معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   طبقات القراء والمفسرين (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=1037)
-   -   طبقات القراء والمفسرين في المدينة النبوية [ طبقة التابعين] (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=40218)

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 01:48 AM

طبقات القراء والمفسرين في المدينة النبوية [ طبقة التابعين]
 
طبقات القراء والمفسرين في المدينة النبوية
الطبقة الثانية: طبقة التابعين
تمهيد.
1: كثير بن أفلح الأنصاري(ت:63هـ).
2: قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي(ت:86هـ).

3: صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري(ت:90هـ تقريباً).

4: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي (ت:93هـ).

5: سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي(ت:94هـ).

6: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (ت:94هـ).

7: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي (ت:98هـ).

8: خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي الأنصاري (ت:100هـ).

9: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي(ت:101هـ).

10: عطاء بن يسار المدني (ت:103هـ).

11: أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري(ت:104هـ).

12: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الخزرجية الأنصارية (ت: 106هـ).

13: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي(ت:106هـ).

14: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (ت:108هـ).
15: أبو أيّوب سليمان بن يسار المدني (ت:107هـ).
16: أبو حمزة محمد بن كعب بن سليم القرظي(ت:108هـ).
17: أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي (ت: بعد 110هـ).

18: محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام القرشي (ت: 115هـ تقريباً).

19: أبو داوود عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج (ت:117هـ).

20: أبو عبد الله نافع المدني مولى عبد الله بن عمر (ت:117هـ).

21: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم النجاري الأنصاري(ت:120هـ).

22: عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الانصاري(ت:120هـ).

23: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري(ت:124هـ).

24: أبو أيوب محمد بن قيس المدني (ت:126هـ)
.
25: أبو نعيم وهب بن كيسان الزبيري(ت:127هـ).

26: أبو روح يزيد بن رومان المدني (ت:130هـ).
27. أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني(ت:127هـ).

28: أبو بكر محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي القرشي(ت:130هـ).
29: شيبة بن نِصَاح بن سرجس المدني(ت:130هـ).
30: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني (ت:131هـ).

31: ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ المدني مولى آل المنكدر (ت:136هـ).

32: زيد بن أسلم العدوي(ت:136هـ).
33: أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج(ت:140هـ).
34: يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري(ت:143هـ).

35: أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي القرشي(ت:125هـ).
36: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق(ت:126هـ).
37: داود بن الحصين المدني (ت:135هـ).

38: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب(ت:145هـ).
39: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي(ت:146هـ).
40: محمد بن إسحاق بن يسار المدني(ت:151هـ).

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 01:49 AM

تمهيد

...

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 01:49 AM

1: كثير بن أفلح الأنصاري(ت:63هـ)

مولى أبي أيوب الأنصاري، من قُرّاء المدينة، وهو أحد كَتَبة المصاحف العثمانية زمن عثمان بن عفان، وكان أبوه أفلح وسيرين والد محمد من سبي عين التمر.
- قال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح أنه قال: (لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت قال فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر، فجيء بها.
قال: وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه.
قال محمد: فقلت لكثير - وكان فيهم فيمن يكتب -: هل تدرون: لم كانوا يؤخرونه؟
قال: لا
قال محمد: فظننت ظناً، إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الآخرة فيكتبونها على قوله). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف واللفظ له وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.

قُتلَ كثير وأبوه يوم الحرة.
قال محمد بن سيرين: (بينا أنا نائم إذ رأيت كثير بن أفلح وقد كان أصيب يوم الحرة؛ فعلمت أنه مقتول، وأني نائم وأنما هي رؤيا رأيتها، قال: فكرهت أن أدعوه بكنيته، وكان في البيت الهذيل بن حفصة بنت سيرين، وكانت كنيتهما واحدة؛ فخشيت أن يستيقظ الهذيل؛ فناديته باسمه فأجابني.
قلت: أليس قد قتلت؟
قال: بلى.
قلت: ما صنعتم؟
قال: خيرا.
قلت: شهداء أنتم؟
قال: لا، إن المسلمين إذا التقوا فقتلت بينهم قتلى؛ فليسوا بشهداء، ولكنا ندباء). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة وابن عساكر.
روى عن: أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وأبيه أفلح.
وروى عنه: ابن سيرين، وابناه عمر وعمرو.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 01:50 AM

2: قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي(ت:86هـ)

ولد عام الفتح، وروي أنه أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له.
لقي جماعةً من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتفقّه بهم، حتى صار من كبار فقهاء أهل المدينة ومفتيهم، وأكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير المسندة ما يتعلق بأحكام القرآن.
وكان كثير السفر إلى الشام للتجارة والغزو، وكان مقرباً من عبد الملك بن مروان.
- قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: عبد الله بن الحارث كان معلما، وقبيصة بن ذؤيب كان معلما، وعمرو بن الحارث كان معلم ولد صالح بن علي، يعني الهاشمي.
- وقال أبو الزناد: (كان فقهاء أهل المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وعبد الملك بن مروان). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه.
- وقال عامر الشعبي: (قبيصة بن ذؤيب أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال محمد بن راشد: حدثنا حفص بن عمر بن نبيه الخزاعي، عن أبيه (أن قبيصة بن ذؤيب كان معلم كتاب). رواه ابن أبي خيثمة.
أصيبت عينه يوم الحرة، واختلف في سنة وفاته على أقوال متقاربة والأكثر على أنه توفي سنة 86هـ.
روى عن: عثمان بن عفان، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وزيد بن ثابت.
وروى عنه: ابنه إسحاق وابن شهاب الزهري ورجاء بن حيوة وجعفر بن ربيعة وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 01:59 AM

3: صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري(ت:90ه تقريباً )

روى عن أبيه خوات بن جبير، وعن خاله سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهما، وغيرهما، وكان من قراء المدينة المعدودين.
قال ابن الجزري: (روى القراءة عن أبي هريرة، أخذ عنه القراءة عرضًا نافع بن أبي نعيم).
- وقال ابن سعد: (ثقة قليل الحديث).

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:00 AM

4: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي (ت:93هـ)

أحد الفقهاء السبعة، من العلماء الأعلام الذين انتهت إليهم الفتوى بالمدينة، وكان واسع المعرفة بأحوال نزول القرآن وبالسير والمغازي، وأشعار العرب، وكان يتوقى القول في التفسير، فلذلك أكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير ما يتصل بأسباب النزول وأحكام القرآن والسير والمغازي وما يرويه عن غيره وأكثره عن عائشة رضي الله عنها.
قال هشام بن عروة: (ما سمعت أبي عروة بن الزبير يُؤَوّل آية قط) رواه ابن وهب.
ولد سنة ثلاث وعشرين، في أوّل خلافة عثمان بن عفان، وأمّه أسماء بنت أبي بكر، شهد يوم الدار وهو صبي، واستصغر يوم الجمل فرُدَّ، كان بينه وبين أخيه عبد الله أكثر من عشرين سنة.
عُني بالعلم، وحفظ من أمّه وأخيه ولازم خالته عائشة رضي الله عنها مدة طويلة ووعى عنها علماً كثيراً مباركاً حتى كان من كبار أوعية العلم في زمانه.
- وقال الليث بن سعد: قلت ليحيى بن سعيد إن ابن شهاب قال: (وجدت عروة بن الزبير بحراً لا تكدره الدلاء، وأما سعيد بن المسيب فكان ينصب نفسه للناس).
فقال يحيى: (أما أعلمهم بالسنن وأقضية عمر فابن المسيب، وأما أكثرهم حديثا فعروة بن الزبير). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال ابن أبي الزناد: حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت مع أبي المسجد، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل، قال: فقال أبي: أي بني! انظر من هذا؟ فنظرت فإذا هو عروة بن الزبير.
قال: فقلت له: يا أبة، هذا عروة!! وتعجبتُ من ذلك.
قال: فقال: (يا بني لا تعجب؛ فوالله لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنهم يسألونه). رواه أبو زرعة الدمشقي وأبو يوسف الفسوي.
- وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا عمارة بن غزية، عن عثمان بن عروة، عن أبيه أنه كان يقول لبنيه: (يا بني أزهدُ الناس في عالم أهله، هلموا إليَّ فتعلَّموا فإنكم أوشك أن تكونوا كبار قوم، إني كنت صغيرا لا يُنظر إليّ؛ فلما أدركتُ من السنّ ما أدركت جعل الناس يسألونني، فما أشدَّ على امرئ يُسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر.
وذكره أبو الحجاج المزي والذهبي من طريق المبارك بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه بنحوه وزاد: (لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولقد كان يبلغني عن الرجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الحديث فآتيه فأجده قد قال، فأجلس على بابه، فأسأله عنه). وهو في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، ولعله فيما فقد من الأصل.
- وقال الحميدي: أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (ما ماتت عائشة حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين). رواه ابن عساكر.
يريد أنه وعى حديثها وحفظه.
- وقال حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (يا بني سلوني فلقد ترُكتُ حتى كدتُ أن أنسى، وإني لأُسأل عن الحديث فيقيم لي حديث يومي). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال سفيان بن عيينة: قال الزهري: (كان عروة يتألف الناس على علمه) رواه ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وابن عساكر.
- وقال عمرو بن دينار: لما قدم مكة – يعني عروة - قال لنا: «ائتوني فتلقَّوا مني» رواه ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وابن عساكر.

- قال عبد الرزاق بن همام: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة قال: (أحرق أبي يوم الحرة كتب فقه كانت له).
قال: (فكان يقول بعد ذلك: لأن تكون عندي أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي ومالي). رواه ابن سعد وابن عساكر.

- وقال ابن أبي الزناد: قال عروة بن الزبير: (كنا نقول لا يُتخذ كتابٌ مع كتاب الله؛ فمحوت كتبي؛ فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرّت مريرته). رواه ابن عساكر.
- وقال سعيد بن أسد: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون، وكان إذا دخله ردَّد هذه الآية فيه حتى يخرج منه {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} حتى يخرج.
وكان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، ويقوم به الليل؛ فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاوده من الليلة المقبلة). رواه ابن أبي خيثمة والفسوي.
- وقال أبو عمرو الأوزاعي: (خرَجَت في بطن قدمه- يعني عروة- بثرة؛ فتأخر ما به ذلك إلى أن نُشِرَت ساقه.
قال: وقال عروة لما نشرت ساقه: (اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى سوء قط).رواه الفسوي.
- وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة قال: (لما أصيب عروة برجله وبابنه محمد قال: اللهم إنهم كانوا سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، وكن أربعا فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا، فأيمنك لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد أعفيت). رواه الزبير بن بكار في نسب قريش.
- وقال الزبير بن بكار: وحدثني عثمان بن المنذر وغيره: أن هشام بن عروة قال: لما قدم عروة من الشأم في سفره الذي أصيب فيه برجله وبابنه محمد، فبلغ قصره بالعقيق، حملناه لننزله من محمله، فسمعناه يقول: {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}).
تزوج عروة سودة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، وانتقل مع أخيه عبد الله بن الزبير إلى مكة في آخر خلافة معاوية، وبقي معه حتى قُتل، ثم خرج إلى عبد الملك بن مروان فبايعه، وأقام بالمدينة، وابتنى داراً بالعقيق، وكان يكثر الصيام حتى مات وهو صائم.
اختلف في سنة وفاته، فقيل سنة 93هـ، وقيل: 94هـ، وقيل:95هـ، والأول أرجح قال به أبو نعيم وعلي بن المديني وخليفة بن خياط.

روى عروة عن عائشة فأكثر وأطاب، وروى عن أمه أسماء وأخيه عبد الله وزيد بن ثابت وأبي حميد الساعدي، والمسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيرهم.
وروى عنه ابنه هشام، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير، وابن أخيه عمرو بن مصعب بن الزبير، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي المعروف بيتيم عروة، ويزيد بن رومان مولى آل الزبير، وابن شهاب الزهري، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:00 AM

5. سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي(ت:94هـ)

إمام التابعين في المدينة، ممن انتهت إليه الفتوى في زمانه، كان عالماً بالقرآن وبالقضاء وبعبارة الرؤيا، وكان أبوه وجده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد سعيد في أوّل خلافة عمر بن الخطاب نحو سنة 15هـ، وأدرك السماع منه وهو صبي، وأخذ عن جماعة من علماء الصحابة منهم عثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر وعائشة وأمّ سلمة وغيرهم.
وكان من أكثر الناس حديثاً عن أبي هريرة وأثبتهم عنه، وهو زوج بنت أبي هريرة، ومن أعلم التابعين بمسائل عمر؛ جدّ في طلبها حتى حفظها واحتاج الناس إليه فيها، حتى قال الإمام مالك: (إن كان عبد الله بن عمر ليرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن القضاء من أقضية عمر بن الخطاب).رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال مالك بن أنس أيضاً: (كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب؛ فأرسل إليه إنساناً يسأله فدعاه فجاء حتى دخل؛ فقال عمر: « أخطأ الرسولُ، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك» رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يحدث عن يحيى بن سعيد، قال: كان يقال: (سعيد بن المسيب راوية عمر بن الخطاب).رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه.
- وروى سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب أنه قال: (ما بقي أحد أعلم بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر منّي). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وابن أبي خيثمة في تاريخه.
- وقال ابن شهاب الزهري: سمعت سليمان بن يسار، يقول: «كنا نجالس زيد بن ثابت أنا وسعيد بن المسيب وقبيصة بن ذؤيب، ونجالس ابن عباس؛ فأما أبو هريرة فكان سعيد أعلمنا بمسنداته لصهره منه». رواه ابن سعد.
- وقال معن بن عيسى: حدثنا مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: (إن كنتُ لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال ابن إسحاق: سمعت مكحولا يقول: (طفتُ الأرض كلها في طلب العلم فما لقيت أعلم من ابن المسيب). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال علي ابن المديني: (لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، هو عندي أجلّ التابعين).
- وقال ابن وهب: أخبرني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سُئل عن تفسير آية من القرآن، قال: (أنا لا أقول في القرآن شيئًا). رواه ابن جرير.
- وقال ابن وهب: سمعت الليث يحدث، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيَّب: (أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن). رواه ابن جرير.
امتحن في الفتنة بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، وسجن وضرب ضرباً شديداً وطيف به ثمّ فرّج الله عنه ورفع ذكره.
روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن شهاب الزهري، وسالم بن عبد الله، وقتادة، وعبد الرحمن بن حرملة، وداود بن أبي هند، وعمرو بن مرة، وعلي بن زيد بن جدعان، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:00 AM

6: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (ت:94هـ)

أحد الفقهاء السبعة وأئمة المسلمين، وكان من أشراف قريش وصالحيهم، كثير العبادة، وكان عالماً بالسير والمغازي، فقيهاً ورعاً، وأكثر ما يُروى عنه في التفسير ما له تعلّق بنزول القرآن وأحكامه.
- قال البخاري وابن أبي خيثمة: اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن.
- وقال الذهبي: (الأصح أن اسمه كنيته، ويقال: اسمه محمد، وله عدة إخوة هو أجلّهم).
وأمّ أبي بكر هي الشريدة، واسمها فاختة بنت عتبة بن سهيل بن عمرو ، لُقّبت بالشريدة لقول عمر بن الخطاب: (زوّجوا الشريدَ الشريدةَ)
وذلك أنّ الحارث بن هشام وعتبة بن سهيل كانا قد خرجا متصاحبين للجهاد في الشام فقتلا، وأُتي بعبد الرحمن بن الحارث وفاختة بنت عتبة إلى المدينة، ولم يبق من ولد سهيل بن عمرو غيرها؛ فزوَّج عمرُ عبدَ الرحمن فاختةَ، وأقطعهما أرضاً بالمدينة وأوسع لهما، فقيل له: أوسعتهما يا أمير المؤمنين، قال: (لعل الله ينشرُ منهما).
قال مصعب الزبيري: (فنشر الله منهما ولداً كثيراً رجالاً ونساءً). ذكره ابن أبي خيثمة.
وولد أبو بكر في خلافة عمر، واستُصغر يوم الجمل، وردّ من الطريق، وهذا يدلّ على أنه لم يولد كفيفاً، ثمّ ابتلي بذهاب بصره بعد.
- قال موسى بن عقبة: سمعت علقمة بن وقاص يقول: (لما خرج طلحة والزبير وعائشة لطلب دم عثمان بن عفان عرضوا من معهم بذات عِرق فاستصغروا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فردوه). رواه ابن سعد وابن أبي خيثمة وابن عساكر.
- وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: (رُدِدتُ أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن من الطريق يوم الجمل واستُصغرنا). رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن عساكر.

نشأ أبو بكر في المدينة نشأة صالحة واجتهد في العلم والعبادة، وسمع من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبي هريرة وزيد بن ثابت وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عدّه علي بن المديني من العشرة الذين هم أعلم التابعين بعلم زيد بن ثابت، وكان صوّاماً قوّاماً، جواداً كريماً، جليل القدر يُجلّه الخلفاء والعلماء والعامّة.
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري: (كان يقال لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: "راهب قريش"). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عامر الشعبي، عن عمر بن عبد الرحمن، أن أخاه أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (كان يصوم الدهر لا يفطر). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا المسعودي، عن جامع بن شداد، قال: (خرجنا حجاجا فقدمنا مكة، فسألت عن أعلم أهل مكة فقيل: عليك بأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام). رواه ابن سعد.
- وقال ابن أبي الزناد: (إن السبعة الفقهاء الذين كان يذكرهم أبو الزناد: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن سعد: (كان ثقة فقيهاً كثير الحديث عالماً عالياً عاقلاً سخياً).
- وقال مصعب الزبيري: (كان ذا منزلة عند عبد الملك بن مروان، وأوصى به عبد الملك بن مروان حين حضرته الوفاة ابنه الوليد، قال: يا بني إن لي صديقين فاحفظني فيهما: عبد الله بن جعفر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث). رواه ابن أبي خيثمة.

اختلف في سنة وفاته فقيل سنة 93هـ، والأكثر على أنه توفي سنة 94هـ، وكانت تسمى سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم.
قال هارون بن محمد: سمعت بعض أصحابنا قال: (مات سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وأبو بكر بن عبد الرحمن يقال: سنة الفقهاء سنة أربع وتسعين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
روى عن أبيه، وعائشة وأم سلمة، وأبي هريرة، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه أولاده سلمة وعبد الله وعبد الملك، ومولاه سُميّ، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب الزهري، ومجاهد بن جبر، وعكرمة بن خالد المخزومي، وعبد الله بن كعب الحميري مولى عثمان، وعراك بن مالك، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:01 AM

7: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي (ت:98هـ)

أحد الفقهاء السبعة، جدّه عتبة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قديم الإسلام، وهو أخو عبد الله بن مسعود، مات قبله، ووجد عليه وجداً شديداً، وأبوه عبد الله مختلف في صحبته، والأرجح أنه من طبقة صغار الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين أو ستّ، وكان عالماً فقيهاً.
وكان عبيد الله ذكيّا حافظاً فَهِماً، إذا حُدّث بحديث حفظه ووعاه، سمع من ابن عباس، وكان يُحسن التلطفَ له مع حفظه وجودة فهمه، فاستفاد منه علماً كثيراً مباركاً.
وروى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة وغيرهم.
وكان على سعة علمه بأحكام الشريعة من أهل المعرفة بالأدب والسير والمغازي وأيّام العرب، وكان حسن الرأي ثاقب النظر.
- قال يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز أنه قال يوما: (وددت أن لي من عبيد الله يوما بكذا وبكذا، ولو كان عبيد الله حيا لما صدرت إلا عن رأيه). رواه الفسوي، ورواه البخاري بنحوه في التاريخ الكبير من طريق يعقوب عن حمزة بن عبد الله بن مسعود عن عمر.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعت الزهري يقول: (لما جالستُ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة صرت كأني أصحب بحرا). رواه الفسوي.
- وقال مالك: (كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من علماء الناس، وكان إذا دخل في صلاته فقعد إليه إنسان لم يُقبل عليه حتى يفرغ من صلاته نحو ما كان يرى من طولها). رواه الفسوي.
- وقال مالك أيضاً: (كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من علماء الناس كثير العلم، وكان ابن شهاب يخدمه حتى إن كان ليناوله الشيء، وكان ابن شهاب يصحب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حتى إن كان لينزع له الماء). رواه الفسوي.
- وقال عبد الله بن نافع، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، أنه قال: كان من أدركت من فقهائنا بالمدينة الذين يُنتهى إلى قوله منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل، وربما اختلفوا في الشيء فأخذنا قول أكثرهم وأفضلهم رأيا، وكل هؤلاء السبعة قد روى عنهم الزهري). رواه ابن أبي خيثمة.

رُويت عنه أقوال في كتب التفسير، وأكثر مروياته في كتب التفسير عن ابن عباس، وعائشة، وأرسل عن ابن مسعود.
روى عنه الزهري، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، وأبو الزناد.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:01 AM

8: خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي الأنصاري (ت:100هـ)

أحد الفقهاء السبعة، أبوه زيد بن ثابت كاتب الوحي، وأمّه جميلة بنت سعد بن الربيع أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً واستشهد بأحد، وكان من أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد خارجة سنة 30هـ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتفقّه بأبيه وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عُدَّ من كبار أهل الفتوى في زمانه.
- قال عبد العزيز الدراودي: سمعت عبيد الله بن عمر قال: (كان الفقه بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، وسعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وعبد الملك بن مروان بن الحكم، وسليمان بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث). رواه ابن عساكر.
اختلف في سنة وفاته على أقوال أرجحها أنها سنة 100هـ، وله سبعون سنة.
وقد روي أنه رأى في منامه أنه بنى سبعين درجة فلما بلغ آخرها تهوّرت فنظر في عمره فإذا هو قد بلغ سبعين سنة؛ فمات في تلك السنة.
وروي أنّ عمر بن عبد العزيز لما بلغه موته استرجع، وصفق بإحدى يديه عَلَى الأخرى، وَقَال: (ثُلمة والله فِي الإسلام).
روى خارجة عن أبيه وأمّه وعن أسامة بن زيد، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وأمّ العلاء الأنصارية.
وروى عنه: ابنه سليمان، وابن شهاب الزهري، ومحمد الديباج، وأبو الزناد، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وعبد الله بن كعب الحميري، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:02 AM

9: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي(ت:101هـ)

الإمام العادل، والفقيه الفاضل، ومجدد الدين في المائة الأولى، ولد سنة 63هـ، وأمّه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، تولى أبوه ولاية مصر في زمن أخيه عبد الملك بن مروان، وبعثَ ابنَه عمر إلى المدينة ليتأدّب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان رجلاً حازماً؛ فانتفع بحزمه وتأديبه.
وسمع من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ووعى عنه علماً كثيراً، وأخذ من سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
- قال ابن شوذب: دخل عمر بن عبد العزيز اصطبلا لأبيه فشجه فرسٌ لأبيه، فخرج والدماء تسيل على وجهه، فقال أبوه: «لعلك تكون أشجَّ بني أمية»رواه نعيم بن حماد في الفتن.
- وقال المبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: كنت أسمع ابن عمر كثيرا يقول: (ليت شعري مَن هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا). رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في دلائل النبوة.
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جويرية بن أسماء، عن نافع، قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب، قال: «إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي، فيملأ الأرض عدلا.» قال نافع من قِبَلِه: ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- تولى إمارة المدينة سنة 87هـ، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك، فولّى على قضاء المدينة أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.
وجمع عشرة من كبار فقهاء المدينة فجعلهم من خاصته وقال لهم: (إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم؛ فإن رأيتم أحداً يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة؛ فأحرّج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني). والخبر في طبقات ابن سعد من طريق الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه.
وتقريبه للفقهاء وأهل العلم والفضل وصدوره عن رأيهم أمر ظاهر، وهو من أسباب توفيقه وتفقهه في الأحكام والأقضية، وقد اجتمع له بالمدينة أعلم الناس بأقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وغيرهم من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي إمارته للمدينة أمره الوليد بن عبد الملك أن يوسّع المسجد النبوي من جهاته الأربع، وأن يعطي أصحاب الحقوق ثمن الزيادات شاءوا أو أبوا.
وعُزل من إمارة المدينة سنة 93ه واستُقدم إلى الشام فأقام بها وكان من جلساء الخليفة، ثم إن الوليد بدا له أن يعزل سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد، ويعهد لابنه عبد العزيز بن الوليد؛ فأبى عمر وقال: لسليمان بيعة في أعناقنا، فضيّق عليه الوليد، وحبسه في بيتٍ حتى كاد أن يهلك ثم فرّج الله عنه.
وكان عمر عضداً للخليفة سليمان بن عبد الملك، ثم تولى الخلافة بعده سنة 99هـ، وهو ابن ستة وثلاثين، فأقام العدل، وردّ المظالم، فبدأ بأهل بيته ومظالم بني أميّة، ووضع المكوس عن الناس، وولّى على الأمصار الأخيارَ من أهل العلم والرأي والتدبير، ففشا الخير، وصلح أمر الرعية، واستيسر الناس، ودامت خلافته تسعة وعشرين شهراً، ومات وهو ابن تسعة وثلاثين لم يبلغ الأربعين.
- قال ابن وهب: حدثني ابن زيد، عن عمر بن أسيد قال: (والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يجيء بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس).
- وقال وهب بن مأنوس: سمعت سعيد بن جبير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً بصلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز فحزرنا «في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات» رواه أبو داوود والنسائي.
- وقال عثمان بن يزدويه: خرجت إلى المدينة مع عمر بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز عامل عليها قبل أن يُستخلف، قال: فسمعت أنس بن مالك وكان به وضح شديد، قال: وكان عمر يصلي بنا، فقال أنس: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، كان يخفف في تمام» رواه أحمد.
- وقال الضحاك بن عثمان، عن يحيى بن سعيد، أو عن شريك بن أبي نمر لا يدري أيهما حدثه عن أنس بن مالك قال: ("ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى"، يعني عمر بن عبد العزيز).
قال الضحاك: فكنت أصلي وراءه فيطيل الأولتين من الظهر , ويخفف الآخرتين , ويخف العصر , ويقرأ في المغرب بقصار المفصل , ويقرأ في العشاء بوسط المفصل , ويقرأ في الصبح بطوال المفصل). رواه ابن سعد.
- وقال جرير بن حازم: حدثنا المغيرة بن حكيم، قالت لي فاطمة ابنة عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: (يا مغيرة إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قط أشدَّ فَرَقا من ربّه عز وجل من عمر، كان إذا صلى العشاء قعد في مسجده ثم رفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه فلم يزل رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عيناه). رواه ابن سعد والفسوي.
روى عن: أنس بن مالك، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وخولة بنت حكيم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، والربيع بن سبرة الجهني، وإبراهيم بن ميسرة.
وروى عنه: ابنه عبد العزيز، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو عمرو الأوزاعي، وميمون بن مهران، وعبد الله بن موهب، وهشام بن عروة، وأبو الزناد،

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:02 AM

10: عطاء بن يسار المدني (ت:103هـ)

مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وهو أخو سليمان بن يسار، ولد سنة 19هـ، وتفقّه بجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان من الفقهاء المعدودين في المدينة النبوية، وكان عابداً واعظاً فصيحاً صاحب قصص وأخبار، شديد اللزوم لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال ابن وهب: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: كان أبو حازم يقول: ما رأيت رجلا ً كان ألزمَ لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عطاء بن يسار.
- وقال عبيد الله بن عمر القواريري: أخبرنا يوسف بن يزيد عن موسى بن دهقان قال: (رأيت عطاء بن يسار يقصّ في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم غدوة وعشية، ورأيت القاسم وسالماً يجلسان إليه).رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن سعيد: قال هشام بن عروة: (ما رأيت قاصا خيرا من عطاء بن يسار). رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي خيثمة في تاريخه.
- وقال سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: (لم نر شيئا إلى شيء أزين من حلم إلى علم). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: (كان عطاء بن يسار يقص علينا حتى نبكي، ثم يحدّثنا بالمُلَحِ حتى نضحك، ثم يقول: مرة كذا ومرة كذا). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن حبان: (كان يقيم بالمدينة مدة وبالشام مدة وحديثه عند أهل المِصْرَينِ معاً، فكان أهل الشام يكنونه بعبد الله وأهل مصر يَكْنُونه بيسار).
اختلف في سنة وفاته فقيل سنة 94هـ، وقيل: 98هـ، والأرجح ما ذكره ابن حبان أنه توفي بالإسكندرية سنة 103هـ.
- قال يونس بن عبد الأعلى المصري: أخبرنا عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لو قيل لي من أحب الناس أن يُحيا لك ممن أدركت؟
لقلت: عطاء بن يسار.
وقال زيد: (وما رأيتُ أحداً كان أحسن رؤيا منه؛ قال لي: "يا أبا أسامة إني رأيت في المنام كأنه قيل: لي إنا جابذوك ثلاث جَبَذات، وجاعلوك في الغرفة العليا من الجنة).
قال: (فأخذته الخاصرة بالإسكندرية مرة، ثم أخذته أخرى، ثم أخذته الثالثة؛ فمات فيها). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن عساكر في تاريخه.

رويت عنه أقوال في التفسير.
روى عن: ميمونة، وعائشة، وعن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي الدرداء، ورفاعة بن عرابة الجهني، وعمر بن الحكم رضي الله عنهم.
وأرسل عن معاذ بن جبل وأبيّ بن كعب.
وروى عنه: زيد بن أسلم، وموسى بن عقبة، ومحمد بن المنكدر، وسعد بن إبراهيم، وأبو صالح السمان، وصفوان بن سليم، وهلال بن أسامة، وهلال بن علي، وعبد الله بن قسيط، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، ومحمد بن أبي حرملة، وعبد الله بن لهيعة.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:03 AM

11: أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري(ت:104هـ)

غلبت كنيته على اسمه، حتى قيل إن اسمه كنيته، ولد سنة 21هـ من أمّ كَلْبية، قيل إنها أوّل كلبية تزوجها قرشي، ونشأ بالمدينة نشأة صالحة، وعني بطلب العلم والتفقّه في الدين؛ فحفظ عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً كثيراً، وكان وهو صغير يَسأل مسائلَ الكبار ويتحفّظها.
- قال أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألتُ عائشة: ما يوجب الغسل؟
فقالت: «أتدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفَرُّوج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها، إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل» رواه مالك في الموطأ وعبد الرزاق في مصنفه.
ورويت هذه الكلمة عن عائشة في سياق آخر من غير إسناد، وهذا السياق أثبت وأشبه.
ودأب في طلب العلم وحفظ الحديث حتى وعى علماً كثيراً.
- قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري قال: (أدركت بحورا أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله، وأبا سلمة بن عبد الرحمن).
ولي أبو سلمةَ القضاءَ بالمدينة سنة 48هـ ولمّا يبلغ الثلاثين من عمره، وذلك في إمارة سعيد بن العاص إلى أن عُزل سعيد سنة 54هـ.
وكان يسائل ابنَ عباس ويماريه فحُرم بذلك كثيراً من علم ابن عباس.
قال الزهري: (وكان أبو سلمة يماري ابنَ عباس؛ فحُرِمَ بذلك علماً كثيراً). رواه البخاري في التاريخ الكبير والفسوي في المعرفة وابن عساكر في تاريخه.
ثم إنه ندم على ذلك، وقال: «لو رفقتُ بابن عباس لأصبتُ منه علما كثيرا» رواه الدارمي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه.
وكان ثقة كثير الحديث، صبيح الوجه، حريصاً على نشر العلم.
- قال محمد بن إسحاق: (رأيت أبا سلمة بن عبد الرحمن يأخذ بيد الصبي من الكُتَّاب؛ فيذهب به إلى البيت فيملي عليه الحديث ويكتب له). رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخيهما.
- وقال محمد بن أحمد المقدمي: حدثنا أبي قال: سُئل علي بن المديني وأنا حاضر عن أعلى أصحاب أبي هريرة فبدأ بسعيد بن المسيب، ثم قال: وبعد: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين). رواه ابن عساكر.
اختلف في سنة وفاته:
- فقال الهيثم بن عدي وابن سعد ويحيى بن معين: توفي سنة 94 وهي سنة الفقهاء.
- وقال ابن بكير والفلاس وابن حبان: توفي سنة 104هـ
رويت عنه أقوال في التفسير.
روى عن: أبي هريرة فأكثر، وعن عائشة، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وفاطمة بنت قيس، وغيرهم.
وأرسل عن أبيه وعن طلحة بن عبيد الله وأبيّ بن كعب وعبادة بن الصامت.
وروى عنه: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير، وأبو حازم سلمة بن دينار، وابنه عمر وفيه ضعف وابن أخيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وجعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وإسماعيل بن أبي خالد، وداوود بن صالح التمّار، والأسود بن العلاء الثقفي، وعبد الله بن فيروز الداناج، ومحمد بن طحلاء مولى أم سلمة، وعبد الملك بن عمير، والحارث بن عبد الرحمن القرشي خال ابن أبي ذئب، وأبو صخر حميد بن زياد الخراط، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:03 AM

12: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الخزرجية الأنصارية (ت: 106هـ)

جدّها سعد بن زرارة أخو أسعد بن زرارة رأس النقباء ليلة العقبة، وهو الذي نزل عنده مصعب بن عمير أوّل ما قدم المدينة، وتوفي أسعد بعد تسعة أشهر من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان نقيب بني النجار، وهو أوّل من دُفن بالبقيع من الأنصار، وأوصى ببناته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهنّ كبشة وحبيبة والفارعة فنشأن في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
وسعد بن زرارة - جدّ عمرة – ذكره بعضهم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رويت عنه أحاديث قليلة، وأما عبد الرحمن فمختلف في صحبته، وقد وُلدت عمرة في خلافة عثمان بن عفان سنة 29هـ.
- قَال نوح بن حبيب القومسي: (من قال: عمرة بنت عبد الرحمن بن أَسْعَدَ بنِ زرارة؛ فقد أخطأ إنما هم ولد سعد بن زرارة، وهو أخو أسعد، فأما أسعد فلم يكن له عقب، وإنما غلط الناس فيه، لأن المشهور هو أسعد، وإنما الولد لسعد، سمعت ذلك من علي ابن المديني، ومن الذين يعرفون نسب الأنصار). ذكره أبو الحجاج المزي.
نشأت عمرة في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت في حجر عائشة؛ فوعت علماً كثيراً مباركاً حتى كانت من أعلم أهل زمانها، واحتاج الناس إلى علمها.
- وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة أن عمارة بن غزية حدثه أن ابن شهاب حدثه قال: قال القاسم بن محمد: (إن كنتَ تريد حديث عائشة فعليك بعمرة بنت عبد الرحمن فإنها من أعلم الناس بحديث عائشة، كانت في حجرها). رواه الفسوي في المعرفة.
- وذكر الذهبي هذا الخبر في تاريخ الإسلام من طريق أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري قال: قال لي القاسم بن محمد: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟
قلت: بلى.
قال: عليك بعَمْرة فإنها كانت في حجر عائشة.
قال: (فأتيتها فوجدتها بحرا لا ينزف).
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: أخبرنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: (ما بقي أحد أعلم بحديث عائشة منها، يعني: عمرة).
قال: (وكان عمر -يعني: ابن عبد العزيز- يسألها). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن دينار قال: «كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خشيت دروس العلم وذهاب أهله». رواه ابن سعد.
- وقال المقدمي في تاريخه: قال لي أبي: سمعت علي بن المديني وذكر عمرة بنت عبد الرحمن ففخّمَ من أمرها وقال: (عمرة أحدُ الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها).
- وقال أحمد بن حنبل: سمعت سفيان بن عيينة يقول: (كانوا يسألونها عن البيوع -يعني عمرة-).
اختلف في سنة وفاتها، فقيل سنة 98هـ، وقيل: سنة 106هـ ولها 77 سنة، والأظهر أنها كانت حية في خلافة عمر بن عبد العزيز.
روت عمرة عن عائشة فأكثرت وأطابت، وروت عن أمّ سلمة، ورافع بن خديج، وأم هشام بنت حارثة بن النعمان وقيل: إنها أختها لأمها وهو وهم، أم هشام صحابية مذكورة في المبايعات، ولها أخت اسمها عمرة، فاشتبه ذلك على بعض الرواة.
وروى عن عمرة: ابنُها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان النجاري الأنصاري، وإنما سمي بأبي الرجال لأنه كان له عشرة أبناء، وكان أبو الرجال ثقة كثير الحديث، وابنه حارثة، وابن أختها أبو بكر بن محمد ابن حزم، وابنه عبد الله، وابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان بن يسار، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:04 AM

13: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي(ت:106هـ)

الفقيه الزاهد الوَرِع، أحد الفقهاء السبعة الذين انتهت إليهم الفتوى في زمانهم، وكان ثقة جليل القدر، حسن الرأي، يستشيره أمراء المدينة في زمانه ويستفتونه.
وكان على ذلك حسن
السَّحْنة، قويّ الجسم، كريم الخلق، محبوباً، يتَّجر في الأسواق، ويأكل من كسب يده.
سماه أبوه سالماً على اسم سالم مولى أبي حذيفة، وروي أنه أباه كان شديد المحبة له حتى ليم في ذلك.
- قال علي بن زيد ابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: قال لي عبد الله بن عمر: أتدري لم سميت ابني سالما؟
قال: قلت: لا.
قال: (باسم سالم مولى أبي حذيفة). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن حرب المكي: سمعت خالد بن أبي بكر يقول: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يُلام في حبّ سالم، وكان يقول:
يلومونني في سالم وألومهم ... وَجِلْدَة بين العين والأنف سالم). رواه ابن سعد، والبيت لزهير تمثّل به.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: (كان أشبه ولد عمر بن الخطاب به: عبد الله، وأشبه ولد عبد الله به: سالم). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر.
- وقال أشهب عن مالك بن أنس قال: (لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد في العيش منه، كان يلبس الثوب بدرهمين ويشتري الشمال فيحملها). رواه أبو داوود في الزهد، والفسوي في المعرفة والتاريخ.
الشِّمَال جمع شَملة، وهي كساء من صوف أو شَعر يُشتمل به.
- وقال سلمة بن الفضل الأبرش: حدثني محمد بن إسحاق، قال: (رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكان عِلْج الخلقِ، يعالج بيديه ويعمل). رواه ابن عساكر.
- وقال جعفر بن سليمان: حدثنا أبو يحيى عمرو بن دينار، قال: (كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد الصلاة؛ فنظر إلى السوق وقد خمروا متاعهم، وقاموا إلى الصلاة؛ فتلا سالم: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} قال: هم هؤلاء). رواه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" وابن جرير في تفسيره، وابن أبي حاتم في تفسيره.
- وقال عبد الله بن المبارك: (كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة: سعيد المسيب، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد).
قال: (وكانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعاً فنظروا فيها، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون). رواه ابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر بن حفص قال: (كان سالم لا يفسّر). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن زيد أيضاً: حدثنا عُبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلّظون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيَّب، ونافع). رواه ابن جرير في تفسيره.
- وقال موسى بن مسعود: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: (رأيت سالماً لا يشهد قاصّ جماعة ولا غيره). رواه ابن سعد.
- وقال مالك بن أنس: قال سليمان بن عبد الملك لسالم بن عبد الله ورآه حسن السحنة: أي شيء تأكل؟
فقال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته.
فقال له: أوَتشتهيه؟
فقال: (إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه).رواه أبو داوود في كتاب الزهد.
- وقال الحميدي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: دخل هشام بن عبد الملك الكعبةَ فإذا هو بسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له: يا سالم سلني حاجة.
فقال: إنني أستحيي من الله تبارك وتعالى أن أسأل في بيت الله غيرَ الله.
فلما خرجَ خرجَ في إثره فقال له: الآن قد خرجت؛ فسلني حاجة.
فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟
فقال: من حوائج الدنيا.
قال له سالم: (أما والله ما سألت الدنيا من يملكها؛ فكيف أسأل من لا يملكها). رواه ابن عساكر.
- وقال عيسى بن سالم: أخبرنا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال: دخلت على ابن عمر فقوَّمتُ كلَّ شيءٍ في بيته؛ فما وجدته يسوى مائة درهم، قال: ثم دخلت مرة أخرى فما وجدت ما سوى ثمن طيلسان.
قال: (ودخلت على سالم من بعده فوجدته على مثل حاله). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، قال: «رأيت سالم بن عبد الله عليه إزار ثمن أربعة، وقميص ثمن خمسة، وهو موسر» رواه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال".
- وقال هشيم بن بشير: أنبأنا الفضل بن عطية قال: «جلست إلى سالم بن عبد الله فقومت ثيابه ونعليه ثلاثة عشر درهما أو خمسة عشر درهما» رواه أحمد في الزهد.
وكان سالم كثير الحجّ، روى عنه أنه قال: (لو لم أجد للحج إلا حماراً أبتر لحججت عليه).
- وقال أسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: (رأيت في المنام كأن ثمانية أبواب الجنة فتحت إلا بابا واحدا؛ فقلت: ما شأن هذا الباب؟
فقيل: هذا باب الجهاد ولم تجاهد؛ فأصبحت وأنا أشتري الظَّهْر). رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة.
الظَّهْر الدابة التي يُركَب على ظهرها للغزو أو غيره.
- وقال إبراهيم بن أبي عليّة: رأيت سالم بن عبد الله ومحمد بن عبد العزيز يتسايران بأرض الروم؛ فأبالَ أحدُهما دابَّته فأمسك عليه الآخر حتى لحقه). رواه ابن حبّان في روضة العقلاء.
فلعلّ غزوَه كان بعد تلك الرؤيا.
توفي سالم بالمدينة، وصلى عليه هشام بن عبد الملك، وكان قد حجّ تلك السنة ثم قدم المدينة، فوافق موت سالم بن عبد الله.
وشيّع جنازته خلق كثير حتى تعجّب هشام من كثرتهم، وما كان يظنّ أنّ بالمدينة كلّ هذا العدد؛ ففرض على أهل المدينة بعث أربعة آلاف رجل في الغزو.
- وقال حماد بن سلمة: حدثنا حميد الطويل، قال: (صلينا على سالم بن عبد الله عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عبد الله بن شوذب: حجَّ هشام بن عبد الملك سنة ست ومائة فمرَّ بالمدينة؛ فعاد سالم بن عبد الله بن عمر، وكان مريضا، ثم انصرف؛ فوجده حين مات فصلَّى عليه، ومات سنة ست ومائة). رواه ابن عساكر.
وكان القاسم بن محمد بن أبي بكر صديقاً لسالم؛ فلما مات سالم حزن عليه القاسم حزناً شديداً.
- وقال الهيثم بن عدي، عن عبد الرحمن بن محمد، عن عبد الرحمن بن القاسم قال: كان أبي لا يدخل منزله إلا تأوَّه؛ فقلت: يا أبة إنك لتصنع شيئا ما كنت تصنعه، ولا كنتُ أسمعه منك، وما أخرج ذلك منك إلا جوى.
قال: (أي بُني ما انتفعتُ بنفسي مذْ مات سالم). رواه ابن عساكر.

روى سالم عن أبيه فأكثر، وعن عمّته حفصة بنت عمر، وعن أبي هريرة، ورافع بن خديج، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم.
ذكره أبو عبيد في قرّاء التابعين بالمدينة، وله مرويّات في التفسير عن أبيه وعن غيره.
ورويت عنه بعض مسائل أصحابه في أحكام القرآن ونزوله، والمرويّ عنه في التفسير سوى ذلك قليل جداً.
وروى عنه: ابن أخيه القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وابن شهاب الزهري، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبو قلابة الجرمي، ومقاتل بن حيان، وعبد العزيز بن أبي رواد، وعمرو بن دينار، وموسى بن عقبة، وأيوب السختياني، وحنظلة بن أبي سفيان، والحسين بن عثمان المزني، وطارق بن عبد الرحمن، والضحاك بن عثمان، وسالم بن رزين الأحمري، وعبد الله بن يزيد الأزدي، والوازع بن نافع، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:04 AM

14: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (ت:108هـ)

أحد الفقهاء السبعة، بل كان مقدَّماً فيهم، ولد في آخر خلافة عثمان أو أوّل خلافة علي رضي الله عنهما، ونشأ في حجر عمّته عائشة رضي الله عنها، فأخذ من علمها وأدبها، ونشأ نشأة صالحة مباركة، وكان صاحب وَرَع وزهد، وافر العقل حادّ الذهن، كثير الصمت، لا يتكلّف ولا يُماري، وكان على سعة علمه يتوقّى الكلام في التفسير، ويتثبت في الفتوى، وقد رويت عنه مسائل في كتب التفسير أكثرها مما له صلة بأحكام القرآن، وما حفظه أصحابه مما استفتي فيه، وما رواه عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة في التفسير.
- قال حماد بن زيد، حدثنا عُبيد الله بن عمر، قال: (لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيَّب، ونافع). رواه ابن جرير.
- وقال حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر قال: (كان القاسم لا يفسر يعني: القرآن). رواه ابن سعد.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن موسى بن مناح، قال: (كان القاسم رجلا صموتا فلما ولي عمر بن عبد العزيز، قال: اليوم تنطق العذراء في خدرها). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد قال: (لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعلم ما افترض الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم). رواه ابن سعد.
- وقال الليث بن سعد عن يحي بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: (يا أهل العراق إنا والله لا نعلم كثيرا مما تسألونا عنه، ولئن يعيش الرجل جاهلا إلا أنه يعلم ما فرض الله عز وجل عليه خير له من أن يقول على الله عز وجل ورسوله ما لا يعلم). رواه الفسوي.
- وقال عبد الله بن شوذب، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: (ما أدركنا أحدا بالمدينة نفضله على القاسم بن محمد). رواه الفسوي وابن أبي خيثمة.
- وقال عبد الله بن المبارك: سمعت سفيان يقول: (لم يكن أحد أعلم بحديث عائشة من عروة وعمرة). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا ابن عون قال: (كان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون بالحديث على حروفه، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر، ورواه ابن سعد مختصراً.
- وقال عبد الرحمن بن أبي الموالي: رأيت القاسم بن محمد يأتي المسجد أول النهار؛ فيصلي ركعتين، ثم يجلس بين الناس؛ فيسألونه). رواه ابن سعد وابن أبي خيثمة.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني أفلح بن حميد الأنصاري، عن القاسم، قال: (لقد نفع الله الناس باختلاف أصحاب النبي عليه السلام، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد قال: (كان اختلاف أصحاب رسول الله رحمة للناس). رواه ابن سعد.

- وقال حماد بن زيد عن ابن عون قال: كنا عند القاسم بن محمد جلوساً؛ فقيل له كان بين قتادة وبين أبي بكر كلام في الولدان، قال: فتكلم ربيعةُ وكان رجلاً له منطق؛ فلما فرغ ربيعة، قال القاسم: (إذا انتهى الله إلى شئ فانتهوا عنده). رواه ابن عساكر.

رويت عنه وصايا نافعة وأخبار تدلّ على فقهه وزهده وورعه:
- قال خالد بن خداش: حدثنا مالك بن أنس، قال: كان القاسم بن محمد رجلا عاقلا، وكان ابنه يحدث عنه: (إن الذنوب لاحقة بأهلها). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عمير بن مرداس: حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: (إن من أعظم الذنب أن يستخف المرء بذنبه). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن عبد الله البكري: حدثنا أبي قال: قال القاسم بن محمد: (قد جعل الله في الصديقِ البارّ عوضاً من الرَّحِمِ المُدْبِرَة). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن وهب: (حدثني مالك أن محمد بن سيرين قد ثَقل وتخلَّف عن الحج، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ولَبوسه وناحيته؛ فيبلّغوه ذلك؛ فيقتدي بالقاسم). رواه الفسوي وابن عساكر.
- وقال ابن وهب: حين التقى القاسم وعمر، وكان عمر يومئذ على المدينة؛ فقال عمر للقاسم: (إن معنا فُضولا من طعام ومتاع فخذ ذلك).
فقال القاسم: (إني لا أرزأ أحداً شيئا).
فقلت لمالك: أكان عمر يومئذ أميرا؟
قال: نعم). رواه الفسوي.
وقد روى ابن عساكر خبر لقيّهما وأنّ عمر بن عبد العزيز كان قافلاً من العمرة أو الحج، والقاسم كان خارجاً يريد العمرة؛ فعرض عليه عمر فضولاً من الظهر والطعام يستعين بها في سفره فاعتذر له من قبولها.

وكان عمر بن عبد العزيز يراه أهلاً للخلافة، لولا أنّه قد أُخِذ عليه العهد ليزيد بن عبد الملك.
- قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو كان إليَّ أن أعهد ما عدوتُ أحد رجلين: صاحب الأعوص، يعني إسماعيل بن أمية، وكان خيارا، أو أعيمش بني تيم، يعني القاسم). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن وهب: حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: (لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسمَ الخلافة). رواه الفسوي في المعرفة.
يقال: ذهب بصره في آخر حياته، وكان به عمَشٌ في خلافة عمر بن عبد العزيز، ومات بعده، في قُديد بين مكة والمدينة، واختلف في سنة وفاته على أقوال:
فقيل: سنة 102هـ، وقيل: سنة 106هـ، وقيل: سنة 108هـ، وهو قول الفلاس ويحيى بن معين وابن زبر الربعي ورواية عن علي بن المديني وغيرهم؛ فيكون موته في خلافة هشام بن عبد الملك، وقيل: إن موته كان في خلافة يزيد وقد توفي يزيد سنة 105هـ.
وأرجح الأقوال أنه توفي سنة 108هـ، فإنه كان حياً لما عُزل عبد الواحد النصري عن المدينة عن إمارة المدينة سنة 106هـ، وروي أنه توجَّع لعزله وجزع، وكان عبد الواحد رجلاً صالحاً محبوباً، وهو ابن عبد الله بن بسر رضي الله عنه.
- وقال مصعب بن عبد الله: (بلغني عن القاسم بن محمد أنه سئل عن شيء؛ فقال: "ما زلتُ أحبّه حتى بلغني أنَّ الأمير يكرهه"، والأمير إذا ذاك عبد الواحد النصري). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي: أخبرنا محمد بن صالح، عن سليمان بن عبد الرحمن قال: مات القاسم بن محمد بقُديد، فقال: (كفّنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها: قميصي وإزاري وردائي).
فقال ابنه: يا أبت، لا تريد ثوبين؟
فقال: (يا بني هكذا كُفّن أبو بكر في ثلاثة أثواب، والحيُّ أحوج إلى الجديد من الميت). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا الوليد بن شجاع، حدثنا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة قال: مات القاسم بن محمد بين مكة والمدينة حاجاً أو معتمراً؛ فقال لابنه: سُنَّ علي الترابَ سَنّا وسوِّ عليَّ قبري، والحق بأهلك، وإيَّاك أن تقول: كان وكان). رواه ابن عساكر.

روى القاسم عن عائشة فأكثر، وعن أبي هريرة وابن عباس وابن عمر، وصالح بن خوات بن جبير، وغيرهم.
وأرسل عن عمر وابن مسعود.
وروى عنه: عبيد الله بن عمر العمري، وابن شهاب الزهري، وابن أبي مليكة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو الزناد، وأفلح بن حميد، وأيوب السختياني، وشيبة بن نصاح، وعبد الله بن عون، وداوود بن الحصين، وعباد بن منصور الناجي، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ويزيد بن بكر الليثي، وأسامة بن زيد بن أسلم، والحضرمي بن لاحق، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 02:04 AM

15: أبو أيّوب سليمان بن يسار المدني (ت:107هـ)

مولى أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية رضي الله عنها، ولد في آخر خلافة عثمان .
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري: (سليمان بن يسار كان مقدما في الفقه والعلم، وكان نظير سعيد بن المسيب، وكان مكاتبا لميمونة بنت الحارث بن حزن، زوجة رسول الله فأدى وعتق، ووهبت ميمونة ولاءَه لعبد الله بن عباس، وهي خالة عبد الله بن عباس). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يزيد بن هارون: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران قال: حدثني سليمان بن يسار قال: استأذنتُ على عائشة؛ فعرفت صوتي؛ فقالت: أسليمان؟
قلت: سليمان.
قالت: أدَّيتَ ما قاضيتَ عليه أو قاطعت عليه؟
قلتُ: بلى لم يبق إلا يسير.
قالت: (ادخل فإنك مملوك ما بقي عليك شيء). رواه ابن سعد.
- وقال مصعب بن عبد الله: (سليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وعبد الله، وعبد الملك بنو يسار، كلهم يؤخذ عنه العلم، موالي ميمونة زوج النبي عليه السلام).رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال مصعب بن عثمان: (كان سليمان بن يسار من أحسنِ الناس وجهاً فدخلت عليه امرأة تستفتيه فسامته نفسه؛ فامتنع عليها وذكَّرها؛ فقالت له: لئن لم تفعل لأشهرنك ولأصيحنَّ بك).
قال: (فخرج وتركها في بيته؛ فرأى في منامه يوسف النبي عليه السلام؛ فقال له: أنت يوسف). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن وهب: حدثنا مالك قال: (كان سليمان بن يسار من أعلم هذه البلدة بالسنن، وكان من علماء الناس، وكان يقول في مجلسه فإذا كثر فيه الكلام وسمع اللغط أخذ نعليه ثم قام عنهم).
فقلت لمالك: وهو في مجلسه؟
قال: نعم.
قال: (وكان ابن المسيب رجلاً شديدا يحصب الناس بالحصى). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ وأبو زرعة الدمشقي.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني الحسن بن محمد قال: سليمان بن يسار أفْهَمُ عندنا من سعيد بن المسيب، ولم يقل أفقه). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن سعد في الطبقات.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير بلفظ: (سليمان بن يسار أقيس عندنا من سعيد بن المسيب ولم يقل: أعلم ولا أفقه).
والحسن بن محمد هو ابن علي بن أبي طالب، قال ابن حبان: (كان من أعلم الناس بالاختلاف).
- وقال ابن بكير: حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلا سأل سعيد بن المسيب عن شيء؛ فقال: سألتَ أحدا غيري؟
قال: نعم.
قال: من هو؟
قال: عطاء بن يسار.
قال: فما قال لك؟
قال: كذا وكذا.
قال: فاذهب إلى سليمان بن يسار فسله ثم أخبرني ما قال لك.
قال: فسأله، فقال: الأمر فيه كذا وكذا، وأخبرت ابن المسيب؛ فقال ابن المسيب: عطاء قاصّ، وسليمان مفتٍ).رواه الفسوي.
- وقال ابن شهاب الزهري: سمعت سليمان بن يسار، يقول: «كنا نجالس زيد بن ثابت أنا وسعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب، ونجالس ابن عباس، فأما أبو هريرة فكان سعيد أعلمنا بمسنداته لصهره منه». رواه ابن سعد.
وكان سعيد بن المسيب زوج بنت أبي هريرة.
اختلف في سنة وفاته على أقوال، وأكثر العلماء بالوفيات على أنه مات سنة 107هـ، وهو ابن ثلاث وسبعين.
عدّه أبو عبيد من قرّاء التابعين بالمدينة، ورويت عنه مسائل في التفسير.
روى عن: مولاته ميمونة، وأمّ سلمة، وعن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم.
وروى عنه: ابن شهاب الزهري، وأبو الزناد، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر، ويحيى بن أبي إسحاق، وخالد بن أبي عمران، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وبكير بن عبد الله ابن الأشج، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن دينار، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:52 PM

16: أبو حمزة محمد بن كعب بن سليم القرظي(ت:108هـ)

هو محمد بن كعب بن سليم بن القرظي، من ذريّة هارون بن عمران عليه السلام.
قال البخاري: (كان أبوه ممن لم ينبت يوم قريظة فتُرك).
ولد في آخر خلافة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وروى عن كعب بن عجرة، وأبي هريرة وابن عباس، وزيد بن أرقم، ومعاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عبيد، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
وأرسل عن: أبي ذر، وابن مسعود، وأبي الدرداء، والعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم.
وقال يعقوب بن شيبة السدوسي: (يعد في الطبقة الثالثة ممن روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عمر، وابن عباس).
وقد رُوي في فضله حديث في إسناده ضعف، رواه أبو صخر حميد بن زياد، عن عبد الله بن معتّب بن أبي بردة الظفري، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( يخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده ))أخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، والبيهقي في دلائل النبوة.

وكان عالماً بالسير والمغازي، إماماً في التفسير، بارعاً في الاستنباط، واستخراج الحجج من القرآن، وكان يقول: (كنتُ إذا سمعت حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التمسته في القرآن). رواه ابن المبارك في الزهد.

وكان مجتهداً في العبادة، يغلب عليه الخوف من الله والخشوع، متقللاً من الدنيا، زاهداً فيها.
حتى قال زيد بن أسلم: (ليتَ أنَّ محمد بن كعب القرظي يرفق قليلا، يخفّف عن نفسه). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
وقال أبو كثير [المصري]: قالت أم محمد بن كعب القرظي لابنها: (يا بني! لولا أني أعرفك صغيراً طيباً، وكبيراً طيّباً، لظننت أنّك أذنبت ذنبا موبقا؛ لما أراك تصنع بنفسك في الليل والنهار.
قال: يا أمَّاه! وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع عليَّ وأنا في بعض ذنوبي؛ فمقتني، وقال: اذهب، لا أغفر لك.
مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي). رواه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، وابن عساكر في تاريخه.
وقال عون بن عبد الله: (ما رأيت أعلم بتأويل القرآن من القرظي). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه.

وكانت له مجالس في التفسير، ومواعظ حسنة، وكان متمسكاً بالسنّة، حذراً من مداخل الشيطان.
- قال أبو معشر المدني: (كان محمد بن كعب القرظي يقصّ ودموعه تجري على خديه؛ فإن سمع باكياً زجره، وقال: ما هذا؟). رواه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء.
- وقال سعد بن زياد: (كان محمد بن كعب يجئ كل جمعة من قريته على ميلين من المدينة، ولا يكلم أحدا حتى يصلي العصر). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وابن أبي خيثمة في تاريخه في خبر مناظرته لغيلان القدري، وعند ابن أبي خيثمة أنه قال بعدما قام غيلان: (قد كنتُ أغبط رجالاً بالقرآن، بلغني أنهم تحوَّلوا عن حالهم التي كانوا عليها؛ فإن أنكرتموني فلا تجالسوني لا تضلوا كما ضللت).
- وقال بكر بن مضر المصري عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول: (إن بين أيديكم مرصدا، فخذوا له جوازه، ثم قرأ: {إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مئابا}). رواه ابن وهب في جامعه.
- وقال موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن كعب القرظي قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا زهَّده في الدنيا، وفقَّهه في الدين، وبصَّره عيوبه، ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة). رواه ابن المبارك في الزهد، ووكيع في الزهد واللفظ له، وابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخه.
- وقال محمد بن فضيل البزاز: (كان لمحمد بن كعب جلساء كانوا من أعلم الناس بتفسير القرآن، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة، فأصابتهم زلزلة، فسقط عليهم المسجد فماتوا جميعا تحته).رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
وكانت وفاته سنة 108هـ، على أرجح الأقوال، وهو قول تلميذه أبي معشر المدني وأكثر العلماء بالوفيات، وهو القول الذي اختاره البخاري ولم يحكِ غيره، وقيل: سنة 117هـ، وقيل: سنة 120هـ.

رُوي أن خاصة أصحابه ماتوا معه في الهدم، والذين لهم رواية عنه في كتب التفسير المسندة أكثر من خمسين راوياً، وأكثرهم رواية عنه: أبو صخر حميد بن زياد الخراط، وأبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي، وأبو عبد العزيز موسى بن عبيدة الربذي، ثم بعدهم محمد بن إسحاق بن يسار، وأفلح بن سعيد القبائي، وعاصم بن محمد العمري، وغيرهم.
وروى عنه جماعة من الأئمة مسائل سألوها إياه أو سمعوها منه، منهم: عمرو بن دينار، وقتادة، وسليمان بن طرخان التيمي، وعبد الله بن كثير المكي، والحكم بن عتيبة، ويزيد بن أبي حبيب، وغيرهم، وهؤلاء لا يكاد يوجد لكل واحد منهم عنه سوى رواية أو روايتين.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:52 PM

17. أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي (ت: بعد 110هـ)

كان قاصَّ الجماعة بالمدينة، وكان فصيحاً حسن القراءة عالماً بالتفسير، وهو معلّم عمر بن عبد العزيز.
- قال أبو بكر بن مجاهد: (كان من فصحاء الناس، وكان يقصّ بالمدينة).
- وقال معن بن عيسى: حدثنا مالك بن أنس أن (عمر بن عبد العزيز رَزَق مسلم بن جندب دينارين، وكان قبل ذلك يقضي بغير رزق) رواه ابن سعد.
يقضي لعله تصحيف والصواب: يقصّ؛ فقد كان القاضي في زمن عمر أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري
- وقال بشر بن عمر: أنبأنا مالك بن أنس، أن عمر بن عبد العزيز أمر رجلاً وهو بالمدينة أن يقصَّ على الناس، وجعل له دينارين كل شهر، فلما قدم هشام بن عبد الملك جعل له ستة دنانير كل سنة). رواه عمر بن شبّة.
- وقال محمد بن يحيى، عن مالك بن أنس قال: « عمر بن عبد العزيز رزق قاص الجماعة بالمدينة» رواه عمر بن شبة.
- وقال أبو موسى الهروي: حدثنا عباس بن الفضل الأنصاري عن جعفر بن الزبير: (كان مسلم بن جندب يقرأ علينا غدوة ثلاثين آية وعشية ثلاثين آية). رواه ابن مجاهد في كتاب السبعة.
- وقال عمر بن عبد العزيز: (من أحب أن يسمع القرآن فليسمع قراءة مسلم بن جندب). ذكره الذهبي في معرفة القراء.
- وقال الحسن بن أبي مهران: حدثنا أحمد بن يزيد عن عيسى ابن مينا قالون قال: (كان أهل المدينة لا يهمزون حتى همز ابن جندب فهمزوا {مستهزئون} و{استهزئ} ). رواه ابن مجاهد.
- وقال سعيد بن أبي مريم: حدثنا زياد بن يونس، قال: حدثني نافع بن أبي نعيم قال: سألت مسلم بن جندب عن قول الله عز وجل: {ردءا يصدقني} قال: زيادة، أما سمعت قول الشاعر:
وأسمر خطي كأن كعوبه ... نوى القسب قد أردى ذراعا على عشر). رواه ابن وهب وأبو جعفر الترمذي في جزء تفسير نافع بن أبي نعيم، وابن أبي حاتم.
- وقال الليث بن سعد: كان أوَّلَ من فسر هذه الآية لأهل المدينة مسلم بن جندب الهذلي: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}، قال: ثُبَةٌ، ثُبَتَان، ثلاثُ ثُبَاتٍ، قال: الفرقة بعد الفرقة في سبيل الله، و{جميعا} بمرَّة). رواه ابن وهب.

قرأ مسلم على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وحدث عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وابن عمر وابن الزبير وأسلم مولى عمر وغيرهم.
وقرأ عليه: نافع بن أبي نعيم المدني.
وروى عنه: ابنه عبد الله بن مسلم، ونافع بن أبي نعيم، وزيد بن أسلم، وابن أبي ذئب.
قال ابن حبان مات سنة 106هـ
وقال ابن سعد: مات في خلافة هشام بن عبد الملك.
وخلافة هشام كانت من سنة 105هـ إلى سنة 125هـ.
وقال الذهبي: مات في خلافة هشام بن عبد الملك بعد سنة عشر ومائة تقريباً.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:52 PM

18: محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام القرشي (ت: 115هـ تقريباً )

كان فقيها عالماً بالتفسير والسير والمغازي، يروي عن عمّه عروة بن الزبير، وعن ابن عمه عباد بن عبد الله بن الزبير
وكان من فقهاء أهل المدينة وقرائهم
ولابن إسحاق نسخة يرويها عنه في التفسير، أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم مرويات كثيرة، وله مرويات كثيرة في كتب السيرة.
قال ابن سعد: (كان عالماً وله أحاديث).
أخرج له الجماعة، وهو متفق على توثيقه، وقال الذهبي: مات شاباً.
ذكره البخاري والذهبي في طبقة الذين ماتوا بين سنة 110هـ ، و 120هـ.
روى عنه: ابن إسحاق، وابن جريج، وعبد الله بن أبي جعفر.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:53 PM

19. أبو داوود عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج (ت:117هـ)

مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان من كبار قراء المدينة وفقهائهم ومحدّثيهم.
- قال نافع بن أبي نعيم: قرأتُ على الأعرج، وقال الأعرج: قرأتُ على أبي هريرة، وقال أبو هريرة: قرأتُ على أبيّ بن كعب، وقال أُبيّ بن كعب: عرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وقال: (( أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن)) . رواه ابن مجاهد في السبعة، وأبو عمرو الداني في "جامع البيان".
- وقال عاصم بن أبي النجود: قلتُ للطفيلِ بن أبيّ بن كعب: إلى أيّ معنى ذهب أبوك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((أمرت أن أقرأ القرآن عليك))؟
فقال: (ليقرأ عليَّ فأحذو ألفاظه). رواه ابن مجاهد.
- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: (معنى هذا الحديث أن يتعلم أبي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم قراءة أبي رضي الله تعالى عنه).
لازم الأعرجُ أبا هريرة رضي الله عنه مدّة، وحفظ عنه حديثاً كثيراً مباركاً، حتى عُدّ من أكابر أصحابه ورواة حديثه، وروى عن غيره من الصحابة كأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي جهيم الأنصاري، وعبد الله بن مالك ابن بحينة، وغيرهم.
- وقال علي ابن المديني: (أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاووس وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفا). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو إسحاق السبيعي: قال أبو صالح والأعرج: (ليس أحدٌ يحدّث عن أبي هريرة إلا علمنا أصادق هو أو كاذب). رواه ابن عساكر.
- وروى مالك في الموطّأ عن داود بن الحصين؛ أنه سمع الأعرج يقول: (ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان).
قال: (وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف).
- وقال محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: (كان عبد الرحمن الأعرج يكتب المصاحف). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو علقمة الفروي: (رأيت عبد الرحمن الأعرج جالسا على باب داره، فإذا مر به مسكين أعطاه تمرة). رواه ابن أبي خيثمة.
وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن أبي النضر قال: (كان عبد الرحمن بن هرمز من أول من وضع العربية، وكان من أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش). رواه أبو بكر الزبيدي في طبقات النحويين.
قلت: هذه ليست أولية مطلقة إن صحّ الخبر؛ فقد سبقه أبو الأسود.
وقال الذهبي: (قالوا: هو أول من وضع العربية بالمدينة، أخذ عن أبي الأسود).
خرج في آخر حياته إلى الإسكندرية مرابطاً على الثغر ومات بها سنة 117هـ، وقيل سنة 119هـ، والأول أرجح.
- وقال أبو إسحاق الفزاري عن صفوان بن عمرو السكسكي قال: قال عبد الرحمن الأعرج: (إني أريد أن آتي الإسكندرية فأرابط بها).
فقيل له: وما تصنع بها وما عندك قتال، وما تكون في مكان إلا كنت كلا على المسلمين؟!!
قال: (سبحان الله!! فأين التحضيض؟)
قال: وكان شيخا كبيرا فخرج إليها.
قال: (أراه مات بها). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.

قرأ عبد الرحمن على أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن أبي عياش.
وقرأ عليه نافع بن أبي نعيم وغيره.
وروى عنه أسيد بن أبي أسيد البرّاد حروفاً في القراءة، وربّما تصحّف اسمه في بعض الكتب إلى أسد.
روى في التفسير عن أبي هريرة، وعبد الله ابن عباس، وأخيه كثير بن عباس، وأبي جهيم الأنصاري، ومجاهد بن جبر.
وروى عنه: ابن شهاب الزهري، وأبو الزناد، وجعفر بن ربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأسيد بن أبي أسيد البرّاد، ومالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وابن جريج، وسعد بن إبراهيم، وأبو الزبير المكي، وموسى بن عقبة، ويحيى بن أبي كثير، ويعقوب بن أبي سلمة الماجشون، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:53 PM

20: أبو عبد الله نافع المدني مولى عبد الله بن عمر (ت:117هـ)

من كبار الأئمة الحفاظ بالمدينة، وهو مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان من أحبّ مواليه إليه، وأكثرهم ملازمة له، وانتفاعاً بعلمه، ورواية له، أعطاه فيه عبد الله بن جعفر اثني عشر ألف درهم فأبى أن يبيعه، ثمّ أعتقه، ثمّ زوّجه جارية له كانت أحبّ جواريه إليه.
- قال حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: (خطرت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}؛ فما وجدتُ شيئاً أحبَّ إليَّ من جاريتي رُميثة فأعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعا، فهي أم ولده). رواه ابن سعد.
- وقال الأصمعي: حدثنا العمري، عن نافع قال: (دخلتُ مع مولاي على عبد الله بن جعفر فأعطاه فيَّ اثني عشر ألفا؛ فأبى وأعتقني أعتقه الله).رواه ابن عساكر.

وقد اختلف في أصل نافع على أقوال:
- فقال خالد بن زياد الترمذي قاضي ترمذ: قلت لنافع مولى ابن عمر: من أي بلاد أنت؟ قال: (من جبال براربنده من جبال الطالقان). ذكره ابن عساكر في تاريخه من غير إسناد.
وطالقان بلدة كبيرة جنوب بحر قزوين.
- وقال يزيد بن محمد: سمعت أبا عبد الله المقدمي يقول: (نافع مولى ابن عمر يكنى أبا عبد الله من سبي طالقان). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: (كان نافع مولى ابن عمر من سبي خراسان، سُبي وهو صغير فاشتراه ابن عمر، وهو نافع بن هرمز). رواه ابن عساكر.
- وقال أحمد بن علي ابن منجويه: أخبرنا أبو أحمد الكاتب الحاكم قال: (أبو عبد الله نافع القرشي العدوي المدني مولى ابن عمر يقال: كان من أهل المغرب). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (كان من أهل أَبَرْشَهْرْ، أصابه عبد الله في غزاته).
وأبر شهر كلمة فارسية معناها "بلد الغَيْمِ" كما في معجم البلدان لياقوت الحموي، وقال: (وهي نيسابور).
- وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (نافع مولى ابن عمر ديلمي).
- وقال خليفة بن خياط في تاريخه: (سنة أربع وأربعين، فيها افتتح ابن عامر كابل) ثم قال: (ومن سبي كابل: مكحول الشامي، وسالم بن عجلان الأفطس، وكيسان أبو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ونافع مولى ابن عمر، ومهران أبو حميد الطويل).

وقد انتفع نافع بصحبة عبد الله بن عمر انتفاعاً كبيراً؛ ولزمه نحواً من ثلاثين عاماً، وحفظ عنه علماً غزيراً مما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، ومن أقواله فيما يُستفتى فيه وما يبتدئ به، ومن سيرة ابن عمر وسمته وهديه، وكان ابن عمر من أشبه الصحابة هدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وروى نافع عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وعن عائشة وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين، وروى عن جماعة من التابعين كسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وصفيّة بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر، وغيرهم.

وكان ثقة ثبتاً، فقيهاً عالماً، كثير الحديث، وكان من أعلم الناس بحديث ابن عمر ومسائله، وكان سالم بن عبد الله بن عمر يوصي بسؤاله، وبعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل مصر ليفقههم في الدين، ويعلّمهم السنن.

- قال ابن وهب: أخبرني أسامة بن زيد عن أبي بكر بن حفص بن سعد بن أبي وقاص عن سالم بن عبد الله قال: (سلوا نافعاً؛ فإنه أعلمنا بحديث ابن عمر). رواه الفسوي.
- وقال عبد الرزاق: سمعت عبيد الله بن عمر قال: (لما نشأت فأردت أن أطلب العلم جعلت آتي أشياخ آل عمر رجلاً رجلاً؛ فأقول: ما سمعت من سالم؟ فكلما أتيت رجلا منهم قال: عليك بابن شهاب؛ فإن ابن شهاب كان يلزمه، وكان ابن شهاب بالشام حينئذ؛ فلزمت نافعا؛ فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا). رواه الفسوي وابن عساكر.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعت عبيد الله بن عمر يقول: (لقد منَّ الله علينا بنافع) رواه ابن عساكر.
- وقال بشر بن عمر الزهراني: سمعت مالك بن أنس يقول: (كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي أن لا أسمع من غيره). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال خلف البزاز: سألت أحمد بن حنبل: أي الأسانيد أثبت؟ فقال: (أيوب عن نافع عن ابن عمر، وإن كان من حديث حماد بن زيد فيا لك). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن سليمان النيسابوري: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: (أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن وهب: قال مالك: (كنت آتي نافعا مولى ابن عمر، وأنا يومئذ غلام حديث السن، ومعي غلام لي؛ فينزل إلي فيقعد معي ويحدثني). رواه الفسوي.

- وقال حماد بن زيد: (حدثنا عبيد الله بن عمر بن حفص أن عمر بن عبد العزيز بعث نافعا إلى مصر يعلمهم السنن). رواه ابن سعد وأبو زرعة الدمشقي.
- وقال محمد بن شعيب بن شابور: أخبرنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن سليمان بن موسى أنه أخبره: (أنه رأى نافعا مولى ابن عمر يمل علمه ويكتب بين يديه). رواه ابن أبي خيثمة.
- قال أحمد بن حنبل: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: أخبرنا إسماعيل ابن أمية قال: (كنا نردّ نافعًا على اللحن فيأبى).
وقال ابن عيينة: (أي حديث أوثق من حديث نافع). رواه ابن أبي خيثمة، وعبد الله بن الإمام أحمد.
وفي رواية عند ابن عساكر: (كنا نريد نافعا على أن لا يلحن فيأبى إلا الذي سمع).

وكان نافع يكتب، وله حقيبة فيها صحف له مما كتبه، وكان يملي على أصحابه حديث ابن عمر، فكتب عنه جماعة منهم ابن جريج وخالد بن زياد الترمذي له عنه نسخة.
- قال يحيى بن سعيد القطان: قال ابن جريج: (طرح إلي نافع حقيبة فمنها ما قرأت، ومنها ما سألت).
قال يحيى: (فما قال: سألت وقلت؛ فهو مما سأله، والقراءة أخبرني نافع). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال ابن حبان: (خالد بن زياد بن جرو الأزدي من أهل ترمذ يروي عن نافع صحيفة مستقيمة، وكان على القضاء بترمذ).
- وقال الأصمعي: أخبرنا نافع ابن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر أنه قيل له: قد كتبوا علمك؛ فقال: كتبوا؟
فقيل له: نعم.
فقال نافع: (فليأتوا به حتى أقوّمه لهم). رواه ابن عساكر.

وقد روي أنه إنما حدّث وأفتى بعد موت سالم بن عبد الله، وهذا محمول على أنه لم يكن مكثراً من ذلك قبل موته أو لم يكن متصدّراً للتحديث في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في حياة سالم وأقرانه من كبار أئمة التابعين، فلما ماتوا ظهرت الحاجة إليه، وقد كان سالم يوصي بسؤاله كما تقدّم، وقد حدّث الزهريَّ في حياة سالم، وقد روي أن عمر بن عبد العزيز انتدبه للتعليم في مصر، وكان موت عمر قبل موت سالم.
- قال ابن وهب: قال مالك: (إنما حدَّث نافع بعد ما مات سالم بن عبد الله، وكان في حياة سالم لا يفتي أحداً شيئا). رواه الفسوي.
- وقال مصعب بن عبد الله: (عبيد الله وعبد الله ابنا عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب كانا يجلسان إلى نافع مولى ابن عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الروضة). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يونس بن يزيد: قال نافع: (من يعذرني من زهريكم هذا- يعني ابن شهاب- يأتيني وأحدثه عن ابن عمر، ثم يذهب إلى سالم بن عبد الله؛ فيقول: هل سمعت هذا من ابن عمر فيقول له: نعم؛ فيحدث عن سالم ويدعني، والسياق من عندي). رواه الفسوي.

وقد أخذ على نافع شيء من العسر والحدّة مع ما اشتهر عنه من بذل العلم ونشره.
- قال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: (كنت أرى نافعا بعد صلاة الصبح يلتف بكساء له أسود فيضعه على فيه وما يكلم أحدا، وكان صغير النفس).رواه الفسوي.
- وقال مطرف بن عبد الله اليساري: قال مالك: (كنت آتي نافعاً مولى ابن عمر نصف النهار ما يظلني شيء من الشمس، وكان منزله بالنقيع بالصورين، وكان حدّا فأتحيَّن خروجه فيخرج فأدعه ساعة وأريه أني لم أرده، ثم أعرض له فأسلم عليه، ثم أدعه حتى إذا دخل البلاط أقول: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيقول: قال: كذا وكذا، فأخنس عنه). رواه ابن سعد
والنقيع وادٍ جنوب المدينة، وهو من أكبر روافد وادي العقيق، والصوران موضع منه.
- وقال عبد اللَّه بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: (كان في نافع مولى ابن عمر عسر في الحديث).
- وقال ابن أبي أويس عن أبيه: كنا نختلف إليه- يعني نافعا- وكان سيئ الخلق.
فقلت: ما أصنع بهذا العبد؟
قال: (فتركته ولزمه غيري؛ فانتفع به). رواه الفسوي.
قلت: من توفيق طالب العلم صبره على ما يجد من عسر شيخه، وحسن تلطفه له حتى يستفيد من علمه.

وكان كثير الذكر مقبلاً على شأنه زاهداً ورعاً.
- قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول: كان سعيد بن أبي هند ونافع مولى ابن عمر وموسى بن ميسرة يجلسون بعد صلاة الصبح حتى يرتفع النهار، ثم يتفرقون فما يكلّم بعضهم بعضا).
فقلنا له: (اشتغالا يذكر الله؟)
قال: (كل ذلك).رواه أبو يوسف الفسوي، وروى بعضه ابن أبي خيثمة من طريق قتيبة بن سعيد عن مالك.
- وقال ابن وهب: قال مالك: (وكان يجلس بعد صلاة الصبح في المسجد لا يكاد يأتيه أحد، وكان يلبس كساءه، وكان ربما يضعه على فمه لا يكلم أحدا).
قال: (وكان – أي نافع - يجلس حتى إذا طلعت الشمس خرج قبل أن يركع). رواه الفسوي.
- وقال علي بن شعيب: حدثني عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، أنا نافعاً لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟
قال: (ذكرت سعدا وضغطة القبر) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين وابن عساكر في تاريخ دمشق.

واختلف في سنة وفاته على أقوال:
القول الأول: مات سنة سبع عشرة ومائة، وهو قول حماد بن زيد، وأبي نعيم، وابن سعد، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبي بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، ويحيى بن بكير، وأبي حفص الفلاس، وغيرهم.
- قال سليمان بن حرب: سمعت حماد بن زيد يقول: (كنتُ هيَّأتُ الصحفَ لمقدمِ قتادةَ من واسط من عند خالد بن عبد الله القسري لأكتب عنه؛ فمات بواسط، وذلك في سنة سبع عشرة ومائة، وفيها مات نافع مولى ابن عمر، وعبد الله بن أبي مليكة). رواه ابن عساكر.
حماد بن زيد وُلد سنة 98هـ.
القول الثاني: مات سنة ثمان عشرة ومائة، وهو قول خليفة بن خياط.
القول الثالث: مات سنة تسع عشرة ومائة، وهو قول سفيان بن عيينة، ورواية عن أحمد.
القول الرابع: مات سنة عشرين ومائة، وهو قول أبي عمر الضرير.
- قال ابن أبي خيثمة: (سمعت ابن معين يقول: نافع مولى ابن عمر مات سنة تسع عشرة وقالوا: سنة عشرين ومئة).

- قال عارم بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر قال: (كان نافع لا يفسر). رواه ابن سعد وابن عساكر.
قلت: لعلّه يريد أنه لم يكن مكثراً من ذلك، أو لم يكن له مجالس مختصة بالتفسير، وإلا فقد رويت عنه أقوال يسيرة في كتب التفسير المسندة، وأكثر ما يروى عنه ما نقله من أقوال ابن عمر في التفسير، وما رواه من الأحاديث عن ابن عمر وغيره؛ وهي كثيرة جداً.

روى عنه في كتب التفسير: عبيد الله وعبد الله ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وأيوب، ومالك، وابن جريج، وابن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وموسى بن عقبة، وابن عون، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن سوقة، وعبد العزيز بن أبي رواد، وغيرهم.
وروى عنه ابنه عبد الله وهو ضعيف.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:54 PM

21: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم النجاري الأنصاري(ت:120هـ)

قال يحيى بن معين وغيره: اسمه كنيته.
وهو الإمام الفقيه العابد، قاضي المدينة زمن إمارة عمر بن عبد العزيز، ثم تولى إمارة المدينة مرتين بعد ذلك، وكان أمير الحج سنوات عدة، وكان من أعلم الناس بالقضاء في زمانه، وكان يقضي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في إمارته هو الذي يصلي بهم ويخطب في الجُمعات والأعياد.
- قال ابن وهب: حدثني مالك قال: (لم يكن عند أحد بالمدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر، إنَّ أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كان يتعلم القضاء من أبان بن عثمان). رواه الفسوي.
- وقال معن بن عيسى: حدثني سعيد بن مسلم، قال: (رأيت أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يقضي في المسجد في زمان عمر بن عبد العزيز) رواه ابن سعد، وقال: (يعني في ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة للوليد بن عبد الملك).
- وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: (لم يكن على المدينة أنصاري أميراً غير أبي بكر بن عمرو بن حزم، وكان قاضيا). رواه الفسوي.
- وقال معن بن عيسى: حدثنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه (رأى أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، يقضي في المسجد معه حَرَسيّان مستنداً إلى الأسطوانة عند القبر). رواه ابن سعد.
- وقال معن بن عيسى: حدثنا أبو الغصن قال: (رأيت أبا بكر بن محمد يعتمّ يوم العيد ويوم الجمعة بعمامة بيضاء، ورأيته يخلع نعليه إذا رقى منبر النبي صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد.

أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، والسائب بن يزيد، وعن خالدة بنت أنس أم بني حزم وهي صحابية، وروى عن جماعة من التابعين منهم: خالته عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأفلح مولى أبي أيوب، وغيرهم.

وهو من أوّل من جمع السنن وكتبها بأمر عمر بن عبد العزيز من حديث خالته عمرة بنت عبد الرحمن وحديث القاسم بن محمد وغيرهما.

- قال ابن وهب: حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم وكان عمر قد أمّره على المدينة بعد أن كان قاضيا.
قال مالك: وقد ولي أبو بكر بن حزم المدينة مرتين أميرا، فكتب إليه عمر أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد.
فقلت لمالك: السنن؟
قال: نعم.
قال: فكتبها له.
قال مالك: فسألت ابنَه عبدَ الله بن أبي بكر عن تلك الكتب؛ فقال: (ضاعت). رواه الفسوي.
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن عيينة، عن يحيى. [بن سعيد الأنصاري] قال: كتب عمر بن عبد العزيز، وهو والٍ إلى أبي بكر بن محمد؛ أن اكتب إلي من بما ثبت عندك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عمرة).رواه عبد الله بن الإمام أحمد في العلل.

قال الواقدي ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو حفص الفلاس وخليفة بن خياط وابن منده: مات سنة عشرين ومائة.
قال الواقدي وغيره: (وله أربع وثمانون سنة).
وقال محمد بن المثنى ويحيى بن عبد الله بن بكير: مات سنة سبع عشرة ومائة.
له مرويات قليلة في كتب التفسير المسندة من طريق ابنه عبد الله، وحجاج بن أرطأة.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:55 PM

22: عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الانصاري(ت:120هـ)

جدّه قتادة بن النعمان من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فقالوا: لا، حتى نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه، فقال: «لا» ثم دعا به فوضع راحته على حدقته، ثم غمزها؛ فكان لا يدرى أي عينيه أصيبت، والقصة في مسند أبي يعلى وفي مصنف بن أبي شيبة وغيرهما.
وكان عاصم بن عمر عالماً بالسير والمغازي ، وله مرويات في كتب التفسير المسندة أكثرها فيما يتصل بالمغازي ونزول القرآن.
- وقد روى عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، ومحمد بن لبيد، ونملة بن أبي نملة الأنصاري، وجدته رُميثة ولها صحبة.
وروى عن جماعة من التابعين: منهم أبوه عمر بن قتادة بن النعمان، والقاسم بن محمد، والحسن بن محمد بن الحنفية، وعبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله.
- وروى عنه ابن شهاب الزهري، وزيد بن أسلم، وعمارة بن غزية، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وغيرهم.
- وقال البخاري: (سمع أنساً، ومحمود بن لبيد، وأباه رضى الله عنهم، روى عنه محمد بن إسحاق وعمرو بن أبي عمرو ومحمد بن عجلان).
قلت: (قول البخاري قد يُشعر أنّ أباه من الصحابة، وقد عدّه ابن حجر في الطبقة الثالثة من التابعين؛ فيحرر هذا).
- وقال ابن سعد: (وفد عاصم بن عمر على عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه؛ فقضاه عنه عمر، وأمر له بعد ذلك بمعونة، وأمره أن يجلس في جامع دمشق؛ فيحدّث الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه، وقال: "إن بني مروان كانوا يكرهون هذا وينهون عنه"؛ فاجلس فحدّث الناس بذلك؛ ففعل ثم رجع إلى المدينة؛ فلم يزل بها حتى توفي سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك).
وقال ابن حبان: (من سادات الانصار وعبادهم).
- وقال الهيثم بن عدي ويحيى بن معين وعلي بن المديني وابن سعد وأبو الحسن المدائني وخليفة بن خياط وأبو عمر الضرير: توفي سنة عشرين ومائة.
- وقال أبو عبيد وأبو حسان الزيادي وعبيد الله بن سعد الزهري والحسن بن عثمان: مات سنة سبع وعشرين ومائة.
- وقال الواقدي وأبو حفص الفلاس وابن نمير والترمذي: مات سنة تسع وعشرين ومائة.
ورجّح الذهبي وفاته في سنة عشرين ومائة.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:55 PM

23: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري(ت:124هـ)

الإمام الحافظ الكبير، كان من كبار أوعية العلم، وحفاظ السنة، ولد في منتصف القرن الأول، وأدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واجتهد في طلب العلم وهو شابّ صغير السنّ، وجالس ابن المسيب ثمان سنين، وأخذ عن بقية الفقهاء السبعة وغيرهم من فقهاء المدينة، وكان فَهِماً قويّ الحفظ، لا يكاد يستمع إلى حديث فينساه، حتّى إذا فقه وبلغ من العلم مبلغاً رحل إلى الشام، وسأورد ترجمته هناك إن شاء الله.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:55 PM

24: أبو أيوب محمد بن قيس المدني (ت:126هـ)

ويقال: أبو إبراهيم، ويقال: أبو عثمان.
وهو مولى آل أبي سفيان بن حرب، ويقال: مولى يعقوب القبطي، كان قاصّاً لعمر بن عبد العزيز، قصّ عليه وهو أمير بالمدينة، ثم انتقل معه إلى الشام، وكان فقيهاً عالماً بالتفسير وبالسير والمغازي، وكان قارئاً حسن الصوت.
- قال محمد بن جعفر المدائني، عن أبي معشر، قال: كان محمد بن قيس إذا أراد أن يبكي أصحابه قرأ آيات قبل أن يتكلم، وكان من أحسن الناس صوتا، فإذا قرأ بكى وأبكى، قال: ثم يتكلم بعد ذلك). رواه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء.
- وقال ابن سعد: ( وكان كثير الحديث عالماً).
- وقال أبو يوسف الفسوي: (ثقة متقن).
وهو من رجال مسلم، له مرويات في كتب التفسير المسندة، وأكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير المسندة أخبار إسرائيلية من طريق أبي معشر المدني.
- وفي التاريخ الكبير للبخاري (محمد بن قيس قاص أو قاضي عمر بن عبد العزيز وكان شيخا كبيرا)
- وقال الذهبي: ( فيحرر هذا).
- قلت: أكثر ما روي من أخباره، ومن تعريف الرواة به، يدلّ على أنه كان قاصّاً.
- وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن قيس، مولى يعقوب القبطي وكان قاصا قال: قصصت على عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فقال عمر بن عبد العزيز: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سجد في إذا السماء انشقت» رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال أبو مصعب الزهري: حدثنا مالك؛ أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز، قال لمحمد بن قيس القاص: (اخرج إلى الناس فأمرهم أن يسجدوا في: {إذا السماء انشقت}).
وقال أبو بكر البيهقي في معرفة السنن والآثار وفي بيان خطأ من أخطأ على الشافعي: (هو محمد بن قيس القاصّ).

روى محمد بن قيس عن حابر بن عبد الله، وعن أبيه وكان ممن أدرك عليّ بن أبي طالب، وعن محمد بن كعب القرظي وهو من أقرانه، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.
وروى عنه: عمرو بن دينار، ومحمد بن إسحاق بن يسار، والليث بن سعد، ومحمد بن عجلان، وأسامة بن زيد الليثي، وأبو معشر المدني، وموسى بن عبيدة الربذي، وغيرهم.
قال ابن سعد: توفي في فتنة الوليد بن يزيد بالمدينة.
وهو غير محمد بن قيس الزيات، وغير محمد بن قيس اليشكري، وقد خلط بينهم بعضهم والصواب التفريق كما نبّه على ذلك أبو الحجاج المزي.
وهو غير محمد بن قيس الأسدي، نبّه عليه ابن عساكر وقد وهم فيه أبو يوسف الفسوي.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:56 PM

25: أبو نعيم وهب بن كيسان الزبيري(ت:127هـ)

مولى آل الزبير بن العوام.
قال وهب بن جرير: أخبرنا عبد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان، قال: (رأيت سعد بن مالك، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك). رواه ابن أبي خيثمة.
وقال يحيى بن معين: رأى سعد بن أبي وقاص.
وهو ثقة متقن، من رجال الصحيحين، وله روايات قليلة في كتب التفسير المسندة.
قال ابن سعد وخليفة بن خياط وابن حبان: مات سنة سبع وعشرين ومائة.
وقال أبو حفص الفلاس وابن نمير في رواية ابن زبر عنهما والترمذي: سنة تسع وعشرين ومائة
وهو معدود من أهل المدينة، وقد كان مع ابن الزبير في مكة.
روى عن جابر بن عبد الله، وابن الزبير، وعمر بن أبي سلمة، وروى عن عبيد بن عمير
وروى عنه: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر العمري، ومحمد بن عجلان.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:57 PM

26. أبو روح يزيد بن رومان المدني (ت:130هـ)

مولى آل الزبير بن العوام، من فقهاء المدينة، وقرائهم، ومن أوعية العلم، وهو تابعي ثقة من رجال الصحيحين.
قرأ على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة.
- قال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي قال: (أخبرني يزيد بن رومان مولى آل الزبير أنه أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة). رواه ابن مجاهد في السبعة.
وروى عن أنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، ونافع بن جبير، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر، وصالح بن خوات بن جبير، والزهري وهو من أقرانه.
وكان قارئاً فقيهاً عالماً بالسير والمغازي، روى عن عروة بن الزبير وغيره أخباراً كثيرة مبثوثة في كتب السير والمغازي.
- وقال يزيد بن رومان: (كنت أصلي إلى جانب نافع بن جبير بن مطعم؛ فيغمزني؛ فأفتح عليه، ونحن نصلي). رواه مالك في الموطأ.
- وقال وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: (رأيت محمد بن سيرين ويزيد بن رومان يعقدان الآي في الصلاة). رواه أبو عمرو الداني في البيان.
- وقال ابن سعد: (كان عالما كثير الحديث).
- وقال ابن مجاهد: (كان يزيد من فقهاء أهل المدينة، وهو مولى لآل الزبير بن العوام، وكان الغالب عليه القرآن).
قرأ عليه نافع بن أبي نعيم.

واختلف في سنة وفاته:
- فقال ابن سعد وخليفة بن خياط وابن حبان وأبو عمرو الداني والخطيب البغدادي: مات سنة 130هـ.
- وقال أبو موسى الزَّمِن: مات سنة 129هـ.
- وقال الذهبي: مات سنة 120هـ، وتبعه ابن الجزري وجماعة.
والقول الأول هو قول أكثر العلماء بالوفيات، ولا أعلم ما بنى عليه الذهبي قوله.

وله نحو سبعين رواية في كتب التفسير المسندة، منها مسائل يسيرة في التفسير من أقواله، وبعض الإسرائيليات، وأكثر ما يُروى عنه ما له تعلق بالمغازي وأسباب النزول.
وأكثر من يروي عنه ابن إسحاق، ثم مالك وابن جريج وأبو معشر المدني.

عبد العزيز الداخل 14 جمادى الآخرة 1440هـ/19-02-2019م 10:57 PM

27. أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني(ت:127هـ)

مشهور بكنيته، واختلف في اسمه، والمشهور أنه يزيد بن القعقاع، وقال أحمد بن صالح المصري: اسمه جندب بن فيروز.
مولده في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
وهو أحد القراء العشرة وهو مولى عبد الله بن عياش وتلميذه، تعلّم القرآن في خلافة معاوية، وكان يقرئ الناس في المسجد النبوي قبل وقعة الحرة سنة 63هــ، واُمرَ أن يكون خلف الأئمة يفتح عليهم في قراءتهم.
- قال أبو بكر ابن مجاهد: (كان أبو جعفر لا يتقدَّمه أحد في عصره، أخذ القراءة عن ابن عباس وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وعن مولاه عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان عبد الله بن عياش قد قرأ على أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وقرأ أبيّ على النبي صلى الله عليه وسلم).
- وقال يعقوب بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري: (كان إمام الناس بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان أخذ القراءة عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وعن مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة).رواه ابن مجاهد وابن عساكر.
- وقال ابن جماز: أخبرني أبو جعفر أنه أُتي به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير؛ فمسحت على رأسه ودعت فيه بالبركة. رواه ابن مجاهد وابن عساكر.
- وقال أبو مصعب الزهري: أخبرنا مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال:(كنت أصلي وعبد الله بن عمر ورائي وأنا لا أشعر؛ فالتفتّ فوضع يده في قفاي فغمزني). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن عبد الرحمن القرشي: سمعت أبا جعفر مولى ابن عياش يحدث قال:(رأيت أبا هريرة يلقّن مروان بن الحكم في صلاة العشاء الآخرة).رواه ابن عساكر.
- وقال سليمان بن مسلم بن جماز الزهري: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في {إذا الشمس كورت} يحزّنها شبه الرثاء). رواه ابن مجاهد وابن عساكر.

- وقال سليمان ابن جماز أيضاً: (أخبرني أبو جعفر أنه كان يمسك المصحف على عبد الله بن عياش، وعنه أخذ القراءة). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، ورواه ابن مجاهد وابن عساكر، ولفظه: أخبرني أبو جعفر أنه كان يمسك على مولاه عبد لله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي المصحف وكان أقرأ الناس، قال: (فكنت أروي كلَّ ما يقرأ أو أحدث عنه قراءته).

- وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (كان أبو جعفر يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم يؤمر بذلك، وكان بعده شيبة جعلوه لذلك). ذكره الذهبي في معرفة القراء.
- وقال ابن جمّاز: (أخبرني أبو جعفر أنه كان يقرئ القرآن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحرة، وكانت الحرَّة سنة ثلاث وستين سنة). رواه أبو عبيد وابن مجاهد وابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (كان إمام أهل المدينة في القراءة؛ فسمي القارئ بذلك، وكان ثقة قليل الحديث).
- وقال ابن حبان: (أبو جعفر القارئ اسمه يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة ممن كان قد عنى بعلم القرآن مع النسك والورع).
- وقال الذهبي: (وكان مع عبادته وتبتّله مفتيا مجتهدا كبير القدر).
- وقال عبد الله بن وهب: حدثنا ابن زيد بن أسلم قال: قال رجل لأبي جعفر مولى ابن عياش، وكان في دينه فقيهاً وفي دنياه أبله: هنيئا لك ما أتاك من القرآن!
فقال: (ذاك إذا أحللت حلاله وحرمت حرامه وعملت بما فيه). ذكره الذهبي في "معرفة القراء"

- قال نافع بن أبي نعيم: كان أبو جعفر يقوم الليل فإذا أصبح جلس يقرئ الناس، فيقع عليه النوم فيقول لهم: خذوا الحصا فضعوه بين أصابعي ثم ضمّوها؛ فكانوا يفعلون ذلك وكان النوم يغلبه، فقال: (أراني أنام على هذا، فإذا رأيتموني قد نمت فخذوا خصلة من لحيتي فمدّوها).
قال: فيمرّ عبد الله بن عياش مولاه، فيرى ما يفعلون به فيقول: أيها الشيخ ذهبت بك الغفلة؛ فيقول أبو جعفر: (إن هذا الشيخ في خلقه شيء دوروا بنا وراء القبر موضعا لا يرانا).

قال الذهبي في معرفة القراء: رواها ابن مجاهد، ولم أره في كتاب السبعة لابن مجاهد.
- وقال أبو معشر المدني: كنا مع أبي جعفر القارئ في جنازة؛ فجلس في سقيفة واد يبكي؛ فقيل له: لم تبكي يا أبا جعفر؟
فقال: (أخبرني زيد بن أسلم أن أهل النار لا يتنفسون). رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير، وابن أبي الدنيا في صفة النار، وابن جرير في تفسيره، وابن عساكر في تاريخه.
ولا يتنفسون أي لا يرتاحون، وأما الزفير والشهيق فمذكور في القرآن وهو مما يتعذبون به، نسأل الله العفو والعافية.
- وقال ابن كثير: قال زيد بن أسلم في هذه الآية: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} قال: (بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون).
وقد روى ابن أبي الدنيا في "صفة النار" عن مقاتل بن حيان أنه قال: (إن أهل النار لا يخرج لهم نفس، إنما تردد أنفاسهم في أجوافهم). لكن في إسناده أبو ليلى وهو عبد الله بن ميسرة الحارثي ضعيف الحديث.

قرأ أبو جعفر على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وروي أنه قرأ على أبي هريرة وابن عباس.
وقرأ عليه: نافع بن أبي نعيم، وسليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان الحذاء، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.
- قال ابن سعد: توفي في خلافة مروان بن محمد.
وخلافة مروان بن محمد كانت من سنة 127هـ إلى سنة 132هـ.

واختلف في تعيين سنة وفاته:
- فقال محمد بن المثنى: مات سنة سبع وعشرين ومائة.
- وقال خليفة بن خياط: سنة ثلاثين ومائة.
- وقال ابن حبان: سنة ثنتين وثلاثين ومائة
وقد نيّف على التسعين.
- وقال نافع بن أبي نعيم: (لما غُسل أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف؛ فما شك أحد ممن حضره أنه نور القرآن). رواه ابن مجاهد.

عبد العزيز الداخل 15 جمادى الآخرة 1440هـ/20-02-2019م 07:13 PM

28: أبو بكر محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي القرشي(ت:130هـ)

محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي القرشي، يلتقي نسبه مع أبي بكر الصديق في سعد بن تيم بن مرة، وقد ذكر ابن أبي خيثمة عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنّ المنكدر خال عائشة، وفيه تجوّز؛ فإنّ أمّ عائشة كنانية، والمنكدر يصغر عن ذلك.
وكان محمد بن المنكدر من كبار القراء والعبّاد بالمدينة، وكان سيّداً جواداً، كريم النفس، رفيع القدر، عالماً فقيهاً، كثير الاجتهاد في العبادة، رقيق القلب، برّا بأمّه، محسناً إلى إخوانه وأصحابه، وكان يتابع الحجّ، ويصطحب معه جماعة وينفق عليهم.
وقد أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم: جابر بن عبد الله وأكثر من الرواية عنه، وعائشة، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وغيرهم.
- قال الترمذي: سألت محمدا [يعني البخاري] فقلت: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ فقال: نعم، يقول في حديثه: (سمعت عائشة).
- وقال يوسف بن الماجشون: أخبرني محمد بن المنكدر قال: دخلت على جابر بن عبد اللَّه وهو يموت، فقلت له: (أقرئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مني السلام). رواه أحمد في الزهد.
- وقال سفيان بن عيينة: تعبّد محمد بن المنكدر وهو غلام، وكانوا أهل بيت عبادة، وكانت أمه تقول له: (لا تمزح مع الصبيان). رواه ابن سعد.
- وقال الأويسي: حدثني مالك قال: (كان محمد سيد القراء لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا كاد أن يبكي). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال سفيان بن عيينة: (بلغ سنه نيفا وسبعين ولم أر أحدا أجدر أن يحمل عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، جالسناه عام الزهري كان يجيئنا في الحج والعمرة وكان صديقا لعمرو). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال عبد الله بن المبارك: جمع أبو حازم ناسا من أهل المسجد؛ فانطلق بهم إلى محمد بن المنكدر يكلمونه في أن يخفف عن نفسه مما حمل عليها من العبادة، قال: فلما كلموه قال: (إني لأستقبل الليل فيهولني؛ فإذا دخلت الصلاة وقرأت القرآن إنه لينقضي وما بلغت حاجتي). رواه الفسوي.
- وقال محمد بن عبد الكريم الرازي: سمعت الحارث الصواف يقول: قال محمد بن المنكدر: (كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن المبارك: قال محمد بن المنكدر: (بات عمر- أخوه- يصلي، وبتّ أغمز رِجلَي أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته). رواه أحمد في الزهد وابن سعد والفسوي وابن أبي خيثمة.
- وقال محمد بن سوقة: قيل لمحمد بن المنكدر: تحج وعليك دين؟ قال: (الحج أقضى للدين). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة: قيل لمحمد بن المنكدر: أتحج ّبالصبيان؟
قال: (نعم، أعرضهم على الله عز وجل). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه وابن أبي الدنيا في كتاب النفقة على العيال.
- وقال عيسى بن يونس، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر قال: «نعم العون على الدين الغنى» رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال، وابن حبان في روضة العقلاء
- وقال سفيان بن عيينة: قيل لمحمد بن المنكدر ما بقي مما يستلذ؟ قال «الإفضال على الإخوان» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"
- وقال سفيان بن عيينة: قيل لابن المنكدر: ما أفضل الأشياء؟ قال: (إدخال السرور على المؤمن)
قيل: فما بقي مما يستلذ به؟
قال: (الإفضال على الإخوان). رواه الفسوي.
- وقال عثمان بن واقد العمري: قيل لمحمد بن المنكدر: أي الدنيا أعجب إليك؟ قال: «إدخال السرور على المؤمن»رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج".
- وقال أبو معشر المدني: (كان محمد بن المنكدر بمنى، وكان سيدا يطعم الطعام ويجمع عنده القراء). رواه ابن عساكر.
- قلت: يريد في الحج، وكان يحجّ بأصحابه ويتحمّل عنهم مؤونة الحجّ.
- وقال سفيان بن عيينة: (كان ابن المنكدر من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون). رواه ابن عساكر.
وقال بشر بن المفضل: (جلسنا إلى محمد بن المنكدر فلما أراد أن يقوم قال: أتأذنون؟). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال أبو معشر المدني: بعث محمد ابن المنكدر إلى صفوان بن سليم أربعين دينارا ثم قال لبنيه: (يا بني ما ظنكم برجل فرغ صفوان لعبادة ربه). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن معين: حدثنا سفيان بن عيينة قال: تبع ابنُ المنكدر جنازةَ رجل كان يُسَفَّه بالمدينة فعوتب في ذلك وقيل له: أمثلك يحضر جنازة مثل هذا؟
فقال: (والله إني لأستحي من الله إن رآني أرى رحمته عجزت عن أحد من خلقه).رواه ابن عساكر.
- وقال سعيد بن عامر: دخل أعرابي المدينة فرأى حال بني المنكدر وموقعهم من الناس وفضلهم ثم خرج فسأله رجل كيف تركت أهل المدينة؟
قال: (بخير وإن استطعت أن تكون من آل المنكدر فكن). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال ابن المنكدر لأبي حازم: يا أبا حازم ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بخير وما أعرفهم وما صنعت إليهم خيرا قط؟
فقال أبو حازم: (لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قبله فاشكره). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن معين: أخبرنا عبد العزيز بن يعقوب بن الماجشون قال: قال أبي: (إن رؤية محمد بن المنكدر لتنفعني في ديني). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن وهب: حدثني عبد الرحمن بن زيد قال: (أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فما زال يهوّن عليه ويتجلّى عنه حتى لكأن في وجهه المصابيح، ثم قال له محمد: "لو ترى ما أنا فيه لقرّت عينك"، ثم قضى). رواه الفسوي في المعرفة وابن أبي الدنيا في المحتضرين.
- وقال يعقوب الفسوي: (ابن المنكدر وهو الغاية في الإتقان والحفظ والزهد).
- وقال ابن سعد: (وكان ثقة ورعا عابدا، قليل الحديث، يكثر الإسناد عن جابر بن عبد الله).
قال أحمد بن صالح وعلي بن المديني وخليفة بن خياط: مات سنة ثلاثين ومائة.
وقال ابن سعد: سنة ثلاثين، أو إحدى وثلاثين ومائة.
وقال المدائني: سنة ثمان وعشرين ومائة.

روى عنه: عمرو بن دينار، وموسى بن عقبة، وابن جريج، وابن إسحاق، ومعمر بن راشد، وسفيان الثوري، وشعبة، وحجاج بن أرطأة، وسفيان بن عيينة، وابن لهيعة، والفضل بن عيسى الرقاشي، وموسى بن عبيدة، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 15 جمادى الآخرة 1440هـ/20-02-2019م 08:33 PM

29. شيبة بن نِصَاح بن سرجس المدني(ت:130هـ)

مولى أم المؤمنين أمّ سلمة، أدرك عائشة وأمّ سلمة ومسحت على رأسه ودعت له، وكان إمام أهل المدينة في القراءة في زمانه مع أبي جعفر القارئ، وهو زوج بنت أبي جعفر.
ونِصاح بكسر النون، بعدها صاد مخففة.
- قال إسماعيل بن جعفر الأنصاري: أخبرني سليمان بن مسلم أن شيبة أخبره أنه (أُتي به أم سلمة، وهو صغير، فمسحت رأسه، وبركت عليه). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
وسليمان بن مسلم هو ابن جمّاز.
- وقال إسماعيل بن جعفر أيضاً: (قرأت القرآن على شيبة بن نصاح مولى أم سلمة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة، وكان قديما). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
- وقال يعقوب بن جعفر الأنصاري: (كان شيبة قد أدرك عائشة رضي الله تعالى عنها، وزعم أنها دعت له أن يعلمه الله القرآن). ذكره ابن مجاهد.
- وقال الحافظ أبو العلاء الهمذاني: (هو من قراء التابعين الذين أدركوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرك أم المؤمنين عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم، ودعيا الله تعالى له أن يعلّمه القرآن، وكان ختن أبي جعفر على ابنته ميمونة). ذكره ابن الجزري في غاية النهاية.
- وذكر ابن حبان أنّه كان قاصّ أهل المدينة، وروى البخاري في التاريخ الكبير عن الدراوردي أنه قال: (رأيت شيبة بن نصاح قاضيا بالمدينة).
- وقال نافع بن أبي نعيم: زوَّج أبو جعفر ابنتَه من شيبة بن نصاح وكان مقلّا، فقيل لأبي جعفر: زوجت ابنتك شيبة وهو مقلّ وقد كان يرغب فيها سروات الموالي!!
فقال أبو جعفر: (إن كان شيبة مقلّا فسيملأ بيتها قرآنا). رواه ابن مجاهد.
- وقال نافع أيضاً: لما تزوج شيبة بنت أبي جعفر قال الناس: (يولد بينهما مصحف).
- وقال مصعب الزبيري: (كان إمام أهل المدينة في القراءة في دهره، هو وأبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وعنهما أخذ نافع بن أبي نعيم القراءة وعدد الآي، ونافع بن أبي نعيم الذي صار أهل المدينة إلى قراءته). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال أبو عبيد: قال إسماعيل بن جعفر: (ثم هلك شيبة؛ فتُركَت قراءته، وقُرِئَ بقراءة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم).
- وقال ابن سعد: (وكان ثقة قليل الحديث).
- وقال ابن الجزري: (وهو أوَّل من ألَّف في الوقوف، وكتابه مشهور).

قرأ على عبد الله بن أبي عياش بن أبي ربيعة المخزومي.
قال الذهبي: (ذكر بعض القراء أنه تلا على أبي هريرة، وابن عباس، وأنا أستبعد ذلك).
وقال أيضاً: (ولا نعلم له رواية حديث عن أبي هريرة ولا عن أبي سعيد، ولو أخذ القرآن عنهما لكان بالأولى أن يسمع منهما).

وقرأ عليه نافع وإسماعيل بن جعفر، وسليمان بن جماز وغيرهم.
- قال قالون: (كان نافع أكثر اتباعا لشيبة بن نصاح منه لأبي جعفر). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
- وقال ابن سعد: (توفي في خلافة مروان بن محمد).
- وقال خليفة بن خياط: (مات سنة ثلاثين ومائة).
- وقال ابن الجزري: (مات سنة ثلاثين ومائة في أيام مروان بن محمد وقيل: سنة ثمان وثلاثين ومائة في أيام المنصور).

عبد العزيز الداخل 15 جمادى الآخرة 1440هـ/20-02-2019م 09:44 PM

30: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني (ت:131هـ)

أصله من فارس، وهو مولى آل عثمان بن عفان، نشأ بالمدينة، ولقي ابن عمر وأنساً وأبا أمامة، وتفقه بالفقهاء السبعة وغيرهم، وهو الذي اشتهر عنه تسميتهم بالفقهاء السبعة.
وكان كاتباً لأمراء المدينة، عالماً بالحساب والعربية، وكانت له حظوة كبيرة في المدينة وأتباع، حتى نشأ ربيعة بن أبي عبد الرحمن فانجفل طلاب العلم إليه، ثم وقعت بينه وبين ربيعة جفوة وتنافر، والله يغفر لهما.
- قال الأصمعي: حدثنا ابن أبي الزناد قال: (أبو الزناد مولى بنت شيبة بن ربيعة). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (اسمه عبد الله بن ذكوان، مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وكانت رملة بنت شيبة تحت عثمان بن عفان، وكان أبو الزناد يكنى أبا عبد الرحمن، فغلب عليه أبو الزناد).
- وقال البخاري: (اسمه عبد الله بن ذكوان مولى آل عثمان القرشي المدني).
وقيل في ولائه أقوال أخرى، هذا أرجحها.
- وقال ابن أبي خيثمة: (قالوا: كان ذكوان أخا أبي لؤلؤ قاتل عمر بن الخطاب بولادة العجم).

- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: «عبد الله بن ذكوان لم نكن نكنيه بأبي الزناد، كنا نكنيه بأبي عبد الرحمن، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب» رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.

- وقال علي بن المديني: أخبرنا ابن عيينة قال: (كان كنية أبي الزناد أبو عبد الرحمن، وكان يغضب من أبي الزناد).
- وقال أبو عبد الله الحاكم: (لقي عبدَ الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبا أمامة بن سهل).
- وقال الأصمعي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: (كان الفقهاء كلهم بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز خلا سعيد بن المسيب فإن عمر كان يرضى أن يكون بينهما رسول وأنا كنت الرسول بينهما). رواه ابن عساكر
- وقال محمد بن إسماعيل البخاري: (أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة).
- وقال علي ابن المديني: (كان أصحاب زيد بن ثابت الذين يذهبون مذهبه في الفقه، ويقولون بقوله هؤلاء الاثني عشر، كان منهم من لقيه، ومنهم من لم يلقه، كان ممن لقيه من هؤلاء الاثني عشر: قبيصة بن ذؤيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبان بن عثمان، وسليمان بن يسار.
وكان ممن يقول بقوله ممن لا يثبت لقاؤه مثلَ هؤلاء الأربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب.
وكان أعلم أهل المدينة بهؤلاء الاثني عشر ومذهبهم وطريقهم: ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وأبو الزناد، وأبو بكر بن حزم).

- وقال علي ابن المديني أيضاً: (لم يكن بالمدينة بعد هؤلاء – يريد كبار التابعين - أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي الزناد، وبكير بن عبد الله بن الأشج).
- وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي الزناد فقال: (ثقة فقيه صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات).
- وقال الأصمعي: أخبرنا عيسى بن عمر عن أبي إسحاق قال: سألت أبا الزناد عن الهمز؛ فكأنما كان يقرأه من كتاب). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (كان ثقة كثير الحديث، فصيحا بصيرا بالعربية عالما عاقلا وقد ولي خراج المدينة)
- وقال ابن أبي خيثمة: (وكان أبو الزناد فقيه أهل المدينة وكان صاحب كتاب وحساب، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وكان كاتبا لخالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة).
- وقال ابن عدي: (عبد الله بن ذكوان أبو الزناد مديني مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة، يكنى أبا عبد الرحمن، وأبو الزناد لقب، من فقهاء أهل المدينة، ومحدثيهم ورواة أخبارهم، وحدث عنه الأئمة مثل مالك والثوري، وغيرهما لم أنكر له من الرواية شيئاً لكثرة ما يرويه؛ لأن أحاديثه مستقيمة كلها، وهو كما قال ابن معين: ثقة حجة).

- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: (كان أبو الزناد أَحْسَبُ أهل المدينة وابنه وابن ابنه). رواه ابن أبي خيثمة والخطيب البغدادي وابن عساكر.
أَحْسَبُ أي أعلمهم بالحساب، مثل أَكْتَب، أي: أمهرهم بالكتابة.
- وقال الليث بن سعد عن عبد ربه بن سعيد قال: رأيت أبا الزناد دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من الأتباع مثل ما على السلطان بين سائل عن حديث، وبين سائل عن قراءة، وبين سائل عن فريضة، وبين سائل عن حساب، وبين سائل عن عربية، وبين سائل عن شعر). رواه ابن عساكر.
- وقال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: جالست أبا الزناد؟ قال: (ما رأيت بالمدينة أميرا غيره).رواه ابن عساكر.
- وقال أبو زرعة: أخبرني أحمد بن حنبل أن أبا الزناد أعلم من ربيعة.
قلت لأحمد: فحديث ربيعة؟
قال: (ثقة، وأبو الزناد أعلم منه). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن بكير: سمعت الليث يقول: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: (شبر من حظوة خير من باع من علم). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو يوسف عن أبي حنيفة قال: قدمت المدينة فأتيت أبا الزناد ورأيت ربيعة؛ فإذا الناس على ربيعة، وأبو الزناد أفقه الرجلين؛ فقلت له: أنت أفقه أهل بلدك والعمل على ربيعة!!
فقال: (ويحك! كفٌّ من حظ خير من جراب من علم). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن سلام: قيل لأبي الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟
فقال: (إنها وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن عبد الله بن بكير: سمعت الليث يقول: قال ابن شهاب: (هذان العلمان أفسدا هذه النجدة يعني المدينة).
وقال الزهري: (أخرجني من المدينة العلمان، يعني ربيعة وأبا الزناد). رواه أبو زرعة الرازي في الضعفاء.
رُوي عنه كتاب السبعة ولا يثبت.
- وقال محمد بن طالب بن علي: سألتُ أبا علي صالح بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، فقال: (قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره، وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته كتاب السبعة عن أبيه وقال: (أين كنا نحن من هذا؟!). رواه الخطيب البغدادي.

- قال الواقدي: (مات أبو الزناد بالمدينة، فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين سنة).
- وقال خليفة بن خياط: سنة ثلاثين ومائة.
- وقال يحيى بن معين، وابن بكير، وابن نمير، وأبو حسان الزيادي، وأبو حفص الفلاس، والفسوي، وأبو عيسى الترمذي، وعلي بن عبد الله التميمي: مات سنة إحدى وثلاثين ومائة.

روي عنه في كتب التفسير المسندة من أقواله ومروياته في التفسير:
روى عن: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وعبد الرحمن الأعرج، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي، وعروة بن عويم.
وأرسل عن ابن عباس.
وروى عنه ابنه عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وموسى بن عقبة، ويونس بن يزيد الأيلي، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وسعيد بن عبيد الله القرشي، وسعيد بن أبي هلال، وجهم بن أبي جهم.

عبد العزيز الداخل 27 جمادى الآخرة 1440هـ/4-03-2019م 10:25 AM

31: ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرّوخ المدني مولى آل المنكدر (ت:136هـ)

وهو المعروف بربيعة الرأي، الإمام الفقيه المفسر، مفتي أهل المدينة في زمانه، أدرك أنس بن مالك والسائب بن يزيد وسمع منهما.
روي أنه كان مُقبلاً على العبادة من صلاة وصيام وتلاوة إقبالاً شديداً في أول أمره؛ ثمّ جالس كبار العلماء في زمانه كالقاسم بن محمد وغيره؛ فتفقَّه وبرع، وحفظ واجتهد، وكان اعتماده على الفهم والمقايسة ومعرفة الأشباه والنظائر وأصول الأحكام أكثر من اعتماده على حفظ المسائل؛ فلذلك كثر منه الاجتهاد، وهو ثقة ثبت في مروياته.
وترأّس في المدينة مدّة حتى برع مالك بن أنس وتصدّر وجمع بين النقل والرأي فانجفل الناس إليه.
- قال ابن سعد: (ربيعة الرأي ابن أبي عبد الرحمن، واسم أبي عبد الرحمن فروخ، مولى آل المنكدر التيميين، ويكنى ربيعة أبا عثمان).
وقد روى الخطيب البغدادي من طريق أحمد بن مروان الدينوري - وهو متّهم - قصة مكذوبة على والد ربيعة في تركه إياه وهو حمل في بطن أمّه ثمّ رجوعه إلى المدينة بعدما بلغ سبعاً وعشرين سنة وتصدر في المسجد النبوي، وقد بيّن الحافظ الذهبي كذب هذه القصة من وجوه متعددة.
- وقال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة ربيعة: (سمع أنساً والسائب بن يزيد).
- وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد قال: (مكث ربيعة بن أبي عبد الرحمن دهرا طويلا عابدا يصلي الليل والنهار، صاحب عبادة، ثم نزع ذلك إلى أن جالس القوم، فجالس القاسم فنطق بلب وعقل، وكان القاسم إذا سئل عن شيء قال: سلوا هذا- لربيعة-، قال: فإن كان شيئا في كتاب الله أخبرهم به القاسم، أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلا قال: سلوا هذا - لربيعة أو سالم-.
قال: وصار ربيعة إلى فقه وفضل وعفاف، وما كان بالمدينة رجل واحد كان أسخى نفسا بما في يده لصديق أو لابن صديق أو لباغ يبتغيه منه، كان يستصحبه القوم فيأبى صحبة أحد الا أحد لا يتزود معه، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك» رواه الفسوي والخطيب البغدادي.
- وقال ابن عون: (كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يجلس إلى القاسم بن محمد؛ فكان من لا يعرفه يظنّ أنه صاحب المجلس، يغلب على المجلس بالكلام). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يحيى بن بكير: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد قال: (كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن ربما تكلم بشيء من الفتيا في مجلس القاسم بن محمد). رواه الفسوي.
- وقال ابن وهب عن مالك قال: (كان هذا الأمر من بعد سالم والقاسم إلى ربيعة). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال مطرف بن عبد الله اليساري: سمعت مالك بن أنس يقول: (كنا نعد في حلقة ربيعة ثلاثين رجلا معتما سوى من ليس بمعتم، وكان ربيعة يلبس العمائم).رواه ابن سعد.
- وقال يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثني الليث عن يحي بن سعيد قال: قال لي: (ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن أبي عبد الرحمن).
وقال الليث: وقال لي عبيد الله بن عمر في ربيعة: هو صاحب معضلاتنا وأفضلنا» رواه الفسوي والخطيب البغدادي، وفي رواية عند الفسوي: قال الليث: (وكان صاحب معضلات أهل المدينة ورئيسهم في الفتيا).
- وقال الليث بن سعد أيضاً: كتب مالك بن أنس: (حضرتهم بالمدينة وغيرها ورأسهم في الفتيا يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن). رواه الفسوي.
- وقال مصعب الزبيري: حدثني الدراوردي، قال: (إذا قال مالك: وعليه أدركت أهل بلدنا والمجتمع عليه عندنا؛ فإنه يريد ربيعة بن أبي عبد الرحمن وابن هرمز). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال مالك بن أنس: قال ربيعة: (إنما الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور آبائهم ومن يتولاهم). رواه ابن سعد والفسوي.
- وقال مصعب الزبيري: (ربيعة بن أبي عبد الرحمن اسم أبي عبد الرحمن فروخ وكان مولى آل الهدير من بني تيم بن مرة، وكان يقال له: ربيعة الرأي، وكان قد أدرك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأكابر من التابعين، وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس بالمدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتما، وعنه أخذ مالك بن أنس، وكان ممن يجلس إليه ثم اعتزله فانصرف إليه أكثر من كان يجلس إلى ربيعة). رواه ابن أبي خيثمة والخطيب البغدادي.
- وقال مصعب: (وأفتى مالك عند السلطان، قالوا عن مالك قال: فرأيت الكراهية لحضوري في وجه ربيعة، فلما خرجنا من مجلسنا الذي كنا فيه، قلت له: يا أبا عثمان! إن كنتَ تكره مجامعتي إياك لم أحضره، وإنا إنما تعلمنا منك، قال: (لا أكره؛ فاحضر فلعمري إنه ليفتي معنا من أنت أفقه منه). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال مطرف بن عبد الله: سمعت مالك بن أنس يقول: (ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن). رواه ابن سعد والخطيب البغدادي.

- وقال عبد العزيز بن عبد الله [ابن الماجشون]: حدثنا مالك: كان ربيعة يقول لابن شهاب: (إن حالتي ليس تشبه حالك، أنا أقول برأي من شاء أخذه، وأنت تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتحفظ، لا ينبغي لأحد أن يعلم أن عنده شيئا من العلم يضيع نفسه).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال ابن وهب وحدثني مالك: أن ربيعة قال لابن شهاب- وكلمه في شيء من العلم- فقال: (يا ابن شهاب تحدث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أخبرهم برأيي؛ فإن شاءوا أخذوه، وإن شاءوا تركوه، فانظر ما تحدث الناس به).رواه الفسوي.
- وقال ابن القاسم، عن مالك قال: (قدم الزهري المدينة فأخذ بيد ربيعة ودخلا المنزل فما خرجا إلى العصر، وخرج ابن شهاب وهو يقول: ما ظننت أن بالمدينة مثل ربيعة وخرج ربيعة وهو يقول نحو ذلك). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
- وقال يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس؛ فذكر الرسالة وفيها: (ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتُهم بالمدينة وغيرها، ورأسهم يومئذ في الفتيا ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ فكان من خلاف ربيعة لبعض ما مضى ما عرفتَ وحضرتَ، وسمعتُ قولك فيه، وقول ذوي الرأي من أهل المدينة: يحي بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وكثير بن فرقد، وغير كثير ممن هو أسنَّ منه، حتى اضطرك ما كرهتَ من ذلك إلى فراق مجلسه، وذاكرتُك أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك؛ فكنتما لي موافقين فيما أنكرت، تكرهان منه ما أكره، ومع ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة ولنا خاصة، رحمة الله عليه وغفر له وجزاه بأحسن من عمله).رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ، ورواه يحيى بن معين في تاريخه من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث باختلاف يسير.
- وقال ابن وهب: حدثني بكر بن مضر قال: قال الوليد بن يزيد لربيعة: لم تركت الرواية؟
فقال: (يا أمير المؤمنين تقادم الزمان وقل أهل القناعة). رواه ابن سعد والفسوي.
- وقال ضمرة بن ربيعة عن صدقة بن يزيد قال: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن شيء من الحديث، فقال: (علمت أني وجدت الرأي أهون عليَّ من الحديث). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن أبي خيثمة.
- وقال مهدي بن إبراهيم الرملي، عن مالك بن أنس، عن ربيعة، قال: (إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن وترك فيه موضعا للسنة، وسنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم السنة، وترك فيها موضعا للرأي). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة؛ فأخذ عنه فحُكي عن عبد العزيز أنه قال لربيعة: يا أبا عثمان إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئا، ونرى أن رأينا خير من رأيه لنفسه فنفتيه.
قال ربيعة: أجلسوني؛ فجلس ثم قال: (ويحك يا عبد العزيز! لأن تموت خير من أن تقول في شيء بغير علم، لا، لا، لا ثلاث مرات).رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن وهب: حدثني مالك بن أنس أن إياس بن معاوية قال لربيعة: (إن البناء إذا بني على غير أس، لم يكد يعتدل). يريد بذلك: المفتي الذي يتكلم عن غير أصل يبني عليه كلامه. رواه أبو زرعة الدمشقي.

- وقال ابن وهب: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: (كان يحيى بن سعيد يجالس ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ فإذا غاب ربيعة حدثهم يحيى أحسن الحديث، وكان يحيى بن سعيد كثير الحديث؛ فإذا حضر ربيعة كفَّ يحيى إجلالا لربيعة، وليس ربيعة بأسن منه، وهو فيما هو فيه، وكان كل واحد منهما مجلا لصاحبه). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: (ربيعة بن أبي عبد الرحمن، مديني رجل جليل من جلتهم). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال ابن حبان: (من فقهاء أهل المدينة وحفاظهم وعلمائهم بأيام الناس وفصحائهم وعنه أخذ مالك الفقه).
- وقال الخطيب البغدادي: (وكان فقيها عالما، حافظا للفقه والحديث، وقدم على أبي العباس السفاح الأنبار، وكان أقدمه ليوليه القضاء، فيقال: إنه توفي بالأنبار، ويقال: بل توفي بالمدينة).
- وقال مالك: (لما قدم ربيعة بن أبي عبد الرحمن على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها، فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها، فأبى أن يقبلها). رواه الفسوي والخطيب البغدادي.
- وقال ابن وهب: حدثني مالك عن ربيعة قال: قال لي حين أراد الخروج إلى العراق: (إن سمعت أني أحدّثهم شيئا أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا).
قال: (فكان كما قال لما قدمها لزم بيته، فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع).رواه الفسوي والخطيب البغدادي.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني مطرف، عن مالك، قال: قال لي ربيعة بن أبي عبد الرحمن: (يا مالك! ها أنا ذا خارج إلى العراق، ولست محدثهم حديثا، ولا أفتيهم عن مسألة؛ فإن جاءك عني شيء من ذلك؛ فهو باطل).
قال مالك: (توفي ما حدثهم بحديث ولا أفتاهم بمسألة). رواه ابن أبي خيثمة.
قلت: كان بعض من يذهب من أهل المدينة إلى العراق يتوسع في الرواية فيُروى عنه ما يُستنكر؛ فخشي أن يصيبه ما أصابهم، أو يُروى عنه الحديث على غير وجهه.
- وقال ابن وهب: حدثني عبد العزيز ابن أبي سلمة قال: لما جئتُ العراقَ جاءني أهل العراق؛ فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي.
قال: فقلت: (يا أهل العراق تقولون ربيعة الرأي! لا والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه). رواه الفسوي في المعرفة والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، والخطيب البغدادي في تاريخه.

- وقال يزيد بن عبد الله ابن هرمز: رأيت ربيعةَ جُلِدَ وحُلِقَ رأسه ولحيته، فنبتت لحيته مختلفا بشق أطول من الآخر، فقيل له: يا أبا عثمان لو سويته.
قال: (لا، حتى ألتقي معهم بين يدي الله عز وجل). رواه الفسوي.
- وقال إبراهيم الحزامي: فكان سبب جلده سعاية أبي الزناد، سعى به فولي بعد فلان التيمي، فأرسل إلى أبي الزناد فأدخله بيتا وطين عليه ليقتله جوعا، فبلغ ذلك ربيعة فجاء إلى الوالي وأنكر عليه واستطلقه، وقال: (سأحاكمه إلى الله). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء ثم قال: (تؤول الشحناء بين القرناء إلى أعظم من هذا، ولما رأى ربيعة أن أبا الزناد يهلك بسببه، ما وسعه السكوت، فأخرجوا أبا الزناد، وقد عاين الموت وذبل، ومالت عنقه، نسأل الله السلامة).

توفي ربيعة سنة 136هـ، قاله إبراهيم بن المنذر، ويحيى بن بكير، ويحيى بن معين، والواقدي، وخليفة بن خياط، وابن حبان.
واختلف في مكان وفاته:
- فقال الواقدي: (توفي ربيعة بن أبي عبد الرحمن بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة في آخر خلافة أبي العباس).
- وقال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين، يقول: (مات ربيعة الرأي في مدينة أبي العباس بالأنبار).
وكذلك روى الآجري عن أبي داوود.

له مرويات في كتب التفسير المسندة أكثرها في مسائل يُسأل عنها من أحكام القرآن وغيرها.
روى عن: وهب بن منبه،
وروى عنه: مالك بن أنس، والليث بن سعد، ومحمد بن إسحاق، وعمرو بن الحارث المصري، وابن لهيعة، ونافع بن أبي نعيم، ويونس بن يزيد الأيلي، وعبد الجبار بن عمر الأيلي، وسليمان بن بلال، ورجاء بن جميل، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 27 جمادى الآخرة 1440هـ/4-03-2019م 10:26 AM

32: زيد بن أسلم العدوي(ت:136هـ)

هو الإمام الفقيه المفسر أبو أسامة، ويقال أبو عبد الله، مولى عمر بن الخطاب، كان والده من سبي اليمن، على الأرجح، فاشتراه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- قال ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد قال: قال لي جدي: قال لي عبد الله بن عمر لما وُلد زيد بن أسلم: ما سميت ابنك يا أبا خالد؟
قال: قلت: زيد.
قال: (بأي الزيدين؛ زيد بن حارثة أم زيد بن ثابت).
قال: قلت: (زيد بن حارثة، وكنيته بكنيته).
قال: (أصبت).
قال عبد الرحمن: (وكانت كنيته أبو أسامة).رواه ابن عساكر.
وقد سمع من ابن عمر وأنس بن مالك، واختلف في سماعه من جابر والبراء بن عازب، وأما روايته عن أبي هريرة فهي مرسلة.
ورَوى عن جماعة من التابعين: منهم أبوه أسلم مولى عمر، وعلي بن الحسين، ومحمد بن المنكدر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وحمران بن أبان، وعطاء بن يسار، وأم الدرداء الصغرى، وغيرهم.
وكان في أوّل أمره معلّم كُتَّاب؛ ثمّ تفقّه في الكتاب والسنة حتى وعى علماً كثيراً، وتصدّر للتدريس في المسجد النبوي، وكانت له فيه حلقة، وكان رجلاً مهيباً، وعني بالتفسير وبرع فيه، ووُلّي على معدن بني سُليم مدّة، وتولى خراج المدينة مدة، ورحل مع جماعة من علماء المدينة إلى الشام في خلافة الوليد بن يزيد، ثم رحل إلى مصر وأقام بالإسكندرية مدّة، ثم عاد إلى المدينة وتوفي بها.
- وقال الليث بن سعد: قال بكير ابن الأشج في زيد بن أسلم: (بينا هو معلم كُتَّاب إذ صار يفسّر القرآن). رواه ابن عساكر.
- وقال مطرف بن عبدا لله اليساري: حدثنا مالك بن أنس أن زيد بن أسلم كان على معدن بني سليم، وكان معدناً لا يزال يصاب فيه الناس من قِبَل الجنّ؛ فلمَّا وَلِيَهم زيد شكوا ذلك إليه، فأمرهم بالأذان أن يؤذنوا ويرفعوا أصواتهم، ففعلوا، فارتفع ذلك عنهم، فهم عليه إلى اليوم). رواه ابن سعد في الطبقات، ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق حرملة عن مالك.
- وقال هشيم عن محمد بن عبد الرحمن القرشي قال: كان علي بن حسين يجلس إلى زيد بن أسلم، ويتخطَّى مجالس قومه؛ فقال له نافع بن جبير بن مطعم: تخطَّى مجالس قومك إلى عبد عمر بن الخطاب؟
فقال: (إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه).رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن عساكر.
- وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد قال: قال لي أبو حازم: (لقد رأيتنا في مجلس أبيك أربعين حبراً فقيهاً أدنى خصلة منا التواسي بما في أيدينا؛ فما رؤي فيها متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعهما قط). رواه ابن عساكر.
- وقال مالك: (كان زيد بن أسلم يحدث من تلقاء نفسه؛ فإذا سكت قام؛ فلا يجترئ عليه إنسان).رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، أنه كان يقول إذا جاءه الإنسان يسأله؛ فخلط عليه، قال له: (اذهب فتعلم كيف تسأل؛ فإذا تعلَّمت فتعال فَسَل). رواه ابن سعد.
- وقال عطاف بن خالد: قيل لزيد بن أسلم: عن من يا أبا أسامة؟ قال: (ما كنا نجالس السفهاء، ولا نحمل عنهم). رواه ابن عساكر.
- وقال يعقوب بن شيبة: (زيد بن أسلم ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن، له كتاب فيه تفسير القرآن). رواه ابن عساكر.

وله وصايا جليلة نافعة ذكرت بعضها في سيرته المطوّلة.
- قال ضمرة بن ربيعة عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن أسلم قال: (خصلتان فيهما كمال أمرك: تصبح حين تصبح فلا تهمّ لله عز وجل بمعصية، وتُمسي حين تُمسي ولا تهمّ لله بمعصية). رواه ابن عساكر.
- وقال حاجب بن الوليد بن ميمون: حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أنه قال: (من يكرم الله بطاعته يكرمه الله بجنته، ومن يكرم الله تبارك وتعالى بترك معصيته يكرمه الله أن لا يدخله النار).
وقال: (استغن بالله عمَّن سواه، ولا يكونن أحد أغنى بالله منك، ولا يكن أحد أفقر إليه منك، ولا تشغلنك نعم الله على العباد عن نعمه عليك، ولا تشغلنك ذنوب العباد عن ذنوبك، ولا تقنّط العباد من رحمة الله وترجوها أنت لنفسك). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن وهب: حدثني مالك بن أنس أن زيد بن أسلم كان يقول: (ابن آدم اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا).

وقد نُسب إلى زيد بن أسلم أنه يفسّر القرآن بالرأي، وانتقده بعض أهل عصره على ذلك، إذ كان معوّل أكثر المفسرين في بلده على النقل، وكثر فيهم التحفّظ عن القول في التفسير، ولذلك لما مات جماعة من كبار التابعين وأوساطهم ممن أخذوا عن مفسري الصحابة وكبار مفسري التابعين، احتاج طلاب التفسير إلى من يجيب على أسئلتهم، فكان زيد بن أسلم يُسأل عن مسائل في القرآن فيجتهد رأيه ويجيب بما يفهمه، ويقع في بعض أجوبته ما يُستنكر، وقد يروي عنه بعض الضعفاء ما يفهمونه على غير وجهه فيستنكر، وهو يروي أيضاً أخباراً إسرائيلية عن وهب بن منبّه وغيره ممن يقرأ كتب أهل الكتاب، وأحيانا يذكر الخبر الإسرائيلي من غير إسناد.
- قال حماد بن زيد: قدمت المدينة وأهل المدينة يتكلمون في زيد بن أسلم؛ فقلت لعبد الله [أي ابن عمر العمري]: ما تقول في مولاكم هذا؟
قال: (ما نعلم به بأسا إلا أنه يفسر القرآن برأيه). رواه ابن عدي وابن عساكر.
وهذا لا يُراد به ما عُرف مؤخراً بالتفسير بالرأي المذموم، وهو تفسير أهل الأهواء للقرآن بما ينصرون به بِدَعهم، وإنما المراد به أنه كان يجتهد رأيه في التفسير؛ فيجيب بأجوبة بعضها من تلقاء نفسه لم يأخذها بالتلقي عن مفسري الصحابة وكبار التابعين، وقد تأملت بعض ما أنكر عليه من الأجوبة فوجدته يعتمد فيها على قواعد معروفة في التفسير؛ ومن خَفي عليه وجه القول ربما سارع إلى إنكاره، وهو غير معصوم من الخطأ في الاجتهاد، لكن أن يكون ممن يتعمد القول في القرآن بغير علم فلا.
- وقال ابن عدي: (زيد بن أسلم هو من الثقات، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه، حدث عنه الأئمة).

وقد اختلف في سنة وفاته، وأرجح الأقوال أنه توفي سنة 136هـ، في أوّل خلافة أبي جعفر المنصور، وهو قول حفيده زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وخليفة بن خياط، وأبي حفص الفلاس.
وقال الواقدي: سنة 143هـ.
وقال أبو عبيد: سنة 133هـ.
والمعتمد القول الأول.

ولزيد بن أسلم مرويات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة، وما يُروى عنه فيها على نوعين:
النوع الأول: ما رواه عن جماعة من الصحابة والتابعين من أقوالهم أو مروياتهم في التفسير، وهو ثقة ثبت إذا صحّ الإسناد إليه.
والنوع الثاني: أقواله في التفسير ، وهي كثيرة جداً.
ويقع في بعض ما روي عنه إسرائيليات، وله روايات عن وهب بن منبه، وله اجتهاد في مسائل في التفسير، وقد نسب إلى التفسير بالرأي كما تقدّم، وحقيقته اجتهاد في استخراج المعاني والأوجه التفسيرية.

وقد روى عنه جماعة من الأئمة، منهم: عبد الملك ابن جريج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، وسعيد بن أبي هلال الليثي، ومحمد بن عجلان، ويعقوب بن عبد الرحمن القاري، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وسليمان بن بلال التيمي، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وأبو جعفر القارئ، وغيرهم من ثقات الرواة.
وروى عنه أولاده عبد الرحمن وأسامة وعبد الله، وهم ضعفاء في الحديث، وأشدّهم ضعفاً عبد الرحمن، وأمرهم في التفسير أهون.
- قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (حديث بني زيد بن أسلم ثلاثتهم ليس بشيء).
ومن طبقتهم أبو صخر حميد بن زياد الخراط، وأبو جعفر الرازي وهؤلاء روايتهم عنه في التفسير معتبرة ما لم يكن فيها مخالفة أو نكارة.
وروى عنه نحو عشرين راوياً من الضعفاء والمجاهيل والمتروكين، وقد ذكرت مراتب الرواة عنه غير هذا الموضع.

عبد العزيز الداخل 27 جمادى الآخرة 1440هـ/4-03-2019م 10:33 AM

33: أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج(ت:140هـ)

العالم العابد، والفقيه الزاهد، والواعظ الحكيم، أصله من فارس، ونشأ بالمدينة، وتفقّه بها، وسمع سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وأكثر من الرواية عنه،وكان جاراً للزهري في المدينة، وكان يقصّ بالمدينة، وله وصايا مأثورة، وأخبار مشهورة في الزهد والحكمة، وكانت له كتب يكتب فيها الحديث، وقد صارت لابنه من بعده فكان يرويها عنه.
- قال البخاري: (مولى الأسود بن سفيان المخزومي، سمع سهل بن سعد، وعطاء بن أبي رباح والنعمان بن أبي عياش، سمع منه مالك والثوري وابن عيينة).
- وقال مصعب بن عبد الله: (اسم أبي حازم سلمة بن دينار، وأصله فارسي، وهو مولى لبني ليث، وأمه رومية، وكان أشقر أفزر أحول). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن سعد: (مولى لبني شَجِع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة).
- وقال أبو علي الغساني: (وقال بعضهم: أشجع. وهو وهم ليس في بني ليث أشجع، إنما فيهم شجع). ذكره أبو الحجاج المزي.
- قال: (وكان أعرج، وكان عابدا زاهدا، وكان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة).
- وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: (إني لأعظكم، وما أرى موضعاً، وما أريد إلا نفسي). رواه الفسوي وابن أبي خيثمة.
- وقال حجاج بن محمد عن أبي معشر قال: رأيت أبا حازم في مجلس عون بن عبد الله، وهو يقصّ في المسجد ويبكي ويمسح بدموعه وجهه؛ فقلت له: يا أبا حازم لم تفعل هذا؟
قال: (بلغني أنَّ النارَ لا تصيبُ موضعاً أصابه الدموع من خشية الله). رواه ابن عساكر.
- وقال الليث بن سعد، عن أبي حازم، قال: (إني لأدعو الله في صلاتي حتى بالملح). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان الثوري: قال أبو حازم لأناس: (أن أُمنع الدعاء أخوف إليَّ من أن أمنع الإجابة). رواه الفسوي.
- وقال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت عون بن عبد الله يقول: (ما رأيت أحداً يُفَرْفِرُ الدنيا فَرْفَرَةَ هذا الأعرج يعني أبا حازم). رواه الفسوي.
- قال أبو منصور الأزهري: (أي: يذمّها ويمزقها بالذم لها، والذئب يفرفر الشاة، أي يمزقها).
- وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد قال: قال لي أبو حازم: (لقد رأيتنا في مجلس أبيك أربعين حَبْرا فقيهاً، أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، فما رُئي فيها متمارِيَيْنِ ولا متنازعين في حديث لا ينفعهما قط). رواه الفسوي.
قال أبو حازم: (كم بين قوم كانوا يفتحوني وأنا منغلق، وبين قوم يغلقوني وأنا منفتح). رواه الفسوي.
- وقال أبو معشر المدني: قال أبو حازم: لقيني محمد بن كعب في طريق مكة فقال لي: (يا أعرج اصحبنا وكن معنا).
فقلت: (يا أبا حمزة إنا لنحبّ أن نصحبك، ولكن نخشى طول الصحبة وأن ينفجر منا ما لا تحب). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن سعد: قدم سليمان بن هشام بن عبد الملك المدينة فأتاه الناس، وبعث إلى أبي حازم فأتاه، وساءله عن أمره وعن حاله، وقال له: يا أبا حازم ما مالك؟
قال: لي مالان.
قال: ما هما؟
قال: (الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس).

- وقال أبو طالب عن الإمام أحمد وقد سُئل عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال: (ابن أبي حازم لم يكن يُعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه، وكان رجلا يتفقَّه، يقال: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويقال: إن سليمان بن بلال أوصى إليه؛ فوقعت كتب سليمان إليه ولم يسمعها، وقد روى عن أقوام لم يُعرف أنه سمع منهم، ولا كاد يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه فإنهم يقولون سمعها). رواه أبو يوسف الفسوي.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: (أما ابن أبي حازم فإنه سمع مع سليمان بن بلال؛ فلما مات سليمان أوصى بكتبه إليه؛ فكانت عند ابن أبي حازم قد بال عليها الفأر؛ فذهب بعضها، فيقرأ ما استبان منها، ويدع ما لا يعرف، وقد قرأها علينا، وأما حديث أبيه: فكان يحفظه، فأخذتُ كتاباً فكتبتُ منه حديث أبيه، ولم أسمعه). رواه ابن أبي خيثمة.

وصاياه:
- قال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: (كلُّ عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت). رواه الفسوي.
- وقال أبو حازم: شيئان إذا عملت بهما أصبت بهما خير الدنيا والآخرة لا أطول عليك. قيل: وما هما يا أبا حازم؟
قال: (تعمل ما تكره إذا أحبه الله، وتترك ما تحب إذا كرهه الله). رواه الفسوي.
- وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: (اكتم حسناتك أكثر مما تكتم سيئاتك). رواه الفسوي، وابن أبي خيثمة.
- وقال سفيان الثوري: قال هشام بن عبد الملك لأبي حازم: يا أبا حازم ما النجاة من هذا الأمر؟
قال: يسير.
قال: وما ذاك؟
قال: لا تأخذنَّ شيئا إلا من حله، ولا تضعن شيئاً إلا في حقه.
قال: ومن يطيق ذلك يا أبا حازم؟
قال: (من طلب الجنة، وهرب من النار). رواه الفسوي.
- وقال ابن أبي عمر: قال سفيان: قال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع الي حاجتك.
قال: (هيهات هيهات، رفعتها إلى من لا تختزل الحوائج دونه؛ فما أعطاني منها قنعت، وما زوى عني منها رضيت). رواه الفسوي.
- وقال إبراهيم بن سالم الهذلي: قال أبو حازم: (والله لئن نجونا من شر ما أُعطينا لا يضرنا ما زُوي عنا، وإن كنا قد تورطنا في شر ما قد بسط علينا ما يُطلب ما بقي إلا حُمقا). رواه ابن عساكر.
- وقال جويرية بن أسماء: مرَّ أبو حازم بجزار؛ فقال: يا أبا حازم خذ من هذا اللحم فإنه سمين.
قال: (ليس معي درهم).
قال: أنا أُنظرك.
قال أبو حازم: (أنا أُنظر نفسي). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن مطرف: قال أبو حازم: (ما في الدنيا شئ يسرك إلا قد التصق به شيء يسوؤك). رواه ابن أبي الدنيا في الزهد وابن عساكر في تاريخه.
- وقال حجاج بن محمد الأعور: قال سفيان الثوري: رحم الله أبا حازم، قال: (وثق الناس بالعلم، وتركوا العمل). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعت أبا حازم يقول: (لا تعادينَّ رجلا ولا تناصبنه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله، فإن تكن له سريرة حسنة؛ فإن الله لم يكن ليخذله بعداوتك له، وإن كانت له سريرة رديئة؛ فقد كفاك مساوئه، ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله، لم تقدر). رواه ابن عساكر.
- وقال عبيد الله بن عمر، عن أبي حازم قال: (لا تكون عالماً حتى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغي على من فوقك، ولا تحقر من دونك، ولا تأخذ على علمك دنيا). رواه ابن أبي الدنيا في مداراة الناس، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: (ليس للملوك صديق، ولا للحسود راحة، والنظر في العواقب تلقيح للعقول).
قال سفيان: فذاكرت الزهري هذه الكلمات؛ فقال: (كان أبو حازم جاري، وما ظننت أنه يحسن مثل هذه الكلمات). رواه ابن عساكر.
وفي رواية عند ابن عساكر أيضاً: (ليس للمَلولِ صديق).

اختلف في سنة وفاته:
- فقال أبو حفص الفلاس وأبو عيسى الترمذي: مات سنة ثلاث وثلاثين.
- وقال خليفة بن خياط وابن حبان: مات سنة خمس وثلاثين.
- وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (مات أبو حازم المديني سنة أربعين ومائة).
- وقال محمد بن سعد: مات في خلافة أبي جعفر بعد سنة أربعين ومئة.
قلت: أرجحها قول يحيى بن معين وابن سعد؛ فإنه مات بعد زيد بن أسلم، وقد توفي زيد في ذي الحجة من سنة 136هـ.
- قال ابن سعد: (وكان ثقة، كثير الحديث).
له مرويات في كتب التفسير المسندة، وهو غير أبي حازم الأشجعي الذي يروي عن أبي هريرة وابن عباس.
وقد روى أبو حازم الأعرج عن سهل بن سعد الساعدي فأكثر، وأرسل عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما.
- قال يحيى بن صالح الوحاظي: قلت لابن أبي حازم: أبوك سمع من أبي هريرة؟
قال: (من حدثك إن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد فقد كذب). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال الدارقطني: (سلمة بن دينار لم يسمع من أبي هريرة شيئا).
وروى عن جماعة من التابعين، منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد المقبري، والنعمان بن أبي عياش، وغيرهم.
وروى عنه: ابنه عبد العزيز، وسفيان بن عيينة، وأنس بن عياض، وسعيد بن أبي هلال الليثي، وأبو غسان محمد بن مطرف، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، ويعقوب بن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري الإسكندري، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وسليمان الطائفي، وعبد الجليل القيسي، وأبو محمد عيسى بن موسى القرشي، وأبو صخر الخراط، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني.

عبد العزيز الداخل 2 رجب 1440هـ/8-03-2019م 01:36 AM

34: يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري(ت:143هـ)

هو الإمام الحافظ الجليل، والمحدّث الفقيه، وقاضي المدينة في زمانه، كان من كبار حُفَّاظ السنة، ونقلة التفسير، وأوعية العلم،وهو راوي حديث " إنما الأعمال بالنيات"، وعنه اشتهر، واسمه: يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة من بني النجار من الخزرج، وجده قيس من الصحابة، له حديث في المسند والسنن، وجدته أمّ أبيه زينب بنت الحباب النجارية من المبايعات.
- قال البخاري: (يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري وقال بعضهم: قيس بن قَهد، ولا يصح).
سمع أنس بن مالك، وروى عنه، وصحبه في سفره إلى الشام مع جماعة من الأنصار لما وفد على الوليد بن عبد الملك، وتفقّه بالفقهاء السبعة وغيرهم من كبار التابعين.
- وقال أحمد بن عيسى المصري: أنبأنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد أنه (سافر مع أنس بن مالك إلى الوليد بن عبد الملك فكان أنس يصلي عند كل أذان ركعتين).رواه ابن عساكر.

وكان حافظاً لا يكتب، ثم ندم على تركه الكتابة.
- قال الليث بن سعد: (أُتي يحيى بكتاب علمه يعرض عليه؛ فاستنكر كثرته لأنه لم يكن له كتاب؛ فكان يجحده، حتى قيل له: نعرضه عليك فما عرفتَه أجزتَه، وما لم تعرفه رددتَه؛ فعرفه كله). رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال ابن وهب: قال مالك: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «لأَن أكون كتبتُ ما أسمع أحبُّ إليَّ من أن يكونَ لي مثلُ مالي » رواه أبو يوسف الفسوي والبيهقي في المدخل إلى السنن.

توليه القضاء
تولى القضاء في دولة بني أمية، وفي دولة بني العباس.
- قال الواقدي: (لما استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك استعمل على المدينة يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي؛ فاستقضى سعد بن إبراهيم على المدينة ثم عزله، واستقضى يحيى بن سعيد الأنصاري). رواه ابن سعد.
- وقال ابن وهب: قال لي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (كان يحيى بن سعيد قاضيا بالمدينة في زمن بني أمية، وقضى في زمان بني هاشم بالعراق). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال أبو يوسف الفسوي: (وإنما ولَّى يوسفُ بن محمد الثقفي يحيى بنَ سعيد القضاء في زمن الوليد بن عبد الملك؛ لأن ولاة الأمصار كانوا يستقضون القضاة، ويولونهم دون الخلفاء حتى استخلف أبو جعفر المنصور). رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر.
قال ابن عساكر: (الوليد بن عبد الملك وهم، إنما هو الوليد بن يزيد).
- وقال الخطيب البغدادي: (وكان يتولى القضاء بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فأقدمه المنصور العراق، وولاه القضاء بالهاشمية، وذكر غير واحد من أهل العلم أنه ولي القضاء بمدينة السلام، وليس ذلك بثابت عندي، إنما وليه بالهاشمية قبل أن تبنى بغداد، والله أعلم).

- وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني مالك بن أنس قال: لما أراد يحيى بن سعيد أن يخرج إلى العراق قال لي: اكتب لي مائة حديث من حديث ابن شهاب، وأتني بها.
قال: فكتبت مائة حديث من حديث ابن شهاب فأتيته بها فأخذها مني.
قلت لمالك: فما قرأها عليك، ولا قرأتها عليه؟
قال: (لا، هو كان أفقه من ذلك). رواه ابن سعد.
- وقال ابن وهب: حدثنا مالك، قال: قال يحيى بن سعيد: (اكتب لي أحاديث من أحاديث ابن شهاب في الأقضية).
قال: فكتبت له ذلك في صحيفة كأني أنظر فيها صفراء.
فقيل لمالك: يا أبا عبد الله أعرض عليك؟
قال: (هو كان أفقه من ذلك). رواه ابن أبي خيثمة والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال سليمان بن بلال: لما خرج يحيى بن سعيد إلى العراق خرجت أشيّعه فكان أول ما استقبله جنازة فتغير وجهي لذلك فالتفت إلي؛ فقال: يا أبا محمد ما بك تطيرت؟
فقلت: اللهم لا طير إلا طيرك.
قال: (والله لئن صدق ليُنعشنَّ الله أمري).
قال: (فمضى والله فما أقام إلا شهرين حتى بعث بقضاء دينه، ونفقة أهله، وأصاب خيرا). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا حجاج بن محمد، قال: (رأيت يحيى بن سعيد -يعني الأنصاري - يقضي في داره، ويقضي في المسجد)

ثناء العلماء عليه
وقد استفاض ثناء أهل العلم عليه في علمه وفقهه، وكثرة حديثه، وقوة حفظه؛ حتَّى عُدَّ من أوعية العلم الكبار، وممن هم غاية في التثبت وحسن الحفظ وجلالة القدر في أهل الحديث.
- قال علي بن مسهر: سمعت سفيان الثوري يقول: (أدركت من الحفاظ أربعة: إسماعيل بن أبي خالد، وعاصماً الأحول، ويحيى بن سعيد، وعبد الملك بن أبي سليمان). رواه ابن عساكر
- وقال سفيان بن عيينة: (كان محدثو الحجاز ابنُ شهاب، وابنُ جريج، ويحيى بن سعيد، يجيئون بالحديث على وجهه). رواه البخاري في التاريخ الكبير والخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال الحسين بن إدريس: قال ابن عمار: (موازين أصحاب الحديث من الكوفيين والمدنيين: عبد الملك بن أبي سليمان، وعاصم الأحول، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري). رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال حماد بن زيد: قدم علينا أيوب مرَّةً فقلنا: من خلَّفت بالمدينة؟
فقال: (ما خلفت بها أحداً أفقهَ من يحيى بن سعيد الانصاري). رواه البخاري في التاريخ الكبير والخطيب البغدادي.
- وقال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، قال: (حدثني الأمين المأمون على ما يغيب عليه يحيى بن سعيد، عن عروة، قال: يقطع الآبق إذا سرق). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال إبراهيم بن هاشم: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: قدم أيوب فجالس عمرو بن دينار من العشاء إلى الصبح، فلما أراد الخروج إلى المدينة، قال: (اكتب لي عيون حديث يحيى بن سعيد).رواه الخطيب البغدادي.
- وقال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن يعني ابن مهدي قال: حدثني وهيب [بن خالد] وكان من أبصر أصحابه بالحديث وبالرجال أنه قدم المدينة قال: (فلم أر أحداً إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد، يعني مالك بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصاري). رواه ابن عساكر.
- وقال القاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدي: سمعت علي بن المديني يقول: (أصحاب صحة الحديث: أيوب بالبصرة، ومنصور بالكوفة، ويحيى بن سعيد بالمدينة، وعمرو بن دينار بمكة). رواه ابن عساكر.
- وقال علي بن المديني: (لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبي الزناد وبكير بن عبد الله بن الأشج). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه قال: (ما رأيت أحداً أقرب شبها بابن شهاب من يحيى بن سعيد الأنصاري، ولولاهما لذهب كثير من السنن). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال محمد بن خلاد الباهلي: سمعت يحيى، وهو ابن سعيد القطان، لا يقدم على يحيى بن سعيد أحدا من الحجازيين، فقيل له: الزهري؟ فقال: (الزهري خولف عنه، ويحيى لم يختلف عنه).رواه الخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال يحيى بن سعيد القطان: سمعت سفيان بن سعيد يقول: (كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن بشر الطالقاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (يحيى بن سعيد الأنصاري أثبت الناس). رواه ابن عساكر.

أخلاقه وشمائله
وكان كريم الشمائل، جليل القدر، نبيلاً حسن الصحبة والمؤاخاة.
- قال يحيى بن المغيرة: سمعت جريرا يقول: (لم أر من المحدثين إنسانا كان أنبلَ من يحيى بن سعيد الأنصاري). رواه ابن عساكر.
- وقال حسن بن عيسى: قال جرير بن عبد الحميد: (سألت يحيى بن سعيد الأنصاري ما رأيت شيخًا أنبل منه...). رواه عبد الله بن الإمام أحمد
- وقال محمد بن القاسم الهاشمي: (كان يحيى بن سعيد خفيف الحال فاستقضاه أبو جعفر فارتفع شأنه فلم يتغير حاله، فقيل له في ذلك، فقال: (من كانت نفسه واحدة لم يغيّره المال). رواه ابن أبي خيثمة والخطيب البغدادي وابن عساكر.
- وقال أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت أصحابنا يحكون عن مالك بن أنس أنه قال: (ما خرج منا أحد من المدينة إلى العراق إلا تغيَّر غير يحيى بن سعيد، ولم يرجع على ما كان عليه إلا يحيى بن سعيد). رواه ابن عساكر.
- وقال الواقدي: أخبرني سليمان بن بلال، قال: خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية في ميراث له وطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد؛ فركبه إلى إفريقية فقدم بذلك الميراث، وهو خمسمائة دينار، قال: فأتاه الناس يسلمون عليه؛ فأتاه ربيعة؛ فلما أراد ربيعة أن يقوم حبسه؛ فلما ذهب الناس أمر بالباب فأغلق، ثم دعا بمنطقته فصبها بين يدي ربيعة، وقال: "يا أبا عثمان، والله الذي لا إله إلا هو ما غيَّبت منها ديناراً إلا شيئاً أنفقناه في الطريق".
ثم عد خمسين ومائتي دينار، فدفعها إلى ربيعة وأخذ خمسين ومائتي دينار لنفسه، قاسمه إياها). رواه ابن سعد.

شيء من أخباره
- قال أبو سعيد بن يونس: (يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري يكنى أبا سعيد مدني قدم مصر وكيلا لولد أبي دجانة الأنصاري في طلب ميراثهم من بيت محمد بن مسلمة بن مخلد، وصار من مصر إلى أفريقية أيضا). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الرحمن بن القاسم: وقال مالك: حدثني يحيى بن سعيد أنه كان بأفريقية قال: (فأردت حاجة من حوائج الدنيا)
قال: (فدعوت فيها ورغبت ونصبت واجتهدت).

قال: (ثم ندمت بعد ذلك فقلت لو كان دعائي هذا في حاجة من حوائج آخرتي).
قال: (فشكوت إلى رجل كنت أجالسه).
فقال لي: (لا تكره ذلك فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء). رواه ابن عساكر.

وفاته:
القول الأول: توفي سنة 143هـ، وهو قول يحيى بن سعيد القطان، والواقدي، والهيثم بن عدي، ومحمد بن عبد الله ابن نمير، وابن سعد، وأحمد بن حنبل، وأبي حسان الزيادي، وأبي عيسى الترمذي، وابن يونس المصري، وغيرهم.
القول الثاني: توفي سنة 144هـ، وهو قول يزيد بن هارون، ويحيى بن بكير، وأبي حفص الفلاس.
القول الثالث: سنة 146هـ، وهي رواية عن ابن بكير.

- قال ابن سعد: (توفي بالهاشمية) وهي محلة قرب الكوفة.
- وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبد الله: (ومات يحيى بن سعيد الأنصاري ههنا). رواه الخطيب البغدادي، وقال: يعني: بالعراق.

الرواة عنه
له مرويات كثيرة جداً في كتاب التفسير المسندة، وأكثرها من مروياته ، رويت عنه أقوال من مسائل أصحابه:
روى عن: أنس بن مالك، وأبي أمامة وغيرهما، وأرسل عن زيد بن ثابت وعائشة وغيرهما.
وروى عن جماعة من التابعين منهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وعمرة بنت عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن حزم، وحميد بن نافع، وعبد الرحمن بن القاسم، وغيرهم.
وروى عنه: معمر بن راشد، وسفيان الثوري، ومسلم بن خالد الزنجي، ونافع بن أبي نعيم، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وابن جريج، وعبد الله بن المبارك، وشعبة بن الحجاج، والأوزاعي، وهشيم بن بشير، ويزيد بن هارون، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وسليمان بن بلال، وعبد الوهاب الثقفي، وزهير بن معاوية، وأنس بن عياض، وعمارة بن غزية، وعبد الملك بن أبي سليمان، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وعبد السلام بن حرب الملائي، وشريك بن عبد الله النخعي، وابن لهيعة، وغيرهم.

عبد العزيز الداخل 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م 03:03 AM

35: أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي القرشي(ت:125هـ)

كان عالماً فقيهاً، حسن المعرفة بالأنساب،
- قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: (شهدت عمر بن عبد العزيز يسأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال الحكم بن نافع: حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: (وكان أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة من علماء قريش). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة يقول: «ما وجدنا في علم عالم، ولا شعر شاعر أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان» رواه ابن وهب.
- موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة: لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: حدثتني جدتي الشفاء - وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها - قالت: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم). رواه البخاري في الأدب المفرد.

عبد العزيز الداخل 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م 03:05 AM

36: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق(ت:126هـ)

العالم الفقيه أبو محمد التيمي القرشي المدني.
- قال أبو أحمد الحاكم: (عداده في التابعين).
- وقال الذهبي: (وهو خال جعفر الصادق، ولد في حياة عمة أبيه عائشة).
قلت: فيكون قد أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ممن كان في المدينة وممن وفد إليها، وممن يجد، وله رواية عن عبد الله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، وهو من طبقة صغار الصحابة رضي الله عنهم.
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري: (أمّه قُرَيبة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وكان من خيار المسلمين، وكان له قدرٌ في أهل المشرق، وكان خرج إلى هشام بن عبد الملك يتظلَّم له من خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المعروف بابن مطيرة، وكان خالد والياً على المدينة؛ فلما فقده خالد بن عبد الملك، ظنَّ أنه خرج إلى المشرق؛ فكتب إلى هشام بن عبد الملك يذكر له أنَّ عبد الرحمن بن القاسم قيل: خرج قِبَل المشرق وكثَّر عليه؛ فلم يدرِ هشام الا بعبد الرحمن قادماً عليه يتظلَّم من خالد؛ فغضب هشام على خالد، وقال: "لا تعمل لي على عمل أبدا" وعزله). رواه ابن عساكر.
- وقال علي ابن المديني: حدثنا سفيان [ بن عيينة] قال: (سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه...). رواه ابن عساكر، ورواه البخاري في التاريخ الكبير ولفظه: (كان أفضل أهل زمانه).
- وقال هارون بن موسى الفروي المديني: حدثني أبي قال: كنا نجلس عند مالك، وابنُه يحيى يدخل ويخرج ولا يجلس معنا؛ فيقبل علينا مالك فيقول: مما يهوّن عليَّ أنَّ هذا الشأن لا يُورَّث، وأنَّ أحداً لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (كان وَرِعاً كثير الحديث).
- وقال ابن حبان: (من سادات أهل المدينة ومتقنيهم وعباد قريش وصالحيهم).
- وقال الذهبي: (كان إماما وَرِعا حجة).
- وقال ابن عساكر: (وفد على هشام بن عبد الملك متظلما من عامل المدينة واستوفده الوليد بن يزيد مع فقهاء من أهل المدينة ليستفتيهم عن الطلاق قبل النكاح؛ فمات بالفدين من أرض حوران ودفن بها).
وقيل: توفي بالمدينة سنة 126هـ.
له مرويات في كتب التفسير المسندة، أكثرها مما رواه عن أبيه، ورويت عنه أقوال يسيرة.
وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إسحاق، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عمر، وشعبة، وعمرو بن الحارث.

عبد العزيز الداخل 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م 03:06 AM

37: داود بن الحصين المدني (ت:135هـ)

أبو سليمان المدني، مولى عمرو بن عثمان بن عفان في قول ابن سعد، وقال ابن حبان: (مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان).
وهو من نقلة التفسير، ومن طبقة صغار التابعين، ولد عام الحرّة سنة 63هـ، وأدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن رافع بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدي بن زيد الأنصاري، وأم سعد بنت سعد بن الربيع امرأة زيد بن ثابت.
وروى عن جماعة من التابعين منهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعكرمة، ونافع مولى ابن عمر، وواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم.
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري: (داود بن الحصين مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان، روى عن عكرمة، وكان يؤدّب بني داود بن علي، مقدم داود بن علي المدينة، وكان فصيحاً عالماً، وكان يُتَّهم برأي الخوارج، ومات عكرمة عند داود بن الحصين، وكان عكرمة يُتهم برأي الخوارج). رواه ابن أبي خيثمة.

له مرويات في كتب التفسير المسندة، وفي كتب السير والمغازي.
وهو من أهل الصدق، وقد اتُّهم بالقول بالقدر، وبرأي الخوارج، ولم يكن داعياً إلى هذه البدع، وقد روى عنه الإمام مالك بن أنس وكان ينتقي شيوخه، وأخرج له البخاري ومسلم.
وقد تكلّم بعض الأئمة النقّاد في روايته عن عكرمة؛ فضعّفها علي بن المديني وأبو داوود لما فيها من النكارة.
ومروياته في كتب التفسير المسندة ليست بالكثيرة.
- قال ابن سعد: (وكان ثقة).
- وقال أحمد بن صالح المصري: (هو من أهل الثقة والصدق، ولا شك فيه).
- وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار": (من أهل الحفظ والإتقان).
- وقال في كتاب الثقات: (داود بن الحصين مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان من أهل المدينة، يروي عن عكرمة ونافع، روى عنه مالك وأهل المدينة، مات بالمدينة سنة خمس وثلاثين ومائة، وكان يذهب مذهب الشراة، وكل من ترك حديثه على الإطلاق وَهِم؛ لأنه لم يكن بداعية إلى مذهبه، والدعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال؛ فمن انتحل نحلةَ بدعة ولم يدع إليها وكان متقنا كان جائز الشهادة محتجاً بروايته؛ فإن وجب ترك حديثه وجب ترك حديث عكرمة؛ لأنه كان يذهب مذهب الشراة مثله).
والشُّراة فرقة من فرق الخوارج، قيل إنهم سمّوا أنفسهم بذلك وقالوا: شرينا أنفسنا بطاعة الله، وقال قائلهم:
إنا شرينا بدين الله أنفسنا ... نبغي بذاك إليه أعظمَ الجاه
ننهى الولاة بحدّ السيف عن سرف ... كفى بذاك لهم عن زاجر ناهي
- وقال ابن عدي: (داود هذا له حديث صالح، وإذا روى عنه ثقة فهو صحيح الرواية إلا أن يروي عنه ضعيف؛ فيكون البلاء منهم لا منه، مثل ابن أبي حبيبة هذا وإبراهيم بن أبي يحيى، كان عند إبراهيم عنه نسخة طويلة).
- قال ابن سعد: (توفي بالمدينة سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة).

له مرويات في كتب التفسير المسندة:
روى عن: عكرمة، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
وأكثر روايته في كتب التفسير عن عكرمة.
روى عنه: مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وعبد العزيز الماجشون، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهل.
- وقال الذهبي: (وهو صدوق له غرائب تنكر عليه، وثقه ابن معين، وغيره مطلقا، وقال ابن المديني: ما روي عن عكرمة فمنكر).

- وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: (ذكر البرقي في «باب من تكلم فيه من الثقات لمذهبه ممن كان يرمى منهم بالقدر»: داود بن حصين، وثور بن زيد، وصالح بن كيسان. يقال: إنهم جلسوا إلى غيلان القدري ليلة، فأنكر عليهم أهل المدينة، ولم يكونوا يدعون إلى ذلك.
روى أنه سئل مالك فقيل له: كيف رويت عن داود وثور وآخرين كانوا يرمون بالقدر؟ فقال: إنهم كانوا لئن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا كذبة).

عبد العزيز الداخل 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م 03:08 AM

38: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب(ت:145هـ)

أبو عثمان العدوي القرشي، العالم الفقيه المحدّث، كان من كبار الحفّاظ وثقاتهم، ومن أوعية العلم ونقلته.
من صغار طبقة التابعين، روى عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ولها صحبة.

- وقال عبد الرزاق: سمعت عبيد الله بن عمر قال: (لما نشأت فأردت أن أطلب العلم جعلت آتي أشياخ آل عمر رجلاً رجلاً؛ فأقول: ما سمعت من سالم؟ فكلما أتيت رجلا منهم قال: عليك بابن شهاب؛ فإن ابن شهاب كان يلزمه، وكان ابن شهاب بالشام حينئذ؛ فلزمت نافعا؛ فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا). رواه الفسوي وابن عساكر.
- وقال مصعب بن عبد الله: (عبيد الله وعبد الله ابنا عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب كانا يجلسان إلى نافع مولى ابن عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الروضة). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال يحيى بن سعيد: قال عبيد الله بن عمر: لما قدم ابن شهاب أتيته فلم يجبني؛ فقلت: ما كان آبائي يصنعون بك هكذا.
فقال: من أنت؟
فانتسبت له؛ فقال: نعم؛ فأتيت مالكاً فأخذت كتابه؛ فقال: "لا بدَّ من سماعه"؛ فسمعنا بعضا وبقي بعض. رواه الفسوي.

- وقال سفيان بن عيينة: رأيت عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس أتيا الزهري بمكة، فكلَّماه؛ يعرضان عليه، فقال: إني أريد المدينة، وطريقي عليكما؛ فأتياني بالمدينة إن شاء الله.
قال سفيان: (وكان عبيد الله هو المتكلم، ومالك ساكت، معه، ولم يسمعا منه بمكة شيئا).رواه الفسوي وأبو زرعة الدمشقي.
- وقال قطن بن إبراهيم النيسابوري، عن الحسين بن الوليد، قال: كنا عند مالك، فقال: كنا عند الزهري، ومعنا عبيد الله بن عمر، ومحمد بن إسحاق، فأخذ الكتاب ابن إسحاق فقرأ.
فقال: انتسب.
قال: أنا محمد بن إسحاق بن يسار.
قال: ضع الكتاب من يدك.
قال: فأخذه مالك، فقال: انتسب.
قال: أنا مالك بن أنس الأصبحي.
فقال: ضع الكتاب.
فأخذه عبيد الله، فقال: انتسب.
قال: أنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
قال: اقرأ.
فجميع ما سمع أهل المدينة يومئذ بقراءة عبيد الله). ذكره أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال، وأبو عبد الله الذهبي في سير أعلام النبلاء.
- وقال أبو ضمرة أنس بن عياض: أرسل زياد بن عبيد الله - من بني عبد الدار وكان أبو العباس استعمله على المدينة- فأرسل إلى عبيد الله بن عمر بن حفص يستعمله على بعض أعماله؛ فأبى عليه عبيد الله، فلم يزل به حتى أكرهه؛ فقال: (إذ أكرهتني على عملك فخيرني).
قال: فاختر.
قال: فاختار الراعية
قال: فقيل: يا أبا عثمان اخترت شر أعماله وأقلها إصابة.
قال: (هو أميرٌ، وأكرهني؛ فاخترت أخفها وأقلها تعبا).
قال أبو ضمرة: قال عبيد الله: خرجت حتى نزلت قُديدا، فآمُر صائحاً؛ فقال: (من كان لله عنده حق فليأتنا به).
قال: فقال شيخٌ كبير من خزاعة: ما يقول هذا؟
قالوا: هذا رسول العامل يقول: (من كان لله عنده حق فليأتنا به).
قال: فقال الشيخ: (ما سمعت هذا الكلام بعد رسولٍ أرسله إلينا عثمان بن عفان إلا اليوم).رواه الفسوي وابن أبي خيثمة.
والراعية جمع الرُّعاة يريد أن يكون عمله في جباية الزكاة منهم، وقد تصحّفت اللفظة في تاريخ الفسوي إلى "الراغبة".
- وقال ابن سعد: (لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة على أبي جعفر المنصور لزم عبيد الله بن عمر ضيعته واعتزل فيها، ولم يخرج مع محمد، وخرج معه أخواه عبد الله بن عمر العمري وأبو بكر بن عمر أخوه.
فقال محمد بن عبد الله لعبد الله بن عمر: فأين أبو عثمان؟
قال: في ضيعته؛ فإذا كنتُ أنا معك وأبو بكر بن عمر فكأنَّ أبا عثمان معنا.
فقال محمد: أجل.
وكفَّ عنه وعن كل من اعتزله فلم يخرج معه، ولم يُكْرِه أحداً على الخروج؛ فلما انقضى أمر محمد بن عبد الله، وقُتِلَ، وأَمِنَ الناس والبلاد، دخل عبيد الله بن عمر المدينة؛ فلم يزل بها إلى أن توفي بها سنة سبع وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور).
- وقال يعقوب بن كعب الأنطاكي: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عمر، قال: كان إذا جاءه طلبة العلم يقول لهم: (شنتم العلم وأذهبتم نوره، ولو أدركني وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال أبو حاتم الرازي: سألت أحمد بن حنبل عن مالك وعبيد الله وأيوب أيهم أثبت في نافع؟ فقال: (عبيد الله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية).
- وقال جعفر بن محمد الطيالسي: سمعت يحيى بن معين يقول: (عبيد الله بن عمر عن القاسم، عن عائشة: الذهب المشبك بالدر.
فقلت له: هو أحب إليك أو الزهري عن عروة، عن عائشة؟
فقال: (هو أحب إلي). ذكره أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق هو حجة؟ فقال: (هو صدوق، ولكن الحجة عبيد الله بن عمر، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز). رواه ابن عدي وابن عساكر.

- وقال ابن سعد: (وكان ثقة كثير الحديث حجة).
- وقال ابن حبان: (من أشراف قريش وأفاضل أهل المدينة ومتقنيهم).

اختلف في سنة وفاته:
- فقال يحيى بن معين: سنة 145هـ.
- وقال ابن سعد: سنة 147هـ
- وقال ابن حبان: مات سنة أربع أو خمس وأربعين ومائة

له مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة:
روى عن: نافع مولى بن عمر فأكثر وأطاب، وعن القاسم بن محمد، وابنه عبد الرحمن بن القاسم، وسهيل بن أبي صالح، وأبي الزبير،
وروى عنه: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والمعتمر بن سليمان، وابن وهب، وابن عياش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الوهاب الثقفي، ويحيى بن عبد الله بن سالم، ويحيى بن أيوب الغافقي، وعبدة بن سليمان، وغيرهم.


الساعة الآن 06:18 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir