2: القراءات المرويّة في قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ومعنى الآية على كل قراءة.
القراءات في قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} وقوله: {إن الدين عند الله الإسلام}:
القراءة الأولى: بفتح ألف (أنه) في قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} وكسر ألف (إن) في قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}
قرأ بها القراء السبعة ما عدا الكسائي، ذكره ابن مجاهد في السبعة في القراءات، وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات السبعة، وذكر أبو بكر بن مهران في المبسوط في القراءات العشر أنها قراءة العشرة ما عدا الكسائي.
ومعنى الآية على هذه القراءة:
أن الشهادة واقعة على قوله: (أنه لا إله إلا هو)، وجملة (إن الدين عند الله الإسلام) استئناف لكلام جديد، فيه إخبار من الله عز وجل أنه لا يقبل من عبد دينا إلا دين الإسلام.
القراءة الثانية: بفتح همزة أن المخففة، وحذف الضمير في قوله: {شهد الله أنْ لا إله إلا هو}، وكسر همزة إن في قوله: {إن الدين عند الله الإسلام}
وهي قراءة عبد الله بن مسعود، رواها ابن أبي داوود في المصاحف عن محمد بن يحيى عن خلاد بن خالد بن يزيد عن حسين الجعفي عن الأعمش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
قال أبو حيان - كما في معجم القراءات لدكتور عبد اللطيف الخطيب-: «ففي هذه القراءة يتعيَّن أن يكون المحذوف ﺇذا خفُفَتْ ضمير الشأن: لأنها ﺇذا خفُفَتْ لم تعمل في غيره ﺇلا ضرورة، وﺇذا عملت فيه لَزِمَ حذفُه»
فيكون معنى الآية على هذه القراءة بنفس معنى القراءة الأولى.
القراءة الثالثة: بفتح ألف (أنه) في قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} وفتح ألف (إن) في قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، قرأ بها الكسائي وحده، ذكره ابن مجاهد في السبعة في القراءات، وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات السبعة، وأبو بكر بن مهران في المبسوط في القراءات العشر.
قال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات وعللها:
" أخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى في قول الله جلّ وعزّ: (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام) بكسر الألف، وعليه القراء من أهل الأمصار إلا الكسائي فإنه فتح (أنّ) اعتبارا لقراءة ابن مسعود وابن عباس من غير أن يكون عنده فيها حجة حكاية عن أحد من السلف، غير أنه قال في قراءة عبد الله (أنّ الدّين عند اللّه الإسلام): وهذا دليل على وقوع الشهادة على أن شهد الله بإنه لا إله إلا هو، وبأن الذين عند الله الإسلام". اهـ
وقراءة ابن عباس بكسر (أن) ألأولى، وفتح الثانية واستدل بها هنا لأن فيها إيقاع الشهادة على الجملة الثانية كما في قراءة الكسائي.
وتوجيه هذه القراءة:
الأول: أن جملة (أن الدين عند الله الإسلام) بدل من جملة (أنه لا إله إلا هو)؛ فتكون الشهادة واقعة على كلمة التوحيد، وعلى معنى أن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام، قاله ابن خالويه وأبو علي الفارسي، وابن زنجلة.
وأجاز أبو علي أن يكون البدل بدل كل من كل؛ لأن دين الإسلام هو الشهادة بالتوحيد، أو بدل اشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والقيام بالقسط.
ويشهد لهذا المعنى ما رواه ابن جرير الطبري من طريق أسباط عن السدي أنه قال: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة} إلى: {لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم} فإنّ اللّه يشهد هو والملائكة والعلماء من النّاس أنّ الدّين عند اللّه الإسلام.
الثاني: بدل من القسط في (قائما بالقسط)، قاله أبو علي الفارسي.
الثالث: على تقدير واو عطف محذوفة قبل (أن الدين عند الله الإسلام)؛ قاله ابن جرير الطبري في تفسيره.
ويكون المعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عنده الإسلام، وضعف ابن عطية في تفسيره هذا الوجه.
القراءة الرابعة: كسر الهمزة من (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وفتح الهمزة في قوله: (إن الدين عند الله الإسلام)، وهي قراءة ابن عباس، كما قال الفراء في معاني القرآن، وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات وعللها، وابن جرير الطبري في تفسيره.
ونسبها أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر للحسن.
وتوجيه هذه القراءة على أقوال:
الأول: جملة (إنه لا إله إلا هو) جملة اعتراضية، والشهادة واقعة على جملة (أن الدين عند الله الإسلام)، قاله ابن جرير الطبري وابن عطية.
قال الفراء في معاني القرآن: (وقرأ ابن عباس بكسر الأوّل , وفتح {أن الدين عند الله الإسلام}, وهو وجه جيد؛ جعل {أنّه لا اله إلاّ هو} مستأنفة معترضة -كأنّ الفاء تراد فيها - , وأوقع الشهادة على "أن الدين عند الله", ومثله في الكلام : قولك للرجل: أشهد - إني أعلم الناس بهذا - أنّك عالم، كأنك قلت: أشهد - إني أعلم بهذا من غيري - أنك عالم. وإذا جئت بأنّ قد وقع عليها العلم, أو الشهادة, أو الظن , وما أشبه ذلك كسرت إحداهما, ونصبت التي يقع عليها الظنّ , أو العلم, وما أشبه ذلك؛ نقول للرجل: لا تحسبن أنك عاقل؛ إنك جاهل؛ لأنك تريد : فإنك جاهل، وإن صلحت الفاء في إن السابقة كسرتها , وفتحت الثانية, يقاس على هذه ما ورد).اهـ
وبنحو قول الفراء دخول الباء على (إنه) أي: شهد الله بإنه لا إله إلا هو، قاله أبو العباس محمد بن يزيد المبرد - كما نقل عنه أبو جعفر النحاس في معاني القرآن-، وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات.
الثاني: أن شهد بمعنى قال؛ فكُسرت همزة إن بعده، قاله أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر.
قال دكتور عبد اللطيف الخطيب في معجم القراءات: (ويؤيده ما نقله المؤرج أن «شهد» بمعني «قال» لغة قيس بن عيلان).
القراءة الخامسة: {شُهداءَ الله}، بضم الشين وفتح الهاء، ممدودة، على وزن فعلاء، وهي قراءة أبي المهلب، وهو عم محارب بن دثار، وذكرها أبو الفتح بن جني الموصلي في المحتسب، ووجهها على أنها منصوبة على الحال من الضمير في المستغفرين في الآية السابقة: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}
أي يستغفرونه شهداء لله أنه لا إله إلا هو.
قوله تعالى: {قائمًا بالقسط}:
قراءة الجمهور: قائمًا: على الحال من فاعل شهد.
قال الفراء: أنه منصوب على القطع؛ لأنه نكرة نُعت به معرفة وهو لفظ الجلالة (الله) في (شهد الله).
ونقل ابن جرير الطبري قولا نسبه لنحويي البصرة، أنها حال من هو في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}
ثم رجح الأول فقال: ( وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندي قول من جعله قطعًا على أنّه من نعت اللّه جلّ ثناؤه، لأنّ الملائكة وأولي العلم معطوفون عليه، فكذلك الصّحيح أن يكون قوله قائمًا حالاً منه) اهـ.
قرأ ابن مسعود: {القائم بالقسط}، ذكرها الفراء في معاني القرآن وابن جرير الطبري في تفسيره.
والمعنى: شهد الله القائمُ بالقسط أنه لا إله إلا هو؛ فيكون (القائم) صفة للفظ الجلالة الله عز وجل، والشهادة واقعة على كلمة التوحيد، قال بهذا المعنى الفراء في معاني القرآن، وابن جرير الطبري في تفسيره.
وقيل خبر مبتدأ محذوف (هو القائم)، قاله دكتور عبد اللطيف الخطيب في معجم القراءات.
ونقل قولا آخرا عن الزمخشري أنه بدل من «هو» في قوله {شهد الله أنه لا إله إلا هو}، قال: (وتعقبه أبو حيان).
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.