دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 محرم 1441هـ/29-09-2019م, 11:46 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

3. إعراب {إن هذان لساحران}

النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ:من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، وبحر العلوم للسمرقندي وتفسير القرآن لابن أبي زمنين وتفسير السمعاني والهداية لمكي بن أبي طالب، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي وغيرها.
ب:ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة و معاني القرآن للأخفش الأصغر ومعاني القرآن للزجاج، وإعراب القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
ج:ومن كتب المرتبة الثانية: لم أجد ذكرا لهذه المسألة في غريب القرآن لابن قتيبة، ولا فيي ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، أوتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب وغيرها من كتب هذه المرتبة ؛ نظرًا لأن هذه الكتب في بيان الألفاظ والله أعلم.
د:ومن كتب المرتبة الثالثة: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد والكتاب لسيبويه والأصول في النحو لابن السراج والمقتضب للمبرّد وغيرهم.
هـ:ومن كتب المرتبة الرابعة: المحرر الوجيز لابن عطية و الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور وغيرهم.
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قال ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ):
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقرأته عامة قرّاء الأمصار ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: "إن" خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأى ... مَساغا لِناباه الشُّجاعُ لصَمما
قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلا أقيس، لأن العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثتعنأبيعُبيدةمعمربنالمثنى،قال: قالأبوعمرووعيسىبنعمرويونس: إنهذينلساحرانفياللفظ،وكتبهذانكمايريدونالكتاب،واللفظصواب،قال: وزعمأبوالخطابأنهسمعقومامنبنيكنانةوغيرهم،يرفعونالاثنينفيموضعالجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز "إن هذان لساحران"، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فإنّي وَقيار بِهَا لَغَرِيبُ
وقوله:
إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ
قال: ويقول بعضهم: إن الله وملائكته يصلون على النبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنَّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، قال: وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها، قال: ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل، قال:
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون "إن" فلا بدّ له من أن يدخل "إلا" فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ﴿إنّ﴾ بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن. (جامع البيان)
قال السمرقندي (٣٧٣ هـ):
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص إِنْ هذانِ بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، وقرأ الباقون أن بالنصب والتشديد هذانِ لَساحِرانِ بالتخفيف. وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا، ورأيت في مصحف عثمان رضي الله عنه بهذا اللفظ إن هذين لساحران إنّ هذين ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء. وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية: الرفع مكان النصب وقال القائل:
أَي قلوص راكب تراها ... طاروا علاهن فطر علاها
وقال آخر:
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بلغا في المجد غَايَتَاهَا
وقال آخر:
فَمَنْ يك أمسى بالمدينة رَحْلُه ... فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ
وروى وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قالوا: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء إنّ هاذان لساحران وإنّ هاذين لساحرين سواء. وفي مصحف عبد الله إنّ هاذان ساحران وفي مصحف أبي إِنْ هذان إلّا ساحران. ( بحر العلوم)
قال ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ):
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: ﴿هَذَانِ﴾ بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ( تفسير القرآن العزيز)
قال الثعلبي (٤٢٧ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ
قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء: إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ وَالْمُقِيمِينَ وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. ( الكشف والبيان)
قال مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ):
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗نالالعُليوشقىالخليلالغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗يلحيننيوألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗وقدكبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗منجوىحبهنإناللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗مساغاًلناباهالشجاعلصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗رأسهتلقىالعظاممنالفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. ( الهداية إلى بلوغ النهاية)
قال السمعاني (٤٨٩ هـ):
اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مشكلة فِي الْعَرَبيَّة، وفيهَا ثَلَاث قراءات:
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد) ، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد ... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح ... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة. ( تفسير القرآن)
قال ابن الجوزي (٥٩٧ هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾،
فقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ.
وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗مَساغًالَناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَوقَدْكَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.( زاد المسير).
قال القرطبي (٦٧١ هـ):
وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ.
ثم قال القرطبي : قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ ". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ" وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ " [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال: وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. (الجامع لأحكام القرآن)
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأما قول الله تبارك و تعالى "إن هذان لساحران" فقد ذكر ابن عباس أنه قال :إن الله -تبارك اسمه- اأزل القران بلغة كل حي من أحياء العرب .فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثني بالألف في كل وجه مرفوعا فيقلون :رأيت الرجلان و مررت بالرجلان و أتاني الرجلان
إنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد و اللين .
قال الشاعر :
نصرانية قد ولدت نصرانيا **اعرف منها الجيد و العينانا
رفع المثنى في كل وجه وقال :العينانا
وقال بعضهم في هذا النحو :
تزود منا بين أذناه ضربه **دعته إلى هابي التراب عقيم
قال "أذناه" وهو في موضع الخفض. ( الجمل في النحو )
قال أبو زكريا الفراء (٢٠٧ هـ):
وقوله: ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضى عليه لئلاّ نخالف الكتاب. حدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو معاوية الضرير عَنْ هاشم بن عُروة بن الزُبَير عن أَبيه عن عَائِشة أَنها سُئِلت عن قوله فى النساء ﴿لَكِنِ الراسِخُونَ فىِ العِلْمِ مِنْهمْ .... والمُقِيمِينَ الصلاةَ﴾ وعن قوله فى المائدة ﴿إِنَ الذِينَ آمَنوا والّذِين هَادُوا والصَّابِئُونَ﴾ وعن قوله ﴿إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقالت: يا بن أَخى هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأَ أَبو عمرو ﴿إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرَان﴾ واحتجّ أَنه بلغه عن بعض أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم أنه قال: إن فى المصحف لَحْناً وستقيمه العرب.
قال الفراء: ولست أشتهى على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم (إنْ هَذَان لساحران) خفيفة وفى قراءة عبدالله: (وأسروا النجوى أَن هذان ساحران) وفى قراءة أُبَىّ (إنْ ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهمَا على لغة بنى الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين فى رفعهما ونصبهما وَخفضهما بالألِف وأنشدنى رجل من الأَسْد عنهم. يريد بنى الحارث: فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى * مَسَاغاً لِناباه الشجاعُ لصَمّما قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسْدىّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطُّ يَدَا أخى بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيسُ؛ لأنَّ العرب قالوا: مسلمون فجعَلوا الواو تابعة للضمَّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا اليَاء تابعة لكسرة الميم. فلمَّا رأوا أن الياء من الاثينين لا يمكنهم كسرُ ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألِف تتبعه، فقالوا: رجلان فى كل حَال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف فى كِلاَ الرجلين فى الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بنى كنانة فإنهم يقولون: رَأيت كِلَىِ الرجلين ومررت بكلَى لرجلين. وهى قبيحة قليلة، مَضَوا عَلَى القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دِعامة وليست بلام فعل، فلمَّا ثنَيت زدتُ عليهَا نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذى) ثم زادوا نوناً تدلّ عَلَى الجِمَاع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فى رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللَّذُونَ). (معاني القرآن)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (٢٠٩ هـ):
﴿إِنْ هذانِ لَساحِرانِ﴾ قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
﴿أم الحليس لعجوز شهربه﴾ وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران. ( مجاز القرآن)
قال لأخفش الأوسط (٢١٥ هـ):
وقال ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. (معاني القرآن)
قال محمد بن يزيد المبرد ( 285هـ):
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ} (ص364 - كتاب المقتضب)
قال الزجاج (٣١١ هـ):
وهَذا الحَرْفُ مِن كِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مُشْكِلٌ عَلى أهْلِ اللُّغَةِ، وقَدْ كَثُرَ اخْتِلافُهم في تَفْسِيرِهِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ جَمِيعَ ما قالَهُ النَّحْوِيُّونَ، ونُخْبِرُ بِما نَظُنُّ أنَّهُ الصَّوابُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وَقَبْلَ شَرْحِ إعْرابِهِ نُخْبِرُ بِقِراءَةِ القُرّاءِ، أمّا قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ، والأكْمَهِ، في القِراءَةِ، فَبِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، والرَّفْعِ في ”هَذانِ“، وكَذَلِكَ قَرَأ أهْلُ العِراقِ، حَمْزَةُ، وعاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ -، والمَدَنِيُّونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عاصِمٍ: ”إنْ هَذانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، ويُصَدِّقُ ما قَرَأهُ عاصِمٌ في هَذِهِ القِراءَةِ ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ، فَإنَّهُ قَرَأ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ: ”إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ أيْضًا: ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ بِالنَّحْوِ أعْلَمَ مِنَ الخَلِيلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ونَصْبِ ”هَذَيْنِ“.
فَهَذِهِ الرِّوايَةُ فِيهِ، فَأمّا احْتِجاجُ النَّحْوِيِّينَ، فاحْتِجاجُ أبِي عَمْرٍو في مُخالَفَتِهِ المُصْحَفَ في هَذا أنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ مِن غَلَطِ الكاتِبِ، وأنَّ في الكِتابِ غَلَطًا سَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، يُرْوى ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وعَنْ عائِشَةَ - رَحِمَهُما اللَّهُ -، وأمّا الِاحْتِجاجُ في ”إنَّ هَذانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ورَفْعِ ”هَذانِ“، فَحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ - وهو رَأْسٌ مِن رُؤَساءِ الرُّواةِ -، أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والخَفْضِ، عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: ”أتانِي الزَّيْدانِ“، و”رَأيْتُ الزَّيْدانِ“، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ"، وهَؤُلاءِ يُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَهَؤُلاءِ أيْضًا يَقُولُونَ: ”ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ“، و”مَن يَشْتَرِي مِنِّي الخُفّانِ؟“، وكَذَلِكَ رَوى أهْلُ الكُوفَةِ أنَّها لُغَةٌ لِبَنِي الحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، قالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هَهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وَقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ”إنْ“، مَعْنى ”نَعَمْ“، اَلْمَعْنى: ”نَعَمُ هَذانِ لَساحِرانِ“، ويُنْشِدُونَ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
وَيَحْتَجُّونَ بِأنَّ هَذِهِ اللّامَ أصْلُها أنْ تَقَعَ في الِابْتِداءِ، وأنَّ وُقُوعَها في الخَبَرِ جائِزٌ، ويُنْشِدُونَ في ذَلِكَ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗يَنَلِالعَلاءَويُكْرِمِالإخْوانا
وَأنْشَدُوا أيْضًا:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَةْ ∗∗∗تَرْضىمِنَالشّاةِبِعَظْمِالرَّقَبَةْ
قالُوا: اَلْمَعْنى: ”لَأنْتَ خالِي“، والمَعْنى: ”لَأُمُّ الحُلَيْسِ عَجُوزٌ“، وقالَ الفَرّاءُ في هَذا: إنَّهم زادُوا فِيها النُّونَ في التَّثْنِيَةِ، وتَرَكُوا الألِفَ عَلى حالِها في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، كَما فَعَلُوا في ”اَلَّذِي“، فَقالُوا: ”اَلَّذِينَ“، في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، فَهَذا جَمِيعُ ما احْتَجَّ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، والَّذِي عِنْدِي - واللَّهُ أعْلَمُ -، وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا، مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ القاضِي، فَقَبِلاهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا، وهُوَ: ”إنْ“، قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ”نَعَمْ“، وأنَّ اللّامَ وقَعَتْ مَوْقِعَها، وأنَّ المَعْنى: ”هَذانِ لَهُما ساحِرانِ“ . والَّذِي يَلِي هَذِهِ في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ في تَرْكِ ألِفِ التَّثْنِيَةِ عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، لِأنَّ حَقَّ الألِفِ أنْ تَدُلَّ عَلى الِاثْنَيْنِ، وكانَ حَقُّها ألّا تَتَغَيَّرَ، كَما لَمْ تَتَغَيَّرْ ألِفُ ”رَحًى“، و”عَصًا“، ولَكِنْ كانَ نَقْلُها إلى الياءِ في النَّصْبِ، والخَفْضِ، أبْيَنَ وأفْضَلَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ المَرْفُوعِ، والمَنصُوبِ، والمَجْرُورِ. فَأمّا قِراءَةُ عِيسى بْنِ عُمَرَ، وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، فَلا أُجِيزُها، لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ، وكُلُّ ما وجَدْتُهُ إلى مُوافَقَةِ المُصْحَفِ أقْرَبَ لَمْ أُجِزْ مُخالَفَتَهُ، لِأنَّ اتِّباعَهُ سُنَّةٌ، وما عَلَيْهِ أكْثَرُ القُرّاءِ، ولَكِنِّي أسْتَحْسِنُ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، وفِيهِ إمامانِ، عاصِمٌ، والخَلِيلُ، ومُوافَقَةُ أُبَيٍّ في المَعْنى، وإنْ خالَفَهُ اللَّفْظُ. وَيُسْتَحْسَنُ أيْضًا ”إنَّ هَذانِ“، بِالتَّشْدِيدِ، لِأنَّهُ مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ، وبِهِ يُقْرَأُ، وهو قَوِيٌّ في العَرَبِيَّةِ.( معاني القرآن وإعرابه)
قال ابن السراج (المتوفى: 316هـ):
واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم.
(كتاب الأصول في النحو ص235)
قال أبو جعفر النحاس (٣٣٨ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات، قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص" قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل]
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز]
أمّ الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)

قال الزمخشري (٥٣٨ هـ):
وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق. (الكشاف)
قال ابن عطية (٥٤٦ هـ):
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ. ( المحرر الوجيز)
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
قوله: جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ، ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ. قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بل قدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:إن مُحلاً وإن مُرتحلاً وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟ قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة. (حاشية الطيبي على الكشاف)
قال أبو حيان (٧٤٥ هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا. ( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي (٧٥٦ هـ):
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» . (الدر المصون)
قال ابن عاشور (١٣٩٣ هـ):
فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالألِفِ في هَذانِ وكَذَلِكَ في (﴿لَساحِرانِ﴾)، فَلِلْمُفَسِّرِينَ في تَوْجِيهِها آراءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وأظْهَرُها أنْ تَكُونَ (إنَّ) حَرْفُ جَوابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وأجَلْ، وهو اسْتِعْمالٌ مِنِ اسْتِعْمالاتِ (إنَّ)، أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ
أيْ أجَلْ أوْ نَعَمْ، والهاءُ في البَيْتِ هاءُ السَّكْتِ، وقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأعْرابِيٍّ اسْتَجْداهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ. قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وراكِبَها. وهَذا التَّوْجِيهُ مِن مُبْتَكَراتِ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا وشَيْخَيْنا وأُسْتاذَيْنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ، وإسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ يَعْنِي القاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا.
وقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقا وحَقَّقا. وما أوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وفِي التَّفْسِيرِ الوَجِيزِ لِلْواحِدِيِّ سَألَ إسْماعِيلُ القاضِي (هو ابْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ) ابْنَ كَيْسانَ عَنْ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لَمّا لَمْ يَظْهَرْ في المُبْهَمِ إعْرابٌ في الواحِدِ ولا في الجَمْعِ (أيْ في قَوْلِهِمْ هَذا وهَؤُلاءِ إذْ هُما مَبْنِيّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرى الواحِدِ إذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أنْ لا تُغَيَّرَ. فَقالَ لَهُ إسْماعِيلُ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ تَقَدَّمَكَ أحَدٌ بِالقَوْلِ فِيهِ حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابْنُ كَيْسانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ القاضِي حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
ودَخَلَتِ اللّامُ عَلى الخَبَرِ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
ووُجِّهَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا بِجَعْلِ (إنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ، وإعْرابُ اسْمِها المُثَنّى جَرى عَلى لُغَةِ كِنانَةَ وبِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلامَةَ إعْرابِ المُثَنّى الألِفَ في أحْوالِ الإعْرابِ كُلِّها، وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ دَرى ∗∗∗مَساغًالِناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ. (التحرير والتنوير)

والله أعلم.

تم الجواب وبالله التوفيق

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 صفر 1441هـ/13-10-2019م, 03:20 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حليمة السلمي مشاهدة المشاركة
3. إعراب {إن هذان لساحران}

النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ:من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، وبحر العلوم للسمرقندي وتفسير القرآن لابن أبي زمنين وتفسير السمعاني والهداية لمكي بن أبي طالب، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي وغيرها.
[من أهم المراجع التي نعتني بها في بحث المسائل اللغوية من التفاسير بعد المصادر الأصلية، كتاب المحرر الوجيز لابن عطية، وتفسير القرآن لابن كثير، ويمكنكِ الاكتفاء بالمصادر التي ذكرها الشيخ في الدرس لأن المسألة بحاجة لبحث أكثر في المصادر اللغوية، ومنها كتب معاني القرآن والتفاسير التي تعتني بالمسائل اللغوية]

ب:ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة و معاني القرآن للأخفش الأصغر ومعاني القرآن للزجاج، وإعراب القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
[بل موجودة في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة وأظنه متوفرًا ضمن مصادر الجمهرة]
ج:ومن كتب المرتبة الثانية: لم أجد ذكرا لهذه المسألة في غريب القرآن لابن قتيبة، ولا فيي ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، أوتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب وغيرها من كتب هذه المرتبة ؛ نظرًا لأن هذه الكتب في بيان الألفاظ والله أعلم.
د:ومن كتب المرتبة الثالثة: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد والكتاب لسيبويه والأصول في النحو لابن السراج والمقتضب للمبرّد وغيرهم.
هـ:ومن كتب المرتبة الرابعة: المحرر الوجيز لابن عطية و الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور وغيرهم.
[وأين المرتبة الخامسة وهي مهمة هنا وتكون في كتب إعراب القرآن، وذكرتِ فقط كتاب إعراب القرآن للنحاس وربما تحتاجين التوسع في البحث في لغات العرب ورسم المصحف، لكن على الأقل تذكرين كتب إعراب القرآن خاصة ما يتعلق بالبحث فيما أشكل من إعراب القرآن]
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قال ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ):
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقرأته عامة قرّاء الأمصار ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: "إن" خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأى ... مَساغا لِناباه الشُّجاعُ لصَمما
قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلا أقيس، لأن العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثتعنأبيعُبيدةمعمربنالمثنى،قال: قالأبوعمرووعيسىبنعمرويونس: إنهذينلساحرانفياللفظ،وكتبهذانكمايريدونالكتاب،واللفظصواب،قال: وزعمأبوالخطابأنهسمعقومامنبنيكنانةوغيرهم،يرفعونالاثنينفيموضعالجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز "إن هذان لساحران"، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فإنّي وَقيار بِهَا لَغَرِيبُ
وقوله:
إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ
قال: ويقول بعضهم: إن الله وملائكته يصلون على النبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنَّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، قال: وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها، قال: ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل، قال:
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون "إن" فلا بدّ له من أن يدخل "إلا" فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ﴿إنّ﴾ بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن. (جامع البيان)
قال السمرقندي (٣٧٣ هـ):
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص إِنْ هذانِ بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، وقرأ الباقون أن بالنصب والتشديد هذانِ لَساحِرانِ بالتخفيف. وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا، ورأيت في مصحف عثمان رضي الله عنه بهذا اللفظ إن هذين لساحران إنّ هذين ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء. وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية: الرفع مكان النصب وقال القائل:
أَي قلوص راكب تراها ... طاروا علاهن فطر علاها
وقال آخر:
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بلغا في المجد غَايَتَاهَا
وقال آخر:
فَمَنْ يك أمسى بالمدينة رَحْلُه ... فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ
وروى وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قالوا: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء إنّ هاذان لساحران وإنّ هاذين لساحرين سواء. وفي مصحف عبد الله إنّ هاذان ساحران وفي مصحف أبي إِنْ هذان إلّا ساحران. ( بحر العلوم)
قال ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ):
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: ﴿هَذَانِ﴾ بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ( تفسير القرآن العزيز)
قال الثعلبي (٤٢٧ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ
قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء: إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ وَالْمُقِيمِينَ وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. ( الكشف والبيان)
قال مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ):
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗نالالعُليوشقىالخليلالغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗يلحيننيوألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗وقدكبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗منجوىحبهنإناللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗مساغاًلناباهالشجاعلصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗رأسهتلقىالعظاممنالفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. ( الهداية إلى بلوغ النهاية)
قال السمعاني (٤٨٩ هـ):
اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مشكلة فِي الْعَرَبيَّة، وفيهَا ثَلَاث قراءات:
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد) ، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد ... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح ... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة. ( تفسير القرآن)
قال ابن الجوزي (٥٩٧ هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾،
فقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ.
وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗مَساغًالَناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَوقَدْكَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.( زاد المسير).
قال القرطبي (٦٧١ هـ):
وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ.
ثم قال القرطبي : قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ ". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ" وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ " [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال: وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. (الجامع لأحكام القرآن)
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأما قول الله تبارك و تعالى "إن هذان لساحران" فقد ذكر ابن عباس أنه قال :إن الله -تبارك اسمه- اأزل القران بلغة كل حي من أحياء العرب .فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثني بالألف في كل وجه مرفوعا فيقلون :رأيت الرجلان و مررت بالرجلان و أتاني الرجلان
إنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد و اللين .
قال الشاعر :
نصرانية قد ولدت نصرانيا **اعرف منها الجيد و العينانا
رفع المثنى في كل وجه وقال :العينانا
وقال بعضهم في هذا النحو :
تزود منا بين أذناه ضربه **دعته إلى هابي التراب عقيم
قال "أذناه" وهو في موضع الخفض. ( الجمل في النحو )
قال أبو زكريا الفراء (٢٠٧ هـ):
وقوله: ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضى عليه لئلاّ نخالف الكتاب. حدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو معاوية الضرير عَنْ هاشم بن عُروة بن الزُبَير عن أَبيه عن عَائِشة أَنها سُئِلت عن قوله فى النساء ﴿لَكِنِ الراسِخُونَ فىِ العِلْمِ مِنْهمْ .... والمُقِيمِينَ الصلاةَ﴾ وعن قوله فى المائدة ﴿إِنَ الذِينَ آمَنوا والّذِين هَادُوا والصَّابِئُونَ﴾ وعن قوله ﴿إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقالت: يا بن أَخى هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأَ أَبو عمرو ﴿إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرَان﴾ واحتجّ أَنه بلغه عن بعض أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم أنه قال: إن فى المصحف لَحْناً وستقيمه العرب.
قال الفراء: ولست أشتهى على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم (إنْ هَذَان لساحران) خفيفة وفى قراءة عبدالله: (وأسروا النجوى أَن هذان ساحران) وفى قراءة أُبَىّ (إنْ ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهمَا على لغة بنى الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين فى رفعهما ونصبهما وَخفضهما بالألِف وأنشدنى رجل من الأَسْد عنهم. يريد بنى الحارث: فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى * مَسَاغاً لِناباه الشجاعُ لصَمّما قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسْدىّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطُّ يَدَا أخى بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيسُ؛ لأنَّ العرب قالوا: مسلمون فجعَلوا الواو تابعة للضمَّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا اليَاء تابعة لكسرة الميم. فلمَّا رأوا أن الياء من الاثينين لا يمكنهم كسرُ ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألِف تتبعه، فقالوا: رجلان فى كل حَال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف فى كِلاَ الرجلين فى الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بنى كنانة فإنهم يقولون: رَأيت كِلَىِ الرجلين ومررت بكلَى لرجلين. وهى قبيحة قليلة، مَضَوا عَلَى القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دِعامة وليست بلام فعل، فلمَّا ثنَيت زدتُ عليهَا نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذى) ثم زادوا نوناً تدلّ عَلَى الجِمَاع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فى رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللَّذُونَ). (معاني القرآن)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (٢٠٩ هـ):
﴿إِنْ هذانِ لَساحِرانِ﴾ قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
﴿أم الحليس لعجوز شهربه﴾ وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران. ( مجاز القرآن)
قال لأخفش الأوسط (٢١٥ هـ):
وقال ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. (معاني القرآن)
قال محمد بن يزيد المبرد ( 285هـ):
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ} (ص364 - كتاب المقتضب)
قال الزجاج (٣١١ هـ):
وهَذا الحَرْفُ مِن كِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مُشْكِلٌ عَلى أهْلِ اللُّغَةِ، وقَدْ كَثُرَ اخْتِلافُهم في تَفْسِيرِهِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ جَمِيعَ ما قالَهُ النَّحْوِيُّونَ، ونُخْبِرُ بِما نَظُنُّ أنَّهُ الصَّوابُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وَقَبْلَ شَرْحِ إعْرابِهِ نُخْبِرُ بِقِراءَةِ القُرّاءِ، أمّا قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ، والأكْمَهِ، في القِراءَةِ، فَبِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، والرَّفْعِ في ”هَذانِ“، وكَذَلِكَ قَرَأ أهْلُ العِراقِ، حَمْزَةُ، وعاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ -، والمَدَنِيُّونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عاصِمٍ: ”إنْ هَذانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، ويُصَدِّقُ ما قَرَأهُ عاصِمٌ في هَذِهِ القِراءَةِ ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ، فَإنَّهُ قَرَأ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ: ”إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ أيْضًا: ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ بِالنَّحْوِ أعْلَمَ مِنَ الخَلِيلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ونَصْبِ ”هَذَيْنِ“.
فَهَذِهِ الرِّوايَةُ فِيهِ، فَأمّا احْتِجاجُ النَّحْوِيِّينَ، فاحْتِجاجُ أبِي عَمْرٍو في مُخالَفَتِهِ المُصْحَفَ في هَذا أنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ مِن غَلَطِ الكاتِبِ، وأنَّ في الكِتابِ غَلَطًا سَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، يُرْوى ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وعَنْ عائِشَةَ - رَحِمَهُما اللَّهُ -، وأمّا الِاحْتِجاجُ في ”إنَّ هَذانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ورَفْعِ ”هَذانِ“، فَحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ - وهو رَأْسٌ مِن رُؤَساءِ الرُّواةِ -، أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والخَفْضِ، عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: ”أتانِي الزَّيْدانِ“، و”رَأيْتُ الزَّيْدانِ“، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ"، وهَؤُلاءِ يُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَهَؤُلاءِ أيْضًا يَقُولُونَ: ”ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ“، و”مَن يَشْتَرِي مِنِّي الخُفّانِ؟“، وكَذَلِكَ رَوى أهْلُ الكُوفَةِ أنَّها لُغَةٌ لِبَنِي الحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، قالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هَهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وَقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ”إنْ“، مَعْنى ”نَعَمْ“، اَلْمَعْنى: ”نَعَمُ هَذانِ لَساحِرانِ“، ويُنْشِدُونَ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
وَيَحْتَجُّونَ بِأنَّ هَذِهِ اللّامَ أصْلُها أنْ تَقَعَ في الِابْتِداءِ، وأنَّ وُقُوعَها في الخَبَرِ جائِزٌ، ويُنْشِدُونَ في ذَلِكَ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗يَنَلِالعَلاءَويُكْرِمِالإخْوانا
وَأنْشَدُوا أيْضًا:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَةْ ∗∗∗تَرْضىمِنَالشّاةِبِعَظْمِالرَّقَبَةْ
قالُوا: اَلْمَعْنى: ”لَأنْتَ خالِي“، والمَعْنى: ”لَأُمُّ الحُلَيْسِ عَجُوزٌ“، وقالَ الفَرّاءُ في هَذا: إنَّهم زادُوا فِيها النُّونَ في التَّثْنِيَةِ، وتَرَكُوا الألِفَ عَلى حالِها في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، كَما فَعَلُوا في ”اَلَّذِي“، فَقالُوا: ”اَلَّذِينَ“، في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، فَهَذا جَمِيعُ ما احْتَجَّ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، والَّذِي عِنْدِي - واللَّهُ أعْلَمُ -، وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا، مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ القاضِي، فَقَبِلاهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا، وهُوَ: ”إنْ“، قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ”نَعَمْ“، وأنَّ اللّامَ وقَعَتْ مَوْقِعَها، وأنَّ المَعْنى: ”هَذانِ لَهُما ساحِرانِ“ . والَّذِي يَلِي هَذِهِ في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ في تَرْكِ ألِفِ التَّثْنِيَةِ عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، لِأنَّ حَقَّ الألِفِ أنْ تَدُلَّ عَلى الِاثْنَيْنِ، وكانَ حَقُّها ألّا تَتَغَيَّرَ، كَما لَمْ تَتَغَيَّرْ ألِفُ ”رَحًى“، و”عَصًا“، ولَكِنْ كانَ نَقْلُها إلى الياءِ في النَّصْبِ، والخَفْضِ، أبْيَنَ وأفْضَلَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ المَرْفُوعِ، والمَنصُوبِ، والمَجْرُورِ. فَأمّا قِراءَةُ عِيسى بْنِ عُمَرَ، وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، فَلا أُجِيزُها، لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ، وكُلُّ ما وجَدْتُهُ إلى مُوافَقَةِ المُصْحَفِ أقْرَبَ لَمْ أُجِزْ مُخالَفَتَهُ، لِأنَّ اتِّباعَهُ سُنَّةٌ، وما عَلَيْهِ أكْثَرُ القُرّاءِ، ولَكِنِّي أسْتَحْسِنُ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، وفِيهِ إمامانِ، عاصِمٌ، والخَلِيلُ، ومُوافَقَةُ أُبَيٍّ في المَعْنى، وإنْ خالَفَهُ اللَّفْظُ. وَيُسْتَحْسَنُ أيْضًا ”إنَّ هَذانِ“، بِالتَّشْدِيدِ، لِأنَّهُ مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ، وبِهِ يُقْرَأُ، وهو قَوِيٌّ في العَرَبِيَّةِ.( معاني القرآن وإعرابه)
قال ابن السراج (المتوفى: 316هـ):
واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم.
(كتاب الأصول في النحو ص235)
قال أبو جعفر النحاس (٣٣٨ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات، قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص" قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل]
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز]
أمّ الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)

قال الزمخشري (٥٣٨ هـ):
وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق. (الكشاف)
قال ابن عطية (٥٤٦ هـ):
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ. ( المحرر الوجيز)
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
قوله: جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ، ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ. قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بل قدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:إن مُحلاً وإن مُرتحلاً وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟ قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة. (حاشية الطيبي على الكشاف)
قال أبو حيان (٧٤٥ هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا. ( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي (٧٥٦ هـ):
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» . (الدر المصون)
قال ابن عاشور (١٣٩٣ هـ):
فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالألِفِ في هَذانِ وكَذَلِكَ في (﴿لَساحِرانِ﴾)، فَلِلْمُفَسِّرِينَ في تَوْجِيهِها آراءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وأظْهَرُها أنْ تَكُونَ (إنَّ) حَرْفُ جَوابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وأجَلْ، وهو اسْتِعْمالٌ مِنِ اسْتِعْمالاتِ (إنَّ)، أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ
أيْ أجَلْ أوْ نَعَمْ، والهاءُ في البَيْتِ هاءُ السَّكْتِ، وقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأعْرابِيٍّ اسْتَجْداهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ. قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وراكِبَها. وهَذا التَّوْجِيهُ مِن مُبْتَكَراتِ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا وشَيْخَيْنا وأُسْتاذَيْنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ، وإسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ يَعْنِي القاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا.
وقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقا وحَقَّقا. وما أوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وفِي التَّفْسِيرِ الوَجِيزِ لِلْواحِدِيِّ سَألَ إسْماعِيلُ القاضِي (هو ابْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ) ابْنَ كَيْسانَ عَنْ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لَمّا لَمْ يَظْهَرْ في المُبْهَمِ إعْرابٌ في الواحِدِ ولا في الجَمْعِ (أيْ في قَوْلِهِمْ هَذا وهَؤُلاءِ إذْ هُما مَبْنِيّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرى الواحِدِ إذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أنْ لا تُغَيَّرَ. فَقالَ لَهُ إسْماعِيلُ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ تَقَدَّمَكَ أحَدٌ بِالقَوْلِ فِيهِ حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابْنُ كَيْسانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ القاضِي حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
ودَخَلَتِ اللّامُ عَلى الخَبَرِ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
ووُجِّهَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا بِجَعْلِ (إنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ، وإعْرابُ اسْمِها المُثَنّى جَرى عَلى لُغَةِ كِنانَةَ وبِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلامَةَ إعْرابِ المُثَنّى الألِفَ في أحْوالِ الإعْرابِ كُلِّها، وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ دَرى ∗∗∗مَساغًالِناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ. (التحرير والتنوير)

والله أعلم.

تم الجواب وبالله التوفيق


التقويم: ب+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وحاولي النظر في كتب إعراب القرآن خاصة الكتب التي تبحث في المشكل من إعراب القرآن، ستثري بحثكِ بإذن الله.
كذا فإن لابن تيمية - رحمه الله - رسالة قيمة في مجموع الفتاوى، ومطبوعة منفصلة ومتوفرة بسهولة على الشبكة في إعراب هذه الآية " إن هذان لساحران " أنصح بقراءتها والاستفادة منها عند التحرير.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir