دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > باب اللباس

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 10:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب اللباس (1/5) [تحريم الحرير للرجال وذكر أنه سيأتي من يستحله]

بابُ اللِّبَاسِ
عن أبي عامِرٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ)). رواهُ أبو دَاوُدَ، وأَصْلُهُ في البخاريِّ.


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:05 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

بَابُ اللِّبَاسِ
أَيْ: مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ
عَنْ أَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.
(عَنْ أَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ) قَالَ فِي الأَطْرَافِ: اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ؛ فَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: عُبَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، وَبَقِيَ إلَى خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، سَكَنَ الشَّامَ، وَلَيْسَ بِعَمِّ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، ذَلِكَ قُتِلَ أَيَّامَ حُنَيْنٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ)) ): بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: اسْتِحْلالُ الزِّنَى. وَبِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ ( ((وَالْحَرِيرَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ)، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقاً.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لِبَاسِ الْحَرِيرِ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ: ((يَسْتَحِلُّونَ)) بِمَعْنَى: يَجْعَلُونَ الْحَرَامَ حَلالاً، وَيَأْتِي الْحَدِيثُ الثَّانِي وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ اسْتِحْلالَ الْمُحَرَّمِ لا يُخْرِجُ فَاعِلَهُ مِنْ مُسَمَّى الأُمَّةِ، كَذَا قَالَ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ مَن اسْتَحَلَّ مُحَرَّماً؛ أَي: اعْتَقَدَ حِلَّهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَذَّبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَقَوْلُهُ بِحِلِّهِ رَدٌّ لِكَلامِهِ وَتَكْذِيبٌ، وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ، فَلا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مِن الأُمَّةِ قَبْلَ الاسْتِحْلالِ، فَإِذَا اسْتَحَلَّ خَرَجَ عَنْ مُسَمَّى الأُمَّةِ. وَلا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالأُمَّةِ هُنَا أُمَّةُ الدَّعْوَةِ؛ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِلُّونَ لِكُلِّ مَا حَرَّمَهُ، لا لِهَذَا بِخُصُوصِهِ.
وَقَد اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ، فَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي اللِّبَاسِ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَنَّهَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْحُمَيْدِيُّ وَابْنُ الأَثِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الإِبْرَيْسَمِ مَعْرُوفٌ، وَضَبَطَهُ أَبُو مُوسَى بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلافِ طُرُقِهِ هُوَ الأَوَّلُ. وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِن الْحَدِيثِ فَهُوَ الْخَالِصُ مِن الْحَرِيرِ، وَعَطْفُ الْحَرِيرِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لأَنَّ الْخَزَّ ضَرْبٌ مِن الْحَرِيرِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ الْخَزُّ عَلَى ثِيَابٍ تُنْسَجُ مِن الْحَرِيرِ وَالصُّوفِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ حَلالٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الدَّشْتَكِيِّ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ بِبُخَارَى رَجُلاً عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ، قَالَ: (كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بَيَانُ مَا يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ الْخَالِصِ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ اللِّبَاسِ

مُقَدِّمَةٌ
لَبِسَ الثوْبَ؛ مِنْ بابِ: تَعِبَ، لُبْساً، بضَمِّ اللامِ، وأمَّا اللِّبْسُ؛ بكسْرِ اللامِ، واللِّباسُ، فهوَ ما يُلْبَسُ، وجَمْعُ اللِّباسِ: لُبُسٌ؛ مثلُ: كتابٍ وكُتُبٍ. وذَكَرَ اللِّباسَ بعدَ الصلاةِ؛ لأنَّ سَتْرَ العورةِ أحَدُ شُروطِ الصلاةِ؛ ولِذَا قالَ تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا} [الأعراف: 31].
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (ولهذهِ الآيَةِ، وما وَرَدَ في مَعْنَاهَا مِن السُّنَّةِ، يُسْتَحَبُّ التجَمُّلُ عندَ الصلاةِ، ولا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ويومَ العيدِ، والطِّيبُ؛ لأنَّهُ مِن الزِّينةِ، والسُّوَاكُ؛ لأنَّهُ مِنْ تمامِ ذلكَ، ومِنْ أفْضَلِ الثيابِ البَيَاضُ).
والأصْلُ في اللِّباسِ الْحِلُّ كغيرِهِ مِنْ أنواعِ الْمُباحاتِ؛ كالمآكِلِ، والْمَشارِبِ، والْمَراكِبِ، والمساكِنِ، وغيرِها.
قالَ تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29]. وقالَ تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]. وَرَوَى البيهقيُّ عنْ عِمرانَ بنِ حُصينٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ)).
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الأصْلُ في المعامَلاتِ والعاداتِ الإباحةُ، فلا يَحْرُمُ منها إلاَّ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ ورسولُهُ).
وبهذا، فالشريعةُ الإسلاميَّةُ السَّمْحَةُ تُعْطِي المجالَ الواسِعَ في الاستمتاعِ بما أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زِينةِ الحياةِ الدُّنيا، بلا حَرَجٍ ولا ضِيقٍ، أمَّا المُحَرَّماتُ فهيَ أشياءُ محدودةٌ معدودةٌ تَرْجِعُ إلى ضوابطَ تَحْصُرُها وتَحُدُّها، وذلكَ مِثْلُ:
أوَّلاً: الذهَبُ والفِضَّةُ والحريرُ للرِّجَالِ، ورَدَ في تَحْرِيمِها النصوصُ، وظَهَرَت الحكْمَةُ مِنْ مَنْعِهم منها.
ثانياً: التَّشَبُّهُ؛ إمَّا بالكُفَّارِ فيما اخْتُصُّوا بهِ، وصارَ سِيمَا لَهُمْ، فالتشَبُّهُ بهم محرَّمٌ، فمَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم، وإمَّا تَشَبُّهُ الرجالِ بالنساءِ أو العكْسِ؛ فإنَّ لكلِّ جنْسٍ مِن الذكورِ والإناثِ لِبَاساً خاصًّا، وهيئةً خاصَّةً، يَحْرُمُ على الجنْسِ الآخَرِ التشَبُّهُ بها، وقدْ وَرَدَت النصوصُ في هذا، وظَهَرَتْ آثارُ حِكمةِ اللَّهِ تعالى في ذلكَ.
ثالثاً: الإسرافُ والتبذيرُ وإضاعةُ المالِ في ذلكَ، فهوَ مُحَرَّمٌ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى ذَمَّ أولئكَ، فقالَ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
فهذهِ الضوابطُ وأَمْثَالُها هيَ التي تُخْرِجُ العاداتِ عنْ أصْلِها مِن الْحِلِّ إلى الْحُرمةِ، ونُصوصُ ما أشَرْنا إليهِ مَوجودةٌ مَشهورةٌ، وما علينا إلاَّ الامتثالُ والوقوفُ عندَ حُدُودِ ما أَباحَ اللَّهُ تعالى.
* * *
عنْ أبي عامِرٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ)). رواهُ أبو دَاوُدَ، وأَصْلُهُ في البخاريِّ.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ، أخرَجَهُ البخاريُّ تَعليقاً، قالَ ابنُ الصلاحِ في علومِ الحديثِ: التعليقُ في أحاديثِ البخاريِّ قَطْعُ إِسْنَادِها، فصورَتُهُ صُورةُ الانقطاعِ، وليسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، فما وُجِدَ مِنْ ذلكَ فهوَ مِنْ قَبيلِ الصحيحِ، لا مِنْ قَبيلِ الضعيفِ، فما أخْرَجَهُ مِنْ حديثِ أبي عامِرٍ الأشعريِّ، عنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ)) صحيحٌ، معروفُ الاتِّصالِ بشرْطِ الصحيحِ، والبخاريُّ قدْ يَفعلُ مثلَ ذلكَ لغَيْرِ الأسبابِ التي يَصْحَبُها خلَلُ الانقطاعِ.
لِذَا فقدْ صَحَّحَ هذا الحديثَ البخاريُّ؛ حيثُ أوْرَدَهُ في صحيحِهِ مَجزوماً بهِ، كما صحَّحَهُ ابنُ القَيِّمِ، وابنُ الصلاحِ، والعراقيُّ، وابنُ حَجَرٍ، وابنُ عبدِ الهادي، والشوكانيُّ.
* مفرداتُ الحديثِ:
- ليَكُونَنَّ: مَبْنِيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ.
- أقوامٌ: جَمْعُ قومٍ؛ وهم الجماعةُ مِن الرجالِ، قالَ تعالى: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11].
وقالَ زُهَيْرٌ:
وما أَدْرِي ولَسْتُ إِخالُ أَدْرِي = أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ؟
قالَ في الْمِصباحِ: القومُ جماعةُ الرجالِ، ليسَ فيهم امرأةٌ، والجمْعُ: أقوامٌ، سُمُّوا بذلكَ لقيامِهم بالعَظائِمِ والْمُهِمَّاتِ.
- يَسْتَحِلُّونَ: مُسْتَحِلِّينَ لِباسَ الحريرِ والْخَزِّ.
- الْحِرُّ: على الروايَةِ الأُخْرَى، وَهِيَ الصحيحةُ، هوَ قُبُلُ المرأةِ.
قالَ في الْمِصباحِ: بالكسْرِ وتشديدِ الراءِ.
قالَ ابنُ الأثيرِ في النهايَةِ نَقْلاً عنْ أبي موسى: إنَّهُ بالتخَفُّفِ، قالَ: ومنهم مَنْ يُشَدِّدُ الراءَ، وليسَ بجَيِّدٍ، والأصْلُ حِرْحٌ، فحُذِفَت الحاءُ التي هيَ لامُ الكَلِمَةِ، ثمَّ عُوِّضَ عنها راءٌ، وأُدْغِمَتْ في عينِ الكلمةِ، وإنَّما قيلَ ذلكَ؛ لأنَّهُ يُصَغَّرُ على: حُرَيْحٍ، ويُجْمَعُ على: أَحْرَاحٍ، والتصغيرُ وجَمْعُ التكسيرِ يَرُدَّانِ الكلمةَ إلى أصْلِها، وقدْ يُسْتَعْمَلُ استعمالاً يَدُومُ مِنْ غيرِ تعويضٍ، وإنَّما حُذِفَتْ لامُهُ اعتباطاً؛ أيْ: بدُونِ إعلالٍ، ولا تعويضٍ.
قالَ الشيخُ أَحْمَد مُحَمَّد شاكِر: هذهِ الروايَةُ الصحيحةُ في جميعِ نُسَخِ البُخاريِّ وغيرِهِ، ورواهُ بعضُ الناقلينَ: ((الْخَزَّ))؛ بالخاءِ والزايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: نوعٌ مِن الإبْرِيسَمِ، وهوَ تَصحيفٌ، كما قالَ الحافِظُ أبو بكرِ بنُ العربيِّ. انظُرْ: فتْحَ البارِي.
- الْحَرِيرَ: أي الأصلِيَّ، وهوَ خَيْطٌ دقيقٌ تُفْرِزُهُ دُودةُ الْقَزِّ، أمَّا الحريرُ الصناعيُّ فهوَ أَليافٌ تُتَّخَذُ مِنْ عَجينَةِ الْخَشبِ، أوْ نُسَالَةِ القُطْنِ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1) يُخْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ سيكونُ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَأتونَ فاحِشَةَ الزِّنَا مُسْتَحِلِّيهَا.
2) يُخْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ سيكونُ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَلْبَسُ الحريرَ مِن الرجالِ مسْتَحِلِّينَ لُبْسَهُ، ويُبيحُ الزِّنَا. وقدْ وَقَعَ ما أَخْبَرَ عنهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، فَهَا هيَ أَنْظِمَةُ الدُّوَلِ التي تَدَّعِي الإسلامَ تُبيحُ الزِّنَا، وتَجْعَلُ لهُ أسواقاً ومَحَالاَّتٍ خاصَّةً، تأخُذُ عليهِ الْمُومِسَاتُ الضرائبَ، وتُقَرِّرُ لَهُنَّ الأطباءَ، وتَشْمَلُهُنَّ بعِنايَتِها الصِّحِّيَّةِ والاجتماعيَّةِ، وها هُم الرجالُ مِمَّنْ يَدَّعُونَ الإسلامَ يَلْبَسُونَ الذهَبَ، ويأكلونَ ويَشربونَ في أَوَانِي الفِضَّةِ في الفنادِقِ الراقيَةِ والحفلاتِ الكبيرةِ، ويَلْبَسُونَ الحريرَ مسْتَحِلِّينَ كلَّ ذلكَ.
3) أنَّ استحلالَ شيءٍ مِنْ هذهِ الأمورِ التي عُلِمَ تحريمُها مِن الدِّينِ بالضرورةِ، هوَ تكذيبٌ للنصوصِ الواردةِ في كتابِ اللَّهِ تعالى، والثابتةِ عنْ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ومَنْ كَذَّبَ تلكَ النصوصَ فهوَ كافِرٌ خارِجٌ عن الْمِلَّةِ الإسلاميَّةِ.
وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((مِنْ أُمَّتِي)) يَحْتَمِلُ أحَدَ أمرَيْنِ:
(أ) إِمَّا أنَّهُ سُمِّيَ مِن الأُمَّةِ باعتبارِ ما يَسْبِقُ قَبْلَ استحلالِهِ لهذهِ الأشياءِ، وهذا جائزٌ لُغةً باعتبارِ ما كانَ، كقولِهِ تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2].
(ب) وإمَّا أنَّهُ مِنْ أُمَّةِ الدعوةِ فَقَطْ، وليسَ مِنْ أُمَّةِ الإجابةِ.
4) الحديثُ فيهِ بيانُ مُعجِزَةٍ مِنْ مُعْجِزَاتِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ فإنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِي))، ولم يُوجَدْ إلاَّ في الأَزْمِنَةِ الأخيرةِ التي طَغَتْ فيها أخلاقُ الفِرِنْجِ على أخلاقِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ، فوُجِدَتْ هذهِ الأمورُ في البلادِ التي يَدَّعِي قادَتُها الإسلامَ، فإنَّا للَّهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ.
* فائدةٌ:
حُكْمُ اللِّبَاسِ يكونُ على أربعةِ أنواعٍ:
أحدُها: التحريمُ العامُّ، وذلكَ اللِّباسُ الْمُصَوَّرُ والمغصوبُ ونحْوُهُ، فهذا تَحْرِيمُهُ عامٌّ على الذُّكُورِ والإناثِ.
الثاني: التحريمُ الخاصُّ، وذلكَ الحريرُ على الرجالِ.
الثالثُ: التحريمُ الطارئُ، وهوَ الْمَخِيطُ على الرجُلِ الْمُحْرِمِ.
الرابعُ: الْحِلُّ، وهوَ الأصْلُ في اللِّباسِ وغيرِهِ مِن العاداتِ، وهذا هوَ الكثيرُ، ولهذا صارَ المُحَرَّمُ معدوداً، والمباحُ لا حَدَّ لهُ، ولا عَدَّ.
5) الْخَزُّ: دُودَةٌ تُفْرِزُ خُيُوطاً تَنْسُجُها على بَدَنِها، فإذا غَطَّتْ نفْسَها بهذا النَّسيجِ ماتَتْ، ونَسْجُها هوَ حريرُ الْخَزِّ، وهوَ المحرَّمُ على الذكورِ.
وفي زمانِنا هذا وُجِدَ خَزٌّ صناعيٌّ يُشَابِهُ الْخَزَّ الطبيعيَّ مِنْ كلِّ وَجْهٍ، فهذا لا يَدْخُلُ في التحريمِ؛ لأنَّ مَرَدَّهُ إلى اللَّهِ تعالى ورسولِهِ، فما لم يُحَرِّمَاهُ ليسَ حَرَاماً، والأصْلُ الإباحةُ، إلاَّ أنَّهُ يَنبغِي اجتنابُهُ لِمَحاذِيرَ أُخَرَ:
أ) أنَّهُ مُشَابِهٌ للحريرِ الأصليِّ، فالجاهِلُ باللِّباسِ يَظُنُّهُ حريراً، فيَقْتَدِي بهِ، فيَفْتَحُ بابَ شَرٍّ.
ب) أنَّ مَنْ رَعَى حولَ الْحِمَى وقَعَ فيهِ، فقدْ يُسْتَدْرَجُ مِن التقليدِ إلى الأصليِّ.
ج) أنَّهُ يُسَبِّبُ لُيونةً ومُيوعةً في الرجالِ، والمطلوبُ في الرجُلِ الصلابةُ والرجولةُ.
د) أنَّهُ يُسَبِّبُ غِيبَتَهُ وتجريحَهُ مِمَّنْ يَظُنُّ أنَّ ما عليهِ حريراً طبيعيًّا، فالابتعادُ عنهُ أَوْلَى، وأبْعَدُ عن الشرِّ.
6) ما يُسَمَّى ذَهَباً، وليسَ بذَهَبٍ أحمرَ؛ مثلُ: البِلاتِينِ والماسِ، لا يَأْخُذُ حكْمَ الذهَبِ في التحريمِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللباس, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir