بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
الحديث الثالث والأربعون
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
درجة الحديث:
صحيح.
منزلة الحديث:
هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي: " باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث، عمَّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمهم بعذاب، قال تعالى:"
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو أن يصيبهم عذاب أليم "، فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم" ا.ه
المفردات: [هذا أحد عناصر الدرس، وهو متضمن مسائل، تعنون جميعها.]
منكرا: المنكر: هو كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[يعنون: معنى المنكر.]
فبلسانه: أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك بالتوبيخ والزجر، وما أشبه ذلك، مع استعمال الحكمة.
[يعنون: المراد بإنكار اللسان.]
فإن لم يستطع فبقلبه: أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن.
[يعنون: المراد بإنكار القلب.]
وذلك أضعف الإيمان: ليس المراد أن العاجز إذا أنكر بقلبه يكون إيمانه أضعف من إيمان غيره، وإنما المراد أن ذلك أدنى الإيمان.
[يعنون: المراد بقوله: (أضعف الإيمان)، وهذا أحد الأقوال، وفي المسألة أقوال أخرى ينبغي استيعابها جميعها عند تحرير المسألة، كما أن هناك مسألة أخرى تتعلق بهذه المسألة وهي: المراد بالمشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان) وفيها أقوال فتجمع وتلخص بتفصيل وافٍ.]
المسائل:
1/ قوله "
من رأى " هل يشمل العلم بالسماع ورؤية العين، أو المراد به رؤية العين فقط؟
[يمكن أن يعبّر عنها بعنوان جامع مختصر؛ كقولنا: المراد بالرؤية، أو معنى قوله: (من رأى)، وفيها قولان ينبغي استيعابهما عند تحرير المسألة مع ذكر حجة كل قول، وإسناد كل قول لقائله.]
الجواب: الأول، فيحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين، لكن ما دام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.
2/ قوله "
فليغيره بيده " هل هو على إطلاقه بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟ وهل هذا يكون لكل أحد؟
الجواب: لا، إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، ولقوله تعالى: "
ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم".
وظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأى المنكر، ولكن إذا رجعنا للقواعد العامة، رأينا أنه ليس عاما لكل أحد في مثل عصرنا هذا، لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئا يعتقده منكرا يذهب ويغيره، وقد لايكون منكرا، فتحصل الفوضى بين الناس.
[يلخص القول فيها بتحرير واف، وتحرر مسألة أخرى بعنوان: الشروط التي يجب توافرها في المُنكر، على هيئة نقاط شاملة موجزة محررة.]
3/ قوله "
فبلسانه " هل تقاس الكتابة على القول؟
الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتابا يبين المنكر.
4/ أنه لايجوز إنكار المنكر حتى يتيقنه، وذلك من وجهين:
[يعنون: ضابط المنكر الذي يجب إنكاره، ويجمع ما اتصل بها من الكلام من بقية الشروح، ثم يحرر القول فيها على هيئة نقاط شاملة موجزة محررة.]
الأول: أن يتقين أنه منكر لدى الجميع، وليس من مسائل الاجتهاد.
الثاني: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكرا في حد ذاته، لكنه ليس منكرا بالنسبة للفاعل، كمن أفطر في نهار رمضان، لكونه مسافرا.
5/ هل الوجوب مشروط بالاستطاعة أو لا؟
[هذه المسألة يمكن إلحاقها بما سبق من مسألة: هل الأمر في قوله: (فليغيره) مع القدرة على إطلاقه، فيجمع الكلام هنا ومن بقية الشروح، ويلخص ويحرر تحريرًا جامعًا بين استيعاب المطلوب وحسن الاختصار.]
الجواب: أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله: "
فإن لم يستطع فبلسانه "، وهذه قاعدة عامة في الشريعة، قال تعالى: "
فاتقوا الله ما استطعتم "، وقال تعالى: "
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، وقال عليه الصلاة والسلام: "
ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ".
6/ هل يكفي في الإنكار بالقلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول أنا كاره بقلبي؟
الجواب: لا، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم، إلا إذا أكرهوه فحينئذ يكون معذورا.
7/ أن الإيمان عمل ونية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال، وليس خاصا بالعقيدة فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو قال: وستون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" فقول لا إله إلا الله قول لسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح، والحياء وهذا عمل قلب، من الإيمان.
[يمكن إلحاقه بالفوائد المستفادة من الحديث.]
الفوائد:
1/ وجوب تغيير المنكر.
2/ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3/ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
4/ التقوى على الاستطاعة.
5/ زيادة الإيمان ونقصانه.
6/ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7/ عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.