دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 صفر 1443هـ/19-09-2021م, 01:31 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير

مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير



تنبيهات:
(1)

يُنصح بتنزيل برنامج الشاملة على حاسوبكم، والاستفادة منه في البحث عن النقول.
ومن كانت لديه صعوبة في معرفة طريقة البحث عليه، فلا يتردد بالسؤال.
وفي هذا الفيديو شرح طريقة عمل مجال بحث لكتب أهل اللغة عن طريق برنامج مكتبة الشاملة:




(2)
أرجو عمل تعليق في نهاية التطبيق - حسب كل مرتبة- فيه بيان الآتي:
المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
وهكذا في كل مرتبة....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 صفر 1443هـ/21-09-2021م, 10:41 AM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

حل المجلس الخامس
معنى الحفدة في قوله تعالى: "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة".
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) )

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ): حفد: الحَفْدُ: الخِفَّة في العمل والخِدمة (وعبارة التهذيب هي: قال الليث: الحفد في الخدمة والعمل: الخفة والسرعة.)، قال:
حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ (كذا في الأصول المخطوطة أما في اللسان فالرواية: حفد الولائد حولهن وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ وبنصب أزمة). وسَمِعتُ في شعْرٍ مُحدَث حُفَّداً أقدامُها، أي سِراعاً خِفافاً.
وفي سورة القُنوت:
وإليك نَسعَى ونحفد (وجاء في التهذيب: وروي عن عمر أنه قرأ قنوت الفجر وإليك نسعى ونحفد.)
أي نخفّ في مَرْضاتك. والاحتفاد: السُرعة في كلّ شيء، قال الأعشى:
وُمْحَتفد الوَقْعِ ذو هَبَّةٍ ... أجاد جلاه يد الصيقل
وقول الله- عز وجل-: بَنِينَ وَحَفَدَةً
يعني البنات [و] هنَّ خَدَم الأبَوَيْن في البيت، ويقال: الحَفَدة: (كذا في التهذيب واللسان فيما نسب إلى الليث، وفي الأصول المخطوطة: الحفد. وجاء في اللسان أيضا. الحفيد ولد الولد.) وعند العَرَب الحَفَدة الخَدَم. [العين]


قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال لي مالك في قول الله: {بنين وحفدة}، قال: الحفدة الأعوان والخدم في رأيي). [الجامع في علوم القرآن: 2/132-133]

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان [تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل: حفد الولائد بينهنّ وأسلمتبــأكــفّـــهـــن أزمّــــــــــة الأجـــــمــــــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله تعالى بنين وحفدة قال الحفدة من يخدمك من ولدك وولد ولدك.
عن ابن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود أتدري ما الحفدة يا زر قال قلت نعم هم حفاد الرجل من ولده وولد ولده قال لا هم الأصهار.
عن ابن التيمي عن أبيه عن الحسن قال الحفدة الخدم). [تفسير عبد الرزاق: 1/358]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بنين وحفدة} فقالوا فيه الحفدة: العملة؛ والحفدة: الخدم أيضًا.
وقال ابن عباس الحفدة: الأعوان وهو ذلك المعنى؛ وقال بعضهم أيضًا الحفدة: الأصهار؛ "بنين وأصهارا" في التفسير لا في اللغة.
[معاني القرآن لقطرب: 814]
وقالوا في الفعل: حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة؛ وقالوا أيضًا: حفد البكر يحفد حفدانًا؛ وهو عمله، ويكون الواحد من الحفدة حافدًا، مثل الفسقة والبررة.
وكان الحسن أيضًا يقول: الحفدة من خدمك.
وكان الكلبي يقول: الحفدة البنون الكبار الذين خدموه، هم الحفدة.
وقوله: "وإليك نسعى ونحفد" أي نسعى ونخف ونجد.
وقال الراعي:
كلفت مجهولها نوقًا يمانية = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
يعني على أوبارها.
وقال الآخر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفهن أزمة الأحمال
وقال ابن مقبل:
لأنعم عينا صاحب قلت هل = ترى تواليهم يلحقن بالحفدان
[معاني القرآن لقطرب: 815]
قال أبو علي: هذا معنى واحد كله). [معاني القرآن لقطرب: 816]

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.
قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا وقال الأخطل:
أراد خدمهن الولائد وقال الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمتبــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجــــــمــــــال
كــلــفـــت مـجـهـولــهــا نــــوقــــا يــمــانــيــةإذا الحداة على أكسائها حفدوا
وقد روي عن مجاهد في قوله عز وعلا: {بنين وحفدة}
أنهم الخدم، وعن عبد الله أنهم الأصهار.
قال: حدثناه ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله والله أعلم.
وأما المعروف في كلامهم فإن الحفد هو الخدمة، فقوله: نسعى ونحفد، هو من ذاك، يقول: إنا نعبدك ونسعى في طلب رضاك. وفيها لغة أخرى: أحفد إحفادا قال الراعي:
مزايد خرقـاء اليديـن مسيفـةأخب بهن المخلفان وأحفدا
فقد يكون قوله: أحفدا أخدما، وقد يكون أحفدا غيرهما أعملا بعيرهما، فأراد عمر بقوله: وإليك نسعى ونحفد: العمل لله بطاعته). [غريب الحديث: 4/264-266]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {حفدةً} [النحل: 72] : «من ولد الرّجل). [صحيح البخاري: 6/82]

(-)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاسٍ حفدة من ولد الرّجل وصله الطّبريّ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاس في قوله بنين وحفدة قال الولد وولد الولد وإسناده صحيحٌ وفيه عن بن عبّاسٍ قولٌ آخر أخرجه من طريق العوفيّ عنه قال هم بنو امرأة الرّجل وفيه عنه قولٌ ثالثٌ أخرجه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال الحفدة والأصهار ومن طريق عكرمة عن بن عبّاسٍ قال الأختان وأخرج هذا الأخير عن بن مسعودٍ بإسنادٍ صحيحٍ ومن طريق أبي الضّحى وإبراهيم وسعيد بن جبيرٍ وغيرهم مثله وصحّح الحاكم حديث ابن مسعود وفيه قول رابع عن بن عبّاسٍ أخرجه الطّبريّ من طريق أبي حمزة عنه قال من أعانك فقد حفدك ومن طريق عكرمة قال الحفدة الخدّام ومن طريق الحسن قال الحفدة البنون وبنو البنين ومن أعانك من أهلٍ أو خادمٍ فقد حفدك وهذا أجمع الأقوال وبه تجتمع وأشار إلى ذلك الطّبريّ وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع في المشي فأطلق على من يسعى في خدمة الشّخص ذلك). [فتح الباري: 8/386-387]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {بنين وحفدةً} قال: الحفدة: الأَخْتان. وكان ابن عبّاسٍ يقول: الخدم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 52]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: {واللّه} الّذي {جعل لكم} أيّها النّاس {من أنفسكم أزواجًا} يعني أنّه خلق من آدم زوجته حوّاء، {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي واللّه خلق آدم، ثمّ خلق زوجته منه، ثمّ جعل لكم بنين وحفدةً ".
واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدم من ولد الرّجل هم ولده، وهم يخدمونه، قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبدٌ؟ إنّما الحفدة: ولد الرّجل وخدمه "
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بنين وحفدةً} يعني: " ولد الرّجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور ".
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرّجل من غيره
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: " بنو امرأة الرّجل ليسوا منه " وقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقول: فلانٌ يحفد لنا، ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا، ومنه قول الرّاعي:
كلّفت مجهولها نوقًا يمانيةً = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل). [جامع البيان: 14/295-304]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمتبــأكـــفّـــهـــنّ أزمّـــــــــــة الأجــــــمــــــال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]

قال محمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر العُزيري (المتوفى : 330هـ): حفدة: حذم، وَقيل: أختَان، وَقيل: أَصْهَار، وَقيل أعوان، وَقيل [بَنو] الرجل، من نَفعه مِنْهُم، وَقيل: بَنو الْمَرْأَة من زَوجهَا الأول. [غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب].

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} روى سعيد عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم). [معاني القرآن: 4/87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر: حفد الولائد حولهن وأسلمتبــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجــــــمــــــال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة، يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنين وحفدة يعني أنصارا وأعوانا وخدما). [تفسير مجاهد: 349]

قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ): حفد: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْدُ فِي الخِدْمَةِ والعَمَل: الْخِفَّةُ والسُّرْعَةُ، وَأنْشد: حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ بأكفّهِنّ أَزِمَّةُ الأَجَمَالِ
وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنه قَرَأَ قُنُوت الْفجْر: وإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَصْلُ الْحَفْدِ: الْخِدْمَة والعَمل. قَالَ: ورُوِي عَن مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) أَنّهم الخدم، وَرُوِيَ عَن عبد الله أَنَّهُم الأصْهارُ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي الْحَفْد لُغَة أُخْرى: أَحْفَدَ إحْفَاداً، وَقَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليَدَيْن مُسِيفَةٍ
أَخَبَّ بِهن المُخْلِفَان وَأَحْفَدَا
قَالَ فَيكون أَحْفَدَا خَدَمَا، وَقد يَكُون أَحْفَدَا غَيرهمَا. قَالَ: وَأَرَادَ بقوله: وإلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد: نَعْمَلُ لله بطاعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الاحْتِفادُ: السُّرْعَةُ فِي كلِّ شَيْء، وَقَالَ الأعْشَى يَصِفُ السَّيْفَ:
ومُحْتَفِدُ الوَقْعِ ذُو هَبَّةٍ
أَجَادَ جِلاَهُ يَدُ الصَّيْقَل
قُلْتُ: وروَاه غَيرُه: ومُحْتَفِل الوقع بِاللَّامِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
حَدَّثنا أَبُو زيد عَن عبد الْجَبّار عَن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثنا عَاصِم عَن زِرّ قَالَ: قَالَ عبد الله: يَا زِرّ، هَل تَدْرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفّادُ الرَّجْلِ: من وَلَده وَوَلد وَلَده، قَالَ: لَا، وَلَكنهُمْ الأَصْهَارُ قَالَ عَاصِم: وَزعم الكَلْبِيّ أَنَّ زِرّاً قَدْ أَصَابَ، قَالَ سُفْيَان: قَالُوا: وكَذبَ الكَلْبِيّ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَنْ قَالَ الحَفَدَةُ: الأَعْوَانُ فَهُوَ أَتْبَعُ لكَلَام العَرَب مِمَّنْ قَالَ الأَصْهار. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَقَالَ: وَيُقَال: الأَعْوَان، وَلَو قيل الحَفَدُ لكَانَ صَوَابا، لِأَن الْوَاحِد حَافِد مثل القَاعِد والقَعَد.
وَقَالَ الحَسَنُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، قَالَ: البَنُون: بَنُوك وبَنُو بَنِيك، وأَمَّا الحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَك من شَيْء وعَمِلَ لَك وأَعَانَك. وروى أَبُو حَمْزَة عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: مَنْ أعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْله:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: بَنُو المَرْأَةِ من زَوْجها الأوَّل، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَك من وَلَدِكَ وَوَلد، ولدك، وَقَالَ اللَّيْث: الحَفَدَةُ: البَنَاتُ، وهُنَّ خَدَمُ الأبَوَيْنِ فِي البَيْتِ، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَفَدَةُ: وَلَدُ الوَلَد.
والحَفَدَانُ: فَوْق المَشْيِ كالخَبَبِ.
قَالَ: والمَحْفِدُ: شيءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الدَّابَّة، وَقَالَ الأعْشَى:
وسَقْيي وإطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
قَالَ: والمَحْفِدُ: السَّنَامُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المَحَافِدُ فِي الثَّوْبِ: وَشْيُه، واحِدُها مَحْفِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَفَدَةُ: صُنَّاعُ الوَشْي. والْحَفْدُ: الوَشْيُ.
وَقَالَ شَمِر: سَمِعْتُ الدَّارِمي يَقُول: سَمِعْتُ ابْن شُمَيْل يَقُول لطرف الثَّوْب مِحْفَد بِكَسْر الْمِيم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمَحْفِدُ والمَحْقِدُ والمَحْكِد: الأصْلُ.
وَقَالَ أَبو تُرَاب: احْتَفَد واحْتَمَد واحْتَفَل بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبُو قَيْس: مِكْيالٌ واسْمه المِحْفَد، وهُوَ القَنْقَلُ. [تهذيب اللغة].

قال أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ): (حَفَدَ) الْحَاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْخِفَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّجَمُّعِ. فَالْحَفَدَةُ: الْأَعْوَانُ; لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِمُ التَّجَمُّعُ وَالتَّخَفُّفُ، وَاحِدُهُمْ حَافِدٌ. وَالسُّرْعَةُ إِلَى الطَّاعَةِ حَفْدٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: " إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ". قَالَ:
يَا ابْنَ الَّتِي عَلَى قَعُودٍ حَفَّادْ
وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] ، إِنَّهُمُ الْأَعْوَانُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - وَيُقَالُ الْأَخْتَانُ، وَيُقَالُ الْحَفَدَةُ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَالْمِحْفَدُ: مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ. وَيُقَالُ فِي بَابِ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ سَيْفٌ مُحْتَفِدٌ، أَيْ سَرِيعُ الْقَطْعِ. وَالْحَفَدَانُ: تَدَارُكُ السَّيْرِ. [مقاييس اللغة]

قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكر بن أبي دارمٍ الحافظ، ثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثني أبي، ثنا أبو معاوية، عن أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ " {بنين وحفدةً} [النحل: 72] قال: الحفدة الأختان «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/387]

قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ): "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً".
ابن عبّاس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى: هم الأصهار أختان الرجل على بناته.
روى شعبة عن عاصم: بن بهدلة قال: سمعت زر بن حبيش وكان رجلا غريبا أدرك الجاهلية قال: كنت أمسك على عبد الله المصحف فأتى على هذه الآية قال: هل تدري ما الحفدة، قلت: هم حشم الرجل.
قال عبد الله: لا، ولكنهم الأختان. وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس.
وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.
مجاهد وأبو مالك الأنصاري: هم الأعوان، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عبّاس قال:
من أعانك حفدك.
وقال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهنّ أزمّة الإجمال (لسان العرب: 3/ 153 وتفسير الطبري: 14/ 190.)
وقال عطاء: هم ولد الرجل يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه.
وقال قتادة: [مهنة يمتهنونكم] ويخدمونكم من أولادكم.
الكلبي ومقاتل: البنين: الصغار، والحفدة: كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.
مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس: إنهم ولد الولد.
ابن زيد: هم بنو المرأة من الزوج الأوّل. وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس: هم بنو امرأة الرجل الأوّل.
وقال العتبي: أصل الحفد: مداركة الخطر والإسراع في المشي.
فقيل: لكل من أسرع في الخدمة والعمل: حفدة، واحدهم حافد، ومنه يقال في دعاء الوتر: إليك نسعى ونحفد، أي نسرع إلى العمل بطاعتك.
وأنشد ابن جرير [للراعي] :
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا (تفسير الطبري: 14/ 193، لسان العرب: 1/ 138.)
[الكشف والبيان في تفسير القرآن]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]

قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
﴿وَجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ وفي الحَفَدَةِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُمُ الأصْهارُ أُخْتانِ الرَّجُلِ عَلى بَناتِهِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو الضُّحى وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وإبْراهِيمُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
ولَوْ أنَّ نَفْسِي طاوَعَتْنِي لَأصْبَحَتْ لَها حَفَدٌ مِمّا يُعَدُّ كَثِيرُ ∗∗∗ ولَكِنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ ∗∗∗ عَيُوفٌ لِأصْهارِ اللِّئامِ قَذُورُ
الثّانِي: أنَّهم أوْلادُ الأوْلادِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّالِثُ: أنَّهم بَنُو امْرَأةِ الرَّجُلِ مِن غَيْرِهِ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا.
الرّابِعُ: أنَّهُمُ الأعْوانُ، قالَهُ الحَسَنُ.
الخامِسُ: أنَّهُمُ الخَدَمُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ وطاوُسٌ، ومِنهُ قَوْلُ جَمِيلٍ:
حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهم وأسْلَمَتْ ∗∗∗ بِأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمالِ
وَقالَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ:
يَحْفِدُونَ الضَّيْفَ في أبْياتِهِمْ ∗∗∗ كَرَمًا ذَلِكَ مِنهم غَيْرَ ذُلٍّ
وَأصْلُ الحَفْدِ الإسْراعُ، والحَفَدَةُ جَمْعُ حافِدٍ، والحافِدُ هو المُسْرِعُ في العَمَلِ، ومِنهُ قَوْلُهم في القُنُوتِ وإلَيْكَ نَسْعى ونَحْفِدُ، أيْ نُسْرِعُ إلى العَمَلِ بِطاعَتِكَ، مِنهُ قَوْلُ الرّاعِي:
كَلَّفْتُ مَجْهُولَها نُوقًا ثَمانِيَةً ∗∗∗ إذا الحُداةُ عَلى أكْسائِها حَفَدُوا
وَذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ البَنِينُ الصِّغارُ والحَفَدَةُ الكِبارُ. [النكت والعيون]

قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والله جعل لكم} الآية آية تعديد نعم، و"الأزواج": الزوجات، ولا يترتب في هذه الآية الأنواع ولا غير ذلك، وقوله: {من أنفسكم} يحتمل أن يريد خلقه حواء من نفس آدم وجسمه، فمن حيث كانا مبتدأ الجميع ساغ حمل أمرهما على الجميع حتى صار الأمر كأن النساء خلقن من أنفس الرجال، وهذا قول قتادة، والأظهر عندي أن يريد بقوله: {من أنفسكم} أي: من نوعكم وعلى خلقتكم، كما قال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية. وقوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين} ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء، واختلف الناس في قوله: "وحفدة" قال ابن عباس: الحفدة: أولاد البنين، وقال الحسن: هم بنوك وبنو بنيك، وقال ابن مسعود، وأبو الضحى، وإبراهيم، وسعيد بن جبير: الحفدة: الأصهار، وهم قرابة الزوجة، وقال مجاهد: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدم، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تبارك وتعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وإنما الزينة في الذكور، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الحفدة: أولاد زوجة الرجل من غيره، ولا خلاف أن معنى "الحفد" هو الخدمة والبر والمشي في الطاعة مسرعا، ومنه في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، والحفدان: خبب فوق المشي، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر:
حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
[المحرر الوجيز: 5/383]
ومنه قول الآخر:
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنت على أن كل أحد جعل له من أزواجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس، ويحتمل عندي أن قوله: {من أزواجكم} إنما هو على العموم والاشتراك، أي: من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، فمن لم يكن له زوجة فقد جعل الله له حفدة وحصل تلك النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون.
[المحرر الوجيز: 5/384]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال: جعلنا لهم بنين وأعوانا، أي: وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة.
وقوله تعالى: {ورزقكم من الطيبات} يريد: الملذ من الأشياء التي تطيب لمن يرزقها، ولا يقتصر هنا على الحلال; لأنهم كفار لا يكتسبون بشرع، وفي هذه الآية رد على من قال من المعتزلة: "إن الرزق إنما يكون الحلال فقط"، ولهم تعلق في لفظة "من" إذ هي للتبعيض، فيقولون: ليس الرزق المعدد عليهم من جميع ما بأيديهم إلا ما كان حلالا.
وقرأ الجمهور: "يؤمنون"، وتجيء الآية -على هذه القراءة- توقيفا لمحمد عليه الصلاة والسلام على إيمانهم بالباطل وكفرهم بنعمة الله، وقرأ أبو عبد الرحمن بالتاء من فوق، ورويت عن عاصم، على معنى: قل لهم يا محمد، ويجيء قوله بعد ذلك: {وبنعمت الله هم يكفرون} إخبارا مجردا عنهم، وحكما عليهم لا توفيقا، وقد يحتمل التوقيف أيضا على قلة اطراد في القول). [المحرر الوجيز: 5/385]

قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ): ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَ ٰ⁠جِكُم بَنِینَ وَحَفَدَةࣰ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ یُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ یَكۡفُرُونَ﴾ [النحل ٧٢]
مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم. وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أى يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت. وإليك نسعى ونحفد وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ (يقول، حفد من باب ضرب، أى أسرع. الولائد: جمع وليدة وهي البنت الصغيرة، بينهن: أى بين النساء الطاعنات. وأسلمت: مبنى للمجهول، أى تركت في أكف الظعائن والولائد. أزمة الأجمال: جمع زمام، وذلك دليل على حفظهن وصونهن، حتى لا يتخلل ركبهن إلا الولائد.)
واختلف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات (قوله «فقيل هم الأختان على البنات» في الصحاح: الحفدة الأعوان والخدم. وفيه أيضا: الخبّن بالتحريك كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ، وهم الأختان، كذا عند العرب وأما عند العامة فختن الرجل زوج ابنته اه فلعله أيضا ضمن الأختان معنى الأعوان أو الخلفاء فعداء بعلى. وفي الخازن عن ابن مسعود: الحفدة أختان الرجل على بناته.) وقيل: أولاد الأولاد. وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل. وقيل: المعنى وجعل لكم حفدة، أى خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم، كقوله سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون، أى جامعون بين الأمرين مِنَ الطَّيِّباتِ يريد بعضها، لأنّ كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها، وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به، كأنه شيء معلوم مستيقن. ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز: هم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا يتصوره العقول.
وقيل: الباطل ما يسوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما. ونعمة الله: ما أحل لهم. [الكشاف]

قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ يَعْنِي النِّساءَ.
وَفِي مَعْنى ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَتَهُ مِنهُ، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّانِي: " مِن أنْفُسِكم "، أيْ: مِن جِنْسِكم مِن بَنِي آدَمَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
وَفِي الحَفَدَةِ خَمْسَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهُمُ الأصْهارُ، أخْتانُ الرَّجُلِ عَلى بَناتِهِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، ومُجاهِدٌ في رِوايَةٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِيُّ، وأنْشَدُوا مِن ذَلِكَ:
ولَوْ أنَّ نَفْسِي طاوَعَتْنِي لَأصْبَحَتْ لَها حَفَدٌ مِمّا يُعَدُّ كَثِيرُ
ولَكِنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ ∗∗∗ عَيُوفٌ لِأصْهارِ اللِّئامِ قَذُورُ
والثّانِي: أنَّهُمُ الخَدَمُ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ في رِوايَةِ الحَسَنِ، وطاوُوسُ، وعِكْرِمَةُ في رِوايَةِ الضَّحّاكِ، وهَذا القَوْلُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ يُرادُ بِالخَدَمِ: الأوْلادُ، فَيَكُونُ المَعْنى: أنَّ الأوْلادَ يَخْدِمُونَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الحَفَدَةُ: الخَدَمُ والأعْوانُ، فالمَعْنى: هم بَنُونَ، وهم خَدَمٌ. وأصْلُ الحَفْدِ: مُدارَكَةُ الخَطْوِ والإسْراعُ في المَشْيِ، وإنَّما يَفْعَلُ الخَدَمُ هَذا، فَقِيلَ لَهم: حَفَدَةٌ. ومِنهُ يُقالُ في دُعاءِ الوِتْرِ: " وإلَيْك نَسْعى ونَحْفِدُ " . والثّانِي: أنْ يُرادَ بِالخَدَمِ: المَمالِيكُ، فَيَكُونُ مَعْنى الآيَةِ: وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ، وجَعَلَ لَكم حَفَدَةً مِن غَيْرِ الأزْواجِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
والثّالِثُ: أنَّهم بَنُو امْرَأةِ الرَّجُلِ مِن غَيْرِهِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الضَّحّاكُ.
والرّابِعُ: [أنَّهُمْ] ولَدُ الوَلَدِ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والخامِسُ: أنَّهم كِبارُ الأوْلادِ، والبَنُونَ: صِغارُهم، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، ومُقاتِلٌ. قالَ مُقاتِلٌ: وكانُوا في الجاهِلِيَّةِ تَخْدِمُهم أوْلادُهم. قالَ الزَّجّاجُ: وحَقِيقَةُ هَذا الكَلامِ أنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ مِنَ الأزْواجِ بَنَيْنَ، ومَن يُعاوِنُ عَلى ما يُحْتاجُ إلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وطاعَةٍ. [زاد المسير]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 671هـ): قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً﴾ جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. "مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً" يَعْنِي آدَمَ خَلَقَ مِنْهُ حَوَّاءَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ وَنَوْعِكُمْ وَعَلَى خِلْقَتِكُمْ، كَمَا قَالَ:" لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم أَيْ مِنَ الْآدَمِيِّينَ. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَزَوَّجُ الْجِنَّ وَتُبَاضِعُهَا، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ تَزَوَّجَ منهم غولا وكان يخبؤها عَنِ الْبَرْقِ لِئَلَّا تَرَاهُ فَتَنْفِرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لَمَعَ الْبَرْقُ وَعَايَنَتْهُ السِّعْلَاةُ فَقَالَتْ: عَمْرٌو! وَنَفَرَتْ، فَلَمْ يَرَهَا أَبَدًا. وَهَذَا مِنْ أَكَاذِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ ينكرون وجود الجان وَيُحِيلُونَ طَعَامَهُمْ.
(أَزْواجاً) زَوْجُ الرَّجُلِ هِيَ ثَانِيَتُهُ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ فَإِذَا انْضَافَتْ إِلَيْهِ كَانَا زَوْجَيْنِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ دُونَهَا لِأَنَّهُ أَصْلُهَا في الوجود كما تقدم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ﴾ ظَاهِرٌ فِي تَعْدِيدِ النِّعْمَةِ فِي الْأَبْنَاءِ، وَوُجُودُ الْأَبْنَاءِ يَكُونُ مِنْهُمَا مَعًا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ خَلْقُ الْمَوْلُودِ فِيهَا وَانْفِصَالُهُ عَنْهَا أُضِيفَ إِلَيْهَا، وَلِذَلِكَ تَبِعَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَصَارَ مِثْلَهَا فِي الْمَالِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سَمِعْتُ إِمَامَ الْحَنَابِلَةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ أَبَا الْوَفَاءِ عَلِيَّ بْنَ عُقَيْلٍ يَقُولُ: إِنَّمَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الْمَالِيَّةِ وَصَارَ بِحُكْمِهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنِ الْأَبِ نُطْفَةً لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا اكْتَسَبَ مَا اكْتَسَبَ بِهَا وَمِنْهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَبِعَهَا. كَمَا لَوْ أكل رجل تمر فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَسَقَطَتْ مِنْهُ نَوَاةٌ فِي الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْآكِلِ فَصَارَتْ نَخْلَةً فَإِنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ دُونَ الْآكِلِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ لِأَنَّهَا انْفَصَلَتْ عَنِ الْآكِلِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَحَفَدَةً﴾ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "بَنِينَ وَحَفَدَةً" قَالَ: الْحَفَدَةُ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيِي. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَحَفَدَةً" قَالَ هُمُ الْأَعْوَانُ، مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ. قِيلَ لَهُ: فَهَلْ تَعْرِفُ العرب ذلك؟ قال نعم وتقول! أو ما سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ
أَيْ أَسْرَعْنَ الْخِدْمَةَ. وَالْوَلَائِدُ: الْخَدَمُ، الْوَاحِدَةُ وَلِيدَةٌ، قَالَ الْأَعْشَى:
كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقًا يَمَانِيَةً ... إِذَا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا
أَيْ أَسْرَعُوا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْأَعْوَانُ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطَاعَ فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ "إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ"، وَالْحَفَدَانُ السُّرْعَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَفْدُ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قِيلَ الْحَفَدَةُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ الْأَخْتَانِ، قَالَهُ ابْنُ مسعود وعلقمة وأبو الضحا وسعيد بن جبير وإبراهيم، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ ... لَهَا حَفَدٌ مَا يُعَدُّ كَثِيرُ
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لِإِصْهَارِ اللِّئَامِ قَذُورُ
وَرَوَى زِرٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْحَفَدَةُ الْأَصْهَارُ، وَقَالَهُ إِبْرَاهِيمُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْخَتَنُ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، مِثْلُ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَالْأَصْهَارُ مِنْهَا جَمِيعًا. يُقَالُ: أَصْهَرَ فُلَانٌ إِلَى بَنِي فُلَانٍ وَصَاهَرَ. وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ هُمُ الْأَخْتَانُ، يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا الْمَرْأَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُنَّ، فَيَكُونُ لَكُمْ بِسَبَبِهِنَّ أَخْتَانٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحفدة من نفع الرجال مِنْ وَلَدِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ حَفَدَ يَحْفِدُ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) إِذَا أَسْرَعَ فِي سَيْرِهِ، كَمَا قَالَ كَثِيرٌ.
حَفَدَ الْوَلَائِدُ بَيْنَهُنَّ ...
الْبَيْتَ.
وَيُقَالُ: حَفَدَتْ وَأَحْفَدَتْ، لُغَتَانِ إِذَا خَدَمَتْ. وَيُقَالُ: حَافِدٌ وَحَفَدٌ، مِثْلَ خَادِمٍ وَخَدَمٌ، وَحَافِدٌ وَحَفَدَةٌ مِثْلَ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ الْحَفَدَةَ الْخَدَمَ جَعَلَهُ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ يَنْوِي بِهِ التَّقْدِيمَ، كَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ لَكُمْ حَفَدَةً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بنين. قلت: ما قال الْأَزْهَرِيُّ مِنْ أَنَّ الْحَفَدَةَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بَلْ نَصُّهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: "وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً" فَجَعَلَ الْحَفَدَةَ وَالْبَنِينَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ "بَنِينَ وَحَفَدَةً" أَنَّ الْبَنِينَ أَوْلَادُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَالْحَفَدَةَ أَوْلَادُ وَلَدِهِ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ اللَّفْظِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَمِنَ الْبَنِينِ حَفَدَةً. وَقَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَنُ. الثَّالِثَةُ- إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَعُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْحَفَدَةَ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ، فَقَدْ خَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعِ بَيَانٍ، قاله ابن العربي رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ ... الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" هُود ". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ بِيَدِي. الْحَدِيثَ. وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عَلَيْهَا أَنْ تَفْرِشَ الْفِرَاشَ وَتَطْبُخَ الْقِدْرَ وَتَقُمَّ الدَّارَ، بِحَسَبِ حَالِهَا وَعَادَةِ مِثْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها(٩) " فَكَأَنَّهُ جَمَعَ لَنَا فِيهَا السَّكَنَ وَالِاسْتِمْتَاعَ وَضَرْبًا مِنَ الْخِدْمَةِ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ. الرَّابِعَةُ- وَيَخْدِمُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فِيمَا خَفَّ مِنَ الْخِدْمَةِ وَيُعِينُهَا، لِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ: وَيُعِينُهَا. وَفِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَخْصِفُ النعل ويقم البيت ويخيط الصوب. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَقَدْ قِيلَ لَهَا: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي (يفلي ثوبه مما يناله من بعض الجلساء أن عنصره صلوات الله عليه في غاية الصفا والنقا الخالص. ) ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ. الْخَامِسَةُ- وَيُنْفِقُ عَلَى خَادِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى أَكْثَرَ، على قدر الثروة والمزلة. وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وسكان البوادي يخدمن أزواجهن (حتى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ، وَنِسَاءَ الْحَوَاضِرِ يَخْدُمُ الْمُقِلُّ مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ فِيمَا خَفَّ وَيُعِينُهَا، وأما أهل الثروة فيخدمون أزواجهم وَيَتَرَفَّهْنَ مَعَهُمْ إِذَا كَانَ لَهُمْ مَنْصِبُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُشْكِلًا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ، فَتُشْهِدُ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهَا مِمَّنْ لا تخدم نفسها فالتزم أحد أمها، فَيُنَفَّذُ ذَلِكَ وَتَنْقَطِعُ الدَّعْوَى فِيهِ. [الجامع لأحكام القرآن].

قال محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ): حفد: حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحَفَداناً وَاحْتَفَدَ: خفَّ فِي الْعَمَلِ وأَسرع. وحَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً: خَدَم. الأَزهري: الحَفْدُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ الْخِفَّةُ؛ وأَنشد:
حَفَدَ الولائدُ حَوْلَهُنَّ، وأَسلمتْ ... بأَكُفِّهِنَّ أَزمَّةَ الأَجْمالِ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنه قرأَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ: وإِليك نَسْعَى ونَحْفِدُ
أَي نُسْرِعُ فِي الْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَصل الحَفْد الْخِدْمَةُ وَالْعَمَلُ؛ وَقِيلَ: مَعْنَى وإِليك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَعْمَلُ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ. اللَّيْثُ: الِاحْتِفَادُ السُّرْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ السَّيْفَ: ومُحْتَفِدُ الوقعِ ذُو هَبَّةٍ، ... أَجاد جِلاه يَدُ الصَّيْقَل
قَالَ الأَزهري: رَوَاهُ غَيْرُهُ وَمُحْتَفِلُ الْوَقْعِ، بِاللَّامِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، وَذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ لِلْخِلَافَةِ قَالَ: أَخشى حفْدَه أَي إِسراعه فِي مَرْضَاةِ أَقاربه. والحَفْدُ: السُّرْعَةُ. يُقَالُ: حَفَدَ البعيرُ وَالظَّلِيمُ حَفْداً وحَفَداناً، وَهُوَ تَدَارُكُ السَّيْرِ، وَبَعِيرٌ حَفَّادٌ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِي الْحَفْدِ لُغَةٌ أُخرى أَحْفَدَ إِحْفاداً. وأَحفدته: حَمَلْتَهُ عَلَى الحَفْدِ والإِسراع؛ قَالَ الرَّاعِي:
مَزايدُ خَرْقاءِ اليَدَينِ مُسِيفَةٍ، ... أَخَبَّ بِهِنَّ المُخْلِفانِ وأَحْفَدا
أَي أَحفدا بَعِيرَيْهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَي أَسرعا، وَجَعَلَ حَفَدَ وأَحفد بِمَعْنًى. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَحفدا خَدَمَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ أَحفدا غَيْرَهُمَا. والحَفَدُ والحَفَدَة: الأَعوان والخدَمة، وَاحِدُهُمْ حَافِدٌ. وحفَدة الرَّجُلِ: بَنَاتُهُ، وَقِيلَ: أَولاد أَولاده، وَقِيلَ: الأَصهار. وَالْحَفِيدُ: وَلَدُ الْوَلَدِ، وَالْجَمْعُ حُفَداءُ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ بَنِينَ وَحَفَدَةً أَنهم الْخَدَمُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنهم الأَصهار، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الحَفَدة الأَختان وَيُقَالُ الأَعوان، وَلَوْ قِيلَ الحَفَدُ كَانَ صَوَابًا، لأَن الْوَاحِدَ حَافِدٌ مِثْلُ الْقَاعِدِ والقَعَد. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْبَنُونَ بَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ، وأَما الْحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَكَ مِنْ شَيْءٍ وَعَمِلَ لَكَ وأَعانك. وَرَوَى أَبو حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَنِينَ وَحَفَدَةً
، قَالَ: مَنْ أَعانك فَقَدْ حَفَدَكَ، ؛ أَما سَمِعْتَ قَوْلَهُ: حَفَدَ الولائدُ حولهنَّ وأَسلمت
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْحَفَدَةُ بَنُو المرأَة مِنْ زَوْجِهَا الأَوَّل. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْحَفَدَةُ مَنْ خَدَمَكَ مِنْ وَلَدِكَ وَوَلَدِ وَلَدِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَفَدَةُ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَقِيلَ: الْحَفْدَةُ الْبَنَاتُ وهنَّ خَدَمُ الأَبوين فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الحفَدُ عِنْدَ الْعَرَبِ الأَعوان، فَكُلُّ مِنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطاع فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ وإِليك نَسْعَى وَنَحْفِدُ. قَالَ: والحَفَدانُ السُّرْعَةُ. وَرَوَى عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا زِرُّ هَلْ تَدْرِي مَا الْحَفَدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، حُفَّادُ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُمُ الأَصهار ؛ قَالَ عَاصِمٌ: وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ أَن زِرًّا قَدْ أَصاب؛ قَالَ سُفْيَانُ: قَالُوا وَكَذَبَ الْكَلْبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: قَالَ الْحَفَدَةُ الأَعوان فَهُوَ أَتبع لِكَلَامِ الْعَرَبِ مِمَّنْ قَالَ الأَصهار؛ قَالَ:
فَلَوْ أَن نَفْسِي طَاوَعَتْنِي، لأَصبحت ... لَهَا حَفَدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
أَي خَدَم حَافِدٌ وحَفَدٌ وحَفَدَةٌ جَمِيعًا. وَرَجُلٌ مَحْفُودٌ أَي مَخْدُومٌ. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ: مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ
؛ الْمَحْفُودُ: الَّذِي يَخْدِمُهُ أَصحابه وَيُعَظِّمُونَهُ وَيُسْرِعُونَ فِي طَاعَتِهِ. يُقَالُ: حَفَدْتُ وأَحْفَدْتُ وأَنا حَافِدٌ وَمَحْفُودٌ. وحَفَدٌ وحَفَدة جَمْعُ حَافِدٍ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُمية: بِالنِّعَمِ مَحْفُودٌ.
وَقَالَ: الحَفْدُ والحَفدان والإِحفاد فِي الْمَشْيِ دُونَ الخَبَبِ؛ وَقِيلَ: الحَفَدان فَوْقَ الْمَشْيِ كَالْخَبَبِ، وَقِيلَ: هُوَ إِبطاء الرَّكَكِ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. والمَحْفِدُ والمِحْفَدُ: شَيْءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الإِبل كالمِكْتَلِ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ نَاقَتَهُ:
بَنَاهَا الغَوادي الرضِيخُ مَعَ الخَلا، ... وسَقْيِي وإِطعامي الشعيرَ بِمَحْفِدِ «1»
الْغَوَادِي: النَّوَى. وَالرَّضِيخُ: الْمَرْضُوخُ وَهُوَ النَّوَى يُبَلُّ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُرْضَخُ، وَقِيلَ: هُوَ مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ الأَعشى بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا:
بَنَاهَا السَّوَادِيُّ الرضيخُ مَعَ النَّوَى، ... وقَتٍّ وإِعطاء الشعيرِ بِمِحْفَدِ
وَيُرْوَى بِمَحْفِد، فَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ عَدَّهُ مِمَّا يُعْتَمَلُ بِهِ، وَمَنْ فَتَحَهَا فَعَلَى تَوَهُّمِ الْمَكَانِ أَو الزَّمَانِ. ابْنُ الأَعرابي: أَبو قَيْسٍ مِكْيَالٌ وَاسْمُهُ المِحْفَدُ وَهُوَ القَنْقَلُ. ومَحافِدُ الثَّوْبِ: وشْيُهُ، وَاحِدُهَا مَحْفِدٌ. ابْنُ الأَعرابي: الحَفَدَةُ صُناع الْوَشْيِ وَالْحَفْدُ الوَشْيُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِطَرَفِ الثَّوْبِ مِحفد، بِكَسْرِ الْمِيمِ، والمَحْفِد: الأَصل عَامَّةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَهُوَ المَحْتِدُ والمَحفِد والمَحْكِد والمَحْقِدُ: الأَصل. ومَحْفِدُ الرَّجُلِ: مَحْتِدُه وأَصله. وَالْمَحْفِدُ: السَّنَامُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: أَصل السَّنَامِ؛ عَنْ يَعْقُوبَ؛ وأَنشد لِزُهَيْرٍ:
جُمالِيَّة لَمْ يُبْقِ سَيْرِي ورِحْلَتي ... عَلَى ظَهْرِهَا، مِنْ نَيِّها، غيرَ مَحْفِد
وَسَيْفٌ مُحتفِدٌ: سَرِيعُ الْقَطْعِ. [لسان العرب]

قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ): [(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)].
(مِنْ أَنْفُسِكُمْ): من جنسكم. وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة: جمع حافد؛ وهو الذي يحفد، أي: يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت: وإليك نسعى ونحفد. وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
واختلف فيهم؛ فقيل: هم الأختان على البنات، وقيل: أولاد الأولاد، وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل، وقيل: المعنى: وجعل لكم حفدة، أي: خدما يحفدون قوله: (وهو الذي يحفد، أي: يسرع في الطاعة)، الراغب: الحافد: المتحرك المتبرع بالخدمة، أقارب كانوا أو أجانب. قال المفسرون: هم الأسباط ونحوهم، وذلك أن خدمتهم أصدق، وفلان محفود، أي: مخدوم، وسيفٌ محتفد، أي: سريع القطع. قال الأصمعي: أصل الحفد: مقاربة الخطو.
قوله: (حفد الولائد) البيت، الولائد: الإماء، يقول: إن الإماء يسرعن بينهن، وأزمة الجمال أسلمت بأكفهن، يريد أنهن متنعمات مخدومات ذوات الإماء والأجمال.
قوله: (وقيل: المعنى: وجعل لم حفدة، أي: خدماً)، عطفٌ على قوله: "وهو الذي في مصالحكم ويعينونكم، ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم؛ كقوله: (سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون، أي: جامعون بين الأمرين (مِنَ الطَّيِّباتِ): يريد بعضها، لأنّ كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها. (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها، وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به، كأنه شيء معلوم مستيقن. ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز: هم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا يتصوره العقول. وقيل: الباطل ما يسوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة يحفد، أي: يُسرع في الطاعة"، فعلى الأول: الحفدة عام فيمن يسرع في الطاعة والخدمة من القرائب، وعلى هذا: في معنى الخدم نفسه، وعلى الوجه الأخير يون العطف من باب قوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الأنفال: 49]. [فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف)]

قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ): ولَمّا ذَكَرَ تَعالى امْتِنانَهُ بِالإيجادِ ثُمَّ بِالرِّزْقِ المُفَضَّلِ فِيهِ، ذَكَرَ امْتِنانَهُ بِما يَقُومُ بِمَصالِحِ الإنْسانِ مِمّا يَأْنَسُ بِهِ ويَسْتَنْصِرُ بِهِ ويَخْدِمُهُ، واحْتَمَلَ ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن جِنْسِكم ونَوْعِكم، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ خَلْقِ حَوّاءَ مِن ضِلَعٍ مِن أضْلاعِ آدَمَ، فَنُسِبَ ذَلِكَ إلى بَنِي آدَمَ، وكِلا الِاحْتِمالَيْنِ مُجازٌ. والظّاهِرُ أنَّ عَطْفَ حَفَدَةً عَلى بَنِينَ يُفِيدُ كَوْنَ الجَمِيعِ مِنَ الأزْواجِ، وأنَّهم غَيْرُ البَنِينَ. فَقالَ الحَسَنُ: هم بَنُو ابْنِكَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والأزْهَرِيُّ: الحَفَدَةُ أوْلادُ الأوْلادِ، واخْتارَهُ ابْنُ العَرَبِيِّ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: البَنُونَ: صِغارُ الأوْلادِ، والحَفَدَةُ: كِبارُهم. وقالَ مُقاتِلٌ: بِعَكْسِهِ، وقِيلَ: البَناتُ لِأنَّهُنَّ يَخْدِمْنَ في البُيُوتِ أتَمَّ خِدْمَةٍ. فَفي هَذا القَوْلِ خَصَّ البَنِينَ بِالذُّكْرانِ لِأنَّهُ جَمْعٌ مُذَكَّرٌ كَما قالَ: ﴿المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [الكهف: ٤٦] وإنَّما الزِّينَةُ في الذُّكُورَةِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: هم أوْلادُ الزَّوْجَةِ - مِن غَيْرِ الزَّوْجِ - الَّتِي هي في عِصْمَتِهِ. وقِيلَ: (وحَفَدَةً) مَنصُوبٌ بِجَعَلَ مُضْمَرَةً، ولَيْسُوا داخِلِينَ في كَوْنِهِمْ مِنَ الأزْواجِ. فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَلْقَمَةُ، وأبُو الضُّحى، وإبْراهِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ: الأصْهارُ: وهم قَرابَةُ الزَّوْجَةِ كَأبِيها وأخِيها. وقالَ مُجاهِدٌ: هُمُ الأنْصارُ والأعْوانُ والخَدَمُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الحَفَدَةُ هُمُ البَنُونَ، أيْ: جامِعُونَ بَيْنَ البُنُوَّةِ والخِدْمَةِ، فَهو مِن عَطْفِ الصِّفاتِ لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ ما مَعْناهُ: وهَذِهِ الأقْوالُ مَبْنِيَّةٌ عَلى أنَّ كُلَّ أحَدٍ جَعَلَ لَهُ مِن زَوْجِهِ بَنِينَ وحَفَدَةً، وهَذا إنَّما هو في الغالِبِ ومُعْظَمِ النّاسِ. ويُحْتَمَلُ عِنْدِي أنَّ قَوْلَهُ مِن أزْواجِكم، إنَّما هو عَلى العُمُومِ والِاشْتِراكِ، أيْ: مِن أزْواجِ البَشَرِ جَعَلَ اللَّهُ مِنهُمُ البَنِينَ، ومِنهم جَعَلَ الخِدْمَةَ، وهَكَذا رَتَّبَتِ الآيَةُ النِّعْمَةَ الَّتِي تَشْمَلُ العالَمَ. ويَسْتَقِيمُ لَفْظُ الحَفَدَةِ عَلى مَجْراها في اللُّغَةِ، إذِ البَشَرُ بِجُمْلَتِهِمْ لا يَسْتَغْنِي أحَدٌ مِنهم عَنْ حَفَدَةٍ؛ انْتَهى. وفي قَوْلِهِ: ﴿مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ دَلالَةٌ عَلى كَذِبِ العَرَبِ في اعْتِقادِها أنَّ الآدَمِيَّ قَدْ يَتَزَوَّجُ مِنَ الجِنِّ ويُباضِعُها، حَتّى حَكَوْا ذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ أنَّةَ تَزَوَّجَ سِعْلاةً. [البحر المحيط]

قال أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: 756هـ): قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} : في «حَفَدَة» أوجهٌ. أظهرُها: أنه معطوفٌ على «بنين» بقيدِ كونِه من الأزواج، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ. الثاني: أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ، أي: جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالث: أنه منصوبٌ ب «جَعَلَ» مقدرةً، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار، وإنما احتيج إلى تقدير «جَعَلَ» لأنَّ «جَعَلَ» الأولى مقيدةٌ بالأزواج، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج.
والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم. وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: «وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ» ، أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى
كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقاً يَمانيةً ... إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا
وقال الآخر:
حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ ... بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ
ويستعمل «حَفَدَ» أيضاً متعدياً. يقال: حَفَدَني فهو حافِدٌ، وأُنْشِد:
يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ ... كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ

وحكى أبو عبيدة أنه يقال: «أَحْفَدَ» رباعياً. وقال بعضهم: «الحَفَدَةُ: الأَصْهار، وأنشد:
فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ ... لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْرُ
ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع. وقال الأصمعيُّ:» أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَةُ الخَطْوِ «. [الدر المصون في علوم الكتاب المكنون]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون (72)}
يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [وزيّهم]، ولو جعل الأزواج من نوعٍ آخر لما حصل ائتلافٌ ومودّةٌ ورحمةٌ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذّكور.
ثمّ ذكر تعالى أنّه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والحسن، والضّحّاك، وابن زيدٍ.
قال شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {بنين وحفدةً} هم الولد وولد الولد.
وقال سنيد: حدّثنا حجّاجٌ عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك. قال جميلٌ:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفّهن أزمّة الأجمال
وقال مجاهدٌ: {بنين وحفدةً} ابنه وخادمه. وقال في روايةٍ: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدّام.
وقال طاوسٌ: الحفدة: الخدم وكذا قال قتادة، وأبو مالكٍ، والحسن البصريّ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة أنّه قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك.
قال الضّحّاك: إنّما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: بنو امرأة الرّجل، ليسوا منه. ويقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقال: فلانٌ يحفد لنا قال: ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
وهذا [القول] الأخير الّذي ذكره ابن عبّاسٍ قاله ابن مسعودٍ، ومسروقٌ، وأبو الضّحى، وإبراهيم النّخعيّ، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، والقرظي. ورواه عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هم الأصهار.
قال ابن جريرٍ: وهذه الأقوال كلّها داخلةٌ في معنى: "الحفد" وهو الخدمة، الّذي منه قوله في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، ولمّا كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنّعمة حاصلةٌ بهذا كلّه؛ ولهذا قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
قلت: فمن جعل {وحفدةً} متعلّقًا بأزواجكم فلا بدّ أن يكون المراد الأولاد، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لأنّهم أزواج البنات، وأولاد الزّوجة، وكما قال الشّعبيّ والضّحّاك، فإنّهم غالبًا يكونون تحت كنف الرّجل وفي حجره وفي خدمته. وقد يكون هذا هو المراد من قوله [عليه الصّلاة] والسّلام في حديث بصرة بن أكثم: "والولد عبدٌ لك" رواه أبو داود.
وأمّا من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنّه معطوفٌ على قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد.
{ورزقكم من الطّيّبات} من المطاعم والمشارب.
ثمّ قال تعالى منكرًا على من أشرك في عبادة المنعم غيره: {أفبالباطل يؤمنون} وهم: الأصنام والأنداد، {وبنعمة اللّه هم يكفرون} أي: يسترون نعم اللّه عليهم ويضيفونها إلى غيره.
وفي الحديث الصّحيح: "أنّ اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه" ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 586-588]

قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} [النحل: 72]
- عن زرٍّ قال: كنت آخذ على عبد اللّه في المصحف فأتى على هذه الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً قال لي عبد اللّه: أتدري ما الحفدة؟ قلت: حشم الرّجل، قال: لا، هم الأختان
- وفي روايةٍ: قلت: نعم، هم أحفاد الرّجل من ولده وولد ولده. قال: نعم هم الأصهار.
رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم بن أبي النّجود، وهو حسن الحديث وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/47-48]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس حفدة ولد الرجل السكر ما حرم من ثمرها والرزق الحسن ما أحل الله
وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثا هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته وقال ابن مسعود الأمة معلم الخير القانت المطيع
قال ابن أبي حاتم ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود يعني الطّيالسيّ ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عبّاس في قوله 72 النّحل {بنين وحفدة} قال ولد الرجل
وقال عبد ثنا سليمان بن داود وهو أبو داود الطّيالسيّ عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عبّاس قال الحفدة هم الولد). [تغليق التعليق: 4/235]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ حفدة من ولد الرّجل
أشار به إلى قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفد} (النّحل: 72) وذكر أن الحفدة من ولد الرجل هم: ولده وولد وولده، وهذا التّعليق رواه الطّبريّ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله: {بنين وحفدة} قال: الولد وولد الولد). [عمدة القاري: 19/17]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 72.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال: خلق آدم ثم خلق زوجته منه.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود في قوله: {بنين وحفدة} قال الحفدة الأختان.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الأصهار.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الولد وولد الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة بنو البنين.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وحفدة} قال: ولد الولد وهم الأعوان قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال.
وأخرج ابن جرير عن أبي حمزة قال: سئل ابن عباس عن قوله: {بنين وحفدة} قال: من أعانك فقد حفدك أما سمعت قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قالك الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه). [الدر المنثور: 9/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: الحفدة الأعوان.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الحفدة الخدم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: الحفدة البنون وبنو البنون ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أفبالباطل يؤمنون} قال: الشرك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {أفبالباطل يؤمنون} قال: الشيطان {وبنعمة الله} قال: محمد). [الدر المنثور: 9/84]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري بإسناد صحيح في قوله تعالى: ({حفدة} من ولد الرجل) أي ولد ولده أو بناته فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة أو هم البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين أي جعل لكم بنين خدمًا وقيل الحفدة الأصهار قال:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت = لها حفد مما يعدّ كثير
لكنها نفس عليّ أبية = عيوف لأصهار اللئام قذور). [إرشاد الساري: 7/197]

قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ): : (حَفَد يَحْفِد) من حَدّ ضَرَبَ، (حَفْداً) ، بِفَتْح فَسُكُون، (وحَفَدَاناً) . محرّكةً: (خَفَّ فِي العَمَلِ وأَسْرَعَ) .
وَفِي حَدِيث عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، وذُكِرَ (لَهُ) عثمانُ للخلافَةِ، قَالَ: (أَخْشَى حَفْدَه) أَي إِسراعَه فِي مَرْضَاةِ أَقارِبه. (كاحْتَفَد) .
قَالَ اللَّيْث: الاحْتِفَادُ: السُّرعةُ فِي كلِّ شيْءٍ.
وحفَد واحْتَفَدَ بِمَعْنى الإِسراع، من الْمجَاز، كَمَا فِي الأَساس.
(و) من الْمجَاز أَيضاً: حَفَدَ يَحْفِد حَفْداً: (خَدَمَ) ، قَالَ الأَزهريّ: الحَفْد فِي الخِدْمة والعَمَلِ: الخِفَّةُ.
وَفِي دعاءِ القُنُوتِ: (وإِليكَ نَسْعَى ونَحْفِد) أَي نُسْرِع فِي العَمل والخِدْمَة.
وَقَالَ أَبو عُبَيْد: أَصلُ الحَفْدِ: الخِدْمَةُ والعَمَلُ.
(والحَفَدُ، محرَّكةً) والحَفَدَةُ: (الخَدَمُ والأَعوانُ، جمْعُ حافِد) ، قَالَ بن عَرفة: الحَفَدُ عِنْد الْعَرَب: الأَعوانُ، فكلّ من عَمِل عَمَلاً أَطاعَ فِيهِ وسارَ، فَهُوَ حافدٌ.
(و) الحَفَدُ، محرّكةً (مَشْيٌ دُونَ الخَبَبِ) ، وَقد حَفَدَ البَعِيرُ والظَّلِيمُ، وَهُوَ تَدارُكُ السَّيْرِ، (كالحَفَدَانِ) ، محرَّكةً، والحَفْدِ، بِفَتْح فَسُكُون، وبعيرٌ حَفَّادٌ.
(و) قَالَ أَبو عُبَيْد: وَفِي الحَفَد لُغَة أُخْرَى، وَهُوَ (الإِحفادُ) ، وَقد أَحْفَد الظَّلِيمُ.
وَقيل: الحَفَدَانُ فَوْقَ المَشْيِ كالخَبَب.
(و) من الْمجَاز: (حَفَدَةُ الرَّجُلِ: بناتُه أَوْ أَولادُ أَولادِه، كالحَفِيد) وَهُوَ واحدُ الحَفَدَةِ، وَهُوَ وَلَدُ الوَلَدِ، والجمعُ حُفَدَاءُ.
ورُوِيَ عَن مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النَّحْل: 72) أَنهم الخَدَمُ (أَو الأَصهارُ) . رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، أَنه قَالَ لزِرَ: هلْ تَدرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفَّاد الرّجُلٍ
من وَلَدِه ووَلَدِ وَلَدِه. قَالَ: لَا ولاكنَّهم الأَصهارُ. قَالَ عاصمٌ: وزعَمَ الكَلْبِيٌّ أَن زِرًّا قد أَصاب. قَالَ سُفيانُ: قَالُوا وكَذَب الكَلْبِيّ. وَقَالَ الفرَّاءُ: الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَيُقَال: الأَعوانُ.
وَقَالَ الحَسَن. (البَنِينَ) : بَنُوك وَبَنُو بَنِيكَ.
وأَما الحَفَدة فَمَا حَفَدَك مِن شيْءٍ، وعَمِل لَك وأَعانك. وروى أَبو حمزةَ عَن ابْن عبّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النَّحْل: 72) . قَالَ: مَن أَعانك فقَدْ حفَدَك. وَقَالَ الضّحّاك: الحَفَدَةُ: بَنو المرأَةِ من زوْجها الأَوَّل. وَقَالَ عِكْرِمةُ: الحفدة منْ خدَمكَ من وَلَدِكَ، وولَدِ وَلَدِكَ. وَقيل: المُرَاد بالبنات فِي قَول المصنِّف هُنَّ خَدمُ الأَبَوَيْن فِي البَيْت.
(و) عَن ابْن الأَعرابيّ: الحَفَدَةُ (صُنَّاعُ الوَشْيِ) والحَفْد: الوَشْيُ.
(والمحْفد، كمَجْلِسَ أَو مِنْبَر) ، وعَلى هاذه اقْتصر الصاغانيّ: (شَيْءٌ يُعْلَف فِيهِ الدَّوَابُّ) كالمِكْتَلِ. وَمِنْهُم مَنْ خَصَّ الإِبلَ، قَالَ الأَعشى، يَصِفُ ناقَتَه:
بَناها الغواديّ الرِّضِيخُ مَع الخَلَا
وسَقْيِي وإِطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
الغواديّ: النَّوَى، والرّضيخ: المرضوخ، وَهُوَ النَّوى يُبَلُّ بالماءِ ثمَّ يُرْضَخ. وَقد رُوِيَ بيتُ الأَعشى بالوجْهيْن مَعاً، فَمن كسر الْمِيم عَدَّه مِمَّا يُعْتَملُ بِهِ، وَمن فَتَحها فعلَى توَهُّمِ المكانِ أَو الزَّمان.
(و) المِحْفَد (كمِنْبَر: طَرفُ الثَّوبِ) ، عَن ابْن شُميل.
(و) رَوى ابنُ الأَعرابيّ عَن أَبي قَيس: (قَدَحٌ يُكالُ بِهِ) واسْمه المِحْفَد وَهُوَ القَنْقَلُ.
(و) المَحْفِد (كمَجْلِس) الأَصْلُ) عامَّةً، كالمَحْتِد، والمَحْكِد، والمَحْقِد، عَن ابْن الأَعرابيّ
والمَحْفِدُ: السَّنَامُ (و) فِي الْمُحكم: (أَصلُ السَّنَامِ) ، عَن يَعْقُوب، وأَنشد لزُهَيْرٍ:
جُمَالِيَّةٌ لم يُبْقِ سَيْرِي ورِحْلتي
على ظهْرِها مِنْ نِيّهَا غيرَ مَحْفِدِ.
(و) المَحْفِد: (وَشْيُ الثَّوْبِ) ، جمْعه: المحافِدُ.
(و) مَحْفِد كمجْلِس (ة بِالْيمن) من مَيْفَعة.
(و) المَحْفَد (كمَقْعَد: ة بالسَّحُول) بأَسفَلها.
(وسَيْفٌ مُحْتَفِدٌ: سَرِيعُ القَطْعِ) ، قَالَ الأَعشَى، يَصِف السَّيفَ:
ومُحْتَفِدُ الوقْع ذُو هَبَّةٍ
أَجادَ جِلَاهُ يَدُ الصَّيْقَلِ
قَالَ الأَزهريُّ: وروى: ومُحْتَفِل الوَقْع، بِاللَّامِ، قَالَ: وَهُوَ الصّوَابُ.
(وأَحفَدَهُ: حمَلَهُ على) الحَفْدِ وَهُوَ (الإِسْرَاعُ) قَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليدَيْنِ مُسِيفةٍ
أَخَبَّ بهِنَّ المُخْلِفَانِ وأَحفَدَا
وَفِي التَّهْذِيب. أَحفدا، خَدَما، قَالَ: وَقد يكون أَحفدَا غيرَهما.
(و) من الْمجَاز: (رجل مَحْفُودٌ) أَي (مَخْدُوم) ، يخدُمه أَصحابُه ويُعظِّمونه، ويُسْرِعُون فِي طَاعَته، يُقَال: حَفَدْت وأَحفدْت، وأَنا حافِدٌ ومَحْفُودٌ. وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي حَدِيثِ أُمّ مَعْبد.
وممَّن اشتَهر بالحفِيدِ: أَبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله بن يُوسفَ، النَّيْسَابُوريُّ، ابنُ بنت العبَّاس بن حَمْزَة، الْفَقِيه الواعظِ. [تاج العروس من جواهر القاموس]

قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ): ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى الَّتِي قَبْلَها، وهو اسْتِدْلالٌ بِبَدِيعِ الصُّنْعِ في خَلْقِ النَّسْلِ إذْ جُعِلَ مُقارَنًا لِلتَّأنُّسِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، إذْ جَعَلَ النَّسْلَ مِنهُما، ولَمْ يَجْعَلْهُ مُفارِقًا لِأحَدِ الأبَوَيْنِ أوْ كِلَيْهِما.
وجَعَلَ النَّسْلَ مَعْرُوفًا مُتَّصِلًا بِأُصُولِهِ بِما أُلْهِمَهُ الإنْسانُ مِن داعِيَةِ حِفْظِ النَّسَبِ، فَهي مِنَ الآياتِ عَلى انْفِرادِهِ تَعالى بِالوَحْدانِيَّةِ، كَما قالَ تَعالى في سُورَةِ الرُّومِ ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١]، فَجَعَلَها آيَةً تَنْطَوِي عَلى آياتٍ، ويَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الصُّنْعُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ .
والقَوْلُ في جُمْلَةِ ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ﴾ كالقَوْلِ في نَظِيرَتَيْها المُتَقَدِّمَتَيْنِ، واللّامُ في ﴿جَعَلَ لَكُمْ﴾ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ (جَعَلَ) إلى ثانٍ.
ومَعْنى ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾ مِن نَوْعِكم، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] أيْ عَلى النّاسِ الَّذِينَ بِالبُيُوتِ، وقَوْلِهِ ﴿رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤]، وقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ أنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٨٥] .
والخِطابُ بِضَمِيرِ الجَماعَةِ المُخاطَبِينَ مُوَجَّهٌ إلى النّاسِ كُلِّهِمْ، وغَلَبَ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ.
وهَذِهِ نِعْمَةٌ إذْ جَعَلَ قَرِينَ الإنْسانِ مُتَكَوِّنًا مِن نَوْعِهِ، ولَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ لاضْطُرَّ الإنْسانُ إلى طَلَبِ التَّأنُّسِ بِنَوْعٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْصُلِ التَّأنُّسُ بِذَلِكَ لِلزَّوْجَيْنِ، وهَذِهِ الحالَةُ - وإنْ كانَتْ مَوْجُودَةً في أغْلَبِ أنْواعِ الحَيَوانِ - فَهي نِعْمَةٌ يُدْرِكُها الإنْسانُ، ولا يُدْرِكُها غَيْرُهُ مِنَ الأنْواعِ، ولَيْسَ مِن قِوامِ ماهِيَّةِ النِّعْمَةِ أنْ يَنْفَرِدَ بِها المُنْعَمُ عَلَيْهِ.
والأزْواجُ: جَمْعُ زَوْجٍ، وهو الشَّيْءُ الَّذِي يَصِيرُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ اثْنَيْنِ، فَلِذا وُصِفَ بِزَوْجٍ المُرادِفُ لِثانٍ، وقَدْ مَضى الكَلامُ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والوَصْفُ بِالزَّوْجِ يُؤْذِنُ بِمُلازَمَتِهِ لِآخَرَ، فَلِذا سُمِّيَ بِالزَّوْجِ قَرِينُ المَرْأةِ وقَرِينَةُ الرَّجُلِ، وهَذِهِ نِعْمَةٌ اخْتُصَّ بِها الإنْسانُ إذْ ألْهَمَهُ اللَّهُ جَعْلَ قَرِينٍ لَهُ، وجَبَلَهُ عَلى نِظامِ مَحَبَّةٍ وغَيْرِهِ، لا يَسْمَحانِ لَهُ بِإهْمالِ زَوْجِهِ كَما تُهْمِلُ العَجْماواتُ إناثَها، وتَنْصَرِفُ إناثُها عَنْ ذُكُورِها.
و(مِن) الدّاخِلَةُ عَلى (أنْفُسِكم) لِلتَّبْعِيضِ.
وجَعَلَ البَنِينَ لِلْإنْسانِ نِعْمَةً، وجَعَلَ كَوْنَهم مِن زَوْجَةٍ نِعْمَةً أُخْرى؛ لِأنَّ بِها تَحَقُّقَ كَوْنِهِمْ أبْناءَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ، ودَوامَ اتِّصالِهِمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ، ووُجُودَ المُشارِكِ لَهُ في القِيامِ بِتَدْبِيرِ أمْرِهِمْ في حالَةِ ضَعْفِهِمْ.
و(مِن) الدّاخِلَةُ عَلى (أزْواجِكم) لِلِابْتِداءِ، أيْ جَعَلَ لَكم بَنِينَ مُنْحَدِرِينَ مِن أزْواجِكم.
والحَفَدَةُ: جَمْعُ حافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كامِلٍ، والحافِدُ أصْلُهُ المُسْرِعُ في الخِدْمَةِ، وأُطْلِقَ عَلى ابْنِ الِابْنِ؛ لِأنَّهُ يَكْثُرُ أنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الجَدِّ بِسَبَبِ الكِبَرِ، فَأنْعَمَ اللَّهُ عَلى الإنْسانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الحَلْقَةِ الأُولى مِنها،
وهِيَ كَوْنُ أبْنائِهِ مِن زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أبْناءِ أبْنائِهِ مِن أزْواجِهِمْ، فانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الأنْسابِ بِهَذا النِّظامِ المُحْكَمِ البَدِيعِ، وغَيْرُ الإنْسانِ مِنَ الحَيَوانِ لا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أصْلًا، ولا يَشْعُرُ بِالبُنُوَّةِ إلّا أُنْثى الحَيَوانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الإرْضاعِ، والحَفَدَةُ لِلْإنْسانِ زِيادَةٌ في مَسَرَّةِ العائِلَةِ، قالَ تَعالى ﴿فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١]، وقَدْ عَمِلَتْ (مِن) الِابْتِدائِيَّةُ في (حَفَدَةً) بِواسِطَةِ حَرْفِ العَطْفِ؛ لِأنَّ الِابْتِداءَ يَكُونُ مُباشَرَةً وبِواسِطَةٍ. [التحرير والتنوير]

قال محمد حسن جبل (ت 1436 هـ): • (حفد: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]
"محافد الثوب: وشْيه واحدها مَحفِد -بالفتح. الحَفْد -بالفتح: الوَشى. ويقال لطرَف الثوب محفَد -بالكسر. والمَحفِد -كمنزل: أصلُ السَنام، وبالكسر والفتح: شيء تعلف فيه الإبل كالمِكتَل ".
Qإحاطة بالشيء فيها لطف وخفة. كالوشي بظاهر الثوب، وكطرف الثوب له، وأصلُ السنام كالمحيط بظهر البعير، وهو شحم لطيف. والمِغلف يكون قريبا من الدابة وفيه علفه.
ومن الخفة واللطف: "حَفْد الظليم والبعير -بالفتح وكغليان: وهو تَدَارُك السير (حركة خفيفة متقاربة الخَطو يقع التباعد بها قليلا قليلا) ومنه: "حَفَد واحتفد: خَفّ في العمل وأسرع " (زيادة في الحركة).
وفي قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قيل إن الحفدة الخدَم والأعوان، والبنات، وأولاد الأولاد، والأصهار، وبنو المرأة من زوجها الأول -نظروا في الكل إلى معنى السرعة وخفة الحركة في الخدمة. وبالنظر إلى معنى الإحاطة مع اللطف والخفة في المعنى المحوري نجد أن أقربها إلى هذا المعنى هم أولاد الأولاد- إذ ينشئون حول جدهم. ويقوي هذا ذكر الأزواج في الآية. ويليه تفسير الحفدة بالبنات ثم بالأصهار. والتفسيرات الأخرى تجوز لأنها مبنية على خفة الحركة مع الإحاطة لكن دون اللطف. قال [قر 10/ 144]: ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه، ألا ترى أنه قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ...} فجعل الحفدة والبنين منهن. اه. وعليه آخرون. [وانظر ل، والمعاني للفراء 2/ 110] وأقول إن هذا كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] وأما "محمد الرجل -كمنزل: محتده وأصله "فالأقرب أن هذا مأخوذ من المحفِد: أصل السنام. [المعجم الاشتقاقي المؤصل]


التعليقات:
1. تصنيف المسألة:
هذه المسألة تفسيرية بيانية (لغوية تتعلق ببيان معنى المفردة، وباشتقاقها) لذلك سيكون البحث في كتب المرتبة الخامسة في معاجم اللغة بعد استيفاء المراتب السابقة.
- من كتب التفسير: التي تعنى بمعاني القرآن: معاني القرآن ليحيى بن سلام والفراء، والأخفش، وابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومجاز القرآن لأبي عبيدة، مع الرجوع للتفاسير: تفسير ابن جرير، تفسير الثعلبي، تفسير مكي بن أبي طالب، تفسير الماوردي، تفسير ابن عطية، تفسير ابن الجوزي، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، تفسير السيوطي وغيرها.
- من كتب اللغة: كتاب الخليل بن أحمد، والفراء، وأبي عبيدة، والأخفش، وأبي عبيد القاسم، وأبي حاتم السجستاني، وابن قتيبة، وثعلب، وأبي منصور الأزهري، ومقاييس اللغة لابن فارس، ولسان العرب لابن منظور، والزبيدي.
- من كتب الاشتقاق: المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم لمحمد حسن جبل.

2. بدأت بالنقول التي وجدتها في جمهرة التفاسير (ولونها بالأزرق) ثم أضفت لها نقولا أخرى من خارج الجمهرة (ولونها بالبرتقالي).

3. وبترتيب المراجع التي يرجع إليها لجمع أقوال علماء اللغة:
المرتبة الأولى
- الكتب التي وجدت فيها: كتب معاني القرآن، وهي التي تعد أصول مصادر التفسير اللغوي، وهي مظان بحث أكثر المسائل اللغوية في التفسير. ومن هذه الكتب:
- تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري.
- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى.
- معاني القرآن لأبي زكريا الفراء.
- معاني القرآن للأخفش الأوسط.
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج.
- معاني القرآن للنحاس.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.

المرتبة الثانية: كتب غريب القرآن، ومن أهمها:
- الكتب التي وجدت فيها:
- تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن وتفسيره لليزيدي نزهة القلوب للسجستاني، ياقوتة الصراط لأبي عمر الزاهد (غلام ثعلب)، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب، العمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.

المرتبة الثالثة: كتب علماء اللغة المؤلفة أصلا في غير معاني القرآن، لكنهم يذكرون في تلك الكتب من مسائل التفسير اللغوي ما هو جدير بالدراسة.
- الكتب التي وجدت فيها:
- كتاب الخليل بن أحمد، كتاب الفراء، كتاب أبي عبيدة، كتاب الأخفش، كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام، كتاب السجستاني، كتاب أبي قتيبة، كتاب ثعلب، كتاب أبي منصور الأزهري.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: كتاب سيبويه، ومؤرج السدوسي، قطرب، أبو عمرو الشيباني، الأصمعي، إبراهيم الحربي، المبرد، ابن الأنباري.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها: كتاب أبي زيد الأنصاري، وابن السكيت، وأبو سعيد السكري.

المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية:
- الكتب التي وجدت فيها: الكشاف للزمخشري، حاشية الطيبي على الكشاف، البحر المحيط لأبي حيان، الدر المصون للسمين الحلبي، التحرير والتنوير لابن عاشور.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: ما جمع من تفسير ابن القيم.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد.

المرتبة الخامسة: المراجع المخصصة لكل نوع من أنواع المسائل اللغوية، وهنا ما يتعلق بمعاني المفردات، والتفسير البياني، والاشتقاق.
- الكتب التي وجدت فيها:
* فيما يتعلق بمعاني المفردات:
معاني القرآن للفراء، مجاز القرآن لأبي عبيدة، معاني القرآن للأخفش الأوسط، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، ويلحق بها: غريب القرآن للزبيدي، ولابن قتيبة، نزهة القلوب للسجستاني، ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، والعمدة لمكي بن أبي طالب، ويلحق بها: كتاب العين للخليل بن أحمد، وتهذيب اللغة للأزهري، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي.
وفيما يتعلق بالتفسير البياني: التحرير والتنوير لابن عاشور، الكشاف للزمخشري، حاشية الطيبي.
وفيما يتعلق بالاشتقاق: كتاب العين للخليل بن أحمد، والأزهري، وابن فارس، والمعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن لمحمد حسن جبل.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
• فيما يتعلق بمعاني المفردات: لا يوجد.
• فيما يتعلق بالتفسير البياني: لا يوجد.
• فيما يتعلق بالاشتقاق: مفردات القرآن للأصبهاني.
- الكتب التي تعذر الوصول إليها: نزهة الاحداق للشوكاني، المعاني والاشتقاق لأسامة بن منقذ.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 صفر 1443هـ/24-09-2021م, 09:02 PM
فروخ الأكبروف فروخ الأكبروف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 302
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله.

معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ): وقوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} يقول: ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة طعام، إلا ما يطعمونه من ضَرِيع. والضريع عند العرب: نبت يُقال له الشِّبْرِق، وتسميه أهل الحجاز الضَّريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشِّبْرق، وهو سمّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشِّبْرق.
- حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: ثنا عباد بن يعقوب الأسديّ، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ، عن عكرِمة في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشِّبرق.
- حدثني يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: ثني نجدة، رجل من عبد القيس عن عكرمة، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: هي شجرة ذات شوك، لاطئة بالأرض، فإذا كان الربيع سمَّتها قريش الشِّبرق، فإذا هاج العود سمتها الضَّريع.
- حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشبرق.
- حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مِهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {ضَرِيعٍ} قال: الشِّبرق اليابس.
- حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة {إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع.
- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} يقول: من شرّ الطعام، وأبشعه وأخبثه.
- حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الشبرق.
وقال آخرون: الضَّرِيع: الحجارة.
ذكر من قال ذلك:
- حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الحجارة.
وقال آخرون: الضَّرِيع: شجر من نار.
ذكر من قال ذلك:
- حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} يقول: شجر من نار.
- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: الضريع: الشَّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإنَّ الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار. [جامع البيان في تأويل القرآن: 24/384-385]

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت:437هـ): وقال تعالى: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ}.
أي: (ليس) لأصحاب هذه (الوجوه) الخاشعة - وهم الكفار - طعام يطعمونه في النار إلا طعام من ضريع.
قال ابن عباس: " الضريع: شجر من نار ".
وقال ابن زيد: الضريع: الشوك من النار، والضريع عند العرب شوك يابس [ولا ورق فيه].
وقال عكرمة: الضريع: الحجارة.
وقال الحسن: الضريع: الزقوم وعنه أيضاً: الضريع: الذي يضرع ويذل من أكله لمرارته وخشونته.
وقال عطاء: الضريع: الشبرق. وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وعلى هذا القول كثير من أهل اللغكة، والشبرق: [شجر] كثير الشوك تعافه الإبل، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، ويسميه غيرهم الشبرق.
وقيل: الضريع واد في جهنم. وقد أخبر الله في هذه الآية بأن لا طعام لهم إلا طعام من ضريع، فأثبت لهم طعاماً، وقال في موضع آخر {فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 35 - 36].
فظاهره أنه قد أوجب لهم طعاما من غسلين فهذاك خلاف ذلك في الظاهر. المعنى في ذلك التقدير: فليس له اليوم هاهنا شراب حميم إلا من غسلين ولا طعام يتنفع به.
(وقيل): الغسلين من الضريع.
وقيل: الغسلين لقوم والضريع لآخرين. [الهداية إلى بلوغ النهاية: 12/8220-8222]

قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت:450هـ): {ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضَريعٍ} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق، كثيرة الشوك، قاله ابن عباس، قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع، قال الشاعر:
(رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعاً نازعته النحائص)
الثاني: السّلم، قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك.
الثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير.
الرابع: أنه النوى المحرق، حكاه يوسف بن يعقوب عن بعض الأعراب.
الخامس: أنه شجر من نار، قاله ابن زيد.
السادس: أن الضريع بمعنى المضروع، أي الذي يضرعون عنده طلباً للخلاص منه، قاله ابن بحر. [النكت والعيون: 6/259-260]

قال أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي (ت:468هـ): قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قال أبو عبيدة، والليث: الضريع: يبس الشِّبْرِق، وهو نوع من الشوك. وقال الفراء: هو نبت يقال له: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم. وقال أبو إسحاق: الشبرق جنس من الشوك، وإذا يبس فهو الضريع. ونحو هذا قال أكثر المفسرين، وهو قول الكلبي، ومقاتل، ومجاهد، وعكرمة قالوا: هو نبت [ذو شوك] يسمى الضريع أخبث الطعام وأبشعه. قال مقاتل، والكلبي: هي شجرة لا تقربها دابة ولا ترعاها إذا يبست، (وصارت تسمى الضريع).
(وقال أبو الجوزاء): هي السُلاء، (وهذا قول ابن عباس في رواية العوفي)، فإن قيل: إن الله تعالى يقول في موضع آخر: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 19]، وهاهنا يقول: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6].
والضريع غير الغسلين، فكيف نجمع بين الآيتين؟ قيل: إن النار دركات، والجنة درجات، وعلى قدر الذنوب والحسنات تقع العقوبات والمثوبات، فمن أهل النار مَنْ طَعَامُهُ الزَّقوم، ومنهم من طعامُه الغِسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. وهذا قول عبد الله بن مسلم، ومعنى قول الكلبي فإنه قال: الضريع في درجة ليس (لهم) فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى.
فإن قيل: كيف يكون في النار نبات وشجر، والنار تأكلها؟!
قال ابن قتيبة: لم يُرِد -والله أعلم- أن الضريع بعينه ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه، والضريح من أقوات الأنعام لا من أقوات الناس، وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلاً، قال الهُذَلي يذكر إبلًا وسوء مرعاها:
وحُبِسْنَ (في) هَزَمِ الضريعِ فكُلُّهَا ... حَدْبَاءُ دامية اليدين جَدودُ
فأراد الله تعالى أنهم يقتاتون ما لا يشبعهم، وضُرب الضريع لهم مثلاً، أو يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع، وهذا وجه. وقد يكون الضريع، وشجرة الزقوم (نبتتين) من النار، أو من جوهر لا تأكله النار، وكذلك سلاسل النار، وأغلالها، وأنكالُها، وعقاربها، وحيَّاتها، ولو كانت على ما نعلم لم تبق على النار، وإنما دلنا الله على الغائب عنده بالحاضر عندنا، فالأسماء متفقة للدلالة، والمعاني مختلفة، وما في الجنة من شجرها، وثمرها، وفرشها، وجميع آلاتها على مثل ذلك هذا كلامه-.
وقال الحسن: هو بعض ما أخفى الشر من العذاب.
وروى مرفوعًا: "أن الضريع شيء يكون في النار شبيه الشوك أمرُّ من الصبر، وأنتنُ من الجيفة، وأشدُ حرًا من النار، سماها الله ضريعًا"
وذكر في التفسير أن المشركين قالوا: إن إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك، فإن الإبل لا ترعاه -على ما ذكرنا- فقال الله تعالى: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}. [التفسير البسيط: 23/461-467]

قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ): واختلف الناس في «الضريع» ، فقال الحسن وجماعة من المفسرين: هو الزقوم، لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لا طعام لهم إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، وقد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أن الضريع الزقوم. وقال سعيد بن جبير «الضريع»: الحجارة. وقال مجاهد وابن عباس وقتادة وعكرمة: «الضريع» شبرق النار، وقال أبو حنيفة: «الضريع» الشبرق وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحما ولا لحما، ومنه قول أبي عيزارة الهذلي: [الطويل]
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... جرباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان منه الخائض
وقيل «الضريع»: العشرق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الضريع»: شوك في النار، وقال بعض اللغويين: «الضريع» يبيس العرفج إذا تحطم، وقال آخرون: هو رطب العرفج، وقال الزجاج: هو نبت كالعوسج، وقال بعض المفسرين: «الضريع» نبت في البحر أخضر منتن مجوف مستطيل له بورقية كثيرة، وقال ابن عباس: «الضريع»: شجر من نار. وكل من ذكر شيئا مما ذكرناه فإنما يعني أن ذلك من نار ولا بد، وكل ما في النار فهو نار. وقال قوم: ضَرِيع واد في جهنم، وقال جماعة من المتأولين: «الضريع» طعام أهل النار ولم يرد أن يخصص شيئا مما ذكرناه، وقال بعض اللغويين: وهذا لا تعرفه العرب، وقيل: «الضريع»: الجلدة التي على العظم تحت اللحم، ولا أعرف من تأول الآية بهذا، وأهل هذه الأقاويل يقولون الزقوم لطائفة، والضريع لطائفة والغسلين لطائفة، واختلف في المعنى الذي سمي ضريعا، فقيل: هو ضريع بمعنى مضرع، أي: مضعف للبدن مهزل. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد جعفر بن أبي طالب: «ما لي أراهما ضارعين»؟ يريد هزيلين، ومن فعيل بمعنى مفعل قول عمرو بن معد يكرب: [الوافر]
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد السمع، وقيل: ضَرِيع فعيل من المضارعة، أي: الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به. [المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 5/473]

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): قوله عزّ وجلّ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } فيه ستة أقوال: أحدها: أنه نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، وتسميه قريش «الشِّبْرِق» فإذا هاج سموه: ضريعاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة. والثاني: أنه شجر من نار، رواه الوالبي عن ابن عباس. والثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير. والرابع: أنه السَّلَم، قاله أبو الجوزاء. والخامس: أنه في الدنيا: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار، قاله ابن زيد. والسادس: أنه طعام يضرعون إلى الله تعالى منه، قاله ابن كيسان.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله تعالى: {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} وكُذِّبوا، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً، وحينئذ يسمَّى شِبْرِقاً، لا ضريعاً، فإذا يبس وسمّي ضريعاً لم يأكله شيء.
فإن قيل: إنه قد أخبر في هذه الآية: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وفي مكان آخر {وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} فكيف الجمع بينهما؟
فالجواب: أن النار دركات، وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات، فمنهم من طَعامُهُ الزَّقُّوم، ومنهم مَنْ طعامه غِسْلين، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم مَنْ شَرَابُهُ الصَّديد. قاله ابن قتيبة. [زاد المسير في علم التفسير: 4/435]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (ت:671هـ): {ليس لهم طعام إلا من ضريع}
قوله تعالى: {ليس لهم} أي: لأهل النار. {طعام إلا من ضريع}: لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم. قال عكرمة ومجاهد: الضريع: نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا، فإذا يبس فهو الضريع، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه، وهو سم قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه، على هذا عامة المفسرين. إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال: هو شي يرمي به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الانعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا. والصحيح ما قاله الجمهور: أنه نبت. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان منه النحائص
وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال الخليل: الضريع: نبات أخضر منتن الريح، يرمي به البحر. وقال الوالبي عن ابن عباس: هو شجر من نار، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها. وقال سعيد بن جبير: هو الحجارة، وقاله عكرمة. والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الضريع: شي يكون في النار، يشبه الشوك، أشد مرارة من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار، سماه الله ضريعا). وقال خالد بن زياد: سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم، حملها القيح والدم، أشد مرارة من الصبر، فذلك طعامهم. وقال الحسن: هو بعض ما أخفاه الله من العذاب. وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون عنده ويذلون، ويتضرعون منه إلى الله تعالى، طلبا للخلاص منه، فسمي بذلك، لأن آكله يضرع في أن يعفى منه، لكراهته وخشونته. قال أبو جعفر النحاس: قد يكون مشتقا من الضارع، وهو الذليل، أي ذو ضراعة، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة. وعن الحسن أيضا: هو الزقوم. وقيل: هو واد في جهنم. فالله أعلم.
وقد قال الله تعالى في موضع آخر: {فليس له اليوم هاهنا حميم. ولا طعام إلا من غسلين} [الحاقة: 36 - 35]. وقال هنا: {إلا من ضريع} وهو غير الغسلين. ووجه الجمع أن النار دركات، فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. قال الكلبي: الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى. ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال: {يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن: 44]. القتبي: ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار. قال: وإنما دلنا الله على الغائب عنده، بالحاضر عندنا، فالأسماء متفقة الدلالة، والمعاني مختلفة. وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها. القشيري: وأمثل من قول القتبي أن نقول: إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار، ليعذب بها الكفار. وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه. فالضريع من أقوات الأنعام، لا من أقوات الناس. وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع، وهلكت هزلا، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم، وضرب الضريع له مثلا، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع. قال الترمذي الحكيم: وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنئ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا، فلا النار تحرق الشجر، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار، فقال تعالى: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} [يس: 80]. وكما قيل: حين نزلت {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} [الاسراء: 97]: قالوا يا رسول الله، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال: (الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ). فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب. أو ليس قد أخبرنا أنه {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} [النساء: 56]، وقال: {سرابيلهم من قطران} [إبراهيم: 50]، وقال: {إن لدينا أنكالا} [المزمل: 12] أي قيودا. {وجحيما (12) وطعاما ذا غصة (13)} قيل: ذا شوك. فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء. [الجامع لأحكام القرآن: 20/29-32]

قال إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (ت: 774 هـ): وقوله: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: شجر من نار.
وقال سعيد بن جبير: هو الزقوم. وعنه: أنها الحجارة.
وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو الجوزاء، وقتادة: هو الشبرق. قال قتادة: قريش تسميه في الربيع الشبرق، وفي الصيف الضريع. قال عكرمة: وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض.
وقال البخاري: قال مجاهد: الضريع نبت يقال له: الشبرق، يسميه أهل الحجاز: الضريع إذا يبس، وهو سم.
وقال معمر، عن قتادة: {إلا من ضريع} هو الشبرق، إذا يبس سمي الضريع.
وقال سعيد، عن قتادة: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} من شر الطعام وأبشعه وأخبثه. [تفسير القرآن العظيم: 8/385]

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ): والضَّريع في كتاب الله، يبيس الشبرق. قال زائدة: هو يبيس كل شجرة. [كتاب العين: 1/270]

قال يحيى بن زياد الفراء (ت: 207هـ): وقوله عزَّ وجلَّ: ل{َيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إِذَا يبس، وهو سم. [معاني القرآن: 3/257]

قال إسحاق بن مرّار الشيباني بالولاء (ت: 206هـ): وقال الأسلمي: الضَّريع، ضريع العرفج: إذا لم يكن فيه نبات ولم يمت. [الجيم: 2/201]

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: 209هـ): {إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} الضريع عند العرب الشّبرق شجر..[ مجاز القرآن: 2/296]

قال أبو عُبيد القاسم بن سلاّم (ت: 224هـ): (الضريع) الشرق بلغة قريش، وهو نبت له شوك يكون بالبادية. [لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم: 12]

قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ): وقوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6]، وهو يقول في موضع آخر: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)} [الحاقة: 35، 36]، فإن النار دركات، والجنة درجات، وعلى قدر الذنوب والحسنات تقع العقوبات والمثوبات، فمن أهل النار من طعامه الزّقّوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصّديد.
والضّريع: نبت يكون بالحجاز، يقال لرطبه: الشّبرق، لا يسمن ولا يشبع، قال امرؤ القيس:
فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم ... غوارب رمل ذي ألاء وشبرق
والعرب تصفه بذلك.
وغسلين: فعلين من غسلت، كأنه الغسالة، قال بعض المفسرين: هو ما يسيل من أجساد المعذّبين. وهذا نحو قوله: {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ] [إبراهيم: 50] وسرابيلهم من قطر آن قراءة عكرمة ومن تابعه.
والقطر: النّحاس. والآن: الذي قد بلغ منتهى حرّه. كأن قوما يسربلون هذا، وقوما يسربلون هذا، ويلبسون هذا تارة، وهذا تارة.
وأما قولهم: (كيف يكون في النار نبت وشجر، والنار تأكلهما؟) فإنه لم يرد فيما يرى أهل النظر- والله أعلم- أن الضريع بعينه ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه.
والضريع من أقوات الأنعام لا من أقوات الناس، وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع وهلكت هزلا.
قال الهذليّ يذكر إبلا وسوء مرعاها:
وحبسن في هزم الضريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود
فأراد أن هؤلاء قوم يقتاتون ما لا يشبعهم، وضرب الضريع لهم مثلا. أو يعذّبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع.
وكان ما أراد الله بهذا معلوما عندهم مفهوما، ولو لم يكن كذلك لأنكروه كما أنكروا قوله: {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65)} [الصافات: 64، 65] وقالوا: كيف تكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر؟
فأنزل الله: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60]، يعني بالرؤيا: ما رآه ليلة أسري به وأخبر عنه، فارتد لذلك قوم، وزاد الله في بصائر قوم. وأراد بالشجرة الملعونة: شجرة الزّقّوم. فهذا وجه.
وقد يكون الضريع وشجرة الزّقّوم: نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار.
وكذلك سلاسل النار وأغلالها، وأنكالها وعقاربها وحيّاتها- لو كانت على ما نعلم، لم تبق على النار، وإنما دلّنا الله سبحانه على الغائب عنده بالحاضر عندنا، فالأسماء متفقة للدلالة، والمعاني مختلفة.
وما في الجنة من شجرها وثمرها وفرشها، وجميع آلاتها- على مثل ذلك.
قال ابن عباس: نخل الجنة، جذوعها من زمرّد أخضر، وكربها من ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطّعاتهم وحللهم وتمرها أمثال القلال والدّلاء، أشدّ بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، ليس له عجم. [تأويل مشكل القرآن: 48-50]

قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ): (الضَّرِيعُ) نبتٌ [يكون] بالحجاز، يقال لرَطْبِه (2) الشِّبْرِقُ. [تفسير غريب القرآن: 525]

قال إبراهيم بن السري الزجاج (ت: 311هـ): {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} يعني: لأهل النار، والضريع الشبرق. وهو جنس من الشوك، إذا كان رطباً فهو شبرق، فإذا يبس فهوَ الضَّرِيعُ، قال كفار قريش: إنَّ الضريع لَتَسْمَنُ عليه إبِلُنَا، فقال اللَّه - عزَّ وجلَّ {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}. [معاني القرآن وإعرابه: 5/317]

قال محمد بن القاسم الأنباري (المتوفى: 328هـ): ... فجرى مجرى قول العرب: ما لفلان عيب إِلاَّ السخاءُ، أَي مَنْ السخاءُ عيبُه فلا عيبَ له.
وقد خرّج بعضُهم قول الله عزَ وجلّ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ من ضَريعٍ}، من هذا المعنى فقال: التأْويل: من الضَريعُ طعامه فلا طعام له. ومنه قول العرب: ما لفلان راحة إِلاَّ السَّير والعمل؛ أَي مَنْ هذان راحته فهو غير مستريح. [الأضداد: 318]
قال محمد بن القاسم الأنباري (المتوفى: 328هـ): والضريع: نبت لا يُنجع، ولا يُغني، يسمى يابسه الشِّبْرِق. قال الله عز وجل: {ليسَ لَهُمْ طعامٌ إلاّ من ضَرِيعٍ لا يُسمِنُ ولا يُغني من جوعٍ} (289) . وقال الشاعر:
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها ... حدباءُ داميةُ اليدين حَرودُ [الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/474]

قال محمد بن عُزير السجستاني (ت: 330هـ): ضَرِيع: نبت بالحجاز يُقَال لرطبه الشبرق. [نزهة القلوب: 314]

قال غلام ثعلب محمد بن عبد الواحد البغدادي (ت: 345هـ): والضريع العوسج الرطب، وَهُوَ نَبَات فِي النَّار، شَبيه العوسج. [ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: 573]

قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي (المتوفى: 370هـ): والضَّريع: الشَّراب الرَّقِيق. وَقَالَ يصف ثغراً:
حَمشُ اللِّثاتِ شتيتٌ وَهُوَ معتدلٌ ... كأنّه بضريع الدَّنِّ مصقولُ
والضريع: لغةٌ فِي الضرَع الضَّعِيف. وَقَالَ:
ومطويّةٍ طيَّ القَليبِ رفعتُها ... بمستنبِحٍ جِنْحَ الظلام ضريعِ
المطويّة عَنى بِهِ الأُذن. والمستنبح: الَّذِي ينبح نبحَ الْكلاب طلبا للقِرى.
...وقال الله تعالى: {ءانية ليس لهم طعام إلا} (الغاشية: 6) قال الفراء: الضريع: نبت يقال له الشبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس. وهو اسم. وجاء في التفسير أن الكفار قالوا: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا. فقال الله: {ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع} (الغاشية: 7).
وقال الليث: يقال للجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضلع: هي الضريع.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الضريع: العوسج الرطب، فإذا جف فهو عوسج، فإذا زاد جفوفه فهو الخزيز. قال: والضارع: المتذلل الغني. والضرع: الرجل الجبان. والضرع: المتهالك من الحاجة للغني. والضرع: الجمل الضعيف. [تهذيب اللغة: 1/298-299]
قال إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393هـ): [ضرع] الضَرْعُ لكل ذات خفٍّ أو ظِلْفٍ. وأضْرَعَتِ الشاة، أي نزل لبنُها قُبَيل النتاج. وشاةٌ ضَريعٌ وضَريعةٌ، أي عظيمة الضَرْع. والضَريع: يبيسُ الشِبْرِقِ، وهو نبت. قال الشاعر يذكر إبلاً وسوء مرعاها:
وحبسن في هزم الضريع فكلُّها * حَدباَء داميةُ اليدينِ حَرودُ [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 1/1248-1249]

قال أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت:395هـ): (ضرع) الضاد والراء والعين أصل صحيح يدل على لين في الشيء. من ذلك ضرع الرجل ضراعة، إذا ذل. ورجل ضرع. ضعيف، قال ابن وعلة:
أناة وحلما وانتظارا بهم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر
ومن الباب ضرع الشاة وغيره، سمي بذلك لما فيه من لين. ويقال: أضرعت الناقة، إذا نزل لبنها عند قرب النتاج. فأما المضارعة فهي التشابه بين الشيئين. قال بعض أهل العلم: اشتقاق ذلك من الضرع، كأنهما ارتضعا من ضرع واحد. وشاة ضريع: كبيرة الضرع، وضريعة أيضا. ويقال لناحل الجسم: ضارع. وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ابني جعفر: «ما لي أراهما ضارعين؟».
ومما شذ عن هذا الباب: الضريع، وهو نبت. وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه، إذا كان لا يسمن ولا يغني من جوع. وقال:
وتركن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود [مقاييس اللغة: 3/395-396]

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت:437هـ): {الضَّرِيع} نبت بالحجاز، يقال لرطبة الشِّبْرِق. [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت:437هـ): (الضَرِيعٍ): نبت. [العمدة في غريب القرآن: 82]

قال الراغب الأصفهانى (ت: 502هـ): وأما قوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية/ 6]، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر. [المفردات في غريب القرآن: 506]

قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت:538هـ): الضريع يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان عنه النّحائص
وقال:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود
فإن قلت: كيف قيل لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الحاقة وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: {لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}.
{لا يُسْمِنُ} مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. [الكشاف: 4/742-743]
- قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت:743هـ): قوله: (رعى الشِّبرق) البيت، إذا ذوى: أي ذبل. النحوص: الأتان الحائل.
قوله: (وحبسن)، البيت، الهزم: ما يبس وتكسر من الضريع. وناقة حدباء: إذا بدا عظم وركها، والحرود: قليلة اللبن؛ يصف نوقاً حُبسن في مرعى سوء غير ناجع، وهزلن، وكلهن داميات الأيدي من وضعها على الضريع ذي الشوك، عُصبن من سوء الحال، أو قليلة اللبن.
قوله: (فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك) إلى آخره، الانتصاف: "فعلى الأول يكون صفة لازمة شارحة لحقيقة الضريع، وعلى الثاني صفة مخصصة. [فتوح الغيب: 16/406-407]

قال محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي(ت:711هـ): والضريع: نبات أخضر منتن خفيف يرمي به البحر وله جوف، وقيل: هو يبيس العرفج والخلة، وقيل: ما دام رطبا فهو ضريع، فإذا يبس فهو ضريع، فإذا يبس فهو الشبرق، وهو مرعى سوء لا تعقد عليه السائمة شحما ولا لحما، وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها. وفي التنزيل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع}؛ قال الفراء: الضريع نبت يقال له الشبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وقال ابن الأعرابي: الضريع العوسج الرطب، فإذا جف فهو عوسج، فإذا زاد جفوفا فهو الخزيز، وجاء في التفسير: أن الكفار قالوا إن الضريع لتسمن عليه إبلنا، فقال الله عز وجل: لا يسمن ولا يغني من جوع. وجاء في حديث أهل النار: فيغاثون بطعام من ضريع؛ قال ابن الأثير: هو نبت بالحجاز له شوك كبار يقال له الشبرق؛ وقال قيس بن عيزارة الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعاها:
وحبسن في هزم الضريع، فكلها ... حدباء دامية اليدين، حرود
هزم الضريع: ما تكسر منه، والحرود: التي لا تكاد تدر؛ وصف الإبل بشدة الهزال؛ وقيل: الضريع طعام أهل النار، وهذا لا يعرفه العرب. والضريع: القشر الذي على العظم تحت اللحم، وقيل: هو جلد على الضلع. [لسان العرب: 8/223-224]

قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت:745هـ): {ضريع}: نبت بالحجاز، يقال لرطبه: الشبرق. [تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: 206]
قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت:745هـ): الضريع، قال أبو حنيفة وأظنه صاحب النبات، الضريع: الشبرق، وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحما ولا لحما، ومنه قول ابن عزارة الهذلي:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعا بان عنه النحائص
وقال بعض اللغويين: يبيس العرفج إذا تحطم. وقال الزجاج: هو نبت كالعوسج.
وقال الخليل: نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر.
والضريع، قال ابن عباس: شجر من نار.
وقال الحسين: وجماعة الزقوم.
وقال ابن جبير: حجارة من نار. وقال ابن عباس أيضا وقتادة وعكرمة ومجاهد: شبرق النار. وقيل: العبشرق. وقيل: رطب العرفج، وتقدم ما قيل فيه في المفردات. وقيل: واد في جهنم. والضريع، إن كان الغسلين والزقوم، فظاهر ولا يتنافى الحصر في إلا من غسلين، وإلا من ضريع. وإن كانت أغيارا مختلفة، والجمع بأن الزقوم لطائفة، والغسلين لطائفة، والضريع لطائفة.
وقال الزمخشري: لا يسمن مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة، والسمن في البدن، انتهى. فقوله: مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع. أما جره على وصفه لضريع فيصح، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع. وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح، لأن الطعام منفي ولا يسمن، منفي فلا يصح تركيبه، إذ يصير التقدير: ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع، فيصير المعنى: أن لهم طعاما يسمن ويغني من جوع من غير ضريع، كما تقول: ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو، فمعناه أن له مالا ينتفع به من غير مال عمرو. ولو قيل: الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في إلا من ضريع كان صحيحا، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس، أي ليس لهم طعام إلا كائن ن ضريع، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح، وقال الزمخشري: أو أريد أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع وأسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول: ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد نفي الظل على التوكيد. انتهى. فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام، إذ ليس بطعام. والظاهر الاتصال فيه. وفي قوله: ولا طعام إلا من غسلين، لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره. [البحر المحيط]

قال أبو العباس أحمد بن يوسف السمين الحلبي (ت:756هـ): قوله: {ضَرِيعٍ} : هو شجرٌ في النار. وقيل: حجارةٌ. وقيل: هو الزَّقُّوم. وقال أبو حنيفة: «هو الشِّبْرِقُ، وهو مَرْعى سَوْءٍ، لا تَعْقِدُ عليه السائمةُ شَحْماً ولا لَحْماً. قال الهذليُّ:
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها ... حَدْباءُ دامِيَةُ الضُّلوعِ حَرُوْدُ
وقال أبو ذؤيب:
رَعَى الشِّبْرِقٌ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى ... وعادَ ضَريعاً نازَعَتْه النَّحائِصُ
وقيل: هو يَبيس العَرْفَجِ إذا تَحَطَّم. وقال الخليل:» نبتٌ أخضرُ مُنْتِنُ الريح يَرْمي به البحرُ. وقيل: نبتٌ يُشبه العَوْسَج. والضَّراعةُ: الذِّلَّةُ والاستكانةُ مِنْ ذلك. [الدر المصون: 10/766-767]

قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزبيدي (ت:1205هـ): قال تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع} الضريع، كأمير: الشبرق، قاله أبو حنيفة، وقال ابن الأثير: هو نبت بالحجاز، له شوك كبار يقال له: الشبرق، أو يبيسه، نقله الجوهري، أو نبات رطبه يسمى شبرقا، ويابسه يسمى ضريعا، عند أهل الحجاز، قاله الفراء، لا تقربه دابة لخبثه، قال أبو حنيفة: هو مرعى سوء، لا تعقد عليه السائمة شحما ولا لحما، فإن لم تفارقه إلى غيره ساء حالها، قال قيس بن العيزارة يصف الإبل وسوء مرعاها:
(وحبسن في هزم الضريع وكلها ... حدباء دامية اليدين حرود)
قال أبو الجوزاء: الضريع: السلاء، وجاء في التفسير: أن الكفار قالوا: إن الضريع تسمن عليه إبلنا، فقال الله تعالى: {لا يسمن ولا يغني من جوع}. قال ابن الأعرابي: الضريع: العوسج الرطب، فإذا جف فهو عوسج، فإذا زاد جفوفا فهو الخزيز، قال الليث: الضريع: نبات في الماء الآجن، له عروق لا تصل إلى الأرض. أو هو شيء في جهنم أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار، وهذا لا يعرفه العرب، وهو طعام أهل النار. قيل: هو نبات أخضر، كما في اللسان، وفي المفردات: أحمر منتن الريح خفيف يرمي به البحر، وله جوف. قال ابن عباد: الضريع: يبيس كل شجرة، وخصه بعضهم بيبيس العرفج والخلة. قيل: الضريع: الخمر أو رقيقها، وهذه عن ابن عباد، قال الليث: الضريع: الجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضلع. ويقال: هو القشر الذي عليه. وضرع إليه، وله، ويثلث، الكسر عن شمر ضرعا، محركة، مصدر ضرع، كفرح، وضراعة، مدر ضرع وضرع، ككرم ومنع، الأخير على غير قياس، واقتصر الجوهري على ضرع، كمنع: خضع وذل، وفي حديث عمر رضي الله عنه: فقد ضرع الكبير، ورق الصغير. قيل: ضرع: استكان، وهو قريب من الخضوع والذل. ضرع له، كفرح ومنع: تذلل وتخشع، وسأله أن يعطيه، فهو ضارع، قال الشاعر:
(وأنت إله الحق عبدك ضارع ... وقد كنت حينا في المعافاة ضارعا) [تاج العروس من جواهر القاموس: 21/406-407]

قال محمد الطاهر بن عاشور (ت:1393هـ): والضريع: يابس الشبرق (بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وكسر الراء) وهو نبت ذو شوك إذا كان رطبا فإذا يبس سمي ضريعا وحينئذ يصير مسموما وهو مرعى للإبل ولحمر الوحش إذا كان رطبا، فما يعذب بأهل النار بأكله شبه بالضريع في سوء طعمه وسوء مغبته.
وقيل: الضريع اسم سمى القرآن به شجرا في جهنم وأن هذا الشجر هو الذي يسيل منه الغسلين الوارد في قوله تعالى: فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين [الحاقة: 35، 36] وعليه فحرف من للابتداء، أي ليس لهم طعام إلا ما يخرج من الضريع والخارج هو الغسلين وقد حصل الجمع بين الآيتين.
ووصف ضريع بأنه لا يسمن ولا يغني من جوع لتشويهه وأنه تمحض للضر فلا يعود على آكليه بسمن يصلح بعض ما التفح من أجسادهم، ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع، ولعل الجوع من ضروب تعذيبهم فيسألون الطعام فيطعمون الضريع فلا يدفع عنهم ألم الجوع. [التحرير والتنوير: 30/297]

تعليقات:
· هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق ببيان معنى مفردة من مفردات القرآن.

المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
- ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء.
- وتأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس
- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها: تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري، ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.

المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة
- ونزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني
- وياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد
- وتفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب
- والعمدة في غريب القرآن له أيضاً.
- والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهانى
- وتحفة الأريب لأبي حيان الأندلسي.
- الكتب التي تعذر علي الوصول إليها: غريب القرآن وتفسيره، لليزيدي
المرتبة الرابعة:
- الكتب التي وجدت فيها: الكشّاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشّاف، والبحر المحيط لأبي حيّان، والدرّ المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 صفر 1443هـ/24-09-2021م, 11:39 PM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الحفدة في قوله تعالى {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
التعرف على أقوال السلف في هذه المسألة:
قال عبد الله وهب المصري (ت197 ه) وقال لي مالك في قول الله {بنين وحفدة} قال: الحفدة الأعوان والخدم في رأيي. (الجامع في علوم القرآن)
قال عبد الرزاق بن همام الصنعاني(عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله تعالى بنين وحفدة قال الحفدة من يخدمك من ولدك وولد ولدك). [تفسير عبد الرزاق: 1/358]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود أتدري ما الحفدة يا زر قال قلت نعم هم حفاد الرجل من ولده وولد ولده قال لا هم الأصهار). [تفسير عبد الرزاق: 1/358]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن التيمي عن أبيه عن الحسن قال الحفدة الخدم). [تفسير عبد الرزاق: 1/358]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {حفدةً} [النحل: 72] : «من ولد الرّجل). [صحيح البخاري]]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {بنين وحفدةً} قال: الحفدة: الأَخْتان. وكان ابن عبّاسٍ يقول: الخدم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: {واللّه} الّذي {جعل لكم} أيّها النّاس {من أنفسكم أزواجًا} يعني أنّه خلق من آدم زوجته حوّاء، {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي واللّه خلق آدم، ثمّ خلق زوجته منه، ثمّ جعل لكم بنين وحفدةً ".
واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدم من ولد الرّجل هم ولده، وهم يخدمونه، قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبدٌ؟ إنّما الحفدة: ولد الرّجل وخدمه "
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بنين وحفدةً} يعني: " ولد الرّجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور ".
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرّجل من غيره
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: " بنو امرأة الرّجل ليسوا منه " وقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقول: فلانٌ يحفد لنا، ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا، ومنه قول الرّاعي:
كلّفت مجهولها نوقًا يمانيةً = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل [جامع البيان]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنين وحفدة يعني أنصارا وأعوانا وخدما). [تفسير مجاهد: 349]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكر بن أبي دارمٍ الحافظ، ثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثني أبي، ثنا أبو معاوية، عن أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ " {بنين وحفدةً} [النحل: 72] قال: الحفدة الأختان «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/387]
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والله جعل لكم} الآية آية تعديد نعم، و"الأزواج": الزوجات، ولا يترتب في هذه الآية الأنواع ولا غير ذلك، وقوله: {من أنفسكم} يحتمل أن يريد خلقه حواء من نفس آدم وجسمه، فمن حيث كانا مبتدأ الجميع ساغ حمل أمرهما على الجميع حتى صار الأمر كأن النساء خلقن من أنفس الرجال، وهذا قول قتادة، والأظهر عندي أن يريد بقوله: {من أنفسكم} أي: من نوعكم وعلى خلقتكم، كما قال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية. وقوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين} ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء، واختلف الناس في قوله: "وحفدة" قال ابن عباس: الحفدة: أولاد البنين، وقال الحسن: هم بنوك وبنو بنيك، وقال ابن مسعود، وأبو الضحى، وإبراهيم، وسعيد بن جبير: الحفدة: الأصهار، وهم قرابة الزوجة، وقال مجاهد: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدم، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تبارك وتعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وإنما الزينة في الذكور، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الحفدة: أولاد زوجة الرجل من غيره، ولا خلاف أن معنى "الحفد" هو الخدمة والبر والمشي في الطاعة مسرعا، ومنه في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، والحفدان: خبب فوق المشي، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر:
حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
[المحرر الوجيز: 5/383]
ومنه قول الآخر:
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنت على أن كل أحد جعل له من أزواجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس، ويحتمل عندي أن قوله: {من أزواجكم} إنما هو على العموم والاشتراك، أي: من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، فمن لم يكن له زوجة فقد جعل الله له حفدة وحصل تلك النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون.
[المحرر الوجيز: 5/384]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال: جعلنا لهم بنين وأعوانا، أي: وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة.[المحرر الوجيز]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون (72))}
يذكر تعالى نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [وزيّهم]، ولو جعل الأزواج من نوعٍ آخر لما حصل ائتلافٌ ومودّةٌ ورحمةٌ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذّكور.
ثمّ ذكر تعالى أنّه جعل من الأزواج البنين والحفدة، وهم أولاد البنين. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والحسن، والضّحّاك، وابن زيد.
قال شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {بنين وحفدةً} هم الولد وولد الولد..
وقال سنيد: حدّثنا حجّاجٌ عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك. قال جميلٌ:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفّهن أزمّة الأجمال
وقال مجاهدٌ: {بنين وحفدةً} ابنه وخادمه. وقال في روايةٍ: الحفدة: الأنصار والأعوان والخدّام.
وقال طاوسٌ: الحفدة: الخدم وكذا قال قتادة، وأبو مالكٍ، والحسن البصريّ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة أنّه قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك.
قال الضّحّاك: إنّما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: بنو امرأة الرّجل، ليسوا منه. ويقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقال: فلانٌ يحفد لنا قال: ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
وهذا [القول] الأخير الّذي ذكره ابن عبّاسٍ قاله ابن مسعودٍ، ومسروقٌ، وأبو الضّحى، وإبراهيم النّخعيّ، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، والقرظي. ورواه عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هم الأصهار.
قال ابن جريرٍ: وهذه الأقوال كلّها داخلةٌ في معنى: "الحفد" وهو الخدمة، الّذي منه قوله في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، ولمّا كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنّعمة حاصلةٌ بهذا كلّه؛ ولهذا قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
قلت: فمن جعل {وحفدةً} متعلّقًا بأزواجكم فلا بدّ أن يكون المراد الأولاد، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لأنّهم أزواج البنات، وأولاد الزّوجة، وكما قال الشّعبيّ والضّحّاك، فإنّهم غالبًا يكونون تحت كنف الرّجل وفي حجره وفي خدمته. وقد يكون هذا هو المراد من قوله [عليه الصّلاة] والسّلام في حديث بصرة بن أكثم: "والولد عبدٌ لك" رواه أبو داود.
وأمّا من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنّه معطوفٌ على قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد.
[تفسير القرآن العظيم: 4/ 585]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} [النحل: 72]
عن زرٍّ قال: كنت آخذ على عبد اللّه في المصحف فأتى على هذه الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً قال لي عبد اللّه: أتدري ما الحفدة؟ قلت: حشم الرّجل، قال: لا، هم الأختان
- وفي روايةٍ: قلت: نعم، هم أحفاد الرّجل من ولده وولد ولده. قال: نعم هم الأصهار.
رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم بن أبي النّجود، وهو حسن الحديث وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاسٍ حفدة من ولد الرّجل وصله الطّبريّ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاس في قوله بنين وحفدة قال الولد وولد الولد وإسناده صحيحٌ وفيه عن بن عبّاسٍ قولٌ آخر أخرجه من طريق العوفيّ عنه قال هم بنو امرأة الرّجل وفيه عنه قولٌ ثالثٌ أخرجه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال الحفدة والأصهار ومن طريق عكرمة عن بن عبّاسٍ قال الأختان وأخرج هذا الأخير عن بن مسعودٍ بإسنادٍ صحيحٍ ومن طريق أبي الضّحى وإبراهيم وسعيد بن جبيرٍ وغيرهم مثله وصحّح الحاكم حديث ابن مسعود وفيه قول رابع عن بن عبّاسٍ أخرجه الطّبريّ من طريق أبي حمزة عنه قال من أعانك فقد حفدك ومن طريق عكرمة قال الحفدة الخدّام ومن طريق الحسن قال الحفدة البنون وبنو البنين ومن أعانك من أهلٍ أو خادمٍ فقد حفدك وهذا أجمع الأقوال وبه تجتمع وأشار إلى ذلك الطّبريّ وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع في المشي فأطلق على من يسعى في خدمة الشّخص ذلك). [فتح الباري]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس حفدة ولد الرجل السكر ما حرم من ثمرها والرزق الحسن ما أحل الله
وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثا هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته وقال ابن مسعود الأمة معلم الخير القانت المطيع
قال ابن أبي حاتم ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود يعني الطّيالسيّ ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عبّاس في قوله 72 النّحل {بنين وحفدة} قال ولد الرجل
وقال عبد ثنا سليمان بن داود وهو أبو داود الطّيالسيّ عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عبّاس قال الحفدة هم الولد). [تغليق التعليق]-
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ حفدة من ولد الرجل أشار به إلى قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفد} (النّحل: 72) وذكر أن الحفدة من ولد الرجل هم: ولده وولد وولده، وهذا التّعليق رواه الطّبريّ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله: {بنين وحفدة} قال: الولد وولد الولد). [عمدة القاري]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 72)
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال: خلق آدم ثم خلق زوجته منه). [الدر المنثور: 9/82]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود في قوله: {بنين وحفدة} قال الحفدة الأختان). [الدر المنثور: 9/82]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الأصهار). [الدر المنثور: 9/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الولد وولد الولد). [الدر المنثور: 9/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة بنو البنين). [الدر المنثور: 9/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وحفدة} قال: ولد الولد وهم الأعوان قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال). [الدر المنثور]]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي حمزة قال: سئل ابن عباس عن قوله: {بنين وحفدة} قال: من أعانك فقد حفدك أما سمعت قول الشاعر
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال). [الدر المنثور]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قالك الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه). [الدر المنثور: 9/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: الحفدة الأعوان). [الدر المنثور: 9/84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الحفدة الخدم). [الدر المنثور: 9/84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: الحفدة البنون وبنو البنون ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك). [الدر المنثور: 9/84]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري بإسناد صحيح في قوله تعالى: ({حفدة} من ولد الرجل) أي ولد ولده أو بناته فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة أو هم البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين أي جعل لكم بنين خدمًا وقيل الحفدة الأصهار قال:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت = لها حفد مما يعدّ كثير
لكنها نفس عليّ أبية = عيوف لأصهار اللئام قذور). [إرشاد الساري]
قال محمد بن الطاهر بن عاشور(ت 1393ه): وَالْحَفَدَةُ: جَمْعُ حَافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كَامِلٍ. وَالْحَافِدُ أَصْلُهُ الْمُسْرِعُ فِي الْخِدْمَةِ وَأُطْلِقَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ أَنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الْجَدِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ، فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الْحَلْقَةِ الْأُولَى مِنْهَا وَهِيَ كَوْنُ أَبْنَائِهِ مِنْ زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، فَانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الْأَنْسَابِ بِهَذَا النِّظَامِ الْمُحْكَمِ الْبَدِيعِ. [ كتاب التحرير والتنوير]
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادرالشنقيطي (ت1393 ه): وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْحَفَدَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْحَفَدَةُ: أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ، وَمِنَ الْبَنِينَ حَفَدَةً. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحَفَدَةُ الْأَعْوَانُ وَالْخَدَمُ مُطْلَقًا ; وَمِنْه ُقَوْلُ جَمِيلٍ:
حَفَدُ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ
--------أَيْ: أَسْرَعَتِ الْوَلَائِدُ الْخِدْمَةَ، وَالْوَلَائِدُ الْخَدَمُ. الْوَاحِدَةُ وَلِيدَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقًا يَمَانِيَةً ... إِذَا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا
أَيْ: أَسْرَعُوا فِي الْخِدْمَةِ.
--------وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْحَفْدِ الَّتِي نُسِخَتْ: وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، أَيْ: نُسْرِعُ فِي طَاعَتِكَ. وَسُورَةُ الْخُلْعِ وَسُورَةُ الْحَفْدِ اللَّتَانِ نُسِخَتَا يُسَنُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْقُنُوتُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
وَقِيلَ: الْحَفَدَةُ الْأَخْتَانُ، وَهُمْ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ ... لَهَا حَفْدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لِأَصْهَارِ اللِّئَامِ قَذُورُ
وَالْقَذُورُ: الَّتِي تَتَنَزَّهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، تَبَاعُدًا عَنِ التَّدَنُّسِ بِقَذَرِهِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: الْحَفَدَةُ: جَمْعُ حَافِدٍ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْحَفْدِ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ. فَنُبَيِّنُ ذَلِكَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَفَدَةَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [١٦ \ ٧٢] ، دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى اشْتِرَاكِ الْبَنِينَ وَالْحَفَدَةِ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ أَزْوَاجِهِمْ. وَدَعْوَى أَنَّ قَوْلَهُ: «وَحَفَدَةً» مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: «أَزْوَاجًا» [١٦ \ ٧٢] ، غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. كَمَا أَنَّ دَعْوَى أَنَّهُمُ الْأَخْتَانُ، وَأَنَّ الْأَخْتَانَ أَزْوَاجُ بَنَاتِهِمْ، وَبَنَاتُهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ كُلُّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ هُوَ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَمَعْلُومٌ: أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ، وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِ: مِنْ خَدَمِهِ الْمُسْرِعِينَ فِي خِدْمَتِهِ عَادَةً. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. [ كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن]

ثانيا: جمع أقوال اللغويين في المسألة:
قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170 ه) : حفد الحَفْدُ: الخِفَّة في العمل والخِدمة ، قال
حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمال
وسَمِعتُ في شعْرٍ مُحدَث حُفَّداً أقدامُها ؛ أي سِراعاً خِفافاً.
وفي سورة القُنوت:وإليك نَسعَى ونحفد: أي نخفّ في مَرْضاتك. والاحتفاد: السُرعة في كلّ شيء، قال الأعشى
وُمْحَتفد الوَقْعِ ذو هَبَّةٍ ... أجاد جلاه يد الصيقل
وقول الله- عز وجل-: بَنِينَ وَحَفَدة. يعني البنات [و] هنَّ خَدَم الأبَوَيْن في البيت، ويقال: الحَفَدة:وعند العَرَب الحَفَدة الخَدَم. والمَحْفِدُ: شَيءٌ يُعلَف فيه، قال:وسَقْيي وإطِعامي الشَّعيرَ بمحفد. [ كتاب العين]

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان. [تفسير القرآن العظيم]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدة}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت بــأكــفّـــهـــن أزمّــــــــــة الأجـــــمــــــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن].
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بنين وحفدة} فقالوا فيه الحفدة: العملة؛ والحفدة: الخدم أيضًا.
وقال ابن عباس الحفدة: الأعوان وهو ذلك المعنى؛ وقال بعضهم أيضًا الحفدة: الأصهار؛ "بنين وأصهارا" في التفسير لا في اللغة.
[معاني القرآن لقطرب: 814]
وقالوا في الفعل: حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة؛ وقالوا أيضًا: حفد البكر يحفد حفدانًا؛ وهو عمله، ويكون الواحد من الحفدة حافدًا، مثل الفسقة والبررة.
وكان الحسن أيضًا يقول: الحفدة من خدمك.
وكان الكلبي يقول: الحفدة البنون الكبار الذين خدموه، هم الحفدة.
وقوله: "وإليك نسعى ونحفد" أي نسعى ونخف ونجد.
وقال الراعي:
كلفت مجهولها نوقًا يمانية = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
يعني على أوبارها.
وقال الآخر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفهن أزمة الأحمال
وقال ابن مقبل:
لأنعم عينا صاحب قلت هل = ترى تواليهم يلحقن بالحفدان
[معاني القرآن لقطرب: 815]
قال أبو علي: هذا معنى واحد كله). [معاني القرآن لقطرب]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.
قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا وقال الأخطل:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجــــــمــــــال
أراد خدمهن الولائد وقال الشاعر:
كــلــفـــت مـجـهـولــهــا نــــوقــــا يــمــانــيــة إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وقد روي عن مجاهد في قوله عز وعلا: {بنين وحفدة}
أنهم الخدم، وعن عبد الله أنهم الأصهار.
قال: حدثناه ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله والله أعلم.
وأما المعروف في كلامهم فإن الحفد هو الخدمة، فقوله: نسعى ونحفد، هو من ذاك، يقول: إنا نعبدك ونسعى في طلب رضاك. وفيها لغة أخرى: أحفد إحفادا قال الراعي:
مزايد خرقـاء اليديـن مسيفـة أخب بهن المخلفان وأحفدا
فقد يكون قوله: أحفدا أخدما، وقد يكون أحفدا غيرهما أعملا بعيرهما، فأراد عمر بقوله: وإليك نسعى ونحفد: العمل لله بطاعته). [غريب الحديث]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}}
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفّـــهـــنّ أزمّـــــــــــة الأجــــــمــــــال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن].
قال محمد بن عزير السجستاني (ت330ه):حفدة: حذم، وَقيل: أختَان، وَقيل: أَصْهَار، وَقيل أعوان، وَقيل [بَنو] الرجل، من نَفعه مِنْهُم، وَقيل: بَنو الْمَرْأَة من زَوجهَا الأول.[كتاب غريب القرآن المعروف بنزهة القلوب]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} روى سعيد عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم). [معاني القرآن]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجــــــمــــــال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي وهذا فعل الخدم.[تفسير المشكل من غريب القرآن]
قال مكي بن ابي طالب للقيسي (ت:437) {الحفدة} الأحفاد الخدم . [العمدة في غريب القرآن]
قال أبو القاسم محمود الزمخشري (ت538 ه): وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)
مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم. وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أى يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت. وإليك نسعى ونحفد وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ »
واختلف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات وقيل: أولاد الأولاد. وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل. وقيل: المعنى وجعل لكم حفدة، أى خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم، كقوله سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون
[ كتاب تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل]
قال جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي(ت 579 ه ): فِي صفة رَسُول الله مَحْفُودٌ وَهُوَ الَّذِي يَخْدمه أَصْحَابه ويعظمونه.
[ كتاب غريب الحديث لابن الجوزي]
قال مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير (ت 606 ه):(حَفد) فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «مَحْفُود مَحْشُود، لَاعَابِسٌ، وَلَا مُفْنِد» المَحْفُود: الَّذِي يَخْدِمُه أَصْحَابُهُ ويُعَظِّمُونه ويُسْرِعون فِي طاعَتِه. يُقَالُ حَفَدْت وأَحْفَدْتُ، فَأَنَا حَافِد ومَحْفُود. وحَفَد وحَفَدَة جَمْعُ حَافِد، كخَدَم وكَفَرَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أمَيَّة «بالنِّعَم مَحْفُود» .
وَمِنْهُ دُعاء القُنوت «وإلَيْك نَسْعى ونَحْفِد» أَيْ نُسْرِع فِي الْعَمَلِ والخِدْمة:
(هـ) وَحَدِيثُ عُمَرَ، وذُكِر لَهُ عُثمان للخِلافة فَقَالَ «أخْشَى حَفْدَه» أَيْ إسْراعَه فِي مَرْضَات أَقَارِبِهِ.
[كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر]
قال شرف الدين الطيبي (ت 743ه): {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ})].
(مِنْ أَنْفُسِكُمْ): من جنسكم. وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة: جمع حافد؛ وهو الذي يحفد، أي: يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت: وإليك نسعى ونحفد. وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
واختلف فيهم؛ فقيل: هم الأختان على البنات، وقيل: أولاد الأولاد، وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل، وقيل: المعنى: وجعل لكم حفدة، أي: خدما يحفدون
[كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب حاشية الطيبي على الكشاف]
قال السمين الحلبي (ت756ه):قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} : في «حَفَدَة» أوجهٌ. أظهرُها: أنه معطوفٌ على «بنين» بقيدِ كونِه من الأزواج، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ. الثاني: أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ، أي: جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالث: أنه منصوبٌ ب «جَعَلَ» مقدرةً، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار، وإنما احتيج إلى تقدير «جَعَلَ» لأنَّ «جَعَلَ» الأولى مقيدةٌ بالأزواج، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج.
والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم. وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: «وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ» ، أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى - ١- كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقاً يَمانيةً ... إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا
وقال الآخر:
- حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ ... بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ
ويستعمل «حَفَدَ» أيضاً متعدياً. يقال: حَفَدَني فهو حافِدٌ، وأُنْشد
يَحْفدِون الضيفَ في أبياتِهمْ ... كَرَماً ذلك منهم غير ذل
وحكى أبو عبيدة أنه يقال: «أَحْفَدَ» رباعياً. وقال بعضهم: «الحَفَدَةُ: الأَصْهار، وأنشد:
- فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ ... لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْر
ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع. وقال الأصمعيُّ:» أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَة الخطُو.
[ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ]
قال محمد حسن جبل :في قوله تعالى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: ٧٢]
"محافد الثوب: وشْيه واحدها مَحفِد -بالفتح. الحَفْد -بالفتح: الوَشى. ويقال لطرَف الثوب محفَد -بالكسر. والمَحفِد -كمنزل: أصلُ السَنام، وبالكسر والفتح: شيء تعلف فيه الإبل كالمِكتَل° المعنى المحوري إحاطة بالشيء فيها لطف وخفة. كالوشي بظاهر الثوب، وكطرف الثوب له، وأصلُ السنام كالمحيط بظهر البعير، وهو شحم لطيف. والمِغلف يكون قريبا من الدابة وفيه علفه.
ومن الخفة واللطف: "حَفْد الظليم والبعير -بالفتح وكغليان: وهو تَدَارُك السير (حركة خفيفة متقاربة الخَطو يقع التباعد بها قليلا قليلا) ومنه: "حَفَد واحتفد: خَفّ في العمل وأسرع " (زيادة في الحركة).
وفي قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قيل إن الحفدة الخدَم والأعوان، والبنات، وأولاد الأولاد، والأصهار، وبنو المرأة من زوجها الأول -نظروا في الكل إلى معنى السرعة وخفة الحركة في الخدمة. وبالنظر إلى معنى الإحاطة مع اللطف والخفة في المعنى المحوري نجد أن أقربها إلى هذا المعنى هم أولاد الأولاد- إذ ينشئون حول جدهم. ويقوي هذا ذكر الأزواج في الآية. ويليه تفسير الحفدة بالبنات ثم بالأصهار. والتفسيرات الأخرى تجوز لأنها مبنية على خفة الحركة مع الإحاطة لكن دون اللطف. قال [قر ١٠/ ١٤٤]: ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه، ألا ترى أنه قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ...} فجعل الحفدة والبنين منهن. اه. وعليه آخرون. [وانظر ل، والمعاني للفراء ٢/ ١١٠] وأقول إن هذا كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: ٧٢] وأما "محمد الرجل -كمنزل: محتده وأصله "فالأقرب أن هذا مأخوذ من المحفِد: أصل السنام.- [كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل]
قالت كاملة بنت محمد بن جاسم الكواري: {حَفَدَةً} الحَفَدَةُ جَمْعُ حَافِدٍ، وهو في اللغة: المُسْرِعُ في الخدمة، المُسَارِعُ إلى الطاعة، ومنه: وَنَحْفِدُ. والمرادُ بِالحَفَدَةِ أولادُ البَنِينَ، أي: جَعَلَ لكم من أزواجكم بَنِينَ، ومن البَنِينَ حَفَدَة.-[ كتاب تفسير غريب القرآن الكواري]
وقال مجموعة من المؤلفين: حفد الرجل وَنَحْوه حفدانا خف وأسرع فِي عمل فَهُوَ حافد (ج) حفدة وحفد وَهُوَ حفيد (ج) حفداء وَفُلَانًا حفدا أَعَانَهُ وخف إِلَى خدمته
(أحفد) الرجل حفد وَفُلَانًا أعطَاهُ خَادِمًا وَالدَّابَّة حملهَا على الْإِسْرَاع ومداركة الخطو
(احتفد) حفد وَيُقَال سيف محتفد سريع الْقطع
(الحافد) العون وَالْخَادِم وَولد الْوَلَد وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} وصانع الوشي (ج) حفدة وحفد وأحفاد
(الحفد) جمع حافد والوشي
(الْحَفِيد) ولد الْوَلَد (ج) حفداء
(المحفد) وشي الثَّوْب ووعاء تعلف فِيهِ الْإِبِل
(المحفد) المحفد وَالْأَصْل عَامَّة ومحفد الرجل محتده وأصل السنام- [كتاب المعجم الوسيط]
_ التعليقات:
1- المسألة تفسيرية لغوية (معنى كلمة حفدة) فوجدت نقولا شارحة للمسألة في كتب:
1- من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: الجامع في علوم القرآن لعبد الله وهب المصري، تفسير عبد الرازق عبد الرزاق الصنعاني ، البخاري من صحيح البخاري، عمدة القاري للعيني، ارشاد الساري للقسطلاني، تفسير الزنجي، جامع البيان للطبري ، المستدرك للنيسابوري، الحرر الوجيز لابن عطية، تفسير القرآن العظيم، مجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي.
ووجدت في أضواء البيان للشنقيطي.
2- من كتب اللغة وجدتها على النحو التالي:
المرتبة الأولى: وجدت في الكتب التالية:
1- تفسير القرآن ليحيى بن سلام
2- مجاز القرآن لابي عبيدة معمر بن المثنى.
3- معاني القرآن لأبي زكريا الفراء
4- معاني القرآن للأخفش الأوسط.
5- معاني القرآن وإعرابه لأبي اسحاق الزجاج
6- معاني القرآن لأبي جعفر النحاس
* لم اجد في كتاب مشكل تاويل القرآن لابن عطية.
المرتبة الثانية:
وجدت في الكتب التالية:
1- تفسير غريب القرآن لابن قتيبة.
2- غريب القرآن وتفسيره لليزيدي.
3- غريب القرآن للسجستاني.
4- ياقوتة الصراط للبغدادي.
5- تفسير المشكل في غريب القرآن لابن مكي.
6- العمدة في غريب القرآن لابن مكي.
*الكتب التي لم اجد فيها: لا يوجد.
المرتبة الثالثة:
وجدت في الكتب التالية:
1- كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي.
2- معاني القرآن لقطرب.
3- كتاب النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الاثير.
المرتبة الرابعة:
1- كتاب الكشاف للزمخشري.
2- حاشية الطيبي على الكشاف
3- الدر المصون للسمين الحلبي.
4- التحرير والتنوير لابن عاشور.
- لم أجد في البحر المحيط لأبي حيان، أو في تفسير ابن القيم.
المرتبة الخامسة:
وجدت في كتب أخرى جامعة مثل:
1- القاموس المحيط.
2- المعجم الاشتقاقي المؤصل لمحمد حسن جبل.
3- غريب القرآن لكاملة الكواري.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 صفر 1443هـ/25-09-2021م, 09:48 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

إعراب ( إن هذان لساحران)
المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالإعراب كما أنها تعود للقراءات في الآية ، لذا كان البدء في البحث في كتب التفسير ثم في كتب القراءات ثم في كتب أهل اللغة ،و خاصة التي تهتم بالإعراب ، و لأن المسألة من مشكل الإعراب فضمنت البحث في كتب مشكل الإعراب .
قال محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطَّبَرِي 310 هـ
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( إنَّ هَذَانِ) بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فـأطْرَقَ إطْـرَاقَ الشُّـجاعِ وَلَـوْ رَأى
مَســاغا لِنابــاه الشُّـجاعُ لصَممـا (3)
قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلا أقيس، لأن العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب، قال: وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران "، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فَمَـنْ يَـكُ أمْسَـى بالمَدِينَـةِ رَحْلُـهُ
فـــإنّي وَقيــار بِهَــا لَغَــرِيبُ (4)
وقوله:
إنَّ السُّــيوفَ غُدُوَّهــا ورَوَاحَهــا
تَـرَكَتْ هَـوَازِنَ مِثْـلَ قَرْنِ الأعْضَبِ (5)
قال: ويقول بعضهم: إن الله وملائكته يصلون على النبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنَّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، قال: وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها، قال: ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل، قال:
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ (6)
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بدّ له من أن يدخل " إلا " فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا(إنّ) بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك (إنَّ هَذَانِ) زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن.
قال أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي 516) هـ ):
قرأ ابن كثير وحفص : ( إن ) بتخفيف النون ، ( هذان ) أي : ما هذان إلا ساحران ، كقوله : وإن نظنك لمن الكاذبين ( الشعراء : 186 ) ، أي : ما نظنك إلا من الكاذبين ، ويشدد ابن كثير النون من " هذان " .
وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون " هذين " بالياء على الأصل .
وقرأ الآخرون : " إن " بتشديد النون ، " هذان " بالألف ، واختلفوا فيه :
فروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنه خطئ من الكاتب .
وقال قوم : هذه لغة الحارث بن كعب ، وخثعم ، وكنانة ، فإنهم يجعلون الاثنين في الرفع والنصب والخفض بالألف ، يقولون : أتاني الزيدان [ ورأيت الزيدان ] ومررت بالزيدان ، [ فلا يتركون ] ألف التثنية في شيء منها وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفا ، كما في التثنية ، يقولون : كسرت يداه وركبت علاه ، يعني يديه وعليه . وقال شاعرهم
تزود مني بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه .
وقال آخر
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
وقيل : تقدير الآية : إنه هذان ، فحذف الهاء .
وذهب جماعة إلى أن حرف " إن " هاهنا ، بمعنى نعم ، أي : نعم هذان . روي أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه ، فقال : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير : إن وصاحبها ، أي : نعم .
وقال الشاعر
بكرت علي عواذلي يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
أي : نعم .( 5/283-280))
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (
قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".
فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
[المحرر الوجيز: 6/106]
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:
زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها
[المحرر الوجيز: 6/107]
وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة - منهم عائشة رضي الله عنها - وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين. (1/15)

قال ابن الجوزي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري ( 597 هـ):
أنَّهم قالُوا: " ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ . . . " الآياتِ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.( زاد المسير ،3/ 163-165)

قال شمس الدين القرطبي (ت671 هـ،) ::
قوله تعالى : قالوا إن هذان لساحران قرأ أبو عمر ( إن هذين لساحران ) . ورويت عن عثمان وعائشة - رضي الله عنهما - وغيرهما من الصحابة ؛ وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين ؛ ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري ؛ فيما ذكر النحاس . وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف . وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه إن هذان بتخفيف ( إن ) ( لساحران ) وابن كثير يشدد نون ( هذان ) . وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب ، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران . وقرأ المدنيون والكوفيون ( إن هذان ) بتشديد ( إن ) ( لساحران ) فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب . قال النحاس فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ( إن هذان إلا ساحران ) وقال الكسائي في قراءة عبد الله : ( إن هذان ساحران ) بغير لام ؛ وقال الفراء في حرف أبي ( إن ذان إلا ساحران ) فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف .
قلت : وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له ، والنحاس في إعرابه ، والمهدوي في تفسيره ، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض . وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو : إني لأستحي من الله أن أقرأ ( إن هذان ) وروى عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قوله تعالى : لكن الراسخون في العلم ثم قال : والمقيمين وفي ( المائدة ) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون و ( إن هذان لساحران ) فقالت يا ابن أختي ! هذا خطأ من الكاتب . وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - : في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم . وقال أبان بن عثمان : قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان ، فقال لحن وخطأ ؛ فقال له قائل : ألا تغيروه ؟ فقال : دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما . القول الأول من الأقوال الستة أنها لغة بني الحارث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف ؛ يقولون : جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان ، ومنه قوله تعالى : ولا أدراكم به على ما تقدم . وأنشد الفراء لرجل من بني أسد - قال : وما رأيت أفصح منه :
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون : كسرت يداه وركبت علاه ؛ يديه وعليه ؛ قال شاعرهم [ هوبر الحارثي ] :
تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقم
وقال آخر :
طاروا علاهن فطر علاها
أي عليهن وعليها .
وقال آخر :
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتيها . قال أبو جعفر النحاس : وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية ؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة ، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته ؛ منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقول : إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني ؛ وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة ، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب . وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة . المهدوي : وحكى غيره أنها لغة لخثعم . قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه : واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين ، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب ؛ قال أبو جعفر فقول سيبويه : وهو حرف الإعراب ، يوجب أن الأصل ألا يتغير ، فيكون ( إن هذان ) جاء على أصله ليعلم ذلك ، وقد قال تعالى : استحوذ عليهم الشيطان ولم يقل استحاذ ؛ فجاء هذا ليدل على الأصل ، وكذلك ( إن هذان ) ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذا كان الأئمة قد رووها . القول الثاني أن يكون ( إن ) بمعنى نعم ؛ كما حكى الكسائي عن عاصم قال : العرب تأتي ب إن بمعنى نعم ، وحكى سيبويه أن ( إن ) تأتي بمعنى أجل ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان ؛ قال النحاس : ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه . الزمخشري : وقد أعجب به أبو إسحاق . النحاس : وحدثنا علي بن سليمان ، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري ، ثم لقيت عبد الله بن أحمد فحدثني ، قال حدثني عمير بن المتوكل ، قال حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب ، قال حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - وهو ابن الحسين - عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين ، قال : لا أحصي كم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على منبره : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول : أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص قال أبو محمد الخفاف قال عمير : إعرابه عند أهل العربية والنحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل ( إن ) في معنى نعم كأنه أراد - صلى الله عليه وسلم - ؛ نعم الحمد لله ؛ وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح خطبها بنعم . وقال الشاعر في معنى نعم :
قالوا غدرت فقلت إن وربما نال العلا وشفى الغليل الغادر
وقال عبد الله بن قيس الرقيات :
بكر العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله - عز وجل - : إن هذان لساحران بمعنى نعم ولا تنصب . قال النحاس : أنشدني داود بن الهيثم ، قال : أنشدني ثعلب :
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
قال النحاس : وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما يقال : نعم زيد خارج ، ولا تكاد تقع اللام هاهنا ، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا : اللام ينوى بها التقديم ؛ كما قال :
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
آخر :
أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من الشاة بعظم الرقبه
أي لخالي ولأم الحليس ؛ وقال الزجاج : والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ . المهدوي : وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني . قال أبو الفتح : ( هما ) المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف ، وإذا كان معروفا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام ، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد . القول الثالث قال الفراء أيضا : وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها كما قلت : ( الذي ) ثم زدت عليه نونا فقلت : جاءني الذين عندك ، ورأيت الذين عندك ، ومررت بالذين عندك القول الرابع قاله بعض الكوفيين قال : الألف في ( هذان ) مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير . القول الخامس : قال أبو إسحاق : النحويون القدماء يقولون الهاء هاهنا مضمرة ، والمعنى إنه هذان لساحران ؛ قال ابن الأنباري : فأضمرت الهاء التي هي منصوب ( إن ) و ( هذان ) خبر ( إن ) و ( ساحران ) يرفعها ( هما ) المضمر ، والتقدير : إنه هذان لهما ساحران . والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم ( إن ) و ( هذان ) رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء . القول السادس قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية ، فقال : إن شئت أجبتك بجواب النحويين ، وإن شئت أجبتك بقولي ؛ فقلت بقولك ؛ فقال : سألنيإسماعيل بن إسحاق عنها فقلت . القول عندي أنه لما كان يقال ( هذا ) في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة ، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحدة ؛ فقال ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به ؛ قال ابن كيسان : فقلت له : فيقول القاضي به حتى يؤنس به ؛ فتبسم( الجامع لأحكام القرآن، 11/ 216-219) .

تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ 728هـ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدَأً: اسْمُ (إنَّ) وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِنَا: " إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِنْ الْيَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ دَقِيقَةٌ وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ. وَقَدْ يُجِيبُ مَنْ يَعْتَبِرُ كَوْنَ الْأَلِفِ فِي هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: {إنْ هَذَانِ} وَقَوْلِهِ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} أَنَّ هَذَا تَثْنِيَةُ مُؤَنَّثٍ وَذَاكَ تَثْنِيَةُ مُذَكَّرٍ وَالْمُذَكَّرُ الْمُفْرَدُ مِنْهُ " ذَا " بِالْأَلِفِ فَزِيدَتْ فَوْقَ نُونِ التَّثْنِيَةِ وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ فَمُفْرَدُهُ " ذِي " أَوْ " ذه " أَوْ " تِهْ ". وَقَوْلُهُ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} تَثْنِيَةُ " تِي " بِالْيَاءِ فَكَانَ جَعْلُهَا بِالْيَاءِ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ أَشْبَهَ بِالْمُفْرِدِ؛ بِخِلَافِ تَثْنِيَةِ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ " ذَا " فَإِنَّهُ بِالْأَلِفِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَلِفِ أَنْسَبُ وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ تَثْنِيَةِ الْمُؤَنَّثِ وَتَثْنِيَةِ الْمُذَكَّرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ. وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلسَّمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلَمْ يَشْتَهِرْمَا يُعَارِضُهَا مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} هُوَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْآدَمِيُّونَ} وَمِثْلُهُ فِي الْمَوْصُولِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُمَرِ: أَخْبِرْنِي عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ فِيهِمَا: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} الْآيَةُ. آخِرُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ
<<(مجموع الفتاوي لابن تيمية ، (15/263-264))
رسالة ابن تيمية في ( إن هذان لساحران) الكلام موافق لما جاء في الفتاوي مع ذكر آراء أهل اللغة كالفراء و المهدوي و ابن كيسان و الجرجاني.
لم أحصل على ملف وورد للرسالة
اقوال علماء القراءات
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (10 - وَاخْتلفُوا في قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 في تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفي الْألف وَالْيَاء
فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائي {إِن} مُشَدّدَة النُّون (هذن) بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير (إِن هذن) بتَشْديد نون (هذن) وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر (إِن هذن) نون {إِن} مُشَدّدَة (هذن) مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهي قِرَاءَة ابْن كثير و(هذن) خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون (هذَيْن) بِالْيَاءِ). [السبعة في القراءات: 419]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ( (إن هذين) أبو عمرو (إن) خفيف مكي، وحفص). [الغاية في القراءات العشر: 322]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (قالوا إن) [63]: بجزم النون مكي، والمفضل طريق جبلة، وأبو بكر طريق ابن جبير، وحفص إلا البختري.
(هذان) [63]: نصب). [المنتهى: 2/830]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ ابن كثير وحفص (قالوا إن هذان) بتخفيف (إن) وشدد الباقون، وقرأ أبو عمرو (هذين) بالياء، وقرأ الباقون بالألف، وكلهم خففوا النون إلا ابن كثير فإنه شدد، وقد ذكرته). [التبصرة: 272]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (ابن كثير، وحفص: {قالوا إن} (63): بإسكان النون.
[التيسير في القراءات السبع: 362]
والباقون: بتشديدها.
أبو عمرو: {هذين}: بالياء.
والباقون: بالألف.
وابن كثير: يشدد النون.
والباقون: يخففونها). [التيسير في القراءات السبع: 363]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(ابن كثير وحفص: (قالوا إن) بإسكان النّون والباقون بتشديدها،، أبو عمرو (هذين) بالياء والباقون بالألف، وابن كثير يشدد النّون في هذان والباقون يخففونها). [تحبير التيسير: 459]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (إِنْ هَذَانِ) " إنْ " خفيف " هذان " بالألف أبو حيوة، وَحُمَيْد بن الوزير عن يَعْقُوب، والزَّعْفَرَانِيّ، ومكي غير ابْن مِقْسَمٍ، وابن جبير عن أبي بكر، وجبلة عن المفضل، وحفص إلا البحتري، وابن صبيح، وهو الاختيار، يعني: ما هذان، الباقون (إنَّ) مشدد أَبُو عَمْرٍو غير يونس وإبرهيم بن الغلاف (هَذَاينِ) بياء). [الكامل في القراءات العشر: 598]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([63]- {قَالُوا إِنْ} بإسكان النون: ابن كثير وحفص.
[63]- {هَذَانِ} بالياء: أبو عمرو.
وشدد ابن كثير النون). [الإقناع: 2/699]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (876- .... .... .... .... = وَتَخْفِيفُ قَالوا إِنَّ عَالِمُهُ دَلاَ
877 - وَهذَيْنِ فِي هذَانِ حَجَّ وَثِقْلُهُ = دَناَ .... .... .... .... ). [الشاطبية: 69]
قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([876]
[877] وهذين في هذان (حـ)ـج وثقله = (د)نا فاجمعوا صل وافتح الميم (حـ)ـولا
...
وخففت (إن) في {إن هذن}، لأنها إذا خففت جاز أن لا تعمل.
[فتح الوصيد: 2/1101]
واللام في {لسحرن}، للفرق بين النافية والمخففة، كقوله: {إن كاد ليضلنا}، و{إن نظنك لمن}، {وإن كل لما جميع لدينا محضرون}. وهي قراءة الخليل.
فعالم هذه القراءة (دلا)، أي أخرج دلوه ملأى، لأنه لا تعقب عليه.
(وهذين في هذان حج)، لأنه قرأ على الوجه الظاهر الجلي المعروف. وكذلك قرأ عیسی بن عمر.
قال أبو عمرو: «إني لأستحيي من الله أن أقرأ (إن هذان)».
وقال أيضًا: «ما وجدت في القرآن لحنا غير {إن هذن} و{أكن من الصلحين}».
فرأى أن ذلك من قبل الكاتب.
وهذا الذي قاله، إنما يقوله على الظن. وكم من ظن غير مصيب.
ومن حجته، أن المصاحف لما كتبت، عرضت على عثمان رضي الله عنه، فوجد فيها في أحرف فقال: «لا تغيروها فإن العرب ستغيرها، أو ستعربها بألسنتها».
[فتح الوصيد: 2/1102]
والرواية في ذلك غير ثابتة، ولا يليق ذلك عثمان رضي الله عنه، وقد كتب إمامًا متبعًا، للعرب وغيرها.
وروي أن عروة سأل عائشة رضي الله عنها عن (إن هذان لساحران)، فقالت: هذا عمل الكتاب أخطأوا في الكتاب».
وفي القراءة المشهورة أقوال:
قال المبرد وإسماعيل بن إسحاق وعلي بن سليمان؛ وقال الزجاج -وأعجب به- قال: (إن) بمعنى: (نعم)، و(ساحران): خبر مبتدإ محذوف.
[فتح الوصيد: 2/1103]
واللام التي في المبتدأ، بقيت في الخبر دلالة على المبتدأ المحذوف. والتقدير: لهما ساحران كما قال:
أم المحليس لعجوز شهربه
قال أبو علي: «التأكيد مع الحذف لا يليق؛ بل الأوجه أن يتم الكلام ثم يؤكد».
و(إن) كما قال الزجاج، قد جاءت بمعنى (نعم). حكي ذلك الكسائي عن عاصم.
وقد قال سيبويه رحمه الله: « إن (إن)، تأتي من أجل».
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ثم يقول: أنا أفصح قریش كلها، وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص».
وأبان هذا هو الذي ضمه أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت في كتابة المصحف.
فهذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.
وقد قدمت في صدر هذا الكتاب، استشهادات على إتيان (إن) بمعنی (نعم)؛ ومن ذلك قول الشاعر:
قالوا غدرت فقلت إن وربما = نال العلى وشفى القليل الغادر
وقال آخر:
[فتح الوصيد: 2/1104]
ليت شعري هل للمحب شفاء = من جوى حبهن إن اللقاء
قول ثان:
قال الكسائي والفراء وأبو زيد والأخفش: هو لغة بني الحارث بن كعب؛ يقولون: أخذت برجلاه وفي أذناه، ورأيت الزيدان.
وأنشد الفراء:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشجاع لصمما
وقال أبو الخطاب: «هي أيضًا لغة بني كنانة».
وقيل أيضًا: هي لغة بني العنبر وبني الهجيم وبني زبيد.
وقال آخر:
أي قلوص راكب تراها = طاروا علاهن فطر علاها
إن أباها وأبا أباها = قد بلغا في المجد غايتاها
وأنشد الكسائي:
تزود منا بين أذناه ضربةً = دعته إلى هابي التراب عقيم
[فتح الوصيد: 2/1105]
قول ثالث:
قال الفراء: «لما كانت الألف دعامة ولم تكن لام الفعل، زيد عليها النون ولم تغير، كما قالوا: (الذي)، ثم قالوا: جاءني الذين، ورأيت اللذين فزادوا نونًا».
قول رابع:
قال النحاس: «شبهت ألف (هذان)، بألف (يفعلان)، فلم تغير».
قول خامس:
وهو أن أئمة النحو القدماء، يقولون: الهاء مضمرة؛ والتقدير: إنه هذان لساحران.
قول سادس:
قال النحاس: «سألت أبا الحسن بن كيسان عنه، فقال: إن شئت أخبرتك بقول النحويين، وإن شئت أخبرك بقولي. فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي: إنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض، وكانت التثنية، يجب أن لا يغير له الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به. قلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم»؟.
قول سابع:
الألف عند سيبويه، حرف إعراب.
[فتح الوصيد: 2/1106]
قال سيبويه: «إذا ثنيت الواحد، زدت عليه زائدتين: الأولى منهما حرف مد ولين، وهو حرف الإعراب. فإذا كان حرف الإعراب، فالأصل أن لا يتغير، فجاء (إن هذان)، تنبيها على الأصل، كـ(استحوذ)».
قول ثامن:
قال عبد القاهر: «(ها): تنبيهٌ، و(ذا): إشارةٌ، زيد على ذلك ألف ونون، فاجتمع ألفان، فلا بد من الحذف، فلم يمكن حذف ألف (ذا)، لأنها كلمة على حرفين، فحذفت ألف التثنية، وبقيت النون دالة عليها. وألف (ذا)، لا تنقلب».
قول تاسع:
إنه ليس بتثنية على الحقيقة، لأن التثنية لما تتعرف نكرته، و تتنكر معرفته.
فهذا لفظ موضوع للتثنية، وليس بها كقولهم: (أنتما) و (هما)، فلا تعمل (إن) في ذلك.
وهذا القول والذي قبله يصلحان علة لمن لا يقول: (إن هذين).
وأنكر الزجاج قراءة أبي عمرو وقال: «لا أجيزها، لمخالفتها المصحف».
قال: «وكلما وجدت سبيلًا إلى موافقة المصحف، لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة، لا سيما وأكثر القراء على اتباعه، ولكن أستحسن (إن هذان)، وفيه إمامان: عاصم والخليل وموافقة أُبي». انتهى كلامه.
[فتح الوصيد: 2/1107]
قال أبو عبيد: «رأيتها في مصحف عثمان: (هذن) بغير ألف».
قال أبو عبيد: «وكذلك رأيت التثنية المرفوعة كلها بغير ألف».
وأما تشديد النون، فقد سبق في سورة النساء). [فتح الوصيد: 2/1108]
قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [876] فيسحتكم ضم وكسرٌ صحابهم = وتخفيف قالوا إن عالمه دلا
[877] وهذين في هذان حج وثقله = دنا فاجمعوا صل وافتح الميم حولا
[كنز المعاني: 2/432]
مبتدأ، أضيف إلى (قالوا إن)، (عالمه): مبتدأ ثان)، (دلا): خبره، والجملة: خبر الأول، (هذين): مبتدأ، (حج): خبر، (في هذان): متعلق به، (ثقله دنا): مبتدأ وخبر، (فاجمعوا): مفعول (صل)، (حولا): حال من فاعل (افتح).
ص: قرأ حمزة والكسائي وحفص: {فيسحتكم بعذاب} [61] بضم الياء وكسر الحاء من (أسحت)، والباقون: بفتحهما من (سحت) لغتان، بمعنى: استأصل.
وقرأ حفص وابن كثير: {قالوا إن هذان} [63] بتخفیف {إن}، والباقون: بتشديدها، وقرأ أبو عمرو (هذين لساحران) بالياء، وابن كثير: {هاذان} بتشديد النون، والباقون: بالألف والتخفيف.
فهذه أربع قراءات: لحفص: {إن هذان} بتخفيف النونين والألف، ولابن كثير: {إن هذان} بتخفيف الأولى وتشديد الثانية والألف، ولأبي عمرو: (إن هذين) بتشديد الأولى والياء، وللباقين: {إن هذان} بتشديد الأولى والألف
[كنز المعاني: 2/433]
فعلى قراءة حفص: {إن} مخففة من الثقيلة ألغيت من العمل، واللام في {لساحران} فارقة عند البصريين، ونافية واللام بمعنى (إلا) عند الكوفيين نحو: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186] وكذلك على قراءة ابن كثير، إلا أنه شدد نون {هاذان} للدلالة على بعد المشار إليهما، وقراءة أبي عمرو ظاهرة، وقراءة الباقين لها وجوه:
الوجه الأول: إن ضمير الشأن محذوف، والأصل: (إنه هذان)، واللام زائدة، أو أريد بها التقديم، أي: لهذان ساحران.
الثاني: إن الأصل (هذا) زيد الياء والنون عليها، فاجتمع ساكنان، فحذفت الياء، إذ لم يمكن حذف الأول لاختلال الكلمة بها، لأنها على حرفين .
[كنز المعاني: 2/434]
والثالث: إن {إن} بمعنى: (نعم): نحو:
ويقلن: شيب قد علا = وقد كبرت فقلت: إنه
أي: نعم، و{هذان لساحران} و أصله: لهما ساحران، حذف المبتدأ، وأدخل اللام على الخبر للدلالة على المحذوف.
والرابع: لغة بني الحارث بن كعب، يقلبون كل ياء ساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفا، نحو: (من أحب کریمتاه فلا يكتبن بعد العصر)، قال الشاعر:
[كنز المعاني: 2/435]
إن أباها وأبا أباها = قد بلغا في المجلي غايتاها
وقرأ أبو عمرو: {فأجمعوا كيدكم} [64] بوصل الهمزة وفتح الميم، أم من (جمع يجمع)، والباقون: بقطعها والكسر، من (أجمع) بمعنى العزم على الأمر، أو لغتان بمعنى الجمع). [كنز المعاني: 2/436] (م)
قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (وخفف حفص وابن كثير إن من قوله سبحانه: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها؛ لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ}، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا}، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية؛ هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. والكوفيون يقولون: إن نافية واللام بمعنى إلا؛ أي: ما هذان إلا ساحران، وكذلك البواقي فعالم هذه القراءة دلا؛ أي: أخرج دلوه ملأى، فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره، قال الزجاج: روي عن الخليل: "إن هذان لساحران" بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} بالتخفيف قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/372]
877- وَهذَيْنِ فِي هذَانِ "حَـ"ـجَّ وَثِقْلُهُ،.. "دَ"نا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ الْميمَ "حُـ"ـوَّلا
أي: وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين"؛ لأنه اسم "إن" فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال: حج؛ أي: غلب في حجته لذلك ثم قال: وثقله دنا أي: أن ابن كثير شدد النون من هذان، وهذا قد تقدم ذكره في النساء، وإنما أعاد ذكره؛ تجديدا للعهد به وتذكيرا بما لعله نسي كما قلنا في "سوى وسدى"، أما قراءة غير أبي عمرو وابن كثير وحفص فبتشديد إن وهذان بألف، قال أبو عبيد: ورأيتها أنا في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط "هذان" ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف، فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوهما بالياء ولا يسقطونها.
قلت: فلهذا قرئت بالألف؛ إتباعا للرسم، واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة، وقال الزجاج: أما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها؛ لأنها خلاف المصحف، وكلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنة وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن إن هذان بتخفيف إن وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أُبَيٍّ في المعنى، وإن خالفه اللفظ، يروى عنه أنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"، وفي رواية: "إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}؛ لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ، قال: وهذا حرف مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره.
قلتُ: مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يكون هذان اسما؛ لأن، والآخر: أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لـ "أن" فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
بسائر الأسماء المقصورة، كعصى وموسى، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء وإلى الضمير في بعض اللغات، قال الزجاج: حكى أبو عبيد عن أبي الخطاب -وهو رأس من رؤساء الرواة- أنها لغة كانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: آتاني الزيدانُ ورأيت الزيدانَ ومررت بالزيدانِ، ويقولون: ضربته من أذناه، ومن يشتري مني الحقان، قال: وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بني الحارث بن كعب، وقال أبو عبيد: كان الكسائي يحكي هذه اللغة عن بني الحارث بن كعب وخيثم وزبيد وأهل تلك الناحية، وقال الفراء: أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث:
فأطرق إطراق الشجاع ولو ترى،.. مساغًا لناباه الشجاع لصمما
قال: وحكي عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه. قال أبو جعفر النحاس: هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يُرتضى علمه وصدقه وأمانته منهم: أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقال إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيه، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه وغيره، وقال غيره هي لغة بني العنبر وبني الهجيم، ومراد وعذرة، وبعضهم يفر من الياء مطلقا في التثنية والأسماء الستة وعلى وإلى، قال الراجز:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/374]
أي قلوص راكب تراها،.. طاروا على هن فَطِرْ علاها
إن أباها وأبا أباها،.. قد بلغا في المجد غايتاها
قال هوبز الحارثي أنشده الكسائي:
تزود منا بين أذناه ضربة،.. دعته إلى هابي التراب عقيم
معناه وإلى موضع هابئ التراب؛ أي: ترابه مثل الهباء يريد به القبر ثم وصفه بأنه عقيم؛ أي: لا مسكن له بعده وأنشد غيره:
كأن صريف ناباهُ إذا ما،.. أمرَّهما ترنَّم أخطبان
وقال أبو حاتم: قال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول: جئت إلاك وسلمت علاك، قلت: فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها: ما يشمل جميع مواضع التثنية، ومنها ما يختص باسم الإشارة قيل: شبهت ألف التثنية بألف يفعلان فلم تغير، وقيل؛ لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه، وحرف الإعراب لا يتغير.
وقيل: الألف في هذان هي ألف هذا، وألف التثنية حذفت؛ لالتقاء الساكنين، وقيل: جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه الصفة كما قالوا في المضمر: أنتما وهما؛ لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات فلم تعرب تثنيتهما، وقيل: فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان كما يقال: رحيان وحبليان، وقال الفراء: الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلما ثنيته
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/375]
زدت عليها نونا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال كما قالت العرب الذي ثم زادوا نونا تدل على الجمع فقالوا الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كذا تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قلت: وإنما اكتفوا بالنون في هذين الضربين؛ لأنها لا تحذف لإضافة، ولما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية، قال: وكنانة تقول ألذون، وقال النحاس: سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال: سألني عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت: لما كان يقال هذا في موضع النصب والخفض والرفع على حال واحد وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد. قلت: هذه سبع أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا وهي مفرقة في كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه في الاحتجاج لهذه القراءة وليست الحجة إلا في كونها لغة لبعض العرب؛ إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعاني أو بعضها، فترى بعضهم يقول في تعليل هذه القراءة خمسة أقوال وبعضهم يقول ستة وبعضهم بلغ بها تسعة وليس لها عندي إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا وهو أنها على لغة هؤلاء القوم ووجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة وهذان فيها كلها اسم؛ لأن القول الثاني أن تكون أن بمعنى نعم، وقد ثبت ذلك في اللغة كأنهم لما: {تَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون: نعم، هو كما تقولون أو قال لهم فرعون وملؤه: {هَذَانِ لَسَاحِرَان}، فانظروا كيف تصنعون في إبطال ما جاءا به فقالوا: نعم ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا: "هذان لساحران" وهذا القول محكي عن جماعة من النحاة المتقدمين، قال النحاس: وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل ابن إسحاق يذهبان، قال: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. قلت: وهذا القول يضعفه دخول اللام
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/376]
في خبر المبتدأ فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك، واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو: "لهما ساحران" فتكون داخلة على مبتدأ ثم حذف للعلم به، واتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك قال: وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد؛ يعني: القاضي فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وقال أبو علي: هذا تأويل غير مرتضًى عندي؛ إذ يقبح أن يذكر التأكيد ويحذف تفسير المؤكد، أو شيء من المؤكد. القول الثالث: قال الزجاج: النحويون القدماء، الهاء ههنا مضمرة، المعنى: "إنه هذان لساحران"؛ يعني "إنه" ضمير الشأن والجملة بعده مبتدأ وخبر وفيه بعد من جهة اللام كما سبق ومن جهة أخرى، وهي حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا في الشعر، ومنهم من قال ضمير الشأن والقصة موجود وهو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه ولكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف، فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة؛ فإنها إن حملت على تلك اللغة فهي لغة مهجورة غير فصيحة، ولأن لغة القرآن العزيز خلافها
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/377]
بدليل قوله تعالى: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}، وجميع ما فيه من ألفاظ التثنية؛ فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التي في الرفع بالألف وبالياء في النصب والجر، وإن حملت على "أن"، "إن": بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان، والله المستعان). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/378]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "إن هذين لساحران" [الآية: 63] فنافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب
[إتحاف فضلاء البشر: 2/248]
وخلف بتشديد إن وهذان بالألف، وتخفيف النون وافقهم الشنبوذي والحسن، وفيها أوجه: أحدها أن إن بمعنى نعم، وهذان مبتدأ ولساحران خبره، الثاني اسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة هذان لساحران خبرها، الثالث أن هذان اسمها على لغة من أجرى المثنى بالألف دائما، واختاره أبو حيان، وهو مذهب سيبويه، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف إن وهذان بالألف مع تشديد النون، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف نون هذان، وافقه ابن محيصن وهاتان القراءتان أوضح القراءات في هذه الآية: معنى ولفظا وخطا، وذلك أن إن المخففة من الثقيلة أهملت وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام للفرق بين النافية والمخففة على رأي البصريين، وقرأ أبو عمرو إن بتشديد النون وهذين بالياء مع تخفيف النون، وهذه القراءة واضحة من حيث الإعراب والمعنى؛ لأن هذين اسم أن نصب بالياء، ولساحران خبرها ودخلت اللام للتأكيد، لكن استشكلت من حيث خط المصحف، وذلك أن هذين رسم بغير ألف ولا ياء ولا يرد بهذا على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم مما هو خارج عن القياس مع صحة القراءة به وتواترها، وحيث ثبت تواتر القراءة فلا يلتفت لطعن الطاعن فيها، وافقه اليزيدي والمطوعي). [إتحاف فضلاء البشر: 2/249]

 -أقوال اللغوين :
قال أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (المتوفى: 207هـ):
وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)
خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.
إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3»
قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.
وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.
وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.
والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .
(معاني القرآن، ج2/183-184)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 209هـ): إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «1» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
(207) وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
(291) وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
«2» «3» [545] ويقول بعضهم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (33/ 56) فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
 «أم الحليس لعجوز شهربه» وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران.( مجاز القرآن ،ج2/20-23)

قال أبو الحسن المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، المعروف بالأخفش الأوسط، (المتوفى: 215هـ) .
قَالُواْ إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}
وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا
بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.<<

- وتأ على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله (.معانى القرآن للأخفش، (2/443-444))

قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) باب ما ادعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غلط الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لحنا- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلوا لكل حرف منها، واستشهدوا الشعر:
فقالوا: في قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا «3» :
أيّ قلوص راكب تراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ
(تأويل مشكل القرآن المؤلف:41-42)
قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ).: وقوله عزّ وجلّ: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:

فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأىمسـاغـا لـنـابـاه الـشّـجـاع لصـمّـمـا

وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:

ويـقـلــن شــيــب قــــد عــــلّاك وقد كبرت فقلت إنّه

ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:

خالي لأنت ومن جرير خالهينـل العـلاء ويكـرم الأخــوالا

وأنشدوا أيضا:

أمّ الـحـلـيــس لــعــجــوز شــهــربــهترضى من الشاة بعظم الرّقبه

قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن {إن هذان لساحران} بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية ( [معاني القرآن و إعرابه: 3/361،360] .

قال محمد بن القاسم الأنباري (ت 328هـ):
( و من ذلك قوله تعالى( إن هذان لساحران) الأصل في ألف التثنية أن تكون/كعصا و رحا، في الرفع و النصب و الجر على صورة واحدة،لان الحركة مقدرة ،كما هي في ألف عصا و رحا، و لكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب و الجر حرصًا على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد\ من البيان،ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل و نصبها بعد المفعول، و هذا المعنى لا يتأتى بالتثنية،لو قلت :ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ،لم تتغير الصفة فجاء قوله(إن هذان لساحران) على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما (استحوذ ) على ذلك.
(البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري، 933)
قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي (المتوفى: 338هـ)
قالوا إن هذان لساحران فيه ست قراءات «5» قرأ المدنيون والكوفيون إن هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إن هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن. فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء «1» : في حرف أبي إن ذان إلا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن «إن» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدثنا علي بن سليمان قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال: حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» «2» قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292- قالوا: غدرت فقلت إن وربما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «3» وقال ابن قيس الرقيات «4» : [مجزوء الكامل] 293- بكر العواذل في الصبوح ... يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنه فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: إن هذان لساحران بمعنى نعم. قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294- ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء «1» أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزيدان، ومررت بالزيدان وأنشد: [الطويل] 295- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما «2» وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إن هذان لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296- أم الحليس لعجوز شهربه «3» والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: استحوذ عليهم الشيطان [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا (3/ 331-332، إعراب القرآن)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي (ت ٣٧٠ هـ):
وقوله تعالى: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} [٦٣].
فيه ستّ قراءات:
قرأ أبو عمرو وحده «إنّ هذين» بالياء؛ لأنّ تثنية المنصوب، والمجرور بالياء فى لغة فصحاء العرب، وأمّا من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان. فلغة شاذّة، لا تدخل فى القرآن، وهى لغة بلحرث بن كعب. قال الشّاعر (١):
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابى التّراب عقيم
وقال آخر (
طاروا علاهنّ فطر علاها ... واشدد بمثنى حقب حقواها
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها
ناجية وناجيا أباها
فلمّا كانت الكتابة فى المصحف بالألف (إنّ هذان) حمله بعضهم على هذه اللّغة.
وقال المبرّد، وإسماعيل القاضى: أحسن ما قيل فى هذا: أن يجعل «إنّ» بمعنى: «نعم»، والتّقدير: نعم هذان لساحران. فيكون ابتداء وخبرا.
قال الشّاعر (١) :
بكر العواذل بالضّحى يلحيننى وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
وقرأ «إن هذان» عاصم فى رواية أبى بكر، ونافع، وحمزة والكسائىّ/ وابن عامر اتّباعا للمصحف. واحتجّوا بما قدّمت ذكره.
ولأبى عمرو حجّة أخرى: وذلك أنّه سمع حديث عثمان (٢) ، وعائشة إنّا لنجد فى مصاحفكم لحنا، وستقيمه العرب بألسنتها.
فإن سأل سائل: كيف جاز لعثمان، وهو إمام أن يرى لحنا فى المصحف فلا يغيّره؟
فالجواب: فى ذلك:
أنّ اللّحن على ثلاثة أوجه: -
فأحد ذلك أن تنصب الفاعل، وترفع المفعول، ونحو ذلك، فذلك لا يجوز فى كلام ولا قرآن، ولا غيره.
والوجه الثانى: أن يكون اللّحن خروجا من لغة إلى لغة. فقول عثمان:
نجد فى مصاحفكم لحنا، لم يرد اللّحن الذى لا يجوز البتّة، ولكنّه أراد الخروج من لغة إلى لغة؛ لأنّ القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بلغه أنّ ابن مسعود يقرئ الناس بلغة هذيل «عتّى حين» (١) بالعين فكتب إليه: أمّا بعد، فإذا ورد عليك كتابى فأقرئ النّاس بلغة هذا الحىّ من قريش. وكلّ قد ذهب مذهبا، والحمد لله واجتهدوا.
والوجه الثّالث: أنّ اللّحن الفطنة، وقد فسّر فى غير هذا الموضع.
والقراءة الثالثة: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} بتخفيف «إن» قرأ بذلك حفص عن عاصم. جعل «إن» بمعنى «ما» جحدا، أى: ما هذان لساحران.
والقراءة الرابعة «إن هذانِّ» بتخفيف «إن»، وتشديد نون التّثنية، وهى قراءة ابن كثير وحفص/وقد ذكرت علّة تشديد النّون فى (النّساء).
والقراءة الخامسة: أنّ أبيّا قرأ (١) : «إن ذان إلا ساحِرْن» وهذا يقوى قراءة حفص وابن كثير.
والقراءة السّادسة: أنّ ابن مسعود (٢) قرأ: «إنّ هذان ساحران» بغير فإن سأل سائل فقال: قد أجزت أن تجعل «إن» بمعنى «نعم».
ولا يدخل اللاّم بين المبتدأ وخبره. ولا يقال: زيد لقائم. فما وجه قوله:
{إِنْ هذانِ}.
فالجواب فى ذلك: أنّ من العرب من يدخل لام التّأكيد فى خبر المبتدأ.
فيقول زيد لأخوك. وهى لغة مستقيمة، قال الشّاعر (١): -
خالى لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر (٢):
أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه
وفيه وجه أحسن من هذا كلّه، وذلك: أنّ جعفر بن محمد سئل عن {إِنْ هذانِ}.فقال: إنّ فرعون كان لحنة قبطيّا. فقال: إنّ هذان فحكى الله لفظه. ويخطّئ هذا التوجيه أن فرعون لم يتكلم العربية .. وكيف يغيب هذا عن شيخنا؟( إعراب القراءات السبع وعللها)
قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ):
قرأ ابن كثيرٍ (إِنْ) خفيفة، (هَذاَن) بالرفع وتشديد النون.
وقرأ حفص (إنْ هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنَّ) مشددة، (هَذَين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنَّ) بالتشدِيد، (هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنَّ هَذَين) وهي اللغة العالية التي
يتكلم بها جَماهِير العرب إلا أنها مخالَفة لِلْمصحف، وكان أبو عمرو يذهب
في مُخَالفته المصحَفَ إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي
حروف أخر.
وأما مَنْ قَرَأَ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بتخفيف (إِنْ) ، و (هَذَانِ) بالرفع فإنه ذهب
إلى أن (إنَّ) إذا خُفَفت رُفع ما بعدها، ولم يُنصَب بها، وتشديد النون من
(هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) : ما هذان إلا سَاحِرَان، بمعنى النفي، واللام في (لَسَاحِرَان) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
<<وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا
حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة
لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك:
أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ،
وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة:
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب،
وأنشد
تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
ها هنا هاء مضمرة،
المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ.
<<
وقال آخرون: (إنَّ) بمعنى: نَعَمْ هذان لسَاحِرَان، وقال ابن قيس الرقَيَّات:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت
موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذانِ لهُما سَاحِران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزُهَا لمخالفتها المصحف،
قال: ولما وجدت سَبيلاً إلى موافقة المصحف لم أَجِز مخالفتَه؛ لأن اتباعه
سُنَّة، سِيمَا وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أَسْتَحْسِنُ
(إنْ هَذانِ لَسَاحِرَان) وفيه إمَامَانِ: عاصم، والخليل. وموافقة أُبيٍّ - رضي الله عنه ،( إعراب القراءات السبع وعللها، 2/ 149-151)
مشكل إعراب القرآن المؤلف: أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ)
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلّا َ مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466)

قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ):
إن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (1).
يَعْنُونَ موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القُراءِ
أما قراءة أهل المدينة والأكْمَهِ في القراءة فبتشديد (إنَّ) والرفع في
(هذان) وكذلك قرأ أهْلُ العِراق حمزةُ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيونَ.
ورُويِ عَنْ عاصم: إِنْ هذان بتخفيف (إنْ)، ويُصَدِّق ما قرأه عاصم
في هذه القراءة ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ فَإنهُ قرأ: ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ، ورُوِيَ أيضاً
عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ، ورويت عن الخليل أيضاً: إنْ هذانْ
لَسَاحِرَان - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمَر: إنَّ هَذَيْن لَسَاحرانِ، بتشديد " إِنَّ " ونصب هذين فهذه الرواية فيه.
فأمااحتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنهُ رُوِيَ أنه من غَلطِ الكاتب، وأن في الكتاب غَلَطاً سَتُقِيمُه العربُ بألْسِنَتِها، يروى ذلك عَنْ عُثْمَانَ بنِ عفَانِ وَعَنْ عائشة - رحمهما اللَّه -. وأما الاحتجاج في أنَّ هذان بتشديد أن ورفع هذانِ فحكى أبُو عُبَيْدَة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لِكنَانَة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنَصْبِ والخفض على لفظ واحدٍ، يقولون أتاني الزيدان. ورأيت الزيْدَانِ، ومررت بالزَيْدَانِ، وهؤلاء ينشدون: فأَطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولو رَأَى. . . مَساغاً لِنابَاه الشُّجاعُ لَصَمَّما وهؤلاء أيضاً يقولون: ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعْبٍ.
قال النحويون القُدَمَاء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنهُ هذانِ لَسَاحِرَانِ، وقالوا أيضاً أن معنى (إن) معنى (نَعَمْ)، المعنى نعم هَذان لساحِرَانِ.
وينشدون:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قدْ علَّا. . . كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
ويَحتحون بأن هذه اللامَ - أصْلُهَا - أن تقع في الابتداء، وأن وُقُوعَها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأَنتَ ومَن جَريرٌ خالُه. . . يَنَلِ العَلاءَ ويُكْرِمِ الأَخْوالا
وأنشدوا أيضاً:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء فى هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الَّذِينَ في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنَّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصْبِ والخفض أبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمَّا قراءةَ عيسى بن عمر وأبي ععرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجِزْ مخَالفَتَه، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أسْتَحسِنُ (إنْ هذان لساحران) بتخفيف (إنْ) وفيه إمامان: عاصمٌ والخليلُ، وموافقة أُبيٍّ في المعْنَى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضاً (إنَّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
(الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، 3/ 361-364 ).
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
قال الكشاف: الظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفا من غلبتهما. وتثبيطا للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
فلما حضر موسى للميقات ونظر إلى السحرة وما استعدوا به قال: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً) فحينئذ تنازع السحرة أمرهم وأسروا النجوى، وقالوا: ما هذا بقول ساحر، ثم اتجه لسائل أن يقول: ما فعل فرعونُ وقومه عند هذا التقاعد والتواني وما قالوا للسحرة؟ أجيب: قالوا: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) إلى قوله: (اسْتَعْلَى).
قوله: (وتجاذبوا أهداب القول)، استعارةٌ، وتجاذبوا ترشيحها، والمجموع كنايةٌ عن أن الكلام ذو شجون. وفيه أن كلامهم كان أقوالاً ملفقةً لا حقيقة لها؛ لأن هدبة الثوب مثل في الرخاوة، يدل عليه قوله: "في تلفيق هذا الكلام وتزويره"، ويروى: "وترويزه"، من الروز، وهو الذوق، يقال: راز العدل، أي: حركه، هل يقدرُ على حمله أم لا؟
قوله: (خوفاً من غلبتهما)، يريد أن نجواهم في السر كان لتلفيق قوله: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) يعني: إن صرحنا بالحق نخافُ من غلبتهما علينا بأن يقولا: فاتبعونا إذن. ومن تثبيط الناس أيضاً، فإنهم إذا سمعوا ذلك رغبوا في اتباعهما، فالواجب أن يقول: إن هذين لساحران، فيأمن من ذلك، هذا يقوي رواية من روى "تزويره" بالراء بعد الزاي.
قوله: (قرأ أبو عمرو: "إن هذين")، وفي "التيسير": وقرأ ابنُ كثيرٍ وحفص: (إِنْ هَذَانِ) بإسكان النون والباقون بتشديدها. وقرأ أبو عمرو: "هذين" بالياء، والباقون: بالألف.
قال الكشاف :(أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.
قوله: ("أن هذان ساحران" بفتح "أنْ" وبغير لام)، بدلٌ من (النَّجْوَى)، هذا على أن يكون قوله: "أن هذان لساحران" من كلام السحرة كما قال، والظاهر أنهم تشاوروا في السر، فيكون قوله: (قَالُوا) مقحماً توكيداً لأن "أسروا" نوعٌ من القول، وقوله: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) كلام بعضهم مع بعض، وفي "الموضح": بحذف (قَالُوا) من البين.
قوله: 0 جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا)، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ،ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة. وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ
قال الكشاف :وقال بعضهم: "إِنْ" بمعنى نعم. و (ساحِرانِ) خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بلقدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].
ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:
إن مُحلاً وإن مُرتحلاً
وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟
قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.
(فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) ، 10/ 197-200 ).
قال فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ):
المَسْألَةُ الأُولى: القِراءَةُ المَشْهُورَةُ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ ومِنهم مَن تَرَكَ هَذِهِ القِراءَةَ وذَكَرُوا وُجُوهًا أُخَرَ:
أحَدُها: قَرَأ أبُو عَمْرٍو وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“ قالُوا: هي قِراءَةُ عُثْمانَ وعائِشَةَ وابْنِ الزُّبَيْرِ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم واحْتَجَّ أبُو عَمْرٍو وعِيسى عَلى ذَلِكَ بِما رَوى هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها أنَّها سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والصّابِئُونَ والنَّصارى﴾ [المائدة: ٦٩] في المائِدَةِ، وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿لَكِنِ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ مِنهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ والمُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] فَقالَتْ: يا ابْنَ أخِي هَذا خَطَأٌ مِنَ الكاتِبِ، ورُوِيَ عَنْ عُثْمانَ أنَّهُ نَظَرَ في المُصْحَفِ فَقالَ: أرى فِيهِ لَحْنًا وسَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، وعَنْ أبِي عَمْرٍو أنَّهُ قالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي أنْ أقْرَأ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ .
وثانِيها: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ”إنْ هَذانِّ“ بِتَخْفِيفِ ”إنَّ“ وتَشْدِيدِ نُونِ ”هَذانِ“ .
وثالِثُها: قَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ”إنْ هَذانِ“ بِتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ.
ورابِعُها: قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (وأسَرُّوا النَّجْوى، أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ الألِفِ وجَزْمِ نُونِهِ [ و] ساحِرانِ بِغَيْرِ لامٍ.
وخامِسُها: عَنِ الأخْفَشِ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ خَفِيفَةٌ في مَعْنى ثَقِيلَةٍ وهي لُغَةُ قَوْمٍ يَرْفَعُونَ بِها ويُدْخِلُونَ اللّامَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَها وبَيْنَ الَّتِي تَكُونُ في مَعْنى ما.
وسادِسُها: رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: [ إنْ هَذانِ لَساحِرانِ ] وعَنِ الخَلِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وعَنْ أُبَيِّ أيْضًا: [ إنْ ذانِ لَساحِرانِ ] فَهَذِهِ هي القِراءاتُ الشّاذَّةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ، واعْلَمْ أنَّ المُحَقِّقِينَ قالُوا: هَذِهِ القِراءاتُ لا يَجُوزُ تَصْحِيحُها لِأنَّها مَنقُولَةٌ بِطَرِيقِ الآحادِ، والقُرْآنُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَنقُولًا بِالتَّواتُرِ إذْ لَوْ جَوَّزْنا إثْباتَ زِيادَةٍ في القُرْآنِ بِطَرِيقِ الآحادِ لَما أمْكَنَنا القَطْعُ بِأنَّ هَذا الَّذِي هو عِنْدَنا كُلُّ القُرْآنِ لِأنَّهُ لَمّا جازَ في هَذِهِ القِراءاتِ أنَّها مَعَ كَوْنِها مِنَ القُرْآنِ ما نُقِلَتْ بِالتَّواتُرِ جازَ في غَيْرِها ذَلِكَ، فَثَبَتَ أنَّ تَجْوِيزَ كَوْنِ هَذِهِ القِراءاتِ مِنَ القُرْآنِ يَطْرُقُ جَوازَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ والتَّغْيِيرِ إلى القُرْآنِ وذَلِكَ يُخْرِجُ القُرْآنَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً ولَمّا كانَ ذَلِكَ باطِلًا فَكَذَلِكَ ما أدّى إلَيْهِ، وأمّا الطَّعْنُ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ فَهو أسْوَأُ مِمّا تَقَدَّمَ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ لَمّا كانَ نَقْلُ هَذِهِ القِراءَةِ في الشُّهْرَةِ كَنَقْلِ جَمِيعِ القُرْآنِ فَلَوْ حَكَمْنا بِبُطْلانِها جازَ مِثْلُهُ في جَمِيعِ القُرْآنِ وذَلِكَ يُفْضِي إلى القَدْحِ في التَّواتُرِ وإلى القَدْحِ في كُلِّ القُرْآنِ وأنَّهُ باطِلٌ، وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَ صَيْرُورَتُهُ مُعارِضًا بِخَبَرِ الواحِدِ المَنقُولِ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ.
وثانِيها: أنَّ المُسْلِمِينَ أجْمَعُوا عَلى أنَّ ما بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى وكَلامُ اللَّهِ تَعالى لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لَحْنًا وغَلَطًا فَثَبَتَ فَسادُ ما نُقِلَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ فِيهِ لَحْنًا وغَلَطًا.
وثالِثُها: قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: إنَّ الصَّحابَةَ هُمُ الأئِمَّةُ والقُدْوَةُ فَلَوْ وجَدُوا في المُصْحَفِ لَحْنًا لَما فَوَّضُوا إصْلاحَهُ إلى غَيْرِهِمْ مِن بَعْدِهِمْ مَعَ تَحْذِيرِهِمْ مِنَ الِابْتِداعِ وتَرْغِيبِهِمْ في الِاتِّباعِ، حَتّى قالَ بَعْضُهُمُ: اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ. فَثَبَتَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن تَصْحِيحِ القِراءَةِ المَشْهُورَةِ. واخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِيهِ وذَكَرُوا وُجُوهًا:
الوَجْهُ الأوَّلُ: وهو الأقْوى أنَّ هَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ وقالَ بَعْضُهم هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، والزَّجّاجُ نَسَبَها إلى كِنانَةَ، وقُطْرُبٌ نَسَبَها إلى بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ ومُرادٍ وخَثْعَمَ وبَعْضِ بَنِي عُذْرَةَ، ونَسَبَها ابْنُ جِنِّي إلى بَعْضِ بَنِي رَبِيعَةَ أيْضًا وأنْشَدَ الفَرّاءُ عَلى هَذِهِ اللُّغَةِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ يَرى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وأنْشَدَ غَيْرُهُ:
تَزَوُّدَ مِنّا بَيْنَ أُذُناهُ ضَرْبَةً ∗∗∗ دَعَتْهُ إلى هابِي التُّرابِ عَقِيمِ
قالَ الفَرّاءُ: وحَكى بَعْضُ بَنِي أسَدٍ أنَّهُ قالَ هَذا خَطُّ يَدا أخِي أعْرِفُهُ. وقالَ قُطْرُبٌ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ: رَأيْتُ رَجُلانِ واشْتَرَيْتُ ثَوْبانِ، قالَ رَجُلٌ مِن بَنِي ضَبَّةَ جاهِلِيٌّ:
أعْرِفُ مِنها الجِيدَ والعَيْنانا ∗∗∗ ومَنخِرَيْنِ أشْبَها ظَبْيانا
وقَوْلُهُ: ومَنخِرَيْنِ عَلى اللُّغَةِ الفاشِيَةِ، وما وراءَ ذَلِكَ عَلى لُغَةِ هَؤُلاءِ.
وقالَ آخَرُ:
طارُوا عَلاهُنَّ فَطِرْ عَلاها ∗∗∗ واشْدُدْ بِمَثْنى حَقَبٍ حَقْواها
وقالَ آخَرُ:
كَأنَّ صَرِيفَ ناباهُ إذا ما ∗∗∗ أمَرَّهُما صَرِيرَ الأخْطَبانِ
قالَ بَعْضُهُمُ: الأخْطَبانِ ذَكَرُ الصِّرْدانِ، فَصَيَّرَهُما واحِدًا فَبَقِيَ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِهِ: صَرِيفُ ناباهُ، قالَ: وأنْشَدَنِي يُونُسُ لِبَعْضِ بَنِي الحارِثِ:
كَأنَّ يَمِينا سَحْبَلٍ ومَصِيفَهُ ∗∗∗ مُراقُ دَمٍ لَنْ يَبْرَحَ الدَّهْرُ ثاوِيا
وأنْشَدُوا أيْضًا:
إنَّ أباها وأبا أباها ∗∗∗ قَدْ بَلَغا في المَجْدِ غايَتاها
وقالَ ابْنُ جِنِّي رَوَيْنا عَنْ قُطْرُبٍ:
هُناكَ أنْ تَبْكِي بِشَعْشَعانِ ∗∗∗ رَحْبِ الفُؤادِ طائِلِ اليَدانِ
ثُمَّ قالَ الفَرّاءُ وذَلِكَ وإنْ كانَ قَلِيلًا أقْيَسُ لِأنَّ ما قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَهُ ألِفًا، ولَوْ كانَ ما بَعْدَهُ ياءً يَنْبَغِي أنْ تَنْقَلِبَ ألِفًا لِانْفِتاحِ ما قَبْلَها، وقُطْرُبٌ ذَكَرَ أنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرارًا إلى الألِفِ الَّتِي هي أخَفُّ حُرُوفِ المَدِّ. هَذا أقْوى الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الألِفُ في هَذا مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ، والحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ؛ لِأنَّ ما بِالذّاتِ لا يَزُولُ بِالعَرَضِ فَهَذا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أنْ لا يَجُوزَ أنْ يُقالَ: ”إنَّ هَذَيْنِ“ فَلَمّا جَوَّزْناهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أنْ يُقالَ: إنْ هَذانِ.
الوَجْهُ الثّانِي في الجَوابِ أنْ يُقالَ: إنْ هَهُنا بِمَعْنى نَعَمْ، قالَ الشّاعِرُ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنْهُ
أيْ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فالهاءُ في ”إنْهُ“ هاءُ السَّكْتِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٩] وقالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:
شابَ المَفارِقُ إنْ إنَّ مِنَ البِلى ∗∗∗ شَيْبُ القَذالِ مَعَ العِذارِ الواصِلِ
أيْ نَعَمْ إنَّ مِنَ البِلى، فَصارَ ”إنْ“ كَأنَّهُ قالَ: نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، واعْتَرَضُوا عَلَيْهِ فَقالُوا: اللّامُ لا تَدْخُلُ في الخَبَرِ عَلى الِاسْتِحْسانِ إلّا إذا كانَتْ ”إنَّ“ داخِلَةً في المُبْتَدَأِ، فَأمّا إذا لَمْ تَدْخُلْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللّامِ المُبْتَدَأُ إذْ يُقالُ: لَزَيْدٌ أعْلَمُ مِن عَمْرٍو، ولا يُقالُ: زَيْدٌ لَأعْلَمُ مِن عَمْرٍو، وأجابُوا عَنْ هَذا الِاعْتِراضِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: لا نُسَلِّمُ أنَّ اللّامَ لا يَحْسُنُ دُخُولُها عَلى الخَبَرِ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗ تَرْضى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقالَ آخَرُ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗ يَنَلِ العَلاءَ ويُكْرَمُ الأخْوالا
وأنْشَدَ قُطْرُبٌ:
ألَمْ تَكُنْ حَلَفْتَ بِاللَّهِ العَلِيِّ ∗∗∗ أنَّ مَطاياكَ لَمِن خَيْرِ المَطِيِّ
وإنْ رُوِيَتْ ”إنَّ“ بِالكَسْرِ لَمْ يَبْقَ الِاسْتِدْلالُ إلّا أنَّ قُطْرُبًا قالَ: سَمِعْناهُ مَفْتُوحَ الهَمْزَةِ وأيْضًا فَقَدْ أُدْخِلَتِ اللّامُ في خَبَرِ أمْسى، قالَ ابْنُ جِنِّي أنْشَدَنا أبُو عَلِيٍّ:
مَرُّوا عُجالى فَقالُوا كَيْفَ صاحِبُكم ∗∗∗ فَقالَ مَن سُئِلُوا أمْسى لَمَجْهُودا
وقالَ قُطْرُبٌ وسَمِعْنا بَعْضَ العَرَبِ يَقُولُ: أُراكَ المُسالِمِيَّ وإنِّي رَأيْتُهُ لَشَيْخًا وزَيْدٌ واللَّهِ لَواثِقٌ بِكَ وقالَ كُثَيِّرٌ:
وما زِلْتُ مِن لَيْلى لَدُنْ أنْ عَرَفْتُها ∗∗∗ لَكالهائِمِ المُقْصى بِكُلِّ بِلادِ
وقالَ آخَرُ:
ولَكِنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ
وقالَ المُعْتَرِضُ: هَذِهِ الأشْعارُ مِنَ الشَّواذِّ وإنَّما جاءَتْ كَذا لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وجَلَّ كَلامُ اللَّهِ تَعالى عَنِ الضَّرُورَةِ، وإنَّما تَقَرَّرَ هَذا الكَلامُ إذا بَيَّنّا أنَّ المُبْتَدَأ إذا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إنْ وجَبَ إدْخالُ اللّامِ عَلَيْهِ لا عَلى الخَبَرِ، وتَحْقِيقُهُ أنَّ اللّامَ تُفِيدُ تَأْكِيدَ مَوْصُوفِيَّةِ المُبْتَدَأِ بِالخَبَرِ، واللّامُ تَدُلُّ عَلى حالَةٍ مِن حالاتِ المُبْتَدَأِ وصِفَةٍ مِن صِفاتِهِ فَوَجَبَ دُخُولُها عَلى المُبْتَدَأِ لِأنَّ العِلَّةَ المُوجِبَةَ لِحُكْمٍ في مَحَلٍّ لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِذَلِكَ المَحَلِّ، لا يُقالُ: هَذا مُشْكِلٌ بِما إذا دَخَلَتْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَإنَّ هَهُنا يَجِبُ إدْخالُ اللّامِ عَلى الخَبَرِ مَعَ أنَّ ما ذَكَرْتُمُوهُ حاصِلٌ فِيهِ لِأنّا نَقُولُ ذَلِكَ لِأجْلِ الضَّرُورَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ كَلِمَةَ ”إنَّ“ لِلتَّأْكِيدِ واللّامَ لِلتَّأْكِيدِ، فَلَوْ قُلْنا: إنَّ لَزَيْدًا قائِمٌ لَكُنّا قَدْ أدْخَلْنا حَرْفَ التَّأْكِيدِ عَلى حَرْفِ التَّأْكِيدِ وذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَلَمّا تَعَذَّرَ إدْخالُها عَلى المُبْتَدَأِ لا جَرَمَ أدْخَلْناها عَلى الخَبَرِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وأمّا إذا لَمْ يَدْخُلْ حَرْفُ إنَّ عَلى المُبْتَدَأِ كانَتْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ زائِلَةً فَوَجَبَ إدْخالُ اللّامِ عَلى المُبْتَدَأِ لا يُقالُ: إذا جازَ إدْخالُ حَرْفِ النَّفْيِ عَلى حَرْفِ النَّفْيِ في قَوْلِهِ:
ما إنْ رَأيْتُ ولا سَمِعْتُ بِهِ ∗∗∗ كاليَوْمِ طالَبَنِي أنِيقٌ أجْرَبُ
والغَرَضُ بِهِ تَأْكِيدُ النَّفْيِ فَلِمَ لا يَجُوزُ إدْخالُ حَرْفِ التَّأْكِيدِ عَلى حَرْفِ التَّأْكِيدِ، والغَرَضُ بِهِ تَأْكِيدُ الإثْباتِ لِأنّا نَقُولُ: الفَرْقُ بَيْنَ البابَيْنِ أنَّ قَوْلَكَ: زَيْدٌ قائِمٌ يَدُلُّ عَلى الحُكْمِ بِمَوْصُوفِيَّةِ زَيْدٍ بِالقِيامِ، فَإذا قُلْتَ: إنَّ زَيْدًا قائِمٌ، فَكَلِمَةُ ”إنَّ“ تُفِيدُ تَأْكِيدَ ذَلِكَ الحُكْمِ، فَلَوْ ذَكَرْتَ مُؤَكِّدًا آخَرَ مَعَ كَلِمَةِ ”إنَّ“ صارَ عَبَثًا، أمّا لَوْ قُلْتَ: رَأيْتُ فُلانًا، فَهَذا لِلثُّبُوتِ، فَإذا أدْخَلْتَ عَلَيْهِ حَرْفَ النَّفْيِ أفادَ حَرْفُ النَّفْيِ مَعْنى النَّفْيِ ولا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِأنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِإفادَةِ الأصْلِ، فَكَيْفَ يُفِيدُ الزِّيادَةَ، فَإذا ضَمَمْتَ إلَيْهِ حَرْفَ نَفْيٍ آخَرَ صارَ الحَرْفُ الثّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأوَّلِ فَلا يَكُونُ عَبَثًا، فَهَذا هو الفَرْقُ بَيْنَ البابَيْنِ، فَهَذا مُنْتَهى تَقْرِيرِ هَذا الِاعْتِراضِ وهو عِنْدِي ضَعِيفٌ، لِأنَّ الكُلَّ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ إذا اجْتَمَعَ النَّقْلُ والقِياسُ فالنَّقْلُ أوْلى، ولِأنَّ هَذِهِ العِلَلَ في نِهايَةِ الضَّعْفِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ بِها النَّقْلُ الظّاهِرُ.
الوَجْهُ الثّانِي: في الجَوابِ عَنْ قَوْلِهِمُ: اللّامُ لا يَحْسُنُ دُخُولُها عَلى الخَبَرِ إلّا إذا دَخَلَتْ كَلِمَةُ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ كَما ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ فَقالَ: إنْ وقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ واللّامُ في مَوْقِعِها، والتَّقْدِيرُ نَعَمْ هَذانِ لَهُما ساحِرانِ، فَكانَتِ اللّامُ داخِلَةً عَلى المُبْتَدَأِ لا عَلى الخَبَرِ. قالَ: وعَرَضْتُ هَذا القَوْلَ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ فارْتَضَياهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا. قالَ ابْنُ جِنِّي: هَذا القَوْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوهٍ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ أنَّ المُبْتَدَأ إنَّما يَجُوزُ حَذْفُهُ لَوْ كانَ أمْرًا مَعْلُومًا جَلِيًّا ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ في حَذْفِهِ مَعَ الجَهْلِ بِهِ ضَرْبٌ مِن تَكْلِيفِ عِلْمِ الغَيْبِ لِلْمُخاطَبِ، وإذا كانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتَغْنى بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللّامِ لِأنَّ التَّأْكِيدَ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ العِلْمُ بِهِ حاصِلًا.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الِاخْتِصارِ، والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما غَيْرُ جائِزٍ، ولِأنَّ ذِكْرَ المُؤَكَّدِ وحَذْفَ التَّأْكِيدِ أحْسَنُ في العُقُولِ مِنَ العَكْسِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: امْتِناعُ أصْحابِنا البَصْرِيِّينَ مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ فَلا يُجِيزُونَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، عَلى أنْ يُجْعَلَ النَّفْسُ تَوْكِيدًا لِلْهاءِ المُؤَكِّدَةِ المُقَدَّرَةِ في ”ضَرَبْتُ“ أيْ ضَرَبْتُهُ؛ لِأنَّ الحَذْفَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ والعِلْمِ بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِهِ فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ جَمِيعَ النَّحْوِيِّينَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً ولَوْ كانَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ جائِزًا لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، ولَما حَمَلُوا الكَلامَ عَلَيْهِ عَلى الِاضْطِرارِ إذا وجَدُوا لَهُ وجْهًا ظاهِرًا، ويُمْكِنُ الجَوابُ عَنِ اعْتِراضِ ابْنِ جِنِّي بِأنَّهُ إنَّما حَسُنَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ لِأنَّ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو قَوْلُهُ: ”هَذانِ“ أمّا لَوْ حُذِفَ التَّأْكِيدُ فَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلا جَرَمَ كانَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ أوْلى مِن حَذْفِ التَّأْكِيدِ، وأمّا امْتِناعُهم مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، فَذاكَ إنَّما كانَ لِأنَّ إسْنادَ الفِعْلِ إلى المُظْهَرِ أوْلى مِن إسْنادِهِ إلى المُضْمَرِ، فَإذا قالَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ كانَ قَوْلُهُ: ”نَفْسَهُ“ مَفْعُولًا، فَلا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ، فَتَأْكِيدُ المَحْذُوفِ إنَّما امْتَنَعَ هَهُنا لِهَذِهِ العِلَّةِ، لا لِأنَّ تَأْكِيدَ المَحْذُوفِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ، وأمّا قَوْلُهُ: النَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً، فَلَوْ جازَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، فَهَذا اعْتِراضٌ في نِهايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأنَّ ذُهُولَ المُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذا الوَجْهِ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ باطِلًا، فَما أكْثَرَ ما ذَهَلَ المُتَقَدِّمُ عَنْهُ وأدْرَكَهُ المُتَأخِّرُ فَهَذا تَمامُ الكَلامِ في شَرْحِ هَذا.
الوَجْهُ الثّالِثُ: في الجَوابِ أنَّ كَلِمَةَ ”إنَّ“ ضَعِيفَةٌ في العَمَلِ لِأنَّها تَعْمَلُ بِسَبَبِ مُشابَهَةِ الفِعْلِ فَوَجَبَ كَوْنُها ضَعِيفَةً في العَمَلِ، وإذا ضَعُفَتْ جازَ بَقاءُ المُبْتَدَأِ عَلى إعْرابِهِ الأصْلِيِّ وهو الرَّفْعُ.
المُقَدِّمَةُ الأُولى: أنَّها تُشْبِهُ الفِعْلَ، وهَذِهِ المُشابَهَةُ حاصِلَةٌ في اللَّفْظِ والمَعْنى. أمّا اللَّفْظُ فَلِأنَّها تَرَكَّبَتْ مِن ثَلاثَةِ أحْرُفٍ وانْفَتَحَ آخِرُها ولَزِمَتِ الأسْماءَ كالأفْعالِ، وأمّا المَعْنى فَلِأنَّها تُفِيدُ حُصُولَ مَعْنًى في الِاسْمِ وهو تَأْكِيدُ مَوْصُوفِيَّتِهِ بِالخَبَرِ كَما أنَّكَ إذا قُلْتَ: قامَ زَيْدٌ، فَقَوْلُكَ قامَ أفادَ حُصُولَ مَعْنًى في الِاسْمِ.
المُقَدِّمَةُ الثّانِيَةُ: أنَّها لَمّا أشْبَهَتِ الأفْعالَ وجَبَ أنْ تُشْبِهَها في العَمَلِ فَذَلِكَ ظاهِرٌ بِناءً عَلى الدَّوَرانِ.
المُقَدِّمَةُ الثّالِثَةُ: أنَّها لَمْ تَنْصِبِ الِاسْمَ وتَرْفَعِ الخَبَرَ، فَتَقْرِيرُهُ أنْ يُقالَ: إنَّها لَمّا صارَتْ عامِلَةً فَإمّا أنْ تَرْفَعَ المُبْتَدَأ والخَبَرَ مَعًا، أوْ تَنْصِبَهُما مَعًا، أوْ تَرْفَعَ المُبْتَدَأ وتَنْصِبَ الخَبَرَ، أوْ بِالعَكْسِ، والأوَّلُ باطِلٌ لِأنَّ المُبْتَدَأ والخَبَرَ كانا قَبْلَ دُخُولِ إنَّ عَلَيْهِما مَرْفُوعَيْنِ فَلَوْ بَقِيا كَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِها عَلَيْهِما لَما ظَهَرَ لَهُ أثَرٌ البَتَّةَ، ولِأنَّها أُعْطِيَتْ عَمَلَ الفِعْلِ، والفِعْلُ لا يَرْفَعُ الِاسْمَيْنِ فَلا مَعْنى لِلِاشْتِراكِ.
والقِسْمُ الثّانِي: أيْضًا باطِلٌ لِأنَّ هَذا أيْضًا مُخالِفٌ لِعَمَلِ الفِعْلِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ لا يَنْصِبُ شَيْئًا مَعَ خُلُوِّهِ عَمّا يَرْفَعُهُ.
والقِسْمُ الثّالِثُ: أيْضًا باطِلٌ لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأصْلِ والفَرْعِ. فَإنَّ الفِعْلَ يَكُونُ عَمَلُهُ في الفاعِلِ أوَّلًا بِالرَّفْعِ وفي المَفْعُولِ بِالنَّصْبِ فَلَوْ جُعِلَ النَّصْبُ هَهُنا كَذَلِكَ لَحَصَلَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأصْلِ والفَرْعِ، ولَمّا بَطَلَتِ الأقْسامُ الثَّلاثَةُ تَعَيَّنَ القِسْمُ الرّابِعُ: وهو أنَّها تَنْصِبُ الِاسْمَ وتَرْفَعُ الخَبَرَ، وهَذا مِمّا يُنَبِّهُ عَلى أنَّ هَذِهِ الحُرُوفَ دَخِيلَةٌ في العَمَلِ لا أصِيلَةٌ لِأنَّ تَقْدِيمَ المَنصُوبِ عَلى المَرْفُوعِ في بابِ العَمَلِ عُدُولٌ عَنِ الأصْلِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ العَمَلَ بِهَذِهِ الحُرُوفِ لَيْسَ بِثابِتٍ بِطَرِيقِ الأصالَةِ بَلْ بِطَرِيقٍ عارِضٍ.
المُقَدِّمَةُ الرّابِعَةُ: لَمّا ثَبَتَ أنَّ تَأْثِيرَها في نَصْبِ الِاسْمِ بِسَبَبِ هَذِهِ المُشابَهَةِ وجَبَ جَوازُ الرَّفْعِ أيْضًا، وذَلِكَ لِأنَّ كَوْنَ الِاسْمِ مُبْتَدَأً يَقْتَضِي الرَّفْعَ، ودُخُولُ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ لا يُزِيلُ عَنْهُ وصْفَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً لِأنَّهُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ ما كانَ لا زَوالَ ما كانَ، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: وصْفُ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً يَقْتَضِي الرَّفْعَ، وحَرْفُ ”إنَّ“ يَقْتَضِي النَّصْبَ، ولَكِنَّ المُقْتَضى الأوَّلَ أوْلى بِالِاقْتِضاءِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ وصْفَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً صِفَةٌ أصْلِيَّةٌ لِلْمُبْتَدَأِ، ودُخُولَ إنَّ عَلَيْهِ صِفَةٌ عَرَضِيَّةٌ، والأصْلُ راجِحٌ عَلى العارِضِ.
والثّانِي: أنَّ اقْتِضاءَ وصْفِ المُبْتَدَأِ لِلرَّفْعِ أصْلِيٌّ واقْتِضاءَ حَرْفِ ”إنَّ“ لِلنَّصْبِ صِفَةٌ عارِضَةٌ بِسَبَبِ مُشابَهَتِها بِالفِعْلِ، فَيَكُونُ الأوَّلُ أوْلى فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ ما قَرَّرْنا أنَّ الرَّفْعَ أوْلى مِنَ النَّصْبِ فَإنْ لَمْ تَحْصُلِ الأوْلَوِيَّةُ فَلا أقَلَّ مِن أصْلِ الجَوازِ؛ ولِهَذا السَّبَبِ إذا جِئْتَ بِخَبَرِ ”إنَّ“ ثُمَّ عَطَفْتَ عَلى الِاسْمِ اسْمًا آخَرَ جازَ فِيهِ الرَّفْعُ والنَّصْبُ مَعًا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: في الجَوابِ قالَ الفَرّاءُ: هَذا أصْلُهُ ”ذا“ زِيدَتِ الهاءُ لِأنَّ ”ذا“ كَلِمَةٌ مَنقُوصَةٌ فَكُمِّلَتْ بِالهاءِ عِنْدَ التَّنْبِيهِ، وزِيدَتْ ألِفًا لِلتَّثْنِيَةِ فَصارَتْ هَذاانِ فاجْتَمَعَ ساكِنانِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ فاحْتِيجَ إلى حَذْفِ واحِدٍ، ولا يُمْكِنُ حَذْفُ ألِفِ الأصْلِ لِأنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مَنقُوصَةٌ فَلا تُجْعَلُ أنْقَصَ فَحُذِفَ ألِفُ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّ النُّونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلا جَرَمَ لَمْ تَعْمَلْ ”إنَّ“ لِأنَّ عَمَلَها في ألِفِ التَّثْنِيَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الألِفُ الباقِي إمّا ألِفُ الأصْلِ أوْ ألِفُ التَّثْنِيَةِ. فَإنْ كانَ الباقِي ألِفَ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُها لِأنَّ العامِلَ الخارِجِيَّ لا يَتَصَرَّفُ في ذاتِ الكَلِمَةِ، وإنْ كانَ الباقِي ألِفَ التَّثْنِيَةِ فَلا شَكَّ أنَّهم أنابُوها مَنابَ ألِفِ الأصْلِ، وعِوَضُ الأصْلِ أصْلٌ لا مَحالَةَ، فَهَذا الألِفُ أصْلٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ ويَرْجِعُ حاصِلُ هَذا إلى الجَوابِ الأوَّلِ.
الوَجْهُ الخامِسُ: في الجَوابِ حَكى الزَّجّاجُ عَنْ قُدَماءِ النَّحْوِيِّينَ أنَّ الهاءَ هَهُنا مُضْمَرَةٌ، والتَّقْدِيرُ ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وهَذِهِ الهاءُ كِنايَةٌ عَنِ الأمْرِ والشَّأْنِ، فَهَذا ما قِيلَ في هَذا المَوْضِعِ، فَأمّا مَن خَفَّفَ فَقَرَأ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“ فَهو حَسَنٌ، فَإنَّ ما بَعْدَ الخَفِيفَةِ رَفْعٌ واللّامُ بَعْدَها في الخَبَرِ لازِمَةٌ واجِبَةٌ، وإنْ كانَتْ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ جائِزَةً لِيَظْهَرَ الفَرْقُ بَيْنَ ”إنَّ“ المُؤَكِّدَةِ و”إنْ“ النّافِيَةِ. قالَ الشّاعِرُ:
وإنْ مالِكٌ لَلْمُرْتَجى إنْ تَضَعْضَعَتْ ∗∗∗ رَحا الحَرْبِ أوْ دارَتْ عَلَيَّ خُطُوبُ
وقالَ آخَرُ:
إنَّ القَوْمَ والحَيَّ الَّذِي أنا مِنهم ∗∗∗ لَأهْلُ مَقاماتٍ وشاءٍ وجامِلِ
الجامِلُ جَمْعُ جَمَلٍ، ثُمَّ مِنَ العَرَبِ مَن يُعْمِلُ ”إنْ“ ناقِصَةً كَما يُعْمِلُها تامَّةً اعْتِبارًا بَكانَ فَإنَّها تَعْمَلُ، وإنْ نَقَصَتْ في قَوْلِكَ: لَمْ يَكُنْ لِبَقاءِ مَعْنى التَّأْكِيدِ، وإنْ زالَ الشَّبَهُ اللَّفْظِيُّ بِالفِعْلِ لِأنَّ العِبْرَةَ لِلْمَعْنى، وهَذِهِ اللُّغَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ العِبْرَةَ في بابِ الإعْمالِ الشَّبَهُ المَعْنَوِيُّ بِالفِعْلِ وهو إثْباتُ التَّوْكِيدِ دُونَ الشَّبَهِ اللَّفْظِيِّ، كَما أنَّ التَّعْوِيلَ في بابِ ”كانَ“ عَلى المَعْنى دُونَ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا، وأمّا اللُّغَةُ الظّاهِرَةُ وهي تَرْكُ إعْمالِ ”إنِ“ الخَفِيفَةِ دالَّةٌ عَلى أنَّ الشَّبَهَ اللَّفْظِيَّ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ أحَدُ جُزْأيِ العِلَّةِ في حَقِّ عَمَلِها وعِنْدَ الخِفَّةِ زالَ الشَّبَهُ فَلَمْ تَعْمَلْ بِخِلافِ السُّكُونِ فَإنَّهُ عامِلٌ بِمَعْناهُ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا ولا عِبْرَةَ لِلَفْظِهِ ( تفسير الرازي ).

قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ) :
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَشَاوَرُوا فِي السِّرِّ وَتَجَاذَبُوا أَهْدَابَ الْقَوْلِ، ثُمَّ قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَكَانَتْ نَجْوَاهُمْ فِي تَلْفِيقِ هَذَا الْكَلَامِ وَتَزْوِيرِهِ خَوْفًا مِنْ غَلَبَتِهِمَا وَتَثْبِيطًا لِلنَّاسِ مِنِ اتِّبَاعِهِمَا انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ فِرْقَةٍ قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ تَنَاجِيهِمْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تِلْكَ قِيلَتْ عَلَانِيَةً، وَلَوْ كَانَ تَنَاجِيهِمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَنَازُعٌ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ إِنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ هذانِ بِأَلِفٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ لَساحِرانِ وَاخْتُلِفَ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. فَقَالَ الْقُدَمَاءُ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، وَخَبَرُ إِنْ الْجُمْلَةَ مِنْ قَوْلِهِ هذانِ لَساحِرانِ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ دَاخِلَةٌ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ حَذْفَ هَذَا الضَّمِيرِ لَا يَجِيءُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَبِأَنَّ دُخُولَ اللَّامِ فِي الْخَبَرِ شَاذٌّ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اللَّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُمَا سَاحِرَانِ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَقِيلَ: هَا ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ مَحْذُوفًا، وَكَانَ يُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فِي الْخَطِّ فَكَانَتْ كِتَابَتُهَا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَضُعِّفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَتِهِ خَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه وهذانِ لَساحِرانِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ عَلَى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ، وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ دَائِمًا وَهِيَ لُغَةٌ لِكِنَانَةَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَخَثْعَمٍ وَزُبَيْدٍ وَأَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَلِبَنِي الْعَنْبَرِ وَبَنِي الْهُجَيْمِ وَمُرَادٍ وَعُذْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ إِنْ بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذَا بِالْأَلِفِ وَشَدَّدَ نُونَ هذانِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاضِحٌ وَهُوَ عَلَى أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ من الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلَى رَأْيِ البصريين والكوفيين، يَزْعُمُونَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةً وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ إِنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ وَتَخْرِيجُهَا كَتَخْرِيجِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ بِتَشْدِيدِ نُونِ إِنَّ وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ بَدَلَ الْأَلِفِ، وَإِعْرَابُ هَذَا وَاضِحٌ إِذْ جَاءَ عَلَى الْمَهْيَعِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ فَذانِكَ بُرْهانانِ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1» بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَالْيَاءِ نَصْبًا وَجَرًّا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا أُجِيزُ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو لِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
رَأَيْتُهَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَإِذَا كَتَبُوا النَّصْبَ وَالْخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُسْقِطُونَهَا، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأَبُو عَمْرٍو: هَذَا مِمَّا لَحَنَ الْكَاتِبُ فِيهِ وَأُقِيمَ بِالصَّوَابِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَعَزَاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ بِفَتْحِ أَنْ وَبِغَيْرِ لَامٍ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى انْتَهَى. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ مَا هَذَا إِلَّا سَاحِرَانِ وَقَوْلُهُمْ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما تَبِعُوا فِيهِ مَقَالَةَ فِرْعَوْنَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ وَنَسَبُوا السِّحْرَ أَيْضًا لِهَارُونَ لَمَّا كَانَ مَشْتَرِكًا مَعَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَسَالِكًا طَرِيقَتَهُ، وَعَلَّقُوا الْحُكْمَ عَلَى الْإِرَادَةِ وَهُمْ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَيْهَا تَنْقِيصًا لَهُمَا وَحَطًّا مِنْ قَدْرِهِمَا، وَقَدْ كَانَ ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْيَدِ وَالْعَصَا مَا يدل على
( البحر المحيط في التفسير،7/ 349-350 )
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المؤلف: أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: 756هـ)
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناكوأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» .
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ» . وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
3297 - بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ ... بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ»
للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298 - أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِبعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
3299 - إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/ والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً» ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300 - فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301 - إنَّ أباها وأبا أباها ... قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: «أنْ هذان ساحِران» بفتح «أَنْ» وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من «النجوى» كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوى في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ «أنْ هذان ساحران» بدلاً من «النجوى» ؟ .(الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ، 8/ 63-68 )
قال شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ):
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ نُونِ (هَذانِّ) وهو عَلى خِلافِ القِياسِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ وغَيْرِها.
وقالَ الكُوفِيُّونَ: إنْ نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا أيْ ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ. ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ كَذَلِكَ. وفي رِوايَةٍ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ قُرى ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ ) . وقُرِئَ ( إنْ ذانِ ) بِدُونِ هاءِ التَّنْبِيهِ ( إلّا ساحِرانِ ) . وعَزاها ابْنُ خالَوَيْهِ إلى عَبْدِ اللَّهِ وبَعْضُهم إلى أُبَيٍّ وهي تُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا. وقُرِئَ ( إنْ ذانِ لَساحِرانِ ) بِإسْقاطِ هاءِ التَّنْبِيهِ فَقَطْ.
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ: وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ. والأخَوانِ. والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ ( هَذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ، واسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ القِراءَةُ حَتّى قِيلَ: إنَّها لَحْنٌ وخَطَأٌ بِناءً عَلى ما أخْرَجَهُ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِ القُرْآنِ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: سَألْتُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها عَنْ لَحْنِ القُرْآنِ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ . وعَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ والمُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ وعَنْ قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ هادُوا والصّابِئُونَ﴾ فَقالَتْ: يا ابْنَ أخِي هَذا عَمَلُ الكُتّابِ أخْطَؤُوا في الكِتابِ، وإسْنادُهُ صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَما قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ. وهَذا مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ كَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحابَةِ أوَّلًا أنَّهم يَلْحَنُونَ في الكَلامِ فَضْلًا عَنِ القُرْآنِ وهُمُ الفُصَحاءُ اللَّدُّ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثانِيًا الغَلَطُ في القُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما أنْزِلُ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في حِفْظِهِ وضَبْطِهِ وإتْقانِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثالِثًا اجْتِماعُهم كُلُّهم عَلى الخَطَأِ وكِتابَتِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ ورُجُوعِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ خامِسًا الِاسْتِمْرارُ عَلى الخُطا وهو مَرْوِيٌّ بِالتَّواتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ ولَوْ ساغَ مِثْلَ ذَلِكَ لارْتَفَعَ الوُثُوقُ بِالقُرْآنِ.
وقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَلى وُجُوهٍ الأوَّلُ أنَّ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِنهُمُ المُبَرِّدُ والأخْفَشُ الصَّغِيرُ وأنْشَدُوا قَوْلَهُ:
بَكَرَ العَواذِلُ في الصَّبُو حِ يَلُمْنَنِي وألُومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
والجَيِّدُ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِمَن قالَ لَهُ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ إنْ وراكِبُها إذْ قَدْ قِيلَ: في البَيْتِ إنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إنْ فِيهِ بِمَعْنى نَعَمْ والهاءُ لِلسَّكْتِ بَلْ هي النّاصِبَةُ والهاءُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ إنَّهُ كَذَلِكَ ولا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّها في الخَبَرِ كَذَلِكَ وحُذِفَ الجُزْءانِ لِأنَّ حَذْفَ الجُزْأيْنِ جَمِيعًا لا يَجُوزُ.
وضَعَّفَ هَذا الوَجْهَ بِأنَّ كَوْنَها بِمَعْنى نَعَمْ لَمْ يَثْبُتْ، أوْ هو نادِرٌ. وعَلى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ مِن غَيْرِ نُدْرَةٍ لَيْسَ قَبْلَها ما يَقْتَضِي جَوابًا حَتّى تَقَعَ نَعَمْ في جَوابِهِ. والقَوْلُ بِأنَّهُ يُفْهَمُ مِن صَدْرِ الكَلامِ أنَّ مِنهم مَن قالَ: هُما ساحِرانِ فَصَدَقَ وقِيلَ: نَعَمْ بَعِيدٌ. ومِثْلُهُ القَوْلُ بِأنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِما يُفْهَمُ مِن قَوْلِ فِرْعَوْنَ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى﴾ وأيْضًا إنَّ لامَ الِابْتِداءِ لا تَدْخُلُ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ.
وأُجِيبَ عَنْ هَذا بِأنَّ اللّامَ زائِدَةٌ ولَيْسَ لِلِابْتِداءِ كَما في قَوْلِهِ:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗ تَرْضى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَةْ
أوْ بِأنَّها داخِلَةٌ عَلى مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ لَهُما ساحِرانِ، كَما اخْتارَهُ الزَّجّاجُ وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا وشَيْخِنا وأُسْتاذِنا مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ. والقاضِي إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادً فَقَبِلاهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا أوْ بِأنَّها دَخَلَتْ بَعْدَ إنْ هَذِهِ لِشَبَهِها بِإنَّ المُؤَكِّدَةِ لَفْظًا كَما زِيدَتْ إنْ بَعْدَ ما المَصْدَرِيَّةِ لِمُشابَهَتِها لِلنّافِيَةِ في قَوْلِهِ:
ورَجِّ الفَتى لِلْخَيْرِ ما إنْ رَأيْتَهُ ∗∗∗ عَلى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزالُ يَزِيدُ
ورَدَّ الأوَّلَ بِأنَّ زِيادَتَها في الخَبَرِ خاصَّةٌ بِالشِّعْرِ وما هُنا مَحَلُّ النِّزاعِ فَلا يَصِحُّ الِاحْتِجاجُ بِهِ كَما تَوَهَّمَ النَّيْسابُورِيُّ وزَيَّفَ الثّانِيَ أبُو عَلِيٍّ في الإغْفالِ بِما خُلاصَتُهُ أنَّ التَّأْكِيدَ فِيما خِيفَ لَبْسُهُ فَإذا بَلَغَ بِهِ الشُّهْرَةُ الحَذْفَ اسْتَغْنى لِذَلِكَ عَنِ التَّأْكِيدِ، ولَوْ كانَ ما ذُكِرَ وجْهًا لَمْ يُحْمَلْ نَحْوَ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ عَلى الضَّرُورَةِ ولا تُقاسُ عَلى أنْ حَيْثُ حُذِفَ مَعَها الخَبَرُ في: إنَّ مَحَلًّا وإنَّ مُرْتَحَلًا وإنِ اجْتَمَعا في التَّأْكِيدِ لِأنَّها مُشَبَّهَةٌ بِلا وحُمِلَ والنَّقِيضُ عَلى النَّقِيضِ شائِعٌ، وابْنُ جِنِّيٍّ بِأنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الإيجازِ والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، والجَمْعَ بَيْنَهُما مُحالٌ لِلتَّنافِي.
وأُجِيبَ: بِأنَّ الحَذْفَ لِقِيامِ القَرِينَةِ والِاسْتِغْناءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ والتَّأْكِيدُ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ لا لِلْمَحْذُوفِ والحَمْلُ في البَيْتِ مُمْكِنٌ أيْضًا واقْتِصارُهم فِيهِ عَلى الضَّرُورَةِ ذُهُولٌ وكَمْ تَرَكَ الأوَّلُ لِلْآخَرِ، واجْتِماعُ الإيجازِ والإطْنابِ مَعَ اخْتِلافِ الوَجْهِ غَيْرُ مُحالٍ. وأصْدَقُ شاهِدٍ عَلى دُخُولِ اللّامِ في مِثْلِ هَذا الكَلامِ ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ وابْنُ ماجَهْ ( أغْبَطُ أوْلِيائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الحاذِ ) نَعَمْ لا نِزاعَ في شُذُوذِ هَذا الحَذْفِ اسْتِعْمالًا وقِياسًا.
الثّانِي أنَّ إنْ مِنَ الحُرُوفِ النّاصِبَةِ واسْمُها ضَمِيرُ الشَّأْنِ وما بَعْدُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ والجُمْلَةُ خَبَرُها، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ قُدَماءُ النُّحاةِ.
وضَعُفَ بِأنَّ ضَمِيرَ الشَّأْنِ مَوْضُوعٌ لِتَقْوِيَةِ الكَلامِ وما كانَ كَذَلِكَ لا يُناسِبُهُ الحَذْفُ والمَسْمُوعُ مِن حَذْفِهِ كَما في قَوْلِهِ:
إنَّ مَن لامَ في بَنِي بِنْتِ حَسّا ∗∗∗ نَ ألُمْهُ وأعُصِهِ في الخُطُوبِ
وقَوْلِهِ:
إنَّ مَن يَدْخُلِ الكَنِيسَةَ يَوْمًا ∗∗∗ يَلْقَ فِيها جَآذِرًا وظِباءَ
ضَرُورَةٌ أوْ شاذٌّ إلّا في بابِ أنِ المَفْتُوحَةِ إذا خُفِّفَتْ فاسْتَسْهَلُوهُ لِوُرُودِهِ في كَلامٍ بُنِيَ عَلى التَّخْفِيفِ فَحُذِفَ تَبَعًا لِحَذْفِ النُّونِ ولِأنَّهُ لَوْ ذُكِرَ لَوَجَبَ التَّشْدِيدُ إذِ الضَّمائِرُ تَرُدُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها، ثُمَّ يَرِدُ بَحْثُ دُخُولِ اللّامِ في الخَبَرِ، وإنِ التُزِمَ تَقْدِيرُ مُبْتَدَأٍ داخِلَةٌ هي عَلَيْهِ فَقَدْ سَمِعْتَ ما فِيهِ مِنَ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ، الثّالِثُ أنَّها النّاصِبَةُ وهاءُ ضَمِيرِ القِصَّةِ اسْمُها وجُمْلَةُ (ذانِ لَساحِرانِ) خَبَرُها، وضَعُفَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي وصْلَ ها بِإنْ مِن إثْباتِ الألِفِ وفَصْلِ ها مِن ( ذانِ ) في الرَّسْمِ وما في المُصْحَفِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ومَعَ ذَلِكَ يَرِدُ بَحْثُ دُخُولِ اللّامِ.
الرّابِعُ: أنَّ إنْ مُلْغاةٌ وإنْ كانَتْ مُشَدَّدَةً حَمْلًا لَها عَلى المُخَفَّفَةِ وذَلِكَ كَما أعْمَلْتَ المُخَفَّفَةَ حَمْلًا لَها عَلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّ كُلا لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ أوْ حَطًّا لِرُتْبَتِها عَنِ الفِعْلِ لِأنَّ عَمَلَها لَيْسَ بِالأصالَةِ بَلْ بِالشَّبَهِ لَهُ وما بَعْدَها مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وفِيهِ أنَّ هَذا الإلْغاءَ لَمْ يُرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وهو مَحَلُّ النِّزاعِ وبَحْثُ اللّامِ فِيهِ بِحالِهِ. والخامِسُ: وهو أجْوَدُ الوُجُوهِ وأوْجَهُها. واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ وابْنُ مالِكٍ والأخْفَشُ وأبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وجَماعَةٌ أنَّها النّاصِبَةُ واسْمُ الإشارَةِ اسْمُها: واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ و( ساحِرانِ ) خَبَرُها ومَجِيءُ اسْمِ الإشارَةِ بِالألِفِ مَعَ أنَّهُ مَنصُوبٌ جارٍ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا قالَ شاعِرُهم:
واهًا لِرَيّا ثُمَّ واهًا واهًا ∗∗∗ يا لَيْتَ عَيْناها لَنا وفاها
ومَوْضِعُ الخَلْخالِ مِن رِجْلاها ∗∗∗ بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أباها
وقالَ الآخَرُ:
وأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ يَرى ∗∗∗ مَساغًا لَنا باهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وقالُوا: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ ومَن يَشْتَرِي الخُفّانِ وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ حَكى ذَلِكَ الكِسائِيُّ ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهَيْجَمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا، وابْنُ الحاجِبِ يَقُولُ:
إنَّ (هَذانِ) مَبْنِيٌّ لِدَلالَتِهِ عَلى مَعْنى الإشارَةِ: وإنَّ قَوْلَ الأكْثَرِينَ هَذَيْنِ جَرًّا ونَصْبًا لَيْسَ إعْرابًا أيْضًا.
قالَ ابْنُ هِشامٍ: وعَلى هَذا فَقِراءَةُ هَذانِ أقْيَسُ إذِ الأصْلُ في المَبْنِيِّ أنْ لا تَخْتَلِفَ صِيغَتُهُ مَعَ أنَّ فِيها مُناسَبَةً لِألِفِ ( ساحِرانِ ) ا هـ. وأمّا الخَبَرُ السّابِقُ عَنْ عائِشَةَ فَقَدْ أجابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وتَبِعَهُ ابْنُ جُبارَةَ في شَرْحِ الرّائِيَّةِ بِأنَّ قَوْلَها: أخْطَؤُوا عَلى مَعْنى أخْطَؤُوا في اخْتِيارِ الأوْلى مِنَ الأحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النّاسِ عَلَيْهِ لا أنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِن ذَلِكَ خَطَأٌ لا يَجُوزُ فَإنَّ ما لا يَجُوزُ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ بِالإجْماعِ وإنْ طالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ وبِنَحْوِ هَذا يُجابُ عَنْ أخْبارٍ رُوِيَتْ عَنْها أيْضًا.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذا البابِ تُشَكِّلُ ظَواهِرَها. ثُمَّ أخْرَجَ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخْعِيِّ أنَّهُ قالَ: إنْ هَذانِ لَساحِرانِ وإنْ هَذَيْنَ لَساحِرانِ سَواءٌ لَعَلَّهم كَتَبُوا الألِفَ مَكانَ الياءِ يَعْنِي أنَّهُ مِن إبْدالِ حَرْفٍ في الكِتابَةِ بِحَرْفٍ كَما وقَعَ في صَلاةٍ وزَكاةٍ وحَياةٍ. ويَرُدُّ عَلى هَذا أنَّهُ إنَّما يَحْسُنُ لَوْ كانَتِ القِراءَةُ بِالياءِ في ذَلِكَ. ثُمَّ أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الجَوابَ المَذْكُورَ لا يَحْسِمُ مادَّةَ الإشْكالِ لِبَقاءِ تَسْمِيَةِ عُرْوَةَ ذَلِكَ في السُّؤالِ لَحْنًا اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: أرادَ بِاللَّحْنِ اللُّغَةَ كَما قالَ ذَلِكَ ابْنُ أُشْتَةَ في قَوْلِ ابْنِ جُبَيْرٍ المَرْوِيِّ عَنْهُ بِطُرُقٍ في ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ هو لَحْنٌ مِنَ الكاتِبِ أوْ يُقالُ: أرادَ بِهِ اللَّحْنَ بِحَسَبِ بادِئِ الرَّأْيِ وابْنُ الأنْبارِيِّ جَنَحَ إلى تَضْعِيفِ الرِّواياتِ في هَذا البابِ ومُعارَضَتِها بِرِواياتٍ أُخَرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلى ثُبُوتِ الأحْرُفِ الَّتِي قِيلَ فِيها ما قِيلَ في القِراءَةِ. ولَعَلَّ الخَبَرَ السّابِقَ الَّذِي ذُكِرَ أنَّهُ صَحِيحُ الإسْنادِ عَلى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ داخِلٌ في ذَلِكَ لَكِنْ قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ: إنَّ الجَوابَ الأوَّلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أُشْتَةَ أوْلى وأقْعَدَ. وقالَ العَلاءُ فِيما أخْرَجَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ وغَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: لَمّا كُتِبَتِ المَصاحِفُ عُرِضَتْ عَلى عُثْمانَ فَوَجَدَ فِيها حُرُوفًا مِنَ اللَّحْنِ فَقالَ: لا تُغَيِّرُوها فَإنَّ العَرَبَ سَتُغَيِّرُها أوْ قالَ: سَتَقْرَؤُها بِألْسِنَتِها لَوْ كانَ الكاتِبُ مِن ثَقِيفٍ والمُمْلِي مِن هُذَيْلٍ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الحُرُوفُ إنَّ ذَلِكَ لا يَصِحُّ عَنْ عُثْمانَ فَإنَّ إسْنادَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ.
والَّذِي أجْنَحُ أنا إلَيْهِ والعاصِمُ هو اللَّهُ تَعالى تَضْعِيفُ جَمِيعِ ما ورَدَ مِمّا فِيهِ طَعْنٌ بِالمُتَواتِرِ ولَمْ يَقْبَلْ تَأْوِيلًا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ ويَقْبَلُهُ الذَّوْقُ وإنْ صَحَّحَهُ مَن صَحَّحَهُ. والطَّعْنُ في الرُّواةِ أهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الطَّعْنِ بِالأئِمَّةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا القُرْآنَ العَظِيمَ الَّذِي وصَلَ إلَيْنا بِالتَّواتُرِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في إتْقانِهِ وحِفْظِهِ.
وقَدْ ذَكَرَ أهْلُ المُصْطَلَحِ أنَّ مِمّا يُدْرَكُ بِهِ وضْعُ الخَبَرِ ما يُؤْخَذُ مِن حالِ المَرْوِيِّ كَأنْ يَكُونَ مُناقِضًا لِنَصِّ القُرْآنِ أوِ السُّنَّةِ المُتَواتِرَةِ أوِ الإجْماعِ القَطْعِيِّ أوْ صَرِيحِ العَقْلِ حَيْثُ لا يَقْبَلْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ التَّأْوِيلَ أوْ لَمْ يَحْتَمِلْ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنهُ يَزُولُ بِهِ المَحْذُورُ فَلَوْ قالَ قائِلٌ بِوَضْعِ بَعْضِ هاتِيكَ الأخْبارِ لَمْ يَبْعُدْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ( إنَّ هَذَيْنِ ) بِتَشْدِيدِ نُونِ ( إنَّ ) وبِالياءِ في ( هَذَيْنِ ) . ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عائِشَةَ والحَسَنِ والأعْمَشِ والنَّخَعِيِّ والجَحْدَرِيِّ وابْنِ جُبَيْرٍ وابْنِ عُبَيْدٍ وإعْرابُ ذَلِكَ واضِحٌ إذْ جاءَ عَلى المَهْيَعِ المَعْرُوفِ في مِثْلِهِ لَكِنْ في الدُّرِّ المَصُونِ قَدِ اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ القِراءَةُ بِأنَّها مُخالِفَةٌ لِرَسْمِ الإمامِ فَإنَّ اسْمَ الإشارَةِ فِيهِ بِدُونِ ألِفٍ وياءٍ فَإثْباتُ الياءِ زِيادَةٌ عَلَيْهِ. ولِذا قالَ الزَّجّاجُ: أنا لا أُجِيزُها ولَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّهُ مُشْتَرَكُ الإلْزامِ ولَوْ سَلِمَ فَكَمْ في القِراءاتِ ما خالَفَ رَسْمُهُ القِياسَ مَعَ أنَّ حَذْفَ الألِفِ لَيْسَ عَلى القِياسِ أيْضًا ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المؤلف:8/ 533- 536)
قال محمود بن عبد الرحيم الصافي 1376 هجري:
(إن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف «1» ، (هذان) مبتدأ في محلّ رفع مبنيّ على الألف، (اللام) لام الابتداء (ساحران) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما (يريدان) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون
وجملة: «إن (هـ) هذان لساحران» في محلّ نصب مقول القول
وجملة: «هذان ل (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر إن المخفّفة.
وجملة: « (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر المبتدأ (هذان)
(لجدول في إعراب القرآن(16/885-886)
قال محمد الطاهر بن عاشور (1393 هـ :
وجُمْلَةُ (﴿قالُوا إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ (﴿وأسَرُّوا النَّجْوى﴾)، لِأنَّ إسْرارَ النَّجْوى يَشْتَمِلُ عَلى أقْوالٍ كَثِيرَةٍ ذُكِرَ مِنها هَذا القَوْلُ، لِأنَّهُ القَوْلُ الفَصْلُ بَيْنَهم والرَّأْيُ الَّذِي أرْسَوْا عَلَيْهِ، فَهو زُبْدَةُ مَخِيضِ النَّجْوى. وذَلِكَ شَأْنُ التَّشاوُرِ وتَنازُعِ الآراءِ أنْ يُسْفِرَ عَنْ رَأْيٍ يَصْدُرُ الجَمِيعُ عَنْهُ.
وإسْنادُ القَوْلِ إلى ضَمِيرِ جَمْعِهِمْ عَلى مَعْنى: قالَ بَعْضُهم: هَذانِ لَساحِرانِ، فَقالَ جَمِيعُهم: نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، فَأُسْنِدَ هَذا القَوْلُ إلى جَمِيعِهِمْ، أيْ مَقالَةً تَداوَلُوا الخَوْضَ في شَأْنِها فَأرْسَوْا عَلَيْها وقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: نَعَمْ هو كَذَلِكَ، ونَطَقُوا بِالكَلامِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهم، وهو تَحَقُّقُهم أنَّ مُوسى وأخاهُ ساحِرانِ.
واعْلَمْ أنَّ جَمِيعَ القُرّاءِ المُعْتَبَرِينَ قَرَءُوا بِإثْباتِ الألِفِ في اسْمِ الإشارَةِ مِن قَوْلِهِ هَذانِ ما عَدا أبا عَمْرٍو مِنَ العَشَرَةِ وما عَدا الحَسَنِ البَصْرِيِّ مِنَ الأرْبَعَةَ عَشَرَ. وذَلِكَ يُوجِبُ اليَقِينَ بِأنَّ إثْباتَ الألِفِ في لَفْظِ (هَذانِ) أكْثَرُ تَواتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إنَّ) مُشَدَّدَةً أوْ مُخَفَّفَةً، وأنَّ أكْثَرَ مَشْهُورِ القِراءاتِ المُتَواتِرَةِ قَرَأُوا - بِتَشْدِيدِ نُونِ - (أنَّ) ما عَدا ابْنَ كَثِيرٍ وحَفْصًا عَنْ عاصِمٍ فَهُما قَرَءا (أنْ) بِسُكُونِ النُّونِ عَلى أنَّها مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وإنَّ المُصْحَفَ الإمامَ ما رَسَمُوهُ إلّا اتِّباعًا لِأشْهَرِ القِراءاتِ المَسْمُوعَةِ المَرْوِيَّةِ مِن زَمَنِ النَّبِيءِ ﷺ، وقُرّاءِ أصْحابِهِ، فَإنَّ حِفْظَ القُرْآنِ في صُدُورِ القُرّاءِ أقْدَمُ مِن كِتابَتِهِ في المَصاحِفِ، وما كُتِبَ في أُصُولِ المَصاحِفِ إلّا مِن حِفْظِ الكاتِبِينَ، وما كُتِبَ المُصْحَفُ الإمامُ إلّا مِن مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الحُفّاظِ وما كَتَبَهُ كُتّابُ الوَحْيِ في مُدَّةِ نُزُولِ الوَحْيِ.
فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالألِفِ في هَذانِ وكَذَلِكَ في (﴿لَساحِرانِ﴾)، فَلِلْمُفَسِّرِينَ في تَوْجِيهِها آراءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وأظْهَرُها أنْ تَكُونَ (إنَّ) حَرْفُ جَوابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وأجَلْ، وهو اسْتِعْمالٌ مِنِ اسْتِعْمالاتِ (إنَّ)، أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ
أيْ أجَلْ أوْ نَعَمْ، والهاءُ في البَيْتِ هاءُ السَّكْتِ، وقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأعْرابِيٍّ اسْتَجْداهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ. قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وراكِبَها. وهَذا التَّوْجِيهُ مِن مُبْتَكَراتِ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا وشَيْخَيْنا وأُسْتاذَيْنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ، وإسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ يَعْنِي القاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا.
وقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقا وحَقَّقا. وما أوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وفِي التَّفْسِيرِ الوَجِيزِ لِلْواحِدِيِّ سَألَ إسْماعِيلُ القاضِي (هو ابْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ) ابْنَ كَيْسانَ عَنْ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لَمّا لَمْ يَظْهَرْ في المُبْهَمِ إعْرابٌ في الواحِدِ ولا في الجَمْعِ (أيْ في قَوْلِهِمْ هَذا وهَؤُلاءِ إذْ هُما مَبْنِيّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرى الواحِدِ إذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أنْ لا تُغَيَّرَ. فَقالَ لَهُ إسْماعِيلُ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ تَقَدَّمَكَ أحَدٌ بِالقَوْلِ فِيهِ حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابْنُ كَيْسانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ القاضِي حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
ودَخَلَتِ اللّامُ عَلى الخَبَرِ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
ووُجِّهَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا بِجَعْلِ (إنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ، وإعْرابُ اسْمِها المُثَنّى جَرى عَلى لُغَةِ كِنانَةَ وبِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلامَةَ إعْرابِ المُثَنّى الألِفَ في أحْوالِ الإعْرابِ كُلِّها، وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ دَرى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِسُكُونِ نُونِ (إنْ) عَلى أنَّها مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وبِإثْباتِ الألِفِ في (هَذانِ) وبِتَشْدِيدِ نُونِ (هاذانِّ) .
وأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وحْدَهُ (إنَّ هَذَيْنِ) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالياءِ بَعْدَ ذالِ (هَذَيْنِ) . فَقالَ القُرْطُبِيُّ: هي مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وأقُولُ: ذَلِكَ لا يَطْعَنُ فِيها لِأنَّها رِوايَةٌ صَحِيحَةٌ ووافَقَتْ وجْهًا مَقْبُولًا في العَرَبِيَّةِ.
ونُزُولُ القُرْآنِ بِهَذِهِ الوُجُوهِ الفَصِيحَةِ في الِاسْتِعْمالِ ضَرْبٌ مِن ضُرُوبِ إعْجازِهِ لِتَجْرِيَ تَراكِيبُهُ عَلى أفانِينَ مُخْتَلِفَةِ المَعانِي مُتَّحِدَةِ المَقْصُودِ. فَلا التِفاتَ إلى ما رُوِيَ مِنِ ادِّعاءِ أنَّ كِتابَةَ (إنَّ هاذانِ) خَطَأٌ مِن كاتِبِ المُصْحَفِ، ورِوايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أبانَ بْنِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ عَنْ أبِيهِ، وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ، ولَيْسَ في ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أنَّ المُسْلِمِينَ أخَذُوا قِراءَةَ القُرْآنِ مِنَ المَصاحِفِ وهَذا تَغَفُّلٌ، فَإنَّ المُصْحَفَ ما كُتِبَ إلّا بَعْدَ أنْ قَرَأ المُسْلِمُونَ القُرْآنَ نَيِّفًا وعِشْرِينَ سَنَةً في أقْطارِ الإسْلامِ، وما كُتِبَتِ المَصاحِفُ إلّا مِن حِفْظِ الحُفّاظِ، وما أخَذَ المُسْلِمُونَ القُرْآنَ إلّا مِن أفْواهِ حُفّاظِهِ قَبْلَ أنْ تُكْتَبَ المَصاحِفُ، وبَعْدَ ذَلِكَ إلى اليَوْمِ فَلَوْ كانَ في بَعْضِها خَطَأٌ في الخَطِّ لَما تَبِعَهُ القُرّاءُ، ولَكانَ بِمَنزِلَةِ ما تُرِكَ مِنَ الألِفاتِ في كَلِماتٍ كَثِيرَةٍ وبِمَنزِلَةِ كِتابَةِ ألِفِ الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والحَياةِ، والرِّبا بِالواوِ في مَوْضِعِ الألِفِ وما قَرَءُوها إلّا بِألِفاتِها.
وتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ مُوسى وهارُونَ ساحِرَيْنِ بِحَرْفِ (إنَّ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَن يُخامِرُهُ الشَّكُّ في صِحَّةِ دَعْوَتِهِما، وجَعَلَ ما أظْهَرَهُ مُوسى مِنَ المُعْجِزَةِ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ سِحْرًا لِأنَّهم يُطْلِقُونَ السِّحْرَ عِنْدَهم عَلى خَوارِقِ العاداتِ، كَما «قالَتِ المَرْأةُ الَّتِي شاهَدَتْ نَبْعَ الماءِ مِن بَيْنِ أصابِعِ النَّبِيءِ ﷺ لِقَوْمِها: جِئْتُكم مِن عِنْدِ أسْحَرِ النّاسِ»، وهو في كِتابِ المَغازِي مِن صَحِيحِ البُخارِيِّ.
والقائِلُونَ: قَدْ يَكُونُ بَعْضُهم مِمَّنْ شاهَدَ ما أتى بِهِ مُوسى في مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ، أوْ مِمَّنْ بَلَغَهم ذَلِكَ بِالتَّسامُعِ والِاسْتِفاضَةِ ( التحرير و التنويرن 16 / 251-253)
المصادر
كتب التفسير التي تنقل أقوال السلف :
تفسير أبو جعفر الطَّبَرِي، تفسير البغوي، تفسير بن عطية، تفسير اقرطبي، تفسير بن الجوزي، بالإضافة لهذه الكتب التي فيها ذكر لأقول السلف وجدت في مجموعة فتاوي بن تيمية،رسالة ابن تيمية في إن هذان لساحران( وجدت الملف pdf).
كتب في القراءات:
كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد التميمي البغدادي،الغاية في القراءات العشر لأبي بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني ،النتهى لأبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني، التبصرة لمكي بن أبي طالب ،التيسير في القراءات العشر لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ،تحبير التيسير لمحمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري،الكامل في القراءات العشر لأبي القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي ، الإقناع لأحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري ،الشاطبية للقاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي.
كتاب (فتح الوصيد) علم الدين علي بن محمد السخاوي، كتاب (كنز المعاني) محمد بن أحمد الموصلي (شعلة)، كتاب (إبراز المعاني من حرز الأماني) أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي ،كتاب (إتحاف فضلاء البشر )أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي
كتب المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
-مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
- ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء.
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.
- وتأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:لا يوجد
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لا يوجد
المرتبة الثانية: كتب غريب القرآن:
الكتب التي وجدت فيها:
-غريب القرآن وتفسيره للأخفش
_ ابن الأنباري
الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة
- وغريب القرآن وتفسيره، لليزيدي
- ونزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني
- وياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد
- وتفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب
- والعمدة في غريب القرآن له أيضاً
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لا يوجد
المرتبة الثالثة:
كتب بحثت و وجدت فيها:
-الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المؤلف: أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
-معاني القراءات للأزهري المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور.
كتب بحثت عنها و لم تجد فيها:لا يوجد
-كتب بحثت عنها و لم أجدها: كتاب إعراب القرآن و كتاب القراءات لأبو حاتم السجستاني.

المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية،
-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله ،تفسير الرازي، تفسير روح المعاني للألوسي، كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) المؤلف: شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، تفسير البحر المحيط لأبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي ، التحرير والتنوير لابن عاشور.
كتب بحثت فيها ولم أجد: ما جمع من تفسير ابن القيّم رحمه الله.

المرتبة الخامسة
كتب بحثت و وجدت فيها:
-إعراب القرآن للباقولي : ((pdf
-إعراب القراءات السبع وعللها. المؤلف: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي (ت ٣٧٠ هـ)
-البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري من الصور في الموبيل
-الملخص في إعراب القرآن ((pdf
-الجدول في إعراب القرآن( محمود بن عبد الرحيم الصافي 1376 هجري
-إعراب القرآن وبيانه المؤلف : محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (المتوفى : 1403هـ)
- مشكل إعراب القرآن المؤلف: أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
_ أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي (المتوفى: 338هـ)
كتب بحثت فيها و لم أجد :
-إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه.
- كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في إعراب القرآن وعلل القراءات: علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن نور الدين جا مع العلوم الأَصْفهاني الباقولي .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 صفر 1443هـ/26-09-2021م, 02:05 AM
ندى توفيق ندى توفيق غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 237
افتراضي

. إعراب {إن هذان لساحران}

1. هذه المسألة تفسيرية نحوية تتعلق بإعراب مفردات من القرآن الكريم ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب إعراب القرآن،* بعد استيفاء كتب المراتب السابقة.

2. قبل جمع أقوال علماء اللغة نحتاج إلى معرفة أقوال السلف في هذه المسألة، ولأجل ذلك سنكتفي بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير.

3. بدأت بجمع النقول أولا من جمهرة التفاسير، ثمّ أضفت إليها النقول التي تحصلت عليها *مسبوقة بإشارة ( *)



4. النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:

· من التفاسير التي تنقل أقوال السلف:



- الكتب التي وجدت فيها:جامع البيان لابن جرير ، الكشف والبيان للثعلبي ، والهداية لمكي بن أبي طالب ، والمحرر الوجيز لابن عطية،والنكت والعيون للماوردي ، وزاد المسير لابن الجوزي، *وأحكام القرآن للقرطبي، *وتفسير ابن كثير.



-و بذلك تم إيجاد التفسير في جميع تفاسير السلف المذكورة و لله الحمد و المنة





المرتبة الأولى، كتب معاني القرآن :

- الكتب التي وجدت فيها:تفسير القرآن*ليحيى بن سلام البصري ، ومعاني القرآن لأبي زكريا*الفراء ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ، ومعاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج.





- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:معاني القرآن لأبي جعفر النحاس ، حيث أن سورة طه من السور المفقودة في التفسير


- الكتب التي تعذر الوصول إليها: لا يوجد



المرتبة الثانية ، كتب غريب القرآن :

- الكتب التي وجدت فيها: لا يوجد

- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:غريب القرآن وتفسيره، لليزيدي ، و تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة ، و نزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني ، و ياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد ، تفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب والعمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب



- الكتب التي تعذرالوصول إليها: لا يوجد


المرتبة الثالثة كتب علماء اللغة :



- الكتب التي وجدت فيها: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي *، و كتاب فيه لغات القرآن للفراء ، و كتاب تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري

- الكتب التي بحثت ولم اجد فيها:*كتاب سيبويه ، و مختصر في النحو للكسائي

- الكتب التي تعذرالوصول إليها: كتاب مؤرّج السدوسي ، و *كتاب قطرب


المرتبة الرابعة* ،*التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية :



- الكتب التي وجدت فيها:الكشّاف للزمخشري والبحر المحيط لأبي حيّان، والدرّ المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور

- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها: ما جمع من تفسير ابن القيّم رحمه الله.

- الكتب التي تعذر الوصول إليها:لا يوجد


ومن كتب المرتبة الخامسة:

- الكتب التي وجدت فيها: إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس ، ومشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب ، و التبيان في إعراب القرآن للعكبري،* وإعراب القراءات الشواذ، للعكبري أيضا ، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري


- الكتب التي بحثت ولم أجد فيها: كتاب: إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ، وإعراب القراءات السبع وعللها، لابن خالويه أيضا،* وكتاب إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري ،


- الكتب التي تعذرالوصول إليها:لا يوجد

.........................................

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة

· قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :*({إن هذان لساحران } قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.

كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.

واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.

وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:

فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما

قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.

قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.

وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.

وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ

قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب

وقوله:

إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب

قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:

أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه

قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.

قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن.

* قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت ٤٢٧هـ)*:


قالوا إن هذان لساحران قرأ عبد الله:*واسروا النجوى إن هذان ساحران*«١»*بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إن بكسر الالف وجزم النون هذان بالألف على معنى ما هذان إلا ساحران،*نظيره:*قوله وإن نظنك لمن الكاذبين*«٢»*«٣»*قال الشاعر:



ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة الرحمن*«٤»



يعني ما قتلت إلا مسلما،*يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب:*إن ذان إلا ساحران*«٥»*، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء*«٦»*: إن هذين لساحران بالياء على الأصل،*قال أبو عمرو:*واني لأستحي من الله أن أقرأ إن هذان،*وقرأ الباقون:*إن بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه،*فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا: حدثنا أبو العباس الأصم قال:*حدثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدثنا الفراء قال: حدثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكن الراسخون*«٧»*والمقيمين*«٨»*وعن قوله في المائدة إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون*«٩»*وعن قوله إن هذان لساحران*«١٠»*فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.



وقال عثمان بن عفان:*إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان:*قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ،*فقيل له:*ألم تغيره فقال:



دعوه فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا،*وقال آخرون:*هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.



قال الفراء:*أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.



وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما*ويقولون:*كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه.*وقال الشاعر:



تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم*«١»



أراد بين أذنيه.*وقال آخر:



أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهن فطر علاها*«٢»



أي عليهن وعليها.*وقال آخر:



إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وروي أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه فقال:*لعن الله ناقة حملتني إليك،*فقال ابن الزبير:*إن وصاحبها، يعني نعم.*وقال الشاعر:



بكرت علي عواذلي يلحينني وألومهنه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه*



أي نعم،*وقال الفراء:*وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال،*كما قالت العرب:*الذي ثم زادوا نونا يدل على الجمع فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول:*اللذون [ الكشف والبيان عن تفسير القرآن،* ج ٦ / ص ٢٥٠،٢٥١]

*قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت ٤٣٧هـ)* :

ثم قال تعالى ذكره:*{قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم}.


أي:*قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسرحهما.



وفي حرف ابن مسعود " إن هذان/ إلا ساحران*": أي: ما هذان يخفف "*إن " يجعلها بمعنى ما

ومن شدد*" إن "*ورفع*" هذان "،*فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال:*فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن*" إن "*تأتي بمعنى أجل. واختبار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.



واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو*" إن هذين "*لمخالفتها للمصحف.



وقال علي بن أبي طالب:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل*" إن "*بمعنى*" أجل "ومعنى:*أجل: نعم.*ثم يقول:*أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي.



وكذكل كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ*" نعم "، وكذلك وقعت في أشعارها.*قال الشاعر:



قالت غدرت،*فقلت:*إن وربما ... نال العلي وشقى الخليل الغادر



وقال بان قيس الرقيات:



بكرت على عواذ لي ... يلحينني وألومهنه



ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت أنه



وأنشد ثعلب:ليس شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء.



أي:*نعم.



فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.



وقد قيل:*إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضا بيعد، إنما يجوز التقديم في اللام

وهي مؤخرة في الشعر.



لكن الزجاج قال:*التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى،*كما قال:*أم الحليس لعجوز شهربة.



وقيل:*إن اللام يراد بها التقديم.



وقيل:*هي في موضعها، و*" لعجوز "*مبتدأ، وشهرية الخبر، والجملة خبر عن اللام.



والقول الثاني:*ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب،*يقولون:*رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.



فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا باه الشجاع لصما



وأنشدوا أيضا: - تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم.



وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.



وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.



ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمه لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء*" استحوذ "*على الأصل.



والقول الثالث:*قاله الفراء.*قال:*الألف في*" هذان "*دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت*" الذي "*ثم زدت عليه نونا، ولم أغيرها، فقلت*" الذين "*في الرفع والنصب والجر.



والقول الرابع:*يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.



والقول الخامس:*حكاه الزجاج.*قال:*القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا،*والمعنى:*أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.

والقول السادس:*قاله ابن كيسان،*قال:*سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها،*فقلت:*القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد.*فقال إسماعيل:*ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به.*فقلت:*فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.



والقول السابع:*حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب

روي أن عثمان وعائشة/ رضي الله عن هما قالا:*إن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها.



وعنهما:*إن في الكتاب لحنا ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.



فأما من خفف*" إن "*فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفا عمله وهو غير محذوف، وإلا أنه أتى بـ*" هذان "، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.



فأما من شدد نون*" هذان "، فإنه جعل التشديد عوضا مما حذف من هذا في التثنية.



وعن الكسائي والفراء في:*" إن هذان "*قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك ، [ الهداية في بلوغ النهاية: ٧ / ٤٦٥٧_ ٤٦٦٣ ]

·قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :*(قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".



فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:

*

أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه

*

[المحرر الوجيز: 6/106]



وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:



زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم



وقول الآخر:



أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها



[المحرر الوجيز: 6/107]



وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.



قال القاضي أبو محمد رحمه الله:



وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة – منهم عائشة رضي الله عنها – وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".



قال القاضي أبو محمد رحمه الله:



وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.



وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين.[المحرر الوجيز: 6/108]

·* قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ):

قوله تعالى:*{قالوا إن هذان لساحران}*هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.*وقرأ الأكثرون:*إن هذان الساحران , فوافقوا المصحف فيها , ثم اختلفوا في تشديد إن فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب ,*ويكون معناها:*ما هذان إلا ساحران.*وقرأ أبي:*إن ذان إلا ساحران ,*وقرأ باقي القراء بالتشديد:*إن هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإعراب واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:*أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإثنين ونصبه وخفضه بالألف ,*وينشدون:

*

(فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما)

*

والوجه الثاني:*لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها , ولكن في*(إن)*هاء مضمرة تقديرها إنه هذان لساحران , وهو قول متقدمي النحويين.*الثالث:*أنه بنى (هذان)*على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.*الرابع:*أن*(إن)*المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ,*كما قال رجل لابن الزبير:*لعن الله ناقة حملتني إليك ,*فقال ابن الزبير:*إن وصاحبها.*وقال عبد الله بن قيس الرقيات:

*

(بكى العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومهنة)

*

(ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه)

أي نعم

[ النكت و العيون : ٣/ ٤١١]

*

*

·* قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ)

*

واختلف القراء في قوله تعالى:*إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقرأ أبو عمرو بن العلاء:*«إِنَّ هذين»*على إِعمال*«إِنَّ»*وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ*«إِنْ هذان»*.*وقرأ ابن كثير:*«إِنْ»*خفيفه*«هذانّ»*بتشديد النون.*وقرأ عاصم في رواية حفص:*«إِنْ»*خفيفة*«هذان»*خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة،*والكسائي:*«إِنّ»*بالتشديد*«هاذان»*بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن**** عثمان وعائشة،*أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:

*

وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ*«3»*في سورة النساء. وأما قراءة عاصم،*فمعناها:*ما هذان إِلا ساحران،*كقوله تعالى:*وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ*«4»*أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين،*وأنشدوا في ذلك:

*

ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً ... حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ

*

أي:*ما قتلت إِلا مسلماً.*قال الزجاج:

*

ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أبيّ بن كعبٍ أنه قرأ*«ما هذان إِلا ساحران»*، وروي عنه،*«إن هذان لساحران»*بالتخفيف، ورويت عن الخليل*«إِنْ هذان»*بالتخفيف والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد*«إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله:*«هاذان»*فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري: هي لغة لنبي الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش.*قال الزجاج:*وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب،*وهو رأس من رؤوس الرواة:*أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد،*يقولون:*أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان،*وأنشدوا:

فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ ... مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا»

*

ويقول هؤلاء:*ضربته بين أُذناه وقال النحويون القدماء: ها هنا هاء مضمرة،*المعنى:*إِنه هذان لساحران.*وقالوا أيضاً:*إِن معنى*«إِنَّ»*: نعم*«هذان لساحران»*،*وينشدون:

*

ويقلن شيب قد علاك ... وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ*«2»

*

قال الزجاج:*والذي عندي، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد، فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وهو أن*«إِنَّ»*قد وقعت موقع*«نعم»*،*والمعنى:*نعم هذان لهما الساحران، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ. وأستحسن قراءة عاصم، والخليل، لأنهما إِمامان، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف.*وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال:*«ألف»*«هذان» هي ألف*«هذا»*والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون*«الذين»*بين الواحد والجمع.

[ زاد المسير في علم التفسير: ٣/١٦٤ ، ١٦٥ ]

*

·* قال أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ٦٧١ ):

*

قوله تعالى:*(إن هذان لساحران)*٢٠: ٦٣ قرأ أبو عمرو" إن هذين لساحران". ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.*وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم:*في رواية حفص عنه" إن هذان ٢٠: ٦٣"*بتخفيف" إن"" لساحران"*وابن كثير يشدد نون" هذان". وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران.*وقرأ المدنيون والكوفيون:" إن هذان"*بتشديد" إن"" لساحران ٢٠: ٦٣"*فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب.*قال النحاس:*فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ" إن هذان إلا ساحران"*وقال الكسائي في قراءة عبد الله:" إن هذان ساحران"*بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي" إن ذان إلا ساحران"*فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.*قلت:*وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض.*وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو:*إني لأستحي من الله [تعالى*«١»] أن أقرأ" إن هذان ٢٠: ٦٣". وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى" لكن الراسخون في العلم"*«٢»*ثم قال:" والمقيمين"*«٣»*وفي" المائدة"" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون"*«٤»*[المائدة: ٦٩]*و" إن هذان لساحران ٢٠: ٦٣"*فقالت: يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه:*في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم.*وقال أبان بن عثمان:*قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان،*فقال:*لحن وخطأ،*فقال له قائل:*ألا تغيروه؟*فقال:*دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حرما.*القول الأول من الأقوال الستة:*أنها لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم. وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف،يقولون:*جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان،*ومنه قوله تعالى:" ولا أدراكم به ١٠: ١٦"*[يونس: ١٦]*على ما تقدم*«١». وأنشد الفراء لرجل من بني أسد*«٢»*-*قال:*وما رأيت أفصح منه: فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما*«٣»

*

ويقولون:*كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه،*قال شاعرهم:*«٤»

*

تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم

*

وقال آخر:*«٥»

*

طاروا علاهن فطر علاها

*

أي عليهن وعليها.*وقال آخر:*«٦»

*

إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

*

أي إن أبا أبيها وغايتها.*قال أبو جعفر النحاس:*وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري،*وهو الذي يقول:*إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة

المهدوي:*وحكى غيره أنها لغة لخثعم.*قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه:*واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب،*قال أبو جعفر فقول سيبويه:*وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون" إن هذان"*جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى" استحوذ عليهم الشيطان"*«١»*[المجادلة: ١٩]*ولم يقل استحاذ، فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك" إن هذان"*ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كان الأئمة قد رووها.*القول الثاني:*أن يكون" إن"*بمعنى نعم،*كما حكى الكسائي عن عاصم قال:*العرب تأتي ب"- إن"*بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن" إن"*تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان،*قال النحاس:ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه.*الزمخشري:*وقد أعجب به أبو إسحاق.*النحاس:*وحدثنا علي بن سليمان، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد [هذا*«٢»] فحدثني، قال حدثني عمير بن المتوكل، قال حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بن عبد المطلب، قال حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن علي- وهو ابن الحسين- عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين،*قال:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره:" إن الحمد لله نحمده ونستعينه"*ثم يقول:" أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سعيد بن العاص"*قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو" إن الحمد لله"*بالنصب إلا أن العرب تجعل" إن"*في معنى نعم كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في*«٣»] خطبها بنعم.*وقال الشاعر في معنى نعم: قالوا غدرت فقلت إن وربما ... نال العلا وشفى الغليل الغادر

*

وقال عبد الله بن قيس الرقيات:

*

بكر العواذل في الصبا ... ح يلمنني وألومهنه

*

ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه

*

فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل:" إن هذان لساحران"*بمعنى نعم ولا تنصب.*قال النحاس:*أنشدني داود بن الهيثم،*قال أنشدني ثعلب:

*

ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء

*

قال النحاس:*وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا،*وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا:*اللام ينوى بها التقديم،*كما قال:

*

خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا

*

آخر:

*

أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من الشاة بعظم الرقبه

*

أي لخالي ولأم الحليس،*وقال الزجاج:*والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ.*المهدوي:*وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني.*قال أبو الفتح:" هما"*المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد.*القول الثالث:*قاله الفراء أيضا [قال*«١»]: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها كما قلت:" الذي"*ثم زدت عليه نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك.*القول الرابع:*قاله بعض الكوفيين قال الألف في" هذان"*مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير.*القول الخامس:*قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء ها هنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران،*قال ابن الأنباري:*فأضمرت الهاء التي هي منصوب" إن"*و" هذان ٢٠: ٦٣"*خبر" إن"*و" ساحران"*يرفعها" هما"*المضمر [والتقدير*«٢»] إنه هذان لهما ساحران. والأشبه*«٣»*عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم" إن"*و" هذان"*رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء.*القول السادس:*قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية،*فقال:*إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي،*فقلت:*بقولك،*فقال:*سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال:" هذا"*في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة،*وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فقال:*ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به،*قال ابن كيسان:*فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم

*

[ الجامع لاحكام القرآن: ١١/٢١٦ _ ٢١٩ ]

*

· قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :*({قالوا إن هذان لساحران} هذه لغةٌ لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إن هذين لساحران" وهذه اللّغة المشهورة، وقد توسّع النّحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.

*

والغرض أنّ السّحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرّجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السّحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على النّاس، وتتبعهما العامّة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.*[تفسير القرآن العظيم: 5/ 301-302]

*

*

....................................

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:

·******* * قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ):

*

وأما قول الله تبارك وتعالى*{إن هذان لساحران}*فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال إن الله تبارك اسمه أنزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثنى بالألف في كل وجه مرفوعا فيقولون رأيت الرجلان ومررت بالرجلان وأتاني الرجلان وإنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد واللين

*

قال الشاعر(إن لسلمى عندنا ديوانا ... اخرى فلانا وابنه فلانا)

*

(كانت عجوزا غبرت زمانا ... وهي ترى سيئها إحسانا)

*

(نصرانة قد ولدت نصرانا ... أعرف منها الجيد والعينانا)

*

(ومقلتان أشبها ظبيانا ... )

رفع المثنى في كل وجه وقال العينانا فنصب نون الاثنين لأنه جعل النون حرفا لينا فصرفها إلى النصب

*

وقال بعضهم في هذا النحو

*

(بمصرعنا النعمان يوم تألبت ... علينا تميم من شظى وصميم)

*

(تزود منا بين اذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم

*

قال أذناه وهو في موضع الخفض وقد يكون إن في معنى نعم في بعض لغات العرب قال الشاعر(بكرت علي عواذلي ... يلحينني وألومهنه)

*

(ويقلن شيب قد عراك ... وقد كبرت فقلت إنه)

*

أي نعم وأجل وقال آخر(شاب المفارق إن إن من البلى ... شيب القذال مع العذال الواصل)

*

أي نعم نعم وقال آخر

*

(قال سليمى ليت لي بعلا يمن ... يغسل عن رأسي وينسيني الحزن)

*

(وحاجة ليست لها عندي ثمن ... مستورة قضاؤها منه ومن)

*

(قالت بنات العم يا سلمى وإن ... كان فقيرا معدما قالت وإن)

*

(قالت وإن قالت وإن قالت وإن)

*
أي نعم

*

قال الإمام الخليل بن أحمد وأنا أقرؤها إن شئتم مخففة على الأصل*{إن هذان لساحران}*أي ما هذان إلا ساحران قال الشاعر(غدر ابن جلموز بفارس بهمة ... عند اللقاء ولم يكن بمعرد)

*

(ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد)

*

أي ما قتلت إلا مسلما وفي قراءة عائشة رضي الله عنها*{إن هذان لساحران}

*

وأما قول الشاعر

*

(فلم ترعيني مثل سرب رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف)

*

قال رأيته ولم يقل رأيتهن لأن الهاء صلة وليست بكناية وكذلك قول الله جل اسمه في سورة الجن*{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}*الهاء صلة وليست بكناية

*

[ كتاب الجمل في النحو :١٥٧ -١٦٠]

*

*

·******* قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ):*(قوله: {قالوا إن هذان لساحران} [طه: 63] سعيدٌ، عن قتادة قال: يعنون موسى وهارون.تفسير القرآن العظيم: 1/265]

*

·******* قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):*(وقوله:*{إن هذان لساحران...}

قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،

عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء*{لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة}*وعن قوله في المائدة*{إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}*وعن قوله:*{إنّ هذان لساحران}*فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب.*وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.

... ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم*{إن هذان لساحران}

خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.

إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

*

فأطرق*إطراق*الشجاع*ولو*يرى مساغـاً*لنابـاه*الشـجـاع*لصمّـمـا

*

قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك – وإن كان قليلاً – أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،

فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.

والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ).*[معاني القرآن: 2/184،183]

·******* قال*يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ*(ت: 207هـ): **في*[2: 293-294]: (اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القرآن أحب إلي من خلافه، وقد كان أبو عمرو يقرأ:*{إن هذين لساحران}*ولست أجترئ على ذلك وقرأ:*{فأصدق وأكونَ}*فزاد الواو في الكتاب ولست أستحب ذلك).

وقال في*[1/245]: (القراءة لا تقرأ بكل ما يجوز في العربية).

وقال في*[3/68]*عن بعض القراءات: (رأيتها في مصحف الحارث بن سويد التيمي من أصحاب عبد الله وكان مصحفه دفن في أيام الحجاج).[معاني القرآن]

·******* * أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (ت ٢٠٧هـ)*

أهل الحجاز وبنو أسد يقولون:*هذان، بنون*[خفيفة]*مخفوضة،*وكذلك:*هاتان،*وكثير من قيس وتميم يقولون:*هذان قالا ذاك، فيخفضون النون، ويشددونها،*وكذلك قوله:*{فذانك}،*تقول تميم وقيس:*{فذانك}، ممدود،*وزعم الرواسي أن بعض أهل الحجاز تقول:*{فذانيك برهانان}، يخفف النون، ويزيد بعدها الياء، ويقولون جميعا في النصب بتحويل الألف إلى الياء،*كما يفعل بالاثنين:*رأيت هذين، وهاتين، واللغة في النون على ما وصفت لك وبنو الحارث بن كعب يقولون:*إن هذان قالا ذاك، ورأيت هذان، ويفعلون ذلك بكل اثنين، فيجعلون نصبهما وخفضهما بالألف،*فيقولون:*رأيت هذان، ومررت بهذان،*فنرى أن قوله في طه:*{إن هذان لساحران}؛ من هذه اللغة.

*

وفيه وجه رأيته:*وذلك أن تقول: كانت*«هذا»*معها ألف مجهولة، فلما احتاجوا إلى التثنية زادوا نونا؛ ليكون فرق ما بين الواحد والاثنين، ولا نذهب بالألف إلى أنها ألف تثنية، فيكون بالألف في كل حال، كما كانت*«الذين»*بالياء في كل حال.

حدثني محمد،*قال:*حدثنا الفراء،*قال:*وحدثني أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،*أنها سئلت عن قوله:*{إن هذان لساحران}، و*{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}،*وعن قوله:*{لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة}،*فقالت:*يا ابن أخ، هذا غلط من الكاتب.

وفي قراءة عبد الله:*«وأسروا النجوى أن هذان ساحران»، بغير لام،*وهو مثل قوله:*{ونودوا أن تلكم الجنة}،*{وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.

وأنشدني في لغة بني الحارث بعض الأسد: وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما

وأنشدني بعضهم،*لهوبرة الحارثي:

تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم

وأنشدني الكسائي،*لبعض بني الحارث:

فإن بجنبا سحبل ومضيقه ... مراق دم لن يبرح الدهر ثاويا

أهل الحجاز وبنو أسد يقولون:*هما اللذان قالا ذاك، بنون خفيفة،*وقيس وتميم:*هما اللذان قالا ذاك، ولا تشدد النون في شيء من اللغات في التثنية إلا في هذين، وهاتين، واللذين، واللتين،*وبعض ربيعة وبنو الحارث بن كعب يقولون:*هما اللذا قالا ذاك، بحذف النون، وهما اللتا قالا ذاك.

أنشدني بعضهم:

أبني كليب إن عمي اللذا ... خلعا الملوك وفككا الأغلالا

[ كتاب فيه لغات القرآن:٩٤ ،٩٥ ]

*

*

*

·******* قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):*(*{إنّ هذان لساحران}*قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ*[مجاز القرآن: 2/21]

{هذان لساحران}*مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:

*

فمن*يك*أمسى*بالمدينة*رحله فـإنــيّ*وقـيّــارٌ*بـهــا*لـغـريـب

*

وقوله:

*

إنّ*شرخ*الشّباب*والشّعر*الأسود مــا*لـــم*يـعــاص*كـــان*جـنـونـا

*

وقوله:

*

إنّ*السـيـوف*غـدوّهـا*ورواحـهـا* تركت*هوزان*مثل*قرن*الأعضب

*

ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.

وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:

أم الحليس لعجوزٌ شهربه*وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران).*[مجاز القرآن: 2/23،22]

*

·******* قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :*(*{قالوا إن هذان لساحران }

وقال:*{إن هذان لساحران}*خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.*[معاني القرآن: 3/5،4]

*

·******* قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):*(باب ما ادّعي على القرآن من اللحن،*وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه:*{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}*وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:

*

تـزوّد*منَّـا*بيـن*أذنـاه*ضـربـة دعته*إلى*هابي*التراب*عقيم

*

أي موضع كثير التراب لا ينبت.

وأنشدوا:

*

أيَّ*قلـوصِ*راكـبِ*تـراهـا طارُوا*علاهنَّ*فَطِرْ*عَلاها

*

على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.

وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ*{المقيمون الصلاة}،

وقرأ*{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.

وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة:*{والصابرون فى البأساء والضراء}*ويكتبها: الصابرين.

وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.

وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.

خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

*

وإلا*رسـومُ*الـدّار*قفـراً*كأنّـهـا كتابٌ*مَحَاهُ*البَاهليُّ*بنُ*أَصْمَعَا

*

وقرأ بعضهم:*{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}*اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]

·******* قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :*(وقوله عزّ وجلّ:*{إن هذان لساحران}.

يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم – في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.

وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران – بالتخفيف -.

والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.

وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.

فهذه الرواية فيه.

فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة – رحمهما اللّه -.

وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.

ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:

*

فأطرق*إطراق*الشّجاع*ولو*رأى مساغـا*لنابـاه*الشّـجـاع*لصمّـمـا

*

وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.

قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،

وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.

وينشدون:

*

ويقلـن*شيـب*قـد*عــلّاك*وقد*كبرت*فقلت*إنّه

*

ويحتجون بأن هذه اللام – أصلها – أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:

*

خالي*لأنت*ومن*جرير*خالهينل*العلاء*ويكرم**الأخـوالا

*

وأنشدوا أيضا:

*

أمّ*الحلـيـس*لعـجـوز*شـهـربـهترضى*من*الشاة*بعظم*الرّقبه

*

قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.

وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.

فهذا جميع ما احتج به النحويون.

والذي عندي – واللّه أعلم – وكنت عرضته على عالمينا – محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.

والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.

فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.

وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن*{إن هذان لساحران}*بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية..*[معاني القرآن: 3/365-361]

*

·******* * قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي (ت ٣٣٨هـ)*:

قالوا إن هذان لساحران فيه ست قراءات*«٥»*قرأ المدنيون والكوفيون إن هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إن هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن.

*

فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة.*وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلا ساحران وقال الكسائي:*في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء*: في حرف أبي إن ذان إلا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.*قال أبو جعفر:*القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم،*كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:

*

تأتي بإن بمعنى نعم،*وحكى سيبويه:*أن*«إن»*تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان .*قال أبو جعفر:*ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه.*وحدثنا علي بن سليمان قال:*حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري،*ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال:*حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.قال:*لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول:*«إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص»*«٢»*قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل*«إن»*في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم،*وقال الشاعر في معنى نعم: قالوا:*غدرت فقلت إن وربما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر*«٣»

*

وقال ابن قيس الرقيات*

*

بكر العواذل في الصبوح ... يلمنني وألومهنه

*

ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت،*فقلت:*إنه

*

فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل:*إن هذان لساحران بمعنى نعم.

*

قال أبو جعفر:*أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:*

*

ليت شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء*

*

أي:*نعم، فهذا قول.*وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء:*هذا على لغة بني الحارث بن كعب.*قال الفراء:*يقولون: رأيت الزيدان،*ومررت بالزيدان وأنشد:*

*

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة،*وللفراء قول آخر قال:*وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها،*كما قلت:*الذي،*ثم زدت عليها نونا فقلت:*جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك.*قال أبو جعفر:*وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير.*قال أبو إسحاق:*النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة،*والمعنى:*إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال،*قال أبو جعفر:*وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين،*وإن شئت أجبتك بقولي فقلت:*بقولك،*فقال:*سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد،*فقال:*ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به،*فقلت:*فيقول القاضي*«به»*حتى يؤنس به فتبسم.*قال أبو جعفر:*القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا،*وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا:*اللام ينوى بها التقديم.*وقال أبو إسحاق:*المعنى إن هذان لهما ساحران،*ثم حذف المبتدأ كما قال:*

*

أم الحليس لعجوز شهربه*

*

والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري،*وهو الذي يقول إذا قال سيبويه:*حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره.*ومن بين ما في هذا قول سيبويه:*واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين، وهو حرف الإعراب.*قال أبو جعفر:*فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان،*جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز:*استحوذ عليهم الشيطان*[المجادلة: ١٩]*ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا.

[ إعراب القرآن:٣ /٣٠ _٣٣]

*

·******* * قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) :

*

وَأما قَول الله تَعَالَى:*(إِن هَذَانِ لساحران)*(طه: 63)*فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.

*

قَالَ:*وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون،*إلاّ عَاصِمًا:*(إنّ هَذَانِ لساحران)*.

*

ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ*(إنْ هَذَانِ)*بتَخْفِيف*(إنْ)*.

*

ورُوي عَن الْخَلِيل*(إنْ هَذَا لساحران)*.

*

قَالَ:*وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو:*(إنّ هذَيْن لساحران)*، بتَشديد*(أنّ)*وَنصب*(هذَيْن)*قَالَ

أبوإسحاق: والحجّة فِي*(إنّ هَذَانِ لساحران)*بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد،*يَقُولُونَ:*رَأَيْت الزيدان.

*

وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.

*

قَالَ:*وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة،*الْمَعْنى:*إنّه هَذَانِ لساحران.

*

قَالَ:*وَقَالَ بَعضهم:*(إِن)*فِي معنى*(نعم)*، الْمَعْنى:*نعم هَذَانِ لساحران؛*وَأنْشد:

*

ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا

*

كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ

*

وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا:*إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي*(الَّذين)*فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.

*

فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.

*

قَالَ أَبُو إِسْحَاق:*وأجودها عِنْدِي أَن،*(أَن)*وَقعت موقع*(نعم)*، وَأَن اللَّام وَقعت موقعها،*وَأَن الْمَعْنى:*نعم هَذَانِ لَهما ساحران.

*

وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.

*

فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.

*

قَالَ:*وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل:*(إنْ هَذَانِ لساحران)*.

*

وَقَالَ غَيره:*العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على*(إنّه)*،*وَالْمرَاد:*إِنَّه لكذلك، وإنّه على ما تقول .

[ كتاب تهذيب اللغة :١٥/٤٠٦ ، ٤٠٧]

*

·******* * قال أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت ٤٣٧هـ) :

*

قوله*{إن هذان لساحران}*من رفع هذان حمله على لغة لبني الحارث بن كعب يأتون بالمثنى بالألف على كل حال قال بعضهم

*

... تزود منا بين أذناه طعنة ... دعته هابي التراب عقيم ...

*

وقيل إن بمعنى نعم وفيه بعد لدخول اللام في الخبر وذلك لا يكون الا في شعر كقوله ... أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه ...

*

وكان وجه الكلام لأم الحليس عجوز وكذلك كان وجه الكلام في الآية ان حملت ان على معنى نعم إن لهذان ساحران كما تقول نعم لهذان ساحران ونعم لمحمد رسول الله وفي تأخر اللام مع لفظ ان بعض القوة على نعم وقيل إن المبهم لما لم يظهر فيه اعراب في الواحد ولا في الجمع جرت التثنية على ذلك فأتي بالألف على كل حال وقيل الهاء مضمرة مع ان وتقديره انه هذان لساحران كما تقول إنه زيد منطلق وهو قول حسن لولا أن دخول اللام في الخبر يبعده فأما من خفف إن فهي قراءة حسنة لأنه أصلح الاعراب ولم يخالف الخط لكن دخول اللام في الخبر يعترضه على مذهب سيبويه لأنه يقدر أنها المخففة من الثقيلة ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر لنقص بنائها فرجع ما بعدها الى أصله واللام لا تدخل في خبر ابتداء أتى على أصلة إلا في شعر على ما ذكرنا وأما على مذهب الكوفيين فهو من أحسن شيء لأنهم يقدرون إن الخفيفة بمعنى ما واللام بمعنى إلا فتقدير الكلام ما هذان إلا ساحران فلا خلل في هذا التقدير إلا ما ادعوه أن اللام تأتي بمعنى إلا .

[ مشكل إعراب القرآن: ٢/٤٦٦ _٤٦٨]

*

*

*

·******* * قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) :

*

قرأ أبو عمرو إن هذان لساحران على الجهة الظاهرة المكشوفة.*وابن كثير وحفص:*إن هذان لساحران،*على قولك:*إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.

*

وقرأ أبى:*إن ذان إلا ساحران.*وقرأ ابن مسعود:*أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إن هذان لساحران هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.*وقال بعضهم:*إن بمعنى نعم. ولساحران خبر مبتدأ محذوف،*واللام داخلة على الجملة تقديره:*لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.

[ الكشاف : ٣/٧٢ [

*

·******* * قال عبد الرحمن بن محمد الأنباري ( أبي البركات الأنباري )

(ت 577 هـ) :

*

قوله تعالى : ( إن هذان لساحران ،* . من قرأه بالألف، أتى به على لغة بني الحرث بن كعب ، فإنهم يقولون : مررت برجلان ، وقبض منه درهمان . وقال الشاعر :

*تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقیم

*وقيل : ( إن ) بمعنى ( نعم ) كما روی .: أن رجلا جاء إلى الزبير يستحمله فلم يحمله ، فقال له : لعن *الله ناقة حملتني إليك، فقال : إن وراكبها . أي : نعم .

وقال الشاعر:*

بكر العواذل في الصبو

ح يلمنني *وألومهنه

*ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنه

أي : نعم . وتقدير الآية : نعم هذان لساحران . كقول الشاعر :

*أم الحليس لعجوز شهربة

* إلا أن هذا الوجه فيه ضعف ، لدخول اللام في الخبر ، وهو قليل في كلامهم .

*

*

*وقيل : إن الهاء مضمرة مع ( إن ) كما تقول : إنه زيد ذاهب، وفيه أيضا ضعف ، لأن هذا إنما يجيء في الشعر كقول الشاعر :

*إن من لام في بني بنتِ حسا

نَ *ألُمه وأعصِه في الخطوب

*

وقيل : لأن ( هذان ) لما لم *يظهر الإعراب في واحده وجمعه ، حملت التثنية على ذلك ، وهذا أضعف من القول الذي قبله .

ومن قرأ ( إن ) بالتخفيف كان فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون ( إن ) مخففة من الثقيلة ، ولم يعملها لأنها إنما عملت لشبه الفعل ، فلما حذف منها النون ، و خففت ضعف وجه الشبه فلم تعمل .

والثاني : أن تكون ( إن ) بمعنى ( ما ) واللام بمعنى (إلا) وتقديره ، ما هذان إلا ساحران . وهذان الوجهان يخرجان على مذهب الكوفين .

[ البيان في غريب إعراب القرآن:٢/ ١٤٤_١٤٦ ]

*

·******* * قال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري(ت 616هـ):

قَالَ تَعَالَى:*(قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى:*(إِنَّ هَذَيْنِ)*: يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ إِنَّ، وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ ; وَهِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ. وَيُقْرَأُ*(إِنَّ)*بِالتَّشْدِيدِ،*وَهَذَانِ بِالْأَلِفِ ; وَفِيهِ أَوْجُهٌ ; أَحَدُهَا:*أَنَّهَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.*وَالثَّانِي:*إِنَّ فِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْضًا. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ الَّتِي فِي الْخَبَرِ ; وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.

*

وَقَالَ الزَّجَّاجُ:*التَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ.

*

وَالثَّالِثُ:*أَنَّ الْأَلِفَ هُنَا عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ فِي كُلِّ حَالٍ.*وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي الْحَارِثِ ; وَقِيلَ:*لِكِنَانَةَ.

*

وَيُقْرَأُ*(إِنْ)*بِالتَّخْفِيفِ،*وَقِيلَ:*هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

*

وَقِيلَ:*هِيَ بِمَعْنَى*«مَا»*وَاللَّامُ بِمَعْنَى*«إِلَّا»*وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ

[ التبيان في إعراب القرآن: ٢/ ٨٩٤ ،٨٩٥ ]

·******* * قال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري(ت 616هـ):

قوله تعالى: «إن هذان)، يقرأ بتشديد النون الأولى والثانية وبألف ، *أما الألف فقد استوفيت الكلام فيها في [۲۰۱] الإعراب(۳). وأما تشديد النون الثانية فلأنهم زادوا النون فيه عوضا من الألف المحذوفة، وذلك أن المفرد فيه ألف وألف التثنية، وقد حذفت إحداهما).

ويقرأ (هذين) بسكون النون)، وهي مخففة من الثقيلة، والتقدير إنه هذان .

ويقرأ (ذان) بغير هاء، وواحده ذا و (ها) زائدة للتنبيه، فيجوز أن تستعمل بغير هذه الزيادة .

ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء .

*

[ إعراب القراءات الشواذ : ٢/ ٧٦،٧٧]

·******* * قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥هـ) :

*

وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إن بتشديد النون هذان بألف ونون خفيفة لساحران واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران وخبر إن الجملة من قوله هذان لساحران واللام في لساحران داخلة على خبر المبتدأ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.

*

وقال الزجاج:*اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد.*وقيل:*ها ضمير القصة وليس محذوفا، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها إن هذان لساحران وضعف ذلك من جهة مخالفته خط المصحف. وقيل إن بمعنى نعم، وثبت ذلك في اللغة فتحمل الآية عليه وهذان لساحران مبتدأ وخبر واللام في لساحران على ذينك التقديرين في هذا التخريج، والتخريج الذي قبله وإلى هذا ذهب المبرد وإسماعيل بن إسحاق وأبو الحسن الأخفش الصغير، والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائما وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب، ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حكي ذلك عن الكسائي، ولبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذرة.*وقال أبو زيد:*سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا.

*

وقرأ أبو بحرية وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وحميد وابن سعدان وحفص وابن كثير إن بتخفيف النون هذا بالألف وشدد نون هذان ابن كثير، وتخريج هذه القراءة واضح وهو على أن أن هي المخففة من الثقيلة وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة وهذان مبتدأ ولساحران الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة على رأي البصريين والكوفيين، يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى إلا. وقرأت فرقة إن ذان لساحران وتخريجها كتخريج القراءة التي قبلها، وقرأت عائشة والحسن والنخعي والجحدري والأعمش وابن جبير وابن عبيد وأبو عمرو إن هذين بتشديد نون إن وبالياء في هذين بدل الألف، وإعراب هذا واضح إذ جاء على المهيع المعروف في التثنية لقوله فذانك برهانان إحدى ابنتي هاتين*«١»*بالألف رفعا والياء نصبا وجرا.*وقال الزجاج:*لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف.*وقال أبو عبيد:

*

رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذن ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها،*وقالت جماعة منهم عائشة وأبو عمرو:*هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وقرأ عبد الله إن ذان إلا ساحران قاله ابن خالويه وعزاها الزمخشري لأبي.*وقال ابن مسعود:*إن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من النجوى انتهى. وقرأت فرقة ما هذا إلا ساحران

[ البحر المحيط: ٧/٣٤٩ ،٣٥٠ ]

*

·******* * قال أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (ت ٧٥٦هـ) :

قوله:*{إن هذان}*: اختلف القراء في هذه الآية الكريمة: فقرأ ابن كثير وحده*«إن هذان»*بتخفيف إن، والألف، وتشديد النون. وحفص كذلك إلا أنه خفف نون*«هذان»*. وقرأ أبو عمرو*«إن»*بالتشديد*«هذين»*بالياء وتخفيف النون. والباقون كذلك إلا أنهم قرؤوا/*«هذان»*بالألف.

*

فأما القراءة الأولى وهي قراءة ابن كثير وحفص فأوضح القراءات معنى ولفظا وخطا؛ وذلك أنهما جعلا*«إن»*المخففة من الثقيلة فأهملت، ولما أهملت كما هو الأفصح من وجهيها خيف التباسها بالنافية فجيء باللام فارقة في الخبر. ف*«هذان»*مبتدأ، و*«لساحران»*خبره، ووافقت خط المصحف؛ فإن الرسم*«هذن»*بدون ألف ولا ياء وسيأتي بيان ذلك.

وأما تشديد نون*«هذان»*فعلى ما تقدم في سورة النساء، وقد أتقنت ذلك هناك وأما الكوفيون فيزعمون أن*«إن»*نافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، وهو خلاف مشهور وقد وافق تخريجهم هنا قراءة بعضهم*«ما هذان إلا ساحران»*.

وأما قراءة أبي عمرو فواضحة من حيث الإعراب والمعنى. أما الإعراب ف*«هذين»*اسم*«إن»*وعلامة نصبه الياء. و*«لساحران»*خبرها، ودخلت اللام توكيدا.*وأما من حيث المعنى : *فإنهم أثبتوا لهما السحر بطريق تأكيدي من طرفيه، ولكنهم استشكلوها من حيث خط المصحف؛ وذلك أن رسمه «هذن»*بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خط المصحف.*قال أبو إسحاق:*«لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف»*.*وقال أبو عبيد:*«رأيتهما في الإمام مصحف عثمان»*هذن*«ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء، ولا يسقطونها»*.

قلت:*وهذا لا ينبغي أن يرد به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نصوا هم أنه لا يجوز القراءة بها فليكن هذا منها، أعني مما خرج عن القياس.*فإن قلت:*ما نقلته عن أبي عبيد مشترك الإلزام بين أبي عمرو وغيره،*فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادة الياء يعترض عليهم بزيادة الألف:*فإن الألف ثابتة في قراءتهم، ساقطة من خط المصحف. فالجواب ما تقدم من قول أبي عبيد أنهم رآهم يسقطون الألف من رفع الاثنين، فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء.

وذهب جماعة منهم عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو إلى أن هذا مما لحن فيه الكاتب وأقيم بالصواب.

يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل، فلم يقرأه الناس إلا بالياء على الصواب.

وأما قراءة الباقين ففيها أوجه،*أحدها:*أن*«إن»*بمعنى نعم، و*«هذان»*مبتدأ، و*«لساحران»*خبره، وكثر ورود*«إن»*بمعنى نعم وأنشدوا:

*بكر العواذل في المشي ... ب يلمنني وألومهنه

*

ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه

*

أي:*فقلت: نعم. والهاء للسكت.*وقال رجل لابن الزبير:*لعن الله ناقة حملتني إليك فقال:*«إن وصاحبها»*أي: نعم. ولعن صاحبها. وهذا رأي المبرد وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردود من وجهين،*أحدهما:*عدم ثبوت*«إن»*بمعنى نعم،*وما أورده مؤول:*أما البيت فإن الهاء اسمها،*والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره:*إنه كذلك. وأما قول ابن الزبير فذلك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف وحذف خبر*«إن» للدلالة عليه،*تقديره:*إنها وصاحبها ملعونان،*وفيه تكلف لا يخفى والثاني:*دخول اللام على خبر المبتدأ غير المؤكد ب*«إن»*المكسورة،*لأن مثله لا يقع إلا ضرورة كقوله:

*أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه

وقد يجاب عنه:*بأن*«لساحران»*يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف دخلت عليه هذه اللام تقديره: لهما ساحران وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايته عنه.

الثاني:*أن اسمها ضمير القصة وهو*«ها»*التي قبل*«ذان»*وليست ب*«ها»*التي للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة،*والتقدير:*إن القصة ذان لساحران. وقد ردوا هذا من وجهين،*أحدهما:*من جهة الخط، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تكتب*«إنها»*فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى:*{فإنها لا تعمى الأبصار}*[الحج: ٤٦]*فكتبهم إياها مفصولة من*«إن»*متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميرا، وهو واضح الثاني:*أنه يؤدي إلى دخول لام الابتداء في الخبر غير المنسوخ. وقد يجاب عنه بما تقدم.

الثالث:*أن اسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبرا ل*«إن»*،*التقدير:*إنه،*أي:*الأمر والشأن. وقد ضعف هذا بوجهين،*أحدهما:*حذف اسم*«إن»*، وهو غير جائز إلا في شعر، بشرط أن لا تباشر*«إن»*فعلا كقوله:

*إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء

/ والثاني:*دخول اللام في الخبر.

وقد أجاب الزجاج بأنها داخلة على مبتدأ محذوف تقديره:*لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخه المبرد، أعني جوابه بذلك.

الرابع:*أن*«هذان»*اسمها، و*«لساحران»*خبرها. وقد رد هذا بأنه كان ينبغي أن يكون*«هذين»*بالياء كقراءة أبي عمرو.

وقد أجيب عن ذلك:*بأنه على لغة بني الحارث وبين الهجيم وبني العنبر وزبيد وعذرة ومراد وخثعم. وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي.*قال أبو زيد:*«سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا»*، يجعلون المثنى كالمقصور فيثبتون ألفا في جميع أحواله، ويقدرون إعرابه بالحركات،*وأنشدوا قوله:

*فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما

أي:*لنابيه.*وقوله:

إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

أي:*غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.

وقرأ ابن مسعود:*«أن هذان ساحران»*بفتح*«أن»*وإسقاط اللام: على أنها وما في حيزها بدل من*«النجوى»*كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره.*وفيه نظر:*لأن الاعتراض بالجملة القولية بين البدل والمبدل منه لا يصح. وأيضا فإن الجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة، وكذا قاله الزمخشري أولا فكيف يصح أن يجعل*«أن هذان ساحران»*بدلا من*«النجوى»*؟ .

[ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون : *٨/٦٣ _٦٨]

*

·******* *قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) :

جملة*{ قَالُوا إنْ هذان لساحران }*بدل اشتمال من جملة*{ وأسَرُّوا النجوى }*، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذُكر منها هذا القول ، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه ، فهو زبدة مخيض النجوى . وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه .*

*

وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى :*قال بعضهم : هذان لساحران ،*فقال جميعهم :*نعم هذان لسَاحران ، فأسند هذا القول إلى جميعهم ، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها .*وقال بعضهم لبعض :*نعم هو كذلك ، ونطقوا بالكلام الذي استقرّ عليه رأيهم ، وهو تحققهم أنّ موسى وأخاه ساحران .*

*

واعلم أنّ جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله*« هاذان »*ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر . وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ*( هذانِ )*أكثر تواتراً بقطع النظر عن كيفيّة النطق بكلمة*( إنّ )*مشدّدة أو مخفّفة ، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون*( إنّ )*ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا*( إنْ )*بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة .*

*

وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .*

*

فأما قراءة الجمهور*{ إنّ هذان لساحران }*بتشديد نون*( إنّ )*وبالألف في هذان وكذلك في لساحران ، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة . وأظهرها أن تكون*( إنّ )*حرف جواب مثل : نعم وأجَل ، وهو استعمال من استعمالات*( إنّ )*،*أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات :*

*

ويقلْن شيب قد عَلا *** كَ وقد كبِرت فقلت إنّه

*

أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ،*فقال الأعرابي :*لعَن الله ناقة حملتني إليك .*قال ابن الزّبير :*إنّ وراكِبَها . وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في*« تفسيره »*.*وقال :*عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد*( يعني المبرد )*، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد*( يعني القاضي الشهير )*فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .*

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 صفر 1443هـ/26-09-2021م, 02:32 AM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

التطبيق الخامس


أقوال السلف في المسألة :
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: {واللّه} الّذي {جعل لكم} أيّها النّاس {من أنفسكم أزواجًا} يعني أنّه خلق من آدم زوجته حوّاء، {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي واللّه خلق آدم، ثمّ خلق زوجته منه، ثمّ جعل لكم بنين وحفدةً ".
واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
لقد أرسلت
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب
قال أبو إسحاق أحمد بن محمدالثعلبي ( ت427 هـ )
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ 🔶وَحَفَدَةً.
ابن عبّاس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى: هم الأصهار أختان الرجل على بناته.
روى شعبة عن عاصم: بن بهدلة قال: سمعت زر بن حبيش وكان رجلا غريبا أدرك الجاهلية قال: كنت أمسك على عبد الله المصحف فأتى على هذه الآية قال: هل تدري ما الحفدة، قلت: هم حشم الرجل.
قال عبد الله: لا، ولكنهم الأختان. وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس
وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.

مجاهد وأبو مالك الأنصاري: هم الأعوان، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عبّاس قال:

من أعانك حفدك.

وقال الشاعر:

حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهنّ أزمّة الإجمال «2»

وقال عطاء: هم ولد الرجل يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه.

وقال قتادة: [مهنة يمتهنونكم] ويخدمونكم من أولادكم.

الكلبي ومقاتل: البنين: الصغار، والحفدة: كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.

مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس: إنهم ولد الولد.

ابن زيد: هم بنو المرأة من الزوج الأوّل. وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس: هم بنو امرأة الرجل الأوّل.

وقال العتبي: أصل الحفد: مداركة الخطر والإسراع في المشي.

فقيل: لكل من أسرع في الخدمة والعمل: حفدة، واحدهم حافد، ومنه يقال في دعاء الوتر: إليك نسعى ونحفد، أي نسرع إلى العمل بطاعتك.

وأنشد ابن جرير [للراعي] :

كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا «1» (ج 6/ ص30) المكتبة الشامل(الكشف والبيان عن تفسير القرآن )

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]
لقد أرسلت
قال أبو الحسن على بن محمد الماوردي ( ت 450 ه )


أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود وأبو الضحى . وسعيد بن جبير وإبراهيم ، ومنه قول الشاعر{[1737]} :

ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت * لها حَفَدٌ مما يُعَدّث كثيرُ

ولكنها نفس عليَّ أبيّة * عَيُوفٌ لأَصهارِ للئام قَذور

الثاني : أنهم أولاد الأولاد ، قاله ابن عباس .

الثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً .

الرابع : أنهم الأعوان ، قاله الحسن .

الخامس : أنهم الخدم ، قاله مجاهد وقتادة وطاووس ، ومنه قول جميل :

حفد الولائدُ حولهم وأسلمت * بأكفهن أزِمّةَ الأجمال

وقال طرفة بن العبد :

يحفدون الضيف في أبياتهم * كرماً ذلك منهم غير ذل

وأصل الحفد : الإسراع ، والحفدة جمع حافد ، والحافد هو المسرع في العمل ، ومنه قولهم في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع إلى العمل بطاعتك ، منه قول الراعي{[1738]} :

كلفت مجهولها نوقاً ثمانية * إذا الحُداة على أكسائها{[1739]} حفدوا

وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى : { بنين وحفدة } ، [ إلى أن ] البنين : الصغار ، والحفدة : الكبار (ج 3/ 202 -203)المكتبة الشاملة -النكت والعيون


قال أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية ( ت 542 هـ )
واختلف الناس في قوله وَحَفَدَةً فقال ابن عباس: «الحفدة» أولاد البنين، وقال الحسن: هم بنوك وبنو بنيك، وقال ابن مسعود وأبو الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير: «الحفدة» الأصهار وهم قرابة الزوجة، وقال مجاهد: «الحفدة» الأنصار والأعوان والخدم، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي لأنهن خدم الأبوين لأن لفظة البنين لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا [الكهف: 46] وإنما الزينة في الذكور، وقال ابن عباس أيضا: «الحفدة» أولاد زوجة الرجل من غيره، ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعة ومنه في القنوت: وإليك نسعى ونحفد، والحفدان خبب فوق المشي، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر: [الكامل]
حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أرمة الإجمال
ومنه قول الآخر: [البسيط]
كلفت مجهولها نوقا ثمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
قال القاضي أبو محمد: وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنيت على أن كل أحد جعل له من زوجه بنون وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس، ويحتمل عندي أن قوله: مِنْ أَزْواجِكُمْ إنما هو على العموم والاشتراك، أي من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة، وحصل تحت النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة «الحفدة» على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة، وقالت فرقة: «الحفدة» هم البنون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال جعلنا لهم بنين وأعوانا أي وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة
لقد أرسلت
قال جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي ( ت 597 ه )
قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يعني النّساء ، وفي معنى «من أنفسكم» قولان : أحدهما : 🔶أنه خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، قاله قتادة. والثاني : «من أنفسكم» ، أي : من جنسكم من بني آدم ، قاله ابن زيد. وفي الحفدة خمسة أقوال : أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنّخعيّ ، وأنشدوا من ذلك :
ولو أنّ نفسي طاوعتني لأصبحت

لها حفد ممّا يعدّ كثير (١)
ولكنّها نفس عليّ أبيّة

عيوف لأصهار اللّئام قذور
والثاني : أنهم الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاوس وعكرمة في رواية الضّحّاك ، وهذا القول يحتملل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون
المعنى : أنّ الأولاد يخدمون. قال ابن قتيبة : الحفدة : الخدم والأعوان ، فالمعنى : هم بنون ، وهم خدم. وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وإنما يفعل الخدم هذا ، فقيل لهم : حفدة. ومنه يقال في دعاء الوتر :
(٨٦٤) «وإليك نسعى ونحفد».
والثاني : أن يراد بالخدم : المماليك ، فيكون معنى الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج ، ذكره ابن الأنباري. والثالث : أنهم بنوا امرأة الرجل من غيره ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك. والرابع : أنهم ولد الولد ، رواه مجاهد عن ابن عباس. والخامس : أنهم : كبار الأولاد ، والبنون : صغارهم ، قاله ابن السّائب ، ومقاتل. قال مقاتل : وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزّجّاج : وحقيقة هذا الكلام أنّ الله تعالى جعل من الأزواج بنين ، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة.
( ج 2/ 571-572 ) المكتبة الشاملة - زاد المسير



قال أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671 ه )

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى-قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلَ لَكُمْ 🔶مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ) ظَاهِرٌ فِي تَعْدِيدِ النِّعْمَةِ فِي الْأَبْنَاءِ، وَوُجُودُ الْأَبْنَاءِ يَكُونُ مِنْهُمَا مَعًا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ خَلْقُ الْمَوْلُودِ فِيهَا وَانْفِصَالُهُ عَنْهَا أُضِيفَ إِلَيْهَا، وَلِذَلِكَ تَبِعَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَصَارَ مِثْلَهَا فِي الْمَالِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سَمِعْتُ إِمَامَ الْحَنَابِلَةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ أَبَا الْوَفَاءِ عَلِيَّ بْنَ عُقَيْلٍ يَقُولُ: إِنَّمَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الْمَالِيَّةِ وَصَارَ بِحُكْمِهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنِ الْأَبِ نُطْفَةً لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا اكْتَسَبَ مَا اكْتَسَبَ بِهَا وَمِنْهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَبِعَهَا. كَمَا لَوْ أكل رجل تمر فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَسَقَطَتْ مِنْهُ نَوَاةٌ فِي الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْآكِلِ فَصَارَتْ نَخْلَةً فَإِنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ دُونَ الْآكِلِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ لِأَنَّهَا انْفَصَلَتْ عَنِ الْآكِلِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَحَفَدَةً" رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" بَنِينَ وَحَفَدَةً" قَالَ: الْحَفَدَةُ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيِي.وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَحَفَدَةً" قَالَ هُمُ الْأَعْوَانُ، مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ.قِيلَ لَهُ: فَهَلْ تَعْرِفُ العرب ذلك؟ قال نعم وتقول! أو ما سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ

أَيْ أَسْرَعْنَ الْخِدْمَةَ. وَالْوَلَائِدُ: الْخَدَمُ، الْوَاحِدَةُ وَلِيدَةٌ، قَالَ الْأَعْشَى:

كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقًا يَمَانِيَةً ... إِذَا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا «1»

أَيْ أَسْرَعُوا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْأَعْوَانُ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطَاعَ فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ" إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ"، وَالْحَفَدَانُ السُّرْعَةُ.قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَفْدُ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قِيلَ الْحَفَدَةُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ الْأَخْتَانِ، قَالَهُ ابْنُ مسعود وعلقمة وأبو الضحا وسعيد بن جبير وإبراهيم،

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1»:

فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ ... لَهَا حَفَدٌ مَا يُعَدُّ كَثِيرُ

وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لِإِصْهَارِ «2» اللِّئَامِ قَذُورُ

وَرَوَى زِرٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْحَفَدَةُ الْأَصْهَارُ، وَقَالَهُ إِبْرَاهِيمُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْخَتَنُ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، مِثْلُ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَالْأَصْهَارُ مِنْهَا جَمِيعًا. يُقَالُ: أَصْهَرَ فُلَانٌ إِلَى بَنِي فُلَانٍ وَصَاهَرَ. وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ هُمُ الْأَخْتَانُ، يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا الْمَرْأَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُنَّ، فَيَكُونُ لَكُمْ بِسَبَبِهِنَّ أَخْتَانٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحفدة من نفع الرجال مِنْ وَلَدِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ حَفَدَ يَحْفِدُ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) إِذَا أَسْرَعَ فِي سَيْرِهِ، كَمَا قَالَ كَثِيرٌ «3»:

حَفَدَ الْوَلَائِدُ بَيْنَهُنَّ ...

الْبَيْتَ.

وَيُقَالُ: حَفَدَتْ وَأَحْفَدَتْ، لُغَتَانِ إِذَا خَدَمَتْ. وَيُقَالُ: حَافِدٌ وَحَفَدٌ، مِثْلَ خَادِمٍ وَخَدَمٌ، وَحَافِدٌ وَحَفَدَةٌ مِثْلَ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ الْحَفَدَةَ الْخَدَمَ جَعَلَهُ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ يَنْوِي بِهِ التَّقْدِيمَ، كَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ لَكُمْ حَفَدَةً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بنين. قلت: ما قال الْأَزْهَرِيُّ مِنْ أَنَّ الْحَفَدَةَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بَلْ نَصُّهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:" وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً"فَجَعَلَ الْحَفَدَةَ وَالْبَنِينَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ" بَنِينَ وَحَفَدَةً"أَنَّ الْبَنِينَ أَوْلَادُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَالْحَفَدَةَ أَوْلَادُ وَلَدِهِ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ اللَّفْظِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا،وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَمِنَ الْبَنِينِ حَفَدَةً. وَقَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَنُ. الثَّالِثَةُ- إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَعُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْحَفَدَةَ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ، فَقَدْ خَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعِ بَيَانٍ، قاله ابن العربي (ج 10 / 143- 144) المكتبة الشاملة - الجامع لاحكام القران
لقد أرسلت
قال أبو الفداء أسماعيل بن كثير ( ت 774 ه) :
«يذكر الله تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم 🔶وشكلهم. ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا، وجعل الإناث أزواجا للذكور، ثم ذكر الله تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة: وهم: أولاد البنين) وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي من المطاعم والمشارب، وهذا من كمال نعمته عليكم، وإذ كان الأمر كذلك فكيف تشركون. ومن ثم قال: أَفَبِالْباطِلِ الباطل هو الشئ الذي لا حقيقة له يُؤْمِنُونَ أي يصدّقون وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ التي يحسونها ويتنعّمون بها يَكْفُرُونَ يضيفونها إلى غيره ولا ينسبونها إليه، وهذا دأب المشركين خلال العصور، ومن ذلك ملاحدة عصرنا الذين يخلعون على الطبيعة خصائص الإلهية، ويجعلونها هي الخالقة الرازقة.

وبعد أن ذكّر الله بنعمه، وأقام الحجة على المشركين أخبر عن المشركين، وماذا يفعلون؟ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً فالله هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده، وغيره لا يملك أن يرزق أدنى شئ وَلا يَسْتَطِيعُونَ أي لا يملكون الرزق، ولا يمكنهم أن يملكوه، ولا يتأتى ذلك منهم، ومن كان كذلك فكيف يعبد؟ ولا شك أن الذين يعبدون من دون الله ما يعبدون
(ج 4 /503 -504 ( المكتبة الشاملة -تفسير القرآن العظيم )


جمع أقوال اللغويين في المسألة :

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ)
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان.
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمتبأكـفّـهـن أزمّــــة الأجــمــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمتبأكـفّـهـن أزمّــــة الأجــمــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بنين وحفدة} فقالوا فيه الحفدة: العملة؛ والحفدة: الخدم أيضًا.
وقال ابن عباس الحفدة: الأعوان وهو ذلك المعنى؛ وقال بعضهم أيضًا الحفدة: الأصهار؛ "بنين وأصهارا" في التفسير لا في اللغة.
[معاني القرآن لقطرب: 814]
وقالوا في الفعل: حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة؛ وقالوا أيضًا: حفد البكر يحفد حفدانًا؛ وهو عمله، ويكون الواحد من الحفدة حافدًا، مثل الفسقة والبررة.
وكان الحسن أيضًا يقول: الحفدة من خدمك.
وكان الكلبي يقول: الحفدة البنون الكبار الذين خدموه، هم الحفدة.
وقوله: "وإليك نسعى ونحفد" أي نسعى ونخف ونجد.
وقال الراعي:
كلفت مجهولها نوقًا يمانية = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
يعني على أوبارها.
وقال الآخر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفهن أزمة الأحمال
وقال ابن مقبل:
لأنعم عينا صاحب قلت هل = ترى تواليهم يلحقن بالحفدان
[معاني القرآن لقطرب: 815]
قال أبو علي: هذا معنى واحد كله). [معاني القرآن لقطرب: 8
لقد أرسلت
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمر رضي الله عنه
في قنوت الفجر قوله: وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.
قوله: نحفد، أصل الحفد الخدمة والعمل، يقال: حفد يحفد حفدا وقال الأخطل:
حفد الولائد حولهن وأسلمتبـأكـفـهـن أزمــــة الأجــمـــال
أراد خدمهن الولائد وقال الشاعر:
كلـفـت مجهولـهـا نـوقـا يمانـيـةإذا الحداة على أكسائها حفدوا
وقد روي عن مجاهد في قوله عز وعلا: {بنين وحفدة}
أنهم الخدم، وعن عبد الله أنهم الأصهار.
قال: حدثناه ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله والله أعلم.
وأما المعروف في كلامهم فإن الحفد هو الخدمة، فقوله: نسعى ونحفد، هو من ذاك، يقول: إنا نعبدك ونسعى في طلب رضاك. وفيها لغة أخرى: أحفد إحفادا قال الراعي:
مزايد خرقاء اليدين مسيفةأخب بهن المخلفان وأحفـدا
فقد يكون قوله: أحفدا أخدما، وقد يكون أحفدا غيرهما أعملا بعيرهما، فأراد عمر بقوله: وإليك نسعى ونحفد: العمل لله بطاعته). [غريب الحديث: 4/264-266]






قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246
قال محمد بن عزيز السجستاني ( ت 330 ه )
. حفدة: حذم، وَقيل: أختَان، وَقيل: أَصْهَار، وَقيل أعوان، وَقيل [بَنو] الرجل، من نَفعه مِنْهُم، وَقيل: بَنو الْمَرْأَة من زَوجهَا الأول.
كتاب نزهة القلوب (ص -192 ) المكتبة الشاملة
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمتبـأكـفـهـن أزمــــة الأجــمـــال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]
قال محمد بن عبد الواحد آبو عمرو الزاهد ( غلام ثعلب ) (ت 354 ه )
{بَنِينَ وحفدة} اخْتلف النَّاس، فَقَالَت طَائِفَة: هم الأعوان والأختان، وَقَالَت طَائِفَة: كل من أسْرع فِي حَاجَتك، فَهُوَ حافد، قرَابَة كَانَ أَو غير قرَابَة، يُقَال حافد وحفدة، مثل: كَاتب وكتبة.
كتاب ياقوتة الصراط - (ص 296 ) المكتبة الشاملة






قال أبو القاسم محمود الزمخشري ( ت 538 ه )والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أى يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت. وإليك نسعى ونحفد وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ «3»
واختلف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات «4» وقيل: أولاد الأولاد. وقيل: أولاد المرأة
من الزوج الأوّل. وقيل: المعنى وجعل لكم حفدة، أى خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم، كقوله سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون،
الكشاف - ( ج2 / ص 620- 621) المكتبة الشاملة





قال ،زين الدين محمد بن أبي بكر الجنفي ( ت 666 ه )ح ف د: (الْحَفْدُ) السُّرْعَةُ وَبَابُهُ ضَرَبَ وَ (حَفَدَانًا) أَيْضًا بِفَتْحِ الْفَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ: وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ. وَأَحْفَدَهُ حَمَلَهُ عَلَى الْحَفْدِ وَالْإِسْرَاعِ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ أَحْفَدَ أَيْضًا لَازِمًا. وَ (الْحَفَدَةُ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَعْوَانُ وَالْخَدَمُ، وَقِيلَ: الْأَخْتَانُ، وَقِيلَ الْأَصْهَارُ، وَقِيلَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَاحِدُهُمْ (حَافِدٌ)
مختار الصحاح -(ص 76) المكتبة الشاملة
قال محمد ،جمال الدين ابن منظور (ت 711 ه )
(حفد)
الرجل وَنَحْوه حفدانا خف وأسرع فِي عمل فَهُوَ حافد (ج) حفدة وحفد وَهُوَ حفيد (ج) حفداء وَفُلَانًا حفدا أَعَانَهُ وخف إِلَى خدمته
(أحفد) الرجل حفد وَفُلَانًا أعطَاهُ خَادِمًا وَالدَّابَّة حملهَا على الْإِسْرَاع ومداركة الخطو
(احتفد) حفد وَيُقَال سيف محتفد سريع الْقطع
(الحافد) العون وَالْخَادِم وَولد الْوَلَد وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} وصانع الوشي (ج) حفدة وحفد وأحفاد
(الحفد) جمع حافد والوشي
(الْحَفِيد) ولد الْوَلَد (ج) حفداء
(المحفد) وشي الثَّوْب ووعاء تعلف فِيهِ الْإِبِل
(المحفد) المحفد وَالْأَصْل عَامَّة ومحفد الرجل محتده وأصل السنام
( لسان العرب - ج3 / ص 153 ) المكتبة الشاملة
قال أحمد بن محمد شهاب الدين ابن الهائم (ت 815 ه )
حَفَدَةً [72] : الخدم، وقيل: الأختان «3» ، وقيل: الأصهار، وقيل:الأعوان. وقيل: بنو المرأة من زوجها الأوّل، أي عياله بلغة قريش . كتاب التبيان في تفسير غريب القرآن - (ص 209 ) المكتبة الشاملة

قال مجد الدين أبو طاهر محمد الفيروزبادي (ت 817 ه ) حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحَفَداناً: خَفَّ في العَمَلِ، وأسْرَعَ،
كاحْتَفَدَ، وخَدَمَ.
والحَفَدُ، محرَّكةً: الخَدَمُ، والأَعْوانُ،
جَمْعُ حافِدٍ، ومشيٌ دونَ الخَبَبِ،
كالحَفَدانِ والإِحْفادِ.
وحَفَدَةُ الرَّجُلِ: بَناتُه، أو أولادُ أولادِه،
كالحَفيدِ، أو الأَصْهارُ،
القاموس المحيط (1/ ص 277 ) المكتبة الشاملة

قال محمد الطاهر بن عاشور ( ت 1394 هـ )
والحفدة: جمع حافد، مثل كَملة جمع كامل. والحافد أصله المسرع في الخدمة. وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جدّه لضعف الجدّ بسبب الكبر، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع. وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلاً ولا يَشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبَة من الإرضاع. والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة، قال تعالى: { فبشرّناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } [سورة هود: 71]. وقد عملت {من} الابتدائية في {حفدة} بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة.

التحرير والتنوير ص





🔶المعجم الوسيط ( معجم اللغة العربية بالقاهرة )

(حفد)
الرجل وَنَحْوه حفدانا خف وأسرع فِي عمل فَهُوَ حافد (ج) حفدة وحفد وَهُوَ حفيد (ج) حفداء وَفُلَانًا حفدا أَعَانَهُ وخف إِلَى خدمته
(أحفد) الرجل حفد وَفُلَانًا أعطَاهُ خَادِمًا وَالدَّابَّة حملهَا على الْإِسْرَاع ومداركة الخطو
(احتفد) حفد وَيُقَال سيف محتفد سريع الْقطع
(الحافد) العون وَالْخَادِم وَولد الْوَلَد وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} وصانع الوشي (ج) حفدة وحفد وأحفاد
(الحفد) جمع حافد والوشي
(الْحَفِيد) ولد الْوَلَد (ج) حفداء
(المحفد) وشي الثَّوْب ووعاء تعلف فِيهِ الْإِبِل
(المحفد) المحفد وَالْأَصْل عَامَّة ومحفد الرجل محتده وأصل السنام
( ج1/ ص 184 ) المكتبة الشاملة


التعليق



أقوال السلف في المسألة
النقول كانت من : تفاسير كل من ابن جرير الطبري والثعلبي والماوردي وابن عطيةوابن الجوزي والقرطبي وابن كثير
النقول كلها كانت من جمهرة التفاسير عدا تفسير ابن عطية من المكتبة الشاملة
المرتبة الأولى
كتب معاني القرآن
النقول كانت من :
- تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري.
- ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
- ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء.
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس ومعاني القرآن لقطرب
أما كتاب (تأويل مشكل القرآن)لابن قتيبة ،فلم أجد الآية التى فيها المفردة المطلوبة ، مع وجود الآية السابقة لها


المرتبة الثانية
كتب غريب القرآن
النقول كانت من:
غريب القرآن لابن قتيبة و غريب القرآن وتفسيره لابن اليزيدي ونزهة القلوب لابن عزيز السجستاني و ياقوتة الصراط لابي عمرو الزاهد والعمدة في غريب القرآن لأبي طالب المكي وأيضا كتابه تفسير المشكل من غريب القرآن


المرتبة الثالثة
النقول كانت من :
القاموس المحيط للفيروزبادي و لسان العرب لابن منظور و مختار الصحاح لزين الدين الجنفي والمعجم الوسيط


المرتبة الرابعة
التفاسير التى يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية
النقول كانت من:
تفسير الزمخشري والتحرير والتنوير لابن عاشور

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 صفر 1443هـ/26-09-2021م, 02:40 AM
ندى توفيق ندى توفيق غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 237
افتراضي

تتمة :
وقلت :*لقد صدقا وحقّقا ، وما أورده ابن جنّي عليه من الرد فيه نظر .*

*

وفي*« التفسير الوجيز »*للواحدي سأل إسماعيل القاضي*( هو ابن إسحاق بن حمّاد )*ابنَ كيسان عن هذه المسألة ،*فقال ابنُ كيسان :*لما لم يظهر في المبهم إعرابٌ في الواحد ولا في الجمع*( أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان )*جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغيّر .*فقال له إسماعيل :*ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يُؤْنس به فقال له ابنُ كيسان : فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم .*

*

وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى :*{ إنّ هَذانِ لسَاحِرانِ }*حكايةً لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبِل هذا الرأي لأنّ حرف الجواب يقتضي كلاماً سبقه .*

*

ودخلت اللاّم على الخبر :*إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدأها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجودُ اللاّم ينبىء بأن الجملة التي وقعت خبراً عن اسم الإشارة جملة قسميّة ؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة .*

*

ووجهت هذه القراءة أيضاً بجعل*( إنّ )*حرف توكيد وإعراببِ اسمها المثنّى جَرى على لغة كنانة وبِلْحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألفَ في أحوال الإعراب كلها ،*وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول المتلمّس :*

*

فأطرقَ إطراقَ الشُجاع ولو درى *** مساغاً لِنَأبَاهُ الشجاعُ لصمّما

*

وقرأه حفص بكسر الهمزة وتخفيف نون*( إنْ )*مسكنة على أنها مخففة*( إنّ )*المشددة . ووجه ذلك أن يكون اسم*( إنْ )*المخففة ضمير شأن محذوفاً على المشهور . وتكون اللاّم في*{ لساحران }*اللاّم الفارقة بين*( إنْ )*المخففة وبين*( إن )*النافية .*

*

وقرأ ابن كثير بسكون نون*( إنْ )*على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في*« هذان »*وبتشديد نون*( هاذانّ )*.*

*

وأما قراءة أبي عمرو وحده { إنَّ هذَيْن بتشديد نون*( إنّ )*وبالياء بعد ذال هذين .*فقال القرطبي :*هي مخالفة للمصحف .*وأقل :*ذلك لا يطعن فيها لأنّها رواية صحيحة ووافقت وجهاً مقبولاً في العربيّة .*

*

ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود . فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة إن هاذان خطأ من كاتب المصحف ، وروايتِهم ذلك عن أبانَ بن عثمان بن عفّان عن أبيه ، وعن عروة بن الزبير عن عائشة ، وليس في ذلك سند صحيح .*

*

حسبوا أنّ المسلمين أخذوا قراءة القرآن من المصاحف وهذا تغفّل ، فإن المصحف ما كتب إلاّ بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيّفاً وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلاّ من حفظ الحفّاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلاّ من أفواه حُفّاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخطّ لما تبعه القراء ، ولكان بمنزلة ما تُرك من الألفات في كلمات كثيرة وبمنزلة كتابة ألف الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والرّبا بالواو في موضع الألف وما قرأوها إلاّ بألِفاتها

[ التحرير و التنوير : ١٦/٢٥١ _٢٥٤ ]

*

*

*

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 صفر 1443هـ/30-09-2021م, 05:37 AM
رفعة القحطاني رفعة القحطاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 241
افتراضي

قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {إلا من ضريع}؛ قال: هو الشبرق). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 368]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا سعيد بن زيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريعٍ}: السَّلَم، كيف يسمن من يأكل الشّوك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 488]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: الضّريع: نبتٌ يقال له الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز: الضّريع إذا يبس، وهو سمٌّ). [صحيح البخاري: 6 / 168]

قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ويُقالُ: الضَّريعُ نَبْتٌ يُقَالُ: له الشِّبْرِقُ تُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ الضَّريعَ إذا يَبِسَ وهُو سُمٌّ)، هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِـ والشِّبْرِقُ بكَسْرِ المُعْجَمَةِ، بَعْدَها مُوَحَّدَةٌ؛ قَالَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هُو نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يَرمِي به البَحرُ.

- وأَخرَجَ الطَّبَرِيُّ من طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ومُجَاهدٍ قَالَ: الضَّريعُ: الشِّبرِقُ. ومن طَرِيقِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّريعُ شَجرٌ من نارٍ.

- ومن طريقِ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: الحجارةُ. وقَالَ ابنُ التِّينِ: كأنَّ الضَّريعَ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّارعِ وهُو الذَّليلُ، وقِيلَ: هُو السُّلاَّ بضَمِّ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللامِ وهُو شَوكُ النَّخلِ). [فتح الباري: 8 / 700-701]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَيُقالُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذَا يَبِسَ وَهُوَ سَمٌّ).

- الْقَائِلُ هُوَ الْفَرَّاءُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} وَكَذَبُوا فَإِنَّ الإِبَلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَلاَ تَأْكَلُهُ، وَرَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقًا بِالْكَسْرِ لاَ ضَرِيعًا، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} وَفِي الْحَاقَّةِ: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ}؟ قُلْتُ: الْعَذَابُ أَلْوَانٌ وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِسْلِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.

- وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّرِيعُ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ). [عمدة القاري: 19 / 289]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الضَّرِيعُ) ولأَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ الضَّرِيعُ (نَبْتٌ) له شَوْكٌ (يُقَالُ له: الشِّبْرِقُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ والرَّاءِ، بينهما مُوَحَّدَةٌ ساكنةٌ (تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذا يَبِسَ وهو سُمٌّ) لا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ لِخَبَثِهِ). [إرشاد الساري: 7 / 417]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: من حجارةٍ). [جزء تفسير يحيى بن اليمان: 37] [سعيد: هو ابن جبير]

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: شجرةٌ يقال لها: الشّبرق).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 94]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَ لهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌ إلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ له الشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذي قلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثني عمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ المحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَ عبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَ في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
- حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ، رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ، فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشبرقُ.
- حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ، قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَ يُسمَّى الضريعَ.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: من شرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.

وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُ يمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثنا أبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} يقولُ: شجرٌ من نارٍ.
- حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّا في الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُ الضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الضريع: الشبرق اليابس). [تفسير مجاهد: 2/ 753]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: السَّاعَةُ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَعْمَلُ وتَنْصَبُ في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: هي التي قدْ طَالَ أَنيُهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُ الساعَةِ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛ قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُها مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِ وأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة في قَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ في الدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}؛ قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْ بَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ قالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِ الضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُ شجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبي الجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَ طَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الزَّقُّومُ). [الدر المنثور: 15 / 384]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُ الشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَ يَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 385]


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في (الضّريع)؛ فقال الحسن وجماعةٌ من المفسّرين: هو الزّقّوم؛ لأنّ اللّه تعالى قد أخبر في هذه الآية أنّ الكفّار لا طعام لهم إلاّ من ضريعٍ، وقد أخبر أنّ الزّقّوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أنّ الضّريع هو الزّقّوم.
وقال سعيد بن جبيرٍ: الضّريع حجارةٌ في النار.
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وعكرمة: الضّريع: شبرق النار.
وقال أبو حنيفة: الضّريع: الشّبرق؛ وهو مرعى سوءٍ، لا تعقد السّائمة عليه شحماً ولا لحماً. ومنه قول ابن عيزارة الهذليّ:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ....... حدباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ....... وعاد ضريعاً بان منه النّحائص
وقيل: الضّريع: العشرق.
وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الضّريع: شوكٌ في النّار».
وقال بعض اللّغويّين: الضّريع: يبس العرفج إذا تحطّم.
وقال آخرون: هو رطب العرفج.
وقال الزّجّاج: هو نبتٌ كالعوسج.
وقال بعض المفسّرين: الضّريع نبتٌ في البحر أخضر منتنٌ مجوّفٌ مستطيلٌ، له نورٌ فيه كبيرٌ.
وقال ابن عبّاسٍ أيضاً: الضّريع: شجرٌ من نارٍ.
وكلّ من ذكر شيئاً مما قدّمناه فإنما يعني أن ذلك من نارٍ ولا بدّ، وكلّ ما في النار فهو نارٌ.
وقال قومٌ: ضريعٌ، وادٍ في جهنّم.
وقال جماعةٌ من المتأولّين: الضّريع: طعام أهل النار، ولم يرد أن يخصّص شيئاً ممّا ذكر.
قال بعض اللّغويّين: وهذا ممّا لا تعرفه العرب.
وقيل: الضّريع: الجلدة التي على العظم تحت اللّحم. ولا أعرف من تأوّل الآية بهذا.
وأهل هذه الأقاويل يقولون: الزّقّوم لطائفةٍ، والضّريع لطائفةٍ، والغسلين لطائفةٍ.
واختلف في المعنى الذي سمّي به ضريعاً؛ فقيل: هو ضريعٌ بمعنى مضرعٍ، أي: مضعفٍ للبدن مهزلٍ، ومنه قول النبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في ولدي جعفر بن أبي طالبٍ -رضي اللّه عنهم-:«ما لي أراهما ضارعين». يريد هزيلين. ومن فعيلٍ بمعنى مفعلٍ قول عمرو بن معديكرب:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع ....... يؤرّقني وأصحابي هجوع
يريد: المسمع.
وقيل: ضريعٌ: فعيلٌ من المضارعة، أي: لأنه يشبه المرعى الجيّد، ويضارعه في الظاهر، وليس به). [المحرر الوجيز: 8/ 597-599]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}؛ قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: شجرٌ من نارٍ. وقال سعيد بن جبيرٍ: هو الزّقّوم. وعنه أنّها الحجارة. وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة: هو الشّبرق. قال قتادة: قريشٌ تسمّيه في الرّبيع الشّبرق، وفي الصّيف الضّريع.
قال عكرمة: وهو شجرةٌ ذات شوكٍ، لاطئةٌ بالأرض.
وقال البخاريّ: قال مجاهدٌ: الضّريع: نبتٌ يقال له: الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز الضّريع إذا يبس. وهو سمٌّ.
وقال معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ من ضريعٍ}؛ هو الشّبرق إذا يبس، سمّي الضّريع.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}: من شرّ الطّعام وأبشعه وأخبثه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 385]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {لّيس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ...}؛ وهو نبت يقال له: الشّبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم). [معاني القرآن: 3/ 257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إلاّ من ضريعٍ} الضريع عند العرب الشبرق شجر). [مجاز القرآن: 2/ 296]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست له قوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ليس لهم طعام إلّا من ضريع (6)} يعني لأهل النار، والضريع الشبرق؛ وهو جنس من الشوك، إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضّريع، قال كفار قريش: إنّ الضريع لتسمن عليه إبلنا، فقال اللّه - عزّ وجلّ - {لا يسمن ولا يغني من جوع (7)}). [معاني القرآن: 5/ 318]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسج الرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع): نبت بالحجاز، يقال لرطبه الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]

قال الزمخشري: الضريع يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا «3» ، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:

رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان عنه النّحائص «4»

وقال:

وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود «5»

قال ابن عاشور: والضريع: يابس الشِّبْرِق (بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وكسر الراء) وهو نبت ذو شَوك إذا كان رطباً فإذا يبس سمي ضَريعاً وحينئذ يصير مسموماً وهو مرعى للإِبل ولحُمُر الوحش إذا كان رطباً، فما يعذب بأهل النار بأكله شبه بالضريع في سوء طعمه وسوء مَغبته.
وقيل: الضريع اسم سَمّى القرآن به شجراً في جهنم وأن هذا الشجر هو الذي يسيل منه الغِسلين الوارد في قوله تعالى: { { فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غِسلين } } [الحاقة: 35، 36] وعليه فحرف {مِن} للابتداء، أي ليس لهم طعام إلا ما يخرج من الضريع والخارج هو الغسلين وقد حصل الجمع بين الآيتين.
ووصفُ ضريع بأنه لا يُسمن ولا يغني من جوع لتشويهه وأنه تمحض للضر فلا يعود على آكليه بسمن يصلح بعض ما التفح من أجسادهم، ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع، ولعل الجوع من ضروب تعذيبهم فيسألون الطعام فيُطعمون الضريع فلا يدفع عنهم ألم الجوع.
والسِمن، بكسر السين وفتح الميم: وفرة اللحم والشحم للحيوان يقال: أسمنه الطعامُ، إذا عاد عليه بالسمن.

قال ابن الجوزي: قوله عزّ وجلّ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ فيه ستة أقوال: أحدها: أنه نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، وتسميه قريش «الشِّبْرِق» فإذا هاج سموه: ضريعاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة. والثاني: أنه شجر من نار، رواه الوالبي عن ابن عباس. والثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير. والرابع: أنه السَّلَم، قاله أبو الجوزاء. والخامس: أنه في الدنيا: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار، قاله ابن زيد. والسادس: أنه طعام يضرعون إلى الله تعالى منه، قاله ابن كيسان.

ص435 - زاد المسير في علم التفسير -

قال القرطبي: قوله تعالى : ليس لهم طعام إلا من ضريع
قوله تعالى : ليس لهم أي لأهل النار . طعام إلا من ضريع لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم . قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض ، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا ، فإذا يبس فهو الضريع ، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه وهو سم قاتل ، وهو أخبث الطعام وأشنعه على هذا عامة المفسرين . إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمي به البحر ، يسمى الضريع ، من أقوات الأنعام لا الناس ، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع ، وهلكت هزلا . والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت . قال أبو ذؤيب :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وعاد ضريعا بان منه النحائص
وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها :
وحبسن في هزم الضريع فكلها حدباء دامية اليدين حرود
وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح ، يرمي به البحر . وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار ، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها . وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة ، وقاله عكرمة . والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا . وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الضريع : شيء يكون في النار ، يشبه الشوك ، أشد مرارة من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأحر من النار ، سماه الله ضريعا " . وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية ليس لهم طعام إلا من ضريع قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم ، حملها القيح والدم ، أشد مرارة من الصبر ، فذلك طعامهم .
وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه الله من العذاب . وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون ، ويتضرعون منه إلى الله تعالى ، طلبا للخلاص منه فسمي بذلك ; لأن آكله يضرع في أن يعفى منه ، لكراهته وخشونته . قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع ، وهو الذليل أي ذو ضراعة ، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة . وعن الحسن أيضا : هو الزقوم . وقيل : هو واد في جهنم . فالله أعلم . وقد قال الله تعالى في موضع آخر : فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين . وقال هنا : إلا من ضريع وهو غير الغسلين . ووجه الجمع أن النار دركات فمنهم من طعامه الزقوم ، ومنهم من طعامه الغسلين ، ومنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصديد . قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره ، والزقوم في درجة أخرى . ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال : يطوفون بينها وبين حميم آن . القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار . وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها ، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار . قال : وإنما دلنا الله على الغائب عنده ، بالحاضر عندنا فالأسماء متفقة الدلالة ، والمعاني مختلفة . وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها . القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب ، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار ، ليعذب بها الكفار . وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار ، ولا أنهم يأكلونه . فالضريع من أقوات الأنعام ، لا من أقوات الناس . وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع ، وهلكت هزلا ، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم ، وضرب الضريع له مثلا ، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع . قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى ، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار ، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا ، فلا النار تحرق الشجر ، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار فقال تعالى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . وكما قيل حين نزلت ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم : قالوا يا رسول الله ، كيف يمشون على وجوههم ؟ فقال : " الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " . فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب . أوليس قد أخبرنا أنه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ، وقال : سرابيلهم من قطران ، وقال : إن لدينا أنكالا أي قيودا . وجحيما وطعاما ذا غصة قيل : ذا شوك . فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء .


قال الازهري: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الشِّبْرق: الشَّيْء السَّخيف من نبتٍ أَو بَقْل أَو شجَر أَو عِضاةٍ.

يُقَال: فِي الأَرْض شِبْرِقة مِن نبت، وَهِي المشْرة.

وَقَالَ غَيره: الشِّبرقة مِن الْجَنبة وَلَيْسَ فِي البَقْل شبْرقَة، وَلَا تَخرج إلاّ فِي الصَّيف.

سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الشِّبرق: نبتٌ. وأَهل الْحجاز يسمُّونه الضَّرِيع إِذا يبس وَغَيرهم يسمِّيه الشِّبرق.

وَقَالَ الزّجاج: الشبرق جنس من الشّوك: إِذا كَانَ رطْباً فَهُوَ شِبْرق، فَإِذا يبس فَهُوَ الضَّريع.

أَبُو عبيد عَن أَبي عَمْرو: المُشَبرق: الرَّقِيق من الثِّيَاب.

قَالَ: والمقطوع أَيْضا مُشبرَق.

وَقَالَ اللحياني: ثوبٌ شبارِق وشَمَارِق ومُشبرَق ومُشمْرَق.

وَقَالَ أَبُو زيد: الشِّبْرق الْوَاحِدَة شِبْرقة.

يُقَال لَهَا: الحِلة، ومنبتُها نَجد وتهامة، وثمرتها حُبْلةٌ صغَار، وَلها زهرَة حَمْرَاء.

قال ابن المنظور:
وَفِي التَّنْزِيلِ: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ; قَاْلَ الْفَرَّاءُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ: الشِّبْرِقُ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الضَّرِيعُ الْعَوْسَجُ الرَّطْبُ، فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فَإِذَا زَادَ جُفُوفًا فَهُوَ الْخَزِيزُ، وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا: إِنَّ الضَّرِيعَ لَتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبِلُنَا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ النَّارِ: فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ; قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شَوْكٌ ڪِبَارٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ; وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَيْزَارَةَ الْهُذَلِيُّ يَذْكُرُ إِبِلًا وَسُوءَ مَرْعَاهَا:


وَحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّرِيعِ، فَكُلُّهَا**** حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ، حَرُودُ
—————————————————



النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: تفسير الصنعاني، جامع البيان لابن جرير، والرملي ،ووالمحرر الوجيز لابن عطية،وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.



ب: ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القران لمعمر بن المثنى،ومعاني القرآن للزجاج.

ج: ومن كتب المرتبة الثانية: غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القران لليزيدي، وتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب والعمدة له.

د: ومن كتب المرتبة الثالثة: فتح الباري لابن حجر، وعمدة القاري للقسطلاني.

هـ: ومن كتب المرتبة الرابعة: الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والتحرير والتنوير لابن عاشور.


و: ومن كتب المرتبة الخامسة: العين للخليل بن أحمد، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، ولسان العرب لابن منظور.

المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:معاني القرآن للفراء، ومجاز القران لمعمر بن المثنى،ومعاني القرآن للزجاج.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: معاني القرآن للنحاس، ، تاويل مشكل القران لابن قتيبه.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لايوجد.



المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القران لليزيدي، وتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب والعمدة له.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لايوجد.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:- ياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد .
.


المرتبة الثالثة:
- الكتب التي وجدت فيها: فتح الباري لابن حجر، وعمدة القاري للقسطلاني.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها: لا يوجد.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لا يوجد.



المرتبة الرابعة:
- الكتب التي وجدت فيها: الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والتحرير والتنوير لابن عاشور.

- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:لا يوجد.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لايوجد.
.
المرتبة الخامسة:

- الكتب التي وجدت فيها:العين للخليل بن أحمد، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، ولسان العرب لابن منظور.
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:مقاييس اللغة لابن فارس.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:لا يوجد.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 صفر 1443هـ/30-09-2021م, 11:47 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تصحيح مجلس مذاكرة التطبيق الخامس من تطبيقات المهارات المتقدمة في التفسير


1. معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}

فروخ الأكبروف: أ+
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك وشكر جهدك، واستوعبت جميع المراتب ضمن نقولك لكن لم توضح في التقرير النهائي كتب المرتبة الثالثة والخامسة، فلمزيد توضيح :
- كتب المرتبة الثالثة: تحتاج إلى تطبيق هذه الخطوات:
1. معرفة أسماء اللغويين، وربما يفيدك الدرس السابع في هذا.
2. البحث عن كتبهم، ومعرفة أسمائها، وفي المكتبة الشاملة خيار للبحث عن طريق المؤلفين، بالضغط على اسم المؤلف يظهر لك كتبه المتوفرة في الشاملة.
3. البحث في الكتب التي توفرت لك.
- كتب المرتبة الخامسة تختلف حسب تصنيف المسألة، وقد صنفت مسألتك على أنها تفسيرية متعلقة ببيان معنى مفردة، فتكون كتب المرتبة الخامسة في قواميس اللغة، يمكنك الرجوع لدرس تصنيف المسألة وتعيين مراجعها لمعرفة أسماء قواميس اللغة
وقد نقلت بالفعل من بعضها مثل تهذيب اللغة، والصحاح، ولسان العرب، وتاج العروس.

رفعة القحطاني: ب
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ وشكر جهدكِ.
أرجو الاعتناء بهذه الملحوظات اليسيرة، وأحسب أنه كان يمكنكِ استدراكها لولا ضيق الوقت، أسأل الله أن يبارك في وقتكِ وجهدكِ.
- أؤكد على أهمية الترتيب التاريخي للنقول.
- أؤكد على أهمية استيعاب جملة القول والعزو قبل وبعد النقل
جملة القول تشتمل على اسم المصنف كاملا وتاريخ وفاته، والعزو يشتمل على اسم الكتاب ورقم الجزء والصفحة.

اقتباس:
د: ومن كتب المرتبة الثالثة: فتح الباري لابن حجر، وعمدة القاري للقسطلاني.
على هذه الجملة عدة ملحوظات:
- عمدة القاري هو شرح صحيح البخاري للعيني، وليس القسطلاني، والقسطلاني له شرح باسم إرشاد الساري.
- هذه لا تعد من كتب المرتبة الثالثة، راجعي الملحوظة على الأخ فروخ الأكبروف أعلاه.
- صحيح البخاري وشروحه يمكن عدهم ضمن نقول السلف، مع التأكيد على وضع الشروح تحت نقل البخاري مباشرة، وراجعي الملحوظات على الأختين إيمان وهنادي أدناه.
* راجعي تطبيق الأخ فروخ الأكبروف للفائدة.


2. معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
إيمان جلال: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وشكر لكِ جهدكِ.
ملحوظات يسيرة:
- نفصل بين نقول السلف، وبين نقول اللغويين، وفي أنموذج الشيخ مزيد توضيح
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...51&postcount=2
- النقول المتعلقة بصحيح البخاري توضع تحته مباشرة، مثلما فعلتِ مع نقل فتح الباري، مع مراعاة الترتيب التاريخي بين النقول
كأنما نصنع قائمة خاصة بنقل البخاري وشروحه، فكأن الشروح وحدة مستقلة عن باقي النقول، وترتب ترتيبًا تاريخيًا فيما بينها، مستقلا عن باقي النقول.

هنادي الفحماوي: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ وشكر جهدكِ.
- النقول من فتح الباري وتغليق التعليق وعمدة القاري وإرشاد الساري متعلقة بنقل صحيح البخاري، فتوضع تحته مع وضع علامة شرطة أمامها ومراعاة الملحوظة التي أضفتها للأخت إيمان جلال أعلاه.
- نقل التحرير والتنوير لابن عاشور تابع لكتب أهل اللغة، وهو من كتب المرتبة الرابعة.

سعاد مختار: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ وشكر جهدكِ.
أرجو الاعتناء بهذه الملحوظات اليسيرة:
- تفسير المشكل لمكي بن أبي طالب والعمدة له أيضًا من كتب أهل اللغة.
- الكتب التي ذكرتيها ضمن المرتبة الثالثة هي في قواميس اللغة، وتتبع حقيقة المرتبة الخامسة
أرجو مراجعة الملحوظات على الأخوات للفائدة.

3. إعراب {إن هذان لساحران}
رولا بدوي: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ وشكر جهدكِ.
- رسالة ابن تيمية موجودة في المكتبة الشاملة يمكنكِ الاطلاع عليها والنسخ منها، ضمن مجموع الفتاوى، وهي مفيدة جدًا في تحرير هذه المسألة لذا أنصحكِ بقراءتها جيدًا قبل تحرير هذه المسألة في التطبيق الثامن بإذن الله.
- تفسير ابن كثير من الكتب التي نبحث عنها في تفاسير السلف، ولكن هذه المسألة خاصة، يوجد نقص في الكلام، فكأنما فُقد من الأصل.
وإنما أُنبه على أهمية هذا التفسير عمومًا وليس في هذه المسألة بعينها.
- كتب المرتبة الثالثة: هي في كتب أهل اللغة، لكن في غير علوم القرآن
ولعلكِ مع تحرير المسألة يتبين لكِ الحاجة إلى الاطلاع على تأصيل بعض قواعد اللغة مثل معنى (إن) بالتخفيف والتثقيل، وأحوال دخول اللام على خبرها.
- كتب القراءات والإعراب ونحوها، جميعها تابعة للمرتبة الخامسة، ولا بأس فصل كتب القراءات في قائمة منفصلة، إن رأيتِ أن هذا أيسر عليكِ لتحرير المسألة.

ندى توفيق: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ وشكر جهدكِ.
أرجو قراءة الملحوظات على الأخت رولا بدوي.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir