تمهيد
ما دوّنه التابعون من كتب وصحف في التفسير كان بمثابة الركيزة الأولى لتدوين التفسير، ثم ازداد تدوين التفسير في زمان تابعي التابعين كثرة وتنوّعاً.
- فكثر رواةُ النسخ التفسيرية عن بعض مفسّري التابعين، حتى تعسّر تقصّي رواياتهم، واشتهر بعضها فعُني به أهل العلم.
- وكثرت الصحف التي فيها تعليقات مسائل عن أكثر من مفسّر.
- واشتهر التصنيف في التفسير بالجمع بين مصادر متعددة كما فعل مقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان، وابن جريج، وسفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن وهب، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سلام، وعبد الرزاق، وغيرهم.
وهذا النوع وإن كانت له بدايات في زمن صغار التابعين كما فعل السدّي وابن إسحاق، إلا أنّه في زمن تابعي التابعين أكثر وأظهر.
وهذا التدوين والتصنيف كان ممهّداً لنوع من الجمع والتصنيف والموازنة بين الأقوال نهض به جماعة من المفسرين في القرن الثالث والرابع.
ومن المعلوم البيّن أنّ عدد تابعي التابعين كان أضعاف عدد التابعين؛ كما أنّ عدد التابعين كان أضعاف عدد الصحابة رضي الله عنهم، فإذا علمتَ أن الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان، وأنّ التابعيَّ هو من رأى صحابياً ومات على الإسلام، وأنّ تابعَ التابعي هو من رأى تابعياً ومات على الإسلام تبيّن لك بذلك تضاعف أعداد تابعي التابعين أضعافاً كثيرة على عدد التابعين.
وهم وإن كان اشتغال كثير منهم بالغزو والجهاد والعبادة وغير ذلك إلا أن هذه النسبة كان لها أثر كبير في ازدياد المقبلين على طلب العلم وتحصيله وتدوينه وروايته.
وكان بعض الخلفاء والولاة والوزارء يستوفدون العلماء من أمصار شتى للتعليم والإفتاء والقضاء، وكانت لهم حظوة ظاهرة، ومكانة سامية في دول الإسلام في ذلك القرن، حتى كان لكثير من الأئمة مستملون ومبلّغون، وكانت مجالس الإملاء لبعض تابعي التابعين يحضرها نحو عشرة آلاف أو أكثر؛ فلو قيل على سبيل التنزّل: إن الذين كانوا يكتبون عُشرَ هذا العدد، ثمّ قيل بمثل هذه النسبة على عدد من الأمصار؛ لتبيّن للناظر أنّ الذي وصل إلينا بالرواية قليل النسبة جداً إلى ما كُتب في حقيقة الأمر.
ومع ذلك فقد بقي بحمد الله من العلم في أبواب الدين كافّة ما فيه كفاية لمن وفقه الله وأعانه.
والمقصود التنبيه إلى أنّ ما تداوله العلماء بالرواية واعتنوا به من كتب التفسير ليس هو كلّ ما كتب في التفسير من النسخ والصحف التفسيرية، وإنما توخّيت في هذا الباب ذكر أشهر النسخ، وخاصة ما كان من مصادر أصحاب التفاسير المسندة.
ومما ينبغي أن يُعلم أنّ جماعة من تابعي التابعين بقوا إلى أوائل القرن الثالث، بل منهم من بقي إلى قريب من منتصف القرن الثالث كحال هشام بن عمار الدمشقي(ت:245هـ) راوي قراءة عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي(ت:245هـ) قاضي الأردن وفلسطين وصاحب الكتب المؤلفة في التاريخ وغيره، فإنهما رويا عن معروف بن عبد الله الخيّاط، وكان من آخر التابعين موتاً بالشام.
على أنّ بعض من مات في أوائل القرن الثالث لا يُعرف لهم سماع من أحد من التابعين.
وسأذكر في هذا الباب – إن شاء الله - ما تيسّر لي الوقوف على ذكره من التدوينات المشتهرة عن تابعي التابعين في التفسير على اختلاف أنواعها.