دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 05:06 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 12:25 PM
منيرة خليفة أبوعنقة منيرة خليفة أبوعنقة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 618
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٤٣} [سورة البقرة:143]

بين الله جل جلاله مكانة أمة محمد وميزهم بوسطيتهم عن بقية الأمم ولهم في الآخرة منزلة الشهود عليهم وفي هذه الآية لفتة بيانية من لطائف التقديم والتأخير فإن في الآية تأخير صلة الشهادة في قوله (لتكونوا شهداء على الناس) وتقديم صلة الشهادة في قوله (ويكون الرسول عليكم شهيداً) فلم يقل لتكونوا على الناس شهداء ويكون الرسول عليكم شهيداً ، بتقديم صلة الشهادة لكليهما أو لتكونوا شهداء على الناس ويكون عليكم الرسول عليكم شهيداً أو عليكم يشهد الرسول، ويرى الزمخشري أنك إن سألت لِمَ أُخرت صلة الشهادة أولاً وقدمت آخراً ؟ فذلك: لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم.([1]) أي هذا قصر لشهادة الرسول عليهم ورفعاً لشأنهم، إذ فضلهم على سواهم في الأولى بأن شهدوا عليهم، وفضلهم في الثانية بأن جعل رسوله المصطفى هو الشاهد وشهادته ذات قيمة ومكانة عند بارئه.
إذا فتقديم صلةة الشهادة هنا (ويكون الرسول عليكم شهيداً) يفيد الخصوص.

أما ابن عاشور ذكر في سبب التقديم والتأخير ثلاثة أقوال:

القول الأول: وهو موافق لقول الزمخشري في أن سببه التشريف لهذه الأمة بشهادتها على الأمم والرسل، وهي لا يشهد عليها إلا رسولها.

والقول الثاني: أن سبب تقديم صلة الشهادة في آخر الآية؛ لكي تكون الكلمة التي تختم بها الآية في محل الوقف كلمة ذات حرف مد قبل الحرف الأخير، فالمد أمكن للوقف وهذا من بدائع فصاحة القرآن.

والقول الثالث: أن تقديم صلة الشهادة في آخر الآية مفيد لقصر الفاعل على المفعول، وهو تكلف ومثله غير معهود في الكلام. ([2])

وذكر الألوسي: أن سبب تأخير صلة الشهادة في أول الآية؛ لكون الشهادة في الدنيا فيما لا يصلح إلا بشهادة الأخيار، وتقديم صلة الشهادة في آخر الآية؛ لتكون شهادة الرسول بتزكيته للأمة وعلمه بعدالتهم.([3])

ويرجّح الباحث: أن السبب هو التشريف لهذه الأمة بشهادتها على الأمم والرسل وتخصيصها بشهادة رسولها عليها.
وهذا لكثرة القائلين به ([4])، ولأن تقديم المجرور على عامله يفيد إبراز فضل هذه الأمة بتخصيص شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، والآية مقصدها مدح للأمة فكان في بيان اختصاصها هنا أظهر وأرجح. أما القول بأنها قد تفيد سلامة التركيب من حيث قصد حسن ختم الآية بمد. فهذا غير لازم فقد يحصل بطرق متعددة بإرادة الله، وقصد المعنى أبلغ من المبنى حين الترجيح، وإن كان في مبنى التركيب بختمها بمد أفصح إلا أن الدلالة المعنوية هي المقصودة والتركيب اللفظي والحرفي قد يحصل بأكثر من سياق ولا تقتصر على هذا السياق.أما قول أن الآية مفيدة لقصر الفاعل على المفعول فهو كما ذكر ابن عاشور، وفي قول أن السبب هو لتكون الشهادة في الدنيا بشهادة الأخيار وتزكية الرسول بعلمه بعدالتهم، فهذا المعنى لا يوحي إليه سياق الآية في كونها سبب التقديم والتأخير في صلة الشهادة.

([1]) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري ، دار الكتاب العربي، بيروت ، ط/3 ، 1407هـ (1/199 ) .

([2]) التحرير والتنوير لابن عاشور، دار سحنون( 2 /22)

([3]) تفسير الألوسي لمحمود الألوسي ، دار احياء التراث العربي، ( 2 / 6)

([4]) ينظر: التفسير الكبير للرازي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1425ه ، (1 / 94 )، تفسير الألوسي لمحمود الألوسي ، دار احياء التراث العربي، ( 2 / 6 ).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 02:41 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير سورة العصر تفسيرا بيانيا:
قال تعالى: ﴿ وَٱلْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴾
ذكر سيد قطب في مقدمة تفسير هذه السورة كلاما عذبا فقال:
في هذه السورة الصغيرة ذات الآيات الثلاث يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام . وتبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة الشاملة في أوضح وأدق صورة . إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار . وتصف الأمة المسلمة:حقيقتها ووظيفتها . في آية واحدة هي الآية الثالثة من السورة . . وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله . .
والحقيقة الضخمة التي تقررها هذه السورة بمجموعها هي هذه:
إنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار , وامتداد الإنسان في جميع الأدهار , ليس هنالك إلا منهج واحد رابح , وطريق واحد ناج . هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده , وهو هذا الطريق الذي تصف السورة معالمه . وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار . .
(والعصر , إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا , وعملوا الصالحات , وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) إنه الإيمان ،والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر. انتهى كلامه رحمه الله.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم. وبيان ذلك أن المراتب أربع، باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة. ذكر ذلك ابن القيم-رحمه الله-.
(والعصر)
قال ابن عباس : والدهر . قيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر . وقيل : معناه ورب العصر ، وكذلك في أمثاله . وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران . وقال الحسن : من بعد زوال الشمس إلى غروبها . وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار . وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى. ذكره البغوي
وقال ابن عاشور في تفسير هذه الآية:
أقسم الله تعالى بالعصر قسماً يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن .
والمقسَم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه .
وللعصر معاننٍ يتعين أن يَكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يُقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيَّاً ما كان المرادُ منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكِّر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصرٍ معين مبارك .
وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علَم بالغلبة لوقت ما بين آخر وقت الظهر وبين اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثلَه بعد القَدْر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلُّ الجسم مثلَيْ قدرِه بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس . وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشيّ . ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس ، قال الحارث بن حِلزة :
آنستْ نبأة وأفزَعها القَنَّ ... اصُ عَصراً وقَدْ دَنَا الإِمساء

فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية .

وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنَّاتهم ، وتجاراتهم في أسواقهم ، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإِنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظاممٍ لابتدائه وانقطاعه . وفيه يتحفز الناس للإِقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم . وهو من النعمة أو من النعيم ، وفيه إيماء إلى التذكير بمَثَل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهَرم .

وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عَصْر .

ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العَصر . وهي صلاة معظمة . قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] . وجاء في الحديث : « من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه » . وورد في الحديث الصحيح : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة » فذَكَر « ورجل حلف يميناً فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يُعْطَ » وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علَماً بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العَقَبَة .

ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جِيل من الناس ، أو مَلِك أو نبيء ، أو دين ، ويعيَّن بالإِضافة ، فيقال : عصر الفِطَحْل ، وعصر إبراهيم ، وعصر الإِسكندر ، وعصر الجاهلية ، فيجوز أن يكون مراد هذا الإِطلاق هنا ويكون المعنيّ به عصرَ النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل التعريف في ( اليوم ) من قوْلك : فعلت اليوم كذا ، فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى :{ لعمرك } [ الحجر : 72 ] . قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } [ البلد : 2 ] وبعمره في قوله : { لعمرك } . اه .

ويجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم عصر الأمة الإِسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله : « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له يوماً إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلتَ لنا ، واستأجر قوماً أن يعملوا بقيةَ يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هُم » . فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإِسلام في هذه الآية .

ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار . وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر .

ومناسبة القَسَم بالعَصر لغرض السورة على إرادة عصر الإِسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإِسلام بين مَن كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإِسلام ، ويعرف منه حالُ من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإِسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإِسلام من الشرك أو بدين جاء الإِسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : { من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } في سورة آل عمران ( 85 ) .

( إن الإنسان لفي خسر )
أي خسران ونقصان ، قيل : أراد به [ الكافر ] بدليل أنه استثنى المؤمنين ، و " الخسران " : ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره [ بالمعاصي ] ، وهما أكبر رأس ماله . ذكره البغوي
وتعريف الإنسان تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإِنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإِسلام كما علمت قريباً . ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها . ولما استُثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققاً في غير المؤمنين كما سيأتي . . .

والخُسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبةً حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإِنسان في آخرته من نعيم أو عذاب .

وقد تقدم في قوله تعالى { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) وتكررت نظائره من القرآن آنفاً وبَعيداً ، والظرفية في قوله : (لفي خسر) مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر ،وتنكير { خسر } يجوز أن يكون للتنويع ، ويجوز أن يكون مفيداً للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسَم ،والمعنى : إن الناس لفي خسران عظيم وهم المشركون .

ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقَسم وحرف التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإِنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس . ذكره ابن عاشور

( إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ)
وأعقب بالاستثناء بقوله : { إلا الذين آمنوا } الآية فيتقرر الحكم تاماً في نفس السامع مبيناً أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران ، وفريق لا يلحقه شيء منه ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئاً من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات .

ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها ، فمن تحقق فيه وصف الإِيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي ، أي حسن عاقبة أمره ، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران .

وهذا الخسر متفاوت فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإِيمان بوحدانية الله وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ودون ذلك تكونُ مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها . وما حدده الإِسلام لذلك من مراتب الأعمال وغفران بعض اللمم إذا ترك صاحبه الكبائر والفواحشَ وهو ما فسر به قوله تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] .

وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإِنذار والوعيد ، أي لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا ، قال تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [ آل عمران : 196 ، 197 ] .

وال التعريف في قوله: (الصالحات) تعريف الجنس المراد به الاستغراق؛ أي عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين. وعَمل الصالحات يشمل ترك السيئات. ذكره ابن عاشور.
( وتواصوا ) أوصى بعضهم بعضا ، ( بالحق ) بالقرآن ، قاله الحسن وقتادة ، وقال مقاتل : بالإيمان والتوحيد . ( وتواصوا بالصبر ) على أداء الفرائض وإقامة أمر الله . وروى ابن عون عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ، وهي مثل قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ذكره البغوي
وعُطف على عَمل الصالحات التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإن كان ذلك من عمل الصالحات ، عَطْف الخاص على العام للاهتمام به لأنه قد يُغفل عنه ، يُظن أن العمل الصالح هو ما أثرُه عمل المرء في خاصته ، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشادَ المسلم غيره ودعوتَه إلى الحق ، فالتواصي بالحق يشمل تعليم حقائق الهدى وعقائد الصواب وإراضة النفس على فهمها بفعل المعروف وترك المنكر .

والتواصي بالصبر عطف على التواصي بالحق عطف الخاص على العام أيضاً وإن كان خصوصه خصوصاً من وجهٍ لأن الصبر تحمَّل مشقة إقامة الحق وما يعترض المسلم من أذى في نفسه في إقامة بعض الحق .

وحقيقة الصبر أنه : منع المرء نفسه من تحصيل ما يشتهيه أو من محاولة تحصيله ( إن كان صعبَ الحصول فيترك محاولة تحصيله لخوْف ضر ينْشأ عن تناوله كخوف غضب الله أو عقاب ولاة الأمور ) أو لرغبة في حصول نفع منه ( كالصبر على مشقة الجهاد والحج رغبة في الثواب والصبر على الأعمال الشاقة رغبة في تحصيل مال أو سمعة أو نحو ذلك ) .

ومن الصبر الصبر على ما يلاقيه المسلم إذا أمَرَ بالمعروف من امتعاض بعض المأمورين به أو مِن أذاهم بالقول كمن يقول لآمره : هَلاّ نظرت في أمر نفسك ، أو نحو ذلك .

وأما تحمل مشقة فعل المنكرات كالصبر على تجشّم السهر في اللهو والمعاصي ، والصبر على بشاعة طعم الخمر لشاربها ، فليس من الصبر لأن ذلك التحمل منبعث عن رجحان اشتهاء تلك المشقة على كراهية المشقة التي تعترضه في تركها .

وقل اشتمل قوله تعالى : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } على إقامة المصالح الدينية كلها ، فالعقائد الإِسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق ، والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر .

والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها فإن الارتياض بالأخلاق الحميدة لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة ، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبرَ عليه حتى تصير مكارم الأخلاق ملكه لمن راض نفسه عليها ، كما قال عمرو بن العاص

: ... إذا المرءُ لم يَترُكْ طعاماً يُحبُّه

ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيثُ يمَّما ... فيوشِك أن تُلفَى له الدَّهرَ سُبّةٌ

إذا ذُكِرَتْ أمثالُها تَمْلأ الفَمَا ...

وكذلك الأعمال الصالحة كلها لا تخلو من إكراه النفس على ترك ما تميل إليه . وفي الحديث : " حُفَّت الجنة بالمكارِهِ وحُفّت النار بالشهوات " . وعن علي بن أبي طالب : «الصبر مطية لا تكبو» .

وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائماً على شيوع التآمر بهما ديدناً لهم ، وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحق وصبرهم على المكاره في مصالح الإِسلام وأمته لما يقتضيه عرف الناس من أن أحداً لا يوصي غيره بملازمة أمر إلا وهو يرى ذلك الأمر خليقاً بالملازمة إذ قلّ أن يُقدم أحد على أمر بحق هو لا يفعله أو أمر بصبر وهو ذو جزع ، وقد قال الله تعالى توبيخاً لبني إسرائيل : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } [ البقرة : 44 ].

وذكر ابن كثير في قوله: (وتواصوا بالصبر) أنه الصبر على المصائب والأقدار، وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.
فبالأمرين الأولين يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. كما أورده السعدي.

والحمدلله رب العالمين..

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 محرم 1438هـ/2-10-2016م, 11:41 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

قال تعالى في سورة سبأ:

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)

نستخلص هنا بحول الله المسائل البيانية، من الآية العاشرة من سورة سبأ والتي قال عنها ابن عاشور في تفسيره:

"وَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ الَّذِي نُظِمَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ الْفَخَامَةِ وَجَلَالَةِ الْخَالِقِ وَعِظَمِ شَأْنِ دَاوُدَ مَعَ وَفْرَةِ الْمَعَانِي وَإِيجَازِ الْأَلْفَاظِ"


• قوله تعالى: { منا }

1. فيه تَشْرِيفٌ لِلْفَضْلِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [الْقَصَص: 57] .
2. كون الفضل من الله أضاف له شرف، على شرفه.
3. فيه حصر، فالفضل من الله وحده.
4. وتقديم { منا} على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم، والتشويق إلى المؤخر، لأن ما حقه التقديم إذا أخر ترقبت النفس له، فإذا ذكر كان وقعه عليها أقوى.

• قوله تعالى: { فضلا}
1. التنكير هنا لغرض التعظيم، والتفخيم، ويشمل كل ما أوتيه داود عليه السلام من فضائل
2. التنوين هنا أيضا للتعظيم

• قوله تعالى: { يا جبال}

1. أنزل الجبال، والطير، منزلة العاقل تنبيها على كمال قدرته، وبديع تصرفه في الأشياء كلها.
2. تنزيل الجبال والطير منزلة العاقل، يشعر بأن ما سواهما من الخلق حتى لو كان جمادا أو حيوانا، فهو تحت سلطان رب العالمين، منقاد لأمره.
3. قرن بين تسبيح أشد الأرض ( الجبال)، وألطف الحيوان ( الطير ).
4. ذكر تسبيح الطير يشير إلى حقيقة تسبيح الجبال، خلافا لمن ظن أن تسبيح الجبال هنا رجع الصدا
وأخيرا أنقل ما قاله صاحب الكشاف عن بديع نظم هذه الآية حيث قال:
"فإن قلت: أى فرق بين هذا النظم وبين أن يقال وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا تأويب الجبال معه والطير؟
قلت: كم بينهما. ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى: من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا: إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته" [الكشاف، 3: 571]

المراجع:
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور،
- تفسير أبي السعود
- وروح المعاني للألوسي
- والكشاف للزمخشري
- ونظم الدرر للبقاعي
- حاشية الطيبي على الكشاف
- حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 محرم 1438هـ/4-10-2016م, 03:31 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ( 23 ) ) الجاثية .

هذه الآية تسلية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الكفار المعرضين عن الإيمان، أي: لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر لأن الله أضلهم .
والهمزة حرف استفهام للتعجيب من حال من ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فكأنه يعبده فالكلام على التشبيه البليغ أو الاستعارة ،
والفاء للعطف على مقدر دخلت عليه الهمزة ، والمعنى : أي أنظرت من هذه حاله فرأيته فإن ذلك مما يقضى منه العجب ،
وفي استفهامه عن رؤية حالهم ، إشارة إلى بلوغ حالهم من الظهور إلى حد أن تكون مرئية .
وقيل : أرأيت بمعنى أخبرني و المفعول الأول من اتخذ والثاني محذوف يقدر بعد الصلات أي أيهتدي بدليل فمن يهديه ؟
(من ) : اسم موصول مفعول به أول ، وفي قوله تعالى: "اتخذ" :إشارة إلى أنه من كسبه وفيها رد على الجبرية .
"إلهه هواه" : في النظم هنا تقديم وتأخير ، وعليه نعرب هواه مفعولا أولا للفعل اتخذ ، وعلّة التقديم لأجل الحصر فكأنه قال : ( أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هواه ) فهو أبلغ في ذمه وتوبيخه .
وفي معنى الآية إشارة إلى الأصنام ، إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة، وقال قتادة : المعنى: لا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف الله تعالى ، وسمي الهوى بذلك لأنه يهوي بصاحبه .
و " إلهه " إطلاق على ما يلازم طاعته حتى كأنه معبود فيكون هذا الإطلاق بطريقة التشبيه البليغ ، أي اتخذ هواه كإله له لا يخالف له أمرا .
وذكر ابن عاشور أنه يجوز أن يبقى " إلهه " على الحقيقة ويكون " هواه " بمعنى مهويه ، أي عبد إلها لأنه يحب أن يعبده ، يعني الذين اتخذوا الأصنام آلهة لا يقلعون عن عبادتهم لأنهم أحبوها ، أي ألفوها وتعلقت قلوبهم بعبادتها ، كقوله تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ، لكن هذا المعنى يشكل من جهة أن المؤمن اتخذ إلهه محبوبه كذلك ، و السياق في الآية سياق ذم لمن هذه حاله ، فلا يصح تجويز هذا المعنى .

( وأضله الله ) :
الواو حرف عطف ، ومعنى " أضله الله " أنه حفهم بأسباب الضلالة من عقول مكابرة ونفوس ضعيفة ، اعتادت اتباع ما تشتهيه ولا تطيق الصبر على المكاره .
( على علم ): حال والجملة معطوفة على ما قبلها .
و حرف ( على ) هنا معناه المصاحبة بمعنى ( مع ) وأصل هذا المعنى استعارة معنى الاستعلاء للاستعلاء المجازي وهو التمكن بين الوصف والموصوف .
والمعنى : أنه ضال مع ما له من صفة العلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم والعلم بما يهديه ، وفي هذه الحالة تكون - على علم - حالا من المفعول .
ويجوز أن يكون حالا من الفاعل أي أضله الله تعالى عالما سبحانه بأنه من أهل الضلال في سابق علمه وذلك لفساد جوهر روحه .

( وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) :
هذه استعارات كلها، إذ هذا الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى، فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة .
فصارت أسماعهم كالمختوم عليها في عدم الانتفاع بالمواعظ والبراهين ، وقلوبهم كالمختوم عليها في عدم نفوذ النصائح ودلائل الأدلة إليها ، وأبصارهم كالمغطاة بغشاوات فلا تنتفع بمشاهدة المصنوعات الإلهية الدالة على انفراد الله بالإلهية وعلى أن بعد هذا العالم بعثا وجزاء .
ووجه تقديمه السمع على القلب لمناسبته لسياق الآيات ، إذ قبل هذه الآية بقليل قال الله ( ويل لكل أفاك أثيم ( ) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ) فالحديث في هذه السورة عمن عطّل سمعه وأعرض بسمعه عن ذكر الله .
وتعبيره بالجملة الفعلية هنا تفيد الحدوث والتأقيت ، بخلاف حديثه عن المنافقين في سورة البقرة أتى بالجملة الإسمية لبيان تمكنهم من الكفر لأنها تفيد الدوام والثبوت .
ومعلوم أن ( جعل ) فعل ماض ومعنى ذلك أن الغشاوة لم تكن قبل الجعل ويدل على ذلك قوله تعالى ( وأضله الله على علم ) ممّا يدل على أنه كان مبصراً قبل تردّيه .
( فمن يهديه من بعد الله) استفهام إنكاري أن يكون غير الله يستطيع أن يهديهم .
قوله :من بعد الله : أي من دون الله ، وقيل : فيه حذف مضاف تقديره: من بعد إضلال الله إياه .
ثم فرع على ذلك استفهام عن عدم تذكر المخاطبين لهذه الحقيقة ،( أفلا تذكرون ) أي كيف نسوها حتى ألحوا في الطمع بهداية أولئك الضالين وأسفوا لعدم جدوى الحجة لديهم وهو استفهام إنكاري ،
وفيه الحث على التذكر، وإدغام تاء التفعل فيه إشارة إلى عدم الاحتياج - بسبب وضوحه - إلى كثير تذكر .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 01:34 AM
سها حطب سها حطب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى:
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4))



وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
القسم لتأكيد المقسم عليه، والواوات الواقعة بعد الفواصل واوات قسم ، وابتدئت السورة بالقسم تشويقا لما بعده.
فأقسم الله تعالى بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم.
الليل الذي يأوي فيه كل حيوان إلى مأواه ويسكن الخلق عن الاضطراب، ويغشاهم فيه النوم الذي جعله الله راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم.
والغشي : التغطية، وحذف المفعول لتنزيل الفعل منزلة اللازم لأن العبرة بغشيانه كل ما تغشاه ظلمته، ويفيد كذلك العموم فالليل يغشى الأفق وجميع السماء فيذهب نور الشمس والنهار ويغشى الناس بالنوم ويغشى الخلق كلهم بظلامه.

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى
وتجلِّي النهار: أي ظهوره بزوال ظلمة الليل وطلوع الشمس وأسند إلى النهار التجلي مدحا له بالاستنارة التي يراها كل أحد ويحس بها حتى البصراء، وقيد القسم بالنهار بقيد وقت التجلية إدماجا للمنة في القسم.
واختير القسم بالليل والنهار لمناسبته للمقام لأن غرض السورة بيان الفرق بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة.
وثنى بذكر النهار عكس سورة الشمس لأن هذه السورة سادس السور نزولا فأيامئذ كان الكفر مخيما على الناس إلا نفر قليل، وكان الإسلام قد أخذ في التجلي، فناسب تمثيل تلك الحالة بالليل حين يعقبه ظهور النهار.

وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى
معنى ( ما ) :
- إن كانت " ما " موصولة، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث.
- وإن كانت مصدرية، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة، وجعل كلا منهما مناسبًا للآخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
- وعن الكسائي: وما خلق الذكر والأنثى بالجر على أنه بدل من محل ما خَلَقَ بمعنى: وما خلقه الله، أى: ومخلوق الله الذكر والأنثى. وجاز إضمار اسم الله لأنه معلوم لانفراده بالخلق. إذ لا خالق سواه.
و القسم بالذكر والأنثى يتناول القسم بجميع ذوي الأرواح الذين هم أشرف المخلوقات، لأن كل حيوان فهو إما ذكر أو أنثى .

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى
(السعي ) حقيقته: المشي القوي الحثيث ، وهو مستعار هنا للعمل والكد، لهذا قال جمهور المفسرين السعي العمل.
(لَشَتَّى) وشتى جمع شتيت مثل مرضى ومريض ، وإنما قيل للمختلف: شتى، لتباعد ما بين بعضه وبعضه، والشتات هو التباعد والافتراق.
كما قال تأبط شرا:
قَلِيلُ التَّشَكِّي لِلْمُلِمِّ يُصِيبُهُ ... كَثِيرُ الْهَوَى شَتَّى النَّوَى وَالْمَسَالِكِ
وهو استعارة أو كناية عن الأعمال المتخالفة لأن التفرق يلزمه الاختلاف.
وهذا جواب القسم، فأقسم تعالى أن أعمال عباده لشتى، فكأنه قيل: إن عملكم لمختلفٌ متباعدٌ بعضه من بعض، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟ وهذا كل عمل يقصد به غير وجه الله تعالى، بهذا الوصف.
وفي قوله : ( إن سعيكم لشتى ) إجمال يفيد التشويق إلى تفصيله في الآيات بعدها ليتمكن تفصيله في الذهن.


المراجع:
الكشاف
مفاتيح الغيب
فتح القدير
تفسير السعدي
التحرير والتنوير

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 08:49 PM
الصورة الرمزية أم أسامة بنت يوسف
أم أسامة بنت يوسف أم أسامة بنت يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 613
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقوله تعالى: { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[122،125 من سورة الأنعام].
الموت، الظلمات، الحبس، الضلالة، الضيق والمشقة، الرجس.
الحياة، النور، المشي، الهداية، الانشراح والسعة والوضوح والبيان.
هي صورتان ضرب الله بهما مثلا بديعا فيه من ألوان البيان والبلاغة والحلاوة والإعجاز، ما لا تسعه كتب ولا مجلدات، تختصر لنا جنس البشرية في ذلكم المثلين.
فهذا حي ازداد بالنور حياة، وغمره النور حتى استنار بنفسه وصار بين الناس نور يسيرون في محيط ضوءه، هو الحياة ولغيره حياة وسيع الصدر، طريقه مستقيم واضح، وسلوكه وأهدافه بينة حسنة، في معية الله.. ويرى بنور الله.
وذاك ميت محبوس في ظلمة لا نفاذ له منها، رجس نتن لا يبلغه نور ولا طهر ولا هدى، وإن لمح قبس من نور ضاقت به نفسه وروحه واختطف الضوء أكسجينه، بل من شدة انغماسه في غيه وضلاله انقلبت موازينه وزين له سوء عمله فشق عليه اليسير، وانبسط صدره للعسير! أيستويان؟!
هكذا استفتحت الآية الكريمة {أومن}، همزة استفهامية إنكارية لا ينتظر من خلفها جواب، فلن يخالف في الإجابة ذو عقل وإن صغُر، أنى لعبد بث في جسده روحا ثم بث في قلبه روحا، جمع روح البدن وروح النفس فهو حي الجسد حي الروح، أنى له التساوي مع غارق في ظلمات بعضها فوق بعض لا يملك منها نفوذا ولا يصله فيها غوثا. أيستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟ أم هل يستوي الأحياء والأموات؟!
يقول الشاعر:
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لِأَهْلِهِ = فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنَّ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ = فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
وهكذا قيل في الآية النور العلم، النور الإيمان، النور الإسلام، النور القرآن؛ ولا خلاف فكلها إلى واحد نور من الإله وروح منه.
قال الشوكاني رحمه الله: (وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ قَالَ: كَانَ كَافِرًا ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً وهو الْقُرْآنُ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ)
وقال ابن عاشور رحمه الله: (لَقَدْ جَاءَ التَّشْبِيهُ بَدِيعًا: إِذْ جَعَلَ حَالَ الْمُسْلِمِ، بَعْدَ أَنْ صَارَ إِلَى الْإِسْلَامِ، بِحَالِ مَنْ كَانَ عَدِيمَ الْخَيْرِ، عَدِيمَ الْإِفَادَةِ كَالْمَيِّتِ، فَإِنَّ الشِّرْكَ يَحُولُ دُونَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيَصْرِفُ صَاحِبَهُ عَنِ السَّعْيِ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُ وَنَجَاتُهُ، وَهُوَ فِي ظُلْمَةٍ لَوْ أَفَاقَ لَمْ يَعْرِفْ أَيْنَ يَنْصَرِفُ، فَإِذَا هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى الْإِسْلَامِ تَغَيَّرَ حَالَهُ فَصَارَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيَعْلَمُ الصَّالِحَ مِنَ الْفَاسِدِ، فَصَارَ كَالْحَيِّ وَصَارَ يَسْعَى إِلَى مَا فِيهِ الصَّلَاحُ، وَيَتَنَكَّبُ عَنْ سَبِيلِ الْفَسَادِ، فَصَارَ فِي نُورٍ يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا التَّمْثِيلِ تَفْضِيلُ أَهْلِ اسْتِقَامَةِ الْعُقُولِ عَلَى أَضْدَادِهِمْ)
وبعد هذين المثلين، يقف المشاهد أمامهما تعلوه الدهشة والعجب، كيف يرضى عاقل لنفسه ذلك السجن المظلم؟
فيأتيه البيان وفيه زجر وقوة وألفاظ ترعد القلب {كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} لا إله إلا الله، في ظلمة وظلمته له مُزيّنة! أي جهل وضلال هذا!
قال فيها ابن عاشور رحمه الله: (اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ التَّمْثِيلَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهَا يُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ سُؤَالًا، أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ رَضُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْبَقَاءَ فِي هَذِهِ الضَّلَالَاتِ؟ وَكَيْفَ لَمْ يَشْعُرُوا بِالْبَوْنِ بَيْنَ حَالِهِمْ وَحَالِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا؟
فَإِذَا كَانُوا قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ فِي غَفْلَةٍ عَنِ انْحِطَاطِ حَالِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، فَكَيْفَ لَمَّا دَعَاهُمُ الْإِسْلَامُ إِلَى الْحَقِّ وَنَصَبَ لَهُمُ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ بَقَوْا فِي ضَلَالِهِمْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنْهُ وَهُمْ أَهْلُ عُقُولٍ وَفِطْنَةٍ؟
فَكَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُ السَّبَبَ فِي دَوَامِهِمْ عَلَى الضَّلَالِ، وَهُوَ أَنَّ مَا عَمِلُوهُ كَانَ تُزَيِّنُهُ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ، هَذَا التَّزْيِينَ الْعَجِيبَ، الَّذِي لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ تَقْرِيبَهُ لَمْ يَجِدْ ضَلَالًا مُزَيَّنًا أَوْضَحَ مِنْهُ وَأَعْجَبَ فَلَا يُشَبَّهُ ضَلَالُهُمْ إِلَّا بِنَفْسِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: (وَالسَّفَاهَةُ كَاسْمِهَا) أ.هـ
وقد ورد في هذه الآية:
  • تشبيه عرضناه، وصرح ببعض أداوته ككاف التشبيه في {كمن} والتصريح بلفظ المثل.
  • وفيها استعارة فصورة النور والظلمات اختلف فيها أهل البيان فمنهم من جعل ذلك التركيب البديع من قبيل التشبيه التمثيلي ومنهم من سماه استعارة تمثيلية وتفصيل ذلك تجده عند صاحب التحرير والتنوير.
  • وفيها طباق: ميتا فأحييناه، نورا والظلمات، به في ( نورا يمشي به) و منها في (ليس بخارج منها).
  • ومقابلة الفرد بالجمع، فجعل الهدى واحدا وكذا الصراط المستقيم لا اعوجاج {نورا} والضلالة شبهات وشهوات وفتن وأباطيل، تجمعها صفة {الظلمات}.
  • والبناء للمجهول في {زين}، فأي من كان الفاعل.. النتيجة واحدة.
  • وفيها وجه لا أفقهه من ناحية التقعيد اللغوي لكني أتذوقه وهو أن الله تعالى لم يقل (لا يخرج من الظلمات) إنما قال {ليس بخارج منها} استخدام ليس دون لا، والباء الداخلة على خارج وتأكيد {منها}.
  • وفيها أنواع من المقابلة، أشدها في نفسي ما كان من بيان معية الله وقوة المهتدي إذ الله تبارك وتعالى هو الذي أحياه، وهو الذي جعل له نورا، فأي قوة يحملها هذا المصحوب بربوبية الملك الكبير جل في علاه، يقابله ساقط في الظلمات يسعى بنفسه ليخرج منه لا معين له ولا حول ولا قوة، والأدهى له من يجره لأسفل ويثبط من عزمه ويزيده في ظلامه ظلمة، ويزين له سوء عمله.
  • وفيها إيجاز وحذف في مواضع ثلاث ذكرها ابن عاشور رحمه الله، قال: (وَفِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، اسْتِغْنَاءً بِالْمَذْكُورِ عَنِ الْمَحْذُوفِ:
  1. فَقَوْلُهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً مَعْنَاهُ: أَحَالُ مَنْ كَانَ مَيِّتًا، أَوْ صِفَةُ مَنْ كَانَ مَيِّتًا.
  2. وَقَوْلُهُ: وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ حَالُ مَنْ كَانَ مَيِّتًا فِي ظُلُمَاتٍ.
  3. وَقَوْلُهُ: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ تَقْدِيرُهُ: كَمَنْ مَثَلُهُ مثل ميّت فَمَا صدق).
ثم بعدها بآيتين قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
قال محمد الأمين الهرري رحمه الله: ({فَمَنْ} (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن من كان ميتا فأحييناه ليس كمن مثله في الظلمات، وأردت بيان علامة هداية الله وعلامة إضلاله، فأقول لك..)
فتلك الأولى كانت عظة مبطنة، ثم جاء ها هنا البيان الصريح أن ذلك الحي الذي له نور في نفسه ولمن حوله هو الذي شرح الله صدره للإسلام، وذاك الغارق في الظلمات أعمى البصيرة الذي زين له موت روحه هو هذا الذي ضل فأضله الله فضاقت نفسه عن قبول الوحي وشقت عليه الخيرات فهو مغموس في الرجس.
فنقف مع الأول جعلنا الله وإياكم منهم، قال الطبري رحمه الله: (فسح صدره لذلك وهونه عليه وسهله له بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له ويتسع له صدره بالقبول) فهذا بيان عام، ولنقف وقفة مع التركيبة اللغوية البليغة (شرح الصدر) يقول فضل السامرائي: (كيف يكون شرح الصدر؟ شرح الصدر هو فتح الصدر. أصل الشرح في اللغة هو الفتح أو الشقّ والمراد هنا ليس شق الصدر ولكنه نوع من أنواع المجاز إذا قيل: شرح الله صدره بمعنى يسّر الله أمره أو أراحه أو جعله يقتنع بهذا الأمر. هناك في اللغة أمور كثيرة لا يراد فيها معاني الألفاظ كما هي على وجه الحصر وإنما ما يؤدي إليه اللفظ من معنى. وهذا ما سماه علماؤنا معنى المعنى. الشرح معلوم والصدر معلوم لكن لا يُراد به شق الصدر وإنما انشرح صدره كأنه اطمأن إلى هذا الأمر والآن نستعملها (اطمأن قلبي إلى ذلك) ويضيق الصدر بمعنى لا يطمئن قلبه إلى هذا الأمر ويبقى قلقاً) وهذا تبسيط لما ذكره ابن عاشور رحمه الله ويحسن بنا نقله، قال: (وَالشَّرْحُ حَقِيقَتُهُ شَقُّ اللَّحْمِ، وَالشَّرِيحَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ تُشَقُّ حَتَّى تُرَقَّقَ لِيَقَعَ شَيُّهَا. وَاسْتُعْمِلَ الشَّرْحُ فِي كَلَامِهِمْ مَجَازًا فِي الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ، وَاسْتُعْمِلَ أَيْضًا مَجَازًا فِي انْجِلَاءِ الْأَمْرِ، وَيَقِينِ النَّفْسِ بِهِ، وَسُكُونِ الْبَالِ لِلْأَمْرِ، بِحَيْثُ لَا يُتَرَدَّدُ فِيهِ وَلَا يُغْتَمُّ مِنْهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ التَّفْسِيرَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَالصَّدْرُ مُرَادٌ بِهِ الْبَاطِنُ، مَجَازًا فِي الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ بِعَلَاقَةِ الْحُلُولِ، فَمَعْنَى يَشْرَحْ صَدْرَهُ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ اسْتِعْدَادًا وَقَبُولًا لِتَحْصِيلِ الْإِسْلَامِ، وَيُوَطِّنُهُ لِذَلِكَ حَتَّى يَسْكُنَ إِلَيْهِ وَيَرْضَى بِهِ، فَلِذَلِكَ يُشَبَّهُ بِالشَّرْحِ، وَالْحَاصِلُ لِلنَّفْسِ يُسَمَّى انْشِرَاحًا، يُقَالُ: لَمْ تَنْشَرِحْ نَفْسِي لِكَذَا، وَانْشَرَحَتْ لِكَذَا. وَإِذَا حَلَّ نُورُ التَّوْفِيقِ فِي الْقَلْبِ كَانَ الْقَلْبُ كَالْمُتَّسِعِ، لِأَنَّ الْأَنْوَارَ تُوَسِّعُ مَنَاظِرَ الْأَشْيَاءِ).
وصورة الثاني -عافانا الله وإياكم- وردت فيها قراءات صحيحة، كل منها فيها من بديع التعبير ما يزيدها بلاغة وحكمة:
  • فضيقا: وردت بتخفيف الياء وتشديدها وكلاهما مصدر يدل على شدة الضيق.
  • وحرجا: بفتح الراء وكسرها، دلالة على أضيق الضيق ومنه الحرجة، قال الطبري رحمه الله: (والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه، وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرين الشرك عليه. وأصله من الحرج، والحرج جمع حرجة: وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها … فقال عمر: "ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا، وليكن مدلجيا، قال: فأتوه به، فقال له عمر: يا فتى، ما الحرجة؟ قل: الحرجة فينا: الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء. قال: فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير") قال: (وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الإثم من قولهم: فلان آثم حرج. وذكر عن العرب سماعا منها: حرج عليك ظلمي، بمعنى: ضيق وإثم والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب لاتفاق معنييهما).
  • ويصعد: بتشديد العين أو تخفيفه مسبوقة بألف. فالأول من المشقة والصعوبة، والثاني من الفرار والهرب. قال القرطبي رحمه الله: (قوله تعالى: (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) قرأه ابن كثير بإسكان الصاد مخففا، من الصعود هو الطلوع. شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يطاق. وكذلك يصاعد وأصله يتصاعد، أدغمت التاء في الصاد، وهي قراءة أبي، بكر والنخعي، إلا أن فيه معنى فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله. وقرأ الباقون بالتشديد من غير ألف، وهو كالذي قبله. معناه يتكلف ما لا يطيق شيئا بعد شيء، كقولك: يتجرع ويتفوق. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ" كأنما يتصعد". قال النحاس: ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد. والمعنى فيهما أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك،فكأنه يستدعي ذلك. وقيل: المعنى كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام. كذلك يجعل الله الرجس عليهم، كجعله ضيق الصدر في أجسادهم).
ولتقريب هذه الصورة المؤلمة لحال المعرض عن ذكر الله الهارب منه وتشبيهه بمن ضاق صدره ضيقا شديدا، ننقل مثلا وبيانا للشعراوي رحمه الله، قال فيه: (وعندما يصاب الإنسان بنوبة برد نراه وهو يجد صعوبة في التنفس، كأن حيّز الصدر صار ضيقاً، فلا يدخل الهواء الكافي لتشغيل الرئتين، ويحاول الإنسان أن يعوض بالحركة ما فاته فينهج. ويشخص الأطباء ذلك بأن المريض يريد أن يأخذ ما يحتاجه إليه من الهواء فينهج؛ لأن الحيّز قد ضاق، وكذلك عندما يصعد الإنسان سلماً، ينهج أيضاً؛ لأن الصعود يحتاج إلى مجهود، لمعاندة جاذبية الأرض، فالأرض لها جاذبية تشد الإنسان، ومن يصعد إنما يحتاج إلى قوة ليتحرك إلى أعلى ويقاوم الجاذبية. إننا نجد نزول السلم مريحاً؛ لأن في النزول مساعدة للجاذبية، لكن الصعود يحتاج إلى جهد أكثر، فإذا ضاق الصدر فمعنى ذلك أن حيز الصدر لم يعد قادراً على أن يأخذ الهواء بالتنفس بطريقة تريح الجسم، ولذلك يقال: «فلان صدره ضيق» أي أن التنفس يجهده إجهاداً بحيث يحتاج إلى هواء أكثر من الحجم الذي يسعه صدره)
وهذه الآية يطرب بها أصحاب الإعجاز العلمي لما فيها من إشارة جاء العلم الحديث بها، حاصلها ذكره المراغي رحمه الله في تفسيره فقال: (إن الله ضرب مثلا لضيق النفس المعنوي يجده من دُعيَّ إلى الحق وقد ألف الباطل وركن إليه، بضيق التنفس الذي يجده من صعد بطائرة إلى الطبقات العليا من الجو حتى لقد يشعر بأنه أشرف على الهلاك وهو لا محالة هالك إن لم يتدارك نفسه وينزل من هذا الجو إلى طبقات أسفل.. سبحانك ربى نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرها البشر، ولم يفقه معرفة كنهها إلا بعد أن مضى على نزولها نحو أربعة عشر قرنا، وتقدم فن الطيران الآن علّم الطيارين بالتجربة صدق ما جاء فى كتابك، ودل على صحة ما ثبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوى فى مختلف طبقات الهواء، وقد علم الآن أن الطبقات العليا أقل كثافة فى الهواء من الطبقات التي هي أسفل منها، وأنه كلما صعد الإنسان إلى طبقة أعلى شعر بالحاجة إلى الهواء وبضيق فى التنفس نتيجة لقلة الهواء الذي يحتاج إليه، حتى لقد يحتاجون أحيانا إلى استعمال جهاز التنفس ليساعدهم على السير فى تلك الطبقات) وقد تكلم الشعراوي رحمه الله في مسألة إعجاز القرآن العلمي وربطه بالحقائق أو النظريات العلمية بكلام حسن مهم، فيرجع إليه في تفسيره لهذه الآية.
وفي الآية أوجه بلاغية عديدة مرت معنا، وفيها:
  • تأكيد معنى واحد بلفظين مختلفين، وفي كلا اللفظين لغات وهذا تأكيد حسن زاده بلاغة وبيانا اختلاف اللفظ، وهو قوله تعالى: {ضيقا حرجا}.
  • وفيه استخدام {على} ولفظ المضارعة في قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} دلالة عميقة الأثر، قال ابن عاشور رحمه الله: ( فِي قَوْلِهِ: {عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} تُفِيدُ تَمَكُّنَ الرِّجْسِ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَالْعِلَاوَةُ مَجَازٌ فِي التَّمَكُّنِ [...] وَالْمُرَادُ تَمَكُّنُهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَظُهُورُ آثَارِهِ عَلَيْهِمْ. وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي يَجْعَلْ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَنْ يَنْصَرِفُ عَنِ الْإِيمَانِ، وَيُعْرِضُ عَنْهُ [...] أَيْ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ تَلَقِّيهِ بِإِنْصَافٍ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ مُتَزَائِدَةً بِالْقَسَاوَةِ)
ومن نظائر هاتين الآيتين الكريمتين قوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات} وقوله تعالى: {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم}، وقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وغيرهن. والحمد لله رب العالمين.


تم جمع المادة من تفاسير: الزجاج، الطبري، ابن كثير، القرطبي، الشوكاني، محمد الأمين الهرري الشافعي، ابن عاشور، سيد قطب، المراغي، الشعرواي، فضل السامرائي. رحمهم الله وغفر لهم وجزاهم عنا خيرا.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 09:36 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التفسير البياني للآيات [2-5] من سورة مريم.
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) مريم


هذه السورة مطلعها في ذكر قصة زكريا ودعاءه ربه سبحانه وتعالى أن يرزقه الولد الصالح الذي يجمل على عاتقه الدعوة من بعده ولعله لم ير في بني إسرائيل من فيه المواصفات ليحمل الإمامة في الدين، وقد توسل إلى الله بما يظهر عجزه وضعفه وتبريه من حوله وقوته وتعلق قلبه بحول الله وقوته فهو الذي بيده كل شيء وأخبر الله في كتابه عنه وهذا من أدلة صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه يخبر بذكر من سبق من الأنبياء وهو لا يقرأ ولا يكتب.
= قوله تعالى: "ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ" فيه:
- هنا حذف المبتدأ وهذا شائع في العناوين وتقدير الكلام: هذا ذكر رحمة ربك. وفي هذا معني الطلب بأن يذكر النبي قصته.
- ويجوز أن يكون "ذكر" مفعول مطلق نائب عن عامله بمعني: اذكر ذكراً وحول من النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات.
- تقديم الرحمة –وهي استجابة الدعاء-على نداء زكريا يفيد الاهتمام بهذه المنقبة له، والإخبار بأن الله يرحم من التجأ إليه.
- قوله: عبده: أضاف الضمير إلي العبد فيه بيان لرحمة الله بزكريا.
- وزكريا نبي من أنبياء بني إسرائيل، وهو زكريا الثاني زوج خالة مريم، وكان يعمل نجاراً يأكل من عمل يده، وليس له كتاب أما الذي له كتاب فهو زكريا بن برخيا. و (زكريا) يقرأ على وجهين، بالقصر والمد.
= قوله: "إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا"
- قوله: " وإِذْ نَادَى رَبَّهُ " ظرف زمان لرحمت، أي رحمة الله له في ذلك الوقت، أو هي بدل من "ذكر" أي اذكر ذلك الوقت الذي دعا فيه زكريا ربه.
- قوله: نادي: قال ابن عاشور: يُطْلَقُ النِّدَاءُ كَثِيرًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ طَلَبُ إِقْبَالِ الذَّاتِ لِعَمَلٍ أَوْ إِقْبَالِ الذِّهْنِ لِوَعْيِ كَلَامٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْحُرُوفُ الَّتِي يُفْتَتَحُ بِهَا طَلَبُ الْإِقْبَالِ حُرُوفَ النِّدَاءِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِطَلَبِ حَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِدَاءٌ لِأَنَّ شَأْنَ الدُّعَاءِ فِي الْمُتَعَارَفِ أَنْ يَكُونَ جَهْرًا. اهـ
- فنادي زكريا ربه بصوت خفي منخفض وهذا من آداب الدعاء لأن فيه إشعار بالانكسار وشدة الحاجة إلى من يدعوه وفيه قوة على الإخلاص لله والبعد عن الرياء، وهذا مما يجعله أحرى أن يجاب ويعطى ما يطلب.
= قوله: " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا "
- في هذه الآية والتي تليها بيان لما دعا به زكريا حيث بدأ بذكر حالته إلي الله بقوله " إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا " وهما مستعملان مجازاً للدلالة على الكبر،
- والشيب هو بياض الشعر لنقصان المادة التي تغطيه بسبب كبر السن فكان علامة على الكبر، وقد يكون لمرض.
- قوله "وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي": عبر بالعظم عن ضعف كل الجسد لأن العظم أقوى ما في البدن فإن كان قد ضعف فإن باقي الجسد قد ضعف بالفعل.
- وعرف العظم ب "أل" تعريف الجنس الدال على عموم العظام.
- وشبه انتشار الشيب في الرأس بالنار التي تكون مشتعلة في وسط الفحم الأسود وهذا تشبيه جميل لأن الشعر الأبيض في وسط الشعر الأسود هو كالنار في وسط الفحم.
- وقد عمم انتشار الشيب في كل الرأس أي أن اللحية أيضاً قد شابت وهذا دليل على التوغل في الكبر.
- اسناد الاشتعال للرأس فيه مجاز عقلي لأن الاشتعال يكون من صفات النار ولما اسند للرأس حصل بذلك خصوصية المجاز، مع تنكير شيباً المفيد للتعظيم؛ فحصل إيجاز بديع والنظم المعتاد: واشتعل الشيب في شعر الرأس.
- قوله: "وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" أي محروماً غير سعيد بأن لا يستجاب لي، والباء للمصاحبة.
= قوله: " وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا "
- " وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا "
هذه جملة معطوفة على ما سبق تمهيداً لطلب الحاجة من الله التي يريدها زكريا، فبين هنا شيء آخر وهو أنه قد قربت وفاته وهو يخاف من عصبته من بعده ألا يحملوا هم الرسالة فيريد من يسوسهم إلى طريق الله سبحانه وتعالى وهذا لما يراه من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء.
- قوله: "من ورائي" أي من بعدي فإن الوراء يطلق ويُراد به ذلك كما قال النابغة:
وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَطْلَبُ أَيْ بَعْدَ اللَّهِ. فَمَعْنَى مِنْ وَرائِي مِنْ بَعْدِ حَيَاتِي.
- قوله: "وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا"
أي لا تلد فهو وصف خاص بالأنثى ولذلك جرد من علامة التأنيث، وأتي بفعل (كان) للدلالة على أنه متمكن منها ولذلك لم يرزق بالولد،
- ولما قدم هذه الأوصاف دعا الله بما يريد فقال: " فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا " أي من عندك فهو عليه السلام موقن بأن كل شيء من عند الله السبب والمسبب لا يكون شيء إلا بإرادته سبحانه وتعالى
فالله سبحانه لا يعجزه شيء، فطلب منه الولد الصالح الذي يحمل هم نشر الدعوة في الخلق من بعده وهذه ما أحسنها من نية وقد استجاب له ربه دعوته فرزقه به.

المصادر
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج.
- تفسير البغوي.
- تفسير السعدي.
- التحرير والتنوير.
- مختصر تفسير ابن كثير للصابوني.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 محرم 1438هـ/11-10-2016م, 08:16 PM
هدى مخاشن هدى مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 240
افتراضي

رسالة تفسيرية بيانية في قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
في الآية سبع مسائل بيانية:
1- لماذا قُدم المعمول{إيّاك} على العامل {نُعبد} في الآية/
2- لماذا قدمت العبادة على الاستعانة/
3- السبب في تخصيص ذكر الاستعانة رغم دخولها في العبادة/
4- لماذا عُدِل عن الإفراد في كلمة {أعبد} إلى الجمع/
5- لماذا أطلقت الاستعانة ولم تقيد بأمر كقولنا نستعين بك على أمر كذا وكذا/
6- لماذا كرر ضمير إياك في الآية/
7- لماذا انتقل الأسلوب في السورة من الغيبة إلى الخطاب في هذه الآية/
- التقديم والتأخير /
1- لماذا قُدم المعمول{إيّاك} على العامل {نُعبد} في الآية/
تقدم الضمير في الآية يفيد الحصر والاهتمام، فيثبت الحكم المراد وينفي ما عداه فيكون المعنى أي: نخصُّكَ وحدكَ بالعبادةِ؛ فإنا نعبدكَ، ولا نعبدُ غَيركَ، ونخصك بالاستعانة فنستعينُ بكَ، ولا نستعينُ بغيركَفي أمورنا كلها وهذا المعنى جاء عن ابن عباس،والمعنى الآخر قوله يأمركم الله أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم وجاء عن قتاد رحمه الله.
2- لماذا قدمت العبادة على الاستعانة/
تقديم العبادةِ على الاستعانةِمنْ بابِ تقديمِ العامِّ على الخاصِّ، ومن باب تقديم المطلب الأساسي وهي الغاية من الخلق، والاستعانة وسيلة للقيام بها، فكانت العبادة أولى بالتقديم لأن الغاية مقدمة على الوسيلة، والعبادة قسم الله وحقه فيقدم حقّ الله تعالى على حقِّ عبدِهِ وهذا فيه التأدب مع الله وتقديم حقه على حظ العبد، فإذا قدم العبد ما يستوجب رضا الله كان مظنة استجابة طلب الاستعانة، وتقديم العبادة من باب تقديم الأولى فالعبادة حظ الألوهية والاستعانة حظ الربوبية، والألوهية مقدمة على الربوبية، والعبادة أكثر مناسبة للجزاء{مالك يوم الدين} وتأخير الاستعانة عن العبادة لمناسبة الدعاء الواقع بعدها {اهدنا الصراط المستقيم} وآخر فائدة في تأخير الاستعانة هي مناسبتها لفواصل السورة.
- التخصيص والعموم/
3- السبب في تخصيص ذكر الاستعانة رغم دخولها في العبادة/
ذكر (الاستعانة)بعدَ(العبادةِ)معَ دخولِهَا فيهَا، لاحتياجِ العبدِ في جميعِ عباداتهِ إلى الاستعانةِ باللهِ تعالى، فإنَّهُ إنْ لم يعنهُ اللهُ لم يحصلْ لهُ ما يريدهُ منْ فعلِ الأوامرِ واجتنابِ النواهي فلا ينهض بالعبادة إلا بالتوكل على الله وبعونه وتوفيقه، والاستعانة علاج لغرور الإنسان وكبرياءه فهما داءين قتالين، ففي الأول البراءة من الشرك وفي الثاني البراءة من الحول والقوة.
- الجمع والإفراد/
4- لماذا عُدِل عن الإفراد في كلمة {أعبد} إلى الجمع/
الفائدة من زيادة النون في قوله نعبد هي لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، وفيه دليل على أهمية الجماعة في الإسلاموكثير من مظاهر الجماعية واضح وهذه أولها لأنها هي سورة الصلاة، وفيه تنبيه على أن الأولى بالإنسان أن يؤدي الصلاة جماعة، وأنه يسعى في إصلاح مهمات المسلمين فالمؤمنون إخوة، ففي زيادة النون إخبار الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد.
- الذكر والحذف/
5- لماذا أطلقت الاستعانة ولم تقيد بأمر كقولنا نستعين بك على أمر كذا وكذا/
حُذف إضافة أمر إلى الاستعانة حتى تكون الاستعانة أشمل وأعم وتتناول كل أمر، فهو خص الاستعانة به وعمها على كل أمر، فلو خصها في جانب لبقي حكم الجوانب الأخرى مجهول حكم الاستعانة فيها.
- التكرير/
6- لماذا كرر ضمير إياك في الآية/
تكرير إياك مع فعل الاستعانة أقوى وأدعى للاهتمام، وهي تفيد تخصيص الاستعانة بالله وحده عز وجلّ، وتعين الذات التي يستعين بها أيضا، وبالتكرير يتبين أننا نستطيع أن نأتي بالأول وبالثاني من غير إلزام بالجمع، فيُتقرب إلى الله بأحد الأمرين دون الإلزام بالجمع بينهما حال الإتيان بأحدهما.
- الالتفات/
7- لماذا انتقل الأسلوب في السورة من الغيبة إلى الخطاب في هذه الآية/
انتقلت هذه الآية من الغيبة إلى الخطاب لتقع الفائدة المعهودة من هذا الأسلوب وهي التجديد ولفت انتباه السامع وقطع الملل، فالكلام من أول السورة إلى هنا ثناء والثناء في الغيبة أولى، ومن هنا إلى الآخر دعاء وهو في الحضور أولى فتحول الأسلوب من الغيبة إلى الخطاب تمهيدًا للإقبال إلى الدعاء،غير أنه ذكر صفاته أولا فحقق حضوره سبحانه وتعالى وإحاطته بالأمور فتحول الأمر من الغيبة إلى الخطاب، والأمر الآخر أنّ الثناء على الغائب أفضل، والدعاء والطلب لا تكون إلا من حاضر، فتعين الالتفات في الأسلوب، وفي هذا الخطاب من التلطف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ إياه.
والله أعلم
المرجع/
1. التحرير والتنوير لابن عاشور
2. تيسير الكريم المنان السعدي
3. زبدة التفسير الأشقر
4. د. مساعد الطيار
5. لمسات بيانية د. فاضل السامرائي
6. تفسير الألوسي.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 محرم 1438هـ/15-10-2016م, 01:39 PM
أماني مخاشن أماني مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 176
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية في قوله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور )
الآية السابقة اشتملت على كثير من المسائل البيانية رغم وجازة ألفاظها ، ولكن ينبغي التنبه لأمر هام وهو أن القرآن وإن كانت كثير من ألفاظه تحتمل معانٍ عدة ، إلا أن هناك ما يرد بعض المعاني أو الاحتمالات اللغوية لتعارضها مع صحيح الأخبار والنقول ، وفسادها وبطلانها، فقد ضل في تأويل هذه الآية بعض الفرق واستدلوا بها على مذاهبهم الفاسدة ، وفي الآية وما يليها من الآيات ما يرد أقوالهم لمن تدبرها وتمعن في استنباط ومعرفة أسرارها .
وأما المسائل الواردة فيها فعشرة
1. الانتقال من الاستدلال إلى التخويف
2. الإظهار في مقام الإضمار
3. الاعتراض
4. الغرض من الاستفهام في الآية
5. معنى الباء في قوله تعالى (أن يخسف بكم )
6. الجمع بين السماء والأرض
7. مناسبة ذكر مور الأرض بعد خسفها
8. السر في جعل التهديد بمنزلة الحادث الواقع في الحال
9. معاني حرف الجر في (في السماء)
10. سبب تقديم الحذف على الحاصب ، على العكس من سورة الأنعام
وفيما يلي توضيح تلك المسائل وعلى الله وحده التكلان .
فأما المسألة الأولى وهي الانتقال من الاستدلال إلى التخويف:
لأنه قرر فيما سبقها من الآيات أنه المالك الخالق للأرض المنعم عليهم بتذليلها ، ومع ذلك ما قدروا الله حق قدره ، فلذلك استحقوا غضبه وعقابه بأن يصير مشيهم في مناكب الأرض إلى تجلجل في طبقاتها .
وأما المسألة الثانية : فهي الاعتراض وقد ذكر ابن عاشور أن الجملة معترضة ، ولعل الغرض منه التوبيخ والله أعلم .
أما المسألة الثالثة فإن في الآية استفهام الغرض منه الإنكار والتوبيخ والتحذير لما وقع منهم من كفر لنعم الله والإعراض عن شكرها.
وأما المسالة الرابعة : فهي الإظهار في مقام الإضمار
قال ابن عاشور:أن الإتيان بالموصول من قبيل الإظهار في مقام الإضمار ، وأن مقتضى الظاهر أن يقال أأمنتموه أن يخسف بكم الأرض; فيتأتى أن الإتيان بالموصول لما تؤذن به الصلة من عظيم تصرفه في العالم العلوي الذي هو مصدر القوى والعناصر وعجائب الكائنات .
والخامسة : فهي في معنى الباء في قوله ( بكم ) فإنها للمصاحبة ، أي يخسف الأرض مصاحبة لذواتكم .
والسادسة :أن في الجمع بين لفظتي السماء والأرض في الآية طباق، وهو الجمع بين الكلمة وضدها ، وهذا مما يزين الألفاظ والمعاني بألوان بديعة من الجمال ويحسنها .
والسابعة : مناسبة ذكر مور الأرض بعد خسفها
لأنه فرع عن الخسف المتوقع المهدد به أن تمور الأرض، فهو تفريع الأثر على المؤثر
لأن الخسف يُحدِث المور ، فإذا خسفت الأرض فاجأها المور لا محالة .
والثامنة :هي في السر في جعل التهديد بمنزلة الحادث الواقع في الحال
فإنه عبر عنه بالدال الدالة على المفاجئة ، والمفاجأة تحصل في الحال ، لا الاستقبال
والسر في ذلك أنه أريد تحقيق حصول الفعل المستقبل بمنزلة الواقع في الحال كقوله تعالى )ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) ،فكان قوله فإذا هي تمور مؤذنا بتشبيه حالة الخسف المتوقع المهدد به بحالة خسف حصل بجامع التحقق .
وحذف المركب الدال على الحالة المشبه بها ورمز إليه بما هو من آثاره ويتفرع عنه فكان في الكلام تمثيلية مكنية .
والمسألة التاسعة هي في معني حرف الجر(في) الوارد في الآية
قال القرطبي :أنها بمعنى فوق كقوله تعالى (فسيحوا في الأرض) أي : فوقها لا بالمماسة والتحيز.
وقيل : ( في ) : بمعنى على كقوله : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي : عليها .
وهذا هو الصحيح لكثرة الأحاديث والأخبار الدالة على العلو ، وما قيل من التأويلات المخالفة لهذا المعنى فهي باطلة مردودة .ذكره الشنقيطي .
(من في السماء)قال ابن جرير : هو الله تعالى ،وعزاه القرطبي لابن عباس ،
ويشهد لما قاله : ما جاء بعده من خسف الأرض وإرسال الحاصب ، فإنه لا يقدر عليه إلا الله ، كما أنه ظاهر النص ، وبهذا يرد على الكسائي فيما ذهب إليه ومن تابعه عليه كأبي حيان ، إذا قالوا : إنه على تقدير محذوف من قبيل المجاز ، ومجازه عندهم أن ملكوته في السماء أي : على حذف مضاف ، وملكوته في كل شيء ، ولكن خص السماء بالذكر ; لأنها مسكن ملائكته ، وثم عزته وكرسيه واللوح المحفوظ ، ومنها تتنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونهيه ، وهذا القول مردودٌ بما سبق تقريره .
المسألة العاشرة : سبب تقديم الخسف على إرسال الحاصب ، على العكس من سورة الأنعام
وذلك لأن آية الملك تقدّمها قوله تعالى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}(الملك) ، فكأن أنسب شيء في الموعظة تذكيره بخسفها من تحتهم.
و أما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)}فكان الأنسب للسياق أن يبدأ بالعذاب الذي يكون من السماء فقال سبحانه: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) فقدمه ثم قال (أو من تحت أرجلكم ) والله أعلم .

المراجع :
التحرير والتنوير لابن عاشور
المحرر الوجيز لابن عطية
روح المعاني للألوسي
تفسير أبي السعود
أضواء البيان للشنقيطي
أغراض الجملة الاعتراضية في القرآن "موقع الشيخ عبد الرزاق الأسمر".

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 29 محرم 1438هـ/30-10-2016م, 07:13 PM
رزان المحمدي رزان المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 255
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ((الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير )):

لما ختم الله سبحانه سورة سبأ بقوله:(( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ )) بأن أنزل المشركين منازل العذاب تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره ، افتتاحها بالحمد لله مؤذن بأن صفات من عظمة الله ستذكر فيها، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة من خلقه السماوات والأرض وأفضل ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأن السورة جاءت لإثبات التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم. وإيذان الحمد لله باستحقاق الله إياه دون غيره.
وذكر الرازي أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر، ونعم الله قسمان: عاجلة وآجلة:
- والعاجلة وجود وبقاء، والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء أخرى، وقوله تعالى:(( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ))الأنعام: 1
إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإيجاد، واستدللنا عليه بقوله تعالى: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا [الأنعام: 2] وقوله في الكهف: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف: 1] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإبقاء، فإن البقاء والصلاح بالشرع والكتاب، ولولاه لوقعت المنازعة والمخاصمة بين الناس ولا يفصل بينهم، فكان يفضي ذلك إلى التقاتل والتفاني.
فإنزال الكتاب نعمة يتعلق بها البقاء العاجل، وفي قوله في سورة سبأ:(( الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة ))[سبأ: 1] إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بالحشر، واستدللنا عليه بقوله:(( يعلم ما يلج في الأرض من الأجسام وما يخرج منها وما ينزل من السماء من الأرواح وما يعرج فيها ))[سبأ: 2] وقوله عن الكافرين:(( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي ))[سبأ: 3] وهاهنا الحمد إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة، ويدل عليه قوله تعالى: (( جاعل الملائكة رسلا )) أي يجعلهم رسلا يتلقون عباد الله، كما قال تعالى: (( وتتلقاهم الملائكة )) [الأنبياء: 103] وعلى هذا فقوله تعالى فاطر السماوات يحتمل وجهين:
- الأول: معناه مبدعها كما نقل عن ابن عباس .
- والثاني: فاطر السماوات والأرض ، أي شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض ويدل عليه قوله تعالى: جاعل الملائكة رسلا فإن في ذلك اليوم تكون الملائكة رسلا )
قال السيوطي في كتابه نظم الدرر:( لما أثبت سبحانه في التي قبلها الحشر الذي هو الإيجاد الثاني، ودل عليه بجزئيات من القدرة على أشياء في الكون، إلى أن ختم بأخذ الكفار أخذاً اضطرهم إلى الإيمان بظهور الحمد لهم أتم الظهور، وبالحيلولة بينهم وبين جميع ما يشتهون كما كانوا متعوا في الدنيا بأغلب ما يشتهون من كثرة الأموال والأولاد، وما مع ذلك من الراحة من أكثر الأنكاد، وكان الحمد يكون بالمنع والإعدام، كما يكون بالإعطاء والإنعام، قال تعالى ما هو نتيجة ذلك: {الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال إعداماً وإيجاداً {لله} أي وحده.
ولما كان الإيجاد من العدم أدل على ذلك، قال دالاً على استحقاقه للمحامد: {فاطر} أي مبتدئ ومبتدع {السماوات والأرض} أي المتقدم أن له ما فيهما بأن شق العدم بإخراجهما منه ابتداء على غير مثال سبق كما تشاهدون...))

والفطر: الابتداء والاختراع.
قال ابن عباس: كنت لا أدري ما" فاطر السماوات والأرض" حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر. حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السماوات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة.
{الحمد لله فاطر السماوات والارض}أي: مبدِعهما من غيرِ مثالِ يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيهِ من الفَطرِ وهو الشَّقُّ وقيل الشَّقُّ طولاً كأنَّه شقَّ العدمَ بإخراجِهما منه .
و قرأ الجمهور «فاطر» على صيغة اسم الفاعل، وقرأ الزهري والضحاك «فطر» على صيغة الفعل الماضي، فعلى القراءة الأولى هو نعت لله لأن إضافته محضة لكونه بمعنى الماضي، وإن كانت غير محضة كان بدلا.
· المراجع:
- تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (26/ 221)
- تفسير القرطبي (14/ 319)
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (16/ 2)
- تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (7/ 141)
- فتح القدير للشوكاني (4/ 387)
- تفسير الألوسي = روح المعاني (11/ 334).
- التحرير والتنوير (22/ 248)

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 30 محرم 1438هـ/31-10-2016م, 01:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تقويم التطبيق الخامس:


أحسنتم جميعاً بارك الله فيكم، ونفع بكم



منيرة خليفة: ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- لا أدري ما سبب اقتصارك على مسألة بيانية واحدة، وقد تضمنت الآية عدداً من المسائل البيانية.

نورة الأمير : ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- كان اعتمادك على النقل عن ابن عاشور وغيره كثيراً، والإكثار من النقل غير مستحسن في مقام التمرّن على الأساليب، وكان الأولى بك أن تستخلصي المسائل البيانية ، ثمّ تعبري عنها بأسلوبك مما فهمتيه من مجموع أقوال المفسّرين، والمداومة على هذا التمرّن يفيدك في تقوية أسلوبك البياني.


ضحى الحقيل: أ+
- أحسنت وجدت بارك الله فيك ونفع بك.
وقد تمنيت لو أنك أتممت الكلام عن مسائل بيانية لطيفة تضمنتها هذه الآية الجليلة بمثل أسلوبك فيما تكلمت عنه، ومن تلك المسائل:
1. تحرير معنى الواو واللام وقد في أوّل الآية، وبيان أثرها في تأكيد الخبر.
2. اختيار لفظ التأويب على التسبيح وغيره.
3. تأخير ذكر الطير بعد تمام الأمر في الجملة الأولى، ولم يقل: يا جبال ويا طير ..
4. إفراد الجبال بحرف النداء دون الطير.

سارة المشري: ج
- أحسنت بارك الله فيك
- أكثرت من النقل عن ابن عاشور من غير تسمية أحيانا، وهذا لا يحصل به المقصود من التدرّب، وكان الأولى أن تستخرجي المسائل البيانية أولا ثم تتفهّمي أقوال المفسّرين فيها من مصادر متعددة، وتضيفي ما استجدّ لك من المسائل ثمّ تصوغي الرسالة بأسلوبك،
ولا بأس أن تذكري من عبارات المفسّرين بألفاظهم ما يحسن نقله مع النص على ذلك، لكن لا يكن أكثر اعتمادك على النقل، لأن فهم المفسّر ولغته التعبيرية ينبغي أن يكونا ظاهرين في رسالته.

سها حطب: ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- أكثرت من النقل عن ابن عاشور من غير تسمية أحيانا، وهذا لا يحصل به المقصود من التدرّب، وكان الأولى أن تستخرجي المسائل البيانية أولا ثم تتفهّمي أقوال المفسّرين فيها من مصادر متعددة، وتضيفي ما استجدّ لك من المسائل ثمّ تصوغي الرسالة بأسلوبك، ولا بأس أن تذكري من عبارات المفسّرين بألفاظهم ما يحسن نقله مع النص على ذلك، لكن لا يكن أكثر اعتمادك على النقل، لأن فهم المفسّر ولغته التعبيرية ينبغي أن يكونا ظاهرين في رسالته.

أما أسامة: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- نقلك أثر ابن عباس من تفسير الشوكاني وهو مصدر ناقل غير جيد من حيث صناعة البحث العلمي، وكان الأولى أن تنقلي الأثر من التفاسير المسندة أو البديلة كالدر المنثور وغيره.

علاء عبد الفتاح: ج
- أحسنت بارك الله فيك
- أكثرت من النقل عن ابن عاشور من غير تسمية أحيانا، وهذا لا يحصل به المقصود من التدرّب، وكان الأولى أن تستخرج المسائل البيانية أولا ثم تتفهّم أقوال المفسّرين فيها من مصادر متعددة، وتضيف ما استجدّ لك من المسائل ثمّ تصوغ الرسالة بأسلوبك،
ولا بأس أن تذكر من عبارات المفسّرين بألفاظهم ما يحسن نقله مع النص على ذلك، لكن لا يكن أكثر اعتمادك على النقل، لأن فهم المفسّر ولغته التعبيرية ينبغي أن يكونا ظاهرين في رسالته.

هدى مخاشن: أ
- أحسنت بارك الله فيك

أماني مخاشن: ب+
- أحسنت بارك الله فيك.
- في بعض المواضع كأنّك تحاولين إعادة صياغة كلام أحد المفسّرين باستخدام ألفاظه مع تغيير يسير في ترتيب الكلام، وهذا لا يحسن، وكان الأولى بك أن تتفهّمي أقوال المفسّرين في تلك المسائل ثمّ تعبّري عنها بأسلوبك الحرّ من غير تقيّد بألفاظهم، وإذا ما احتجت إلى عبارة أحد المفسّرين لقوّتها وتركيزها وحسن دلالتها على المعنى المراد فانقليها بنصها مع التصريح باسمه.

رزان المحمدي: ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- إذا أوردت في رسالتك حديثاً أو أثراً فاذكري من رواه من أصحاب الكتب المسندة.
- نظم الدرر للبقاعي.
- أكثرت من النقل عن ابن عاشور وغيره من غير تسمية أحيانا، وهذا لا يحصل به المقصود من التدرّب، وكان الأولى أن تستخرجي المسائل البيانية أولا ثم تتفهّمي أقوال المفسّرين فيها من مصادر متعددة، وتضيفي ما استجدّ لك من المسائل ثمّ تصوغي الرسالة بأسلوبك، ولا بأس أن تذكري من عبارات المفسّرين بألفاظهم ما يحسن نقله مع النص على ذلك، لكن لا يكن أكثر اعتمادك على النقل، لأن فهم المفسّر ولغته التعبيرية ينبغي أن يكونا ظاهرين في رسالته.

تنبيهات عامة:
- ألحظ وجود خلط في بعض التطبيقات بين معنى النقل وإعادة صياغة كلام بعض المفسّرين بألفاظهم، وبين ما هو مطلوب من تفهّم أقوال المفسّرين ثم التعبير عنها بفهم الكاتب وأسلوبه بعبارات ينشئها من نفسه تدلّ على فهمه لتلك المسائل وقدرته على شرحها وتبيينها.
وأما نقل كلام المفسّر بنصّه من غير عزو أو محاولة إعادة صياغة عبارته باستخدام ألفاظه وتغيير تركيبها فهذا لا يفيد الطالب في التمرّن على الأسلوب البياني.
والتفريق بين هذين الأمرين مهمّ جداً، والخلط بينهما يوقع في إشكالات وربما إخلال بالأمانة العلمية، وقد يُتهم الكاتب بالسرقة العلمية لأن جهده كأنه محصور في أخذ عبارة المفسّر بنصها أو إجراء تعديلات يسيرة عليها ثم تضمينها في رسالته من غير عزو ، وهذا التصرّف لا يليق بطالب العلم، ولا ينفعه في تنمية ملكته التفسيرية؛ لأنه في حقيقة الأمر لم يبذل جهداً في تفهّم المسائل ولا في التعبير عنها
لكنه لو قرأ في المسألة الواحدة كلام ثلاثة من المفسّرين أو أربعة أو أكثر ثم فهم المسألة من مجموع كلامهم، ثمّ عبّر عنه بأسلوبه ولغته من غير اعتماد على ألفاظهم فهذا نافع جداً في تنمية الملك التفسيرية، ولا يعاب به طالب العلم، لأنه بذل جهدا في فهم المسألة وفي تقريبها للقارئ بأسلوبه هو وبيانه.
ولا يستغرب أن يجد الطالب صعوبة في أوّل الأمر في التعبير عن المسائل العلمية لكنّه مع مداومة التمرّن سيجد الأمر سهلاً بإذن الله، وقد يجد من نفسه القدرة في كثير من الأحيان على التعبير عن بعض المسائل قبل أن يطلّع على أقوال المفسرين فيها بسبب معرفته بطرق أهل العلم في تناول نظائر تلك المسائل، وهذه المعرفة التي تحصل لطالب العلم بالتنامي أعزّ من المعرفة التي يحصّلها بالاطلاع السريع على أقوال المفسّرين.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 30 محرم 1438هـ/31-10-2016م, 02:32 PM
ماهر القسي ماهر القسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 467
افتراضي الطالب ماهر غازي القسي

تفسير قوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين , إنا كفيناك المستهزئين )
روي في بلاغتها عن أبي عُبَيْدَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الْحجر: 94] فَسَجَدَ وَقَالَ: سَجَدْتُ لِفَصَاحَتِهِ، (وَكَانَ مَوْضِعُ التَّأْثِيرِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ كَلِمَةَ اصْدَعْ فِي إِبَانَتِهَا عَنِ الدَّعْوَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا وَالشَّجَاعَةِ فِيهَا، وَكَلِمَةَ بِما تُؤْمَرُ فِي إِيجَازِهَا وَجَمْعِهَا)

معنى الصدع
- فامض ( امضِ في أمرك واسعَ في تبليغ الرسالة ) وافرُق ( افرق وافصل بين الحق والباطل في تبليغ الرسالة ) ، فقد روي أن النبيّ مازال مستخفيا حتى نزلت (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فخرج هو وأصحابه.
كما قال أبو ذؤَيب:
وكأنَّهُنَّ رَبابَةٌ وكأنَّهُ ... يُسرٌ يُفيضُ على القِداح ويَصْدَعُ
يعني بقوله: يَصْدَع: يُفَرِّق بالقداح.
- افعل ما تؤمر ( من الجهر بتليغ الرسالة )
- اقْضِ بِمَا تُؤْمَرُ .
- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فاجهر به وأظهره. يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً، كقولك: صرح بها، من الصديع وهو الفجر، والصدع في الزجاجة: الإبانة.

صيغة الأمر تستدعي سرعة الاستجابة
تبين لنا من هذه الآية سرعة استجابة النبي صلى الله عليه وسلم للأمر فبلغ قومه رسالة ربه حين صعد على جبل الصفا وأنذرهم وحذرهم وكان متوكلاً على الله مستعينا به .

فائدة إطلاق المأمور به ليعم المراد به
فقيل بالقرآن , وقيل الجهر بالقرآن في الصلاة , والصحيح أنه يشمل هذه المأمورات وكل أمرٍ أُمِرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم .

فائدة حذف حرف الجر به
وقال تعالى ذكره: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) ولم يقل: بما تؤمر به، والأمر يقتضي الباء، لأن معنى الكلام: فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين وأذنَّا لك في إظهاره. وكان بعض نحويِّي أهل الكوفة يقول في ذلك: حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) على لغة الذين يقولون: أمرتك أمرا، وكان يقول: للعرب في ذلك لغتان: إحداهما أمرتك أمرا، والأخرى أمرتك بأمر، فكان يقول: إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء. واستشهد لقوله ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلَّب:
أمَرْتُكَ أمْرًا جازِما فَعَصَيْتَني ... فأصْبَحْتَ مَسلُوبَ الإمارَةِ نادِما (1)
فقال أمرتك أمرا، ولم يقل: أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالى: ذكره: (أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ولم يقل: بربهم، وكما قالوا: مددت الزمام، ومددت بالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام.

ما المصدرية
ومعنى "ما" التي في قوله (بِمَا تُؤْمَرُ) معنى المصدر، كما قال تعالى ذكره (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) معناه: افعل الأمر الذي تؤمر به .

فائدة الإعراض عن المشركين في هذا الموقف ومعنى هذا الإعراض
ويقول تعالى ذكره لنبييه صلى الله عليه وسلم: بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قيل أن يفرض عليه جهادهم، ثم نَسَخَ ذلك بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .
فأمره تعالى لنبيه أن يعرض عن المشركين و تحذيرهم إياه من القتل وغيره , وأن لا يتلفت لقولهم فقد حفظه الله من إيذائهم له فقال له بعدها ( إنا كفيناك المستهزئين ) وقال أيضاً ( والله يعصمك من الناس)
فجاء الأمر بالإعراض عن المشركين في غاية البلاغة لأن الأمر في وقته عند الحاجة إليه يكون له أعظم الفائدة
وَأيضاً للْإِعْرَاضُ عن المشركين له معنى آخر وهو الْإِعْرَاضُ عَنْ بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ لَا عَنْ ذَوَاتِهِمْ. وَذَلِكَ إِبَايَتُهُمُ الْجَهْرَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، وَعَنِ اسْتِهْزَائِهِمْ، وَعَنْ تَصَدِّيهِمْ إِلَى أَذَى الْمُسْلِمِينَ , وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْرَاضَ عَنْ دَعْوَتِهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ،

صيغة المأمور جاءت عامة
لحكمة بليغة وهي تبيلغ كل ما يؤمر به ولا يكتم منه شيئا , وَقَصْدُ شُمُولِ الْأَمْرِ كُلُّ مَا أُمِرَ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِتَبْلِيغِهِ هُوَ نُكْتَةُ حَذْفِ مُتَعَلِّقِ تُؤْمَرُ، فَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَحْوِ بِتَبْلِيغِهِ أَوْ بِالْأَمْرِ بِهِ أَوْ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ. وَهُوَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ.

وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِعْلَانِ بِمَا أُمِرَ بِهِ، أي اعتمد على الله وبلغ رسالته جهارا نهاراً ولا تخش منهم أحداً فالله هو كافيك وهو حسبك .

وصف المشركين بالمستهزئين
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِوَصْفِ الْمُسْتَهْزِئِينَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَفَاهُ اسْتِهْزَاءُهُمْ وَهُوَ أَقَلُّ أَنْوَاعِ الْأَذَى، فَكِفَايَتُهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ مِنَ الْأَذَى مَفْهُومٌ بِطْرِيقِ الْأَحْرَى ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [سُورَة آل عمرَان: 111] ، فَقَدْ صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يُؤْذُوا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ. وَذَلِكَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ويسمى هذا الأسلوب في علم الجدل إعمال المفهوم وفي علم الأصول فحوى الخطاب ( مفهوم الموافقة ) وهو أسلوب بلاغي يدل على انه كفاه أدنى شيء يصدر من المسركين وهو الاستهزاء فهذا يدل على أنه كفاه ما هو أعظم منه من الإيذاء والقتل وغير ذلك

استعمال إنَّ للتأكيد
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِهِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ لَا لِلشَّكِّ فِي تَحَقُّقِهِ , فهو صلى الله عليه وسلم يتأتي منه الشك أبداً كما قال له تعالى في آية اخرى ( فإن كنت في شك مما أنزل إليك )

استخدام صيغة الجمع في كلمة المستهزئين
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ كَفَيْنَاك كل مستهزء , وهذا عام إلى يوم القيامة فما يأتي مستهزء إلا ويقصمه الله تعالى وينتقم منه شر انتقام .

معنى الكفاية
وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ تَوَلِّي الْكَافِيَ مُهِمَّ الْمَكْفِيِّ، فَالْكَافِي هُوَ مُتَوَلِّي عَمَلٍ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَبْتَغِي رَاحَةَ الْمُكْفَى. يُقَالُ: كَفَيْتُ مُهِمَّكَ، فَيَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ ثَانِيهِمَا هُوَ الْمُهِمُّ الْمَكْفِيُ مِنْهُ. فَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فَإِذَا كَانَ اسْمَ ذَاتٍ فَالْمُرَادُ أَحْوَالُهُ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَقَامُ، فَإِذَا قُلْتَ: كَفَيْتُكَ عَدُوَّكَ، فَالْمُرَادُ: كَفَيْتُكَ بَأْسَهُ، وَإِذَا قُلْتَ:
كَفَيْتُكَ غَرِيمَكَ، فَالْمُرَادُ: كَفَيْتُكَ مُطَالَبَتَهُ.
فَلَمَّا قَالَ هُنَا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ كَفَيْنَاكَ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ وَإِرَاحَتُكَ مِنَ اسْتِهْزَائِهِمْ. وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِصُنُوفٍ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَعُدَّ مِنْ كُبَرَائِهِمْ خَمْسَةٌ هُمُ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَالْحَارِثُ بن عَيْطَلَةَ وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، هَلَكُوا بِمَكَّةَ مُتَتَابِعِينَ، وَكَانَ هَلَاكُهُمُ الْعَجِيبُ الْمَحْكِيُّ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ صَارِفًا أَتْبَاعَهُمْ عَنْ الِاسْتِهْزَاءِ لِانْفِرَاطِ عِقْدِهِمْ , وهكذا عبر التاريخ فما حاول إنسان الاستهزاء بمقام النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانت نهايته وخيمة فهذا مؤسس حركة البهائية ادعى النبوة مات ورأسه في منكس في حفرة الغائط في الحمام .

وفي الآية كناية عن أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقيم في مكة ولا يهاجر حتى ياتيه أمر جديد

أَيْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُقِيمَ عَلَى التَّبْلِيغِ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ لَوْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ لَانْقَطَعَتِ الدَّعْوَةُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَتُهُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ رُخْصَةً لَهُمْ إِذْ ضَعُفُوا عَنْ دِفَاعِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ دِينِهِمْ وَلَمْ يُرَخَّصْ ذَلِكَ لِلنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

تم عمل هذا البحث من التفاسير التالية
التحرير والتنوير
البغوي
الطبري

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir