دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 07:11 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب المسح على الخفين (1/2) [شروط المسح على الخفين، وصفته]

بابُ الْمَسْحِ علَى الْخُفَّيْنِ
58 - عن المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كنتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ فتَوَضَّأَ، فأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فقالَ: ((دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)). فمَسَحَ عليهما. مُتَّفَقٌ عليهِ.

59 - وللأربعةِ عنه إلا النَّسائيَّ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وأَسْفَلَه. وفي إسنادِهِ ضَعْفٌ.

60 - وعن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: لو كانَ الدِّينُ بالرأيِ لكانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بالْمَسْحِ مِن أَعلاهُ، وقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ علَى ظاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخرَجَهُ أبو دَاوُدَ بإسنادٍ حَسَنٍ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 12:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

وَعَقَّبَ الوُضُوءَ بِالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الوُضُوءِ فَقَالَ:
بَابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ أَيْ: بَابُ ذِكْرِ أَدِلَّةِ شَرْعِيَّةِ ذَلِكَ.
وَالخُفُّ: نَعْلٌ مِنْ أَدَمٍ يُغَطِّي الكَعْبَيْنِ.
وَالجُرْمُوقُ: خُفٌّ كَبِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ خُفٍّ صَغِيرٍ.
وَالجَوْرَبُ: فَوْقَ الجُرْمُوقِ يُغَطِّي الكَعْبَيْنِ بَعْضَ التَّغْطِيَةِ دُونَ النَّعْلِ، وَهِيَ تَكُونُ دُونَ الكِعَابِ.

1/53 - عَن المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: ((دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلأَرْبَعَةِ عَنْهُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
(عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: فِي سَفَرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ البُخَارِيُّ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُدَ تَعْيِينُ السَّفَرِ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَتَعْيِينُ الصَّلاَةِ أَنَّهَا صَلاَةُ الفَجْرِ (فَتَوَضَّأَ) أَيْ: أَخَذَ فِي الوُضُوءِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ، فَفِي لَفْظٍ: "تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ"، وَفِي أُخْرَى: "فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ".
فَالمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "تَوَضَّأَ" أَخَذَ فِيهِ، لاَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ.
(فَأَهْوَيْتُ) أَيْ: مَدَدْتُ يَدِي، أَوْ قَصَدَت الهَوِيَّ مِن القِيَامِ إلَى القُعُودِ (لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ بِرُخْصَةِ المَسْحِ، أَوْ عَلِمَهَا وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَفْعَلُ الأَفْضَلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الغَسْلَ أَفْضَلُ، وَيَأْتِي فِيهِ الخِلاَفُ، أَوْ جَوَّزَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ المَسْحِ، وَهَذَا الأَخِيرُ أَقْرَبُ لِقَوْلِهِ: (فَقَالَ: دَعْهُمَا) أَي: الخُفَّيْنِ.
(فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) حَالٌ مِن القَدَمَيْنِ كَمَا تُبَيِّنُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ: ((فَإِنِّي أَدْخَلْتُ القَدَمَيْنِ الخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ)).
(فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ؛ وَلَفْظُهُ هُنَا لِلْبُخَارِيِّ.
وَذَكَرَ البَزَّارُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ المُغِيرَةِ مِنْ سِتِّينَ طَرِيقاً، وَذَكَرَ مِنْهَا ابْنُ مَنْدَهْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ طَرِيقاً.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا عَرَفْتَ. وَأَمَّا فِي الحَضَرِ فَيَأْتِي الكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي الحَدِيثِ الثَّالِثِ.
وَقَد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ؛ فَالأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِهِ سَفَراً لِهَذَا الحَدِيثِ، وَحَضَراً لِغَيْرِهِ مِن الأَحَادِيثِ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثاً عَن الصَّحَابَةِ مَرْفُوعَةٌ وموقوفةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِيهِ عَنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِن الصَّحَابَةِ.
وَنَقَلَ ابْنُ المُنْذِرِ عَن الحَسَنِ البَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو القَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ أَسْمَاءَ مَنْ رَوَاهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَبَلَغُوا ثَمَانِينَ صَحَابِيّاً.
وَالقَوْلُ بِالمَسْحِ قَوْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَبِلاَلٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَلْمَانَ، وَجَرِيرٍ البَجَلِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: لَيْسَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ اخْتِلاَفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إثْبَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لاَ أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِن السَّلَفِ إنْكَارُهُ إلاَّ عَنْ مَالِكٍ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ.
قَالَ المُصَنِّفُ: قَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِن الحُفَّاظِ بِأَنَّ المَسْحَ مُتَوَاتِرٌ؛ وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مُسْتَدِلِّينَ بِمَا سَمِعْتَ.
وَرُوِيَ عَن الهَادَوِيَّةِ وَالإِمَامِيَّةِ وَالخَوَارِجِ القَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الكَعْبَيْنِ} قَالُوا: فَعَيَّنَت الآيَةُ مُبَاشَرَةَ الرِّجْلَيْنِ بِالمَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضاً بِمَا سَلَفَ فِي بَابِ الوُضُوءِ مِنْ أَحَادِيثِ التَّعْلِيمِ، وَكُلُّهَا عَيَّنَتْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ.
قَالُوا: وَالأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ فِي المَسْحِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ المَائِدَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى النَّسْخِ قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: سَبَقَ الكِتَابُ الخُفَّيْنِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ المَائِدَةِ.
وَأُجِيبَ أولاً: بِأَنَّ آيَةَ الوُضُوءِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ، وَمَسْحُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَمَا عَرَفْتَ، والمُرَيْسِيعُ قَبْلَها اتِّفَاقاً، فَكَيْفَ يَنْسَخُ المُتَقَدِّمُ المُتَأَخِّرَ؟!
وثانياً: بِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ تَأَخُّرُ آيَةِ المَائِدَةِ فَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ المَسْحِ وَالآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَه تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} مُطْلَقٌ، وَقَيَّدَتْهُ أَحَادِيثُ المَسْحِ عَلَى الخُفِّ، أَوْ عَامٌّ وَخَصَّصَتْهُ تِلْكَ الأَحَادِيثُ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا ثَبَتَ عَنْهُمَا مِن القَوْلِ بِالمَسْحِ.
وَقَدْ عَارَضَ حَدِيثَهُمَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُمَا، وَهُوَ حَدِيثُ جَرِيرٍ البَجَلِيِّ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا رَوَى أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ المَائِدَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: وَهَلْ أَسْلَمْتُ إلاَّ بَعْدَ المَائِدَةِ؟ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّعْلِيمِ فَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنَافِي جَوَازَ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا فِيمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ خُفَّانِ، فَأَيُّ دَلاَلَةٍ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ فِي آيَةِ المَائِدَةِ القِرَاءَةُ بِالجَرِّ لِأَرْجُلِكُمْ عَطْفاً عَلَى المَمْسُوحِ وَهُوَ الرَّأْسُ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَسْحِ الخُفَّيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، وَيَتِمُّ ثُبُوتُ المَسْحِ بِالسُّنَّةِ وَالكِتَابِ، وَهُوَ أَحْسَنُ الوُجُوهِ الَّتِي تُوَجَّهُ بِهِ قِرَاءَةُ الجَرِّ.
إذَا عَرَفْت هَذَا فَلِلْمَسْحِ عِنْدَ القَائِلِينَ بِهِ شَرْطَانِ:
الأولُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ الحَدِيثُ، وَهُوَ لُبْسُ الخُفَّيْنِ مَعَ كَمَالِ طَهَارَةِ القَدَمَيْنِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَلْبَسَهُمَا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ، بِأَنْ يَتَوَضَّأَ حَتَّى يُكْمِلَ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَلْبَسَهُمَا، فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثاً أَصْغَرَ جَازَ المَسْحُ عَلَيْهِمَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِطَاهِرَتَيْنِ الطَّهَارَةُ الكَامِلَةُ.
وَقَدْ قِيلَ: بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا طَاهِرَتَانِ عَن النَّجَاسَةِ، يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ، وَيَأْتِي مِن الأَحَادِيثِ مَا يُقَوِّي القَوْلَ الأَوَّلَ.
والثاني: مُسْتَفَادٌ مِنْ مُسَمَّى الخُفِّ؛ فَإِنَّ المُرَادَ بِهِ الكَامِلُ؛ لِأَنَّهُ المُتَبَادِرُ عِنْدَ الإِطْلاَقِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَاتِراً، قَوِيًّا، مَانِعاً نُفُوذَ المَاءِ غَيْرَ مُخَرَّقٍ، فَلاَ يُمْسَحُ عَلَى مَا لاَ يَسْتُرُ العَقِبَيْنِ، وَلاَ عَلَى مُخَرَّقٍ يَبْدُو مِنْهُ مَحَلُّ الفَرْضِ، وَلاَ عَلَى مَنْسُوجٍ إذَا لَمْ يَمْنَعْ نُفُوذَ المَاءِ، وَلاَ مَغْصُوبٍ لِوُجُوبِ نَزْعِهِ.
هَذَا وَحَدِيثُ المُغِيرَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ المَسْحِ، وَلاَ كَمِّيَّتَهُ، وَلاَ مَحَلَّهُ، وَلَكِنَّ الحديثَ الثانيَ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُ المُصَنِّفِ: (وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ) بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ المَسْحِ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلِهِ، وَيَأْتِي مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ ضَعْفِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَأَنَّ أَئِمَّةَ الحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ بِكَاتِبِ " المُغِيرَةِ " هَذَا، وَكَذَلِكَ بَيَّنَ مَحَلَّ المَسْحِ وَعَارَضَ حَدِيثَ المُغِيرَةِ هَذَا.

2/54 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قولُه: (وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ) أَيْ: بِالقِيَاسِ وَمُلاَحَظَةِ المَعَانِي.
(لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ) أَيْ: مَا تَحْتَ القَدَمَيْنِ أَوْلَى بِالمَسْحِ الَّذِي هُوَ عَلَى أَعْلاَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُبَاشِرُ المَشْيَ، وَيَقَعُ عَلَى مَا يَنْبَغِي إزَالَتُهُ، بِخِلاَفِ أَعْلاَهُ وَهُوَ مَا غطَّى ظَهْرَ القَدَمِ.
(وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ) وقَالَ المُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَالحَدِيثُ فِيهِ إبَانَةٌ لِمَحَلِّ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُهُمَا لاَ غَيْرُ، وَلاَ يُمْسَحُ أَسْفَلُهُمَا.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي المَاءِ؛ ثُمَّ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ اليُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الخُفِّ، وَكَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّ اليُمْنَى إلَى سَاقِهِ اليُسْرَى إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ؛ وَهَذَا لِلشَّافِعِيِّ.
وَاسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ المُغِيرَةِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عُلَى خُفِّهِ الأَيْمَنِ، وَيَدَهُ اليُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلاَهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، كَأَنِّي أَنْظُرُ أَصَابِعَهُ عَلَى الخُفَّيْنِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَفِي بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
وثانيهما: مَسْحُ أَعْلَى الخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَهِيَ الَّتِي أَفَادَهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَذَا.
وَأَمَّا القَدْرُ المُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لاَ يُجْزِئُ إلاَّ قَدْرُ ثَلاَثِ أَصَابِعَ بثلاثِ أصابعَ. وَقِيلَ: ثلاثٌ وَلَوْ بِأُصْبُعٍ.
وَقِيلَ: لاَ يُجْزِئُ إلاَّ إذَا مَسَحَ أَكْثَرَهُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ المُغِيرَةِ المَذْكُورَانِ فِي الأَصْلِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ.
نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ الخُفِّ خُطُوطاً بِالأَصَابِعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى بَعْضَ مَنْ عَلَّمَهُ المَسْحَ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ الخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالَ المُصَنِّفُ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا.
فَعَرَفْتَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الكَيْفِيَّةِ وَلاَ الكَمِّيَّةِ حَدِيثٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إلاَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي بَيَانِ مَحَلِّ المَسْحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ المُكَلَّفُ مَا يُسَمَّى مَسْحاً عَلَى الخُفِّ لُغَةً أَجْزَأَهُ .
أَمَّا مِقْدَارُ زَمَانِ جَوَازِ المَسْحِ فَقَدْ أَفَادَهُ.


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 12:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ المَسْحِ على الخُفَّيْنِ
مقدِّمةٌ
المسحُ لغةً: إمرارُ اليَدِ على الشيءِ.
وشرعاً: إصابةُ اليدِ المبتلَّةِ بالماءِ، لحائلٍ مخصوصٍ، في زَمَنٍ مخصوصٍ.
والخُفُّ لغةً: بضمِّ الخاءِ وتشديدِ الفاءِ: واحدُ الخِفافِ التي تُلْبَسُ على الرِّجلِ؛ سُمِّيَ بذلك لخِفَّتِه.
وشرعاً: الساتِرُ للقدميْنِ إلى الكعبيْنِ فأكثرَ، مِن جلدٍ وغيرِه.
وذُكِرَ بعدَ الوضوءِ لأنه بَدَلٌ عن غَسْلِ ما تَحْتَه.
والمسحُ رُخْصَةٌ:
والرخصةُ لغةً: التسهيلُ في الأمرِ. وشرعاً: ما ثَبَتَ على خلافِ دليلٍ شرعيٍّ لمعارِضٍ راجحٍ.
وفي الحديثِ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ)). رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ (3/259)، وابنُ حِبَّانَ (8/333)، والمَسْحُ دَلَّتْ عليه الأحاديثُ المتواترةُ:
قالَ الحسَنُ البَصْرِيُّ: حَدَّثَنِي سبعونَ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ على خُفَّيْهِ. وقالَ الإمامُ أحمدُ: ليسَ في نفسي من المسحِ شيءٌ؛ فيه أربعونَ حديثاً عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقالَ ابنُ المبارَكِ: ليسَ بينَ الصحابةِ خلافٌ في جوازِ المَسْحِ على الخفيْنِ. ونَقَلَ ابنُ المُنْذِرِ الإجماعَ على جَوَازِه، واتَّفَقَ عليه أهلُ السنَّةِ والجماعةِ، فهو جائزٌ في الحَضَرِ والسَّفَرِ للرجالِ والنساءِ؛ تيسيراً على المسلمينَ.

53 - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: ((دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)). فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَللأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلاَّ النَّسَائِيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
درجةُ الحديثِ:
ما زادَه الأربعةُ إلاَّ النَّسائِيَّ قالَ المؤلِّفُ: في إسنادِه ضعفٌ.
قالَ في التلخيصِ: مسحُ أعلى الخفِّ وأسفلِه رَوَاهُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ وغيرُهم عن ثورِ بنِ يَزِيدَ، عن رَجاءِ بنِ حَيْوَةَ، عن كاتبِ المُغِيرَةِ، عن المُغِيرَةِ، وأحمدُ يُضَعِّفُ كاتبَ المُغِيرَةِ.
وقالَ ابنُ أبي حاتمٍ في العِلَلِ عن أبيه وأبي زُرْعَةَ: حديثُ الوَلِيدِ ليسَ بمحفوظٍ، قالَ الترمذيُّ: هذا حديثٌ معلولٌ، لم يُسْنِدْهُ عن ثورٍ غيرُ الوليدِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- فَأَهْوَيْتُ: قالَ في المِصباحِ: أَهْوَى إلى الشيءِ بِيَدِهِ: مَدَّهَا لِيَأْخُذَه إذا كانَ عن قُرْبٍ، فإنْ كانَ عن بُعْدٍ قِيلَ: هَوَى إليه، بغيرِ ألفٍ.
- لِأَنْزِعَ: نَزَعَ يَنْزِعُ، من بابِ ضَرَبَ، قَلَعَ الشيءَ، والمرادُ: لأَقْلَعَ خُفَّيْهِ مِن رِجْلَيْهِ، فالنَّزْعُ: قَلْعُ الشيءِ من مكانِه.
- خُفَّيْهِ: تَثْنِيَةُ خُفٍّ، هو ما يُلْبَسُ في الرِّجلِ من جلدٍ ساترٍ للكعبيْنِ، وقد يَسْتُرُ ما فَوْقَهُما، جَمْعُه: خِفَافٌ وأخفافٌ.
- كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في غزوةِ تَبُوكَ، في رَجَبٍ سنةَ تِسْعٍ، كما جاءَ مُبَيَّناً في روايةٍ أُخْرَى مِن رواياتِ صحيحِ البُخَارِيِّ.
- دَعْهُمَا: فِعْلُ أمرٍ مِن وَدَعَ، فهو مُعْتَلُّ الفاءِ، فتُحْذَفُ إذا صِيغَ منه فعلُ أمرٍ، ومعناه: اتْرُكْهُما في مكانِهِما.
- فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ: تعليلٌ لتركِ نزعِهما، والضميرُ في (أَدْخَلْتُهُمَا) يعودُ إلى القدميْنِ.
- طَاهِرَتَيْنِ: حالٌ مِن ضميرِ القدميْنِ، كما بَيَّنَتْ ذلك روايةُ أبي داودَ (165): ((فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ)).
- فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا: الضميرُ يعودُ إلى الخفيْنِ، وتثنيةُ الضميرِ لا يَجُوزُ إلاَّ إذا وُجِدَ دليلٌ يُعَيِّنُ مَرْجِعَ كلِّ ضميرٍ، كما هو الحالُ هنا.
وفيه إضمارٌ، تقديرُه: فأَحْدَثَ فمَسَحَ عليهما؛ لأنَّ وقتَ جوازِ المَسْحِ بعدَ الحَدَثِ، لا قَبْلَه.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- هذا أحدُ أدِلَّةِ جَوَازِ المَسْحِ على الخُفَّيْنِ مِن النصوصِ المتواترةِ، والمسحُ لمَن عليه الخُفَّانِ أفضلُ مِن الغَسلِ؛ مراعاةً لأصلِ التشريعِ، فالفرعُ أفضلُ من الأصلِ، وأما معَ عدمِ اللُّبْسِ فالأفضلُ الغَسْلُ، ولا يُلْبَسْ لِيُمْسَحَ؛ لأنَّ الغَسلَ هو الأصلُ.
2- اشْتِراطُ كمالِ الطهارةِ لجوازِ المسحِ على الخفيْنِ، فلو غَسَلَ إحدَى رِجْلَيْهِ ثمَّ أَدْخَلَها الخفَّ قبلَ غسلِ الأخرَى لم يُجْزِئِ المسحُ؛ لقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)). فهذه عِلَّةٌ لتَرْكِ نَزْعِ الخُفَّيْنِ وجوازِ المسحِ عليهما.
وبيانُ علَّةِ الحُكْمِ يَحْصُلُ منها ثلاثُ فوائدَ:
الأولى: اطمئنانُ القلبِ بالحكمِ وارتياحُه إليه.
الثانيةُ: سُمُوُّ الشريعةِ الإسلاميَّةِ؛ مِن أنه لا يُوجَدُ حكمٌ إلاَّ وله عِلَّةٌ وحِكْمَةٌ.
الثالثةُ: ثُبُوتُ الحُكْمِ لكلِّ ما مَاثَلَ الحُكْمَ المُعَلَّلَ؛ لعُمُومِ العلَّةِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: إنَّ العِلَلَ مناطُها وتعلُّقُها بالمعاني المرادةِ، لا بالأشخاصِ، فخصائصُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جاءَتْ من أجلِ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيٌّ.
3- قالَ النوويُّ: إنْ لَبِسَ مُحْدِثاً لم يُجْزِئْه المَسْحُ إجماعاً.
4- أنَّ روايةَ النَّسَائِيِّ تَدُلُّ على أنَّ المسحَ يكونُ على أعلى الخُفِّ وأسفلِه، ولكن ضَعَّفَ أئمَّةُ الحديثِ هذه الزيادةَ، فالصحيحُ: أن المسحَ يكونُ على أعلى الخُفِّ فقطْ. قالَ الوزيرُ: أَجْمَعُوا على أنَّ المسْحَ يَخْتَصُّ بظاهرِ الخُفِّ. قالَ ابنُ القَيِّمِ: لم يَصِحَّ عنه أنه مَسَحَ أَسْفَلَهُما، وإنما جاءَ في حديثٍ مُنْقَطِعٍ، والأحاديثُ الصحيحةُ على خِلافِه.
5- وُجُوبُ غَسْلِ الرجليْنِ في الوضوءِ؛ لِمَا اسْتَقَرَّ في نفسِ الصحابِيِّ مِن نَزْعِ الخفيْنِ لغسلِ الرِّجليْن عندَ الوُضوءِ، وإقرارِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له على ذلك، لولا أنه يُرِيدُ المسحَ عليهما.
6- أنْ يكونَ الخُفُّ ساتراً لمحلِّ العضوِ المفروضِ، وهذا مأخوذٌ من مسمَّى الخُفِّ، فإنْ لم يَسْتُرِ العضوَ لخَرْقٍ فيه وشَقٍّ ونحوِهما فالراجحُ: جوازُ المسحِ عليه، وإنْ ظَهَرَ بعضُ العضوِ فإنَّ الظاهرَ تابعٌ للمستورِ؛ فإنه يَثْبُتُ تَبَعاً ما لا يَثْبُتُ اسْتِقلالاً.
7- الوُضوءُ أمامَ الناسِ لا يُنافِي الآدابَ العامَّةَ، لا سيَّما معَ الأصحابِ والمُسْتَخْدَمِينَ والأتباعِ.
8- تَشَرُّفُ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ بخِدْمَةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، معَ كونِه مِن أكبرِ بيتٍ في قَبِيلَةِ ثَقِيفٍ.
9- جَوَازُ خِدْمَةِ الفاضلِ بتقديمِ حِذائِه وخَلْعِهِما أو حَمْلِهِما، إذا كانَتِ الخدمةُ لدينِه وعِلْمِه أو لحقِّه؛ من أُبُوَّةٍ أو وَلايةٍ عامَّةٍ ونحوِ ذلك، وأنه لا يُعْتَبَرُ من المخدومِ تكبُّراً على غيرِه واستهانةً بهم، ما دامَ الحاملُ على ذلك النظرَ إلى مبدأٍ شريفٍ وسامٍ، كما أنه لا يُعْتَبَرُ مِن الخادمِ ذُلاًّ وإهانةً لنفسِه، ما دامَ الحاملُ له غرضٌ شريفٌ ومَقْصِدٌ حَسَنٌ.
10- تَوْجِيهُ الخادمِ إلى الصوابِ، معَ بيانِ وَجْهِ الحكمِ؛ لِيَكُونَ أشدَّ طُمَأْنِينَةً لقلبِه وأَفْقَهَ لنفسِه، وأسرَعَ لقَبُولِهِ.
11- الطهارةُ عندَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ – ومنهم أصحابُنا الحنابِلَةُ – لا تكونُ إلاَّ إذَا كانَتْ بالماءِ دونَ التيمُّمِ، فهو عندَهم مُبِيحٌ، لا رَافِعٌ للحدَثِ، وعلى هذا: يُشْتَرَطُ لجوازِ المَسْحِ أنْ تكونَ الطهارةُ التي لَبِسَ بعدَها الخفيْنِ هي طهارةً بالماءِ.
ولَكِنِ القولُ الثاني الذي يُعْتَبَرُ فيه التيمُّمُ بدلاً من الماءِ وقائماً مقامَه في كلِّ شيءٍ، حتى في رَفْعِ الحَدَثِ: فإنه يَجُوزُ أنْ يَمْسَحَ ولو كانَتِ الطهارةُ طهارةَ تيمُّمٍ، وهو الصحيحُ.
12- جوازُ إعانةِ المتوضِّئِ على وُضُوئِه بتقريبِ الماءِ أو الصبِّ عليه، ونحوِ ذلكَ، أمَّا غَسْلُ أعضائِه فلا يكونُ إلاَّ مِن حاجةٍ.

54 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ: فقدْ أَخْرَجَه أبو داودَ بإسنادٍ حَسَنٍ، وقالَ المؤلِّفُ في التلخيصِ: وفي البابِ حديثٌ عن عليٍّ إسنادُه صحيحٌ.
مفرداتُ الحديثِ:
- لَوْ: حرفُ شرطٍ غيرُ جازمٍ، وهي حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ، فيَنْتَفِي جوابُها لانتفاءِ شَرْطِها، ففي الحديثِ انتفاءُ مشروعيَّةِ المَسْحِ على ظاهرِ الخفِّ؛ لانتفاءِ كونِ دِينِ اللَّهِ بمجرَّدِ العقلِ.
- الدِّينُ: المرادُ به هنا الشرْعُ، وله معانٍ أُخَرُ.
- الرَّأْيُ: يُطْلَقُ على الاعتقادِ والتدبيرِ والعقلِ، وجَمْعُه آراءٌ، ومجرَّدُ العقلِ دونَ الروايةِ والنقلِ ليسَ بشرعٍ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- وُجُوبُ كونِ مسحِ الخُفِّ على أعلى الخُفِّ فقطْ، فلا يُجْزِئُ مسحُ غيرِه، ولا يُشْرَعُ مَسْحُ غيرِه معَه، سواءٌ الأسفلُ أو الجوانبُ.
2- أنَّ الدِّينَ مَبْنَاهُ على النَّقْلِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، أو عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس الرأيُ هو المُحَكَّمَ فيه، فالواجبُ الاتِّباعُ، لا الابتداعُ.
3- الذي يَتَبَادَرُ للذهنِ هو أنَّ الأَوْلَى بالمسحِ هو أسفلُ الخُفِّ، لا أعلاه؛ لأنَّ الأسفلَ هو الذي يُبَاشِرُ الأرضَ، وربَّما أصابَتْه النجاسةُ؛ فكانَ أَوْلَى بالإزالةِ، ولكنَّ الواجبَ هو تقديمُ النقلِ الصحيحِ على الرأيِ؛ فإنَّ الذي شَرَعَ ذلك هو أعلمُ بالمصالحِ، وليسَ معنى هذا أنَّ الشرعَ لا يَعْبَأُ بالعقلِ ولا يَعْتَبِرُه؛ فإنَّ تشريفَ العقلِ في القرآنِ الكريمِ، وتَوْجِيهَ مَوَاهِبِه ومُخَاطَبَتَه هي أكثرُ وأكبرُ مِن أنْ يُسْتَشْهَدَ بها؛ قالَ تعالى: {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} [يس: 68]، وقالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24]، وقالَ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22].
فالعقلُ نعمةٌ كبرَى أَنْعَمَ اللَّهُ بها على الإنسانِ، وإنما معناه أنَّ العقلَ غيرُ مُسْتَقِلٍّ بالتشريعِ؛ فهو يُسَلِّمُ ويَتَلَقَّى شَرْعَ اللَّهِ تعالى بنفسٍ راضيةٍ، ويُحاوِلُ فَهمَ أسرارِ اللَّهِ فيها، فإنْ أَدْرَكَ فذاكَ مِن نعمةِ اللَّهِ عليه، وإلاَّ سَلَكَ سبيلَ الذين قالُوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عِمران: 7].
4- العقلُ السليمُ يُوَافِقُ النقلَ الصحيحَ؛ فالشريعةُ التي أَنْزَلَها اللَّهُ تعالى لا تَقْصِدُ إلاَّ نفسَ الغرضِ الذي خُلِقَ العقلُ مِن أجلِه، حينَما يكونُ العقلُ سليماً صحيحاً لم يَغْلِبْه الهوَى والشهَوَاتُ، ولم يَمَسَّه الضعفُ والخِفَّةُ، على أنه مِن المعلومِ أنَّ العقلَ لا يكونُ مِعياراً على الشريعةِ، بل الشريعةُ هي التي تكونُ مقياساً لنقدِ العقولِ، فإذا كانَ هناكَ عقلٌ يَقْبَلُ أحكامَ الشرعِ عُلِمَ أنه عقلٌ سليمٌ بَرِيءٌ مِن العِلاَّتِ، وإذا أَبَى قَبُولَها عُلِمَ أنه مريضٌ وعليلٌ.
5- وُجُوبُ الخُضُوعِ والتسليمِ لأوامرِ اللَّهِ تعالى وأوامرِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو غايةُ العبادةِ، وهو كمالُ الانْقِيادِ والتسليمِ.
6- لَعَلَّ – واللَّهُ أعلَمُ – مِن حِكْمَةِ هذا الحُكْمِ أنَّ الغَسْلَ يُتْلِفُ الخُفَّ، فاكْتُفِيَ بالمسحِ؛ تيسيراً وتسهيلاً وحِفظاً لمالِيَّةِ الخُفِّ، والمسحُ ليسَ غَسْلاً يُزِيلُ النجاسةَ ويُنَقِّي الخُفَّ، وما دامَ أنَّ المسحَ لن يُزِيلَ الأذَى العالِقَ بأسفلِ الخُفِّ، بل إنَّ مسحَه بالماءِ يُسَبِّبُ حَمْلَه للنجاسةِ - جُعِلَ المسحُ أعلاه لِيُزِيلَ ما عَلِقَ به مِن غُبارٍ؛ لأنَّ ظاهرَ الخُفِّ هو الذي يُرَى، والأفضلُ أنْ يكونَ المصلِّي في غايةِ النظافةِ. واللَّهُ أعلمُ.
7- مَسْحُ الخُفِّ في حديثِ المُغِيرةِ مُجْمَلٌ، وهذا الحديثُ بَيَّنَ صِفَتَه وكيفيَّتَه.
خِلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ هل المَسْحُ على جميعِ ظاهرِ الخُفِّ أم لا؟
والراجِحُ: أنَّ المسحَ يكونُ على أكثرِه؛ لأنَّ المَسْحَ عليهما، لا بهما.
واخْتَلَفُوا هل يُمْسَحَانِ كالأذنيْنِ معاً، أم تُقَدَّمُ اليُمْنَى؟
والراجِحُ: تقديمُ اليُمنَى؛ وذلك لأنَّ الرِّجليْن مُسْتَقِلَّتَانِ، ولَيْسَتَا كالأُذُنَيْنِ تابعتيْنِ للرأسِ.
ولأنَّ مَسْحَهُما فرعُ غَسْلِهِما، والغَسلُ فيه استحبابُ التيامُنِ.
ولأن حديثَ عائشةَ صريحٌ في استحبابِ تَيامُنِه في طُهُورِه، ومسحُ الخُفَّيْنِ من الطُّهورِ، فيُسَنُّ أنْ يَمْسَحَ بأصابِعِ يَدَيْه على ظُهُورِ قَدَمَيْهِ، فيَمْسَحُ اليُمنَى باليمنَى، ثمَّ يَمْسَحُ اليسرَى باليسرَى، ويُفَرِّجُ بينَ أصابعِه، وكيفما مَسَحَ أَجْزَأَ.
وأَجْمَعُوا على أنَّ المَسْحَ عليه مَرَّةً واحدةً، وأنه لا يُسَنُّ تَكْرَارُه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسح, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir