دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الوقف

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 11:27 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَصِحُّ بِالقَوْلِ وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ،
ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ الحكم التكليفي للوقف، يعني هل هو جائز أو حرام، أو
واجب، أو مندوب، وإنما ذكر حكمه الوضعي فقال: «ويصح» .
لكن نقول: الوقف تبرع بالمال، وحبس له عن التصرف فيه، فإذا كان على جهة مشروعة كان مستحباً؛ لأنه من الصدقة، وإذا نذره الإنسان كان واجباً بالنذر، وإذا كان فيه حيف أو وقف على شيء محرم كان حراماً، وإذا كان فيه تضييق على الورثة كان مكروهاً، فيمكن أن تجري فيه الأحكام الخمسة، هذا من حيث الحكم التكليفي.
فإذا جاءنا إنسان يقول: أنا أريد أن أوقف هذه الأرض لأعمر عليها مسجداً، نقول له: هذا مستحب؛ لأنه من الإحسان والصدقة، والله ـ تعالى ـ يحب المحسنين.
قوله: «بالقول» بأن يقول: وقفت داري، أو وقفت سيارتي، أو وقفت أرضي، وما أشبه ذلك، وسيأتي أن القول ينقسم إلى قسمين.
أما الفعل فيشترط أن يكون هناك قرينة تدل على أنه وقف، فإذا وجدت قرينة تدل على أنه وقف فهو وقف ولو نوى خلافه، ولهذا قال:
وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، كَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِداً وأَذِنَ للنَّاسِ في الصَّلاةِ فِيهِ أَوْ مَقْبَرَةً وَأَذِنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا ..
«وبالفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً وأذن للناس في الصلاة فيه» ، يعني بنى مسجداً وقال للناس: صلوا فيه، فهنا لم يقل: إنه وقف، لكنه فعل فعلاً يدل على الوقف؛ لأن الرجل بنى مسجداً وقال للناس: صلوا، وأما من بنى مصلى عند بستانه وصار الناس يأتون ويصلون فيه، فهذا لا يدل على أنه وقف، لكن إذا بنى مسجداً يعني على هيئة مسجد، وقال للناس: صلوا فيه، فهو وقف وإن لم يقل: وقفت؛ لأن هذا الفعل دال عليه حتى لو نوى خلافه، فإنه يكون وقفاً اعتباراً بقوة القرينة.
وإذا قال: إني أردت أنه عارية، قلنا: في هذه الحال يجب أن تكتب: إني أعرت هذا المكان للناس يصلون فيه، متى احتجته أخذته، ولا بد من هذا وإلا صار وقفاً.
قوله: «أو مقبرة وأذن في الدفن فيها» ، أي: سوَّر أرضه على أنها مقبرة، ولم يكتب على بابها أنها مقبرة، ولم يكتب في الوثيقة أنها مقبرة، وقال للناس: من شاء أن يدفن فيها ميتاً فليفعل، فهنا نقول: الأرض صارت مقبرة، أي: صارت وقفاً على المسلمين، ولا يمكنه أن يرجع.
نعم لو أراد أن يعير أرضاً للدفن فيها، فهنا لا بد أن يكتب أنه أعار هذه الأرض للدفن فيها، وإذا أعارها للدفن فيها فإنه لا يرجع حتى يبلى الميت؛ لأن من لازم الإذن في الدفن أن يبقى الميت مدفوناً محترماً، فلا ينبش إلا إذا بلي.
وهذا الفعل، أي: جعل الأرض مسجداً أو مقبرة لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن ينوي بذلك أنها مسجد أو مقبرة، فتكون كذلك ولا إشكال في ذلك.
الثانية: أن ينوي خلاف ذلك، بأن ينوي بجعلها مسجداً أو مقبرة أنها مؤقتة، فقد صرح شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنها تكون وقفاً ولو نوى خلافه؛ لأن هذه النية تخالف الواقع؛ لأن من جعل أرضه مسجداً فإنه معلوم أن المسجد سوف يبقى، فكيف تنوي أن لا يبقى؟!
الثالثة: ألا ينوي هذا ولا هذا، فتكون وقفاً لا إشكال فيه.
ولو أن رجلاً عنده أرض بين شارعين، فجعل الناس يستطرقون هذه الأرض وهو ساكت، فهل نقول: إن هذا الطريق صار وقفاً؟ لا؛ لأن هذا لا يدل على الوقف، فكثير من الناس إذا لم يكن محتاجاً للأرض فإنه يسمح للناس أن يتجاوزوا منها، ولكن إذا احتاجها حرفها وسد الطريق، فلا بد في الفعل من قرينة ظاهرة تدل على الوقف؛ لأن الأصل بقاء ملك الإنسان فيما يملك، ولا نخرجه عن هذا الأصل إلا بقرينة ظاهرة.
وَصَرِيحُهُ وَقَّفْتُ وَحَبَّسْتُ وَسَبَّلْتُ وَكِنَايَتُهُ تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ،....
قوله: «وصريحه» هذا يعود على القول، فالقول ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، وهذا يأتي في مواضع، مثلاً في الطلاق، صريح وكناية.
فالضابط في الصريح: هو الذي لا يحتمل غير الوقف.
والضابط في الكناية: هو الذي يحتمل الوقف وغيره.
والصريح مجرد ما ينطق به يثبت الحكم؛ لأنه صريح لا يحتمل معنى آخر، والكناية لا بد فيها من إضافة شيء إما نية، أو قرينة.
وهل الصرائح والكنايات أمر جاء به الشرع بحيث يستوي فيه جميع الناس، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، أو أمر يرجع فيه إلى العرف؟ الصحيح أن جميع صيغ العقود القولية أمر يرجع فيه إلى العرف، فقد يكون هذا اللفظ صريحاً عند قوم وكناية عند آخرين، وقد لا يدل على المعنى إطلاقاً عند غيرهم، فالصحيح أنه يرجع إلى عرف الناس، فما اطرد عند الناس أنه دال على هذا المعنى فهو صريح، وما لم يطرد ولكنه يراد به أحياناً فهو كناية، وما لا يدل على المعنى أصلاً فليس بشيء، فالصريح من كل شيء ما لا يحتمل غيره عرفاً؛ لأن هذا كله جاء من الناس وإليهم.
قوله: «وقَّفْتُ» ، يعني وقفت أرضي، وقفت بيتي، وقفت سيارتي، وقفت قلمي، وأي شيء يوقفه فهو وقف.
قوله: «وحَبَّستُ» ، يعني حبَّست أصله، فيحمل هنا على الأصل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر:((إن شئت حبَّست أصلها)) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((أما خالد، فإنكم تظلمون خالداً، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) ، فدل على أن الحبس أو التحبيس وقف صريح.
قوله: «وسبَّلت» ، أي: سبَّلت المنفعة، فإذا قال: سبَّلت داري، فالمعنى أنه سبَّل منفعته وأبقى أصله حبيساً.
فمرة يذكر ما يعود على الأصل، ومرة يذكر ما يعود على المنفعة، فـ «حبَّست» تعود على الأصل، و«سبَّلت» تعود على المنفعة، فدلالة «حبست» على الوقف دلالة التزام؛ لأن من لازم قوله «حبست الأصل» أن يسبل المنفعة.
وكذلك سبلت ـ أيضاً ـ دلالتها على توقيف الأصل دلالة التزام؛ لأن قوله: «سبلت المنفعة» يعني حبست الأصل، فهذه ثلاث كلمات: «وقفت، وحبست، وسبلت»، وما اشتق منها فهو مثلها، فلو قال: هذه أرض مُوَقَّفة، أو موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة فهي صريحة، ولو قال: سأحبِّس لم ينعقد الوقف؛ لأن هذا خبر وليس إنشاء، والعقود إنشاء وإن كانت صيغتها صيغة الخبر، وقوله: أنا مسبل، أو أنا موقف، أو أنا محبس، كل هذا صريح في الوقف، ولا يشترط اجتماع هذه الكلمات، بل إذا قال كلمة واحدة منها صار وقفاً.
قوله: «وكنايته» ، الكناية هي ما يحتمل المعنى وغيره.
قوله: «تصدقت» ، كلمة «تصدقت» تدل على الصدقة، والصدقة يملك بها المتصَدَّقُ عليه الأصلَ والمنفعةَ، وتكون ملكاً له، فإذا قال: تصدقت على فلان بسيارتي، فالسيارة تكون ملكاً له يتصرف فيها كما يشاء، ويمكن أن تكون وقفاً إذا نوى أنها وقف.
قوله: «وحرمت» ، أي: حرَّمت داري على نفسي، ولا يحرم ملك الإنسان على نفسه إلا إذا أخرجه عن ملكه.
قوله: «وأبدت» كذلك هو كناية؛ لأن «أبَّدت»، أي: جعلته مؤبداً لا يُغَيَّر، ولذلك نقول: هو كناية وليس صريحاً.
فهذه الألفاظ عند الإطلاق لا تدل على الوقف، لكن يحتملها الوقف بالنية.



[1] سبق تخريجه ص(6).
[2] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب قول الله تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ} (1468)؛ ومسلم في الزكاة/ باب في تقديم الزكاة ومنعها (983) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بم, ينعقد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir