دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 06:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي البدل

البَدَلُ

التابعُ المقصودُ بالْحُكْمِ بلا = واسطةٍ هوَ الْمُسَمَّى بَدَلَا
مُطابِقًا أوْ بَعْضًا اوْ مَا يَشتمِلْ = عليهِ يُلْفَى أوْ كمعطوفٍ بِبَلْ
وذا لِلِاضرابِ اعْزُ إنْ قَصْدًا صَحِبْ = ودُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بهِ سُلِبْ
كزُرْهُ خالدًا وقَبِّلْهُالْيَدَا = واعْرِفْهُ حَقَّهُ وخُذْ نَبْلًا مُدَى
ومِنْ ضميرِ الحاضرِ الظاهرَ لا = تُبْدِ لَهُإِلَّامَا إِحَاطةً جَلَا
أو اقْتَضَى بَعضًا أو اشْتِمَالَا = كأنَّكَ ابتهاجَكَ اسْتَمَالَا
وبَدَلُ المُضَمَّنِ الهمزَ يَلِي = هَمْزًا كمَنْ ذا أَسعيدٌ أَمْ عَلِي
ويُبْدَلُ الفعلُ مِن الفعلِ كَمَنْ = يَصِلْ إلينا يَسْتَعِنْ بنا يُعَنْ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 03:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


الْبَدَلُ

التابعُ المقصودُ بالْحُكْمِ بِلاَ = وَاسِطَةٍ هو الْمُسَمَّى بَدَلاَ ([1])

البَدَلُ هو (التابِعُ المقصودُ بالنِّسْبَةِ بلا واسِطَةٍ).
فـ "التابعُ" جِنْسٌ، و"المقصودُ بالنِّسْبَةِ" فَصْلٌ أَخْرَجَ النعْتَ والتوكيدَ وعطْفَ البيانِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ مِنها مُكَمِّلٌ للمقصودِ بالنِّسْبَةِ، لا مَقصودٌ بها، و"بلا واسِطَةٍ" أخْرَجَ المعطوفَ ببَلْ، نحوُ: "جاءَ زيدٌ بل عمرٌو"؛ فإنَّ "عَمْراً" هو المقصودُ بالنِّسبةِ، ولكنْ بواسِطَةٍ، وهي بل، وأَخْرَجَ المعطوفَ بالواوِ ونحوِها؛ فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما مقصودٌ بالنِّسبةِ ولكنْ بوَاسِطَةٍ([2]).

مُطابِقاً أو بَعْضاً او ما يَشتمِلْ = عليهِ يُلْفَى أو كمعطوفٍ بِبَلْ ([3])


وذا لِلاضرابِ اعْزُ إنْ قَصْداً صَحِبْ = ودُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ به سُلِبْ ([4])


كَزُرْهُ خالداً وقَبِّلْهُ الْيَدَا = واعْرِفْهُ حَقَّهُ وخُذْ نَبْلاً مُدَى ([5])

البدَلُ على أربعةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: بَدَلُ الكُلِّ مِن الكُلِّ، وهو البدَلُ المُطابِقُ للمُبْدَلِ منه الْمُساوِي له في المعنى، نحوُ: "مَرَرْتُ بأخيكَ زيدٍ، وزُرْهُ خالداً".
الثاني: بدَلُ البعْضِ مِن الكُلِّ([6])، نحوُ: "أكَلْتُ الرغيفَ ثُلُثَه، وقَبِّلْه اليَدَ".
الثالثُ: بدَلُ الاشتمالِ، وهو الدالُّ على مَعنًى في مَتبوعِه، نحوُ: "أَعْجَبَنِي زيدٌ عِلْمُه، واعْرِفْه حَقَّه".
الرابعُ: البدَلُ الْمُبايِنُ للمُبْدَلِ منه، وهو المرادُ بقولِه: (أو كَمَعْطُوفٍ بِبَلْ)، وهو على قِسمَينِ:
أحَدُهما: ما يُقْصَدُ مَتبوعُه كما يُقْصَدُ هو، ويُسَمَّى بدَلَ الإضرابِ وبَدَلَ البَدَاءِ([7])، نحوُ: "أكلْتُ خُبزاً لَحْماً"، قصَدْتَ أوَّلاً الإخبارَ بأنَّكَ أكَلْتَ خُبْزاً، ثم بَدَا لكَ أنَّكَ تُخْبِرُ أنَّكَ أَكَلْتَ لَحْماً أيضاً، وهو المرادُ بقولِه: (وذا للاِضْرَابِ اعْزُ إنْ قَصْداً صَحِبْ)؛ أي: البدَلُ الذي هو كمعطوفٍ ببل انْسُبْهُ للإضرابِ إنْ قُصِدَ متبوعُه كما يُقْصَدُ هو.
الثاني: ما لا يُقْصَدُ مَتبوعُه، بل يَكونُ المقصودُ البدَلَ فقطْ، وإنَّما غَلِطَ المتكلِّمُ فذَكَرَ الْمُبْدَلَ منه، ويُسَمَّى بدَلَ الغلَطِ والنِّسيانِ، نحوُ: "رَأيتُ رَجُلاً حِمَاراً"، أرَدْتَ أنَّكَ تُخْبِرُ أوَّلاً أنَّكَ رأيتَ حِمَاراً، فغَلِطْتَ بذِكْرِ الرجُلِ، وهو المرادُ بقولِه: (ودُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ به سُلِبْ)؛ أيْ: إذا لم يَكُنِ الْمُبدَلُ منه مقصوداً فيُسَمَّى البدَلُ بدَلَ الغلَطِ؛ لأنه مُزيلُ الغلَطِ الذي سبَقَ، وهو ذِكْرُ غيرِ المقصودِ، وقولُه: (خُذْ نَبْلاً مُدَى) يَصْلُحُ أنْ يكونَ مِثالاً لكلٍّ مِن القِسمينِ؛ لأنه إنْ قَصَدَ النَّبْلَ والْمُدَى فهو بدَلُ الإضرابِ، وإنْ قصَدَ الْمُدَى فقطْ، وهو جَمْعُ مُدْيَةٍ وهي الشَّفْرَةُ، فهو بدَلُ الغلَطِ.

ومِن ضميرِ الحاضرِ الظاهرَ لا = تُبْدِلْهُ إلاَّ ما إحاطةً جَلاَ ([8])

أوِ اقْتَضَى بَعضاً أوِ اشْتِمَالاَ = كإِنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالاَ ([9])
أيْ: لا يُبْدَلُ الظاهِرُ مِن ضَميرِ الحاضِرِ إلاَّ إنْ كانَ الْمُبْدَلُ بدَلَ كلٍّ مِن كُلٍّ، واقتَضَى الإحاطَةَ والشمولَ، أو كانَ بَدَلَ اشتمالٍ أو بَدَلَ بعْضٍ مِن كلٍّ، فالأوَّلُ كقولِه تعالَى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}، فـ"أوَّلِنَا" بدَلٌ مِن الضميرِ المجرورِ باللامِ، وهو "نا"، فإنْ لم يَدُلَّ على الإحاطَةِ امتَنَعَ، نحوُ: "رَأَيْتُكَ زيداً".
والثاني كقولِه:

302- ذَرِينِي إنَّ أمْرَكِ لنْ يُطَاعَا = وما أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعَا([10])

فـ (حِلْمِي) بدَلُ اشتمالٍ مِن الياءِ في (أَلْفَيْتِنِي).
والثالثُ كقولِه:

303- أوْعَدَنِي بالسِّجْنِ والأَدَاهِمِ = رِجْلِي فرِجْلَي شَثْنَةُ الْمَنَاسِمِ([11])

فـ (رِجْلِي) بدَلُ بعضٍ مِن الياءِ في (أَوْعَدَنِي).
وفُهِمَ مِن كلامِه أنَّه يُبْدَلُ الظاهِرُ مِن الظاهِرِ مُطلَقاً كما تَقَدَّمَ تَمثيلُه، وأنَّ ضميرَ الغَيْبَةِ يُبْدَلُ منه الظاهِرُ مُطلَقاً، نحوُ: "زُرْهُ خالِداً".


وبَدَلُ المُضَمَّنِ الهمزَ يَلِي = هَمْزاً كمَنْ ذا أَسعيدٌ أَمْ عَلِي " ([12])

إذا أُبْدِلَ مِن اسْمِ الاستفهامِ وَجَبَ دُخولُ هَمزةِ الاستفهامِ على البدَلِ، نحوُ: "مَن ذا أَسعيدٌ أمْ عَلِيٌّ؟ ومَا تَفعلُ أَخيراً أمْ شَرًّا؟ ومتى تَأْتِينَا أَغَداً أمْ بعْدَ غَدٍ؟".


ويُبْدَلُ الفعلُ مِن الفعلِ كَمَنْ = يَصِلْ إلينا يَسْتَعِنْ بنا يُعَنْ "([13])

كما يُبْدَلُ الاسمُ مِن الاسمِ يُبْدَلُ الفعْلُ مِن الفعْلِ، فـ(يَسْتَعِنْ بنا) بدَلٌ مِن (يَصِلْ إلينا)، ومِثْلُه قولُه تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}، فـ{يُضَاعَفْ} بدَلٌ مِن {يَلْقَ}، فإعرابُه بإعرابِه، وهو الجزْمُ، وكذا قولُه:

304- إنَّ عليَّ اللهَ أنْ تُبَايِعَا = تُؤْخَذَ كَرْهاً أو تَجِيءَ طائِعَا([14])

فـ(تُؤخَذَ) بدَلٌ من (تُبَايِعَا)؛ ولذلك نُصِبَ.


([1]) (التابِعُ) مبتدأٌ أوَّلُ، (المقصودُ) صِفَةٌ له، (بالحكْمِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بالمقصودُ، (بلا واسِطَةٍ) بلا: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بالتابِعُ، ولا الاسميَّةُ مُضافٌ وواسطِةٍ: مُضافٌ إليه، (هو) ضميرٌ منفَصِلٌ مبتدأٌ ثانٍ، (المسمَّى) خبَرُ المبتَدَأِ الثاني، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ خبرُ المبتَدَأِ الأوَّلِ، وفي المسمَّى ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه تَقديرُه هو نائبُ فاعلٍ. وهو مفعولُه الأوَّلُ، (بدَلاَ) مفعولُه الثاني.

([2]) قولُ الناظِمِ: (التابِعُ المقصودُ بالحكْمِ) قد يُفيدُ أنَّ البدَلَ هو وَحْدَه المقصودُ بالنِّسبَةِ، والمعطوفُ بالواوِ ونحوِها في نحوِ: "جاءَ زيدٌ وعمرٌو" مقصودٌ بالنِّسبةِ، وليسَ هو وحدَه المقصودَ، وإنما هو والمتبوعُ جميعاً مَقصودانِ، فيُمْكِنُ أنْ يَخْرُجَ المعطوفُ بالحرْفِ المُشَرِّكِ لفْظاً ومعنًى بالفصْلِ الأوَّلِ، فافْهَمْ ذلك وتَدَبَّرْهُ.

([3]) (مُطَابِقاً) مفعولٌ ثانٍ تَقَدَّمَ على عامِلِه، وهو قولُه: (يُلْفَى) الآتي، (أو بَعْضاً) معطوفٌ على قولِه: مُطابِقاً، (أو) عاطفةٌ، (ما) اسمٌ موصولٌ: معطوفٌ على قولِه: (بعضاً) السابِقِ، (يَشْتَمِلْ) فعْلٌ مضارِعٌ وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا محلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ ما، (عليه) جارٌّ ومجرورٌ يَتَعَلَّقُ بقولِه: يَشتَمِلْ، (يُلْفَى) فِعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعِلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، وهو مفعولُه الأوَّلُ، (أو) عاطفةٌ، (كمعطوفٍ) الكافُ اسمٌ بمعنى مِثْل: معطوفٌ على قولِه: (ما يَشتَمِلْ)، والكافُ الاسميَّةُ مُضافٌ ومعطوفٍ مُضافٌ إليه، (ببلْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: معطوفٍ.

([4]) (وذا) اسمُ إشارةٍ: مفعولٌ به لقولِه: (اعْزُ) الآتي، (لِلاِضْرَابِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ باعْزُ أيضاً، (اعْزُ) فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على حذْفِ الواوِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (إنْ) شرطيَّةٌ، (قَصْداً) مفعولٌ مُقدَّمٌ لصَحِبَ، (صَحِبْ) فعْلٌ ماضٍ فعْلُ الشرْطِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، وجوابُ الشرْطِ محذوفٌ يُفْهَمُ مِمَّا قَبْلَه، (ودُونَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ أيْ: وإنْ وَقَعَ دُونَ، ودونَ مُضافٌ و(قَصْدٍ) مُضافٌ إليه، (غَلَطٌ) خبَرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ على تَقديرِ مُضافٍ؛ أيْ: فهو بدَلُ غلَطٍ، (به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ (سُلِب) الآتي، (سُلِبْ) فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ على الحكْمِ المفهومِ مِن سياقِ الكلامِ، وتَقديرُ الكلامِ: إنْ سُلِبَ هو؛ أي: الحكْمُ.

([5]) (كزُرْهُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، زُرْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به لِزُرْ، (خالداً) بدَلٌ مطابِقٌ مِن هاءِ زُرْهُ، (وقَبِّلْهُ اليَدَا) الواوُ عاطفةٌ، قَبِّلْ: فعْلُ أمْرٍ وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والهاءُ ضميرُ الغائبِ مفعولٌ به لاعْرِفْ مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (حَقَّهُ) حَقَّ: بدَلُ اشتمالٍ مِن الهاءِ في اعْرِفْهُ، وحَقَّ مُضافٌ وضميرُ الغائبِ مُضافٌ إليه، (وخُذِ) الواوُ عاطفةٌ: خُذْ: فعْلُ أمْرٍ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (نَبْلاً) مفعولٌ به لِخُذْ، (مُدَى) بدَلُ إضرابٍ مِن قولِه: (نَبْلاً).

([6]) نصَّ كثيرٌ مِن اللُّغَويِّينَ والنَّحْوِيِّينَ على أنَّ اقترانَ كلٍّ وبعْضٍ بألْ خَطَأٌ.

([7]) البَدَاءُ – بفتْحِ الباءِ بزِنَةِ السَّحَابِ – ظُهورُ الصوابِ بعْدَ خَفَائِه.

([8]) (ومِن ضميرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (لا تُبْدِلْهُ) الآتي، وضَميرِ مُضافٌ و(الحاضِرِ) مُضافٌ إليه، (الظاهِرَ) مفعولٌ لفعْلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه ما بعْدَه؛ أيْ: لا تُبْدِلِ الظاهِرَ، (لا) ناهِيَةٌ، (تُبْدِلْهُ) تُبْدِلْ: فعْلٌ مضارِعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ، والفاعلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، (إلا) أداةُ استثناءٍ، (ما) اسمٌ موصولٌ: مُستثنًى، مَبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصْبٍ، (إحاطَةً) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لِجَلاَ الآتي، (جَلاَ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، وتقديرُ البيتِ: ولا تُبْدِلِ الظاهِرَ مِن ضميرِ الحاضِرِ – وهو ضَميرُ المتكَلِّمِ أو ضميرُ المخاطَبِ – إلاَّ ما جَلاَ إحاطَةً.

([9]) (أو) عاطفةٌ، (اقتَضَى) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى البدَلِ، (بعْضاً) مفعولٌ به لاقتضَى، (أو اشتِمَالاَ) معطوفٌ على قولِه: بعْضاً، (كإنَّكَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، إنَّ: حرْفُ توكيدٍ ونصْبٍ، والكافُ اسْمُه، (ابتهاجَكَ) ابتهاجَ: بدَلُ اشتمالٍ مِن اسمِ إنَّ، وابتهاجَ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه، (استَمَالاَ) استمالَ: فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى ابتهاجَكَ، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ إنَّ.

([10])302- البيتُ لِعَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العَبَّادِيِّ، ونُسِبَ في كتابِ سِيبَوَيْهِ (1 / 77) إلى رجُلٍ مِن بَجِيلَةَ أو خَثْعَمٍ.
اللُّغَةُ: (ذَرِينِي) دَعِينِي واتْرُكِينِي، يُخاطِبُ امرأةً، (أَلْفَيْتِنِي) وَجَدْتِنِي، (مُضَاعَا) ذاهِباً أو كالذاهِبِ؛ لعَدَمِ التعويلِ عليه وتَرْكِ الركونِ إليه.
الإعرابُ: (ذَرِينِي) ذَرِي: فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على حذْفِ النونِ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعلٌ، والنونُ الموجودةُ للوِقايَةِ، والياءُ مفعولٌ به، (إنَّ) حرْفُ توكيدٍ ونَصْبٍ، (أَمْرَكِ) أمْرَ: اسمُ إنَّ، وأمْرَ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه، (لن) نافيةٌ ناصِبَةٌ، (يُطَاعَا) فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ للمَجهولِ مَنصوبٌ بلَنْ، ونائبُ الفاعِلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً، تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى أمْر الواقِعِ اسْماً لإنَّ، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ إنَّ، وجُملةُ إنَّ واسْمِها وخَبَرِها لا مَحَلَّ لها مُستأْنَفَةٌ للتعليلِ، (وما) الواوُ عاطفةٌ، ما: نافيةٌ، (أَلْفَيْتِنِي) أَلْفَى: فعْلٌ ماضٍ، وتاءُ المخاطَبَةِ فاعلُه، والنونُ للوِقايَةِ، والياءُ مفعولُه الأوَّلُ، (حِلْمِي): بَدَلُ اشتمالٍ مِن ياءِ المتكلِّمِ، وحِلْمِ مُضافٌ والياءُ مُضافٌ إليه، (مُضاعاً) مفعولٌ ثانٍ لأَلْفَى.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي)؛ حيثُ أَبْدَلَ الاسمَ الظاهِرَ – وهو قولُه: (حِلْمِي) – مِن ضَميرِ الحاضِرِ – وهو ياءُ المتكلِّمِ في (أَلْفَيْتِنِي) – بدَلَ اشتمالٍ.

([11]) 303 - نَسَبَ العَيْنِيُّ تَبَعاً لياقوتٍ هذا البيتَ للعُدَيْلِ – بزِنَةِ التصغيرِ – ابنِ الفَرْخِ - بزِنَةِ القَتْلِ – وكانَ مِن حَديثِه أنَّه هَجَا الحَجَّاجَ بنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ، فلَمَّا خافَ أنْ تَنالَه يَدُه هرَبَ إلى بلادِ الرومِ واستنجَدَ بالقَيْصَرِ فَحَمَاهُ، فلَمَّا عَلِمَ الحَجَّاجُ بذلك أَرْسَلَ إلى القَيْصَرِ يَتَهَدَّدُه إنْ لم يُرسِلْه، فأرسَلَه، فلَمَّا مَثَلَ بينَ يَدَيْهِ عَنَّفَه وذَكَّرَه بأبياتٍ كان قد قالَها في هِجَائِه.
اللُّغَةُ: (أَوْعَدَنِي) تَهَدَّدَنِي، وقالَ الفَرَّاءُ: يُقالُ: وَعَدْتُه خَيْراً ووَعَدْتُه شَرًّا – بإسقاطِ الهمزةِ فيهما – فإذا لم تَذْكُرِ المفعولَ قلتَ: "وَعَدْتُه" إذا أَردتَ الخيرَ، و"أَوْعَدْتُه" إذا أرَدْتَ الشرَّ، (السِّجْنِ) الْمَحْبَسِ، (الأَدَاهِمِ) جَمْعُ أدْهَمٍ، وهو القَيْدُ، (شَثْنَةُ) غَليظةٌ خَشِنَةٌ، (الْمَنَاسِمِ) جمْعُ مَنْسِمٍ – بزِنَةِ مَجْلِسٍ – وأَصْلُه طَرَفُ خُفِّ البَعيرِ، فاستَعْمَلَه في الإنسانِ، وإنما حَسُنَ ذلك؛ لأنه يُريدُ أنْ يَصِفَ نفْسَه بالْجَلاَدَةِ والقوَّةِ والصبْرِ على احتمالِ المكروهِ.
الإعرابُ: (أَوْعَدَني) أوْعَدَ: فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، والنونُ للوِقايَةِ، والياءُ مَفعولٌ به، (بالسِّجْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بأَوْعَدَ، (والأداهِمِ) معطوفٌ على السِّجْنِ، (رِجْلِي) رِجْلِ: بَدَلُ بعْضٍ مِن ياءِ المتكلِّمِ في أَوْعَدَنِي, ورِجْلِ مُضافٌ والياءُ مُضافٌ إليه، (فرِجْلِي) الفاءُ للتفريعِ، ورِجْلِ: مُبتدأٌ وياءُ المتكلِّمِ مُضافٌ إليه، (شَثْنَةُ) خبَرُ المبتَدَأِ، وشَثْنَةُ مُضافٌ و(الْمَناسِمِ) مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَوْعَدَنِي.... رِجْلِي)؛ حيثُ أَبْدَلَ الاسمَ الظاهِرَ – وهو قولُه: – رِجْلِي – مِن ضميرِ الحاضِرِ – وهو ياءُ المتكلِّمِ الواقِعَةُ مَفعولاً به لأَوْعَدَ – بدَلَ بعضٍ من ِكلٍّ.

([12]) (وبَدَلُ) الواوُ للاستئنافِ، بَدَلُ: مُبتدأٌ، وبَدَلُ مُضافٌ و(الْمُضَمَّنِ) مُضافٌ إليه، وفي الْمُضَمَّنِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ هو نائبُ فاعِلٍ له؛ لأنه اسمُ مفعولٍ مِن ضَمَّنَ – بالتضعيفِ – الذي يَتعَدَّى لاثنينِ، (الهمْزَ) مفعولٌ ثانٍ للمُضَمَّنِ، (يَلِي) فعْلٌ مضارِعٌ وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (هَمْزاً) مفعولٌ به لـ (يَلِي)، (كمَن) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، مَن: اسمُ استفهامٍ مُبتدأٌ، (ذا) اسمُ إشارةٍ: خَبَرُ المبتَدَأِ، (أَسعيدٌ) الهمزةُ للاستفهامِ، سعيدٌ: بَدَلٌ مِن اسمِ الاستفهامِ، وهو مَن، (أَمْ) حرْفُ عطْفٍ، (عَلِي) معطوفٌ بأمْ على سَعيدٌ.

([13]) (ويُبْدَلُ) الواوُ للاستئنافِ، يُبْدَلُ: فعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، (الفِعْلُ) نائبُ فاعلِ يُبدَلُ، (مِن الفعْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بيُبْدَلُ، (كمَن) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، مَن: اسمُ شرْطٍ مُبتدأٌ، (يَصِلْ) فعْلٌ مضارِعٌ فعْلُ الشرْطِ، (إلينا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بيَصِلْ، (يَسْتَعِنْ) بدَلٌ مِن يَصِلْ، (بنا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بيَسْتَعِنْ، (يُعَنْ) فعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، وهو جوابُ الشرْطِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ إلى اسمِ الشرْطِ الواقِعِ مُبتدأً، وجُملتَا الشرْطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ على أَرْجَحِ الأقوالِ عندَنا مِن الْخِلافِ المعروفِ.

([14]) 304 - هذا البيتُ مجهولٌ قائلُه، وهو أحَدُ أَبْيَاتِ سِيبَوَيْهِ الخمسينَ التي لم يَنْسُبوها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وقد رَوَاهُ (1 / 78) وقالَ عَقِبَ رِوايتِه: "هذا عَرَبِيٌّ حَسَنٌ".
اللُّغَةُ: (تُبَايِعَ) تَدِينَ للسلطانِ بالطاعَةِ، وتَدْخُلَ فيما دَخَلَ فيه الناسُ.
المعنَى: يقولُ لِمُخَاطِبِه: إنِّي أُلْزِمُ نفْسِي عهْداً أنْ أَحْمِلَكَ على الدخولِ فيما دَخَلَ فيه الناسُ مِن الخضوعِ للسلطانِ والانقيادِ لطَاعَتِه، فإمَّا الْتَزَمْتَ ذلك طائِعاً مُختاراً، وإمَّا أنْ أُلْجِئَكَ إليه وأُكْرِهَك عليه؛ يُبَغِّضُ إليه الْخِلافَ والخروجَ عن الجماعةِ، ويُزَيِّنُ له الوِفَاقَ ومُشارَكَةَ الناسِ.
الإعرابُ: (إنَّ) حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ إنَّ مُقَدَّمٌ على اسْمِه، (اللهَ) اسمُ إنَّ تَأَخَّرَ عن خَبَرِهِ، (أنْ) حرْفٌ مَصْدَرِيٌّ ونَصْبٍ، (تُبَايِعَا) فعْلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بأنْ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والألِفُ للإطلاقِ، و(أن) الْمَصدرِيَّةُ وما دَخَلَتْ عليه في تَأويلِ مَصدَرٍ يَقَعُ مَفعولاً لأَجْلِه، ويَجوزُ أنْ يكونَ الْمَصدَرُ الْمُنسَبِكُ مِن أن الْمَصدَرِيَّةِ ومَدخولِها هو اسمَ إنَّ، وحينَئذٍ فلَفْظُ الجلالةِ مَنصوبٌ بنَزْعِ الخافِضِ، وهو حرْفُ القَسَمِ، وتكونُ جُملةُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ معتَرِضَةً بينَ خَبَرِ إنَّ واسْمِها، وتقديرُ الكلامِ: إنَّ مُبَايَعَتَكَ كائنةٌ علَيَّ واللهِ، (تُؤخَذَ) فِعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ للمجهولِ بَدَلٌ مِن تُبَايِعَ، (كَرْهاً) مفعولٌ مُطْلَقٌ أو حالٌ على التأويلِ بكَارِهٍ، (أو) عاطفةٌ، (تَجِيءَ) فعْلٌ مضارِعٌ معطوفٌ على تُؤخَذَ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (طائِعَا) حالٌ مِن الضميرِ الْمُسْتَتِرِ في تَجيءَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَنْ تُبَايِعَا تُؤْخَذَ)؛ فإنَّه أَبْدَلَ الفعْلَ – وهو قولُه: (تُؤخَذَ) – مِن الفعْلِ – وهو قولُه: (أنْ تُبَايِعَا) – بدَلَ اشتمالٍ.
واعْلَمْ أنَّ الدليلَ على أنَّ البَدَلَ – في هذا الشاهِدِ وفي الآيةِ الكريمةِ التي تَلاَها الشارِحُ – هو الفعْلُ وَحْدَه، وليسَ هو الجملةَ المكوَّنَةَ مِن الفعْلِ وفاعِلِه، والدليلُ على ذلك هو أنَّكَ تَرَى الإعرابَ الذي اقْتَضَاهُ العامِلُ في الفعْلِ الأوَّلِ – وهو الْمُبدَلُ منه – مَوجوداً بنَفْسِه في الفعْلِ الثاني الذي نَذْكُرُ أنه البَدَلُ؛ ألا تَرَى أنَّ (تُؤخَذَ) في هذا الشاهِدِ مَنصوبٌ كما أنَّ (تُبَايِعَ) منصوبٌ، وأنَّ {يُضَاعَفْ} في الآيةِ الكريمةِ مَجزومٌ،؛ كما أنَّ {يَلْقَ} مَجزومٌ؟ واللهُ سُبحانَه أَعْلَى وأعلَمُ وأَعَزُّ وأكرَمُ، وصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 03:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذَا بَابُ البَدَلِ([1])
وهو([2]): (التَّابِعُ المَقصُودُ بالحُكْمِ بلا وَاسِطَةٍ).
فخرَجَ بالفَصلِ الأوَّلِ النَّعْتُ والبَيَانُ والتَّأْكِيدُ؛ فإنَّها مُكَمِّلاتٌ للمَقصُودِ بالحُكمِ.
وأمَّا النَّسَقُ فثَلاثَةُ أَنوَاعٍ:
أَحَدُها: مَا لَيسَ مَقصُوداً بالحُكمِ, كـ (جاءَ زَيدٌ لا عَمرٌو) و(مَا جَاءَ زَيدٌ بلْ عَمْرٌو) أو (لَكِنْ عَمرٌو) أمَّا الأوَّلُ فَوَاضِحٌ([3])؛ لأنَّ الحُكمَ السَّابِقَ مَنفِيٌّ عنهُ, وأمَّا الآخرَانِ فلأنَّ الحُكمَ السَّابِقَ هو نَفيُ المَجِيءِ, والمَقصُودُ بهِ إنَّمَا هو الأوَّلُ([4]).
النَّوعُ الثَّانِي: ما هو مَقصُودٌ بالحُكمِ هو وما قَبلُهُ فيَصدُقُ علَيهِ أنَّهُ مَقصُودٌ بالحُكمِ لا أنَّهُ المَقصُودُ([5])، وذلك كالمَعطُوفِ بالواوِ, نَحوِ: (جاءَ زيدٌ وعَمرٌو) و(ما جَاءَ زَيدٌ ولا عَمْرٌو).
وهذان النَّوْعَانِ خَارِجَانِ بمَا خرَجَ بهِ النَّعْتُ والتَّوكِيدُ والبَيَانُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: ما هو مَقصُودٌ بالحُكمِ دونَ ما قَبلُهُ, وهذا هو المَعطُوفُ ببَلْ بَعدَ الإثبَاتِ, نحوُ: (جَاءَنِي زَيدٌ بلْ عَمرٌو).
وهذا النَّوْعُ خَارِجٌ بقَولِنَا (بلا وَاسِطَةٍ) وسَلِمَ الحَدُّ بذلك للبَدَلِ.
وإذا تَأَمَّلْتَ ما ذَكَرْتُهُ في تَفسِيرِ هذا الحَدِّ وما ذَكَرَهُ النَّاظِمُ وابنُهُ ومَن قَلَّدَهُمَا عَلِمْتَ أنَّهُم عَن إِصَابَةِ الغَرَضِ بمَعْزِلٍ.
وأَقسَامُ البَدَلِ أَربَعَةٌ([6]):

الأوَّلُ: بَدَلُ كُلٍّ مِن كُلٍّ, وهو بَدَلُ الشَّيْءِ مِمَّا هو طِبْقُ مَعنَاهُ, نَحوُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ}([7])، وسمَّاهُ النَّاظِمُ البَدَلَ المُطَابِقَ؛ لوُقُوعِهِ في اسمِ اللَّهِ تعَالَى, نَحوُ: (إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ اللَّهِ)([8])،فيمَن قرَأَ بالجَرِّ, وإنَّمَا يُطلَقُ (كُلُّ) عَلَى ذِي أَجزَاءٍ, وذلك مُمتَنِعٌ هُنَا.
والثَّانِي: بَدَلُ بَعضٍ مِن كُلٍّ, وهو بَدَلُ الجُزءِ مِن كُلِّهِ, قَلِيلاً كانَ ذلك الجُزءُ أو مُسَاوِياً أو أَكثَرَ, كـ (أَكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ أو نِصْفَهُ أو ثُلُثَيْهِ).
ولا بُدَّ مِن اتِّصَالِهِ بضَمِيرٍ يَرجِعُ علَى المُبدَلِ منهُ: مَذكُورٍ كالأمثِلَةِ المَذكُورَةِ, وكقَولِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}([9])، أو مُقَدَّرٌ كقَولِهِ تعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً}([10])؛ أَي: مِنهُم.
الثَّالِثُ: بَدَلُ الاشتِمَالِ, وهو بَدَلُ شَيءٍ مِن شَيءٍ يَشتَمِلُ عَامِلُهُ([11]) على مَعنَاهُ اشتِمَالاً بطَرِيقِ الإجمَالِ, كـ (أَعجَبَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ أَو حُسْنُهُ) و(سُرِقَ زَيْدٌ ثَوبُهُ أو فَرَسُهُ).
وأَمرُهُ في الضَّمِيرِ كأَمرِ بَدَلِ البَعضِ؛ فمِثَالُ المَذكُورِ ما تَقَدَّمَ مِن الأمثِلَةِ, وقَولُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}([12])، ومِثَالُ المُقَدَّرِ قَولُهُ تعَالَى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ}([13])؛ أي: النَّارِ فيهِ, وقيلَ: الأصلُ (نَارِهِ) ثُمَّ نَابَتْ أل عَن الضَّمِيرِ.
والرَّابِعُ: البَدَلُ المُبَايِنُ, وهو ثَلاثَةُ أَقسَامٍ؛ لأنَّهُ لا بُدَّ أن يَكُونَ مَقصُوداً كما تَقَدَّمَ في الحَدِّ.
ثُمَّ الأوَّلُ إن لم يَكُن مَقصُوداً أَلبَتَّةً, ولكن سَبَقَ إليهِ اللِّسَانُ, فهو بَدَلُ الغَلَطِ؛ أي: بَدَلٌ عَن اللَّفْظِ الذي هو غَلَطٌ, لا أنَّ البَدَلَ نَفسَهُ هو الغَلَطُ, كما قد يُتَوَهَّمُ.
وإن كانَ مَقصُوداً؛ فإن تَبَيَّنَ بعدَ ذِكْرِهِ فَسَادُ قَصدِهِ, فبَدَلُ نِسيَانٍ؛ أي: بَدَلُ شَيءٍ ذُكِرَ نِسيَاناً.

وقد ظَهَرَ أنَّ الغَلَطَ مُتَعَلِّقٌ باللِّسَانِ, والنِّسْيَانَ مُتَعَلِّقٌ بالجَنَانِ([14])، والنَّاظِمُ وكَثِيرٌ مِن النَّحْوِيِّينَ لم يُفَرِّقُوا بينَهُمَا فسَمَّوا النَّوْعَينِ بَدَلَ غَلَطٍ.
وإِن كانَ قَصْدُ كُلِّ وَاحِدٍ منهُمَا صَحِيحاً فبَدَلُ الإضرَابِ, ويُسَمَّى أَيضاً بَدَلَ البَدَاءِ([15]).
وقَولُ النَّاظِمِ: (خُذْ نُبْلاً مُدًى) يَحتَمِلُ الثَّلاثَةَ, وذلك باختِلافِ التَقَادِيرِ, وذلك لأنَّ النُّبْلَ اسمُ جَمْعٍ للسَّهْمِ, والمُدَى جَمعُ مُدْيَةٍ, وهي السِّكِّينُ.
فإن كانَ المُتَكَلِّمُ إنَّمَا أرادَ الأمرَ بأَخْذِ المُدَى فسَبَقَهُ لِسَانُهُ إلى النُّبْلِ, فبَدَلُ غَلَطٍ.
وإن كانَ أرَادَ الأمرَ بأَخذِ النُّبْلِ, ثُمَّ تَبَيَّنَ لهُ فَسَادُ تلكَ الإرَادَةِ, وأنَّ الصَّوَابَ الأمْرُ بأَخذِ المُدَى فبَدَلُ نِسْيَانٍ.
وإن كانَ أرَادَ الأوَّلَ, ثُمَّ أَضرَبَ عنهُ إلى الأمرِ بأَخذِ المُدَى وجَعَلَ الأوَّلَ في حُكمِ المَترُوكِ فبَدَلُ إِضرَابٍ وبَدَاءٍ.
والأحسَنُ فيهِنَّ أن يُؤْتَى ببَلْ.
فَصلٌ: يُبدَلُ الظَّاهِرُ مِن الظَّاهِرِ كما تَقَدَّمَ.
ولا يُبدَلُ المُضمَرُ مِن المُضمَرِ, ونَحوُ: (قُمْتَ أَنْتَ) و(مَرَرْتُ بِكَ أَنتَ) تَوكِيدٌ اتِّفَاقاً, وكذلكَ نَحوُ: (رَأَيْتُكَ إِيَّاكَ) عندَ الكُوفِيِّينَ والنَّاظِمِ([16]).
ولا يُبدَلُ مُضمَرٌ مِن ظَاهِرٍ, ونَحوُ: (رَأَيْتُ زَيداً إِيَّاهُ) مِن وَضْعِ النَّحْوِيِّينَ, وليسَ بمَسمُوعٍ.
ويَجُوزُ عَكسُهُ: مُطلَقاً([17]) إن كانَ الضَّمِيرُ لغَائِبٍ, نَحوُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}([18]) في أَحَدِ الأوجُهِ([19])، أو كانَ لحَاضِرٍ بشَرْطِ أن يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ, كـ (أَعْجَبْتَنِي وَجْهُكَ) وقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ}([20])، أو بَدَلَ اشتِمَالٍ, كـ (أَعْجَبْتَنِي كَلامُكَ) وقَولِ الشَّاعِرِ:
428- بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا([21])
أو بَدَلَ كُلٍّ مُفِيدٌ للإحَاطَةِ, نَحوُ: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}([22]).
ويَمتَنِعُ إن لَم يُفِدْ؛ خِلافاً للأَخْفَشِ؛ فإنَّهُ أجَازَ (رَأَيْتُكَ زَيْداً) و(رَأَيْتَنِي عَمْراً)([23]).
فَصلٌ: يُبْدَلُ كُلٌّ مِن الاسمِ والفِعْلِ والجُملَةِ مِن مِثْلِهِ؛ فالاسمُ كمَا تَقَدَّمَ, والفِعلُ كقَولِهِ تعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ}([24])، والجُمْلَةُ كقَولِهِ تعَالَى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}([25])، وقَد تُبدَلُ الجُملَةُ مِنَ المُفرَدِ كقَولِهِ:
429- إِلَى اللَّهِ أَشْكُو بِالمَدِينَةِ حَاجَةً = وَبِالشَّامِ أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ([26])
أَبدَلَ (كَيفَ يَلتَقِيَانِ) مِن (حَاجَةً وأُخْرَى)؛ أي: إلى اللَّهِ أَشكُو هَاتَينِ الحَاجَتَينِ تَعَذُّرَ التِقَائِهِمَا.
فَصلٌ: وَإِذَا أُبدِلَ اسمٌ مِن اسمٍ مُضَمَّنٍ مَعنَى حَرفِ استِفهَامٍ, أو حَرفِ شَرطٍ, ذُكِرَ ذَلِكَ الحَرفُ معَ البَدَلِ, فالأوَّلُ كقَولِكَ: (كَمْ مَالُكَ أَعِشْرُونَ أم ثَلاثُونَ) و(مَنْ رَأَيْتَ أَزَيْداً أم عَمْراً) و(مَا صَنَعْتَ أخَيْراً أَم شَرًّا), والثَّانِي نَحوُ: (مَنْ يَقُمْ إِن زَيدٌ وإِن عَمرٌو أَقُمْ معَهُ) و(مَا تَصْنَعُ إِن خَيراً وإِن شَرًّا تُجْزَ بِهِ) و(مَتَى تُسَافِرْ إِن غَداً وإِن بعدَ غَدٍ أُسَافِرْ مَعَكَ)


([1]) هذهِ هِيَ تَسْمِيَةُ البَصْرِيِّينَ لهذَا النَّوْعِ مِن التَّوَابِعِ، فأمَّا الكُوفِيُّونَ فيُسَمُّونَهُ (التَّرْجَمَةُ، وَالتَّبْيِينُ) حكَى ذلكَ الأَخْفَشُ, وحَكَى ابْنُ كَيْسَانَ أَنَّهُم يُسَمُّونَهُ (التَّكْرِيرُ).

([2]) البَدَلُ في اللُّغَةِ هو العِوَضُ، وهو فِي اصْطِلاحِ النُّحَاةِ مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ، والغَرَضُ الذي يَقْصِدُهُ المُتَكَلِّمُ مِن الإتْيَانِ فِي كَلامِهِ بالبَدَلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ المُبْدَلَ مِنْهُ هو إِفَادَةُ تَوْكِيدِ الحُكْمِ وتَقْرِيرِهِ بوَاسِطَةِ ذِكْرِ الاسْمِ مَقْصُوداً بِالحُكْمِ بَعْد أن يُوَطِّئَ ويُمَهِّدَ لذلكَ بالتَّصْرِيحِ بتِلْكَ النِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ، ألا تَرَى أنَّكَ حِينَ تَقُولُ: (سَمِعْتُ أَبَا الأَنْوَارِ مُحَمَّداً) أو تَقُولُ: (أَعْجَبَنِي الأُسْتَاذُ عِلْمُهُ)، وقَدْ ذَكَرْتَ الاسْمَ الثَّانِيَ مَقْصُوداً لكَ بنِسْبَةِ الحُكْمِ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرْتَ هذَا الحُكْمَ مُصَرَّحاً بنِسْبَتِهِ إلَى الاسْمِ الأوَّلِ، فكُنْتَ كَمَنْ ذَكَرَ الحُكْمَ والمَحْكُومَ علَيْهِ مَرَّتَيْنِ؟ وهذَا هو السِّرُّ فِي قَوْلِهِم: (البَدَلُ فِي حُكْمِ تَكْرِيرِ العَامِلِ).

([3]) وبَيَانُ ذلكَ أنَّ الحُكْمَ في المِثَالِ الأوَّلِ هو إِثْبَاتُ المَجِيءِ لزَيْدٍ، وهذَا الحُكْمُ مَنْفِيٌّ عَن عَمْرٍو بوَاسِطَةِ لا.

([4]) وذلكَ لأنَّ المَعْطُوفَ ببَلْ والمَعْطُوفَ بلَكِنْ بَعْدَ النَّفْيِ يَثْبُتُ لَهُمَا نَقِيضُ الحُكْمِ السَّابِقِ، وأمَّا الحُكْمُ المَذْكُورُ فالمَقْصُودُ بهِ هو الأوَّلُ، فقَوْلُكَ: (مَا جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو) مَعْنَاهُ أنَّ عَدَمَ المَجِيءِ ثَابِتٌ لزَيْدٍ وأنَّ عَمْراً ثَبَتَ لهُ المَجِيءُ، عِنْدَ غَيْرِ المُبَرِّدِ كمَا عَلِمْتَ ممَّا تَقَدَّمَ، وكذلكَ شَأْنُ مِثَالِ لَكِنْ.

([5]) إذا قُلْتَ: (هَذَا مَقْصُودٌ بالحُكْمِ) دَلَّتْ هذهِ العِبَارَةُ علَى أنَّ المُشَارَ إليْهِ مَقْصُودٌ بالحُكْمِ، ولَم تَدُلَّ علَى أَنَّ غَيْرَ المُشَارِ إلَيْهِ يَمْتَنِعُ أن يَكُونَ مَقْصُوداً بالحُكْمِ؛ فيَجُوزُ أن يَكُونَ هو أَيْضاً مَقْصُوداً بالحُكْمِ؛ فأمَّا إذَا قُلْتَ: (هَذَا المَقْصُودُ بالحُكْمِ) فإنَّ هذِهِ العِبَارَةَ تَدُلُّ علَى شَيْئَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُشَارَ إليْهِ مَقْصُودٌ بالحُكْمِ.
والثَّانِي: أنَّ غَيْرَهُ يَمْتَنِعُ أن يَكُونَ مَقْصُوداً بالحُكْمِ.

([6]) زَادَ قَوْمٌ نَوْعاً خَامِساً، وسَمَّوْهُ (بَدَلَ كُلٍّ مِنْ بَعْضٍ) واسْتَدَلُّوا لهُ بقَوْلِ الشَّاعِرِ:
رَحِمَ اللَّهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا = بِسِجِسْتَانَ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ
فإنَّ طَلْحَةَ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: (أَعْظُماً) وطَلْحَةُ كُلٌّ، والأَعْظُمُ: جَمْعُ عَظْمٍ وهو بَعْضُ طَلْحَةَ، قالَ السِّيُوطِيُّ: (وقَدْ وَجَدْتُ لَهُ شَاهِداً فِي التَّنْزِيلِ، وهُو قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأُولِئَكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ} وذلك أنَّ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} بَدَلٌ مِن {الجَنَّةَ} ولا شَكَّ أنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ مِن بَعْضٍ؛ لأنَّ الجَمْعَ كُلٌّ، والمُفْرَدَ جُزْءٌ؛ إذ هو وَاحِدٌ مِنْهُ، وفَائِدَتُهُ تَقْرِيرُ أنَّها جَنَّاتٌ كَثِيرَةٌ لا جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ، ويُؤَيِّدُهُ ما رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَنَسٍ أنَّ حَارِثَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فقَالَت أُمُّهُ: (إِنْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ)، فقَالَ النَّبِيُّ: ((جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إِنَّهَا جَنَّاتٌ كَثِيرَةٌ)) اهـ.

([7]) سورة فاتحة الكتاب، الآية: 6و7.

([8]) سورة إبراهيم، الآية: 1.

([9]) سورة المائدة، الآية: 71، و{كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بَدَلٌ مِن وَاوِ الجَمَاعَةِ فِي {عَمُوا} أَمِ الوَاوِ فِي {صَمُّوا} فهِيَ رَاجِعَةٌ إلى "كَثِيرٌ"؛ إِذْ أَصْلُ النَّظْمِ: ثُمَّ عَمُوا كَثِيرٌ مِنْهُم وصَمُّوا.

([10]) سورة آل عمران، الآية: 97.

([11]) يَخْتَلِفُ النُّحَاةُ فِي بَدَلِ الاشْتِمَالِ: هَل المُشْتَمِلُ هُو الأوَّلُ الذي هو المُبْدَلُ مِنْهُ أو الثَّانِي الذي هو البَدَلُ أو العَامِلُ في المُبْدَلِ مِنْهُ؟ واخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ القَوْلَ بأنَّ المُشْتَمِلَ هو الأوَّلُ، وهو قَوْلُ الرُّمَّانِيِّ، وقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ: المُشْتَمِلُ هو الثَّانِي، واخْتَارَ المُؤَلِّفُ هنا أنَّ المُشْتَمِلَ هو العَامِلُ فِي المُبْدَلِ مِنْهُ، وهو رَأْيُ المُبَرِّدِ والسِّيرَافِيِّ وابْنِ جِنِّيٍّ وابْنِ البَاذِشِ وابْنِ الأَبْرَشِ وابْنِ أَبِي العَافِيَةِ وابْنِ مَلَكُونَ، وهو الرَّأْيُ الحَقِيقُ بالقَبُولِ، ألا تَرَى أنَّ الإعْجَابَ في مِثَالِ المُؤَلِّفِ يَشْتَمِلُ علَى كُلٍّ مِن البَدَلِ والمُبْدَلِ مِنْهُ، وفِي المِثَالِ الثَّانِي السَّرِقَةُ وَاقِعَةٌ علَى المُبْدَلِ مِنْهُ، وهو زَيْدٌ بطَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وعلَى ثَوْبِهِ أو فَرَسِهِ بطَرِيقِ الحَقِيقَةِ، وإنَّمَا رَجَّحْنَا هذَا الرَّأْيَ دُونَ الرَّأْيَيْنِ الآخَرَيْنِ؛ لأنَّهُ مُطَّرِدٌ في كُلِّ الأمْثِلَةِ، وكُلٌّ مِن الرَّأْيَيْنِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الأمْثِلَةِ ولا يَكُونُ في بَعْضِهَا الآخَرِ، فنَحْوُ قَوْلِكَ: (سُرِقَ زَيْدٌ عَبْدُهُ) لا يَشْتَمِلُ زَيْدٌ علَى العَبْدِ فيَكُونُ رَدًّا للقَوْلِ الأوَّلِ، ونَحْوُ (سُرِقَ زَيْدٌ فَرَسُهُ) لا يَشْتَمِلُ الفَرَسُ علَى زَيْدٍ، فيَكُونُ رَدًّا للقَوْلِ الثَّانِي.

([12]) سورة البقرة، الآية: 217.

([13]) سورة البروج، الآية: 4.

([14]) الجَنَانُ – بفَتْحِ الجِيمِ، بِزِنَةِ سَحَابٍ – هو القَلْبُ.

([15]) البَدَاءُ – بفَتْحِ البَاءِ وبالدَّالِ المُهْمَلَةِ – هو ظُهُورُ الأَمْرِ بَعْدَ أن لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً، والمُرَادُ أنْ يَظْهَرَ لكَ الصَّوَابُ بَعْدَ خَفَاءِ حَالِهِ علَيْكَ.

([16]) اعْلَمْ أنَّ العَرَبَ يَقُولُونَ في حَالِ الرَّفْعِ: (قُمْتَ أَنْتَ) ولا يَقُولُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، ويَقُولُونَ في حَالَةِ النَّصْبِ: (رَأَيْتُكَ أَنْتَ) أَحْيَاناً، وأَحْيَاناً أُخْرَى يَقُولُونَ: (رَأَيْتُكَ إِيَّاكَ) ويَقُولُونَ في حَالَةِ الجَرِّ: (مَرَرْتُ بِكَ إِيَّاكَ) فِي بَعْضِ الأحْيَانِ، وفي أُخْرَى يَقُولُونَ: (مَرَرْتُ بِكَ بِكَ) وقَدْ نَقَلَ سِيْبَوَيْهِ هذهِ الاسْتِعْمَالاتِ كُلَّهَا عَنِ العَرَبِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ النُّحَاةَ يَخْتَلِفُونَ فِي تَخْرِيجِ بَعْضِ هذهِ الاسْتِعْمَالاتِ، ونَحْنُ نُبَيِّنُ لكَ هذا الاخْتِلافَ بَيَاناً شَافِياً فنَقُولُ:
اتَّفَقَ البَصْرِيُّونَ والكُوفِيُّونَ علَى تَخْرِيجِ عِبَارَةِ الرَّفْعِ، فقَالُوا: الضَّمِيرُ الثَّانِي تَوْكِيدٌ للضَّمِيرِ الأوَّلِ، واخْتَلَفُوا فِي عِبَارَتَيِ النَّصْبِ وعِبَارَتَيِ الجَرِّ، فذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلَى أنَّ الضَّمِيرَ الثَّانِيَ فِي العِبَارَاتِ الأرْبَعِ تَوْكِيدٌ للضَّمِيرِ الأوَّلِ كمَا كانَ الأمْرُ كذلكَ فِي عِبَارَةِ الرَّفْعِ، ولا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الثَّانِي مَرْفُوعاً مُنْفَصِلاً، نَحْوُ: (رَأَيْتُكَ أَنْتَ) ونَحْوُ: (مَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ)، وأَنْ يَكُونَ مُوَافِقاً للأوَّلِ، نَحْوُ: (رَأَيْتُكَ إِيَّاكَ) ونَحْوُ: (مَرَرْتُ بِكَ بِكَ) وأَخَذَ بهذَا الرَّأْيِ ابْنُ مَالِكٍ، وأيَّدَهُ بقَوْلِهِ: (وَقَوْلُ الكُوفِيِّينَ عِنْدِي أَصَحُّ؛ لأنَّ نِسْبَةَ المَنْصُوبِ المُتَّصِلِ كنِسْبَةِ المَرْفُوعِ المُتَّصِلِ مِن المَرْفُوعِ المُنْفَصِلِ، نَحْوُ: فَعَلْتَ أَنْتَ، والمَرْفُوعُ تَوْكِيدٌ بإِجْمَاعٍ، فلْيَكُنِ المَنْصُوبُ تَوْكِيداً، فإنَّ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا تَحَكُّمٌ بِلا دَلِيلٍ).
وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلَى أنَّهُ إذا جِيءَ بالضَّمِيرِ مُنْفَصِلاً مَرْفُوعاً، نَحْوُ: (رَأَيْتُكَ أَنْتَ) ونَحْوُ: (مَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ) كَانَ الثَّانِي تَوْكِيداً للأوَّلِ، وإذَا جِيءَ بالضَّمِيرِ الثَّانِي مُوَافِقاً للأوَّلِ، نَحْوُ: (رَأَيْتُكَ إِيَّاكَ) ونَحْوُ: (مَرَرْتُ بِكَ بِكَ) كانَ الثَّانِي مُوَافِقاً للأوَّلِ، نَحْوُ: (رَأَيْتُكَ إِيَّاكَ)، ونَحْوُ: (مَرَرْتُ بِكَ بِكَ) كانَ الثَّانِي بَدَلاً مِن الأوَّلِ.

([17]) المُرَادُ بالإطْلاقِ فِي هَذَا المَوْضِعِ أنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ البَدَلِ سَوَاءٌ.

([18]) سورة الأنبياء، الآية: 3.

([19]) وفي الآيَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ؛ أن يَكُونَ (الذينَ) مُبْتَدَأً مُؤَخَّراً، وجُمْلَةُ (أَسَرُّوا النَّجْوَى) فِعْلٌ وفَاعِلٌ ومَفْعُولٌ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وثَانِيهُمَا: أن يَكُونَ (أَسَرُّوا) فِعْلاً والوَاوُ معَهُ عَلامَةٌ علَى جَمْعِ الفَاعِلِ، و(الذينَ) فَاعِلُهُ، وهِي اللُّغَةُ المَعْرُوفَةُ بِلُغَةِ (أَكَلُونِي البَرَاغِيثُ) وارْجِعْ إلَى بَيَانِ ذَلكَ في بَابِ الفَاعِلِ.

([20]) سورة الأحزاب، الآية: 21. وزَعَمَ الأَخْفَشُ أنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ مِن كُلٍّ. ونَظِيرُ الآيَةِ الكَرِيمَةِ فِي إِبْدَالِ الظَّاهِرِ مِن الضَّمِيرِ بَدَلَ بَعْضٍ مِن كُلٍّ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
أَوْعَدَنِي بِالسِّجْنِ وَالأَدَاهِمِ = رِجْلِي، فَرِجْلِي شَثْنَةُ المَنَاسِمِ
فإنَّ قَوْلَهُ: (رِجْلِي) بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ، والمُبْدَلُ مِنْهُ هو يَاءُ المُتَكَلِّمِ الوَاقِعَةُ مَفْعُولاً بهِ في قَوْلِهِ: (أَوْعَدَنِي).

([21]) 428-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلِمَةٍ لأبِي لَيْلَى النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ، أَنْشَدَهَا بَيْنَ يَدَيْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، والذي أَنْشَدَهُ المُؤَلِّفِ مِنْهُ هو صَدْرُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا*
اللُّغَةُ: (بَلَغْنَا السَّمَاءَ)؛ أي: وَصَلْنَا إلَى السَّمَاءِ، وهذهِ كِنَايَةٌ عَن ارْتِفَاعِ القَدْرِ وعُلُوِّ المَنْزِلَةِ. (مَجْدُنَا) المَجْدُ – بفَتْحِ المِيمِ وسُكُونِ الجِيمِ – كَرَمُ الآبَاءِ. (سَنَاؤُنَا) السَّنَاءُ – بفَتْحِ أَوَّلِهِ مَمْدُوداً – الشَّرَفُ والرِّفْعَةُ وعُلُوُّ المَنْزِلَةِ. (لَنَرْجُو)؛ أي: نَتَرَقَّبُ ونَأْمَلُ. (مَظْهَرَ) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أو اسْمُ مَكَانٍ – ومَعْنَاهُ المَصْعَدُ.
المَعْنَى: وَصَفَ قَوْمَهُ بأنَّهُم قَدْ بَلَغُوا الغَايَةَ التِي يَأْمُلُهَا المُؤَمِّلُ مِنَ ارْتِفَاعِ الأقْدَارِ وسُمُوِّ المَنَازِلِ، وأنَّهُم قَدْ فَاقُوا كُلَّ ذَوِي المَجْدِ، وأنَّهُم – معَ كُلِّ ذَلكَ – يَتَرَقَّبُونَ مَنْزِلَةً أَعْلَى مِنَ المَنْزِلَةِ التِي بَلَغُوهَا.
ويُرْوَى أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ هذَا البَيْتَ بَدَتْ علَى وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةُ ثُمَّ قالَ: ((إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى؟)) قَالَ: إِلَى الجَنَّةِ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ((إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).
الإعْرَابُ: (بَلَغْنَا) فِعْلٌ مَاضٍ وفَاعِلُهُ. (السَّمَاءَ) مَفْعُولٌ بِهِ. (مَجْدُنَا) مَجْدُ: بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِن فَاعِلِ بَلَغَ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، ومَجْدُ مُضَافٌ والضَّمِيرُ مُضَافٌ إليهِ. (وَسَنَاؤُنَا) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، سَنَاءُ: مَعْطُوفٌ علَى مَجْدٍ مَرْفُوعٌ وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وسَنَاءُ مُضَافٌ والضَّمِيرُ مُضَافٌ إليْهِ. (وَإِنَّا) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، إِنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ، والضَّمِيرُ اسْمُهُ مَبْنِيٌّ علَى السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (لَنَرْجُو) اللاَّمُ لامُ الابْتِدَاءِ، نَرْجُو: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى الوَاوِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ نَحْنُ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ إِنَّ. (فَوْقَ) ظَرْفُ مَكَانٍ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حَالٌ مِن مَظْهَرٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وفَوْقَ مُضَافٌ واسْمُ الإشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: (ذَلِكَ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، واللاَّمُ للبُعْدِ، والكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ. (مَظْهَرَا) مَفْعُولٌ بهِ لنَرْجُو [مَنْصُوبٌ] بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا) فإنَّهُ بَدَلٌ مِن الضَّمِيرِ البَارِزِ الوَاقِعِ فَاعِلاً فِي (بَلَغْنَا)، وهو بَدَلُ اشْتِمَالٍ.

([22]) سورة المائدة, الآية: 114.

([23]) خَرَّجَ الأَخْفَشُ المِثَالَ الأوَّلَ علَى أنَّ (زَيْداً) بَدَلٌ مِن الكَافِ المَنْصُوبَةِ المَحَلِّ فِي (رَأَيْتُكَ) وخَرَّجَ المِثَالَ الثَّانِيَ علَى أنَّ (عَمْراً) بَدَلٌ مِنَ اليَاءِ المَنْصُوبَةِ المَحَلِّ فِي (رَأَيْتَنِي). ويُؤَيِّدُ الذي ذَهَبَ إلَيْهِ الأَخْفَشُ مَا حَكَاهُ الكِسَائِيُّ عَن بَعْضِ العَرَبِ أنَّهُ قَالَ: (إِلَيَّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) بإِبْدَالِ (أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) مِن يَاءِ المُتَكَلِّمِ المَجْرُورَةِ مَحَلاًّ بإِلَى فِي قَوْلِهِ: (إِلَيَّ)، كمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ = وَأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلِّيلاَ
مَحِلُّ الاسْتِدْلالِ قَوْلُهُ: (بِكُمْ قُرَيْشٍ) فإنَّ قَوْلَهُ: (قُرَيْشٍ) بالجَرِّ بَدَلٌ مِن كَافِ المُخَاطَبِ في قَوْلِهِ: (بِكُمْ) والأخْفَشُ تَابِعٌ للكُوفِيِّينَ فيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ.

([24]) سورة الفرقان، الآية: 68، وهذهِ الآية الكَرِيمَةُ مِثَالٌ لإبْدَالِ الفِعْلِ مِنَ الفِعْلِ بَدَلَ كُلٍّ مِن كُلٍّ، ومِثَالُ بَدَلِ البَعْضِ فيهِ قَوْلُكَ: (إِنْ تُصَلِّ تَسْجُدْ للَّهِ يَرْحَمْكَ) فتَسْجُدْ بَدَلٌ مِن تُصَلِّ، وهُو بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ؛ لأنَّ السُّجُودَ بَعْضُ الصَّلاةِ، ومِثَالُ بَدَلِ الاشْتِمَالِ فِيهِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
إِنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أَنْ تُبَايَعَا = تُؤْخَذَ كَرْهاً أَوْ تَجِيءَ طَائِعَا
فإنَّ الأَخْذَ كَرْهاً والمَجِيءَ طَائِعاً مِن صِفَاتِ المُبَايَعَةِ، ومِثَالُ بَدَلِ الغَلَطِ فيهِ قَوْلُكَ: (إِنْ تُطْعِمِ الفَقِيرَ تَكْسُهُ تُؤْجَرْ).

([25]) سورة الشعراء، الآية: 132و133، والآية الكَرِيمَةُ مِثَالٌ لبَدَلِ البَعْضِ مِن الكُلِّ في الجُمَلِ، ومِثَالُ بَدَلِ الاشْتِمَالِ فِيهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَقُولُ لَهُ ارْحَلْ لاَ تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا = وَإِلاَّ فَكُنْ فِي السِّرِّ وَالجَهْرِ مُسْلِمَا
فإنَّ قَوْلَهُ: (لاَ تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا) بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ارْحَلْ، ولَيْسَ تَوْكِيداً لَهُ؛ لأنَّهُ لَيْسَ بلَفْظِهِ ولا بمَعْنَاهُ، وهو بَدَلُ اشْتِمَالٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّلازُمِ.
وقَدْ تَحَدَّثَ أَبُو الفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ فِي (المُحْتَسِبِ) (1/149) عَن قَوْلِهِ تَعَالَى: (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ّيَغْفِرْ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبْ مَنْ يَشَاءُ) في قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ بجَزْمِ (يَغْفِرْ) بغَيْرِ فَاءٍ، وقالَ: (فَجَرَى مَجْرَى بَدَلِ البَعْضِ أو الاشْتِمَالِ) اهـ. ومِن شَوَاهِدِ ذلكَ قَوْلُ وَدَّاكِ بْنِ تُمَيْلٍ:
رُوَيْدَ بَنِي شَيْبَانَ بَعْضَ وَعِيدِكُمْ = تُلاقُوْا غَداً خَيْلِي عَلَى سَفَوَانِ
تُلاقُوا جِيَاداً لاَ تَحِيدُ عَنِ الوَغَى = إِذَا مَا غَدَتْ فِي المَأْزِقِ المُتَدَانِي

([26]) 429-هذا بَيْتٌ مِنَ الطَّوِيلِ، وقَدْ نَسَبُوا هذَا البَيْتَ للفَرَزْدَقِ، وذَكَرُوا بَعْدَهُ بَيْتاً آخَرَ، وهو قَوْلُهُ:
سَأَعْمَلُ نَصَّ العِيسِ حَتَّى يَكُفَّنِي = غِنَى المَالِ يَوْماً أَوْ غِنَى الحَدَثَانِ
ومَعْنَى بَيْتِ الشَّاهِدِ أنَّهُ يَشْكُو مِن تَفَرُّقِ أَغْرَاضِهِ، وتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ حَاجَاتِهِ، وأنَّهُ مُوَزَّعُ القَلْبِ، مُشَتَّتُ البَالِ.
الإعْرَابُ: (إِلَى) حَرْفُ جَرٍّ. (اللَّهِ) مَجْرُورٌ بإِلَى، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: أَشْكُو. (أَشْكُو) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بضَمِّهِ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى الوَاوِ، فَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا. (بِالمَدِينَةِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حَالٌ مِن "حَاجَةً" تَقَدَّمَ علَيْهِ، وكانَ أَصْلُهُ صِفَةٌ، فلَمَّا تَقَدَّمَ علَى النَّكِرَةِ أُعْرِبَ حَالاً. (حَاجَةً) مَفْعُولٌ بِهِ لأَشْكُو مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (وبِالشَّامِ) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، بالشَّامِ: جَارٌّ ومَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ بالوَاوِ علَى الجَارِّ والمَجْرُورِ السَّابِقِ. (أُخْرَى) مَعْطُوفٌ بالوَاوِ علَى "حَاجَةً" السَّابِقِ، وكِلاهُمَا مَعْمُولٌ لأشْكُو؛ لأنَّ العَامِلَ فِي الحَالِ هو العَامِلُ في صَاحِبِهَا علَى مَا تَعْلَمُ، وكأنَّهُ قَالَ: وَأَشْكُو أُخْرَى بِالشَّامِ. (كَيْفَ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيٌّ علَى الفَتْحِ في مَحَلِّ نَصْبٍ حَالٌ تَقَدَّمَ علَى صَاحِبِهِ وعَامِلِهِ. (يَلْتَقِيَانِ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بثُبُوتِ النُّونِ، وأَلِفُ الاثنَيْنِ فَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ) فإنَّ هذهِ الجُمْلَةَ – فِيمَا ذَكَرَ النُّحَاةُ – بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: (حَاجَةً) وقَوْلِهِ: (أُخْرَى) فَيَكُونُ فِيهِ إِبْدَالُ الجُمْلَةِ مِن المُفْرَدِ، وإنَّمَا صَحَّ ذلكَ؛ لأنَّ الجُمْلَةَ رَاجِعَةٌ بالتَّأْوِيلِ إلَى المُفْرَدِ، وكأنَّهُ قَدْ قَالَ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ حَاجَةً بِالمَدِينَةِ وحَاجَةً بالشَّامِ تَعُذَّرَ التِقَائِهِمَا، هكَذَا قَالَ أَبُو الفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ، وتَبِعَهُ مَن جَاءَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ.
وقَالَ الدَّمَامِينِيُّ: ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ) جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً نَبَّهَ بِهَا علَى سَبَبِ الشَّكْوَى، وهو اسْتِبْعَادُ اجْتِمَاعِ هَاتَيْنِ الحَاجَتَيْنِ، اهـ.
ومِن أَمْثِلَةِ إِبْدَالِ الجُمْلَةِ مِن المُفْرَدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} فإِنَّ جُمْلَةَ {كَيْفَ خُلِقَتْ} بَدَلٌ مِنَ {الإِبِلِ} وكذلكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} فإنَّ جُمْلَةَ {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} بَدَلٌ مِن الاسْمِ الظَّاهِرِ قَبْلَهَا، قَالُوا: وَمِن هذِهِ البَابَةِ كُلُّ جُمْلَةٍ بُدِئَت بكَيْفَ بَعْدَ اسْمٍ مُفْرَدٍ.
فإِنْ قُلْتَ: فَمَا نَوْعُ هذَا البَدَلِ الذي هو بَدَلُ الجُمْلَةِ مِنَ المُفْرَدِ؛ لأنَّكَ لَمْ تُصَرِّحْ فِي إِعْرَابِ بَيْتِ الشَّاهِدِ بنَوْعِ البَدَلِ ولا حَدَّثْتَنَا عَنْهُ.
فالجَوَابُ عَن ذلكَ أَنْ نَقُولَ لكَ: إِنَّ كَثِيراً مِنَ النُّحَاةِ يُصَرِّحُونَ في بَيْتِ الفَرَزْدَقِ بأنَّ جُمْلَةَ (كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ) بَدَلُ كُلٍّ مِنَ المُفْرَدِ الذي قَبْلَهَا ومَا عُطِفَ عَلَيْهِ، ومِمَّن صَرَّحَ بذلكَ الشَّيْخُ خَالِدٌ، ولا نُقِرُّهُم علَى ذلكَ أَصْلاً، فإِنَّ تَعَذُّرَ التِقَاءِ الحَاجَتَيْنِ – وهو المَعْنَى الذي ذَكَرُوا أنَّ الجُمْلَةَ تُؤَدِّيهِ – لَيْسَ هو نَفْسَ الحَاجَتَيْنِ ولا مُرَادِفاً لَهُمَا، فكَيْفَ يَكُونُ بَدَلَ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ بَلْ لَيْسَ هذا المَعْنَى بَعْضَ مَعْنَى الحَاجَتَيْنِ حتَّى يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ مِن كُلٍّ مِنْهُمَا، وإنَّمَا تَعَذُّرُ التِقَاءِ الحَاجَتَيْنِ أَمْرٌ مُرْتَبِطٌ بِهِمَا ومُتَّصِلٌ بسَبَبٍ مِنْهُمَا، فالظَّاهِرُ أنَّ هذَا البَدَلَ مِن نَوْعِ بَدَلِ الاشْتِمَالِ، ثُمَّ رَأَيْتُ السِّيُوطِيَّ فِي (الهَمَعِ) قَدْ نَصَّ علَى أنَّ بَدَلَ الجُمْلَةِ مِنَ المُفْرَدِ مِن بَدَلِ الاشْتِمَالِ، ورَأَيْتُ ابْنَ هِشَامٍ فِي (المُغْنِي) (1/207 بتَحْقِيقِنَا) يَنُصُّ فِي الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ اللتينِ أَثَرْنَاهُمَا لكَ علَى أنَّ بَدَلَ الجُمْلَةِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ المُفْرَدِ قَبْلَهَا، فَلِلَّهِ مَزِيدُ الحَمْدِ.
فإِنْ قُلْتَ: فهَلْ جَاءَ عَكْسُ ذَلِكَ وهو إِبْدَالُ المُفْرَدِ مِنَ الجُمْلَةِ؟
فالجَوَابُ أَنْ نَقُولَ لَكَ: نَصَّ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً} علَى أنَّ {قَيِّماً} بَدَلٌ مِن جُمْلَةِ {لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً)}؛ لأنَّهَا بمَعْنَى مُفْرَدٍ، وكأنَّهُ قِيلَ: جَعَلَهُ مُسْتَقِيماً قَيِّماً فاعْرِفْ ذَلِكَ.
قَدْ تَمَّ بمَعُونَةِ اللَّهِ تَعَالَى وحُسْنِ إِمْدَادِهِ
مُرَاجَعَةُ الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ (أَوْضَحِ المَسَالِكِ)
لابْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيِّ
معَ خُلاصَةِ شَرْحِنَا المَبْسُوطِ عَلَيْهِ
ويَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الجُزْءُ الرَّابِعُ
وَأَوَّلُهُ (بَابُ النِّدَاءِ) يَسَّرَ اللَّهُ لَنَا ذَلِكَ بمَنِّهِ وفَضْلِهِ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 03:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


المُجلدُ الثالثُ
البَدَلُ

561- التَّابِعُ المقصودُ بالحُكْمِ بِلَا = وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلَا
في اصطلاحِ البَصْرِيِّيْنَ (بَدَلًا)، وأمَّا الكوفيونَ فَقَالَ الْأَخْفَشُ: يُسمونَهُ بالترجمةِ والتَّبْيِيْنِ، وقَالَ ابنُ كَيْسَانَ: يُسمونَهُ بالتكريرِ.
فالتَّابعُ: جنْسٌ، والمقصودُ بالحكمِ، يُخْرِجُ النَّعْتَ، والتوكيدَ وعطفَ البَيَانِ، وعطفَ النَّسَقِ، سِوى المعطوفِ بـ "بَلْ" و"لَكِنْ" بعدَ الإثباتِ، وبِلَا واسِطَةٍ: يُخْرِجُ المعطوفَ بهمَا بعدَهُ.

566- (مُطَابِقًا أو بَعْضًا أو مَا يَشْتَمِلُ = عَليْهِ يُلْفَى أو كَمَعْطوفٍ بِبَلْ)
أيْ يجيءُ البدلُ عَلَى أربعةِ أَنْواعٍ:
الأولُ: بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وهو بدلُ الشيءِ مِمَّا يُطابقُ مَعْنَاهُ، نَحْوُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْمَ صِرَاطَ الذِيْنَ}، وَسمَّاهُ الناظمُ البدلَ المطابِقَ، لوقوعِهِ فِي اسْمِ اللهِ تَعَالى، نَحْوُ: (إلَى صِرَاطِ العَزِيْزِ الْحَمِيْدِ اللهِ) فِي قِرَاءَةِ الجرِّ، وإنما يُطلقُ "كُلُّ" عَلَى ذِي أَجْزَاءٍ، وذلكَ مُمْتَنِعٌ هنَا.
والثانِي: بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وهو بَدَلُ الجزءِ مِنْ كُلِّهِ، قَليلًا كَانَ ذلكَ الجُزْءُ أو مُساوِيًا أو أكثرَ، "أكلْتُ الرغيفَ ثُلُثَهُ أو نِصْفَهُ أو ثُلُثَيْهِ" ولا بُدَّ مِنَ اتصالِهِ بضميرٍ يَرْجِعُ للمُبْدَلِ منهُ مذْكُورٍ كالأمثلةِ المَذْكُوْرَةِ، وكقولِهِ تَعَالى: {ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيْرٌ مِنْهُم} أو مُقَدَّرٌ نحوُ: {وللهِ عَلَى الناسِ حِجُّ البيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليهِ سَبِيْلَا} أيْ: منهُمْ.
والثالثُ: بَدَلُ الاشْتِمَالِ، وهو بَدَلُ شيءٍ مِنْ شيءٍ يَشْتَمِلُ عامِلُهُ عَلَى معنَاهُ بطريقِ الْإِجمالِ، كـ "أعْجَبَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ، أو حُسْنُهُ، أو كلامُهُ" و"سُرِقَ زيدٌ ثَوْبُهُ" أو "فَرَسُهُ"، وأمرُهُ في الضميرِ كأمرِ بَدَلِ البعضِ، فَمِثَالُ المَذْكُوْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأمثلةِ، ومِثْلُهُ قولُهُ تَعَالَى {يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيْهِ} ومثالُ المُقَدَّرِ قَولُهُ تَعَالَى: {قُتِلَ أصحَابُ الْأُخْدُوْدِ النَّارِ}، أيْ: النَّارُ فيهِ، وقِيْلَ: الأصلُ نَارُهُ، ثمَّ نَابَتْ "ألْ" عَنِ الضميرِ.
والرابعُ: البدلُ المُبَايِنُ، وهو ثلاثَةُ أقْسَامٍ أشَارَ إليهَا بِقَوْلِهِ:
567- (وَذَا للاضْرَابِ أعْزُ إِنْ قَصْدًا صَحِبَ = وَدُوْنَ قَصْدٍ سَلَطٌْ بِهِ سُلِبْ)
أيْ: تَنْشَأُ أقسامُ هذَا النوعِ الأخيرِ مِنْ كَوْنِ المُبْدَلِ منْهُ قَصْدًا أولًا، لأَنَّ البدلَ لا بُدَّ أنْ يكونَ مَقْصُوْدًا كَمَا عرفتَ في حَدِّ البَدَلِ، فالمُبْدَلُ مِنْهُ إنْ لمْ يكُنْ مقُصَودًا أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا سَبَقَ اللسانُ إليهِ فهوَ بَدَلُ الغَلَطِ، أيْ: بدَلٌ سبَبُهُ الغَلَطُ؛ لأنَّهُ بدَلٌ عَنِ اللفظِ الذي هو غَلَطٌ، لا أنَّهُ نَفْسُهُ غَلَطٌ، وإنْ كانَ مَقْصُودًا، فَإِنْ تَبِيَّنَ بعدَ ذِكْرِهِ فَسَادُ قَصْدِهِ فَبَدَلُ نِسْيانٍ، أيْ: بدلُ شيءٍ ذُكِرَ نِسْيَانًا، وقدْ ظَهَرَ أنَّ الغلطَ مُتَعَلِّقٌ باللسانِ، والنسيانُ متعلقٌ بالجَنَانِ،ـ والنَّاظِمُ وَكَثِيْرٌ مِنَ النَّحْويينَ لم يُفَرِّقُوا بينهُمَا، فَسَمَّوا النوعينَ بَدَلَ غَلَطٍ، وإنْ كانَ قَصْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المُبْدَلِ مِنهُ والبدلِ صحيحًا فَبَدَلُ الإضرابِ، ويسَمَّى أيضًا بَدَلَ البَدَاءِ.
ثُمَّ أشَارَ إلَى أَمْثِلَةِ الأنواعِ الأربعةِ عَلَى الترتيبِ بقولِهِ:
568- كَزُرْهُ خَالِدًا، وَقَبِّلْهُ اليَدَا = واعْرِفْهُ حَقَّهُ، وخُذْ نَبْلًا مُدَى
فخالدٌ بدلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، و"اليَدَ" بَدَلُ بَعْضٍ، و"حقُّهُ": بدلُ اشْتمالٍ، و"مُدَى": يَحْتَمِلُ الأقسامَ الثلاثةَ المذكورةَ، وذلكَ باختلافِ التَّقَادِيْرِ، فإنَّ "النَّبْلَ" اسْمُ جَمْعٍ للسهْمِ، و"المُدَى" جَمْعُ مُدْيَةٍ، وهي السِّكِّيْنُ، فإنْ كَانَ المُتَكَلِّمُ إنما أرادَ الأمْرَ بِأَخْذِ المُدَى فَسَبَقَ لسانُهُ إلى النَّبْلِ فبدَلُ غَلَطٍ، وإنْ كانَ أرادَ الأمْرَ بِأَخْذِ "النَّبْلِ" ثمَّ بَانَ لهُ فَسَادُ تلكَ الإرادةِ وَأَنَّ الصوابَ الأمرُ بأخذِ "المُدَى" فبَدَلُ نِسْيَانٍ، وإنْ كانَ أرادَ الأوَّلَ ثُمَّ أَضْرَبَ عنْهُ إلى الأمْرِ بِأَخْذِ "المُدَى" وَجَعَلَ الأولَ في حُكْمِ المَسْكُوْتِ عنهُ فَبَدَلُ إِضْرَابٍ وبَدَاءٍ، والأحسنُ أنْ يُؤْتَى فيهنَّ بـ "بَلْ".
تنْبِيْهَاتٌ: الأولُ: زَادَ بعضُهُمْ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ بعضٍ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
861- كَأَنِّيْ غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا = لَدَىْ سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وَنَفَاهُ الجُمْهورُ، وتَأَوَّلُوُا البيتَ.
الثانِي: رَدَّ السُّهَيْلِيُّ،ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىـ، بَدَلَ البعضِ وبدلَ الاشتمالِ إلى بَدَلِ الكُلِّ، فقَالَ: العَرَبُ تَتَكَلَّمُ بالعامِّ وتريدُ الخاصَّ، وتحذفُ المضافَ وتنوِيْهِ.
فإذا قُلْتَ: "أكلتُ الرغيفَ ثُلُثَهُ" إنَّمَا تريدُ: أكلتُ بَعْضَ الرغيفِ، ثمَّ بَيَّنْتَ ذلكَ البعضَ، وبدلُ المصدرِ مِنَ الاسْمِ إنَّمَا هو في الحقيقةِ مِنْ ِصَفةٍ مُضَافَةٍ إلى ذلكَ الاسْمِ.
الثالثُ: اخْتُلِفَ في المُشْتَمِلِ في بدَلِ الاشتمالِ، فَقِيْلَ: هو الأوَّلُ، وَقِيْلَ: الثانيْ، وَقِيْلَ: العَامِلُ، وَكَلامُهُ هُنَا يَحْتَمِلُ الْأَوَّلَيْنِ، وَذَهَبَ في( التَّسْهِيْلِ) إلى الأوَّلِ.
الرابعُ: رَدَّ المُبَرِّدُ وغيرُهُ بَدَلَ الغَلَطِ، وقالَ: لا يُوْجَدُ في كَلَامِ العَرَبِ نَظْمًا ولا نَثْرًا، وزعَمَ قومٌ منهُمْ ابنُ السَّيِّدِ أنَّهُ وُجِدَ في كلامِ العربِ كقولِ ذِي الرُّمَّةِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
862- لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ = وفِي اللِّثَاثِ وفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ
فاللَّعَسُ: بَدَلُ غَلَطٍ، لأنَّ الحُوَّةَ السَّوَادُ، وَاللَّعَسُ: سَوَادٌ يَشُوْبُهُ حُمْرَةٌ، وَذَكَرَ بيتينِ آخرينِ، ولا حُجَّةَ لَهُ فيمَا ذَكَرَهُ، لإمْكَانِ تَأْوِيْلِهِ.
الخامسُ: قَدْ فُهِمَ مِنْ كَوْنِ البدلِ تَابِعًا أنَّهُ يُوَافِقُ مَتْبُوْعَهُ في الإعرابِ، وأمَّا مُوَافَقَتُهُ إيِّاهُ في الِإفْرَادِ والتَّذْكِيْرِ والتَّنْكِيْرِ وفروعِهَا فلمْ يَتَعَرَّضْ لها هُنَا، وفيه تَفْصِيْلٌ، أمَّا التنكيرُ وَفَرْعُهُ، وهو التعريفُ، لا يَلْزَمُ مُوَافَقَتُهُ لمَتْبُوْعِهِ فيهما، بَلْ تُبْدَلُ المعرفةُ مِنَ المعرفةِ، نَحْوُ: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيْزِ الْحَمِيْدِ اللهِ} في قراءةِ الجَرِّ، والنَّكِرَةُ مِنَ النَّكِرَةِ نَحْوُ: {إِنَّ للمُتَّقِيْنَ مَفَازًا حَدَائِقَ وأعْنَابًا} والمعرفةُ مِنَ النكرةِ نحوُ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ صِرَاطِ اللهِ}، والنكرةُ مِن المعرفةِ، نحوُ: {لَنَسْفَعًا بالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ}، وأَمَّا الإفرادُ والتذْكِيْرُ وأَضدادُهُمَا، فإنْ كانَ بَدَلَ كُلٍّ وَافَقَ مَتْبُوْعَهُ فيها، مَا لمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنَ التثنِيَةِ والجمعِ، كَكَوْنِ أحدِهِمَا مَصْدَرًا، نحوُ: {مَفَازًا حَدَائِقَ}، أو قَصَدَ التفصِيْلَ كَقولِهِ [ِمنَ الطَّوِيْلِ]:
863- وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحِيْحَةٍ = ورِجْلٍ رَمَى فيها الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
وإنْ كانَ غيرُهُ مِنْ أنواعِ البدلِ لم يَلْزَمْ مُوُافَقَتُهُ فيها.
569- وَمِنْ ضَمِيْرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرِ لَا = تُبْدِلْهُ، إلَّا مَا إِحَاطَةً جَلَا
(ومِنْ ضميرِ الحاضرِ) مُتَكَلِّمًا كانَ أو مُخَاطَبًا (الظَّاهرُ لا تُبْدِلْهُ) أيْ: يَجُوزُ إبْدَالُ الظاهرِ مِنَ الظاهرِ، ومِنْ ضميرِ الغائبِ كمَا ذكَرُهُ في أَمْثِلَتِهِ، ولا يجوزُ أنْ يُبدَلَ الظاهرُ مِنْ ضميرِ المُتَكَلِّمِ أو المُخَاطَبِ (إلَّا مَا إِحَاطَةً جَلَا) أيْ إلَّا إذا كانَ البدلُ بدلَ كلٍّ فيه مَعْنى الإحاطةِ نحوُ: {تَكُوْنُ لَنَا عِيْدًا لِأَوَّلِنَا وآخِرِنَا} وقوْلِهِ [مِنَ الطَّويْلِ]:
864- فَمَا بَرَحَتْ أَقْدَامُنَا فِي مَكَانِنَا = ثَلاثَتِنَا حَتَّى أُزِيْرُوا المَنَائِيَا
فإنْ لمْ يَكُنْ فيه مَعْنى الإحاطةِ فمذاهبُ، أحَدُهَا: المنعُ، وهو مذهبُ جمهورِ البصريينَ، والثاني: الجَوَازُ، وهو قولُ الْأَخْفَشِ والكُوْفِيينَ، والثالثُ: أنَّهُ يَجُوْزُ في الاستثناءِ نحوُ: "مَا ضَرَبْتُكُمْ إلا زَيْدًا"، وهو قولُ قُطْرُبٍ، (أو اقْتَضَى بعْضًا) أيْ: كانَ بدلَ بعضٍ، نحوُ: {لَقَدْ كانَ لكمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ} وقوْلُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
765- أَوْعَدَنِي بالسِّجْنِ وَالْأَدَاهِمِ = رِجْلِي فَرِجْلِي شَثْنَةُ المَنَاسِمِ
570- أو اقْتَضَى بَعْضًا أو اشْتِمَالًا = كَأَنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالًا
(أو) اقتضَى (اشْتِمَالًا) أيْ: كانَ بدلَ اشتمالٍ (كَأَنَّكَ ابتهاجَكَ اسْتَمَالًا) وَقوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
866- بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا = وَإِنَّا لَنَرْجُوا فَوْقَ ذلكَ مَظْهَرًا.
تَنْبِيْهٌ: قالَ في (التَّسْهِيْلِ): ولا يُبْدَلُ مُضْمَرٌ مِنْ مُضْمَرٍ، ولا مِنْ ظَاهِرٍ، ومَا أَوْهَمَ ذلكَ جُعِلَ تَوْكِيْدًا إنْ لم يُفِدْ إِضْرَابًا اهـ.
571- وبَدَلُ المُضَمَّنِ الهَمْزِ يَلِي = هَمْزًا، كـ: "مَنْ ذَا أَسَعِيْدٌ أمْ عَلِيْ؟"
(وبدلُ) المُبْدَلُ منهُ (المُضَمَّنِ) معنَى (الهَمْزِ) المُسْتَفْهَمِ بِهِ (يَلِي هَمْزًا) مُسْتَفْهَمًا بِهِ وُجُوْبًا (كَمَنْ ذَا أسعيدٌ أمْ عَلِي) و"كَمْ مَالُكَ أَعِشْرُوْنَ أمْ ثَلاثونَ؟ و"ما صَنَعْتَ أخيرًا أمْ شَرًّا" و"كَيفَ جئتَ أرَاكِبًا أمْ مَاشِيًا؟".
تنبيهٌ: نَظِيْرُ هذهِ المسألةِ بدلُ اسْمِ الشَّرطِ نحوُ: "مَنْ يَقُمْ إنْ زيدٌ وإنْ عمروٌ أَقُمْ مَعَهُ" و"ما تَصْنَعُ إنْ خَيرًا أو شَرًا تُجْزَ بِهِ" و"متَى تُسَافِرُ إنْ ليلًا أو نَهَارًا أُسَافِرْ مَعَكَ"
572- وَيُبْدَلُ الفعلُ مِنَ الفعلِ، كـ "مَنْ = يَصِلْ إلينَا يَسْتَعِنْ بِنَا يُعَنْ"
(ويُبْدَلُ الفعلُ مِنَ الفعلِ) بدلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، قالَ في (البَسِيْطِ) باتِّفَاقٍ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
867- مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا = تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا
وبَدَلُ اشتمَالٍ على الصحيحِ (كمَنْ يَصِلْ إلينَا يَسْتَعِنْ بنا يُعَنْ) ومنهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ}، وقولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
868- إِنَّ عَلَيَّ اللهَ أنْ تُبَايِعَا = تُؤْخَذَ كَرْهًا أوْ تجِيءَ طَائِعًا.
ولا يُبْدَلُ بَدَلُ بَعضٍ، وأمَّا بَدَلُ الغَلَطِ فقالَ فِي (البَسِيْطِ): جَوَّزَهُ سِيْبَوَيْهِ وجماعةٌ مِنَ النحويينَ، والقياسُ يَقْتَضِيْهُ.
تنبيهٌ: تُبْدَلُ الجملةُ مِنَ الجُمْلَةِ نحوُ: {أَمَدَّكُمْ بمَا تعلمونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وبنينَ} وقولُُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
869- أَقُوْلُ لَهُ ارْحَلْ لَا تُقِيْمَنَّ عِنْدَنَا = وَإِلَّا فَكُنْ فِي السِّرِّ والْجَهْرِ مُسْلِمًا
وأجازَ ابنُ جِنِّيٍ والزَّمَخْشَرِيُّ والناظمُ إبْدَالَهَا مِنَ المُفْرَدِ، كقولِهِ (مِنَ الطَّوِيْلِ]:
870- إِلَى اللهِ أَشْكُواْ بِالْمَدِيْنَةِ حَاجَةً = وَبِالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ أَبْدَلَ "كَيفَ يَلَتَقِيَانِ" مِنْ "حَاجَةً وَأُخْرَى" أيْ: إلَى اللهِ أَشْكُو هَاتَيْنِ الحَاجَتينِ تعذُّرَ التقائِهِمَا، وجَعَلَ مِنْهُ الناظمُ، نحوُ "عَرَفْتُ زيدًا أبُو مَنْ هو".
خَاتِمَةٌ: فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ (التَّسْهِيْلِ) وشَرْحُهُ
الْأُوْلَى: قَدْ يَتَّحِدُ البدلُ والمُبْدَلُ منهُ لفْظًا إذا كانَ مَعَ الثَّانِي زِيَادَةَ بَيَانٍ، كقراءةِ يَعْقُوْبَ، (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} بِنصبِ "كُلَّ" الثانيةِ فإنَّها قَدْ اتَّصلَ بها ذِكْرُ سَبَبِ الجُثُوِّ.
الثانيةُ: الكثيرُ كونُ البدلِ مُعْتَمَدًا عليهِ، وقدْ يَكُوْنُ في حُكْمِ المُلْغَى، كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
871- إِنَّ السيوفَ غُدُوَّهَا وَرَوَاحَها = تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأَغْضَبِ
الثالثةُ، قَدْ يُسْتَغْنَى فِي الصِّلَةِ بالبدلِ عنْ لفظِ المُبْدَلِ منهُ، نحوُ: "أَحْسِنْ إلى الذي صَحِبْتَ زَيْدًا" أيْ: صَحِبْتَهُ زَيْدًا.
الرابعةُ: مَا فُصِّلَ بهِ مَذْكُوْرٌ وكانَ وافِيًا بِهِ يَجُوْزُ فِيْهِ البدَلُ والقطعُ، نحوُ: "مَرَرْتُ برجالٍ قصيرٍ وطويلٍ ورَبْعَةٍ" وإنْ كانَ غيرَ وافٍ تعيَّنَ قَطْعُهُ إنْ لم يُنْوَ معطوفٌ محذوفٌ، نحوُ: "مررتُ برجالٍ طويلٍ وقصيرٍ" فإنْ نُوِيَ معطوفٌ محذوفٌ فمن الأوَّلِ نحوُ: ((اجْتَنِبُوا المُوْبِقَاتِ الشِّرْكَ باللهِ والسحْرَ)) بالنصبِ، التقْدِيْرُ: وأخواتَهُمَا، لثبوتِهَا في حديثٍ آخرَ، واللهُ تَعَالَى أعلمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 03:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


الْبَدَلُ

تعريفُ البدَلِ
565- التَّابعُ المَقْصُودُ بالْحُكْمِ بِلا = وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلا
هذا النوعُ الخامسُ مِن التوابِعِ، وهوَ البَدَلُ. وتعريفُهُ: تابعٌ مَقْصُودٌ بالحُكْمِ بلا واسِطَةٍ بينَهُ وبينَ الْمُبْدَلِ منهُ؛ نحوُ: عَمَّ الرَّخَاءُ في زمَنِ الخليفةِ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ. فـ(عُمرُ) بدَلٌ مِنْ (الخليفةِ)، وهوَ المقصودُ بالحكْمِ المذكورِ. ولوْ ذُكِرَتْ كَلِمةُ (الخليفةِ) وَحْدَها لَمَا عُرِفَ المرادُ؛ لأنَّ الخُلفاءَ كثيرونَ. وكَلِمَةُ (الخليفةِ) لَمْ يَكُنْ ذِكْرُها مَقصوداً لذاتِهِ، وإنَّما ذُكِرَتْ تَمهيداً لِمَا بَعْدَها، وَلِيَكُونَ الكلامُ أَقْوَى في نفْسِ السامِعِ.
وقَوْلُنا: (تَابِعٌ)، جنْسٌ يَشْمَلُ جميعَ التوابِعِ.
وقولُنا: (مَقْصُودٌ بالحكْمِ)، قَيدٌ أَوَّلُ يُخْرِجُ النعْتَ وعَطْفَ البيانِ والتوكيدَ؛ لأنَّها مُكَمِّلَةٌ للمتبوعِ المقصودِ بالحكْمِ كما تَقَدَّمَ في أبوابِها، لا أنَّها هيَ المقصودةُ بالحكْمِ. وكذا يُخْرِجُ عطْفَ النَّسَقِ بالواوِ ونَحْوِها، مِثْلَ: جاءَ صالحٌ وعاصمٌ؛ فإنَّ المعطوفَ مَقصودٌ بالحكْمِ، وليسَ هوَ المقصودَ وحدَهُ. كما يُخْرِجُ المعطوفَ بـ(لا)؛ نحوَ: جاءَ عاصِمٌ لا صالِحٌ؛ فإنَّ ما بَعْدَ (لا) ليسَ مقصوداً بالحُكْمِ، وكذا المعطوفُ بـ(بَلْ) بعدَ النَّفْيِ؛ نحوُ: ما جاءَ صَالِحٌ بلْ عصامٌ؛ لأنَّ المقصودَ نَفْيُ المَجِيءِ عن الأوَّلِ.
وقولُنا: (بِلا واسِطَةٍ)، قَيْدٌ ثانٍ يُخْرِجُ المعطوفَ بـ(بَلْ) بعدَ الإثباتِ؛ نحوَ: جَاءَ صالحٌ بلْ عاصِمٌ؛ فإنَّ الثانيَ مقصودٌ بالحُكْمِ، لَكِنْ بواسِطَةٍ، وهيَ (بَلْ)، فلا يكونُ بَدَلاً.
وهذا مَعْنَى قولِهِ: (التَّابِعُ المقصودُ بالْحُكْمِ.. إلخ)؛ أي: المُسَمَّى عندَ النُّحاةِ بَدَلاً هوَ التابعُ المقصودُ بالحكْمِ المنسوبُ لِمَتبوعِهِ بلا واسِطَةٍ بينَهُ وبينَ مَتبوعِهِ كما مُثِّلَ، والمرادُ بالواسِطَةِ حَرْفُ العَطْفِ.

أقسامُ البَدَلِ
566- مُطَابِقاً أوْ بَعْضاً اوْ مَا يَشْتَمِلْ = عَلَيْهِ يُلْفَى أَوْ كَمَعْطُوفٍ بِبَلْ
567- وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إنْ قَصْداً صَحِبْ = وَدُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بِهِ سُلِبْ
568- كَزُرْهُ خَالِداً وَقَبِّلْهُ الْيَدَا = وَاعْرِفْهُ حَقَّهُ وَخُذْ نَبْلاً مُدَى

البَدَلُ أَربعةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ. وَسَمَّاهُ ابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: البدَلَ المُطَابِقَ، وهوَ أَنْ يكونَ الثاني مُساوياً للأوَّلِ في المعنى؛ نحوُ: عَامَلْتُ التَّاجِرَ خَليلاً. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً}. فـ (حَدَائِقَ) بَدَلٌ مِنْ (مَفَازاً)، وهوَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.
وهذا القِسْمُ لا يَحتاجُ إلى رابِطٍ يَرْبِطُهُ بالمتبوعِ؛ لأنَّ البَدَلَ نفْسُ المُبْدَلِ منهُ في المعنى، كما أنَّ الجملةَ التي هيَ نفْسُ المبتدأِ في المعنى لا تَحتاجُ إلى رابِطٍ.
الثاني: بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وهوَ أَنْ يكونَ الثاني بعضاً مِن الأَوَّلِ؛ نحوُ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ ثُلُثَهُ. فـ(ثُلُثَهُ): بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ (الدَّيْنِ)، والهاءُ: مضافٌ إليهِ.
ولا بُدَّ فيهِ مِنْ ضميرٍ يَعودُ على الْمُبْدَلِ منهُ، سَوَاءٌ كانَ مَذكوراً؛ كالْمِثالِ الْمُتَقَدِّمِ، وكقولِهِ تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}. فـ (كَثِيرٌ) بَدَلُ بعضٍ مِن الواوِ في قولِهِ: (عَمُوا). أوْ مُقَدَّراً؛ كقولِهِ تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. فـ (مَنِ اسْتَطَاعَ) بدَلٌ مِن الناسِ، وهوَ بَدَلُ بعضٍ مِنْ كُلٍّ؛ لأنَّ المُستطيعَ بعضُ الناسِ لا كُلُّهم، والضميرُ العائدُ على الْمُبْدَلِ منهُ مُقَدَّرٌ؛ أيْ: منهم.
الثالثُ: بدَلُ الاشتمالِ، وهوَ أنْ يكونَ المُبْدَلُ منهُ مُشْتَمِلاً على البدَلِ بِأَنْ يكونَ دالاًّ عليهِ، بِحَيْثُ إذا ذُكِرَ الْمُبْدَلُ منهُ تَشَوَّفَت النَّفْسُ إلى ذِكْرِ البَدَلِ؛ نَحْوُ: نَفَعَنِي خالدٌ عِلْمُهُ. (عِلْمُهُ): بَدَلُ اشتمالٍ مِنْ (خالِدٌ)، وهوَ مُنْطَوٍ تَحْتَهُ، وليسَ جُزْءاً منهُ. ولوْ قُلْتُ: نَفَعَنِي خالدٌ... لم يَتَّضِح المرادُ، وهلْ نَفَعَكَ عِلْمُهُ أوْ مالُهُ أوْ جَاهُهُ؟ فإذا ذُكِرَ البدَلُ اتَّضَحَ المرادُ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. فـ (قِتَالٍ فِيهِ) بَدَلُ اشتمالٍ مِن (الشَّهْرِ الْحَرَامِ)، وبينَهما تَعَلُّقٌ وارتباطٌ بوُقوعِ القتالِ فيهِ.
وبَدَلُ الاشتمالِ - كَبَدَلِ البَعْضِ - لا بُدَّ فيهِ مِنْ ضميرٍ يعودُ على الْمُبدَلِ منهُ كما في الْمِثالِ والآيَةِ.
وقدْ يَكُونُ الضميرُ في بَدَلِ الاشتمالِ مُقَدَّراً؛ كقولِهِ تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودُ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}. فـ(النَّارِ) بَدَلُ اشتمالٍ مِن (الأُخْدُودِ)، والضميرُ مُقَدَّرٌ؛ أي: النَّارِ فيهِ؛ لأنَّ الأُخْدُودَ مُشْتَمِلٌ على النارِ.
والرَّابِعُ: البَدَلُ المُبَايِنُ، وهوَ ثلاثةُ أقسامٍ:
أ- بَدَلُ إِضْرَابٍ: وهوَ ما يُذْكَرُ فيهِ المُبْدَلُ منهُ قَصْداً، ولَكِنْ يُضْرِبُ عنهُ المتكلِّمُ ويَتركُهُ دُونَ أنْ يَتعرَّضَ لهُ بنَفْيٍ أوْ إثباتٍ، ويَتَّجِهُ إلى البَدَلِ.
ب- بَدَلُ غَلَطٍ: وهوَ ما يُذْكَرُ فيهِ الْمُبدَلُ منهُ غَلَطاً، ثمَّ يُذْكَرُ البَدَلُ لإزالةِ ذلكَ الغَلَطِ، فهوَ بَدَلٌ مِن اللَّفْظِ الذي ذُكِرَ غَلَطاً، لا أنَّهُ هوَ الغَلَطُ.
ج- بَدَلُ نِسْيَانٍ: وهوَ ما يُذْكَرُ فيهِ الْمُبدَلُ منهُ قَصْداً، ثمَّ يَتَبَيَّنُ للمتكَلِّمِ فسادُ قَصْدِهِ، فَيَذْكُرُ البَدَلَ الَّذِي هوَ الصوابُ، فهوَ بَدَلٌ مِن اللفْظِ الذي ذُكِرَ نِسياناً، لا أنَّ البَدَلَ ذُكِرَ نِسياناً.
والفَرْقُ بينَ هذا والذي قَبْلَهُ أنَّ الغَلَطَ مُتَعَلِّقٌ باللسانِ، والنِّسيانَ مُتَعَلِّقٌ بالْجَنَانِ، فالْمُبدَلُ منهُ في الأوَّلِ ذُكِرَ غَلَطاً، وفي الثاني ذُكِرَ نِسياناً.
وهذهِ الأنواعُ الثلاثةُ لا تَحتاجُ إلى ضميرٍ يَرْبِطُ البَدَلَ بالْمُبْدَلِ منهُ. مِثالُها: تَصَدَّقْتُ بدِرْهَمٍ دِينارٍ. فإنْ كانَ المُتَكَلِّمُ قَصَدَ الإخبارَ بالتصَدُّقِ بالدرْهَمِ، ثمَّ أَضْرَبَ عنهُ وتَرَكَهُ إلى الإخبارِ بالتصَدُّقِ بالدينارِ، وجعَلَ الأوَّلَ في حُكْمِ المتروكِ فهوَ بَدَلُ إضرابٍ.
وإنْ كانَ المُتَكَلِّمُ أرادَ الإخبارَ بالتصَدُّقِ بالدينارِ، فسَبَقَ لِسانُهُ إلى الدرهمِ، فهوَ بَدَلُ غَلَطٍ.
وإنْ كانَ قَصَدَ الإخبارَ بالتصَدُّقِ بالدرْهَمِ، فلَما نَطَقَ بهِ تَبَيَّنَ لهُ أنَّ الصوابَ الإخبارُ بالتصَدُّقِ بالدينارِ؛ لظُهورِ الْخَطأِ في القَصْدِ الأوَّلِ، فهوَ بَدَلُ نِسيانٍ.
وهذا مَعْنَى قولِهِ: (مُطَابِقاً أوْ بَعْضاً.. إلخ)؛ أيْ: يُلْفَى البدَلُ - أَيْ: يُوجَدُ - مُطَابِقاً أوْ بَعْضاً أوْ شَيْئاً يَشتمِلُ على البَدَلِ اشتمالاً مَعنويًّا، أوْ كمعطوفٍ بالحرْفِ (بَلْ). وهذا هوَ البَدَلُ الْمُبَايِنُ؛ لأنَّهُ بأنواعِهِ الثلاثةِ لا يَخْلُو مِن الإضرابِ الانتقاليِّ، والمُرَادُ بهِ الانتقالُ مِنْ غَرَضٍ إلى آخَرَ. وقولُهُ: (وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ)؛ أيْ: هذا الذي يُشْبِهُ (بَلْ) انْسِبْهُ إلى الإضرابِ إنْ قُصِدَ مَتبوعُهُ كما يُقْصَدُ هوَ.
فإنْ لم يُقْصَدْ مَتبوعُهُ وقُصِدَ البَدَلُ فقطْ، وإنَّما غَلَطَ المتكَلِّمُ فذَكَرَ المُبْدَلَ منهُ، فهذا بدَلُ الغلَطِ. وقدْ بَيَّنَ بقولِهِ: (غَلَطٌ بهِ سُلِبْ)، أنَّ البَدَلَ نفْسَهُ ليسَ بموضِعِ غَلَطٍ، وإنَّما جاءَ لِيَسْلُبَ الغلَطَ ويُزِيلَهُ. والتقديرُ: وغَلَطٌ دُونَ قَصْدٍ سُلِبَ بِالْبَدَلِ.
وقدْ تُرِكَ الثالثُ، وهوَ بَدَلُ النِّسيانِ، لكنَّهُ قدْ يُؤْخَذُ مِن المثالِ الأخيرِ في قولِهِ: (كَزُرْهُ خَالِداً.. إلخ). وهذا مِثالُ البدَلِ المُطَابِقِ، و(قَبِّلْهُ الْيَدَا) مِثالٌ لبدَلِ البعْضِ، و(اعْرِفْهُ حَقَّهْ) مِثالٌ لبَدَلِ الاشتمالِ، و(خُذْ نَبْلاً مُدَى) للبَدَلِ الْمُبايِنِ بأنواعِهِ الثلاثةِ على الشرْحِ المتَقَدِّمِ. و(النَّبْلُ): هيَ السِّهَامُ العربيَّةُ، وهيَ مُؤَنَّثَةٌ، ولا واحدَ لها مِنْ لفْظِها، بل الواحدُ: سَهْمٌ. والْمُدَى: جَمْعُ مُدْيَةٍ، وهيَ السِّكِّينُ.

إبدالُ الاسمِ الظَّاهِرِ مِنْ ضميرِ الحاضِرِ
569- وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لا = تُبْدِلْهُ إلاَّ مَا إحَاطَةً جَلا
570- أَو اقْتَضَى بَعْضاً أَوِ اشِْتمَالا = كَإِنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالا
1- لا يُبْدَلُ الظاهِرُ مِنْ ضَميرِ الحاضِرِ - وهوَ ضميرُ الْمُتَكَلِّمِ والمُخَاطَبِ - إلاَّ إنْ كانَ البدَلُ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وأفادَ الإحاطةَ والشُّمُولَ، أوْ كانَ بَدَلَ اشتمالٍ، أوْ بَدَلَ بعضٍ مِنْ كُلٍّ.
مِثالُ الأوَّلِ: قولُهُ تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}. فـ(أوَّلِنا وآخِرِنَا) بَدَلُ كُلٍّ مِن الضميرِ المجرورِ باللامِ، وهوَ (نَا)، وهوَ مُفِيدٌ للإحاطةِ والشمولِ؛ لأنَّ المُرَادَ بـ(أَوَّلِنا وآخِرِنَا) جَمِيعُنا على عادَةِ العرَبِ مِنْ ذِكْرِ طَرَفَيِ الشَّيْءِ وإرادةِ جَميعِهِ.
فإنْ لم يُفْدِ الإحاطةَ امْتَنَعَ لعَدَمِ الفائدةِ؛ نَحْوُ: رَأَيْتُكَ خالداً.
ومِثالُ بَدَلِ الاشتمالِ: أَعْجَبْتَنِي كَلامُكَ. فـ(كَلامُكَ) بَدَلُ اشتمالٍ مِنْ (تاءِ) الْمُخاطَبِ المفتوحةِ. ومنهُ قولُ الشاعِرِ:
بلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا = وإنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلكَ مَظْهَرَا
فـ(مَجْدُنا وسَنَاؤُنا) بدَلُ اشتمالٍ مِنْ ضميرِ المتكَلِّمِ البارِزِ الواقِعِ فَاعِلاً في قَوْلِهِ: (بَلَغْنَا).
ومِثالُ بَدَلِ البعضِ: قولُهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}. فـ(مَن): اسمٌ موصولٌ مجرورٌ باللامِ بدَلُ بعضٍ مِنْ ضميرِ (لَكُمْ).
2- وَفُهِمَ مِنْ كَلامِ النَّاظِمِ أنَّهُ يُبْدَلُ الظَّاهِرُ مِن الظاهِرِ في جميعِ أقسامِ البدَلِ كما تَقَدَّمَ، وَأَنَّ ضَمِيرَ الْغَائِبِ يُبْدَلُ منهُ الظَّاهِرُ مُطْلَقاً كما تَقَدَّمَ في مِثالِ الناظِمِ: (زُرْهُ خالداً). ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، على إِعْرَابِ (الَّذِينَ) بَدَلاً مِن الواوِ في (أَسَرُّوا)، بدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.
3- ولا يَجُوزُ إبدالُ الضميرِ مِن الضميرِ؛ لعَدَمِ وُرودِهِ عن العرَبِ. أمَّا نحوُ: قُمْتَ أَنْتَ، فَهُوَ توكيدٌ لَفظيٌّ كما مَضَى في بابِ التوكيدِ.
4- وَلا يُبْدَلُ ضَمِيرٌ مِنْ ظَاهِرٍ، فلا يَصِحُّ عِنْدَهم: رَأَيْتُ زَيْداً إيَّاهُ.
وهذا مَعْنَى قَوْلِهِ: (ومِنْ ضَمِيرِ الحاضرِ الظَّاهِرَ لا تُبْدِلْهُ.. إلخ)؛ أيْ: لا تُبْدِل الاسْمَ الظاهِرَ مِنْ ضميرِ الحاضرِ، إلاَّ إذا أَظْهَرَ البدَلُ إحاطةً؛ أيْ: دَلَّ عليها، بكَوْنِهِ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ. أو اقْتَضَى بَعْضاً، بأنْ دَلَّ على البَعضيَّةِ. أَوْ دَلَّ على اشتمالٍ؛ كَقَوْلِكَ: (إِنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالا)؛ أيْ: فَرَحَكَ استمالَ القلوبَ إليكَ. فـ(ابتهاجَ): بدَلُ اشتمالٍ مِنْ ضميرِ المخاطَبِ، وهوَ الكافُ الواقعُ اسماً لـ(إنَّ)، وجُملةُ (اسْتَمَالا) خبرُ (إنَّ)، والألِفُ: للإطلاقِ.

الإِبْدَالُ مِن اسْمِ الاستفهامِ
571- وَبَدَلُ الْمُضَمَّنِ الْهَمْزَ يَلِي = هَمْزاً كَمَنْ ذَا أَسَعِيدٌ أَمْ عَلِي
إذا أُبْدِلَ مِن اسمِ الاستفهامِ وَجَبَ دُخُولُ همزةِ الاستفهامِ على البَدَلِ؛ ليُوَافِقَ الْمُبْدَلَ منهُ في تَأْدِيَةِ المعنى؛ نحوُ: كَمْ كُتُبُكَ؟ أَعِشْرُونَ أَمْ ثَلاثُونَ؟ ومَنْ رَأَيْتَ؟ أخالداً أمْ عَلِيًّا؟ وما كَتَبْتَ؟ أَتَفْسِيراً أمْ حَدِيثاً؟
فـ(عِشرونَ) وما عُطِفَ عليهِ بَدَلٌ مِنْ (كَمْ)، و(خالداً) وما عُطِفَ عليهِ بدَلٌ مِنْ (مَنْ)، و(تَفْسِيراً) وما عُطِفَ عليهِ بدَلٌ مِنْ (مَا).
وهذا معنى قولِهِ: (وبَدَلُ المُضَمَّنِ الهَمْزَ يَلِي هَمْزاً.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ البدَلَ مِن الْمُبْدَلِ منهُ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الهَمْزِ، لا بُدَّ أنْ تَسْبِقَهُ الهمزةُ؛ كالمثالِ الذي ذَكَرَهُ.

إبدالُ الفعْلِ مِن الفعْلِ
572- وَيُبْدَلُ الْفِعْلُ مِن الْفِعْلِ كَمَنْ = يَصِلْ إلَيْنَا يَسْتَعِنْ بِنَا يُعَنْ
تَقَدَّمَ أنَّ الاسمَ يُبْدَلُ مِن الاسمِ، وذَكَرَ هنا أنَّ الفعْلَ يُبْدَلُ مِن الفعْلِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}. فـ (يُضَاعَفْ): مُضَارِعٌ مجزومٌ، وهوَ بَدَلُ كُلٍّ مِن الفعْلِ (يَلْقَ)؛ لأنَّهُ جوابُ الشرْطِ، ولأنَّ لِقاءَ الأَثَامِ هوَ تَضعيفُ العذابِ والخلودُ. فالفعْلُ (يُضَاعَفْ) زَادَ معنى الفعْلِ (يَلْقَ) وُضوحاً، وكَشَفَ المُرَادَ منهُ. والدليلُ على أنَّهُ بَدَلٌ مَجيئُهُ مَجزوماً. ومنهُ قولُهُ في الْمِثالِ: مَنْ يَصِلْ إلَيْنَا يَسْتَعِنْ بنا يُعَنْ. فـ(يَسْتَعِنْ) بدَلُ اشتمالٍ.
وَظَاهِرُ كَلامِهِ أَنَّ إبدالَ الفِعْلِ جائزٌ في جميع أقسامِ البَدَلِ، والمَسْمُوعُ مِنْ ذلكَ الكُلُّ مِن الكلِّ، وهذا لا خِلافَ فيهِ. وأمَّا بَدَلُ الاشتمالِ فهوَ مَوْضِعُ خِلافٍ، فمِنهم مَنْ أَجَازَهُ، ومِنهم مَنْ مَنَعَهُ؛ لأنَّهُ لا بُدَّ فيهِ مِنْ ضميرٍ.
أمَّا بَدَلُ البعْضِ مِن الكُلِّ، فلا يُمْكِنُ في الفعْلِ؛ لأنَّ الفِعْلَ لا يَتَبَعَّضُ. وأمَّا بَدَلُ الغلَطِ فالقياسُ يَقتضيهِ، ومِثالُهُ: قامَ قَعَدَ الْمُعَلِّمُ. أرَدْتَ أنْ تقولَ: قَعَدَ، فغَلَطْتَ فَقُلْتَ: قامَ، ثمَّ أَبْدَلْتَ (قَعَدَ) منهُ.
واعلَمْ أنَّ إبدالَ الفعْلِ مِن الفعْلِ هوَ إبدالُ مُفْرَدٍ مِنْ مفرَدٍ، لا إبدالَ جُمَلٍ، بدليلِ مُشَارَكَةِ الفعْلِ الواقعِ بَدَلاً لمَتْبُوعِهِ في نَصْبِهِ أوْ جَزْمِهِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البدل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir