزاغه»، وكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، والميزان بيد الرّحمن يخفض ويرفع» هذا حديث الباهليّ، وقال الآخرون: «فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه»، وقال محمّد بن ميمونٍ أو قال: «يضع ويخفض»، بالشّكّ وقال الحسين بن عبد الرّحمن: قال حدّثني عبد الرّحمن بن يزيد الأزديّ، وقال هو والجرجرائيّ أيضًا: «يا مقلّب القلوب»، وقال لنا عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ مرّةً:
[التوحيد: 1/189]
«ما من قلبٍ إلّا وهو بين إصبعين من أصابع ربّ العالمين، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، إلّا وهو بين إصبعين من أصابع ربّ العالمين، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه» قال أبو بكرٍ: بهذا الخبر استدلّ أنّ معنى قوله في خبر أبي موسى: «يرفع القسط ويخفضه»، أراد بالقسط الميزان، كما أعلم في هذا الخبر أنّ الميزان بيد الرّحمن، يرفع ويخفض، فقال اللّه: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] قد أمليت هذا الباب في كتاب القدر
[التوحيد: 1/190]
وروى ابن وهبٍ، قال: حدّثني إبراهيم بن نشيطٍ الوعلانيّ، عن ابن أبي الحسين وهو عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي حسينٍ المكّيّ، عن شهر بن حوشبٍ، قال: سمعت أمّ سلمة، تحدّث أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه: «اللّهمّ، يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك» قالت: فقلت: يا رسول اللّه، وإنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: «نعم، ما من خلقٍ للّه من بني آدم إلّا وقلبه بين إصبعين من أصابع اللّه، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه» فنسأله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً إنّه هو الوهّاب
[التوحيد: 1/191]
حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال: ثنا عمّي، وروى عبد اللّه بن
[التوحيد: 1/191]
شراحبيل بن الحكم، عن عامر بن نائلٍ، عن كثير بن مرّة، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع اللّه، فإذا شاء صرّفه، وإذا شاء بصّره، وإذا شاء نكّسه، ولم يعط اللّه أحدًا من النّاس شيئًا هو خيرٌ من أن يسلك في قلبه اليقين، وعند اللّه مفاتيح القلوب، فإذا أراد اللّه بعبده خيرًا: فتح له قفل قلبه واليقين والصّدق، وجعل قلبه وعاءً، وعيًا لما سلك فيه، وجعل قلبه سليمًا، ولسانه صادقًا، وخليقته مستقيمةً، وجعل أذنه سميعةً، وعينه بصيرةً، ولم يؤت أحدٌ من النّاس شيئًا - يعني هو شرٌّ - من أن يسلك اللّه في قلبه الرّيبة، وجعل نفسه شرّةً شرهةً، مشرفةً متطلّعةً، لا ينفعه المال، وإن أكثر له، وغلّق اللّه القفل على قلبه، فجعله ضيفًا حرجًا، كأنّما يصعد في السّماء "
[التوحيد: 1/192]
حدّثناه: محمّد بن يحيى، قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الزّبيديّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن رجاءٍ قال أبو بكرٍ: أنا أبرأ من عهدة شرحبيل بن الحكم وعامر بن نائلٍ، وقد أغنانا اللّه فله الحمد كثيرًا عن الاحتجاج في هذا الباب بأمثالها، فتدبّروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب، في ذكر اليدين: كنحو قولنا في ذكر الوجه، والعينين تستيقنوا بهداية اللّه إيّاكم، وشرحه جلّ وعلا صدوركم للإيمان بما قصّه اللّه جلّ وعلا، في محكم تنزيله، وبيّنه على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم من صفات خالقنا عزّ وجلّ، وتعلموا بتوفيق اللّه إيّاكم أنّ الحقّ والصّواب والعدل في هذا الجنس مذهبنا مذهب أهل الآثار، ومتّبعي السّنن، وتقفوا على جهل من يسمّيهم مشبّهةً، إذ الجهميّة المعطّلة جاهلون بالتّشبيه نحن نقول: للّه جلّ وعلا يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ونقول: كلتا يدي ربّنا عزّ وجلّ يمينٌ، على
[التوحيد: 1/193]
ما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ يقبض الأرض جميعًا بإحدى يديه، ويطوي السّماء بيده الأخرى، وكلتا يديه يمينٌ، لا شمال فيهما، ونقول: من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان، مستوي التّركيب، لا نقص في يديه، أقوى بني آدم، وأشدّهم بطشًا له يدان عاجزٌ عن أن يقبض على قدرٍ أقلّ من شعرةٍ واحدةٍ، من جزءٍ من أجزاءٍ كثيرةٍ، على أرضٍ واحدةٍ من سبع أرضين؟ ولو أنّ جميع من خلقهم اللّه من بني آدم إلى وقتنا هذا، وقضى خلقهم إلى قيام السّاعة لو اجتمعوا على معونة بعضهم بعضًا، وحاولوا على قبض أرضٍ واحدةٍ من الأرضين السّبع بأيديهم كانوا عاجزين عن ذلك غير مستطيعين له، وكذلك لو اجتمعوا جميعًا على طيّ جزءٍ من أجزاء سماءٍ واحدةٍ لم يقدروا على ذلك، ولم يستطيعوا، وكانوا عاجزين عنه، فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من وصف يد خالقه بما بيّنّا من القوّة والأيدي، ووصف يد المخلوقين بالضّعف والعجز مشبّهًا يد الخالق بيد المخلوقين؟ أو كيف يكون مشبّهًا من يثبت أصابع على ما بيّنه النّبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم للخالق البارئ؟ ونقول: إنّ اللّه جلّ وعلا يمسك السّموات على إصبعٍ، والأرضين على إصبعٍ، تمام الحديث ونقول: إنّ جميع بني آدم منذ خلق اللّه آدم إلى أن ينفخ في الصّور لو اجتمعوا على إمساك جزءٍ من أجزاءٍ كثيرةٍ من سماءٍ من سماواته، أو أرضٍ من أراضيه السّبع بجميع أبدانهم كانوا غير قادرين على ذلك، ولا مستطيعين له، بل عاجزين
[التوحيد: 1/194]
عنه، فكيف يكون من يثبت للّه عزّ وجلّ يدين على ما ثبته اللّه لنفسه، وأثبته له صلّى الله عليه وسلّم مشبّهًا يدي ربّه بيدي بني آدم؟ نقول: للّه يدان مبسوطتان، ينفق كيف يشاء بهما خلق اللّه آدم عليه السّلام، وبيده كتب التّوراة لموسى عليه السّلام، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثةٌ غير قديمةٍ، فانيةٌ غير باقيةٍ، باليةٌ تصير ميتةً، ثمّ رميمًا، ثمّ ينشئه اللّه خلقًا آخر {تبارك اللّه أحسن الخالقين}، فأيّ تشبيهٍ يلزم أصحابنا: - أيّها العقلاء - إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه، وأثبته له نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وقول هؤلاء المعطّلة يوجب أنّ كلّ من يقرأ كتاب اللّه، ويؤمن به إقرارًا باللّسان وتصديقًا بالقلب فهو مشبّهٌ، لأنّ اللّه ما وصف نفسه في محكم تنزيله بزعم هذه الفرقة ومن وصف يد خالقه فهو: يشبّه الخالق بالمخلوق، فيجب على قود مقالتهم: أن يكفر بكلّ ما وصف اللّه به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عليهم لعائن اللّه؛ إذ هم كفّارٌ منكرون لجميع ما وصف اللّه به نفسه
[التوحيد: 1/195]
في كتابه، وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم غير مقرّين بشيءٍ منه، ولا مصدّقين بشيءٍ منه نقول: لو شبّه بعض النّاس: يد قوّيّ السّاعدين شديد البطش، عالمٍ بكثيرٍ من الصّناعات، جيّد الخطّ، سريع الكتابة، بيد ضعيف البطش، من الآدميّين، خلوٍ من الصّناعات والمكاسب، أخرق، لا يحسن أن يخطّ بيده كلمةً واحدةً، أو شبّه يد من ذكرنا أوّلًا بالقوّة والبطش الشّديد، بيد صبيٍّ في المهد، أو كبيرٍ هرمٍ، يرعش، لا يقدر على قبضٍ، ولا بسطٍ، ولا بطشٍ أو نقول له: يدك شبيهةٌ بيد قردٍ، أو خنزيرٍ، أو دبٍّ، أو كلبٍ، أو غيرها من السّباع، أمّا ما يقوله سامع هذه المقالة - إن كان من ذوي الحجا والنّهى -: أخطأت يا جاهل التّمثيل، ونكّست التّشبيه، ونطقت بالمحال من المقال، ليس كلّ ما وقع عليه اسم اليد جاز أن يشبّه ويمثّل إحدى اليدين بالأخرى، وكلّ عالمٍ بلغة العرب، فالعلم عنده محيطٌ: أنّ الاسم الواحد قد يقع على الشّيئين مختلفي الصّفة، متبايني المعاني، وإذا لم يجز إطلاق اسم التّشبيه، إذا قال المرء لابن آدم، وللقرد يدان، وأيديهما مخلوقتان، فكيف يجوز أن يسمّى مشبّهًا من يقول للّه يدان، على ما أعلم في كتابه وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ونقول: لبني آدم يدان، ونقول: ويدا اللّه بهما خلق آدم، وبيده كتب التّوراة لموسى عليه السّلام، ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء،
[التوحيد: 1/196]
وأيدي بني آدم مخلوقةٌ على ما بيّنت وشرحت قبل: في باب الوجه والعينين، وفي هذا الباب وزعمت الجهميّة المعطّلة: أنّ معنى قوله: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] أي نعمتاه، وهذا تبديلٌ، لا تأويلٌ، والدّليل على نقص دعواهم هذه أنّ نعم اللّه كثيرةٌ، لا يحصيها إلّا الخالق البارئ، وللّه يدان لا أكثر منهما، كما قال لإبليس عليه لعنة اللّه: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75]، فأعلمنا جلّ وعلا أنّه خلق آدم بيديه، فمن زعم أنّه خلق آدم بنعمته كان مبدّلًا لكلام اللّه، وقال اللّه عزّ وجلّ: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّموات مطويّاتٌ بيمينه}، أفلا يعقل أهل الإيمان أنّ الأرض جميعًا لا تكون قبضة إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أنّ السّموات مطويّاتٌ بالنّعمة الأخرى ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين أنّ هذه الدّعوى الّتي يدّعيها الجهميّة جهلٌ، أو تجاهلٌ شرٌّ من الجهل، بل الأرض جميعًا قبضة ربّنا جلّ وعلا، فإحدى يديه يوم القيامة، والسّموات مطويّاتٌ بيمينه وهي: اليد الأخرى، وكلتا يدي ربّنا يمينٌ،
[التوحيد: 1/197]
لا شمال فيهما جلّ ربّنا وعزّ أن يكون له يسارٌ؛ إذ كون إحدى اليدين يسارًا إنّما يكون من علامات المخلوقين، جلّ ربّنا وعزّ عن شبه خلقه، وافهم ما أقول من جهة اللّغة تفهم وتستيقن أنّ الجهميّة مبدّلةٌ لكتاب اللّه، لا متأوّلةٌ قوله، بل يداه مبسوطتان، لو كان معنى اليد النّعمة كما ادّعت الجهميّة لقرئت: بل يداه مبسوطةٌ، أو منبسطةٌ، لأنّ نعم اللّه أكثر من أن تحصى، ومحالٌ أن تكون نعمةٌ نعمتين لا أكثر فلمّا قال اللّه عزّ وجلّ: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64]، كان العلم محيطًا أنّه ثبّت لنفسه يدين لا أكثر منهما، وأعلم أنّهما مبسوطتان ينفق كيف يشاء والآية دالّةٌ أيضًا على أنّ ذكر اليد في هذه الآية ليس معناه النّعمة، حكى اللّه جلّ وعلا قول اليهود، فقال: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} [المائدة: 64]، فقال اللّه عزّ وجلّ ردًّا عليهم: {غلّت أيديهم} [المائدة: 64]، وقال: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64]، وبيقينٍ يعلم كلّ مؤمنٍ: أنّ اللّه لم يرد بقوله: {غلّت أيديهم} [المائدة: 64] أي غلّت نعمهم، لا، ولا اليهود أنّ نعم اللّه مغلولةٌ، وإنّما ردّ اللّه عليهم مقالتهم، وكذّبهم في قولهم {يد اللّه مغلولةٌ} [المائدة: 64] وأعلم المؤمنين أنّ يديه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، وقد قدّمنا ذكر إنفاق اللّه عزّ وجلّ بيديه في خبر همّام بن منبّهٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يمين اللّه ملأى سحّاء لا يغيضها نفقةٌ» فأعلم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ اللّه ينفق بيمينه، وهما يداه الّتي أعلم اللّه أنّه ينفق بهما كيف يشاء
[التوحيد: 1/198]
وزعم بعض الجهميّة: أنّ معنى قوله: «خلق اللّه آدم بيديه» أي بقوّته، فزعم أنّ اليد هي القوّة، وهذا من التّبديل أيضًا، وهو جهلٌ بلغة العرب، والقوّة إنّما تسمّى الأيد بلغة العرب، لا اليد، فمن لا يفرّق بين اليد والأيد فهو إلى التّعليم والتّسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى التّرؤس والمناظرة قد أعلمنا اللّه عزّ وجلّ أنّه خلق السّماء بأيدٍ، واليد واليدان غير الأيد، إذ لو كان اللّه خلق آدم بأيدٍ كخلقه السّماء، دون أن يكون اللّه خصّ خلق آدم بيديه لما قال لإبليس: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ} [ص: 75] ولا شكّ ولا ريب: أنّ اللّه عزّ وجلّ قد خلق إبليس عليه لعنة اللّه أيضًا بقوّته، أي إذا كان قويًّا على خلقه، فما معنى قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75]، عند هؤلاء المعطّلة، والبعوض والنّمل وكلّ مخلوقٍ فاللّه خلقهم عنده بأيدٍ وقوّةٍ، وزعم من كان يضاهي بعض مذهبه مذهب الجهميّة في بعض عمره لمّا لم يقبله أهل الآثار، فترك أصل مذهبه عصبيّةً: زعم أنّ خبر ابن مسعودٍ الّذي ذكرناه، إنّما ذكر اليهوديّ أنّ اللّه يمسك السّماوات على أصبعٍ الحديث بتمامه، وأنكر أن يكون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضحك تعجّبًا وتصديقًا له، فقال: إنّما هذا من قول ابن مسعودٍ، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّما ضحك تعجّبًا لا تصديقًا لليهوديّ، وقد كثر تعجّبي من إنكاره، ودفعه هذا الخبر، وكان يثبت الأخبار في ذكر الأصبعين قد احتجّ في غير كتابٍ من كتبه بأخبار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
[التوحيد: 1/199]
«ما من قلبٍ إلّا وهو بين إصبعين من أصابع ربّ العالمين»، فإذا كان هذا عنده ثابتًا يحتجّ به، فقد أقرّ وشهد أنّ للّه أصابع، لأنّ مفهومًا في اللّغة: إذا قيل إصبعين من الأصابع: أنّ الأصابع أكثر من إصبعين، فكيف ينفي الأصابع مرّةً، ويثبتها أخرى؟ فهذا تخليطٌ في المذهب، واللّه المستعان وقد حكيت مرارًا عن بعضٍ من كان يطيل مجالسته أنّه قد انتقل في التّوحيد منذ قدم نيسابور ثلاث مرّاتٍ، وقد وصفت أقاويله الّتي انتقل من قولٍ إلى قولٍ، وقد رأيت في بعض كتبه يحتجّ بخبر ليث بن أبي سليمٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويخبر خالد بن اللّجلاج، عن عبد الرّحمن بن عائشٍ، عن
[التوحيد: 1/200]
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت ربّي في أحسن صورةٍ»، فيحتجّ مرّةً بمثل هذه الأسانيد الضّعاف الواهية، الّتي لا تثبت عند أحدٍ له معرفةٌ بصناعة الحديث، ثمّ عمد إلى أخبارٍ ثابتةٍ صحيحةٍ من جهة النّقل، ممّا هو أقلّ شناعةً عند الجهميّة المعطّلة من قوله: «رأيت ربّي في أحسن صورةٍ»، فيقول: هذا كفرٌ بإسنادٍ، ويشنّع على علماء الحديث بروايتهم تلك الأخبار الثّابتة الصّحيحة، والقول بها قلّة رغبةٍ، وجهلٌ بالعلم وعنادٌ واللّه المستعان، وإن كان قد رجع عن قوله: فاللّه يرحمنا وإيّاه
[التوحيد: 1/201]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, إثبات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir