دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 15 شوال 1440هـ/18-06-2019م, 07:32 PM
عصام عطار عصام عطار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 454
افتراضي

( الأسلوب الاستنتاجي )

¤ - قال اللّه تعالى: { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها إنّ الإنسان لَظلوم كفّار } « إبراهيم 34 » .
¤ - قال اللّه تعالى: { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها إنّ اللّه لغفور رحيم } « النحل 18 » .

بسم اللّه الرحمن الرحيم والحمد للّه وكفى، وسلام على عبده المصطفى، ونبيّه المُجتبى، صلى اللّه عليه وسلم؛ أما بعد :
إنّ نِعَم اللّه سبحانه وتعالى لاتُعد ولاتُحصى، والإنسان في هذه الدنيا يتقلّب في نِعَم اللّه، وإذا تحدّثنا عن نِعَم اللّه وكيف يتعامل معها المسلم فإنّنا أمام قواعد في التعامل مع هذه النِعَم، من أهمها ماقاله الإمام ابن كثير رحمه اللّه في تفسير الآية : « ثمّ نبّههم على كثرة نِعَمه عليهم وإحسانه إليهم فقال: { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها إنّ اللّه لغفور رحيم }، أي : وإن تعدّوا نِعَم اللّه، وتحاولوا حصرها لن تطيقوا ضبط عددها ولو إجمالاً، فضلاً عن أن تستطيعوا القيام بشكرها؛ لكثرتها وتنوعها، فإنّ العبد مهما أتعب نفسه في طاعته، وبالغ في شكران نِعَمه فإنّه يكون مقصّراً، فإنّ نِعَم اللّه كثيرة، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها، ومن ثم يتجاوز اللّه سبحانه وتعالى ذلك التقصير، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: { إنّ الله لغفور رحيم }، أي لستور؛ يستر عليكم ويتجاوز عن تقصيركم في القيام بشكرها، { رحيم }، أي كثير الرحمة بكم، عظيم النعمة عليكم، لايقطعها عنكم لتفريطكم، فيفيض نِعَمه عليكم مع استحقاقكم للقطع والحرمان، بسبب ماأنتم عليه من أصناف الكفر والعصيان، ولايعاجلكم بالعقوبة على فعلها، وتقديم وصف المغفرة على نعت الرحمة؛ لقدم التخلية على التحلية، ولو تأمّلنا في هاتين الآيتين الكريمتين وتمعّنا بتفسيرها لوجدنا الكثير من الفوائد والتأمّلات التي تجعل العبدَ خاضعاً إلى أوامره تعالى، شاكراً لأنعمه، معترفاً بعجزه وضعفه، ومن هذه التأملات والفوائد العظيمة:

• إرشاد العباد إلى طلب النِعَم والتزود منها من اللّه عزّ وجل، لامن أحد سواه .
• إنّ اللّه قد أسبغ نِعَمه على جميع خلقه وعباده؛ فمنها الظاهرة ومنها الباطنة، ومنها الجليّة ومنها الخفيّة، ومنها المجملة ومنها المفصّلة، قال تعالى: { .. وأسبغ عليكم نِعَمه ظاهرة وباطنة .. } .
• إنّ هذه النِعَم ليس لأحد أن يحصيها غیر اللّه سبحانه وتعالى؛ لكثرتها على العباد، وجهلهم بها .
• تدبير بَدَن الإنسان على الوجه الملائم؛ ليتسنّى له التنعّم بهذه النِعَم؛ لأنّه لو ظهر في بَدَنه أدنى خلل وأيسر نقص، لنغّص عليه هذه النِعَم، ولَبذَل الغالي والرخيص وكل مايملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل والنقص .
• الحثّ على التفكّر والتدبر ومطالعة الآلاء والنِعَم الكثيرة والمتنوعة التي لا نستطيع إحصاءها، ولانطيق عدّ أنواعها؛ وذلك لأنها تورث محبّة اللّه عزّ وجلّ؛ لأنّ القلوب مجبولة علی حبّ مَن أنعم وأحسن إليها، وبُغض مَن أساء إليها، ولاأحد أعظم نِعَماً وإحساناً من اللّه عزّ وجلّ، فإنّ نِعَمه وإحسانه على عباده في نَفَس ولحظة، وهو يتقلّب فيها في جميع أحواله .
• إنّ النِعَم ليست فقط فيما يوهَب للإنسان؛ بل قد تكون أيضاً فيما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى .
• ذمّ الإنسان بكونه كفوراً غير شكور، قال تعالى: { إنّ الإنسان لظلوم كفّار }، وهذا الوصف متعلق بالإنسان؛ وذلك تنبيهاً على أنّ الإنسان في محل التقصير في شكر تلك النِعَم؛ ولكي يؤمن ويستقيم علی أمر اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلى اللّه عليه وسلم كما يجب .
• إنّ طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم ومجترئ على المعاصي، مقصّر في حقوق ربّه،،كفّار لِنعم اللّه، وظلمه وهو جحوده للنّعم التي أنعم اللّه عليه، وترك الطاعة لغير مَن أنعم عليه، وصرف العبادة لغير اللّه سبحانه وتعالى، فهو لايشكرالنِعمة، ولايعترف بها إلّا مَن هداه اللّه؛ فشَكَر نِعَمه، وعرف حقّ ربه وقام به .
• إنّ من رحمة المُنعم عزّ وجلّ علینا أنّه يغفر لنا تقصيرنا في أداء شكر نِعَمه، ويرحمنا ببقائها في شكرها؛ وذلك لضعفنا، وعجزنا، وعدم المواظبة على القيام بذلك، ولو أنّه عذّبنا لعذّبنا وهو غير ظالم لنا، ولكنّ اللّه سبحانه وتعالى غفور رحيم؛ يغفر الكثير، ويجازي على اليسير، قال تعالى تعالى { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها إنّ اللّه لغفور رحيم } .
• التنبيه إلى الشكر وبيان أهميته، وأنّه من أعظم الأسباب لاستدامة النِعَم .
• الحثّ على شُكر اللّه عزّ وجلّ على نِعَمه التي لا تُعدّ ولاتُحصى، كما كان يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: [ اللّهم لك الحمد غير مكفي، ولامودّع، ولا مستغنى عنه ربنا ] .
• سعة فضله سبحانه وتعالى، وعِظَم وتجلّي آثار كمال رحمته في خلقه وهدايتهم وإنعامه عليهم،فهو ينعم على المطيع والعاصي، والمؤمن والكافر، ومع ذلك تُنسب إلى غيره، وهو المستحقّ وحده دونما سواه لذلك، قال تعالى: { ... إنّه لغفور رحيم } .
• إنّ المُنعِم عزّ وجلّ علينا بكل هذه النِعَم هو الموصوف بصفات العظمة والكمال والعزّة والجلال .
• أنّه بمقدار كثرة النِعَم يكثر الكافرين بها؛ إذ أعرضوا عن عبادة المُنعم، وعبدوا مالايُغني عنهم شيئاً، وأما المؤمنون فلا يعبدون غيره سبحانه وتعالى، ولايجحدون نِعَمه .
• إنّ من بدائع اللغة العربية في هذه الآية؛ وهو أن يكون مدلول المفرد أكثر من الجمع؛ لأنّ دخول الجمع يشعِر بالتحديد والتقييد بعدَد، إنّما الإفراد يُشعِر بالمسمى مطلقاً من غير تحديد؛ فالإفراد هنا أكمل وأكثر معنى من الجمع، ولهذا كان قول اللّه تعالى: { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها .. } أعمّ وأتمّ معنى من أن يُقال : وإن تعدّوا نِعَم اللّه لاتُحصوها .. } .
• إنّ هذه النّعمة عامة ليس لأحد أن ينزّلها على نعمة دون الأخرى؛ لأنّ « نعمة » هنا مفرد، والمفرد إذا كان اسم جنس وأُضيف إلى معرفة فإنّه يعمّ .
¤ ونستنتج من هاتين الآيتين الكريمتين بعض الفوائد اللغوية منها :
- فائدة الفرق بين ختم الآيتين : { إنّ الإنسان لظلوم كفّار } والآية : { إنّ اللّه لغفور رحيم }؛ وذلك لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قدّم قوله : { ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفراً .. } وذكر بعده : { وجعلوا للّه أنداداً } فكان ذلك نصاً على مافعلوه من القبائح من كفران النعمة والظلم الذي هو الشرك بجعل الأنداد للّه تعالى، ناسب أن يختم الآية هنا بذم مَن وقع ذلك منه، أما في سورة النحل، فلما ذكر فيها عدة تفضلات وأطنب فيها، وقال بعد ذلك: { أفمن يخلق كمن لايخلق .. } أي: أفمن أوجد تلك النِعَم السابق ذكرها، كمن لايقدر على الخلق، ناسب أن يذكر هنا وهناك من تفضلاته اتصافه بالعذاب والرحمة تحريضاً على الرجوع إليه .
- أيضاً من الفوائد اللغوية في قوله تعالى: { وإن تعدّوا نعمة اللّه لاتُحصوها .. }، يُقال أحصاه : أي عدّه، والأصل: أنّ الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد وُضِع له حصاة ليحفظه بها، ثم استؤنف العدد، والمعنى لا توجد له غاية فتُوضع له حصاة، وهذه الجملة تذكير إجمالي بنِعَمه تعالى، فلو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ماأنعم اللّه به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولاأمكنه أصلاً؛ فكيف بماعدا ذلك من النِعَم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها .
¤ - وقال أحد الشعراء مُعبّراً عن شكره للّه :
• لو كان جارحة مني لغة تثني عليك بماأثنيت من حسن .
• لكان مازاد شكري إذ شكرت به إليك أبلغ في الإحسان والمِنَن .
¤ وقال بعض الحكماء مشيراً إلى عِظَم نِعَم اللّه تعالى: إنّ أي جزء من البَدَن إذا اعتراه الألم، نغّص على الإنسان النِعَم، وتمنى لو ينفق الدنيا - لو كانت في ملكه - حتى يزول عنه ذلك الألم، واللّه سبحانه وتعالى هو يدبّر جسم الإنسان على الوجه الملائم له، مع أنّ الإنسان لاعلم له بذلك، فكيف يطيق حصر نِعَمه عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكّن من شكر أدناها .
&- اللهم إنّا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلّا أنت، ومما علمناه شُكراً لايحيط به حصر ولايحصره عدّ، وعدد ماشكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان، اللهم ربنا نواصينا بيدك ، خاضعة لعِظم نِعمك، معترفة بالعجز عن تأدية الشكر لشيء منها، ولانطيق التعبير بالشكر لك فتجاوز عنا، لانحصي ثناء عليك أنت كماأثنيت على نفسك، واغفر لنا، وأسبل ذيول سترك على عوراتنا، وإلّا نهلك لنقصيرنا في شكر نِعَمك، فكيف بما فرط منا في الائتمار بأوامرك، والانتهاء عن مناهيك؟! فالحمد لله الذي لايؤدّي شكر نعمة من نِعَمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤدّيها شكره بها .

المراجع :

- تفسير السعدي .
- تفسير ابن كثير .
- تفسير الأشقر .
- تفسير البغوي .
- تفسير فتح القدير « الشوكاني » .
- تفسير حدائق الروح والريحان « محمد الأمين الأُرمي الهرري »
- تفسير المراغي
- روح البيان .

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir