دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #10  
قديم 15 رجب 1442هـ/26-02-2021م, 12:07 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة عبدالله مشاهدة المشاركة
المجموعة الثالثة:
لخّص مسائل الموضوعات التالية وبيّن فوائد دراستها:
1. أحكام النكاح:

المسألة الأولى : آية التعدد:
قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 3 - 4]
المسألة الثانية :شرح آية حل التعدد : [تحت شرح الشيخ لهذه الآية بين عدد من المسائل المتعلقة بالنكاح على وجه العموم، فحبذا لو فصلتيها عن أحكام التعدد، وجعلتيها كتقدمة للمسائل الخاصة بالتعدد]
وتحتها مسائل:
1. النكاح من المنن الربانية على خلقه:
لما من الباري على عباده بالنكاح قدرا وأباحه شرعا، بل أحبه ورضيه وحث عليه؛ لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة، رتب عليه أحكاما كثيرة وحقوقا متنوعة تدور كلها على الصلاح وإصلاح أحوال الزوجين، ودفع الضرر والفساد، وهي من محاسن الشريعة، والشريعة كلها محاسن، وجلب للمصالح، ودرء للمفاسد، يقول تعالى هنا:
[هذه العبارة هي في بيان سبب كثرة أحكام النكاح عمومًا، والتعدد أحد أحكامه]
2. العلاقة بين الإقساط في اليتامى -أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم- وتعدد الزوجات:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} [النساء: 3] أي: تقوموا بحق النساء اليتامى اللاتي تحت حجوركم وولايتكم لعدم محبتكم إياهن فاعدلوا إلى غيرهن {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أي: ينبغي أن تختاروا منهن الطيبات في أنفسهن اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن، الجامعات للدين والحسب والعقل والآداب الحسنة وغير ذلك من الأوصاف الداعية لنكاحهن.
وفي هذه الآية الحث على الاختيار قبل الخطبة، وأنه ينبغي أن لا يتزوج إلا الجامعة للصفات المقصودة بالنكاح.
3. مقاصد النكاح:
فإن النكاح يقصد لأمور كثيرة من أهمها كفاءة البيت والعائلة وحسن التدبير وحسن التربية، وأهم صفة هذا النوع الدين والعقل.
ويقصد به إحصان الفرج، والسرور في الحياة، وعمدة هذا حسن الأخلاق الظاهرة، وحسن الخلائق الباطنة.
ويقصد به نجابة الأولاد وشرفهم، وأساسه الحسب والنسب الرفيع، ولهذا أباح الشارع بل أمر بالنظر لمن يخطبها؛ ليكون على بصيرة من أمره.
{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] أي: من أحب أن يتزوج اثنتين فليفعل، أو ثلاثا أو أربعا فليفعل، ولا يزيد على الأربع؛ لأن الآية سيقت للامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله إجماعا،
4. الحكمة من مشروعية التعدد:
وذلك أن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، أو لا يحصل مقصوده أو مقاصده بها، كما تقدم أن النكاح له عدة مقاصد،فلهذا أباح الله له هذا العدد؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد إلا ما ندر.
5. الواجب على من خاف الظلم للزوجات إذا عدد:
ومع هذا فإذا خاف من نفسه الجور والظلم بالزيادة على الواحدة فليقتصر على الواحدة، أو على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات، ذَلِكَ أي: الاقتصار على واحدة من الزوجات، أو ما ملكت اليمين، أدنى أن لا تعولوا أي: تظلموا وتجوروا.
ويستفاد من هذا المعنى أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحا - لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد، ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن، وخصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا دفعة واحدة يشق عليهم، حثهم على إيتاء النساء صدقاتهن أي: مهورهن {نِحْلَةً} [النساء: 4] أي: عن حال طمأنينة وطيب نفس من غير مطل ولا بخس منه شيئا.
6. مشروعية دفع الصداق وهو حق للمرأة:
وفيه أن المهر للمرأة، وأنه يدفع إليها أو إلى وكيلها إن كانت رشيدة، أو إلى وليها إن لم تكن رشيدة، وأنها تملكه بالعقد لأنه أضافه إليها وأمر بإعطائه لها، وذلك يقتضي الملك، {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ} [النساء: 4] أي: من الصداق، {نَفْسًا} [النساء: 4] بإسقاط شيء منه، أو تأخيره، أو المحاباة في التعوض عنه {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] لا تبعة عليكم فيه ولا حرج؛ وهذا دليل على أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها، ولو بالتبرع، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء إلا ما طابت نفسها به إذا كانت رشيدة،

7. النساء اللاتي لايحل نكاحهن:
ويؤخذ من الأمر بنكاح ما طاب من النساء تحريم نكاح الخبيثة التي لا يحل للمسلم نكاحها، وهي الكافرة غير الكتابية، وكذلك الزانية حتى تتوب كما نص الله على الثنتين.
وفي هذه الآية دليل على أنه لا بد في النكاح من صداق، وأنه يجوز في الكثير واليسير للعموم، وأنه لا يباح لأحد أن يتزوج بدون صداق، وإن لم يسم فمهر المثل،
المسألة الثالثة: من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح:
إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن له ذلك خاصة، كما قال تعالى:
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50].
المسألة الرابعة: الدليل على اشتراط الولي في النكاح:
وفي قوله: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] دليل على اعتبار الولي في النكاح، وهو العاصب، ويقدم منهم الأقرب فالأقرب، فإن تعذر الولي القريب والبعيد لعدم أو جهل أو غيبة طويلة قام الحاكم مقام الولي، فالسلطان والحاكم ولي من لا ولي لها من النساء.
المسألة الخامسة :شرح قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا):
وتحتها مسائل:
1) سبب نزول قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] إلى قوله: {مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]
كان أهل الجاهلية إذا مات أحدهم ورثت زوجته عنه كما يورث ماله، فرأى قريبه كأخيه وابن عمه أنه أحق بها من نفسها، ويحجرها عن غيره، فإن رضي بها تزوجها على غير صداق، أو على صداق يحبه هو دونها، وإن لم يرض بزواجها عضلها ومنعها من الأزواج إلا بعوض من الزوج أو منها، وكان منهم أيضا من يعضل زوجته التي هي في حباله، فيمنعها من حقوقها، ومن التوسعة لها لتفتدي منه، فنهى الله المؤمنين عن هذه الأحوال القبيحة الجائرة [لا يشترط أن يكون هذا سببا مباشرًا للنزول بمعنى وقوع حادثة معينة فنزلت الآية، ولكن من باب تفسير الآية]
2) متى يجوز عضل المرأة:
{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها ومن يتصل به، فيجوز في هذه الحال أن يعضلها مقابلة لها على فعلها لتفتدي منه؛ فإن هذا الافتداء بحق لا بظلم،
3) وجوب المعاشرة بالمعروف:
ثم قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة والكسوة والمسكن اللائق بحاله، ويصاحبها صحبة جميلة بكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة والخلق، وأن لا يمطلها بحقها، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة، وكل ذلك يتبع العرف في كل زمان ومكان وحال ما يليق به، قال تعالى:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]
وقوله: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] أي: ينبغي لكم يا معشر الأزواج أن تمسكوا زوجاتكم ولو كرهتموهن، فإن في ذلك خيرا كثيرا:
4) فوائد الإمساك على الزوجة ولو كان كارها لها:
منها: امتثال أمر الله ورسوله الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة.
ومنها: أن إجباره نفسه، ومجاهدته إياها مع عدم محبة زوجته تمرين على التخلق بالأخلاق الجميلة، وربما زالت الكراهة وخلفتها المحبة، وربما زالت الأسباب التي كرهها لأجلها، وربما رزق منها ولدا صالحا نفع الله به والديه في الدنيا والآخرة، ولا بد لهذه الكراهة من أسباب من الزوجة، فينبغي إذا كره منها خلقا لحظ بقية أخلاقها، وما فيها من المقاصد الأخر، ويجعل هذا في مقابلة هذا، وهذا عنوان الإنصاف والرأي الأصيل، فإن النزق الطائش الذي ليس عنده إنصاف يلاحظ بعض أغراضه النفسية، فإذا لم يأت على ما يريد أهدر المحاسن والمناقب الأخر، وهذا لا يكاد يصفو له خل في حياته، لا زوجة ولا صاحب ولا حبيب، بل هو سريع التقلب.
أما الرجل الحازم الوفي الذكي فإنه يوازن بين الأمور، ويقدم الحق السابق، ويفي بالسوابق، ويكون نظره للمحاسن أرجح من نظره للمساوئ.
فإن وصل إلى الدرجة العالية التي لا يصل إليها إلا أفراد من كمل الرجال جعل المحاسن نصب عينيه، وأغضى عن المساوئ بالكلية، وعفا عنها لله ولحق صاحب الحق، فهذا قد كسب الأجر والراحة والخلق الذي لا يلحق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا الصبر المأمور به إنما هو مع الإمكان.
المسألة السادسة: شرح قوله تعالى :(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ..)
وتحتها مسائل:
أ‌- مشروعية الطلاق:
فإن كان لا بد من الفراق، ولم يبق للصبر والإمساك موضع، فالله قد أباح الفراق، فلهذا قال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] أي: فلا حرج عليكم، ولكن إذا آتيتم إحداهن أي: الزوجة السابقة أو اللاحقة (قِنْطَارًا) وهو المال الكثير، {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] بل وفروه لهن ولا تمطلوهن.
ب‌- الصداق حق للمرأة:
وهذا يدل على جواز إعطاء النساء من المهور وغيرها المال الكثير، وأنها بذلك تملكه.

ت‌- فضيلة التساهل في المهور:
ولكن الأكمل والأفضل التساهل في المهور اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتسهيلا للنكاح ولطرقه وبراءة للذمم.
ث‌- الحكمة في تحريم أخذ الزوج من صداق المرأة:
ثم ذكر الحكمة في تحريم أخذ الزوج ما أعطاه لزوجته، فقال: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا - وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20 - 21] وبيان ذلك أن الأنثى قبل عقد النكاح محرمة على الزوج، وهي لم ترض بهذا الحل إلا بالعقد والميثاق الغليظ الذي عقد على ذلك العوض المشروط، فإذا دخل عليها وباشرها، وأفضى إليها وأفضت إليه، وباشرها المباشرة التي كانت قبل هذه الأمور حراما فقد استوفى المعوض، فثبت عليه العوض تاما، فكيف يستوفي المعوض ثم يرجع على العوض؟ لا ريب أن هذا من المنكرات القبيحة شرعا وعقلا وفطرة.
{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]
ثم عدد المحرمات إلى أن قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
المسألة السابعة: المحرمات في النكاح بالمصاهرة والنسب:
قد استوفى الباري المحرمات في النكاح في هذه الآيات في النسب والرضاع والمصاهرة، أما المحرمات بالمصاهرة فإن تزوج الرجل امرأة ترتب على هذا الزواج أربعة أحكام: تحريم هذه الزوجة على أولاده وإن نزلوا نسبا ورضاعا، وتحريمها على آبائه وإن علوا نسبا ورضاعا، وحرمت عليه أمها في الحال، وأما بنتها فإن كان قد دخل بزوجته حرمت أيضا، وصارت ربيبة، لا فرق بين بنتها من زوج سابق له، أو من زوج خلفه عليها.
وأما المحرمات بالنسب فتحرم الأمهات، وهن كل أنثى لها عليك ولادة، وهي التي تخاطبها بالأم والجدة وإن علت من كل جهة، وتحرم البنات، وهن كل أنثى تخاطبك بالأبوة أو بالجدودة من بنات الابن وبنات البنات وإن نزلن، وتحرم الأخوات شقيقات كن أو لأب أو لأم، وبنات الإخوة وبنات الأخوات مطلقا، وتحرم العمات والخالات، وهن كل أخت لأحد آبائك وإن علا، أو أحد أمهاتك وإن علون، وما سوى ذلك من الأقارب حلال كبنات الأعمام، وبنات العمات، وبنات الأخوال، وبنات الخالات.
المسألة الثامنة: الآيات الدالة على المحرمات بالنسب في النكاح:
ولهذا ذكر الله هذا الحل والتحريم المهم في موضعين: في هذا الموضع صرح بالمحرمات السبع وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وفي سورة الأحزاب أتى بها بأسلوب آخر، فقال في الحل: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] أي: فهن حلال، ومن عداهن من الأقارب حرام.
المسألة التاسعة: المحرمات بالرضاع في النكاح:
وأما المحرمات بالرضاع فإنهن نظير المحرمات بالنسب من جهة المرضعة وصاحب اللبن، فالمرضعة أم للرضيع، وأمهاتها جداته، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وأولادها إخوته وأخواته، وهو عم لأولادهم أو خال، وكذلك صاحب اللبن.
وأما الانتشار من جهة الطفل الراضع فلا ينتشر التحريم لأحد من أقاربه إلا لذريته فقط، وتقييد الآية في الربيبة بقوله: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] بيان لأغلب أحوالها، ولبيان أعلى حكمة تناسب حكمة التحريم، وأنها إذا كانت في حجرك بمنزلة بناتك لا يليق إلا أن تكون من محارمك.
وتقييدها الآخر بقوله: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] يخرج ابن التبني لا يخرج ابن الرضاع في قول جمهور العلماء، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أي: ذوات الأزواج، فكل أنثى في عصمة زوج أو في بقية عدته لا تحل لغيره؛ لأن الأبضاع ليست محل اشتراك، بل قصد تمييزها التام، ولهذا شرعت العدة والاستبراء، ونحو ذلك.
-المسألة العاشرة: حكم الزواج من ملك اليمين:
وقوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] المراد بهذا الملك ملك السبي، إذا سبيت المرأة ذات الزوج من الكفار في القتال الشرعي حلت للمسلمين، ولكن بعد الاستبراء أو العدة، فزوجها الحربي الذي في دار الحرب لم يبق له فيها حق، ولا له حرمة، فلهذا حلت للمسلمين كما حل لهم ماله ودمه، لأنه ليس له عهد ولا مهادنة.
وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] أي: ما سوى ما نص الله على تحريمه: سبع بالنسب، وسبع بالرضاع، وأربع بالصهر، فما عداهن فإنه حلال، إلا أنه حرم تعالى الجمع بين الأختين،
المسألة الحادية عشرة: المحرمات المذكورات في السنة:
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها.
المسألة الثانية عشرة: حكم نكاح الحر بالأمة :
وحرم على الأحرار نكاح المملوكات لما فيه من إرقاق الولد، ولما فيه من الدناءة والضرر العائد للأولاد؛ لتنازع الملاك، وتنقلات الأرقاء، لكن إذا رجحت مصلحة الإباحة فقد أباحه الله بشرط المشقة لحاجة متعة أو خدمة، وأن لا يقدر على الطول للحرة، وأن تكون الأمة مؤمنة بإذن أهلها، فعند اجتماع هذه الشروط كلها يحل للحر نكاح الإماء.
المسألة الثالثة عشرة: تفسير قوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ..)
وتحتها مسائل:
وقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]
1. معنى القوامة:
هذا خبر وأمر، أي: الرجال قوامون على النساء في أمور الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة، وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك.

2. سبب قوامة الرجل على المرآة:
{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] أي: ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن.
3. تفضيل الرجل على المرآة:
فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء، وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد،
4. دلالة حذف متعلق الإنفاق في قوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}:
ولهذا حذف المتعلق في قوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] ليدل على هذا التعميم، فعلم من ذلك أن الرجل كالوالي والسيد على امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته، فليتق الله في أمرها، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه؛
5. أقسام النساء في الصلاح والفساد:
وهن قسمان:
القسم الأول: قسم هن أعلى طبقات النساء، وخير ما حازه الرجال، وهن المذكورات في قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] أي: مطيعات لله ولأزواجهن، قد أدت الحقين، وفازت بكفلين من الثواب، حافظات أنفسهن من جميع الريب، وحافظات لأمانتهن ورعاية بيوتهن، وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا، وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك؛ فلهذا قال: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] أي: إذا وفقن لهذا الأمر الجليل فليحمدن الله على ذلك، ويعلمن أن هذا من حفظه وتوفيقه وتيسيره لها، فإن من وكل إلى نفسه فالنفس أمارة بالسوء، ومن شاهد منة الله، وتوكل على الله، وبذل مقدوره في الأعمال النافعة، كفاه الله ما أهمه، وأصلح له أموره، ويسر له الخير، وأجراه على عوائده الجميلة.
والقسم الثاني: هن الطبقة النازلة من النساء، وهن بضد السابقات في كل خصلة، اللاتي من سوء أخلاقهن وقبح تربيتهن تترفع على زوجها، وتعصيه في الأمور الواجبة والمستحبة،
6. علاج نشوز المرأة:
فأمر الله بتقويمهن بالأسهل فالأسهل، فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] أي: بينوا لهن حكم الله ورسوله في وجوب طاعة الأزواج، ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب، وخوفوهن معصية الأزواج، وذكروهن ما في ذلك من العقاب، وما يترتب عليه من قطع حقوقها، وإباحة هجرها وضربها، فإن تقومن بالوعظ والتذكير فذلك المطلوب، وحصل الاتفاق الذي لا يشوبه مكدر، فإن لم يفد التذكير فاهجروهن في المضاجع، بأن لا ينام عندها، ولا يباشرها بجماع ولا غيره؛ لعل الهجر ينجع فيها، ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط، فإن القصد بالهجر نفع المهجور وأدبه، ليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعله من لا رأي له إذا خالفته زوجته أو غيرها، ولم يحصل مقصوده، هجر هجرا مستمرا، أي: بقي متأثرا بذلك، عاتبا على من لم يواته على ما يحب، ووصلت به الحال إلى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة، فهذا ليس من الهجر الجميل النافع، وإنما هو من الحقد الضار بصاحبه، الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة، فإن نفع الهجر للزوجة وإلا انتقل إلى ضربها ضربا خفيفا غير مبرح، فإن حصل المقصود، ورجعت إلى الطاعة، وتركت المعصية، عاد الزوج إلى عشرتها الجميلة، ولا سبيل له إلى غير ذلك من أذيتها؛ لأنها رجعت إلى الحق.
وهذا الدواء لكل عاص ومجرم، إن الشارع رغبه إذا ترك إجرامه عاد حقه الخاص والعام كما في حق التائب من الظلم وقطع الطريق وغيرها، فكيف الزوج مع زوجته.

7. خلق التغافل والتسامح ووجوب التحلي به:
وفي هذه الآية ونحوها فائدة نافعة، وهي أنه ينبغي لمن عاد إلى الحق أن لا يذكر الأمور السالفة، فإن ذلك أحرى للثبات على المطلوب، فإن تذكير الأمور الماضية ربما أثار الشر، فانتكس المرض، وعادت الحال إلى أشد من الأولى.
المسألة الرابعة عشرة: آية علاج الشقاق بين الزوجين:
وتحتها مسائل:
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]
هذه حالة أخرى غير الحالة السابقة التي يمكن للزوج معالجتها، وهذه إذا استطار الشر بين الزوجين، وبلغت الحال إلى الخصام وعدم الالتئام، ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] عدلين عاقلين يعرفان الجمع والتفريق، ويفهمان الأمور كما ينبغي، فإن الحكم لا بد أن يتصف بهذه الأوصاف،

1- الطريقة المثلى في علاج الشقاق بين الزوجين :
فيبحثان في الأسباب التي أدت بهما إلى هذه الحال، ويسألان كلا منهما ما ينقم على صاحبه، ويزيلان ما يقدران عليه من المعتبة بترغيب الناقم على الآخر بالإغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات، وإرشاد الآخر إلى الوعد بالرجوع، وإرشاد كل منهما إلى الرضى والنزول عن بعض حقه، فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير، وإن أمكنهما إلزام المتعصب على الباطل منهما بالحق فَعَلَا، ومهما وجدا طريقا إلى الإصلاح والاتفاق والملاءمة بينهما لم يعدلا عنها، إما بتنازل عن بعض الحقوق، أو ببذل مال، أو غير ذلك، فإن تعذرت الطرق كلها، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح لتعذر الملاءمة فرقا بينهما بما تقتضيه الحال بعوض أو بغير عوض،
2- هل يشترط رضا الزوج في الفراق عندما يحكم به العدلين؟
ولا يشترط في هذا رضى الزوج؛ لأن الله سماهما حكمين لا وكيلين، ومن قال إنهما وكيلان اشترط في التفريق رضى الزوج، ولكن هذا القول ضعيف،
3- هل الأفضل الفراق أم الصلح؟
ولمحبة الباري للاتفاق بينهما وترجيحه على الآخر قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] أي: بسبب الرأي الميمون، والكلام اللطيف، والوعد الجميل الذي يجذب القلوب، ويؤثر فيها: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} [النساء: 35] بالسرائر والظواهر مطلعا على الخفايا، فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الأحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد إلى القيام بالحقوق: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]

المسألة السادسة عشرة: آية الصلح بين الزوجين:
وتحتها مسائل:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128]
هذه حالة من أحوال الزوجين غير الأحوال السابقة؛ لأن الحالتين السابقتين: حالة نشوز الزوجة، وحالة وقوع الخصام واستطارة الشر بينهما.
1- مشروعية حالة الصلح بين الزوجين:
وهذه إذا كان الزوج هو الراغب عن زوجته، إما عدم محبة وإما طمعا، فأرشد الله في هذه الحال إلى الطريق الذي تستقيم به الأمور، وهو طريق الصلح من المرأة أو وليها ليعود الزوج إلى الاستقامة،
2- الأمور التي تقع فيها المصالحة بين الزوجين:
بأن تسمح المرأة عن بعض حقها اللازم لزوجها على شرط البقاء معه، وأن يعود إلى مقاصد النكاح أو بعضها، كأن ترضى ببعض النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو تسقط حقها من القسم، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها بإذنه، فمتى اتفقا على شيء من ذلك فلا حرج ولا بأس.
3- فضيلة المصالحة على المقاضاة:
وهو أحسن من المقاضاة في الحقوق المؤدية إلى الجفاء أو إلى الفراق، ولهذا قال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]
وهذا أصل عظيم في جميع الأشياء، وخصوصا في الحقوق المتنازع فيها أن المصالحة فيها خير من استقصاء كل منهما على حقه كله؛ لما في الصلح من بقاء الألفة، والاتصاف بصفة السماح، وهو جائز بين المسلمين في كل الأبواب - إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا -.
4- وجود مقتضيات المصالحة وانتفاء موانعها:
واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضى لذلك، فقال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان مع ذلك قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه، وذكر المانع بقوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] أي: جبلت النفوس على الشح، وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق، وعدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده، وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك، والإغضاء عن التقصير، فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة، وتسهلت الطريق الموصلة إلى المطلوب، ومن لم يكن بهذا الوصف تعسر الصلح أو تعذر؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ما له كاملا مكملا، ولا يهون عليه أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر.
5- تعريف الإحسان:
ثم قال: {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا} [النساء: 128] أي: تحسنوا في عبادة الخالق، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وتحسنوا إلى المخلوقين بكل إحسان قولي أو فعلي،
6- تعريف التقوى:
وتتقوا الله بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات، أو تحسنوا بفعل المأمور، وتتقوا بترك المحظور {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128] فيجازيكم على قيامكم بالإحسان والتقوى، أو على عدم ذلك بالجزاء بالفضل والعدل.
المسألة السابعة عشرة : تفسيرآية وجوب العدل بين الزوجات ,وتحتها مسائل:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129]
يخبر تعالى أنه ليس في قدرة الأزواج العدل التام بين زوجاتهم،
1- مقتضيات العدل التام:
فإن العدل التام يقتضي أن يكون الداعي والحب على السواء، والميل القلبي على السواء، ويقتضي مع ذلك الإيمان الصادق، والرغبة في مكارم الأخلاق للعمل بمقتضى ذلك.
2- تعذرالعدل التام بين الزوجات:
وهذا متعذر غير ممكن، فلذلك عذر الله الأزواج، وعفا عنهم عما لا يقدرون عليه، ولكنه أمرهم بالعدل الممكن فقال:
3- مطالبة الزوج بالعدل الممكن بين الزوجات:
{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] أي: لا تميلوا إلى إحداهن عن الأخرى ميلا كثيرا، بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة، بل افعلوا مستطاعكم من العدل، فالنفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش ونحو ذلك مقدور، فعليكم العدل فيها بينهن، بخلاف الحب والوطء وتوابع ذلك، فالعبد لا يملك نفسه فعذره الله.
4- التحذير من تعليق المرآة ونسيانها:
وقوله: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] يعني: أن الزوج إذا مال عن زوجته وزهد فيها ولم يقم بحقوقها الواجبة، وهي في حباله أسيرة عنده صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح، ولا ذات زوج يقوم بحقوقها، وإن تصلحوا فيما بينكم وبين زوجاتكم بوجه من وجوه الصلح كما تقدم، وبمجاهدة أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين الناس فيما تنازعتم به من الحقوق، وتتقوا الله بامتثال أمره واجتناب نهيه {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129]
{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130]
5- مشروعية الفراق بين الزوجين :
يعني: إذا تعذر الاتفاق والالتئام فلا بأس بالفراق، فقال: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: 130] أي: بفسخ أو طلاق أو خلع أو غير ذلك .
6- الرزق من الله وليس من الزوج:
{يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا} [النساء: 130] من الزوجين {مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] أي: من فضله وإحسانه العام الشامل، فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله برزق من غير طريقه، فإنها وإن توهمت أنه إذا فارقها زوجها المنفق عليها القائم بمؤنتها ينقطع عنها الرزق، فسوف يغنيها الله من فضله، فإن رزقها ليس على الزوج ولا على غيره، بل على المتكفل القائم بأرزاق الخليقة كلها، وخصوصا من تعلق قلبه به ورجاه رجاء قلبيا طامعا في فضله كل وقت، فإن الله عند ظن عبده به، ولعل الله يرزقها زوجا خيرا لها منه وأنفع {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا} [النساء: 130] أي: واسع الرحمة كثير الإحسان {حَكِيمًا} [النساء: 130] في وضعه الأمور مواضعها.
7- تعليق القلب بالله وحده:

وفي الآية تنبيه على أنه ينبغي للعبد أن يعلق رجاءه بالله وحده، وأن الله إذا قدر له سببا من أسباب الرزق والراحة أن يحمده على ذلك، ويسأله أن يبارك فيه له، فإن انقطع أو تعذر ذلك السبب فلا يتشوش قلبه، فإن هذا السبب من جملة أسباب لا تحصى ولا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين، بل يفتح له سببا غيره أحسن منه وأنفع، وربما فتح له عدة أسباب، فعليه في أحواله كلها أن يجعل فضل ربه، والطمع في بره نصب عينيه وقبلة قلبه، ويكثر من الدعاء المقرون بالرجاء؛ فإن الله يقول على لسان نبيه: «أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله» ، وقال: «إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي»).

من فوائد دراسة أحكام الطلاق: [والنكاح !]
- ادراك سماحة الشريعة الإسلامية وصلاحها لكل زمان ومكان .
- تحقيق التوحيد في القلب ومعرفة أن الخالق سبحانه لم يتركنا هملا بل أرشدنا إلى أدق الأحكام وأخفاها.
- اهتمام الشريعة بالمرأة ومراعاة ضعفها وأنوثتها.
- صلاح الشريعة لكلا الجنسين ولا صلاح لهما إلا باتباع الشرع.
- حفاظ الشريعة على المملكة الزوجية وعدم اختلال نظامها وسعادتها.
- السعي وراء سعادة الزوجين واستقرارهما.
- الذي خلق الرجل هو الأعلم بمايصلح له ومايصلحه وكذلك المرآة.
- يسر الشريعة وسماحتها.
- تحريم الظلم ومحاربة الشريعة له.
- الرد على الشبهات التي تثار حول التعدد وغيره من الأمور المتعلقة بالنكاح وبالبيت المسلم.

2. أحكام الأيمان.
-المسألة الأولى: الواجب علينا تجاه ماأحل الله لنا:
يقول الباري: يا أيها الذين آمنوا اعملوا بمقتضى أيمانكم في تحليل ما أحل الله، وتحريم ما حرم الله، فلا تحرموا ما أحل الله لكم من المطاعم والمشارب وغيرها، فإنها نعم تفضل الله بها عليكم فاقبلوها، واشكروا الله عليها إذ أحلها شرعا ويسرها قدرا، ولا تردوا نعمة الله بكفرها، أو عدم قبولها، أو اعتقاد تحريمها، أو الحلف على عدم تناولها، فإن ذلك كله من الاعتداء، ولهذا قال: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] بل يبغضهم ويمقتهم على ذلك {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} [المائدة: 88] أي: كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، ويسره لكم بأسبابه المتنوعة، إذا كان حلالا، لا سرقة ولا غصبا، ولا حصل في معاملة خبيثة، وكان أيضا طيبا نافعا لا خبث فيه {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: 88] في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه {الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88] فإن الإيمان لا يتم إلا بذلك، وهو يدعو إلى ذلك.
المسألة الثانية: التحريم للحلال فيه كفارة يمين:
ودلت الآية الكريمة أن العبد إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وكسوة واستعمال وسرية ونحو ذلك، فإن هذا التحريم منه لا يحرم ذلك الحلال، لكن إذا فعله فعليه كفارة يمين، لأن التحريم يمين كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 1 - 2] وهذا عام في تحريم كل طيب.
المسألة الثالثة: تحريم الزوجة فيه كفارة الظهار:
إلا أن تحريم الزوجة يكون ظهارا فيه كفارة الظهار السابقة.
المسألة الرابعة: الأكل من الطيبات من شكر نعمة الله:
وكما أنه ليس له أن يحلف على ترك الطيبات فليس له أن يمتنع من أكلها، ولو بلا حلف تنسكا وغلوا في الدين؛ بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] ويشمل هذا الأيمان التي حلف بها من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك، {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أي: بما عقدت عليه قلوبكم، كما قال في الآية الأخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
المسألة الخامسة: كفارة اليمين لمن حنث:
فإذا عقد العبد اليمين وحنث - بأن فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله - خير في الكفارة بين إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، وذلك يختلف باختلاف الناس والأوقات والأمكنة، أو كسوتهم بما يعد كسوة، وقيد ذلك بكسوة تجزي في الصلاة، أو تحرير رقبة صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون الرقبة مؤمنة، كما في الآية المقيدة بالأيمان، وأن تكون تلك الرقبة سليمة من العيوب الضارة بالعمل، فمتى كفر بواحد من هذه الثلاثة انحلت يمينه.
وهذا من نعمة الله على هذه الأمة أنه فرض لهم تحلة أيمانهم، ورفع عنهم الإلزام والجناح، فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فعليه صيام ثلاثة أيام، أي: متتابعة مع الإمكان، كما قيدت في قراءة بعض الصحابة،
المسألة السادسة: النهي عن كثرة الأيمان:
{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عن أن تحلفوا بالله وأنتم كاذبون، وعن كثرة الأيمان لا سيما عند البيع والشراء، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا من المضي فيها، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224]
المسألة السابعة: النهي عن جعل الأيمان عرضة لترك الأعمال الصالحة:
أي: لا تقولوا: إننا قد حلفنا على ترك البر، وترك التقوى، وترك الإصلاح بين الناس، فتجعلوا أيمانكم مانعة لكم من هذه الأمور التي يحبها الله ورسوله، بل احنثوا وكفروا وافعلوا ما هو خير وبر وتقوى، واحفظوا أيضا أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم بالكفارة، فإن الكفارة بها حفظ اليمين الذي معناه تعظيم المحلوف به، فمن كان يحلف ويحنث ولا يكفر فما حفظ يمينه، ولا قام بتعظيم ربه {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} [المائدة: 89] المبينة للحلال من الحرام، الموضحة للأحكام {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89] فعلى العباد أن يشكروا ربهم على بيانه وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمون، فإن العلم أصل النعم وبه تتم).
الفوائد من دراسة الأيمان:
- معرفة معنى الأيمان, ومعرفة حكمها.
- معرفة أحكام الأيمان , والواجب فيها.
- العمل بمايجب إذا وقع في الحلف وحنث حتى لا تلحقه تبعات.
- شكر الله على تعليمه لنا العلم النافع.
1. قصة هود عليه السلام
-قوم هود:
بعث الله هودا عليه الصلاة والسلام إلى قومه عادا الأولى المقيمين بالأحقاف - من رمال حضرموت –
-سبب ارسال الله هود إلى قومه:
لما كثر شرهم، وتجبروا على عباد الله وقالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15]
مع شركهم بالله وتكذيبهم لرسل الله.
-دعوة هود مبنية على التوحيد:
فأرسله الله إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن الشرك والتجبر على العباد، ويدعوهم بكل وسيلة، ويذكرهم ما أنعم الله عليهم به من خير الدنيا والبسطة في الرزق والقوة، فردوا دعوته وتكبروا عن إجابته وقالوا:
-رد قوم هود على نبيهم:
{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 154]
وهم كاذبون في هذا الزعم، فإنه ما من نبي إلا أعطاه الله من الآيات ما على مثله يؤمن البشر،
-أكبر دليل على أن مصدر الدين واحد وأنه من عند الله:
ولو لم يكن من آيات الرسل إلا أن نفس الدين الذي جاءوا به أكبر دليل أنه من عند الله لإحكامه وانتظامه للمصالح في كل زمان بحسبه وصدق أخباره، وأمره بكل خير ونهيه عن كل شر، وأن كل رسول يصدق من قبله ويشهد له، ويصدقه من بعده ويشهد له.
-تحدي هود لقومه المعاندين:
ومن آيات هود الخاصة أنه متفرد وحده في دعوته وتسفيه أحلامهم وتضليلهم والقدح في آلهتهم، وهم أهل البطش والقوة والجبروت، وقد خوَّفوه بآلهتهم إن لم ينته أن تمسه بجنون أو سوء فتحدَّاهم علنا، وقال لهم جهارا:
{إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 54 - 56]
فلم يصلوا إليه بسوء.
فأي آية أعظم من هذا التحدي لهؤلاء الحريصين على إبطال دعوته بكل طريق؟ فلما انتهى طغيانهم تولَّى عنهم وحذَّرهم نزول العذاب،
-نزول العذاب على قوم هود:
فجاءهم العذاب معترضا في الأفق، وكان الوقت وقت شدة عظيمة وحاجة شديدة إلى المطر، فلما استبشروا وقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]
قال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24]
بقولكم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 24 - 25]
تمر عليه: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7]
{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 25]
فبعدما كانت الدنيا لهم ضاحكة، والعز بليغ، ومطالب الحياة متوفرة، وقد خضع لهم من حولهم من الأقطار والقبائل، إذ أرسل الله إليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات؛ لنذيقهم عذاب الخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود: 60]
-نجاة هود ومن آمن معه:
ونجى الله هودا ومن معه من المؤمنين، إن في ذلك لآية على كمال قدرة الله وإكرامه الرسل وأتباعهم، ونصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وآية على إبطال الشرك، وأن عواقبه شر العواقب وأشنعها، وآية على البعث والنشور.
* فوائد من هذه القصة:
-الحكمة من القصص وورودها في القرآن:
فيها ما تقدم في قصة نوح من الفوائد المشتركة بين الرسل، ومنها أن الله بحكمته يقص علينا نبأ الأمم المجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها؛ لأن القرآن يذكر أعلى الطرق في التذكير، والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريفا نافعا، ولا ريب أن الأقطار النائية عنا في مشارق الأرض ومغاربها قد بعث الله إليهم رسلا، ولهم معهم نظير ما للمذكورين من إجابة وردٍّ وإكرام وعقوبة، وما من أمة إلا بعث الله فيهم رسولا،
- الحكمة من الآثار الباقية من عذاب الأمم:
ولكن نفعنا بتذكيرنا بما حولنا، وما نتناقله جيلا بعد جيل، بل نشاهد آثارهم، ونمر بديارهم كل وقت، ونفهم لغاتهم، وطبائعهم أقرب إلى طبائعنا، لا ريب أن نفع هذا عظيم، وأنه أولى من تذكيرنا بأمم لم نسمع لهم بذكر ولا خبر، ولا نعرف لغاتهم، ولا تتصل إلينا أخبارهم بما يطابق ما يخبرنا الله به؛ فيؤخذ من هذا أن تذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم، وأنسب لأحوالهم، وأدخل في مداركهم، وأنفع لهم من غيره أولى من التذكيرات بطرق أخرى وإن كانت حقا، لكن الحق يتفاوت، والمذكِّر والمعلِّم إذا سلك هذا الطريق واجتهد في إيصال العلم والخبر إلى الناس بالوسائل التي يفهمونها، ولا ينفرون منها، أو تكون أقرب لإقامة الحجة عليهم نفع وانتفع، وأشار الباري إلى هذا في آخر قصة عاد، فقال:
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ} [الأحقاف: 27]
أي: نوعناها بكل فن ونوع {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف: 27]
أي: ليكون أقرب لحصول الفائدة.
ومنها: أن اتخاذ المباني الفخمة للفخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الأمور المذمومة الموروثة عن الأمم الطاغية، كما قال الله في قصة عاد وإنكار هود عليهم، قال:
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ - وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128 - 129]
-الحكمة من بناء الدور والقصوروالحصون :
وبالجملة فالبنايات للقصور والحصون والدور وغيرها من الأبنية:
إما أن تتخذ مساكن للحاجة إليها، والحاجات تتنوع وتختلف، فهذا النوع من الأمور المباحة، وقد يتوسل به بالنية الصالحة إلى الخير.
وإما أن تكون البنايات حصونا واقية لشرور الأعداء، وثغورا تحفظ بها البلاد ونحوها مما ينفع المسلمين، ويقيهم الشر، فهذا النوع يدخل في الجهاد في سبيل الله، وهو داخل في الأمر باتخاذ الحذر من الأعداء.
وإما أن يكون للفخر والخيلاء والبطش بعباد الله وتبذير الأموال التي يتعين صرفها في طرق نافعة، فهذا النوع هو المذموم الذي أنكره الله على عاد وغيرهم.
ومنها: أن العقول والأذهان والذكاء وما يتبع ذلك من القوة المادية، وما ترتب عليها من النتائج والآثار وإن عظمت وبلغت مبلغا هائلا، فإنها لا تنفع صاحبها إلا إذا قارنها الإيمان بالله ورسله.
وأما الجاحد لآيات الله المكذب لرسل الله، فإنه وإن استُدرج في الحياة وأُمهل فإن عاقبته وخيمة، وسمعه وبصره وعقله لا يغني عنه شيئا إذا جاء أمر الله، كما قال الله عن عاد:
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: 26]
وفي الآية الأخرى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101]).
الفوائد من قصة هود:
-اتخاذ العظة والعبرة.
-معرفة فضل الأنبياء والرسل .
-صبر هود على قومه .
-فضل الدعوة إلى التوحيد.
-انتقام الله لأنبيائه ونصره لهم.
-الشرك وصاحبه إلى الخسارة والدمار والنار.
4. قصة موسى وهارون عليهما السلام
-من أعظم القصص قصة موسى :
قد ذكر الله لموسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهما السلام سيرة طويلة، وساق قصصه في مواضع من كتابه بأساليب متنوعة واختصار أو بسط يليق بذلك المقام، وليس في قصص القرآن أعظم من قصة موسى؛ لأنه عالج فرعون وجنوده، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة، وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل، وشريعته وكتابه التوراة هو مرجع أنبياء بني إسرائيل وعلمائهم وأتباعه أكثر أتباع الأنبياء غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وله من القوة العظيمة في إقامة دين الله والدعوة إليه والغيرة العظيمة ما ليس لغيره.
-وقت ولادة موسى عليه السلام والشدة التي مرت ببني إسرائيل:
وقد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني إسرائيل: فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل، ويستحيي النساء للخدمة والامتهان، فلما ولدته أمه خافت عليه خوفا شديدا؛ فإن فرعون جعل على بني إسرائيل من يرقب نساءهم ومواليدهم.
-قصة ولادة موسى عليه السلام:
وكان بيتها على ضفة نهر النيل فألهمها الله أن وضعت له تابوتا إذا خافت أحدا ألقته في اليم، وربطته بحبل لئلا تجري به جرية الماء، ومن لطف الله بها أنه أوحى لها أن لا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين.
-موسى بين يدي آل فرعون:
فلما ألقته ذات يوم انفلت رباط التابوت، فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى، ومن قدر الله أن وقع في يد آل فرعون، وجيء به إلى امرأة فرعون آسية، فلما رأته أحبته حبا شديدا، وكان الله قد ألقى عليه المحبة في القلوب، وشاع الخبر ووصل إلى فرعون، فطلبه ليقتله،
-نجاة موسى من القتل:
فقالت امرأته: لا تقتلوه. . قرة عين لي ولك، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، فنجا بهذا السبب من قتلهم، وكان هذا الأثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله، فكان هذا من أسباب هدايتها وإيمانها بموسى بعد ذلك.
- ربط الله على قلب أم موسى:
أما أم موسى فإنها فزعت، وأصبح فؤادها فارغا، وكاد الصبر أن يغلب فيها، إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين،
-ارسال أم موسى لأخته حتى تقص أثره:
وقالت لأخته: قصيه وتحسسي عنه، وكانت امرأة فرعون قد عرضت عليه المراضع فلم يقبل ثدي امرأة، وعطش وجعل يتلوى من الجوع، وأخرجوه إلى الطريق؛ لعل الله أن ييسر له أحدا، فحانت من أخته نظرة إليه، وبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون بشأنها،
-رجوع موسى لأمه:
فلما أقبلت عليه وفهمت منهم أنهم يطلبون له مرضعا قالت لهم: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ثم ذكر الله في هذه السورة قصة مفصلة واضحة، وكيف تنقلت به الأحوال، قراءتها كافية عن شرح معناها لوضوحها وتفصيلاتها، والله تعالى ما فصَّل لنا إلا ما ننتفع به ونعتبر، ولكن في قصته من العبر والفوائد شيء كثير ننبه على بعضها.
-لطف الله بأم موسى:
* ذكر الفوائد المستنبطة نصا أو ظاهرا أو تعميما أو تعليلا من قصة موسى صلى الله عليه وسلم: منها: لطف الله بأم موسى بذلك الإلهام الذي به سلم ابنها، ثم تلك البشارة من الله لها برده إليها، التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها، ثم رده إليها بإلجائه إليها قدرا بتحريم المراضع عليه، وبذلك وغيره يعلم أن ألطاف الله على أوليائه لا تتصورها العقول، ولا تعبر عنها العبارات، وتأمل موقع هذه البشارة، وأنه أتاها ابنها ترضعه جهرا، وتأخذ عليه أجرا، وتسمى أمه شرعا وقدرا، وبذلك اطمأن قلبها، وازداد إيمانها، وفي هذا مصداق لقوله تعالى:
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]
فلا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة.
-من يستفيد من القصص:
ومنها: أن آيات الله وعبره في الأمم السابقة إنما يستفيد منها، ويستنير بها المؤمنون، والله يسوق القصص لأجلهم، كما قال تعالى في هذه القصة:
{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 3].
-ربط الأسباب بمسبباتها:
ومنها: أن الله إذا أراد شيئا هيأ أسبابه، وأتى به شيئا فشيئا بالتدريج لا دفعة واحدة.
- عدم التسليم والانقياد للضعف والخور:
ومنها: أن الأمة المستضعفة، ولو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفها واستبعادها لفرعون وملئه منهم، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.
-الضعف سبب للخذلان:
ومنها: أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها لا يقوم لها أمر دينها كما لا يقوم لها أمر دنياها.
-الخوف الجائز:
ومنها: أن الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الإيمان ولا يزيله، كما جرى لأم موسى ولموسى من تلك المخاوف.
-مذهب أهل السنة في الإيمان:
ومنها: أن الإيمان يزيد وينقص لقوله: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10]
والمراد بالإيمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته.
-الثبات عند المخاوف نعمة كبيرة من نعم الله:
ومنها: أن من أعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند المقلقات والمخاوف، فإنه كما يزداد به إيمانه وثوابه فإنه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب، ويبقى رأيه وأفكاره ثابتة، وأما من لم يحصل له هذا الثبات، فإنه لقلقه وروعه يضيع فكره، ويذهل عقله، ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال.
-وجوب فعل الأسباب وأنها لاتعارض الإيمان بالقدر:
ومنها: أن العبد وإن عرف أن القضاء والقدر حق، وأن وعد الله نافذ لا بد منه، فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي تنفع، فإن الأسباب والسعي فيها من قدر الله، فإن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك لما التقطه آل فرعون سعت بالأسباب، وأرسلت أخته لتقصه، وتعمل الأسباب المناسبة لتلك الحال.
-جواز خروج المرأة للحاجة:
ومنها: جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال إذا انتفى المحذور، كما صنعت أخت موسى وابنتا صاحب مدين.
-جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع:
ومنها: جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، كما فعلت أم موسى، فإن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه.
-حرمة دم المعاهد:
ومنها: أن قتل الكافر الذي له عهد بعقد أو عرف لا يجوز، فإن موسى ندم على قتله القبطي، واستغفر الله منه وتاب إليه.
-تحريم القتل بغير حق:
ومنها: أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الأرض، ولو كان غرضه من ذلك الإرهاب، ولو زعم أنه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس.
-حكم التحذير ممن يتوقع منه شر:
ومنها: أن إخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة، بل قد يكون واجبا، كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى محذِّرا لموسى على وجه الثناء عليه.
-جواز الفرار ممن يخاف منه على نفسه:
ومنها: إذا خاف التلف بالقتل بغير حق في إقامته في موضع، فلا يلقي بيده إلى التهلكة ويستسلم للهلاك، بل يفرّ من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى.
-القاعدة الفقهية: إذا كان لا بد من ارتكاب إحدى مفسدتين تعين ارتكاب الأخف:
ومنها: إذا كان لا بد من ارتكاب إحدى مفسدتين تعين ارتكاب الأخف منهما، الأسلم دفعا لما هو أعظم وأخطر، فإن موسى لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل، أو ذهابه إلى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق إليها، وليس معه دليل يدله غير هداية ربه، ومعلوم أنها أرجى للسلامة، لا جرم آثرها موسى.
-سؤال الله الهداية للعلم بالحق :
ومنها: فيه تنبيه لطيف على أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى العمل أو التكلم به، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه إلى الصواب من القولين بعد أن يقصد الحق بقلبه ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب من هذه حاله، كما جرى لموسى لما قصد تلقاء مدين ولا يدري الطريق المعين إليها قال: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص: 22]
وقد هداه الله وأعطاه ما رجاه وتمناه.
-خلق الرحمة والإحسان:
ومنها: أن الرحمة والإحسان على الخلق، من عرفه العبد ومن لا يعرفه، من أخلاق الأنبياء، وأن من جملة الإحسان الإعانة على سقي الماشية، وخصوصا إعانة العاجز، كما فعل موسى مع ابنتي صاحب مدين حين سقى لهما لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة.
-فضل التوسل بالضعف والاستكانة لله:
ومنها: أن الله كما يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ونعمه العامة والخاصة، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزه وفقره، وعدم قدرته على تحصيل مصالحه، ودفع الأضرار عن نفسه كما قال موسى:
{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]
لما في ذلك من إظهار التضرع والمسكنة، والافتقار لله الذي هو حقيقة كل عبد.
ومنها: أن الحياء والمكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم الصالحين.
-المكافأة لاتخل بالإخلاص إذا جاءت عرضا:
ومنها: أن العبد إذا عمل العمل لله خالصا، ثم حصل به مكافأة عليه بغير قصده فإنه لا يلام على ذلك، ولا يخل بإخلاصه وأجره، كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبه، ولم يستشرف له على معاوضة.
-جواز الاجارة على منفعة:
ومنها: جواز الإجارة على كل عمل معلوم في نفع معلوم أو زمن مسمى، وأن مرد ذلك إلى العرف، وأنه تجوز الإجارة وتكون المنفعة البضع، كما قال صاحب مدين:
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27]
وأنه يجوز للإنسان أن يخطب الرجل لابنته، ونحوها ممن هو ولي عليها ولا نقص في ذلك، بل قد يكون نفعا وكمالا، كما فعل صاحب مدين مع موسى.
- القوة والأمانة سبب لنيل الإمامة:
ومنها قوله:
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]
هذان الوصفان بهما تمام الأعمال كلها، فكل عمل من الولايات أو من الخدمات أو من الصناعات، أو من الأعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والأعمال إذا جمع الإنسان الوصفين، أن يكون قويا على ذلك العمل بحسب أحوال الأعمال، وأن يكون مؤتمنا عليه، تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته، والخلل والنقص سببه الإخلال بهما أو بأحدهما.
-فضل الخلق الحسن:
ومنها: من أعظم مكارم الأخلاق تحسين الخلق مع كل من يتصل بك من خادم وأجير وزوجة وولد ومعامل وغيرهم، ومن ذلك تخفيف العمل عن العامل لقوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27]
وفيه أنه لا بأس أن يرغب المعامل في معاملته بالمعاوضات والإجارات بأن يصف نفسه بحسن المعاملة بشرط أن يكون صادقا في ذلك.
-جواز عقد المعاملات بلا شهود:
ومنها: جواز عقد المعاملات من إجارة وغيرها بغير إشهاد لقوله: {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28]
وتقدم أن الإشهاد تنحفظ به الحقوق، وتقل المنازعات، والناس في هذا الموضع درجات متفاوتة وكذلك الحقوق.
-الآيات التي أيد الله بها موسى:
ومنها: الآيات البينات التي أيَّد الله بها موسى من انقلاب عصاه التي كان يعرفها:
{حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 20]
ثم عودها سيرتها الأولى، وأن يده إذا أدخلها في جيبه ثم أخرجها صارت بيضاء من غير سوء للناظرين، ومن رحمة الله وحمايته لموسى وهارون من فرعون وملئه، ومن انفلاق البحر لما ضربه موسى بعصاه فصار اثني عشر طريقا، وسلكه هؤلاء فنجوا، وقوم فرعون فهلكوا، وغير ذلك من الآيات المتتابعات التي هي براهين وآيات لمن رآها وشاهدها، وبراهين لمن سمعها، فإنها نقلتها معظم مصادر اليقين الكتب السماوية، ونقلتها القرون كلها، ولم ينكر مثل هذه الآيات إلا جاهل مكابر زنديق، وجميع آيات الأنبياء بهذه المثابة.
-دلالة الآيات على وحدانية الله:
ومنها: أن آيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وما يخرقه الله من الآيات، ومن تغيير الأسباب، أو منع سببيتها، أو احتياجها إلى أسباب أخر، أو وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله، وأنه على كل شيء قدير، وأن أقدار الله لا يخرج عنها حادث جليل ولا حقير، وأن هذه المعجزات والكرامات والتغييرات لا تنافي ما جعل الله في هذه المخلوقات من الأسباب المحسوسة والنظامات المعهودة، وإنك لا تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا؛ فإن سنن الله في جميع الحوادث السابقة واللاحقة قسمان:
- كمال حكمة الله في خلقه وشرعه وترتب الآثار شرعا وقدرا على الأسباب:
أحدهما: وهو جمهور الحوادث والكائنات والأحكام الشرعية والقدرية وأحكام الجزاء: لا تتغير ولا تتبدل عما يعهده الناس ويعرفون أسبابه، وهذا القسم أيضا مندرج في قدرة الله وقضائه، ويستفاد من هذا العلم بكمال حكمة الله في خلقه وشرعه، وأن الأسباب والمسببات من سلك طرقها على وجه كامل أفضت به إلى نتائجها وثمراتها، ومن لم يسلكها أو سلكها على وجه ناقص يحصل له الثمرات التي رتبت على الأعمال شرعا ولا قدرا، وهذه توجب للعبد أن يجد ويجتهد في الأسباب الدينية والدنيوية النافعة مع استعانته بالله، والثناء على ربه في تيسيرها وتيسير أسبابها وآلاتها، وكل ما تتوقف عليه.
-وجوب الإيمان بالغيب:
والقسم الثاني: حوادث معجزات الأنبياء التي تواترت تواترا لا يتواتر مثله في جميع الأخبار، وتناقلتها القرون كلها، وكذلك ما يكرم الله به عباده من إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، وحصول المطالب المتنوعة، ودفع المكاره التي لا قدرة للعبد على دفعها، والفتوحات الربانية، والإلهامات الإلهية، والأنوار التي يقذفها الله في قلوب خواص خلقه، فيحصل لهم بذلك من اليقين والطمأنينة والعلوم المتنوعة ما لا يدرك بمجرد الطلب وفعل السبب، ومن نصره للرسل وأتباعهم، وخذلانه لأعدائهم وهو مشاهد في كثير من الأوقات: فهذا القسم ليس عند الخلق اهتداء إلى أسباب هذه الحوادث، ولا جعل لهم في الأصل وصول إلى حقيقتها وكنهها، وإنما هي حوادث قدرها الرب العظيم الذي هو على كل شيء قدير بأسباب وحكم وسنن لا يعقلها الخلق، ولا لحواسهم وتجاربهم وصول إليها بوجه من الوجوه، وبها آمن الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأتباعهم الأولون منهم والآخرون، وبها يعرف عظمة الباري، وأن نواصي العباد بيده، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويعرف بذلك صحة ما جاءت به الرسل، كما يعرف أيضا بالقسم الأول، وكما أنه لا سبيل إلى العباد في هذه الدار إلى إدراك كنه صفات اليوم الآخر، وكنه ما في الجنة والنار، وإنما يعلمون منها ما علمتهم به الرسل، ونزلت به الكتب، ولا سبيل إلى أهل هذا الكون الأرضي للوصول إلى العالم السماوي، ولا سبيل لهم إلى إحياء الموتى وإيجاد الأرواح في الجمادات، فكذلك هذا النوع العظيم من حوادث الكون، وإنما أطلنا الكلام على هذه المسألة، وإن كانت تستحق من البسط أكثر من هذا؛ لأمرين:
-زعم الزنادقة بأن العالم وجد صدفة:
* الأول: أن الزنادقة المتأخرين الذين أنكروا وجود الباري، وأنكروا جميع ما أخبرت به الرسل والكتب السماوية من أمور الغيب، ولم يثبتوا من العلوم إلا ما وصلت إليه حواسهم وتجاربهم القاصرة على بعض علوم الكون، وأنكروا ما سوى ذلك، وزعموا أن هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن أن يغيره مغير، أو يغير شيئا من أسبابه، وأنه وجد صدفة من غير إيجاد موجد، وأنه آلة تمشي بنفسها وطبيعتها، ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق، وهؤلاء جميع أهل الأديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم؛ لأنهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقة، إذ أنكروا أجلى الحقائق وأوضحها، وأعظمها براهين وآيات، وتاهوا بعقولهم القاصرة وآرائهم الفاسدة، هؤلاء أمرهم معلوم ولكن.
* الأمر الثاني: أن بعض أهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الإسلام، والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم أو اغترارهم أن يطبقوا السنن الإلهية وأمور الآخرة على ما يعرفه العباد بحواسهم، ويدركونه بتجاربهم، فحرفوا لذلك المعجزات، وأنكروا الآيات البينات، ولم يستفيدوا إلا الضرر على أنفسهم، وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث؛ إذ ضعف إيمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الأنبياء تحريفا يؤول إلى إنكارها، وإنكارهم هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره، وضعف إيمان من وقف على كلامهم ممن ليست له بصيرة، ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع، ولم يحصل ما زعموه من جلب الماديين إلى الهدى والدين، بل زادوهم إغراء في مذاهبهم، لما رأوا أمثال هؤلاء يحاولون إرجاع النصوص الدينية، ومعجزات الأنبياء، وأمور الغيب إلى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب المدركات بالحواس، فيا عظم المصيبة، ويا شدة الجرم المزوق، ولكن ضعف البصيرة والإعجاب بزنادقة الدهريين أوجب الخضوع لأقوالهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
- الإمامة في الشر عقوبة ربانية:
ومنها: أن من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إماما في الشر وداعيا إليه، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا، قال تعالى في فرعون وَمَلَئه:
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]
وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]
- دلالة قصة موسى عليه السلام على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
ومنها: ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ أخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصَّلا مطابقا وتأصيلا موافقا، قصه قصًّا صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع، ولا درس شيئا عرف به أحوال هذه التفصيلات، ولا جالس وأخذ عن أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد أجمعين، ولهذا يقول في آخر هذه القصة:
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} [القصص: 46]
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص: 44]
{وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [القصص: 45]
وهذا نوع من أنواع براهين رسالته.
ومنها: ذكر كثير من أهل العلم أنه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال:
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى - قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [طه: 17 - 18]
استحبابُ استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18]
-الأصل الذي خلق الإنسان له عبادة الله:
وأنه يستفاد منها أيضا الرحمة بالبهائم، والإحسان إليها، والسعي في إزالة ضررها، ومنها: أن قوله جلَّ ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] أي أن ذكر العبد لربه هو الذي خُلق له العبد، وبه صلاحه وفلاحه، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم، ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكِّرهم بالله، ويتعاهدون فيها قراءة القرآن، والثناء على الله، ودعائه والخضوع له الذي هو روح الذكر، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين.
وكما أن الذكر هو الذي خلق الخلق لأجله، والعبادات كلها ذكر لله، فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وإن شَقَّت، ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة، ويخفف عليه الدعوة إلى الله، قال تعالى في هذه القصة:
{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا - وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 33 - 34]
وقال: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42]
-من أعظم الإحسان مشاركة الأخ في الخير:
ومنها: إحسان موسى صلى الله عليه وسلم على أخيه هارون، إذ طلب من ربه أن يكون نبيا معه، وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه إذ قال:
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 29 - 32]
- الفصاحة تعين على التعليم:
ومنها: أن الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم، وعلى إقامة الدعوة، لهذا طلب موسى من ربه أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وأن اللثغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام، ومن كمال أدب موسى مع ربه أنه لم يسأل زوال اللثغة كلها، بل سأل إزالة ما يحصل به المقصود. - وجوب انزال الناس منازلهم:
ومنها: أن الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم: الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الإفهام بلا تشويش ولا غلظة، وهذا يحتاج إليه في كل مقام، لكن هذا أهم المواضع؛ وذلك لأنه الذي يحصل به الغرض المقصود، وهو قوله:
{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]
ومنها: أن من كان في طاعة الله، مستعينا بالله، واثقا بوعد الله، راجيا ثواب الله، فإن الله معه، ومن كان الله معه فلا خوف عليه، لقوله تعالى:
{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]
وقال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]
-الكذب والتولي من أسباب العذاب:
ومنها: أن أسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين:
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48]
أي: كذب خبر الله وخبر رسله، وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله، ونظيرها قوله تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 15 - 16]
ومنها: أن قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
- الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله:
استوعب الله بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله.
* أحدها: التوبة، وهو الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا، وهي تَجُبُّ ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها.
* الثاني: الإيمان، وهو الإقرار والتصديق الجازم العام بكل ما أخبر الله به ورسوله، الموجب لأعمال القلوب، ثم تتبعها أعمال الجوارح، ولا ريب أن ما في القلب من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي لا ريب فيه أصلُ الطاعات وأكبرها وأساسها، ولا ريب أنه بحسب قوته يدفع السيئات، يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه، ويدفع ما وقع بالإتيان بما ينافيه وعدم إصرار القلب عليه، فإن المؤمن ما في قلبه من الإيمان ونوره لا يجامع المعاصي.
* الثالث: العمل الصالح، وهذا شامل لأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان، والحسنات يذهبن السيئات.
* الرابع: الاستمرار على الإيمان والهداية والازدياد منها، فمن كمل هذه الأسباب الأربعة فَلْيُبْشر بمغفرة الله العامة الشاملة؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ} [طه: 82] ولنكتف من قصة موسى بهذه الفوائد، مع أن فيها فوائد كثيرة للمتأملين).
من فوائد من دراسة قصة موسى عليه السلام:
- معرفة السبب لورود قصة موسى عليه السلام كثيرا في القرآن.
-استشعار لطف الله العظيم بموسى وكيف صنعه الله على عينه.
-ربط الله على قلوب عباده المؤمنين .
- كره الطاغية فرعون وكيف كانت عاقبة جبروته في قتل الأولاد مما أدى به أن يتربى من خاف منه على ملكه في بيته فالعبرة بقضاء الله وقدره وأن الخلق مربوبين لربهم.
-الإيمان بالقضاء والقدر.
- القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء.
-حاجة البشر للذرية ولو بلغوا في الملك مابلغوا.
5. قصة أصحاب الكهف.
- من أصحاب الكهف:
وهم فتية وفقهم الله، وألهمهم الإيمان، وعرفوا ربهم، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم فقالوا:
{رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14]
{شَطَطًا} [الكهف: 14]
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف: 15]
فلما اتفقوا على هذا الأمر، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا:
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]
-صفة الغار الذي أوى إليه أصحاب الكهف:
فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس، لا في طلوعها ولا في غروبها، فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم، ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله:
- الحكمة من تقليب الله أجساد أصحاب الكهف:
{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 18]
وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة: {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: 19]
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: 19] إلى آخر القصة.
* ففيها آيات بينات وفوائد متعددة:
- وصف قصة أصحاب الكهف بأنها عجبا:
منها: أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة فليست من أعجب آيات الله، فإن لله آيات عجيبة وقصصا فيها عبرة للمعتبرين.
- من أوى لله آواه الله:
منها: أن من أوى إلى الله أواه الله، ولطف به، وجعله سببا لهداية الضالين؛ فإن الله لطف بهم في هذه القومة الطويلة إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله، وتنوع إحسانه، وليعلم العباد أن وعد الله حق.
-الحكمة من بعث الله لأصحاب الكهف:
منها: الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك، وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
-فضل رد العلم إلى عالمه:
منها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند ما يعرف.
-التوكيل في البيع والشراء:
منها: صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك، لقولهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]
-حل الأكل من الطيبات:
منها: جواز أكل الطيبات، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، لقوله: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]
-ضرورة البعد عن مواقع الفتن:
ومنها: الحث والتحرز والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر.
-فضل التغرب من أجل الدين:
ومنها: بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة في دينهم، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله.
-بيان الشر والتحذير منه:
ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين.
-العاقبة الحميدة لمن باع دنياه من أجل دينه:
ومنها: أن قوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم، وهذا إن كان ممنوعا - وخصوصا في شريعتنا - فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا وتعظيما من الخلق، وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة.
-عدم الخوض فيما لانفع فيه:
ومنها: أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به لقوله: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]
-حماية العلم من غير أهله:
ومنها: أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها أو لا يثق به منهي عنه لقوله: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]).
من فوائد دراسة قصة أصحاب الكهف:
-بيان جهل الإنسان وأنه لولا تعليم الله إياه لظل على جهله .
-علم الله فوق كل علم.
-من ترك شيئا لله عوضه الله خير منه.
-العبرة بأعمال القلب.
-الحق منصور ولو بعد حين.
-الحق يعلو ولايعلى عليه.
-الباطل زائل وممحوق, هو وأهله.
- العبرة في الأعمال التباع لا الابتداع.

6. قصة نبيّنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
دور فهم السنة في فهم القرآن الكريم:
سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله.
الحكمة من إنزال القرآن منجما فيما يخص النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته:
القرآن إنما كان ينزل تبعا لمناسبات سيرته، وما يقوله للخلق، وجواب ما يقال له، وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به، وإبطال المذاهب التي جاء لإبطالها، وهذا من حكمة إنزاله مفرقا، كما ذكر الله هذا المعنى بقوله:{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا - وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32 - 33]
وقال: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} [هود: 120]
فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الأحوال المناسبة لنزول الآيات المعينات، أو لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام.
حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة:
أول مقاماته في إنزال القرآن عليه أنه كان قبل البعثة قد بغضت إليه عبادة الأوثان، وبغض إليه كل قول قبيح وفعل قبيح.وفطر صلى الله عليه وسلم فطرة مستعدة متهيئة لقول الحق علما وعملا، والله تعالى هو الذي طهّر قلبه وزكاه وكمّله, فكان من رغبته العظيمة فيما يقرب إلى الله أنه كان يذهب إلى غار حراء الأيام ذوات العدد، ويأخذ معه طعاما يطعم منه المساكين ويتعبَّد ويتحنث فيه، فقلبه في غاية التعلق بربه، ويفعل من العبادات ما وصل إليه علمه في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من العلم، ومع ذلك فهو في غاية الإحسان إلى الخلق، فلما تم عمره أربعين سنة، وتمت قوته العقلية، وَصَلُحَ لتلقي أعظم رسالة أرسل الله بها أحدا من خلقه
عمر النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي:
فلما تم عمره أربعين سنة، وتمت قوته العقلية، وَصَلُحَ لتلقي أعظم رسالة أرسل الله بها أحدا من خلقه.
أول علامات الوحي:
- كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
-اللقاء الأول: لقاء جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم
تبدَّى له جبريل صلى الله عليه وسلم فرأى منظرا هاله وأزعجه، إذ لم يتقدم له شيء من ذلك، وإنما قدَّم الله له الرؤيا، التي كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
-أول مانزل من القرآن:
فأول ما أنزل الله عليه:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]
فجاءه بها جبريل وقال له: اقرأ، فأخبره أنه ليس بقارئ - أي لا يعرف أن يقرأ - كما قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]
وتفسيرها الآية الأخرى:
{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52].
-الحكمة من تغطية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:
فغطه جبريل مرتين أو ثلاثا ليهيئه لتلقي القرآن العظيم، ويتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك، فنزلت هذه السورة التي فيها نبوته، وأمره بالقراءة باسم ربه، وفيها أصناف نعمه على الإنسان بتعليمه البيان العلمي والبيان اللفظي والبيان الرسمي، فجاء بها إلى خديجة ترعد فرائصه من الفرَق، وأخبرها بما رآه وما جرى عليه، فقالت خديجة رضي الله عنها: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، أي: ومن كانت هذه صفته فإنها تستدعي نعما من الله أكبر منها وأعظم، وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه، ومن تهوين القلق الذي أصابه.
-السورة التي نبئ بها النبي صلى الله عليه وسلم:
وبهذه السورة ابتدأت نبوته.
-فتور الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم والحكمة منه:
ثم فتر عنه الوحي مدة ليشتاق إليه وليكون أعظم لموقعه عنده،
-السورة التي أرسل بها النبي صلى الله عليه وسلم:
وكان قد رأى الملك على صورته فانزعج، فجاء إلى خديجة أيضا ترعد فرائصه فقال: «دثروني دثروني» فأنزل الله عليه:
{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]
-موقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة :
فكان في هذا: الأمر له بدعوة الخلق وإنذارهم، فشمر صلى الله عليه وسلم عن عزمه، وصمم على الدعوة إلى ربه مع علمه أنه سيقاوم بهذا الأمر البعيد والقريب، وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة، ولكن الله أيَّده وقوَّى عزمه، وأيَّده بروح منه، وبالدين الذي جاء به، وجاءته سورة الضحى في فترة الوحي لما قال المكذبون: إن رب محمد قلاه. قال:
{وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى - مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3] إلى آخرها. [الضحى: 1 - 3 وما بعدها] .
وهذا اعتناء عظيم من الله برسوله، ونفي لكل نقص، وبشارة بأن كل حالة له أحسن مما قبلها وخير منها، وأن الله سيعطيه من النصر والْأَتباع والعز العظيم وانتشار الدين ما يرضيه.
-أساس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم , وفضل التوحيد:
فكان أعظم مقامات دعوته: دعوته إلى التوحيد الخالص، والنهي عن ضده؛ دعا الناس لهذا، وقرره الله في كتابه، وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه، وتعينه طريقا إلى الله وإلى دار كرامته، وقرار إبطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن، وهي أغلب السور المكية، فاستجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه، وقاومه قومه وغيرهم، وبغوا له الغوائل، وحرصوا على إطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم، وهو يجادلهم ويتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين، ولكنهم يكابرون ويجحدون آيات الله، كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]
-موقف أهل مكة المشركين من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
ولهذا لما كان استماعهم للقرآن على وجه الكفر والجحد والتكذيب، وتوطين نفوسهم على معاداته، أخبر الله تعالى أنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا، وأنهم لا يهتدون بسبب ما أسسوا من هذا الأصل الخبيث، المانع لصاحبه من كل خير وهدى، وهذا مما يعلم به حكمة الباري في إضلال الضالين، وأنهم لما اختاروا لأنفسهم الضلال ورغبوا فيه ولَّاهم الله ما تولوا لأنفسهم، وتركهم في طغيانهم يعمهون، وأنهم لما ردوا نعمة الله عليهم حين جاءتهم قلب الله أفئدتهم، وأصم أسماعهم، وأعمى أبصارهم وأفئدتهم، وهذا الوصف الذي أشرنا إليه قد ذكره الله في كتابه عنهم.
-السبب الأعظم في حرمان الهداية على بعض الخلق:
وهو يعينك على فهم آيات كثيرة يخبر الله فيها بضلالهم وانسداد طرق الهداية عليهم، وعدم قبول محالهم وقلوبهم للهدى، والذنب ذنبهم وهم السبب في ذلك؛ قال تعالى:
{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأعراف: 30].
-السبب الأعظم في هداية الله للمؤمنين:
وبضده تعرف الحكمة في هدايته للمؤمنين، وأنهم لما كانوا منصفين ليس غرضهم إلا الحق، ولا لهم قصد إلا طلب رضا ربهم، هداهم الله بالقرآن، وازدادت به علومهم ومعارفهم وإيمانهم وهدايتهم المتنوعة، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16]
وهذا الوصف الجليل للمؤمنين هو الأساس لهدايتهم، وزيادة إيمانهم، وانقيادهم، وبه ينفتح لك الباب في فهم الآيات في أوصاف المؤمنين، وسرعة انقيادهم للحق: أصوله وفروعه.
- وسائل الدعوة التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له أنه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن، ويدعوهم أفرادا ومتفرقين، ويذكرهم بالقرآن، ويتلوه في الصلاة وخارجها.
-موقف المعاندين من القرآن:
وكانوا إذا سمعوه صموا آذانهم، وقد يسبونه ويسبون من أنزله، فأنزل الله على رسوله آيات كثيرة في هذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأن شياطينهم ورؤساءهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به؛ لينفروا عنه الناس، حتى قرار رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر، ولكن أبى الله إلا أن يعلو هذا الكلام كلَّ كلام، ويزهق هذا الحق كل باطل.
- حيرة المعاندين في القرآن ووصفه بأوصاف لاتنبغي:
وكانوا من إفكهم يقولون في القرآن الأقوال المتناقضة، يقولون: إنه سحر، إنه كهانة، إنه شعر، إنه كذب، إنه أساطير؛ فجعلوا القرآن عضين، كل هذا أثر البغض الذي أحرق قلوبهم، حتى قالوا فيه مقالة المجانين، وكلما قالوا قولا من هذه الأقوال أنزل الله آيات يبطل بها ما قالوا، ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم.
-الدليل الأعظم على أن القرآن من عند الله:
وكان من الأدلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن من عند الله، مقابلة المكذبين له، فإن من نظر إليها علم أنها سلاح عليهم، وأكبر دليل على أنهم مقاومون للحق، ساعون في إبطاله، وأنهم على الباطل الذي ليس له حظ من العقل، كما ليس له حظ من الدين.
- موقف المعاندين من النبي صلى الله عليه وسلم ومحاولة صرفه عن الدعوة إلى التوحيد:
وكانوا أيضا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم الأقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون، وليس فيها نقص بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: لو أن محمدا صادق لأنزل الله ملائكة يشهدون له بذلك، ولأغناه الله عن المشي في الأسواق، وطلب الرزق كما يطلبه غيره، ولجعل له كذا وكذا مما توحي إليه عقولهم الفاسدة.
-دفاع الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال أقوال المعاندين :
ويذكرها الله في القرآن في مواضع متعددة، تارة يصورها للعباد فقط؛ لأن من تصورها عرف بطلانها، وأنها ليست من الشُّبَه القادحة، فضلا عن الحجج المعتبرة، وتارة يصورها ويذكر ما يبطلها من الأمور الواضحة، وهذا كثير في القرآن.
-مطلب الكفار الأسمى [الأولى أن تقولي (الأول) لأن كلمة الأسمى توحي بسمو وشرف مطلبهم وهو ليس كذلك] وهو الكف عن عيب آلهتهم:
ومن مقاماتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يسعون أشد السعي أن يكف عن عيب آلهتهم، والطعن في دينهم، ويحبون أن يتاركهم ويتاركوه، لعلمهم أنه إذا ذكر آلهتهم، ووصفها بالصفات التي هي عليه من النقص، وأنه ليس فيها شيء من الصفات يوجب أن تستحق شيئا من العبادة، يعرفون أن الناس يعرفون ذلك، ويعترفون به، فلا أحب إليهم من التزوير، وإبقاء الأمور على علاتها من غير بحث عن الحقائق؛ لأنهم يعرفون حق المعرفة أن الحقائق إذا بانت ظهر للخلق بطلان ما هم عليه: وهذا الذي منه يفرون، وهذا المقام أيضا ذكره الله في آيات متعددة مثل قوله:
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] ونحوها من الآيات.
وأما: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]
فهذا إذا ترتب على السب المذكور سبهم لله، فإنه يترك لما يترتب عليه من الشر.
- تعنت الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم , وتولي الله الدفاع عنه:
ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترحون الآيات بحسب أهوائهم، ويقولون: إن كنت صادقا فأتنا بعذاب الله، أو بما تعدنا، أو أزل عنا جبال مكة، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا، وحتى يحصل لك كذا وكذا مما ذكره الله عنهم، فيجيبهم الله عن هذه الأقوال بأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد أيده الله بالآيات، والله أعلم بما ينزل من آياته، وأعلم بما هو أنفع لهم، وأنه قد حصل المقصود من بيان صدقه، وقامت الأدلة والبراهين على ذلك، فقول الجاهل الأحمق: لو كان كذا وكذا. . جهل منه وكبر ومشاغبة محضة، وتارة يخبرهم أنه لا يمنعه من الإتيان بها إلا الإبقاء عليهم، وأنها لو جاءت لا يؤمنون، فعند ذلك يعاجلهم الله بالعقاب.
وتارة يبين لهم أن الرسول إنما هو نذير مبين، ليس له من الأمر شيء، ولا من الآيات شيء، وأن هذا من عند الله، فطلبهم من الرسول محض الظلم والعدوان، وهذه المعاني في القرآن كثيرة بأساليب متعددة.
وأحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله، وأنه لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، ومحمد ليس كذلك، وأنك يا محمد لست بأولى بفضل الله منا، فلأي شيء تفضل علينا بالوحي؟ . . . ونحوه من الأقوال الناشئة عن الحسد، فيجيبهم الله بذكر فضله، وأن فضله يؤتيه من يشاء، وأنه أعلم حيث يجعل رسالته والمحل اللائق بها، ويشرح لهم من صفات رسوله التي يشاهدونها رأي عين ما يعلمون هم وغيرهم أنه أعظم رجل في العالم، وأنه ما وجد ولن يوجد أحد يقاربه في الكمال، مؤيدا ذلك بالأمور المحسوسة والبراهين المسلمة، وقد أبدا الله هذه المعاني وأعادها معهم في مواضع كثيرة.
-تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين:
ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين الرأفة العظيمة، والرحمة لهم، والمحبة التامة، والقيام معهم في كل أمورهم، وأنه لهم أرحم وأرأف من آبائهم وأمهاتهم، وأحنى عليهم من كل أحد، كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]
-استمرار النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة رغم كل العقبات:
فلم يزل يدعو إلى التوحيد وعقائد الدين وأصوله، ويقرر ذلك بالبراهين والآيات المتنوعة، ويحذر من الشرك والشرور كلها منذ بعث إلى أن استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين، وهو يدعو إلى الله على بصيرة.
-حادثة الإسراء والمعراج:
ثم أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ ليريه من آياته، وعرج به إلى فوق السماوات السبع.
-فرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
وفرض الله عليه الصلوات الخمس بأوقاتها وهيئاتها، وجاءه جبريل على أثرها فعلَّمه أوقاتها وكيفيَّاتها، وصلى به يومين، اليوم الأول صلَّى الصلوات الخمس في أول وقتها، واليوم الثاني في آخر الوقت، وقال: الصلاة ما بين هذين الوقتين، ففرضت الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، ولم يفرض الأذان في ذلك الوقت، ولا بقية أركان الإسلام، وانتشر الإسلام في المدينة وما حولها.
-الأسباب التي دعت الأوس والخزرج لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن جملة الأسباب: أن الأوس والخزرج كان اليهود في المدينة جيرانا لهم، وقد أخبروهم أنهم ينتظرون نبيا قد أظل زمانه، وذكروا من أوصافه ما دلهم عليه؛ فبادر الأوس والخزرج واجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة وتيقنوا أنه رسول الله، وأما اليهود فاستولى عليهم الشقاء والحسد، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وكان المسلمون في مكة في أذى شديد من قريش، فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة أولا إلى الحبشة، ثم لما أسلم كثير من أهل المدينة صارت الهجرة إلى المدينة.
-موقف أهل مكة المعاندين لما انتشر الإسلام وبدأدخول الناس فيه:
وحين خاف أهل مكة من هذه الحال اجتمع ملؤهم ورؤساؤهم في دار الندوة يريدون القضاء التام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فاتفق رأيهم أن ينتخبوا من قبائل قريش من كل قبيلة رجلا شجاعا، فيجتمعون ويضربونه بسيوفهم ضربة واحدة. قالوا: لأجل أن يتفرق دمه في القبائل، فتعجز بنو هاشم عن مقاومة سائر قريش فيرضون بالدية، فهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعزم على الهجرة، وأخبر أبا بكر بذلك وطلب منه الصحبة، فأجابه إلى ذلك وخرج في تلك الليلة التي اجتمعوا على الإيقاع به، وأمر عليًّا أن ينام على فراشه، وخرج هو وأبو بكر إلى الغار، فلم يزالوا يرصدونه حتى برق الفجر، فخرج إليهم عليّ فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري.
ثم ذهبوا يطلبونه في كل وجهة، وجعلوا الجعالات الكثيرة لمن يأتي به، وكان الجبل الذي فيه الغار قد امتلأ من الخلق يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا. فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وأنزل الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]
- هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
فهاجر إلى المدينة واستقر بها، وأذن له في القتال بعدما كان قبل الهجرة ممنوعا لحكمة مشاهدة، فقال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]
-أحداث السنة الثانية للهجرة:
وجعل يرسل السرايا، ولما كانت السنة الثانية فرض الله على العباد الزكاة والصيام، فآيات الصيام والزكاة إنما نزلت في هذا العام وقت فرضها، وأما قوله تعالى:
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6 - 7]
فإن المراد زكاة القلب وطهارته بالتوحيد وترك الشرك.
وفي السنة الثانية أيضا كانت وقعة بدر، وسببها أن عيرا لقريش تحمل تجارة عظيمة من الشام، خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن خف من أصحابه لطلبها، فخرجت قريش لحمايتها، وتوافوا في بدر على غير ميعاد، فالعير نجت والنفير التقوا مع الرسول وأصحابه، وكانوا ألفا كاملي العدد والخيل، والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر على سبعين بعيرا يعتقبونها، فهزم الله المشركين هزيمة عظيمة، قتلت سرواتهم وصناديدهم، وأُسر من أُسر منهم، وأصاب المشركين مصيبة ما أُصيبوا بمثلها، وهذه الغزوة أنزل الله فيها وفي تفاصيلها سورة الأنفال، وبعدما رجع إلى المدينة منها مظفرا منصورا ذل من بقي ممن لم يُسلم من الأوس والخزرج، ودخل بعضهم في الإسلام نفاقا، ولذلك جميع الآيات نزلت في المنافقين إنما كانت بعد غزوة بدر.
-أحداث السنة الثالثة بعد الهجرة:
ثم في السنة الثالثة كانت غزوة أحد، غزا المشركون وجيشوا الجيوش على المسلمين حتى وصلوا إلى أطراف المدينة، وخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وعبأهم ورتبهم، والتقوا في أُحد عند الجبل المعروف شمالي المدينة، وكانت الدائرة في أول الأمر على المشركين، ثم لما ترك الرماة مركزهم الذي رتبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: لا تبرحوا عنه، ظهَرنا أو غُلبنا، وجاءت الخيل مع تلك الثغرة وكان ما كان، حصل على المسلمين في أُحد مقتلة أكرمهم الله بالشهادة في سبيله، وذكر الله تفصيل هذه الغزوة في سورة آل عمران، وبسط متعلقاتها، فالوقوف على هذه الغزوة من كتب السير يعين على فهم الآيات الكثيرة التي نزلت فيها كبقية الغزوات.
-أحداث السنة الرابعة بعد الهجرة:
ثم في السنة الرابعة تواعد المسلمون والمشركون فيها - في بدر - فجاء المسلمون لذلك الموعد، وتخلف المشركون معتذرين أن السنة مجدبة، فكتبها الله غزوة للمسلمين:
{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174].
-أحداث السنة الخامسة بعد الهجرة:
ثم في سنة خمس كانت غزوة الخندق، اتفق أهل الحجاز وأهل نجد، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على غزو النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الجنود، فاجتمع نحو عشرة آلاف مقاتل وقصدوا المدينة، ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم خندق على المدينة، وخرج المسلمون نحو الخندق، وجاء المشركون كما وصفهم الله بقوله:
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]
ومكثوا محاصرين المدينة عدة أيام، وحال الخندق بينهم وبين اصطدام الجيوش، وحصل مناوشات يسيرة بين أفراد من الخيل، وسبب الله عدة أسباب لانخذال المشركين، ثم انشمروا إلى ديارهم، فلما رجعوا خائبين لم ينالوا ما كانوا جازمين على حصوله، تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة الذين ظاهروا المشركين بقولهم وتشجيعهم على قصد المدينة، ومظاهرتهم الفعلية ونقضهم ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وفي هذه الغزوة أنزل الله صدر سورة الأحزاب من قوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27].
-أحداث السنة السادسة بعد الهجرة:
ثم في سنة ست من الهجرة اعتمر صلى الله عليه وسلم وأصحابه عمرة الحديبية، وكان البيت لا يُصدُّ عنه أحد، فعزم المشركون على صد النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولما بلغ الحديبية ورأى المشركين قد أخذتهم الحمية الجاهلية جازمين على القتال دخل معهم في صلح لحقن الدماء في بيت الله الحرام، ولما في ذلك من المصالح، وصار الصلح على أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عامه هذا ولا يدخل البيت، ويكون القضاء من العام المقبل، وتضع الحرب أوزارها بينهم عشر سنين؛ فكره جمهور المسلمين هذا الصلح حين توهموا أن فيه غضاضة على المسلمين، ولم يطلعوا على ما فيه من المصالح الكثيرة، فرجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك، وقضى هذه العمرة في عام سبع من الهجرة، فأنزل الله في هذه القضية سورة الفتح بأكملها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]
فكان هذا الفتح لما فيه من الصلح الذي تمكن فيه المسلمون من الدعوة إلى الإسلام، ودخول الناس في دين الله حين شاهدوا ما فيه من الخير والصلاح والنور، وقد تقدم أن قصة بني قريظة دخلت في ضمن قصة الخندق، أما قبيلة بني النضير من اليهود فإنها قبل ذلك حين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا على جانب المدينة غزاهم صلى الله عليه وسلم واحتموا بحصونهم، ووعدهم المنافقون حلفاؤهم بنصرتهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم، وأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجلوا عن ديارهم ولهم ما حملت إبلهم، ويدعوا الأرض والعقار وما لم تحمله الإبل للمسلمين؛ فأنزل الله في هذه القضية أول سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] إلى آخر القصة.
-أحداث السنة الثامنة بعد الهجرة.
وفي سنة ثمان من الهجرة، وقد نقضت قريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم غزا مكة في جند كثيف من المسلمين يقارب عشرة آلاف، فدخلها فاتحا لها، ثم تممها بغزو حنين على هوازن وثقيف، فتم بذلك نصر الله لرسوله وللمسلمين، وأنزل الله في ذلك أول سورة التوبة.
-أحداث السنة التاسعة بعد الهجرة:
وفي سنة تسع من الهجرة غزا تبوك وأوعب المسلمون معه، ولم يتخلف إلا أهل الأعذار وأناس من المنافقين، وثلاثة من صلحاء المؤمنين: كعب بن مالك وصاحباه، وكان الوقت شديدا، والحر شديدا، والعدو كثيرا، والعسرة مشتدة، فوصل إلى تبوك ومكث عشرين يوما ولم يحصل قتال فرجع إلى المدينة؛ فأنزل الله في هذه الغزوة آيات كثيرة من سورة التوبة، يذكر تعالى تفاصيلها وشدتها، ويثني على المؤمنين، ويذم المنافقين وتخلفهم، ويذكر توبته على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، ويدخل معهم الثلاثة الذين خلفوا بعد توبتهم وإنابتهم.
وفي مطاوي هذه الغزوات يذكر الله آيات الجهاد وفرضه وفضله وثواب أهله، وما للناكلين عنه من الذل العاجل والعقاب الآجل، كما أنه في أثناء هذه المدة ينزل الله الأحكام الشرعية شيئا فشيئا بحسب ما تقتضيه حكمته.
-أحداث السنة العاشرة بعد الهجرة:
وفي سنة تسع من الهجرة أو سنة عشر فرض الله الحج على المسلمين، وكان أبو بكر حج بالناس سنة تسع، ونبذ إلى المشركين عهودهم، وأتم عهود الذين لم ينقضوا، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر واستوعب المسلمين معه، وأعلمهم بمناسك الحج والعمرة بقوله وفعله، وأنزل الله الآيات التي في الحج وأحكامه، وأنزل الله يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]).

-من فوائد دراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
- تعلم السيرة
- تعلم السيرة يجعلنا وسط في أمورنا فلا نفرط ولا نبخس بل منهج الوسطية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وفي تعامله مع الكفار وفي كل شؤونه.
- تعلم السيرة يجعلنا نحب النبي صلى الله عليه وسلم محبة تليق به فلا نرفعه فوقها ولا نهضمه من المحبة التي يستحقها.
- تعلم السيرة يعلمنا الصبر وبذل الجهد وترك النتائج للواحد العلام.
-التعرف على أحداث السيرة يعلمنا بقدر الجهد العظيم المبذول من قبل النبي صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وانتشار الإسلام .
- الإقتداء به في كل سيرته في أخلاقه وفي تحمله وصبره ..
- معرفة منهجه القويم في سلوك الدعوة التي انتهجها فيتأسى المرء به ويسير على منهجه.
-تعلم السيرة يجعلنا ندافع عن الدين بعلم فنرد على أي شبهة ترد إلينا.
- تعلم السيرة يجعلنا ننشرها بعلم وفهم صحيح.

بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وأشكر لكِ جهدكِ في استنباط المسائل والفوائد
لكن الاعتماد على عبارة الشيخ دون تلخيصها بأسلوبكِ يطيل عملكِ كثيرًا
ويصعب عليكِ مراجعة المادة، إن أردتِ الاستفادة منه بعد ذلك.
وعند طلب تلخيص أحكام باب معين، أو قصة معينة، يكتفى بما يتعلق بها دون المسائل الاستطرادية
ومحاولة صياغة المسائل بما يبين وجه ترابطها مع المسألة الرئيسة.
التقويم: ب
زاكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, العاشر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir