دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 25 محرم 1441هـ/24-09-2019م, 03:22 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ.

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: السَّكَر: النبيذ والرزق الحسن: التمر الذي كان يؤكل.
وروى ابن جرير أيضا من طريق أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن أبي رَوْق، عن الشعبيّ، قال: قلت له: ما تتخذون منه سَكَراً؟ قال: كانوا يصنعون من النبيذ والخلّ قلت: والرزق الحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التمر والزبيب.
وروى ابن جرير أيضا من طريق داود الواسطيّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال: أبو رَوْق: ثني قال: قلت للشعبيّ: أرأيت قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} أهو هذا السَّكَر الذي تصنعه النَّبَط؟ قال: لا، هذا خمر، إنما السكر الذي قال الله تعالى ذكره: النبيذ والخلّ والرزق الحسن: التمر والزبيب.

الحكم على الأثر:
لا تصح أي رواية مما سبق ذكره.
ابن وكيع: ترك الرواية عنه أبو زرعة، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سألت أبا زرعة عنه فقال: لا يشتغل به، قيل له كان يكذب، قال كان أبوه رجلاً صالحاً. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم"، ونقله عنه المزي في تهذيب التهذيب، ونقل الذهبي في ميزان الاعتدال عنه أنه قال "يتهم بالكذب"، وفي أسماء الضعفاء لابن الجوزي قال عنه "لا يشتغل به. قيل له كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم".
أبو أسامة: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سَمِعت أبي يَقُول كَانَ أَبُو أُسَامَة ضابطا للْحَدِيث كيسا، وقال أيضا: قَالَ أبي كانَ أَبُو أُسَامَة ثبتا صَحِيح الْكتاب.
أحمد بن بشير: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف يحيى بن معين له، ونقل عن عثمان بن سعيد أنه متروك، ونقل ابن الجوزي في العلل المتناهية عن ابن عدي: "قال عُثْمَان الدارمي ويحيى بْنُ مَعِينٍ أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ متروك".
مجالد: ذكر العقيلي في الضعفاء تضعيف الإمام أحمد وابن معين ويحيى بن سعيد له، ونقل عن الإمام أحمد قوله: كَمْ مِنْ عَجُوبَةٍ لِمُجَالِدٍ، وعن يحيى قوله: مُجَالِدٌ لَا أَحْتَجُ بِحَدِيثِهِ، وفي العلل ومعرفة الرجال لابن حنبل: ومجالد عَن الشّعبِيّ وَغَيره، ضَعِيف الحَدِيث، وقال الترمذي في العلل الكبير: وَأَنَا لَا أشْتَغِلُ بِحَدِيثِ مُجَالِد.
مندل بن علي العنزي أبو عبد الله الكوفي، قَالَ العقيلي في الضعفاء: عن يَحْيَى قَالَ: مِنْدَلٌ، وَحَبَّانُ ضَعِيفَا الْحَدِيثِ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "سئل أبو زرعة عن مندل فقال: لين" وكذا في ميزان الاعتدال، وقال في تهذيب التهذيب "لين الحديث"، ونقل ابن الجوزي في أسماء الضعفاء عنه أنه قال: "ليس بالقوي"، وقال الترمذي في العلل الكبير: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: مِنْدَلٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. أَنَا لَا أَكْتُبُ حَدِيثَهُ".
أبو روق: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل: سُئِلَ عَن أبي روق قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس.
الشعبي: هو عامر بن شراحيل، قال أبو زرعة: كوفي ثقة.

توجيه القول:
وجه القرطبي القول بأن النبيذ سمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم، وقال ابن العربي: أن الله امتن على عباده بما خلق لهم، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل، ولذلك استدل بها أصحاب أبي حنيفة على جواز ما دون المسكر من النبيذ، وعلى هذا القول تكون الآية محكمة لا نسخ فيها.
وقد ذكر الطبري أن هذا التأويل محتمل من كلام العرب، واختار هذا القول ورجحه بقوله: "وقال آخرون: السَّكَرَ: هو كلّ ما كان حلالاً شربه، كالنبيذ الحلال والخلّ والرطَب. والرزق الحسن: التمر والزبيب". ثم قال: "وهذا التأويل عندي هو أولى الأقوال بتأويل هذه الآية، وذلك أن السَّكَر في كلام العرب على أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثاني: ما طُعِم من الطعام، كما قال الشاعر: جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا
أي طعما. والثالث: السُّكُون، من قول الشاعر: جَعَلْتُ عَيْنَ الحَرُورِ تَسْكُرُ
والرابع: المصدر من قولهم: سَكَر فلان يَسْكَر سُكْرا وسَكْرا وسَكَرا، فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراما وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان المنسوخ هو ما نفى حكمه الناسخ، وما لا يجوز اجتماع الحكم به وناسخه، ولم يكن في حكم الله تعالى ذكره بتحريم الخمر دليل على أن السَّكَر الذي هو غير الخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام، إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم، ولم يكن مع ذلك، إذ لم يكن في نفس التنزيل دليل على أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت عليه الأمة، فوجب القول بما قلنا من أن معنى السَّكَر في هذا الموضع: هو كلّ ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفسد أن يكون معناه الخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السَّكَر نفسه، إذ كان السَّكَر ليس مما يتخذ من النَّخْل والكَرْم، ومن أن يكون بمعنى السكون".

فيتبين من كلام الطبري وترجيحه أن هذا القول محتمل لكلام العرب، وأن للخروج من القول بالنسخ بلا ضرورة، كما أنه أنسب لمعنى الامتنان المسوقة الآيات لبيان بعض وجوهه، فتكون ألصق بالسياق.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنه الْخَمْرُ أو ما حرم من ثمرتهما، وهو قول ابْنُ مَسْعُود، وَابْنُ عُمَر، وَابْنُ عَبَّاس وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى، والكلبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقال قتادة: أَنَّهُ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وهو اختيار جمهور المفسرين والفقهاء.
وهذا القول فيه وجهان:
- أن تكون الآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة ثم نسخت بتحريم الخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة، فإن الآية مكية باتفاق من العلماء، وتحريم الخمر مدني، وهذا قول إبراهيم النخعي والشعبي وأبو زين والحسن ومجاهد.
- وإما أن يكون خبر معناه الاستفهام، بمعنى الإنكار والتوبيخ، فيكون المعنى: أتتخذون منه سكرًا وتدعون رزقًا حسنًا، كقوله تعالى: {أفَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34]، فجمع بين العتاب والمنة، ويؤيد هذا المعنى أنها خبر كما أشار أبو الوفاء ابن عقيل بقوله: "لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ السُّكْرِ، إِنَّمَا هِيَ مُعَاتَبَةٌ وَتَوْبِيخٌ".

القول الثالث: أَنَّ السَّكَرَ: الطَّعْمُ، وهو قول أبو عبيدة بقوله: "السكَر: الطُّعم، يقال: هذا سَكَر لك أي طُعم. وأنشد: جعلتَ عَيْبَ الأكْرَمِين سَكَراً". أي جعلتَ ذمهم طُعماً، وقال الأخفش: "سَكَراً طعاماً"، وهو اختيار النحاس في ناسخه، والطبري ضمن القول الأول، وعليه الآية محكمة لا نسخ فيها.
وممن رد هذا القول القتبي بقوله: "لست أدري هذا"، والزجاج بقوله: "قول أبي عبيدة هَذَا، لا يُعرف، وأهل التفسير عَلَى خلافه، ولا حجة له فِي البيت الذي أنشده؛ لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب النَّاس".

القول الرابع: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، ونسبه بعض المفسرين للحسن والضحاك وابن عمر، وهو يرجع للقول الأول، فلا نسخ في الآية.

الراجح:
الراجح –والله أعلم- هو القول الثاني، أن المراد بالسكر هو الخمر، لما يلي من وجوه:
الأول: ضعف الروايات الواردة في القول بأنه النبيذ، كما سبق بيانه، وضعف الأحاديث التي استدل بها الأحناف على هذا القول.
الثاني: أنه قول الجمهور من السلف والمفسرين والفقهاء، كما بينا، والموافق لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من إطلاق اسم الخمر على ما أسكر قليله أو كثيره.
الثالث: أنه في الآية إشارة لتحريم الخمر وليست دليلا على الإباحة، لأنه تعالى ميز بينها وبين الرزق الحسن، فعلى القول بأن العطف يفيد المغايرة وبحسب مفهوم المخالفة، فهي ليست رزقا حسنا، وذلك ذم لها لا مدح كما قال عمر.
الرابع: أنه ترجيح أهل اللغة، كما ذكر الزجاج وابن قتيبة وغيرهم، بقولهم: أن السكر في الأصل مصدر، ثم سمِّي به الخمر، يقال: سَكرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسَكَراً؛ نحو: رَشِد يَرشَدُ رُشْداً ورَشَداً، وأنشدوا:
بِئْسَ الصُّحَاةُ وَبِئْسَ الشَّرْبُ شَرْبُهُمُ ... إِذَا جَرَى فِيهِمُ الْمُزَّاءُ وَالسَّكَرُ
وقال الشاعر:
وَجَاؤُنَا بهم سَكَرٌ عَلَيْنَا ... فَأَجْلَى اليَوْمُ وَالسَّكْرَانُ صَاحِي
الخامس: رد ابن العربي على القول بأنه خبر والأخبار لا تنسخ بقوله: "أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كَانَ عَنْ الْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ، أَوْ كَانَ عَنْ الْفَضْلِ الْمُعْطَى ثَوَابًا فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ فَأَمَّا إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَالْأَحْكَامُ تَتَبَدَّلُ وَتُنْسَخُ جَاءَتْ بِخَبَرٍ أَوْ بِأَمْرٍ، وَلَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى تَكْذِيبٍ فِي الْخَبَرِ أَوْ الشَّرْعِ الَّذِي كَانَ مُخْبَرًا عَنْهُ قَدْ زَالَ بِغَيْرِهِ".

(2) قول محمد بن سيرين ({السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين).

تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله: (والسابقون الأولون)، قال: هم الذين صلوا القبلتين.
وروى ابن جرير أيضا من طريق ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين.
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَشْعَثُ أَخْبَرَنَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ».

الحكم على الأثر:
الرواية الأولى لابن جرير فيها ضعف للاختلاف في هشيم وفيها مجهول، أما الرواية الثانية فإسنادها صحيح.
عمرو بن عون: ثقة حافظ، قال عنه أبو زرعة: "قل من رأيت أثبت من عمرو بن عون".
هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي: حافظ، قال عنه ابن مهدي: "كان هشيم أحفظ للحديث من الثوري"، وقال ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن جرير وهشيم؟ فقال: هشيم أحفظ"، وذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أحمد أنه يدلس، وقال الذهبي: حافظ حجة مدلس.
قتادة: قال أحمد بن حنبل: قَتَادَةُ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وقال أبو زرعة: قتادة من أعلم أصحاب الحسن.
أما أشعث فلم أتبين هل هو ابن سوار أم ابن عبد الملك؟ فأذكر كليهما.
أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: قال ابن أبي حاتم في العلل: "مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلته عَن أَشْعَث بن سوار فَقَالَ هُوَ أمثل من مُحَمَّد بن سَالم وَلكنه على ذَاك ضَعِيف يَعْنِي الْأَشْعَث".
أَشْعَث بن عبد الْملك: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَأَلت أبي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك الحمراني فَقَالَ أَيّمَا أثبت أَشْعَث بن عبد الْملك أَو أَشْعَث بن سوار فَقَالَ بن سوار ضَعِيف الحَدِيث الحمراني فَوْقه"، وقال أبو زرعة عنه: "صَالح"، وقال الدار قطني في علله: "أَشْعَثُ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ".
محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار، ثقة، الحافظ الكبير الإمام (كما في التقريب وتذكرة الحفاظ وتهذيب التهذيب)
معاذ بن معاذ: وثقه الدار قطني في علله، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال: "سَمِعت أَبِي يَقُول كَانَ مُعَاذ وَبشر بْن الْمفضل يصليان فِي مَسْجِد وَاحِد فَلَا يخرج بشر ابدًا حَتَّى يخرج مُعَاذ فَإِذا خرج مُعَاذ خرج بشر إعظامًا لَهُ وَكَانَ أسن مِنْهُ".
أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر: لم أقف على ترجمته، ويحتمل أن يكون: ابن المنادى أبو الحسين، وهو ثقة.

توجيه القول:
هو قول متجه على اعتبار (من) في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) تبعيضيه، فيكون كونهم سابقين أي أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين، وقد ضعف هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة حيث قال: (وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة).

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية، وهو قول الشعبي وابْنِ سِيرِينَ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثالث: أنهم أهل بدر، وهو قول عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن كعب القرظي، وهو متضمن في القول الأول.
القول الرابع: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم، ذكره الماوردي.
القول الخامس: أنهم المذكورون في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] الآية، أي هم الذين: أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فيدخل فيهم أهل بيعة الرضوان جميعا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

الراجح:
أن كل الأقوال محتملة الدخول في معنى السابقين، فكل هذه الأوصاف منطبقة على السابقين الأولين من أصحاب النبي، وتعتبر من التفسير بالمثال، وأوجه قول يمكن ترجيحه هو قول ابن تيمية أنهم السابقون إلى الإنفاق والجهاد والبيعة.

(3) قول عطاء بن أبي رباح: (التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار)
تخريج الأثر:
رواه يحيى بن سلام في تفسيره من طريق حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَطْعُ الأَظْفَارِ.

أما رواية ابن جرير وابن أبي شيبة فعن عطاء عن ابن عباس -مع تقارب الألفاظ بينهما-:
روى ابن جرير من طريق هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال، في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.
وروى ابن أبي شيبة من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «التَّفَثُ الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ»

والراوية أخرى لابن جرير عن عطاء بن السائب -وليس عطاء بن أبي رباح- من طريق ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، قال: التفث: حلق الشعر، وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب، وحلق العانة، وأمر الحجّ كله.
وروى ابن أبي شيبة من طريق أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «الْحَلْقُ وَالذَّبْحُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ»

الحكم على الأثر:
رواية حَمَّاد عن قيس بن سعد ضعيفة، كما قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل في العلل: "سمعته يَقُول قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان إِن كَانَ مَا يروي حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد حَقًا فَهُوَ قلت لَهُ مَاذَا قَالَ ذكر كلَاما قلت مَا هُوَ قَالَ كَذَّاب، قلت لأبي لأي شَيْء هَذَا قَالَ لِأَنَّهُ روى عَنهُ أَحَادِيث رَفعهَا إِلَى عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أبي ضَاعَ كتاب حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس بن سعد فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ من حفظه فَهَذِهِ قَضيته".
وقال أيضا: "سَمِعت أبي يَقُول شيخ يحدث عَنهُ عَبَّاس بن الْفضل يُقَال لَهُ سُلَيْمَان أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ القافلائي يحدث عَن الْحسن وَمُحَمّد فِي الْقرَاءَات قَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا ضَعِيف الحَدِيث قَالَ أبي زَعَمُوا أَنه كَانَ يَجِيء إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة فَيَقُول حَمَّاد حَدثنَا قيس بن سعد عَن عَطاء قَالَ فيكتبه ثمَّ يَقُول أَنا قد سمعته من عَطاء قَالَ أبي وَكَانَ قد سمع من عَطاء مَا أرَاهُ إِلَّا لَيْسَ بِشَيْء".
وقال البيهقي: "حماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويجتنبون ما تفرد به عن قيس خاصة".
كما أنه لم أجد هذه الرواية في كتب السنن الصحيحة.

أما رواية ابن جرير فقد صحح إسنادها الشيخ الألباني.

توجيه القول:
هذا القول موافق لأقوال أهل اللغة في معنى التفث، فيدخل في باب التفسير اللغوي، ومن أقوالهم ما يلي:
قَالَ صَاحِبُ «اللِّسَانِ»: التَّفَثُ: نَتْفُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، إِلَخْ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: التَّفَثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذْهَابُ الشَّعَثِ.
وَقَالَ قُطْرُب: تَفِثَ الرَّجُلُ إذَا كَثُرَ وَسَخُهُ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ: سَاخِينَ آبَاطَهُمْ لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا ... وَيَنْزِعُوا عَنْهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا
وَقَالَ الْفراء: التّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وَغَيرهَا من الْبَقر وَالْغنم وحَلْق الرَّأْس، وتَقْليم الأظْفار وأشباهه.
وذكر الرازي نقلا عن المبرد: التفث هاهنا فضول الشعر والأظفار من شعر الإبطين والعانة، وأصل التفث في كلام العرب: كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: التَّفَثُ هُوَ الرَّمْيُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالذَّبْحُ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ نَحْوَهُ، وَلَا أُرَاهُ أَخَذُوهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ الْوَسَخُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أَتْفَثَكَ أَيْ مَا أَوْسَخَكَ وَأَقْذَرَكَ.

أما قول ابْنُ الْعَرَبِيِّ: "هَذِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ عَرَبِيَّةٌ لَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهَا شِعْرًا، وَلَا أَحَاطُوا بِهَا خَبَرًا"، فهو موافق لقول أبي عبيدة: "إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ"، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير.

هذا كلام أهل اللغة في التفث، وقول الزجاج محتمل أن أهل اللغة نقلوه من التفسير وليس له أصل في اللغة يستند عليه، ثم أطلق على أعمال الحج فتكون حقيقته الشرعية التحلل من الإحرام بعد النحر والحلق وإزالة الوسخ والتطهر، كما في أقوالهم الآتية:
وقال النضر بن شميل: التفث: النسك من مناسك الحج، رجل تَفِث: أي: مُغْبرٌّ شعث، لم يدَّهن ولم يستحد.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة: لم يفسر أحد من اللغويين التفث كما فسره ابن شميل، جعل التفث الشعث، وجعل قضاءه إذهاب الشعث بالحلق والتَّقْليم وما أشبهه.
وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: التَّفَثُ فِي الْمَنَاسِكِ: مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَالْعَانَةِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَنَحْرِ الْبُدْنِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وقَالَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ»: التَّفَثُ مُحَرَّكَةٌ فِي الْمَنَاسِكِ: الشَّعَثُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَحْوِ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَالشَّارِبِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَكَتِفِ الشَّعِثِ وَالْمُغْبَرِّ، اهـ.
وقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ لِيُزِيلُوا عَنْهُمْ أَدْرَانَهُمْ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذُ الشَّارِبِ، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، إلَّا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ.
وقال ابن الأعرابي في قوله {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قال: قضاء حوائجهم من الحلق والتنظيف وَمَا أشبهه.

فيكون المعنى المراد من القضاء في (ليقضوا تفثهم) هو التأدية، أي ليؤدوا إزالة وسخهم، لأن التفث هو الوسخ والدرن، والشعث والقذارة من طول الشعر والأظفار، وقد أجمع المفسرون على ذلك كما حكى النيسابوري.

الأقوال الأخرى الواردة في معنى الآية:
القول الثاني: حَلْقُ الرأس، وهو قول قَتَادَةَ والضحاك.
القول الثالث: حَلْقُ الرأس وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وهو قول مُجَاهِد ومحمد بن كعب القرظي، ومعنى قول ابن جريج وعكرمة، ورواية عطاء عن ابن عباس، رواه الطبري وسعيد بن منصور وعزاه السيوطي لابن أبي شيبة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم.
القول الرابع: التَّفَثُ ذَا الشَّعَثِ وَذَا التَّقَشُّف، أي: إزَالَةُ قَشَفِ الْإِحْرَامِ، مِنْ تَقْلِيمِ أَظْفَارٍ، وَأَخْذِ شَعْرٍ، وَغُسْلٍ، وَاسْتِعْمَالِ طِيب، وهو قول الْحَسَن، ومعنى قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، وهو داخل في القول السابق.
القول الخامس: تَقَشُّفُ الإِحْرَامِ بِرَمْيِهِمُ الْجِمَارَ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول آخر عن الحسن.
القول السادس: وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وهو قول ابن عباس، وابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِك، رواه الطبري وعزاه السيوطي لابن المنذر وابن أبي حاتم، واختيار الزجاج بقوله: "كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال"، وهو مقارب لما سبقه من أقوال.
القول السابع: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر، وأخذ شارب، ورمي جمرة، وطواف بالبيت، وهو قول ابْنُ عُمَر وَسَعِيدُ بْنُ جبير ورواية عن القرظي، وَرواية عكرمة عن ابْنُ عَبَّاس، رواه الطبري وابن أبي شيبة وعزاه السيوطي لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وذكر أيضا عن ابن عمر وَابْنُ عَبَّاس أنه المناسك كلها.

الراجح:
أن القول السابع والأخير عن ابن عمر وابن عباس يشمل جميع الأقوال السابقة فيمكن القول بترجيحه، ولذلك تعقبه ابْنُ الْعَرَبِيِّ بقوله: "لَوْ صَحَّ عَنْهُمَا لَكَانَ حُجَّةً لِشَرَفِ الصُّحْبَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِاللُّغَةِ"، وتكون بقية الأقوال تفسيرا بجزء من المعنى، مع صحتها وموافقتها للمعنى اللغوي للتفث، الذي يعود إلى الخروج من الإحرام إلى الإحلال، وقد أشار إليه القرطبي بقوله: "أَيْ ثُمَّ لِيَقْضُوا بَعْدَ نَحْرِ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، كَالْحَلْقِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَإِزَالَةِ شَعَثٍ وَنَحْوِهِ".

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir