الْمُعْرَبُ والْمَبْنِيُّ مِن الأفعالِ
19- وفعلُ أمرٍ ومُضِيٍّ بُنِيَا = وأَعْرَبُوا مُضارِعاً إنْ عَرِيَا
20- مِن نونِ توكيدٍ مُباشِرٍ ومِن = نونِ إناثٍ كَيَرُعْنَ مَن فُتِنْ
لَمَّا ذَكَرَ الْمُعْرَبَ والْمَبْنِيَّ مِن الأسماءِ شَرَعَ في بيانِ الْمَبْنِيِّ والْمُعْرَبِ مِن الأفعالِ، والأفعالُ ثلاثةٌ:
1- الفِعْلُ الماضي: ويُبْنَى على الفَتْحِ ظَاهِراً، كقولِه تعالى: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}، أو مُقَدَّراً، نحوُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}.
ويُبْنَى على الضمِّ إذا اتَّصَلَتْ به واوُ الجماعةِ، كقولِه تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ}، ويُبْنَى على السكونِ إذا اتَّصَلَ به ضميرُ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ، وهو تاءُ الفاعلِ، أو نا الفاعلينَ، أو نونُ النِّسْوَةِ، قالَ تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ}، وقالَ تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}، وقالَ تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}.
2- فِعْلُ الأَمْرِ: ويُبْنَى على ما يُجْزَمُ به مُضَارِعُه، فالسكونُ إذا كانَ صحيحَ الآخِرِ، نحوُ: امْحَضْ أخاكَ النَّصِيحَةَ، قالَ تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}، أوِ اتَّصَلَتْ به نونُ الإناثِ نحوُ: اتْرُكْنَ الإسرافَ، قالَ تعالى: {وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ} ويُبْنَى على حَذْفِ النونِ إذا اتَّصَلَتْ بآخِرِه ألِفُ الاثنينِ، كقولِه تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}، أو واوُ الجماعةِ؛ كقولِه تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى}، أو ياءُ المخاطَبَةِ، كقولِه تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، ويُبْنَى على حذْفِ حرْفِ العِلَّةِ إذا كانَ مُعتلَّ الآخِرِ، نحوُ: أَفْشِ السلامَ، ومنه قولُه تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، وقولُه تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وقولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}.
3- المضارِعُ، وله حالتانِ:
الأُولَى: البِناءُ، وذلك بأَحَدِ شَرطينِ:
1- أنْ تَتَّصِلَ به نونُ الإناثِ، فيُبْنَى على السكونِ، نحوُ: الْمُتَحَجِّبَاتُ يَحْفَظْنَ أنْفُسَهُنَّ، قالَ تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ}.
فـ(يَتَرَبَّصْ) فعْلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ؛ لاتِّصالِه بنونِ الإناثِ، ونونُ الإناثِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ مَبنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعِ فاعِلٍ.
2- أنْ تَتَّصِلَ به نونُ التوكيدِ المباشِرَةُ، وهي التي لم يَفْصِلْ بينَها وبينَ الفِعْلِ فاصِلٌ، فيُبْنَى على الفتْحِ، وعلامَةُ ذلك أنْ يكونَ المضارِعُ قبلَ دخولِ نونِ التوكيدِ مَرفوعاً بالضمَّةِ، وهذا في الفعْلِ المسنَدِ للواحِدِ، وما في حُكْمِه، نحوُ: لا تَكُونَنَّ على الإساءةِ أقْوَى مِنكَ على الإحسانِ، قالَ تعالى: {كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، فـ(يُنْبَذَنَّ) فعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ المباشِرَةِ، ونونُ التوكيدِ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ.
الحالةُ الثانيةُ: الإعرابُ، وذلك بأحَدِ شَرطينِ:
الأوَّلُ: ألاَّ تَتَّصِلَ به إحدى النونينِ، نحوُ: إنما يَجْلِسُ الرجُلُ إلى مَن يَنفَعُه في دِينِه, قالَ تعالى: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}.
الثاني: إذا اتَّصَلَتْ به نونُ التوكيدِ غيرُ الْمُبَاشِرَةِ، وهي التي فَصَلَها عن الفعْلِ فاصِلٌ، وعَلامَةُ ذلك أنْ يكونَ المضارِعُ قبلَ دُخولِ نونِ التوكيدِ مَرفوعاً بالنونِ، وهذا في الفعْلِ الْمُسْنَدِ إلى ألِفِ الاثنيْنِ؛ كقولِه تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، أو واوِ الجماعةِ؛ كقولِه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أو ياءِ المُخاطَبَةِ؛ كقولِه تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}.
وإلى حُكْمِ الفعْلِ الإعرابيِّ أَشَارَ بقولِه: (وفعلُ أمرٍ ومُضِيٍّ بُنِيَا..)؛ أيْ: بُنِيَ الفعْلُ الماضي وفِعْلُ الأمْرِ، (وأَعْرَبُوا مُضارِعاً)؛ أيْ: أنَّ العرَبَ نَطَقَتْ بالمضارِعِ مُعْرَباً، أو أنَّ النَّحْوِيِّينَ حَكَمُوا بذلك، (إنْ عَرِيَا..)؛ أيْ: خلا مِن نونِ التوكيدِ المباشِرَةِ، ومِن نونِ الإناثِ، وهذا أحْسَنُ مِن التعبيرِ بـ(نونِ النِّسْوَةِ)؛ لأنَّ هذه لا يَدْخُلُ فيها إلاَّ العاقِلُ، فالأُولَى أَعَمُّ، (كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ) مِثالٌ لنونِ الإناثِ؛ أيْ: أنَّ النساءَ يُخِفْنَ مَن فُتِنَ بِهِنَّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السلامةَ.