المجموعة الثالثة:
س1: بين الفرق بين لفظ (الأبدال) وألفاظ : الأقطاب والأغواث والنجباء والأوتاد.
أولا : لفظ الأبدال : معناه أن يخلف العلماء والعباد بعضهم بعضا , وسموا (الأبدال أو البدلاء ) لأنه كلما مات أحدهم أبدل الله الأمة غيره.
وما ورد من أحاديث في الأبدال وتعدادهم وأماكنهم جميعها لا تصح، وما صح فيه موقوف على علي بن أبي طالب، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي , وصححه الألباني، وخالفهم بعض أهل العلم فأعلوه.
ولفظ الأبدال استعمله السلف ، بل جاء وصف بعض الأئمة بأنهم من الأبدال، وممن استعمله : قتادة والشافعي وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وغيرهم.
واستعمال السلف له وتعدد رواياته توحي بأن له أصلا.
وقد جاء في التاريخ الكبير للبخاري وصحيح ابن حبان وغيرهما قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته) رواه عنه الخولاني , وقد حسنه الألباني.
ولما سئل الإمام أحمد :(من هم الأبدال) ؟ فقال: (إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم).
فحملوه على معنى صحيح مستقيم.
أما ألفاظ : الأقطاب والأغواث والنجباء والأوتاد : فهذه لم يصح فيها شيء , وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (من ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأقرب ما فيها: ( لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلاء كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر)ذكره أحمد ولا يصح أيضا فإنه منقطع).
كذلك لم يستعمل السلف هذه الألفاظ البتة , بل أحدثها الصوفية ووضعوا فيها أحاديث باطلة , ولها ترتيبات لديهم ، بأعداد مقدرة ومراتب منظمة، كلها مبتدعة , عدا على أن المراد من هذه الألقاب -في الغالب- لديهم : معان منكرة , مخالفة للعقيدة الصحيحة , فقد يصفوا مشايخهم ببعض هذه الألفاظ اعتقادا منهم في امتلاكهم نوع تصرف في الكون , وهذا شرك أكبر , فمثلا : لفظ (الغوث) فإن كان المراد بمعناه أنه يستغاث به من دون الله : فهذا شرك أكبر، وإن كان المراد مجرد الاعتقاد بأنه سبب لغوث البلاد ودعوة الناس لتعظيمه : فهذا غلو منكر منهي عنه في الشرع , كما إنه وسيلة إلى الشرك الأكبر.
س2: (الهدى والرشاد راجعان إلى العلم والعمل) ، وضح ذلك.
أصل الهدى هو العلم النافع , أما عمل العبد بما علم من الحق : فهو الرشاد .
والسائر إلى ربه يحتاج إلى علم وإرادة , ولا يصح وجود أحدهما مع انتفاء الآخر , وإلا شابه المغضوب عليهم أو الضالين .
فإن كان عند العبد علما صحيحا وإرادة جازمة : سلك سبيل الرشاد.
فعلى العبد أن يسعى لتكميل هذين المقامين , فالضعف فيهما يعوق السيرإلى الله , إن لم يوقفه بالكلية .
فحصول الضعف في مقام العلم يورث الضلال والغواية والبدعة , وحصول الضعف في مقام الإرادة الجازمة يورث العجز وفتور الهمة.
لذلك مدح الله تعالى النبي-عليه الصلاة والسلام- فقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى}؛ فالعلم النافع عصمة من الضلال، والعمل بالحق عصمة من الغواية.
لذلك جاء في الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم, قوله لشداد بن أوس: (يا شداد بن أوسٍ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فاكنز هؤلاء الكلمات:
اللّهم! إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد...) الحديث , لأن الثبات في الأمر سببه الهداية بالعلم واليقين ، والعزيمة على الرشد تقتضي صحة الإرادة.
س3: قارن بين القلب المريض , والقلب الميت , والقلب الصحيح.
أولا : القلب الصحيح : وهو القلب الحي قلب المؤمن , الذي صلح فكان محلا قابلا لاستماع الذكر والانتفاع به والاستجابة , وهذا كما وصفه الله تعالى بقوله : {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} ، جاء عن قتادة : (القلب الحي) .
فهو قلب حي منيب مخبت ذاكر، خاشع ، عقل واهتدى.
ثانيا : القلب الميت : وهذا قلب الكافر وقلب المنافق نفاقا اعتقاديا , وليس هو محلا للإيمان , بل قد فسد حتى أصبح محلا للظلمة بسبب ما فيه من الشرك، والنفاق، والكفر، والإلحاد، والغفل وغيرها , فحبط عمل صاحبه كما قال تعالى فيهم :{ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } فخابوا وخسروا وضل سعيهم في الدارين.
ثالثا: القلب المريض : وهو وسط بين القلبين الحي والميت , وهو قلب الفاسق والمنافق نفاقا أصغرا , ففيه مادة خير ومادة شر , فيه حياة وفيه موات، ويشتد مرضه باشتداد الأسباب التي أدت إلى مرضه من شهوات محرمة , وشبهات مشككة، كذلك التعلق بغير الله ، والغل والحسد، والكِبر والبَطَر، والغفلة والقسوة , وغيرها من أمراض القلوب.
فهذا القلب إن غلب الإيمان والخير فيه : كان إلى أهل الخير والإيمان أقرب ، إما إن غلبت مادة الفساد فيه : فهذا يخشى عليه من الموت بسبب طغيان مادة الشر وتفشي الأمرض فيه بلا علاج.
س4: بين آثار ودلائل محبة العبد لربه.
إذاوقرت محبة الله في قلب العبد أورثته كمال الانقياد والاتباع لفعل المأمورات واجتناب المنهيات فظهرت على الجوارح واللسان كما استقرت في القلب .
وأصول دلائل وآثار هذه المحبة ثمانية:
1- الإخلاص , كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} , فيخلص العبد لربه في جميع العبادات دون استثناء.
2- الاتباع : فهي العلامة والبرهان على صدق المحبة , كما قال تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أما ادعاء المحبة دون اتباع فمجرد دعوى عارية عن الدليل.
3- الجهاد : ويكون بالمال والنفس ، وبذل النفس والمال في سبيل الله : دليل المحبة الكاملة الخالصة , وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:(...إذا ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان دليلا على ضعف محبة الله ورسوله في قلبه).
4- التواضع : وهو خاص بالمؤمنين , تواضع تذلل ورحمة , وهم مع ذلك أعزة على الكافرين لكن عزة عدل لا ظلم , كما وصفهم الله سبحانه وتعالى :{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
5- الولاء والبراء : فتكون الموالاة في الله , والبراءة والمعاداة في الله أيضا , فلا يجتمع في قلب العبد حب الله وحب أعدائه , فلا بد لكمال المحبة والإيمان من بغضهم والتبرؤ منهم ومحبة جهادهم , كما قال تعالى :{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}، بل الحب في الله والبغض في الله من أوثق عُرى الإيمان.
6- الهجرة : وهي إما حسية أو معنوية , فالحسية يفعلها العبد عند وجوبها أو استحبابها فرارا بدينه وابتغاء ما عند الله ، أما المعنوية فهي هجرة كل ما نهى الله عنه , كما جاء عند البخاري من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) .
7- قوة القلب واليقين : فلا يخاف في الله لومة لائمة , فالمحبة الحقيقية يلزم منها أن يلتفت للوم لائم ولا عذل العاذل طالما سيره وطريقه هي طريق ما يحبه الله ويرضاه , كما قال تعالى : {ولا يخافون لومة لائم}.
8- كثرة ذكر الله : فعلامة المحبة دوام ذكر المحبوب , وكثرة الغفلة دليل ضعف المحبة، كما قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}.
س5: بين أهمية الجمع بين المحبة والخوف والرجاء.
أمر الله -سبحانه- بالجمع بين المحبة والخوف والرجاء في عبادته , فقال : {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
وهذا هو الإحسان في العبادة , والعبادة مبناها على التوقيف فلا يشرع لإحد أن يزيد أن ينقص عليها من تلقاء نفسه بلا دليل.
والأمر كما قال ابن القيم رحمه الله: (القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان؛ فهو عرضة لكل صائد وكاسر).
فهذه الثلاثة أمور هي القوة الدافعة والحاثة على العمل :
فمن أحب الله اطاعه وبذل جهده لنيل مرضاته.
ومن رجا مرضاته وثوابه : بذل ما في وسعه للعمل على تحصيل ذلك.
ومن خاف الله وخاف عقابه : ابتعد عما يسخطه ويكون سببا في غضبه وعقابه.
فالكمال أن يجمع العبد بين هذه الثلاثة، وهذ كان الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم , وهو أعلم الخلق بما يحبه الله ويرضاه , وهو كذلك منهج السلف الصالح الذين اتبعوه بإحسان .
وقد حذر السلف ممن ادعى عبادة الله بالمحبة والرجاء فقط , فهذا يخشى عليه من الوقوع في الأمن من مكر الله , كما ادعت ذلك طوائف من الصوفية حتى كان بعضهم يدعو: (اللهم إن كنت تعلم أني أطيعك رغبة في جنتك فاحرمني منها)!!
كذلك حذروا من عبادته بالخوف فقط , فمن فعل فهذا يخشى عليه من الوقوع في اليأس من روح الله .
لذلك قالوا : من عبد الله بالمحبة فقط فهو زنديق , ومن عبد الله بالرجاء فقط فهو مرجئ , ومن عبده بالخوف فقط فهو حروري , من عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد .