دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 05:03 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس العاشر: مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 153-171)






اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1: قوله تعالى: {
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} بالأسلوب المقاصدي.
2:
قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} بالأسلوب البياني.
3: قوله تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} بالأسلوب الوعظي.


تنبيه:
تذكر مراجع البحث في نهاية كل رسالة.


تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.

- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 11:55 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} بالأسلوب الوعظي.

بسم الله الرحمن الرحيم, المتفضل على عباده بحلمه ورحمته, فكانت أعظم رحماته هداية عباده لطريق الحق, بإرسال أعظم الخلق, لتبيين الصواب, وإرشاد العباد, ثم الرحمة الخاصة لمن وفق منهم بالهداية والإسلام, وبعد:
فإننا ننطلق من قوله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} لمعرفة أهم صفات الداعية, فبامتنان الله على عباده بصفات نبيه في هذه الآيات, دلالة على أهميتها وأهمية وجودها في الداعية كي يتقبله الناس, وتلين له قلوبهم, فالدعوة أخي الفاضل ليست وظيفة جامدة لا يدخل فيها أخلاق الداعية والجانب الإنساني والوجداني منه, بل هي عملية متكاملة تبدأ بشخصيته وتنتهي بأسلوبه, وقد تأكدت هذه الصفات في التوراة من قبل, وذلك في الأثر الذي رواه الطبري عن قتادة في وصف التوراة لرسول الله بأنه: "ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخوبٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح", وفي وصفه عليه الصلاة والسلام بهذه الصفات خاصة دلالة على جوهريتها وتميز الرسول بها, حتى كأنه يشار إليه بالبنان حين ذكر هذه الأوصاف, فتعال معي لنستخرج من رحم هذه الآيات المعاني العظام, والأخلاق الهامة, التي يجب أن توجد في المسلم بشكل عام, والداعية بشكل خاص.

1/ اللين "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" :
انظر أولا كيف نكر الله مفردة "رحمة" وذلك للتعظيم والتفخيم, فنعمة لينك لهم يا محمد لهي رحمة عظيمة! وقد تأكدت هذه الصفة في آية أخرى, وذلك في وصفه تعالى لنبيه في سورة التوبة:"بالمؤمنين رؤوف رحيم (128)", وفي هذا دلالة على عظمة نعمة من رزق بصاحب لين, أو زوج لين, أو معلم لين, فاللين صفة منسوبة بشكل كبير وظاهر إلى رحمة الله وفضله, واللين كما قال قتادة: لين الجانب، وحَسُن الخلق، وكثر الاحتمال. ومن كمال الفهم أن تعلم أنك بذلك إن حاولت اكتساب هذه الصفة فإنك بذلك تكون قد رزقت رحمة عظيمة من الله بتمثلك لهذا الخلق العظيم, وهذا ما قد تحتمله الآية, فقد تكون الرحمة منسوبة للنبي بأن من رحمة الله له أن رزقه هذا الخلق, وقد تكون منسوبة لمن حوله ممن ناله هذا الخلق عبر تعاملاته, وفي كلا الحالتين, فالمعنى صحيح, فرحمة المولى عز وجل تنال الرافق بطاعته لله واللين مع عباده, وتنال المرفوق به بحسن خلق من لان معه وكان رفيقا بحاله.
وتأمل كيف وصف الله من كان فظا (والفظاظة كما ذكر ابن عطية: الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا, ومنه قول الشاعر:
أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ = وكنت أخشى عليها من أذى الكلم) غليظ القلب (وغلظ القلب كما ذكر ابن عطية: عبارة عن تجهم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة, ومن ذلك قول الشاعر:
يبكى علينا ولا نبكي على أحد = لنحن أغلظ أكبادا من الإبل) بانفضاض الناس من حوله (والانفضاض كما ذكر ابن عطية: افتراق الجموع ومنه فض الخاتم), ليبين لك أن الناس جبلوا على حب من يرأف بحالهم, ويظهر الرحمة والعطف لهم, وأن قوة الحق لا تكفي ليراها الناس, بل تحتاج معها حسن خلق صاحبها, ومما نرى من حال بعض الدعاة اليوم ممن يسيء خلقه ويظن أن ما بينه وبين الناس هو نشر الحق, وفصل مقوله عن شخصه, لهو ادعاء باطل لا يمكن للنفس البشرية تفهمه, فالنفس جبلت على الربط بين أقوال المرء وأفعاله, فكما يقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .. عار عليك إذا فعلت عظيم
والداعية حينما يدعو للإسلام ويصفه بأحسن الأوصاف وينسب له الرحمة واللين والعطف, ثم يعاكس ذلك بتصرفاته, هو في الحقيقة ينقل صورة خاطئة شاء أم أبى عن دينه, وكلنا يعرف حجم تأثر المرء بما يرى أكثر مما يسمع, ولنا في تأثر الصحابة في حادثة حلق رسول الله لرأسه حين أشارت عليه أم سلمة بذلك في صلح الحديبية بعد عدم مبادرة الصحابة لفعل ما أمر به من الحلق مثال, إذ قام الصحابة بحلقها بعد فعله مباشرة عليه الصلاة والسلام (مجمع الزوائد للهيثمي/15005), فالمرء بطبيعته يتأثر بما يرى, بل والصبي كذلك يفعل ما يرى عليه والديه, لا ما يقولانه.
ولنا في السنة على أهمية اللين والرفق شواهد كثيرة:
-قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه...الحديث ) ( صحيح الجامع 5654).
-ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها : ( لين الكلام وبذل الطعام ... ) ( مسند أحمد ) .
-وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل ، والنجاة من النار ، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة ، كما في الحديث : ( حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من الناس ) صححه الألباني : صحيح الجامع 3135).
-ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي ، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له : ( إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم ) حسنه الألباني : صحيح الجامع 1410) .

2/ العفو" فاعف عنهم":
والعفو: التجاوز عن الهفوات, كما عرفه ابن الجوزي, وبرغم ما للعفو من قيمة مطلقة, ومن كونه صفة يجب على الجميع تمثلها, إلا أنه يتجلى في الداعية دون غيره بشكل أوضح, وحاجته له أكبر من غيره لما يتعرض له من سوء تعامل, وتقليل أدب, وعدم احترام من يدعوه, إذ طبيعة الحال تفرض عليه تعرضه لذلك, ولو ترك الداعية خلق العفو, هذا الخلق العظيم, لأصبح بذلك معاديا لنصف المجتمع أو جله, إذ كل من عاداه بكلمة أو فعل هو في خانة المغضوب عليهم, غير المستحقين لعفوه وصفحه, وبذلك يخسر البذرة الأولى لمحاولة كسبهم, وذلك عبر تقبل خطئهم, والعفو عن زلاتهم, وإحسان الظن بهم, وذلك كله مهم في سبيل إيصال دعوته, وشعور المدعوين بصدقه, وحسن نيته, وطيبة قلبه, فلهذا كله الأثر الواضح في التأثير وانتشار الدعوة.
والعفو صفة جليلة ورد ذكرها والحث عليها في أكثر من موضع في القرآن والسنة:
-قوله تعالى :"والعافين عن الناس(134)" آل عمران.
-قوله تعالى :"خذ العفو (199)" الأعراف. وقد كان هذا في معرض تأديب الله لرسوله, فتكرار الحض على العفو من الله لرسوله في أكثر من موضع, دليل على أهمية تخلق الداعية به, وارتباطه الوثيق به لنجاح دعوته.
-قوله تعالى :"فاعف عنهم واصفح (13)" المائدة.
-قوله تعالى :"فاصفح الصفح الجميل (85)" الحجر.
-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: « يَا عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ؛ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ » (مسند الإمام أحمد).

3/ طلب المغفرة لهم "واستغفر لهم":
وطلب المغفرة هنا خلق أسمى يأتي بعد العفو, وهو خلق صعب, وقد تمثله سيدنا يوسف عليه السلام حين غفر لإخوانه تقصيرهم في حقه, وخطأهم في جانبه, فقال :"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم(92)"(يوسف), فانتقل من مرحلة العفو والصفح إلى مرحلة طلب المغفرة لهم, وسيرة نبينا الحبيب مليئة بالشواهد, فقد كان دوما ما يلاقي إساءة قومه بالدعاء لهم بالهداية, وقد دعا لقوم دوس بالهداية "اللهم اهد دوسا وائت بهم"(مسند أحمد/7315), وذلك بعدما آذوه, وعتوا عن قبول دعوته, كما استغفر لرؤوس النفاق الذين ناكفوه العداء وعملوا على تخريب دعوته (البخاري/4670), فكان حبه وخوفه على أمته مقدما على مشاعره وما يصيبه من ألم وخيبات, وهذه مرحلة عظيمة لا يلقاها والله إلا ذو حظ عظيم, جعلنا لله وإياكم من أهلها.

4/ المشورة "وشاورهم في الأمر":
وقبل أن ندلف لهذه الصفة الحميدة, وجب أن نتناول سؤالا مهما ناقشه العلماء والأئمة في المراد بطلب الشورى هنا من رسول الله, وهل يطلب الشورى من كان يوحى إليه من عند الله؟
-فقال قوم: أن طلب الشورى هنا تطييبا لخواطر من حوله, وتأليفا لقلوبهم, وأنه لا حاجة له في مشورتهم. رواه الطبري عن قتادة والربيع وابن إسحاق.
-وقال آخرون: بل كان الأمر بالشورى هنا لفضلها, وليتبين له الصواب بالتشاور وطلب الآراء, لاسيما وأنه في أمر من أمور الدنيا. رواه الطبري عن الضحاك والحسن.
-وقال آخرون: بل كان أمره ليستن به من بعده, ويقتدي بهديه في الشورى أمته. رواه الطبري عن سفيان بن عيينة.
والصواب والعلم عند الله صحة ما قالوا عامة, فالشورى مأمور بها لما لها من فضل, ولحاجة الناس لها, "وأمرهم شورى بينهم(38)" الشورى, وسميت سورة في القرآن باسم الشورى لما لها من مكانة, بل ونقل ابن كثير اختلاف العلماء في الأمر بالشورى هنا على أنه للندب أو الوجوب, مما يدل على أهميتها وعظم شأنها, ورسول الله ما هو إلا بشر مثلنا, كما أكد ذلك الوحي مرارا وتكرارا, وحاجته للشورى في أمور الدنيا كغيره, كما يؤكد ذلك أحاديث أخرى, كقوله عليه الصلاة والسلام :"أنتم أعلم بأمور دنياكم" (صحيح مسلم/2363), ونحوه من الأحاديث التي تؤكد بشريته, وحاجته للرأي والمشورة, كما حدث في الخندق كذلك حين أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق, وغيره الكثير, وفي أمره بالشورى كذلك سنة لمن بعده ليهتدوا بهديه, وقد حدث هذا بتشاور الصحابة رضوان الله عليهم على من يستحق الخلافة بعد رسول الله, وقد كان في سن هذه السنة الأثر الواضح والمهم في تاريخ الأمة الإسلامية, ولنا فيمن استبد برأيه خير دليل على أهمية الشورى, وذلك في فرعون الذي قال: "ما أريكم إلا ما أرى(29)"غافر.
وقد اعتبر ابن عطية أن الشورى هي إحدى أعظم المنازل التي يصل إليها الداعية مع قومه, فالمرحلة الأولى العفو عن أخطائهم, يليها طلب المغفرة من الله لهم, لتنتهي بطلب مشورتهم, فيكون بذلك استمال قلوبهم, وأسر أرواحهم بحسن معاملته واحترامه لهم, حتى يكونوا بعد ذلك أهلا لقبول مشورتهم, والأخذ بآرائهم.
*فوائد الشورى:
ذكر ابن الجوزي في فوائد الشورى عدة فوائد, فقال: "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر، فلم يلم نفسه، ومنها أنه قد يعزم على أمر، فيبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي عليه السلام: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استُنْبِطَ الصواب بمثل المشاورة، ولا حُصِّنتِ النعم بمثل المواساة، ولا اكتسب البغضاء بمثل الكبر".
*أمثلة لمواطن شاور فيها رسول الله أصحابه:
-مشاورتهم يوم بدرٍ في الذّهاب إلى العير, ومشاورتهم -أيضًا-أين يكون المنزل؟ حتّى أشار المنذر بن عمرو المعتق ليموت، بالتّقدّم إلى أمام القوم، ومشاورتهم في أحدٍ في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدوّ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم (مسند أحمد/18827).
-مشاورتهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ، فأبى عليه ذلك السعدان: سعد بن معاذٍ وسعد بن عبادة، فترك ذلك (معرفة السنن والآثار/18674).
-مشاورتهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحدٍ، وإنّما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال (مسند أحمد/18928).
-مشاورتهم في قصّة الإفك: "أشيروا عليّ معشر المسلمين في قومٍ أبنوا أهلي ورموهم، وايم الله ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن -والله-ما علمت عليه إلّا خيرًا"(صحيح مسلم/2770).

5/ العزيمة والتوكل على الله "فإذا عزمت فتوكل على الله":
وهذه ينبغي لا سيما للقائد وبعد أن يتشاور أن يتسم بها, فيقرر ويعزم ولا يتردد, ولا قرار لمن يتردد ويخشى البت في المسائل, فهنا تظهر روح القيادة, وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما كان لنبي أن يلبس لَأَمَتَه ثمَّ يضعها حتى يقاتل" (سنن النسائي/7600), وقد كان عليه الصلاة والسلام دائما ما يدعو في صلاته: "اللهم إني أسألك الثبات على الأمر, والعزيمة على الرشد" (سنن النسائي/1304).
ويقول المتنبي:
إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ ... فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا
وممّا ينسب إلى عليّ كرّم الله وجهه :
وإن كنتَ ذَا عزمٍ فانْفِذْه عاجلاً ... فإنَّ فسادَ العزم أن يتقيَّدا
فالعزيمة هي المحك الحقيقي للقائد بعد الاستشارة, والاستشارة لا تقلل من مكانة المستشير, بل تزيد من مسؤوليته, وتجعل القرار بعد ذلك في يده, وهنا عزيزي الفاضل يتضح لك الفرق بين ما يدعى في عصرنا اليوم بـ"الديموقراطية", والتي هي تقريبا تميل إلى جعل القرار بيد الجميع, مهما اختلفت عقولهم وإمكانياتهم, وبين الشورى التي تركز على النخبة, وتجعل القرار في نهاية الأمر بيد المسؤول, وبهذا نجمع ما بين الاستفادة من عقل الجماعة بعدم استبداد المسؤول برأيه, وعدم الإفراط بجعل القرار بيد من لا يملك القدرة على حسن اتخاذه, ونجد أن المولى عز وجل ربط العزيمة بالتوكل, لئلا يتكل امرؤ على رأيه مهما بدا عظيما, ولا على رأي مستشاريه وإن كثروا, فلا مجال للتوفيق بلا معونة الله سبحانه, والتوكل على الله كما ذكر ابن عطية من فروض الإيمان وفصوله، ولكنه مقترن بالجد في الطاعة والتشمير والحزامة بغاية الجهد: وليس الإلقاء باليد وما أشبهه بتوكل، وإنما هو كما قال عليه السلام: "قيدها وتوكل" (المستدرك على الصحيحين/6616), ولو لم ينل المتوكل على الله إلا الدخول في محبته لكفاه, رزقنا الله حسن التوكل عليه, والعزيمة على إمضاء ما دعا إليه.

أخيرا: وبعدما اتضحت لك الصفات التي أمر الله بها رسوله, والتي نشهد الله أنه اتصف بها, والتي يجب أن تكون صفات كل الدعاة والقادة من بعده, يتبين لك أولا كيف أن هذا القرآن عزيز بليغ, فقد اختزلت صفات النجاح في الدعوة في هذه الآية, وتبين لك من خلالها أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها, واتضح لك دقائقها وأدلتها وشواهدها, كما تبين لك كيف غمرنا الله برحمته, إذ سبحانه ومن كمال عدله وكرمه امتن علينا بتبيين الحق, وذلك بإرسال الرسل, بل وطبعهم على أحسن الصفات وأكرمها, لئلا يدع لنا مجالا للشك, وليكونوا رسل أخلاق كما هم رسل عقائد, فالدين يا حفظك الله ليس مجرد شعارات, بل هوأخلاق تتصف بها, وبها تكون سفيرا لدينك ومعتقداتك..
اللهم ارحمنا باللين, واعف عنا واغفر لنا, وارزقنا حسن التوكل عليك, إنك ولي ذلك والقادر عليه, وصلِّ اللهم وبارك على من أوتي مكارم الأخلاق, نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين..

*المراجع:
-مسند أحمد (241هـ).
-صحيح مسلم(261هـ).
-سنن النسائي(303هـ).
-جامع البيان للطبري(310هـ).
-المستدرك على الصحيحين للحاكم (405هـ).
-المحرر الوجيز لابن عطية (ت546هـ).
-معرفة السنن والآثار للبيهقي (458هـ).
-زاد المسير لابن الجوزي (ت597هـ).
-تفسير ابن كثير(774هـ).
-مجمع الزوائد للهيثمي (807هـ).
-كتاب هذه أخلاقنا لمحمود الخزندار(1979م).
-صحيح الجامع للألباني (1420هـ).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 ربيع الأول 1440هـ/10-11-2018م, 12:35 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا .
وبعد ،
فإنّ فيما قصّ الله علينا من أخبار غزوة أحد عبرا ، و في الآية السابقة لأولي الألباب مُدّكرا ، فنسأله سبحانه التوفيق لاستخلاصها ، وأن ينفع بها قلوبنا و يسدّد بها أعمالنا .

أولا : سبب نزول الآية :
قيل في سبب نزول الآية قولان :
الأول : أنها عامة ، عني بها كلّ من ولّى الدّبر عن المشركين بأحدٍ ، ذكره الطبري ، وهو قول عمر وقتادة والربيع .
والثاني : أنها نزلت في أشخاص معينين ، فقيل الّذين لحقوا بالمدينة منهم دون غيرهم ، وقيل الذين تولوا وأبعدوا ، وهو قول عكرمة ، والسدي وابن جريج .
و اختلف في تسميتهم على أقوال :
روى عبد بن حميد من طريق محمد بن إسحاق قال: قال عكرمة مولى ابن عباس جاءت فاختة بنت غزوان امرأة عثمان بن عفان ورسول الله وعلي يغسلان السلاح من الدماء فقالت ما فعل ابن عفان أما والله لا تجدونه الأم القوم فقال لها علي ألا إن عثمان فضح الذمار اليوم فقال له رسول الله مه وكان ممن ولى دبره يومئذ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان إخوان من الأنصار من بني زريق حتى بلغوا الجلعب فرجعوا بعد فقالت فقال لهم رسول الله لقد ذهبتم بها عريضة قال الله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم الآية
وأخرجه الطبري وقال في روايته الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأحوص أقاموا به ثلاثا ثم رجعوا ) .
وأخرج سنيد عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال عكرمة إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان نزلت في رافع بن المعلى وغيره من
الأنصار وفي أبي حذيفة بن عتبة وآخر ولقد عفا الله عنهم إذ لم يعاقبهم ).
ذكره ابن حجر .

معنى تولوا :
على وزن تفعّلوا، من قولهم: ولّى فلانٌ ظهره ،
أي ولّوا عن المشركين يوم أحدٍ وانهزموا عنهم.
قال ابن عطية : يريد على جميع أنحاء التولي الذي لم يكن تحرفا لقتال .

المراد بمنكم :
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل المراد بهم كل من تولى من الصحابة ، وقيل هم ثلاثة ، و ذكروا أنهم عثمان بن عفّان، وعقبة بن عثمان، وسعد بن عثمان ، وقيل في تسميتهم غير ذلك .

يوم التقى الجمعان :
أي يوم التقى جمع المشركين والمسلمين بأحدٍ .

معنى استزلهم :
استزلّ: أي طلب زللهم ،كما يقال: استعجلت فلانا، أي: طلبت عجلته، واستعملته، أي: طلبت عمله ، ذكره ابن قتيبة ، وهذا مقتضى وسوسته وتخويفه ، ذكره ابن عطية .
والزّلّة: هي الخطيئة ،
والمراد : إنّما دعاهم إلى الزّلّة الشّيطان وقد روي أن الشيطان ذكّرهم خطاياهم فكرهوا القتل قبل التوبة ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا ، ذكره الزجاج والنحاس .

معنى ( ببعض ما كسبوا ) :
القول الأول : أي : ببعض ما عملوا من الذّنوب ، و اختلف في هذه الذنوب فقيل :
• عني حين تركوا المركز وعصوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين قال للرّماة يوم أحدٍ: لا تبرحوا مكانكم، فترك بعضهم الجبل ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن .
• وقيل على إطلاقه ، أي أنه كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها بتمكين الشيطان من استزلالهم .
• و قال المهدوي: بما اكتسبوا من حب الغنيمة والحرص على الحياة ، نقله عنه ابن عطية .
• وقيل : استجابتهم لدعوى الشيطان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فترخصوا بالفرار ، ذكره ابن الجوزي .
القول الثاني : أي كان للشيطان في هذا الفعل الذي اكتسبوه استزلال لهم، فهو شريك في بعضه ولفظ الآية يحتمله ، ذكره ابن عطية .

ما تفيده ( ولقد ) : تأكيد العفو ، بالقسم واللام وقد ، تطمينا لقلوبهم .

معنى عفا الله عنهم : أي تجاوز الله لهم عن عقوبة ذنبهم .

إنّ اللّه غفورٌ حليمٌ : هذه الجملة تعليلية لما قبلها ، والغفور صيغة مبالغة ، قال الزجاج : هو الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيهم بستره .
{حليمٌ} يعنى أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة .

لطيفة في إظهار لفظ الجلالة ( الله ) في موضع الإضمار : لتأكيد التعليل لما قبلها .

خطر وساوس الشيطان :
وأنّ له تأثيراً على القلوب ، وإن كانت قلوب الصالحين ، وله تأثير على الأعمال وإن كانت أشرفها كالجهاد في سبيل الله .

خطر الذنوب على العبد وأثرها على التوفيق :
فالذنب يجرّ إلى الذنب ، وهزيمة عظيمة وقعت للمسلمين بصحبة نبيهم عليه الصلاة والسلام بشؤم الذنب .

فضل الصحابة رضي الله عنهم :
فقد عاتبهم الله تعالى ، وألحق عتابه عفو ومغفرة لهم ، فضلا منه ورحمة ، و جبرا لخواطرهم ، وعلما بما في قلوبهم من الإيمان والصدق .

من هدايات الآيات :
• حرمة التولي عند القتال ، فالفرار من الزحف من الكبائر ، وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في الموبقات مع الشرك وقتل النفس .
• التثبيت من الله ، والاستزلال من الشيطان .
• إذا كان الصحابة أطهر الناس قلوبا ، وأعظمهم إيمانا ، وأبلغهم تزكية ، وأشرفهم قدرا قد استزلهم الشيطان بسبب بعض ذنوبهم فكيف بنا نحن ؟
• لا عصمة للصحابة ، فكيف تمنح للأولياء ممن هم دونهم ؟
• بيان شرف الصحابة وعظيم قدرهم عند ربهم وتجاوزه سبحانه لسيئاتهم ، فما أظلم من احتقرهم أو سبهم .
• تفسيق الصحابة أو تكفيرهم تكذيب لله تعالى ، و ردُّ لكلامه .
• الحذر من آثار الذنوب ، وعدم الاستخفاف بشيء منها ولو كان صغيرا .
• رصيد الطاعات والإيمان ينفع العبد في الدنيا والآخرة .
• وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتحذير من مغبة عصيانه .
• عظيم أثر مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنها الوقوع في مصايد الشيطان ، والبعد عن الثبات .
• كثير مما يحصل للمرء هو بسبب ذنوبه ، فعليه الاعتراف والتوبة ، والحذر من التنكر لها و تجريد إسقاطها على أمور خارجية .
• الرد على الجبرية في قوله تعالى ( ببعض ما كسبوا ) ، فأثبت الكسب لهم .
• قال بعض السّلف: إنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإنّ من جزاء السيئة السّيّئة بعدها.
• في ذكر فئة ممن تولوا بيان ، أن هناك من ثبت ، فإذا نالت المغفرة من تولى من صحابته عليه الصلاة والسلام فكيف بمن ثبت معه .
• قيل في الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا .
• الحث على الاتصاف بالعفو والحلم ، قال تعالى : ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ .

المراجع :
العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني .
جامع البيان لابن جرير الطبري
تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم
تفسير السيوطي
تفسير الماوردي
زاد المسير لابن الجوزي
تفسير البغوي
المحرر الوجيز لابن عطية
تفسير ابن كثير
تفسير القرطبي
تفسير غريب القرآن لابن قتيبة
معاني القرآن للزجاج
معاني القرآن للنحاس

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 ربيع الأول 1440هـ/11-11-2018م, 12:46 AM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

3: قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} بالأسلوب الوعظي.

نزلت هذه الآية في سياق أحداث أحد العصيبة يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم ويمتن عليه بأن عدم غلظته صلى الله عليه وسلم على من نزل عن الجبل وخالف أمره من المؤمنين وكان سبب الهزيمة وقتل عدد من المسلمين
هو نعمة منه سبحانه و تعالى .فلقد عفا الله عنهم برحمته وفضله وجعل قلب النبي يلين لهم بإذنه ،ويعفو عنهم .وإتماماً لكرمه و إحسانه لهم أمره سبحانه أن يستغفر لهم الله حتى يغفر لهم ماأذنبوا .
قال ابن حجر العسقلاني:(اتفقوا على أنها نزلت في حق الذين انهزموا يوم أحد فإنه لم يغلظ على الذين خالفوا أمره حتى كانوا سببا لقتل من قتل من المسلمين).
روى الطبري والرازي من طريق يزيد عن قتادة : (قوله: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.)
و" ما " صلة تفيد التوكيد .
وأصل الفظ في اللغة :هو ماء الكرش ،لايشرب إلا لضرورة على كراهة ؛فالفظّ هو كريه الخلق الجافي، والغليظ هو :القاسي القلب بلا رحمة ولا رأفة ،متجهم الوجه ،قليل الإنفعال .فقد يكون الإنسان غليظ القلب ولكنه غير فظ لا يؤذي أحداً فالقرق بينهما بسوء الخلق وأذية الخلق.
وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل الكتاب كما ذكر الطبري عن قتادة :(أنّ نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في التّوراة: ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخوبٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
ولقد مدح الله سبحانه خلق نبيه في كثير من الآيات قال تعالى { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].ويقول صلى الله عليه وسلم:" إن الله لم يبعثني معنتاً، ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً
ويتبين من قوله تعالى:{ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم من أهم الأسباب في التفاف الصحابة حوله الناس وثباتهم ،مع أن اتباع الدين أمر عظيم تهون فيه جميع الصعاب إلا أن سوء الخلق والفظاظة ممكن يكون عائق قوي يقطع هذا الطريق عن الناس .
.وإذا تتبعنا أخلاق النبي في جميع مواقف حياته نرى العجب العجاب من رحمته ولينه ورأفته وحبه .
ومن صور رحمته ورأفته نذكر:
رحمته ورأفته بالأطفال ؛فهو رحيم بمشاعرالأطفال يعطيهم قيمة وأهمية يدخل السرور إلى قلوبهم ،كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال:(قبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: (من لا يَرحم لا يُرحم).
وكان عليه الصلاة والسلام يقيم شأناً عظيماً لكبار السن كما في سنن الترمذي عن ابن عباس "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"
رأفته صلى الله عليه وسلم بالنساء ووصاته بهن لمعرفته برقة مشاعرهن وضعفهن : كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"ووصى بالأرامل والمساكين من أمته ،وقال "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ".
وهو صلى الله عليه وسلم رحيم مع من يصدر منه الخطأ عن جهل كما في حديث أنس رواه مسلم
بينما هو في المسجد دخل أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن..)) .
ومن مظاهر رحمته بأمته في عباداتهم مارواه البخاري عن أبي هريرة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحده فليصل كيف شاء).
ومن رحمته حتى مع أعداءه مارواه البخاري أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم :هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد. قال :(لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)

والمواقف حول حسن خلقه صلى الله عليه وسلم لا تعد ولا تحصى فقد كان قرآناً يمشي على الأرض كما في حديث عائشة رواه مسلم.
وعلى الداعية أن يقتدي بأخلاق النبي صلى الله عليه حتى يجذب قلوب الناس إلى ما يدعوا ؛فيلتفوا حوله ،وتتحقق الفائدة بذلك .فحسن الخلق أمر مقدور عليه ،ودين بلا حسن خلق مجرد طقوس لا معنى لها ،وقد علمنا نبينا دعاء لطلب الإعانة على التخلق بأحسن الأخلاق وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو به وهو ما رواه مسلم عن علي: «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت»
وقوله تعالى :{وشاورهم فى الامر}.
قال مقاتل بن سليمان في العجاب :
(كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم فأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه إكراما لهم فيكون أطيب لأنفسهم).فالشورة تبعث على الألفة والمحبة والعدل وبيان مايصلح من الأمور. وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه في السلم والحرب في أمور لم ينزل بها وحي من الله عز وجل ،كما في الخروج لبدر وفي أسرى بدر وفي الخروج إلى أحد وفي تبوك وفي أسرى هوازن واستشار أم المؤمنين أم سلمة في صلح الحديبية عندما امتنع الصحابة عن حلق روؤسهم وذبح هديهم واستشار علياً وأسامة بن زيد في حادثة الإفك وغيرها من صور الاستشارة التي لا تعد ولا تحصى ؛فالأحرى بالمجتمعات التي تريد الازدهار والتقدم والعزة والكرامة أن تحذو حذو النبي صلى الله عليه وسلم في جعل الاستشارة أساس حياتها ومنهجهافي كل أمر لم يرد فيه نص شرعي من القرآن والسنة وذكر ابن عاشور ما أخرجه الخطيب عن علي قال:
«قلت: يا رسول الله الأمر ينزل بعدَك لم يَنزل فيه قرآن ولم يسْمع منك فيه شيء ـــ قال: اجمعوا له العابِد من أمّتي واجعلوه بينكم شُورى ولا تقضوه برأي واحد»وذكر أن أحسن ما قيل في الشورى قول بشار بن برد:
إذا بَلغ الرأيُ المَشُورة فاستَعن--بحزم نصيح أو نصيحة حازم--ولا تحسب الشُورى عليك غضاضة--مَكانُ الخَوافي قُوّة للقَوادِم--
وقوله تعالى :(فإذا عزمت)أي صممت على الفعل بعد أخذ الأسباب ومن ضمنها المشورة (فتوكل على الله )ولا تتردد .ولا تجعل للأسباب أهمية في قلبك وإنما املأقلبك بالاعتماد على الله .(إن الله يحب المتوكلين) لأنهم أظهروا صدقهم باعتمادهم على الله وإظهار ضعفهم ونقصهم وحاجتهم له سبحانه .
وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية عملياً في جميع استشاراته ومنها ما أخرج الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقراً تنحر، فأولت أن الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأن البقرَ هوَ واللهِ خَيرٌ".
قال: فقال لأصحابه: "لو أنا أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم".
فقالوا: يا رسول الله، ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام؟!.
فقال: "شأنكم إذاً".
قال: فلبس لأمته. قال: فقالت الأنصار: رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاؤوا فقالوا: يا نبي الله شأنك إذاً.
فقال: "إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل".أي ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخلع لباس القتال حتى يقاتل.
فالتردد بعد العزم يقود إلى فشل وهزيمة .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على التأسي بهدي نبينا عليه الصلاة والسلام وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان .

المراجع:جمهرة العلوم ،وابن عطية وابن عاشور وطنطاوي ومعجم مقاييس اللغة والعجاب في بيان الأسباب وصحيح مسلم والبخاري ومسند أحمد وغيرها الكثير ومواقع في النت مثل الألوكة وإسلام ويب وغيرها

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 ربيع الأول 1440هـ/14-11-2018م, 09:52 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 153-171)


أحسنتم، بارك الله فيكم وأيّدكم بتوفيقه ومعونته.

1: نورة الأمير أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- قولك: "فتعال معي لنستخرج من رحم هذه الآيات المعاني العظام" لا يصلح، لأن القرآن كلام الله وصفته، لذا لا يجوز إيقاع هذا التشبيه عليه.


2: سارة المشري
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- رسالتك جيّدة، ولكن بأي أسلوب كتبتيها؟


3: ميسر ياسين أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- قولي: "رواه الطبري وابن أبي حاتم" تمييزا له عن المفسّر فخر الدين الرازي، حتى لا يحصل اللبس.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 ربيع الأول 1440هـ/16-11-2018م, 06:31 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

علمي مقاصدي .
حاولت استيعاب تفسير الآية بشكل علمي ، ثم استخرجت مقاصدها في هدايات الآية .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 9 ربيع الأول 1440هـ/17-11-2018م, 10:21 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

رسالة تفسيرية بالأسلوب الوعظي.
في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، الحمد لله الذي هو أرحم بعباده من الأم بولدها، الحمد لله الذي جعل الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}


آية تتراءى لي كثيرا كلما رأيت فظاظة رئيس على مرؤوسيه، أو استئثار قائد برأيه، وتلوح على وجهي ابتسامة صفراء.. سبحان الله أأعجبتك نفسك أن من الله عليك بتولي شيء من أمور المسلمين!!
وأي شيء يقع ما تتحمله في مقابل ما تحمله الحبيب صلى الله عليه وسلم!! أن جعلك الله مديرا لعشرة أو عشرين أو مئة أو مئتين صرت ترى من حقك أن تجفو وتغلظ القول وتخلط الحزم بالظلم!! وتحقر الآراء وتستأثر بالقرارات!!
مسكين أنت يا ابن آدم .. لا يزال الشيطان يفتح عليك أبوابا من الفتن حتى يحقق فيك مراده
أين أنت عن كتاب ربك ؟؟ لم لا تقرأه بقلبك؟؟ أين أنت عن قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم}
اللين للأتباع لم يكن يوما عيبا أو منقصة، بل هو عين الكمال، أين أنت عن قوله {وشاورهم} ؟؟
أتظن أن الشورى ضعف!!
آية يذوب لها القلب حبا وإجلالا كلما مرت عليه، فسبحان من أودعها من الموعظة ما لو وزع على قادة الأرض لكفاهم ولكن أين القلوب المستبصرة!!


{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}.
أي أنك يا محمد لنت لهم برحمة الله و"ما" لتأكيد المعنى.
والرحمة:
تشمل النبي صلى الله عليه وسلم الذي حلاه الله بأجمل الأوصاف، وبعثه ليتمم محاسن الأخلاق،.
وتشمل المؤمنين الذين لين الله لهم نبيه ليكون أدعى لهم للثبات على الدين.

فأيّ شيءٍ غير رحمة الله لينت قلب النبي ؟؟.

{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
الفظّ: الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: {غليظ القلب}
أي: لو كنت سيّئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضّوا عنك وتركوك، ولكنّ اللّه جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم.

{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}
أوامر فيها تدرج بديع
{اعْفُ عَنْهُمْ} مالك من حقوق خاصة.
{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ما اقترفوا في حق الخالق.
فإذا بلغوا هذه الدرجة كانوا أهلا للاستشارة في الأمور"
والشورى من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، ولا تكون إلا في أمور الدنيا أما الحلال والحرام فليس لأحد أن يستشير فيها، وفيها تطييب للخواطر، وتنشيط للمستشارين وتطمين لهم أن القائد يبحث عن المصلحة وليس بمستبد، والمشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم.



{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
فإذا تواردت آراء أهل الشورى على اختلافها، ونظر المستشير فيها واختار منها، وأرشده الله تعالى إلى ما شاء منها، عزم عليها وأنفذها متوكلا على الله، معتمدا عليه، متبرئا من حوله وقوته، وهذا غاية الاجتهاد المطلوب منه.
والتوكل على الله تعالى فرض مقترن بالجد والتشمير قال عليه السلام: اعقلها وتوكل.

كل هذه المعاني العظيمة تتجلى في الآية إذا نظرنا لها مجردة عن السياق، فإذا عدنا لسياقها ومناسبتها للآيات تبين لنا المزيد من العظمة في معانيها ومدلولاتها
قال ابن عطية:
"وكأن الآية نزلت مؤنسة للمؤمنين، إذ كان تغلبهم على الرأي في قصة- أحد- يقتضي أن يعاقبوا بأن لا يشاوروا في المستأنف"
ويبحر سيد قطب في هذا المعنى بقلمه السيال ليسلط الضوء على ما لا يخطر ببال المتعجل من سحر المعاني فيقول:
"ونجد أصل النظام الذي تقوم عليه الحياة الجماعية الإسلامية- وهو الشورى- يؤمر به في الموضع الذي كان للشورى- في ظاهر الأمر- نتائج مريرة!
ونجد مع مبدأ الشورى مبدأ الحزم والمضي- بعد الشورى- في مضاء وحسم.
ونجد حقيقة التوكل على الله- إلى جانب الشورى والمضاء- حيث تتكامل الأسس التصويرية والحركية والتنظيمية".

ويقلب النظر في آية جاءت لتطيب قلب الحبيب بعد أن تحمس أتباعه للخروج الذي كان لا يفضله.
ثم اضطربت صفوفهم..
فرجع ثلث الجيش قبل المعركة...
وخالف البعض أمره، وضعف أمام إغراء الغنيمة..
ووهنوا أمام إشاعة مقتله، وانقلبوا على أعقابهم مهزومين..
وتركوه في النفر القليل، يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم، وهم لا يلوون على أحد..
تأتي الآية لتستجيش كوامن الرحمة في قلبه- صلى الله عليه وسلم- فتغلب على ما آثاره تصرفهم فيه
وتدعوه ليعفو عنهم، ويستغفر لهم.. ويشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم غير متأثر بنتائج الموقف..

{وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}..
نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكاً في أن الشورى مبدأ أساسي
جاء هذا النص..
عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة!.
وعقب استجابته صلى الله عليه وسلم، لما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى، رغم الرؤيا التي رآها
ولكنه أمضى الشورى، لأن إقرار المبدأ، وتعليم الجماعة، وتربية الأمة، أكبر من الخسائر الوقتية.

حتى لا تظل الأمة قاصرة كالطفل الذي يمنع من مزاولة المشي لتوفير العثرات!!

{وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}..
لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون، لكان وجود محمد- صلى الله عليه وسلم- ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى- كافياً لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى! - وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها

{فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}..
وهنا يأتي اكتمال صورة النظام الإسلامي
الشورى لا بد معها من العزم وعدم التردد..
ولا بد أن تتمم بالتوكل على الله في نهاية المطاف..

في معركة أحد ..
علّم صلى الله عليه وسلم الأمة الشورى، وعلمها ابداء الرأي، في أخطر الشؤون
ثم انتقل للمضي بعزم وتوكل فدخل بيته فلبس درعه ولأمته، ولم يستجب لتردد المتحمسين حين خافوا أن يكونوا استكرهوه على ما لا يريد.

بأبي هو وأمي..
علمهم الدرس كله. درس الشورى. ثم العزم والمضي. مع التوكل على الله والاستسلام لقدره.
علمهم أن للشورى وقتها، ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد.

توازن العجيب، لا يعرفه القلب البشري إلا في الإسلام.

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ..
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون. بل هي التي تميز المؤمنين..


آية تمدنا بدروس عظيمة..
تحث القادة على التحلي بالرحمة والاقتداء بالنبي
وتؤصل مبدأ الشورى، والعزم والتوكل على مر الزمان

اللهم ارزقنا حسن الاقتداء وحسن العمل، وول علينا خيارنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يارب العالمين..

المراجع:
معاني القرآن للزجاج
المحرر الوجيز لابن عطية
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الكريم الرحمن للسعدي
في ظلال القرآن لسيد قطب
موقع جمهرة العلوم

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 ربيع الأول 1440هـ/1-12-2018م, 03:01 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 153-171)

رسالة بالأسلوب الوعظي في
قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي ارتضى لنا الإسلام دين، وفضل أمة محمد على سائر أمم المرسلين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، المرسل رحمة للعالمين، المكرم بالقرآن المبين المعجز على مدار السنين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:

فهذه رسالة مختصرة في تفسير آية من كتاب ربنا العزيز وهي قوله تعالى في سورة آل عمران:
قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
وسيكون التفسير باستخدام الأسلوب الوعظي
والله المسؤول المؤمل أن يعفو ويتقبل.

يقول الله تعالى (فبما رحمة من الله)
أي برحمة من الله، وهذا وقع في مواضع من القرآن كقوله تعالى "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم" أي بنقضهم ميثاقهم،
فبرحمة من الله جعل رسوله صلى الله عليه وسلم لين الجناب سمح الأخلاق رؤوف بالمؤمنين فقال "فبما رحمة من الله لنت لهم"
فرحم الله رسوله صلى الله عليه وسلم ورحم المؤمنين بأن جعله لين مع أصحابه وجعله على خلق عظيم وبعثه سبحانه وتعالى ليتمم محاسن الأخلاق،
وقيل أنها نزلت عتاباً لمن ترك مكانه في أحد فكانوا يستحقون الملام ولكن برحمة من الله لنت لهم يا محمد، فيه رحمة لك ورحمة لهم وهذا لما علم الله سبحانه وتعالى من صلاحهم
قال قتادة: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.
وهذه الآية الكريمة شبيهةٌ بقوله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} [التّوبة:128].
وروى الإمام أحمد عن أبو راشدٍ الحبراني قال: أخد بيدي أبو أمامة الباهليّ وقال: أخذ بيدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: "يا أبا أمامة، إنّ من المؤمنين من يلين لي قلبه".


ثم قال تعالى " ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك"
فبين سبحانه وتعالى حكمة عظيمة من رحمته بالنبي والمؤمنين بأن ألانه لهم وجعله رحيما بهم،
وهي أنه لو كان غليظا أي في كلامه وليس في الأخلاق كلها فالمقصود الكلام فقط ويدل عليه قوله بعدها "غليظ القلب" أي قاسي القلب عليهم وتظهر قساوة القلب في الألفاظ وَقِلَّةِ الْإِشْفَاقِ وَالرَّحْمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يُبْكَى عَلَيْنَا وَلَا نَبْكِي عَلَى أحد؟ ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل ،
لو كان هذا وصفه "لانفضوا من حولك" أي لتركوك، وتفرقوا عنك، وما اقتربوا منك لولا رفقك لمنعهم الاحتشام والهيبة من القرب منك بعدما كان من توليهم.
ولكن الله جمعهم عليه وألان جانبه لهم تأليفا لقوبهم، وقد ورد في الآثار أن هذا الوصف السابق هو وصف لخلق النبي صلى الله عليه وسلم كما روى ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: هَذَا خلق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعته الله
، وذكر أيضا أنه وصفه في الكتب المتقدمة كما قال عبد اللّه بن عمرٍو:
إنّه رأى صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الكتب المتقدّمة: أنّه ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح.
وهذا الخلق هو من مهمات الأخلاق التي ينبغي علينا التحلي بها في التعامل مع الناس فإن الداعي إلى الله إن كان له أخلاق حسنة ويتحلى بالرحمة والرأفة والقرب من الناس، جذبهم هذا إلى قبول الحق منه، مع ما يكون له من المدح والثواب عند الله سبحانه وتعالى كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، والأخلاق السيئة منه تنفر الناس عن الدين وتبغضهم إليه مع ما يكون لصاحبها من الذم والعقاب.
وإن كان الله سبحانه وتعالى قد أمر نبيه بهذه الأوامر وبين منته عليه بأن وفقه لها فمن دونه أحرى أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم في أخلاقه الكريمة وفي تعامله مع الناس من اللين وحسن الخلق والتأليف امتثالاً لأمر الله وتحبيبا لخلق الله في دينه.


وقوله تعالى (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
هذه أوامر ثلاثة من الله سبحانه وتعالى فيها تدريج بليغ يظهر رحمة الله بعباده وتيسيره الأمور عليهم حيث بدأ بقوله
(فاعف عنهم) فطلب من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم فيما هو حقه عليهم فيسامح فيه،
فإذا وصلوا لهذه الدرجة أمره أن يستغفر لهم فقال (واستغفر لهم) وهذا يكون من الله فيما وقع منهم في حقه سبحانه وتعالى.
فإذا وصلوا لهذه الدرجة صاروا أهلاً للاستشارة في الأمور فقال له (وشاورهم في الأمر).

وقوله تعالى (وشاورهم في الأمر)
والشورى أمرها عظيم ولذا سنفصل فيها القول على ثلاث محاور:
- الأول: بذكر الأمر المراد المشاورة فيه،
- والثاني: بذكر أمثلة على مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة.
- والثالث: بذكر الفوائد والحكم المستنبطة من المشاورة.

==قد قال أهل العلم في المراد بالمشاورة هنا أربعة أقوال:
-الأول:
أنه أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم في أمور الحرب وقد قال الحسن البصري في هذا: ( ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم). وقد أمر الله بالمشورة في سورة الشورى في قوله (وأمرهم شورى بينهم) فقد جاء في سياق المدح.
-والثاني:
أنه أمره بذلك ليطيب خاطرهم وتأليفاً لهم، كما قال قتادة: أَمر الله نبيه أَن يشاور أَصْحَابه فِي الْأُمُور وَهُوَ يَأْتِيهِ وَحي السَّمَاء لِأَنَّهُ أطيب لأنفس الْقَوْم وَإِن الْقَوْم إِذا شاور بَعضهم بَعْضًا وَأَرَادُوا بذلك وَجه الله عزم لَهُم على رشده. ا.ه
-والثالث:
أنه أمره بالمشاورة لما فيها من الفضل، فحتى تتأسى به أمته من بعده فيستعملونها متى دعت إليها الحاجة كما كان يفعل معهم نبيهم صلى الله عليه وسلم في حياته.
فمن فضلها ما روى ابن وهب أن مالكاً قال: ما تشاور قوم قط إلا هُدوا.
وقال الضَّحَّاك قَالَ: مَا أَمر الله نبيه بالمشاورة إِلَّا لما علم مَا فِيهَا من الْفضل وَالْبركَة
و " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزم فقال " تستشيروا الرجل ذا الرأي ثم تمضي إلى أمرك به "
ويقال: ما هلك امرؤ عن مشورة، ولا سعد بتوحيد رأي.
وقال النبي عليه السلام " المستشار بالخيار ما لم يتكلم، فإذا تكلم فحق عليه أن ينصح ".
وقال أبو هريرة رضي الله عنهـ: ما رأيت من الناس أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن شهاب: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: واستشر في أمرك الذين يخشون الله.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما شقي عبد بمشورة ولا سعد عبد باستغناء رأي ".
-والرابع:
أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنياً لتوفيق الله له بالوحي، وهذا قول سفيان.

== وفي السنة الكثير من الأمثلة على المشاورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
-كما شاورهم يوم بدرٍ في الذّهاب إلى العير فقالوا: يا رسول اللّه، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون.
-وكالذي أخرجه ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل منزلا يَوْم بدر فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر: لَيْسَ هَذَا بمنزل انْطلق بِنَا إِلَى أدنى مَاء إِلَى الْقَوْم ثمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حوضاً ونقذف فِيهِ الْآنِية فنشرب ونقاتل ونغور مَا سواهَا من الْقلب
فَنزل جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الرَّأْي مَا أَشَارَ بِهِ الْحباب بن الْمُنْذر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا حباب أَشرت بِالرَّأْيِ فَنَهَضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفعل ذَلِك
-وقَالَ: واستشارهم يَوْم قُرَيْظَة وَالنضير فَقَامَ الْحباب بن الْمُنْذر فَقَالَ: أرى أَن ننزل بَين الْقُصُور فنقطع خبر هَؤُلَاءِ عَن هَؤُلَاءِ وَخبر هَؤُلَاءِ عَن هَؤُلَاءِ فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله
- وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ، فأبى عليه ذلك السعدان: سعد بن معاذٍ وسعد بن عبادة، فترك ذلك.
-وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحدٍ، وإنّما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال.
-وقال عليه السّلام في قصّة الإفك: "أشيروا عليّ معشر المسلمين في قومٍ أبنوا أهلي ورموهم، وايم الله ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن -والله-ما علمت عليه إلّا خيرًا". واستشار عليّا وأسامة في فراق عائشة، رضي اللّه عنها.
فكان صلّى اللّه عليه وسلّم يشاورهم في الحروب ونحوها.

==ومن جميل الفوائد والحكم المستنبطة من المشاورة ما ذكره السعدي عليه رحمة الله عند هذه الآية فقال:
(إن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
ومنها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد (2) عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: {وشاورهم في الأمر} فكيف بغيره؟! ) انتهى كلامه رحمه الله رحمة واسعة

ثم قال تعالى: (فإذا عزمت)
أي إذا عزمت على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إليها، وعَن عَليّ قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْم فَقَالَ: مُشَاورَة أهل الرَّأْي ثمَّ أتباعهم

وقوله تعالى: (فتوكل على الله)
أي اعتمد عليه متبرأ من حولك وقوتك، فحقيقة التوكل: اظهار العبد عجزه واعتماده على الله، فهو مركب من هذين الأمرين:
الأول: أن تظهر عجزك وضعفك وافتقارك إلى الله سبحانه وتعالى.
والثاني: أن تعتمد عليه سبحانه وتعالى في جلب النفع أو دفع الضر عنك.
وبه يظهر غلط المقولات الرائجة في زمننا مثل قولهم "الاعتماد على النفس" ، "الثقة بالنفس" .... وغيرها من العبارات التي ينادون بهم، والقائلون بها قد يكون لهم غرض حسن ونية صالحة في الحث على البذل والعطاء والعمل وتحقيق المطالب، لكن التعبير بذلك غير صحيح بل هو مخالف لما جاء في الكتاب كما في الآية هنا، ولما جاء في السنة أيضا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مثل قوله "ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"
ومما ينبه عليه هنا أن فعل الأسباب هي تابع لازم للتوكل ولا تعارض بينهما، بل لابد من اظهار العجز والاعتماد على الله ثم الأخذ بالأسباب وإلا صار تواكلا لا توكلاً.

ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية ببيان مكانة من يحقق عبادة التوكل فقال (إن الله يحب المتوكلين)
فيالها من مكانة عظيمة ينالها من حقق هذه العبادة القلبية الجليلة وهي عبادة التوكل على الله، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



ذكر مراجع الرسالة.
تم الرجوع فيها إلى الكتب التالية :
أولا من المصادر الأصلية:
-من المرتبة الأولى: كتب دواوين السنة.
بحثت في بعضها كالصحيحين والسنن الأربع ومسند أحمد ومستدرك الحاكم وسنن سعيد بن منصور وتفسيره، ومصنف عبد الرزاق
- من المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ)
- من المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة :
1- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري (ت: 310هـ)
2- تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ)
3- معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ)
- ومن المرتبة الرابعة : التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها .
-1تفسير سفيان الثوري (161 ه)
-2تفسير ابن المنذر النيسابوري(ت:318هـ)
- من المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير :
.1. الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب (ت: 427 ه)
2. النكت والعيون للماوري(ت:450هـ).
3. المحرر الوجيز لابن عطية(ت:542هـ).
4. زاد المسير لابن الجوزي (ت:597هـ).
5. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ)
.6 أحكام القرآن للقرطبي (ت671)


ومن التفاسير اللغوية :
-معاني القرآن لإِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ)

تفاسير أخرى
-تيسير الكريم الرحمن للسعدي.
-أضواء البيان للشنقيطي.



والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 ربيع الثاني 1440هـ/9-12-2018م, 02:32 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت مسافرا ولم أتمكن من تأدية المجلس في وقته وقدمت الاعتذار وطلبت الإدارة مني ذكره هنا في نهاية المجلس.

وجزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 7 ربيع الثاني 1440هـ/15-12-2018م, 09:11 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم

سارة المشري أ
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
لكن الأسلوب الغالب على الرسالة هو العلمي الاستنتاجي، أما الأسلوب المقاصدي فهو أوسع من ذلك، إذ ليس المراد منه مجرّد استخلاص المقاصد، وإنما تناولها بشيء من البسط والتفصيل، سدّدك الله.


ضحى الحقيل أ+
أحسنت وتميّزت بارك الله فيك ونفع بك.
وأودّ أن تثري رسائلك الوعظية -خاصّة- بالنقول وأقوال أهل العلم، لتزيدها حسنا إلى حسن، وفقك الله.


علاء عبد الفتاح أ
أحسنت وأفدت بارك الله فيك ونفع بك.
- تخطيطك للرسالة ممتاز جدا، فقط توجد ملاحظة على الفقرة الخاصّة بالمراد بالمشاورة، فقد ذكرت فيها أربعة أقوال، ولو تأمّلتها لوجدت أن الأول فقط يخصّ عنوان الفقرة، أما الثلاثة الأخيرة هي في الحكمة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه وهو يأتيه الوحي.
- اعتن أكثر بتوثيق الأحاديث والآثار، لأنه توجد نقول لم تذكر مصادرها.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, العاشر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir