دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 07:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب المسح على الخفين (2/2) [مدة المسح للمسافر والمقيم]

61 - وعن صَفوانَ بنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذا كُنَّا سَفْرًا أن لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثلاثةَ أيَّامٍ ولَيَالِيَهُنَّ إلا مِن جَنابَةٍ، ولكنْ مِن غَائطٍ وبَوْلٍ ونَوْمٍ. أَخرَجَهُ النَّسائيُّ والتِّرْمِذِيُّ واللفظُ له وابنُ خُزَيْمَةَ وصَحَّحَاهُ.

62 - وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: جَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ ثلاثةَ أيَّامٍ ولَيَالِيَهُنَّ لِمُسافِرٍ، ويَوْمًا وليلةً للمُقيمِ. يعني: في الْمَسْحِ علَى الْخُفَّيْنِ. أَخرَجَهُ مسلِمٌ.

63 - وعن ثَوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: بَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ سَرِيَّةً فأَمَرَهُم أن يَمْسَحوا علَى العَصَائِبِ – يعني: العَمائمَ – والتَّسَاخِينِ – يعني: الْخِفَافَ. رواهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ وصَحَّحَهُ الحاكمُ.

64 - وعن عمرَ موقوفًا، و[عن] أَنَسٍ مرفوعًا: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ)). أَخرَجَهُ الدارَقُطْنِيُّ، والحاكمُ وصَحَّحَهُ.

65 - وعن أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنه رَخَّصَ للمسافِرِ ثلاثةَ أَيَّامٍ ولَيَالِيَهُنَّ، وللمُقيمِ يومًا وليلةً، إذا تَطَهَّرَ فلَبِسَ خُفَّيْهِ أن يَمْسَحَ عليهما. أَخرَجَهُ الدارَقُطْنِيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ.

66 - وعن أُبَيِّ بنِ عِمارةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه قالَ: يَا رسولَ اللَّهِ، أَمْسَحُ علَى الْخُفَّيْنِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: يومًا؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: ويومينِ؟ قالَ: ((نَعَمْ)). قالَ: وثلاثةً؟ قالَ: ((نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ)). أَخرَجَهُ أبو دَاوُدَ وقالَ: ليس بالقويِّ.


  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 09:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

3/55 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْراً أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ.
(وَعَنْ صَفْوَانَ) بِفَتْحِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الفَاءِ، (ابْنِ عَسَّالٍ) بِفَتْحِ المُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ المُهْمَلَةِ وَبِاللاَّمِ، المُرَادِيِّ سَكَنَ الكُوفَةَ.
(قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْراً) جَمْعُ سَافِرٍ، كَتَجْرٍ جَمْعُ تَاجِرٍ.
(أَلاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ) أَيْ: فَنَنْزِعُهَا وَلَوْ قَبْلَ مُرُورِ الثَّلاَثِ (وَلَكِنْ) لاَ نَنْزِعُهُنَّ (مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) أَيْ: لِأَجْلِ هَذِهِ الأَحْدَاثِ، إلاَّ إذَا مَرَّت المُدَّةُ المُقَدَّرَةُ.
(أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ) أَي: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَن البُخَارِيِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، بَلْ قَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ فِي التَّوْقِيتِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ المُرَادِيِّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالخَطَّابِيُّ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَوْقِيتِ إبَاحَةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهنَّ، وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالوُضُوءِ دُونَ الغُسْلِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " يَأْمُرُنَا " الوُجُوبُ؛ وَلَكِنَّ الإِجْمَاعَ صَرَفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَبَقِيَ لِلْإِبَاحَةِ أو النَّدْبِ.
وَقَد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ هَل الأَفْضَلُ المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ أَوْ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُ القَدَمَيْنِ؟
قَالَ المُصَنِّفُ عَن ابْنِ المُنْذِرِ: وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ المَسْحَ أَفْضَلُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الغَسْلَ أَفْضَلُ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتْرُكَ المَسْحَ رَغْبَةً عَن السُّنَّةِ، كَمَا قَالُوا فِي تَفْضِيلِ القَصْرِ عَلَى الإِتْمَامِ.

4/ 56 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْماً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. يَعْنِي فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْماً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. يَعْنِي فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ) هَذَا مُدْرَجٌ مِنْ كَلاَمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِن الرُّوَاةِ.
(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَوْقِيتِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ، كَمَا سَلَفَ فِي الحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَدَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ المَسْحِ لِلْمُقِيمِ أَيْضاً، وَعَلَى تَقْدِيرِ زَمَانِ إبَاحَتِهِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ، وَإِنَّمَا زَادَ النبيُّ فِي المُدَّةِ لِلْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالرُّخْصَةِ مِن المُقِيمِ لِمَشَقَّةِ السَّفَرِ.

5/57 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ - يَعْنِي العَمَائِمَ- وَالتَّسَاخِينِ. يَعْنِي الخِفَافَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
(وَعَنْ ثَوْبَانَ) بِفَتْحِ المُثَلَّثَةِ، تَثْنِيَةُ ثَوْبٍ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: وَالأَوَّلُ أَصَحُّ "ابْنُ بُجْدُدٍ " بِضَمِّ المُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الجِيمِ وَضَمِّ الدَّالِ المُهْمَلَةِ الأُولَى، وَقِيلَ: ابْنُ جَحْدَرٍ، بِفَتْحِ الجِيمِ وَسُكُونِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ فَرَاءٍ. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السَّرَاةِ، مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ.
وَقِيلَ: مِنْ حِمْيَرَ أَصَابَهُ سَبْيٌ، فَشَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ مُلاَزِماً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَراً وَحَضَراً، إلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ الشَّامَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى حِمْصَ، فَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ.
(قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ، يَعْنِي العَمَائِمَ) فسُمِّيَتْ عِصَابَةً؛ لِأَنَّهُ يُعْصَبُ بِهَا الرَّأْسُ.
(وَالتَّسَاخِينِ) بِفَتْحِ المُثَنَّاةِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَبَعْدَ الأَلِفِ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ فَنُونٌ، جَمْعُ تِسْخَانٍ. قَالَ فِي القَامُوسِ: التَّسَاخِينُ المَرَاجِلُ والخِفَافُ.
وَفَسَّرَهَا الرَّاوِي بِقَوْلِهِ: (يَعْنِي الخِفَافَ) جَمْعُ خُفٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَمَا قَبْلَهُ في قولِه: "يَعْنِي العَمَائِمَ" مُدْرَجٌ فِي الحَدِيثِ مِنْ كَلاَمِ الرَّاوِي.
(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ).
ظَاهِرُ الحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ المَسْحُ عَلَى العَمَائِمِ كَالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا الطَّهَارَةُ لِلرَّأْسِ وَالتَّوْقِيتُ كَالخُفَّيْنِ؟ لم نَجِدْ فِيهِ كَلاَماً لِلْعُلَمَاءِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَوَاشِي القَاضِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى بُلُوغِ المَرَامِ: أَنَّهُ يُشْتَرُطُ فِي جَوَازِ المَسْحِ عَلَى العَمَائِمِ أَنْ يَعْتَمَّ المَاسِحُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ كَمَا يَفْعَلُ المَاسِحُ عَلَى الخُفِّ، وَقَالَ: وَذَهَبَ إلَى المَسْحِ عَلَى العَمَائِمِ بَعْضُ العُلَمَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَا ادَّعَاهُ دَلِيلاً.
وَظَاهِرُهُ أَيْضاً أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ عليها عُذْرٌ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ مَسْحُهَا وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ الرَّأْسَ مَاءٌ أَصْلاً.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى العِمَامَةِ فَقَطْ، وَمَسَحَ عَلَى النَّاصِيَةِ: وَكَمَّلَ عَلَى العِمَامَةِ.
وَقِيلَ: لاَ يَكُونُ ذَلِكَ إلاَّ لِلْعُذْرِ؛ لِأَنَّ فِي الحَدِيثِ هذا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُم البَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ.
فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى العُذْرِ، وَفِي هَذَا الحَمْلِ بُعْدٌ، وَإِنْ جَنَحَ إلَى القَوْلِ بِهِ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالعِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فِي غَيْرِ هَذَا الحديثِ.

6/58 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفاً - وَعَنْ أَنَسٍ - مَرْفُوعاً - : ((إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ إلاَّ مِن الجَنَابَةِ)).
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
(وَعَنْ عُمَرَ مَوْقُوفاً) المَوْقُوفُ هُوَ: مَا كَانَ مِنْ كَلاَمِ الصَّحَابِيِّ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعاً) إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا) تَقْيِيدُ اللُّبْسِ وَالمَسْحِ بِبَعْدِ الوُضُوءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِطَاهِرَتَيْنِ فِي حَدِيثِ المُغِيرَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ الطَّهَارَةُ المُحَقَّقَةُ مِن الحَدَثِ الأَصْغَرِ.
(وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ) قَيَّدَهُمَا بِالمَشِيئَةِ دَفْعاً لِمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الأَمْرِ مِن الوُجُوبِ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ مِن التَّحْرِيمِ ((إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ)) فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ خَلْعُهُمَا.
(أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ). وَالحَدِيثُ قَدْ أَفَادَ شَرْطِيَّةَ الطَّهَارَةِ وَأَطْلَقَهُ عَن التَّوْقِيتِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِهِ، كَمَا يُفِيدُهُ حَدِيثُ صَفْوَانَ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

7/59 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ، أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْماً وَلَيْلَةً، إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ) بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الكَافِ وَرَاءٍ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ "، بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الفَاءِ وَسُكُونِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، آخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، ابْنُ مَسْرُوحٍ – بفتحِ الميمِ، وسكونِ السينِ، وضمِّ الراءِ، وآخِرُه حاءٌ مُهْمَلَةٌ، كما في (جامعُ الأصولِ).
وَقِيلَ: ابْنُ الحَارِثِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يَقُولُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْبَى أَنْ يُنْتَسَبَ، وَكَانَ نَزَلَ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ عِنْدَ حِصَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَانِ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَأَسْلَمَ وَأَعْتَقَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ مِثْلَ النَّضْرِ بْنِ عُبادَةَ، مَاتَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ إحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ وَكَانَ أَوْلاَدُهُ أَشْرَافاً بِالبَصْرَةِ بِالعِلْمِ وَالوِلاَيَاتِ، وَلَهُ عَقِبٌ كَثِيرٌ.
(عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ) أَيْ: فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ.
(وَلِلْمُقِيمِ يَوْماً وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ) أَيْ: كُلٌّ مِن المُقِيمِ وَالمُسَافِرِ إذَا تَطَهَّرَ مِن الحَدَثِ الأَصْغَرِ.
(فَلَبِسَ خُفَّيْهِ) لَيْسَ المُرَادُ مِن الفَاءِ التَّعْقِيبَ، بَلْ مُجَرَّدَ العَطْفِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطاً فِي المَسْحِ.
(أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ) وَصَحَّحَهُ الخَطَّابِيُّ أيضاً، وَنَقَلَ البَيْهَقِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ صَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ الجَارُودِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي العِلَلِ.
الحَدِيثُ مِثْلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي إفَادَةِ مِقْدَارِ المُدَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالمُقِيمِ، وَمِثْلُ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَنَسٍ فِي شَرْطِيَّةِ الطَّهَارَةِ، وَفِيهِ إبَانَةُ أَنَّ المَسْحَ رُخْصَةٌ؛ لِتَسْمِيَةِ الصَّحَابِيِّ لَهُ بِذَلِكَ.

8/60 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: يَوْماً؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ))
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
(وَعَنْ أُبَيٍّ) بِضَمِّ الهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (ابْنِ عِمَارَةَ) بِكَسْرِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَهُوَ المَشْهُورُ، وَقَدْ تُضَمُّ.
قَالَ المُصَنِّفُ فِي التَّقْرِيبِ: مَدَنِيٌّ، سَكَنَ مِصْرَ، لَهُ صُحْبَةٌ، فِي إسْنَادِ حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ، يُرِيدُ هَذَا الحَدِيثَ.
وَمِثْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ.
(أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَوْماً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا شِئْت. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ).
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: وَبِمَعْنَاهُ: أَيْ: بِمَعْنَى مَا قَالَه أَبُو دَاوُدَ قَالَ البُخَارِيُّ، وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: رِجَالُهُ لاَ يُعْرَفُونَ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، هَذَا إسْنَادٌ لاَ يَثْبُتُ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَسْتُ أَعْتَمِدُ عَلَى إسْنَادِ خَبَرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لاَ يَثْبُتُ، وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ قَائِمٌ.
وَبَالَغَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فَعَدَّهُ فِي المَوْضُوعَاتِ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَوْقِيتِ المَسْحِ فِي حَضَرٍ وَلاَ سَفَرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدِيمُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ، وَلَكِنَّ الحَدِيثَ لاَ يُقَاوِمُ مَفَاهِيمَ الأَحَادِيثِ الَّتِي سَلَفَتْ وَلاَ يُدَانِيهَا، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ إطْلاَقُهُ مُقَيَّداً بِتِلْكَ الأَحَادِيثِ، كَمَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِيَّةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي أَفَادَتْهَا، هَذَا وَأَحَادِيثُ بَابِ المَسْحِ تِسْعَةٌ، وَعَدَّهَا فِي الشَّرْحِ ثَمَانِيَةً، وَلاَ وَجْهَ لَهُ.


  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 09:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

55 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْراً أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَصَحَّحَاهُ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ صحيحٌ؛ فقدْ صَحَّحَه التِّرْمِذِيُّ وابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ والطَّحَاوِيُّ، ونَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عن البُخَارِيِّ أنه قالَ: حديثٌ حسنٌ، ليسَ في التوقيتِ شيءٌ أَصَحُّ منه. وقالَ النوويُّ: إنه جاءَ بأسانيدَ صحيحةٍ.
وقالَ ابنُ عبدِ الهادي في المُحَرَّرِ: رَوَاهُ أحمدُ (17625)، والنَّسائِيُّ، وابنُ ماجهْ (478)، ورَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ, وابنُ حِبَّانَ (4/149).
مفرداتُ الحديثِ:
- سَفْراً: بفتحِ السينِ وسكونِ الفاءِ، آخِرَه راءٌ: جمعُ مُسافِرٍ، مثلُ راكبٍ ورَكْبٍ، وصاحِبٍ وصَحْبٍ، وكانَ في الأصلِ مصدراً، فأمَّا مسافرٌ فجَمْعُه: مسافِرُونَ.
- نَنْزِعَ: يقالُ: نَزَعَ يَنْزِعُ نَزْعاً – مِن بابِ ضَرَبَ – قَلَعَه: فالنَّزْعُ: الجَذْبُ والقَلْعُ.
- خِفَافٌ: بكسرِ الخاءِ، ففاءٍ مفتوحةٍ: جمعُ خُفٍّ، والخُفُّ ما يُلْبَسُ في الرِّجْلِ مِن جِلْدٍ رَقيقٍ.
- جَنَابَةٍ: تَقَدَّمَتْ، وسيأتي بيانُها أتَمَّ في بابِ الغُسْلِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
- غَائِطٍ: أصلُه: المكانُ المنخفِضُ الواسِعُ من الأرضِ، فكانَ مَن أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّزَ يَسْتَتِرُ به عن الناظرينَ، وكَثُرَ اسْتِعْمَالُه حتى سُمِّيَ الخارِجُ مِن الإنسانِ غائطاً؛ مِن بابِ الكِنايةِ، وجَمْعُه غُوطٌ وغِياطٌ.
- بَوْلٍ: بفتحٍ فسكونٍ: سائلٌ تُفْرِزُه الكُلْيَتَانِ فيَجْتَمِعُ في المَثانَةِ، حتى تَدْفَعَه إلى الخارجِ عن طريقِ مَسْلَكِه، جمعُه أبوالٌ، وتَقَدَّمَ.
- نَوْمٍ: فترةٌ مِن الخُمودِ، مصحوبةٌ بنقصٍ في الإدراكِ والشعورِ، تَتَوَقَّفُ فيها الوظائفُ البدنيَّةُ، وهو فَتْرَةُ راحةٍ تُسَاعِدُ الجسمَ على تعويضِ ما فَقَدَه من طاقاتٍ مختلِفَةٍ خِلالَ العملِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- جوازُ المَسْحِ على الخُفَّيْنِ في السفرِ، كما كانَ في الحَضَرِ، بل الحاجةُ في السفَرِ أشدُّ.
2- أنَّ مُدَّةَ المسحِ على الخفيْنِ في السفرِ ثلاثةُ أيامٍ بلياليهِنَّ، وأنه بعدَ الثلاثةِ يَجِبُ خَلْعُهما وغسلُ ما تَحْتَهما مِن القدميْن في الوُضوءِ.
3- أنَّ المسحَ على الخفيْن يكونُ من الحدَثِ الأصغرِ دونَ الحَدَثِ الأكبرِ؛ ففيه يَجِبُ خَلْعُهما وغسلُ ما تَحْتَهُما، وهو حكمٌ مُجْمَعٌ عليه بينَ العلماءِ.
4- نَقْضُ الوضوءِ من الخارجِ من السبيليْنِ، وأهمُّه البوْلُ والغائِطُ.
5- نقضُ الوضوءِ من النومِ.
6- مثلُ النومِ في نقضِ الوضوءِ، كلُّ ما أَزالَ العقلَ وغَطَّاهُ؛ مِن إغماءٍ وبِنْجٍ ومُسْكِرٍ وغيرِها.
7- عُمومُ الحديثِ يُفِيدُ جوازَ المَسْحِ على الخفيْنِ، سواءٌ كانَ صالحاً أو مَخْرُوقاً؛ فإنَّ الغالِبَ على خِفافِ الصحابةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم – أنْ لا تَسْلَمَ مِن وجودِ الشقوقِ والخروقِ، وهذا خلافُ ما قَيَّدَه به أصحابُ الإماميْنِ الشافعيِّ وأحمدَ مِن اشتراطِ عدمِ الخَرْقِ أو الشَّقِّ في الخُفِّ، وهو قولٌ مرجوحٌ. واللَّهُ أعلَمُ.
8- لا يَجُوزُ المسحُ على ما لا يَسْتُرُ مَحَلَّ الفرضِ؛ أخذاً مِن مُسَمَّى الخُفِّ عندَهم.
9- جوَازُ المسحِ على الجَوْرَبَيْنِ ونحوِهما مِمَّا له حُكْمُ الخفيْنِ: يَسْتُرُ محَلَّ الفرضِ، والحاجةُ إلى لُبْسِه, والمَشَقَّةُ في نَزْعِه, مِن أيِّ شيءٍ يكونُ الجَوْرَبُ؛ من صُوفٍ أو وَبَرٍ أو قُطْنٍ أو غيرِها.
10- قالَ في المُغْنِي: ولا يجوزُ المسْحُ على الخُفِّ الرقيقِ الذي يَصِفُ البَشَرَةَ؛ لأنه غيرُ ساترٍ لمحَلِّ الفرضِ، فأَشْبَهَ النَّعْلَ.
وقالَ النوويُّ في المجموعِ: وحكَى أصحابُنا عن عمرَ وعليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما جوازَ المَسْحِ على الجَوْرَبِ، وإنْ كانَ رقيقاً، وحَكَوْه عن أبي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ وإسحاقَ وداودَ.
خلافُ العلماءِ:
ذَهَبَ الإمامُ أحمدُ إلى جَوَازِ المَسْحِ على الجَوْرَبَيْنِ، وهما ما يُصْنَعُ على هيئةِ الخُفِّ مِن غيرِ الجلدِ. قالَ ابنُ المُنْذِرِ: تُرْوَى إباحةُ المَسْحِ على الجَوْرَبَيْنِ عن تِسْعَةٍ مِن الصحَابَةِ، وهم: عليٌّ وعمَّارٌ وابنُ مَسْعُودٍ وأَنَسٌ وابنُ عمرَ والبَرَاءُ وبلالٌ وابنُ أبي أَوْفَى وسَهْلُ بنُ سَعْدٍ.
وهو قولُ عَطَاءٍ والحَسَنِ وابنِ المُسَيِّبِ وابنِ المُبارَكِ والثَّوْرِيِّ وإسحاقَ وأبي يُوسُفَ ومُحَمَّدِ بنِ الحسنِ؛ لِمَا رَوَى الإمامُ أحمدُ (1774)، وأبو داودَ (159)، والتِّرْمِذِيُّ (99) عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ على الجَوْرَبَيْنِ والنعليْنِ. قالَ الترمذيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قالَ الألبانِيُّ: رِجَالُه كلُّهم ثِقاتٌ؛ فإنهم رجالُ البُخَارِيِّ في صحيحِه مُحْتَجًّا بِهم.
وذَهَبَ الأئِمَّةُ الثلاثةُ – فيما اسْتَقَرَّتْ عليه مذاهبُهم أخيراً – إلى جَوَازِ المَسْحِ عليهما.
واخْتَلَفَ العلماءُ: أيُّهما أفضلُ؛ الغَسْلُ أو المسحُ؟ فذَهَبَ الشافعيَّةُ إلى أنَّ الغَسلَ أفضلُ بشرطِ أنه لا يَتْرُكُ المَسْحَ رَغْبةً عن السنَّةِ، وذَهَبَ الحنابلةُ إلى أن المسحَ أفضلُ مِن الغَسلِ.
قالَ في شَرْحِ الإقناعِ: المسْحُ على الخُفَّيْنِ أفضلُ مِن الغَسْلِ؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَه إنما طَلَبُوا الأفضلَ، وفيه مخالفةُ أهلِ البِدَعِ؛ ولقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ)). رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ (3/259)، وابنُ حِبَّانَ (8/333)، وأمَّا ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللَّهُ تعالى فقالَ: لم يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّفُ ضِدَّ حالِه التي عليها قَدَماهُ؛ فإنْ كانَتَا في الخُفِّ مَسَحَ عليهما، وإنْ كانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ غَسَلَ القَدَمَيْنِ. وقالَ رَحِمَه اللَّهُ: هذا أعدَلُ الأقوالِ.

56 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْماً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. يَعْنِي: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
مفرداتُ الحديثِ:
- ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ: اليومُ مِن طلوعِ الفجرِ الثاني إلى غروبِ الشمسِ؛ ولذا مَن فَعَلَ شيئاً بالنهارِ وأَخْبَرَ به بعدَ غروبِ الشمسِ يقولُ: فَعَلْتُه أمسِ، واسْتَحْسَنَ بعضُهم أنْ يُقالَ: أَمْسِ الأَقْرَبَ، وهو مُذَكَّرٌ، وجَمْعُه أيامٌ، جَمْعُه مُؤَنَّثٌ؛ فيقالُ: أيامٌ مبارَكةٌ.
- لَيَالِيَهُنَّ: جمعُ ليلةٍ، قالَ في المِصباحِ: وقياسُ جَمْعِها ليلاتٌ، والليلةُ من غروبِ الشمسِ إلى طلوعِ الفجرِ.
وقالَ في المُعْجَمِ الوَسِيطِ: تقولُ: فَعَلْتُ الليلةَ كذا، مِن الصبْحِ إلى نِصْفِ النهارِ، فإذا انْتَصَفَ النهارُ قلتَ: البارِحَةَ، أي: الليلةَ التي قد مَضَتْ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- مُدَّةُ مسحِ المُقيمِ: يومٌ وليلةٌ، ويكونُ – على الراجحِ مِن قولَيِ العلماءِ – مِن ابتداءِ المَسْحِ بعدَ الحَدَثِ إلى مِثْلِ وَقْتِهِ مِن اليومِ الثاني.
2- مُدَّةُ مسحِ المسافِرِ: ثلاثةُ أيامٍ ولياليهِنَّ، وهو من ابتداءِ المسحِ بعدَ الحَدَثِ إلى مِثلِ وقتِه من اليومِ الرابعِ.
3- مِثْلُ الخُفَّيْنِ في المُدَّةِ: العِمامةُ وخُمُرُ النِّساءِ عندَ مَن يقولُ بجوازِ المسحِ عليها؛ ففيها خلافٌ، والراجِحُ: جوازُ ذلكَ.
4- في الحديثِ دليلٌ على حكمةِ الشرعِ، وتنزيلِ الأمورِ منازِلَها، واعتبارِ الأحوالِ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ هنا بينَ المسافرِ والمُقِيمِ، فجَعَلَ للمسافرِ مُدَّةً أطولَ مِن مُدَّةِ المُقِيمِ؛ مُراعاةً لحالِ المسافرِ ومَشَقَّتِه واحتياجِه إلى زيادةِ المُدَّةِ، بخلافِ المقيمِ المُسْتَقِرِّ المُرتاحِ. واللَّهُ حكيمٌ عليمٌ.
5- فيه بيانُ يُسْرِ الشريعةِ وسماحتِها، ومراعاتِها لأحوالِ الناسِ في قوتِهم وضعفِهم وحاجتِهم.

57 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ – يعني العمائِمَ – وَالتَّسَاخِينِ, يَعْنِي الْخِفَافَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صَحَّحَه الحاكِمُ، ووَافَقَه الذهبيُّ في تلخيصِه.
قالَ في المُحَرَّرِ: رَوَاهُ أحمدُ وأبو داودَ وأبو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ والحاكِمُ وقالَ: على شرطِ مسلمٍ. وفي قَوْلِهِ نَظَرٌ؛ فإنه من روايةِ ثورِ بنِ زَيْدٍ، عن راشدِ بنِ سعدٍ، عن ثَوْبانَ، وثورٌ لم يَرْوِ له مسلمٌ، بل انْفَرَدَ به البُخَارِيُّ، وراشدُ بنُ سعدٍ لم يَحْتَجَّ به الشيخانِ، ووَثَّقَه ابنُ مَعِينٍ وأبو حاتمٍ والعِجْلِيُّ، ويعقوبُ بنُ شَيْبَةَ، والنَّسائِيُّ، وخالَفَهُم ابنُ حَزْمٍ، والحقُّ معَهم.
وقالَ الحافظُ في الدِّرايةِ: (1/72): إسنادُه منقطِعٌ، وضَعَّفَه البَيْهَقِيُّ، وقالَ البُخَارِيُّ: حديثٌ لا يَصِحُّ.
مفرداتُ الحديثِ:
- سَرِيَّةً: جمعُها سَرَايَا، وهي القطعةُ مِن الجيشِ، سُمِّيَتْ سرِيَّةً؛ لأنها تَسْرِي في خُفْيَةٍ، وهي ما بينَ خمسةِ أنفسٍ إلى ثلاثِمائةٍ، وهي مِن الخيلِ نحوُ أربعِمائةٍ، واصْطَلَحَ علماءُ السِّيرةِ النبويَّةِ على أنَّ كلَّ جيشٍ لم يَكُنْ فيه رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى سَرِيَّةً، وكلَّ ما حَضَرَ فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى غَزْوَةً.
- الْعَصَائِبِ: مفردُها عِصابَةٌ، وهي ما عُصِبَ به الرأسُ مِن مِنديلٍ ونحوِه.
- الْعَمَائِمَ: مُفْرَدُها عِمامَةٌ، وهي ما يُلَفُّ على الرأسِ.
- التَّسَاخِينِ: بفتحِ التاءِ، نوعٌ مِن الخِفافِ، قالَ ثَعْلَبٌ: لا واحِدَ لها مِن لفظِها، يعني الخِفافَ أو الأَخْفَافَ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- جَوَازُ المسحِ على العِمامةِ والخِفافِ في السفرِ.
2- كما يَجُوزُ في السفَرِ فإنه يَجُوزُ أيضاً في الحَضَرِ؛ فالرُّخْصَةُ عامَّةٌ.
3- فيه تعليمُ الجيشِ والغُزاةِ والمسافِرِينَ إلى ما يَحْتاجُونَ إليه من الأحكامِ الشرعيَّةِ؛ ففيه تنبيهُ وُلاةِ الأمورِ وقُوَّادِ الجيشِ وكِبارِ رجالِ الأمنِ، أنْ يُعْنَوا بتوعيةِ جُنُودِهم التوعيةَ الشرعيَّةَ، لا سِيَّما في الأحكامِ التي يَحْتاجُون إليها.
4- أنَّ الأنسبَ في توجيهِ العامَّةِ وإرشادِهم أنْ يُعْطَوْا مِن العلمِ المسائلَ التي هم في حاجتِها، والتي تَدُورُ في مُحِيطِهم الحاضِرِ؛ لأنهم في حاجَتِها الآنَ.
5- صفةُ مسحِ العِمامةِ، وهو أنْ يَمْسَحَ بيدِه المبتلَّةِ بالماءِ ظاهرَ العِمامةِ دونَ باطنِها؛ لأنَّ أعلاها يُشْبِهُ ظاهرَ الخُفِّ، ولا يَجِبُ أنْ يَمْسَحَ معَ العِمامةِ ما جَرَتِ العادةُ بكشفِه من الرأسِ.
6- هؤلاءِ الذين أَمَرَهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمَسْحِ على العصائِبِ والخِفافِ -جنودٌ كثيرون ومسافرون، وحالةُ الصحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم في تَقَلُّلِهِم من الدنيا ومتاعِها معلومةٌ، فيكونُ مِن المُحَقَّقِ أنَّ غالِبَ عمائِمِهم وخِفافِهِم قديمةٌ ومُمَزَّقَةٌ، ويبدو مِنها بعضُ مَحَلِّ الفرْضِ، فمَسَحُوا عليها، وسيأتي بيانُ الخلافِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
خِلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ في جوازِ المسحِ على الخُفِّ المُخَرَّقِ: فذَهَبَ الإمامانِ الشافعيُّ وأحمدُ وأتباعُهما: إلى أنه لا يَجُوزُ المسحُ عليه، ولو كانَ خَرقاً واحداً، أو كانَ صغيراً أيضاً، ودليلُهم: أنَّ ما ظَهَرَ مِن مَحَلِّ الفرضِ ففَرْضُه الغَسْلُ، وما سُتِرَ ففرضُه المسحُ، والغسلُ لا يُجَامِعُ المسحَ؛ إذ لا يُجْمَعُ بينَ البدلِ والمُبْدَلِ مِنه في محلٍّ واحدٍ.
وذَهَبَ الإمامُ أبو حنيفةَ: إلى أنه لا يَجُوزُ المسحُ عليه إذا كانَ الخَرْقُ قَدْرَ ثلاثةِ أصابِعَ فأكثرَ.
وذهَبَ الإمامُ مالكٌ: إلى أنه لا يُمْسَحُ عليه إذا كَثُرَ وفَحَشَ، ويُحَدِّدُ فُحْشَه العُرْفُ.
وذَهَبَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: إلى جوازِ المَسْحِ على الخُفِّ المخروقِ، ما دامَ اسمُ الخُفِّ باقياً عليه، وهو مذهبُ الثوريِّ وإسحاقَ وابنِ المُنْذِرِ والأَوْزَاعِيِّ.
وقالَ شيخُ الإسلامِ: إن هذا القولَ أصحُّ، وهو قياسُ أصولِ أحمدَ ونصوصِه في العفوِ عن يَسيرِ سترِ العورةِ وعن يسيرِ النجاسةِ ونحوِ ذلك؛ فإنَّ السنَّةَ وَرَدَتْ بالمسحِ على الخُفَّيْنِ مطلقاً، وقدِ اسْتفاضَتِ الأخبارُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيحِ: أنه مَسَحَ على الخُفَّيْنِ، وتَلَقَّى الصحابَةُ عنه ذلكَ فأَطْلَقُوا القوْلَ بجوازِ المسحِ على الخُفَّيْنِ، ومعلومٌ أنَّ الخِفافَ عادَةً لا يَخْلُو كثيرٌ مِنها مِن فَتْقٍ أو خَرْقٍ، وكانَ كثيرٌ مِن الصحابةِ فقراءَ، لم يَكُنْ يُمْكِنُهم تجديدُ ذلكَ.
ومَن تَدَبَّرَ الشريعةَ وأَعْطَى القياسَ حَقَّه عَلِمَ أن الرُّخْصَةَ في هذا البابِ واسعةٌ، وأن ذلك مِن محاسنِ الشريعةِ، ومِن الحنيفيَّةِ السمحةِ، والأدلَّةُ على رفعِ الحرجِ عن هذه الأُمَّةِ بَلَغَتْ مبلغَ القطْعِ، ومَقْصِدُ الشارعِ من مشروعيَّةِ الرُّخْصَةِ الرِّفْقُ في تَحَمُّلِ المشاقِّ، فالأخذُ بها مطلقاً موافقةٌ للعقيدةِ.
أمَّا لو زالَ اسمُ الخُفِّ منه وزالَ معناه والفائدةُ منه: فهذا لا يَصِحُّ المسحُ عليه.

58 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفاً، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعاً: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ، إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ)). أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ شاذٌّ.
والمحفوظُ في المسحِ على الخُفَّيْنِ ونحوِهما: هو التوقيتُ, للمُقِيمِ يومٌ وليلةٌ، وللمسافِرِ ثلاثةُ أيامٍ ولياليهِنَّ، وقدْ تَكَلَّمَ ابنُ دَقِيقِ العيدِ عن هذا الحديثِ موقوفاً ومرفوعاً في كتابِه الإلمامِ، فقالَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من جهةٍ أَسَدَّ، ووَثَّقَه الكُوفِيُّ والنَّسائِيُّ والبَزَّارُ، قالَ الحاكِمُ: ورُوِيَ عن أنسٍ مرفوعاً بإسنادٍ صحيحٍ، ورُوَاتُه عن آخِرِهم ثِقاتٌ، إلاَّ أنه شاذٌّ بمَرَّةٍ.
قالَ مُحَرِّرُه عفا اللَّهُ عنه: والشذوذُ في الحديثِ لا يُنافِي ثِقَةَ رُواتِه؛ ولذا قالَ صاحبُ التنقيحِ: إسنادُه قويٌّ، ولكن مخالفتُه لمَن هو أوثقُ منه تُوجِبُ ردَّهُ، واعْتِبَارَه من قِسْمِ الضعيفِ في الحديثِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- وَلاَ يَخْلَعْهُمَا: (لا) ناهيةٌ، إلاَّ أنه لم يَرِدِ النهيُ؛ بدليلِ قولِه: ((إِنْ شَاءَ))، ومعنى ((لاَ يَخْلَعْهُمَا)) أي: لا يَنْزِعِ الخُفَّيْنِ من الرجليْنِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- فيه اشتراطُ الطهارةِ في المسحِ على الخُفَّيْنِ، وأنه لا يَجُوزُ المسحُ عليهما إلاَّ إذا لُبِسَا بعدَ كمالِ الطهارةِ، كما تَقَدَّمَ في حديثِ المُغِيرةِ بنِ شُعْبَةَ.
2- أنَّ المسحَ رُخْصَةٌ، فهو جائزٌ، وليسَ بواجبٍ، وقدْ قُيِّدَ الأمرُ بالمسحِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ للاستحبابِ. قالَ شيخُ الإسلامِ: الأفضلُ للابِسِ الخُفِّ أنْ يَمْسَحَ عليه، والأفضلُ لمَن قَدَمَاه مكشوفتانِ غَسْلُهُما؛ اقْتِداءً بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِه.
3- الحديثُ مطلَقٌ عن التوقيتِ، ولكنه مقيَّدٌ بالأحاديثِ الأُخَرِ التي تَقَدَّمَتْ، ومنها حديثُ عليٍّ وحديثُ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما من أنَّ للمَسْحِ مدَّةً محدودةً.
4- المَسْحُ على الخُفَّيْنِ ونحوِهما خاصٌّ بالحَدَثِ الأصغرِ، أمَّا الحَدَثُ الأكبرُ فلا يَجُوزُ المَسْحُ معَه، بل لا بُدَّ مِن خَلْعِ الخُفَّيْنِ وغَسْلِ القدميْنِ؛ لقولِه:((إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ))؛ لأنَّ حَدَثَ الجَنَابَةِ أَشَدُّ وأغلَظُ مِن الحَدَثِ الأصغرِ؛ فإنه يَحْرُمُ على الجُنُبِ ما لا يَحْرُمُ على صاحبِ الحدثِ الأصغرِ.
5- فيه مشروعيَّةُ الصلاةِ في الخُفَّيْنِ ونحوِهما؛ لقولِه: ((وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)). كما صَحَّ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ.

59 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْماً وَلَيْلَةً، إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ. قالَ الحافِظُ في التلخيصِ: أَخْرَجَه ابنُ خُزَيْمَةَ واللفْظُ له، وصَحَّحَهُ الخَطَّابِيُّ، ونَقَلَ البَيْهَقِيُّ أنَّ الشافعيَّ صَحَّحَه. وقد رَوَاهُ ابنُ ماجَهْ وابنُ حِبَّانَ (4/154)، وابنُ الجارُودِ (2/232)، وابنُ أَبي شَيْبَةَ (1/2163)، والدَّارَقُطْنِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ في العِلَلِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- رَخَّصَ: الرُّخْصَةُ بضمِّ الراءِ وسكونِ الخاءِ، وَزْنُ غُرْفَةٍ، جَمْعُها رُخَصٌ، وهي التسهيلُ في الأمرِ والتيسيرُ.
- إِذَا تَطَهَّرَ: المُرادُ بالتطهيرِ هنا: الطهارةُ مِن الحدثيْنِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- مُدَّةُ مَسْحِ المسافرِ ثلاثةُ أيامٍ وليالِيهِنَّ، ومسحِ المُقِيمِ يومٌ وليلةٌ.
2- أنْ يكونَ المَسْحُ بعدَ طهارةٍ كاملةٍ، ولُبْسِ الخُفَّيْنِ بعدَها.
3- الفرقُ بينَ المسافرِ والمُقِيمِ: هو أن المسافِرَ في مَظِنَّةِ الحاجَةِ إلى طُولِ المدَّةِ؛ لمَشَقَّةِ السفرِ والبردِ والحفاءِ وتوفيرِ الوقتِ، بخلافِ المقيمِ؛ فهو في راحةٍ من هذا كلِّه.
4- المسحُ على الخُفَّيْنِ ونحوِهما رخصةٌ من اللَّهِ تعالى، وتسهيلٌ على خلقِه، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُرَخِّصُ مبلِّغٌ عن اللَّهِ تعالى.
5- كلَّمَا اشْتَدَّتِ الحاجةُ حَصَلَتِ الرخصةُ والتيسيرُ، وهذه هي قاعدةُ الإسلامِ الكبرَى في أحكامِه الرشيدةِ.
6- قولُه: (رَخَّصَ) دليلٌ على أنَّ المسحَ على الخُفَّيْنِ رخصةٌ، لا عزيمةٌ، والرخصةُ ليسَتْ بواجبةٍ؛ فيكونُ المسحُ على الخُفَّيْنِ ليسَ بواجبٍ.
7- الرُّخْصَةُ: لغةً: السُّهُولَةُ، واصْطِلاحاً: ما ثَبَتَ على خلافِ دليلٍ شرعيٍّ لمُعارِضٍ راجحٍ، فالدليلُ الشرعيُّ هناهو: وجوبُ غَسْلِ الرِّجليْنِ في الوُضوءِ، ومسحِ الرأسِ، أمَّا المعارِضُ الراجحُ: فهو التسهيلُ بالمسحِ.
8- وفيه دليلٌ على أنَّ الشرعَ يُنْزِلُ المكلَّفِينَ على مُوجِبِ أحوالِهم؛ فكلُّ واحدٍ له مَنْزِلَتُه المناسِبَةُ لحالِه.

60 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: يَوْماً؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ)). أَخْرَجَهُ أبو داودَ وقالَ: ليسَ بالقويِّ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ ضعيفٌ.
قالَ المؤلِّفُ في التلخيصِ: ضَعَّفَه البُخَارِيُّ، فقالَ: لا يَصِحُّ. وقالَ أبو داودَ: اخْتُلِفَ في إسنادِه، وليسَ بالقويِّ. وقالَ أحمدُ: رِجالُه لا يُعْرَفُونَ. وقالَ أبو الفتحِ الأَزْدِيُّ: هو حديثٌ ليسَ بالقائمِ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: لَسْتُ أَعْتَمِدُ على إسنادِ خَبَرِهِ. وقالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يَثْبُتُ. وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: لا يَثْبُتُ، وليسَ له إسنادٌ قائمٌ. ونَقَلَ النوويُّ في شرحِ المُهَذَّبِ اتِّفاقَ الأئمَّةِ على ضَعْفِه.
مفرداتُ الحديثِ:
- أَمْسَحُ: الهمزةُ هي أصلُ أدواتِ الاستفهامِ، وقدْ حُذِفَتْ هنا للتسهيلِ والاكتفاءِ بالهمزةِ الثانيةِ.
- نَعَمْ: بفتحتيْنِ: حرفُ جوابٍ، يُؤْتَى بها للدَّلالةِ على جُملةِ الجوابِ المحذوفةِ، قائمةٌ مقامَها، فقولُه في الحديثِ: ((نعم)). أي: امْسَحْ على الخُفَّيْنِ. وهذا المعنى هو أحدُ استعمالاتِها الثلاثةِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحديثُ يَدُلُّ على عَدَمِ توقيتِ المسْحِ على الخُفَّيْنِ، وأنَّ المُتَوَضِّئَ يَمْسَحُ عليهما اليومَ واليوميْنِ والثلاثةَ، وما شاءَ بعدَها مِن الأيامِ.
2- الحديثُ على فَرْضِ صحَّتِه مُقَيَّدٌ بأحاديثِ التوقيتِ باليومِ والليلةِ للمُقيمِ وثلاثةِ أيامٍ للمسافِرِ، ويُمْكِنُ جَعْلُ إطلاقِه على ما قالَه شيخُ الإسلامِ: مِن أنه لا تَوْقِيتَ في حقِّ المسافِرِ الذي يَشُقُّ عليه اشتغالُه بالخَلْعِ واللُّبْسِ، بل يَمْسَحُ حتَّى تَنْفَكَّ أَزْمَتُه وانشغالُه.
3- وعلى كلٍّ فالحديثُ ضعيفٌ، وبِناءً عليه: فلا يُقاوِمُ أحاديثَ التوقيتِ الصحيحةَ، ولا يُعْمَلُ به، وإنْ عُمِلَ به قُيِّدَ بأحاديثِ التوقيتِ، أو يُحْمَلُ على حالةِ عُذْرِ المسافِرِ وانشغالِهِ.
فائدةٌ:
المؤلِّفُ – رَحِمَه اللَّهُ – لم يأتِ بما يُفِيدُ جوازَ المسحِ على الجَبيرةِ. والجَبيرةُ: ما يُرْبَطُ على كسرٍ أو جُرْحٍ من أخشابٍ أو أسياخٍ أو خِرَقٍ أو جِبْسٍ ونحوِها. والأصلُ فيها: ما رَوَاه أبو داودَ والدَّارَقُطْنِيُّ عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ في صاحبِ الشَّجَّةِ: ((إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)).
على أنَّ الحديثَ يُضَعَّفُ أو ليسَ بالقويِّ، ولكن قالَ الصَّنعانِيُّ: إنه يَعْضُدُه حديثُ عليٍّ في المسحِ على الجبائرِ بالماءِ، فالجَبيرةُ يُمْسَحُ عليها كالخُفِّ والعِمامةِ، ولكنها تُخالِفُهما بأحكامٍ؛ هي:
1- أنه لا يُشْتَرَطُ أنْ تَسْتُرَ محَلَّ الفرضِ.
2- ويُمْسَحُ عليها في الحدَثِ الأصغرِ والأكبرِ.
3- والمسحُ عليها غيرُ مُؤَقَّتٍ، بل يُمْسَحُ حتى يَحْصُلَ البُرْءُ.
4- والمَسحُ يكونُ عليها كلِّها، وليسَ على بعضِها.
5- وعلى الراجحِ من قوليِ العلماءِ: أنه لا يُشْتَرَطُ الطهارةُ عندَ ربطِها.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسح, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir