فضل حامل القرآن ومتعلمه ومعلمه
وما يطالب به حملة القرآن، وكيف كان قراء السلف
والصدر الأول
حدثني الغزنوي بالإسناد المقدم إلى أبي عيسى رحمه الله قال، حدثنا محمود بن غيلان، نا أبو داود الطيالسي، نا شعبة وهشام عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن فاستظهره، فأحل حلاله وحرم حرامه، أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار)).
وحدثني أبو المظفر الجوهري رحمه الله، بإسناده إلى النسائي قال، أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، نا خالد عن شعبة، أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من علم القرآن وتعلمه)) وقال أنا عبيد الله بن سعيد، نا يحيى عن شعبة وسفيان قالا، نا علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال شعبة: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وقال سفيان: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
ومن طريق الغزنوي، رحمه الله، قال أبو عيسى، نا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، أنبأنا شعبة قال، أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم
[1/101]
من تعلم القرآن وعلمه))، قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.
وعلم القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج بن يوسف. هذا حديث حسن صحيح.
حدثنا محمود بن غيلان، نا بشر بن السري قال، نا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم – أو أفضلكم – من تعلم القرآن وعلمه)) هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو عيسى، قال محمد بن بشار: وأصحاب سفيان لا يدركون فيه غير سفيان عن سعد بن عبيدة قال محمد بن بشار: وهو أصح. وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكان بحديث سفيان أشبه وأصح.
بإسناده عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول {الم} حرف، ولكن (ألف)، و(لام) حرف، و(ميم) حرف)). هذا حديث حسن صحيح.
وروي عن الحسن أنه أجاز أن يعلم المقرئ أولاد المشركين القرآن. قال أبو عبيد، حدثني يزيد عن حماد بن سلمة عن حبيب المعلم قال، سألت الحسن قلت: أعلم أولاد أهل الذمة القرآن؟ قال نعم، أو ليس يقرءون التوراة والإنجيل،
[1/102]
وهما من كتاب الله عز وجل. وقال أبو عبيد، قال عباد: سألت أبا حنيفة عن ذلك فقال: لا بأس أن تعلمه القرآن صغيرا وكبيرا.
وقد روى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافروا بالقرآن، فإني أخاف أن يناله العدو)). ففي هذا الحديث ما يمنع ما ذهب إليه الحسن وغيره، لأن ذلك يؤدي إلى أن يمسه الكافر. وإذا كان المسلم لا يمس القرآن وهو محدث؛ فكيف يجوز أن يعلمه المشرك فيكتبه. وإذا كان المسلم الجنب لا يقرأه؛ فكيف يجوز أن يقرأه الكافر.
قال أبو عبيد، وحدثنا عبد الله بن صالح عن الهقل بن زياد عن معاوية ابن يحيى الصدفي قال: حدثني الزهري قال: حدثني عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي: تلقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعسفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة. فسلم على عمر فقال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ فقال نافع: استخلفت عليهم يا أمير المؤمنين ابن أبزى. فقال عمر: وما ابن أبزى؟ فقال نافع: هو من موالينا يا أمير المؤمنين. فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟! فقال: يا أمير المؤمنين: قارئ لكتاب الله تعالى، عالم بالفرائض.. فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله سبحانه وتعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين)).
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، يرضى برضاه، ويسخط بسخطه".
[1/103]
وقال عبد الله بن مسعود رحمه الله: "إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وإن أدب الله عز وجل القرآن". وعن محمد بن كعب القرظي قال: "كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة اللون".
قال أبو عبيد: ولا أرى هذا إلا للخلال التي تكون في قراء القرآن مما يروى من صفاتهم عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو – نعني قول عبد الله بن مسعود: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. قال المسيب بن رافع – وأحسبه قال: وبحزنه إذا الناس يفرحون".
وقول عبد الله بن عمرو: "من جمع القرآن فقد حمل أمرا عظيما، وقد استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه. ولا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد فيمن يجد، ولا أن يجهل فيمن يجهل وفي جوفه كلام الله عز وجل".
وعنه "فقد اضطربت النبوة بين جنبيه، فلا ينبغي أن يلعب مع من يلعب، ولا يرفث مع من يرفث، ولا يتبطل مع من يتبطل، ولا يجهل مع من يجهل".
قوله: أن يجد فيمن يجد: يريد – والله أعلم – ما يجد الناس فيه من أمور الدنيا، أو لا يتعاظم.
وقال سفيان بن عيينة: من أعطي القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن؛ فقد خالف القرآن. ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك
[1/104]
سبعا من المثاني والقرآن العظيم}، {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} قال: يعني القرآن.
قلت: يريد بقوله يعني القرآن: أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من الدنيا.
قال: وقوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليهم لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} قال: وقوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} قال: هو القرآن.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنفق عبد من نفقة أفضل من نفقة في قول)).
وعن شريح أنه سمع رجلا يتكلم فقال: أمسك عليك نفقتك.
قال أبو عبيد: جلست إلى معمر بن سليمان النخعي بالرقة، وكان خير من رأيت، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له لو أتيته فكلمته فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم فأكرمتهما عن ذلك. قال أبو عبيد: وحدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يتلوا الآية عند الشيء يعرض من أمر الدنيا. قال أبو عبيد: وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه، أو يهم بالحاجة فتأتيه من غير طلبه، فيقول كالمازح: {جئت على قدر يا موسى}. وهذا من الاستخفاف بالقرآن.
ومنه قول ابن شهاب: لا تناظر بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبيد: يقول لا تجعل لهما نظيرا من القول ولا الفعل.
[1/105]