دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الأولى 1431هـ/7-05-2010م, 06:00 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي متى يجب النكاح والسنة في المخطوبة، وحكم النظر إليها

و ( يَجِبُ ) على مَن يَخافُ زِنًا بتَرْكِه، و ( يُسَنُّ ) نِكاحُ واحدةٍ دَيِّنَةٍ أَجنبيَّةٍ بِكْرٍ وَلودٍ بلا أُمٍّ، وله نَظَرُ ما يَظْهَرُ غالبًا مِرارًا بلا خَلْوَةٍ.


  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.....................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ويَجِبُ) النِّكاحُ (على مَن يَخَافُ زِنًى بِتَرْكِهِ)، ولو ظَنًّا، مِن رَجُلٍ وامرأةٍ؛ لأنَّه طريقُ إعفافِ نفسِه وصَوْنِها عن الحرامِ، ولا فرقَ بينَ القادِرِ على الإنفاقِ والعاجِزِ عنه، ولا يَكْتَفِي بِمَرَّةٍ، بل يَكُونُ في مجموعِ العُمُرِ، ويَحْرُمُ بدارِ حربٍ إلاَّ لضرورةٍ، فيُبَاحُ لغيرِ أَسِيرٍ.
(ويُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ)؛ لأنَّ الزيادةَ عليها تَعْرِيضٌ للمُحَرَّمٍ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرِصْتُمْ}. (دَيِّنَةٍ)؛ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (أَجْنَبِيَّةٍ)؛ لأنَّ وَلَدَها يَكُونُ أَنْجَبَ، ولأنَّه لا يَأْمَنُ الطلاقَ، فيُفْضِي معَ القَرَابَةِ إلى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، (بِكْرٍ)؛ لقولِهِ عليه السلامُ لِجَابِرٍ: ((فَهَلاَّ بِكْراً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلُودٍ)؛ أي: مِن نِساءٍ يُعْرَفْنَ بكثرةِ الأولادِ؛ لحديثِ أنسٍ يَرْفَعُه: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رَوَاهُ سعيدٌ، (بِلا أُمٍّ)؛ لأنَّها رُبَّما أَفْسَدَتْهَا عليهِ، ويُسَنُّ أنْ يَتَخَيَّرَ الجميلةَ؛ لأنَّه أَغَضُّ لِبَصَرِهِ، (و) يُبَاحُ (له)؛ أي: لِمَن أرادَ خِطْبَةَ امرأةٍ، وغَلَبَ على ظَنِّهِ إِجَابَتُه (نَظَرُ ما يَظْهَرُ غالباً)؛ كوجهٍ ورقبةٍ ويدٍ وقَدَمٍ؛ لقولِهِ عليه السلامُ: ((إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ)). رَوَاهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ، (مِرَاراً)؛ أي: يُكَرِّرُ النظَرَ، (بِلاَ خُلْوَةٍ) إنْ أَمِنَ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ، ولا يَحتاجُ إلى إِذْنِها، ويُبَاحُ نَظَرُ ذلكَ ورأسٌ وساقٌ مِن أَمَةٍ وذاتِ مَحْرَمٍ، ولعبدٍ نَظَرُ ذلكَ مِن مَوْلاتِه، ولشاهدٍ ومُعَامَلٍ نَظَرُ وَجْهِ مشهودٍ عليها ومَن تُعامِلُهُ وكَفَّيْها؛ لِحَاجَةٍ، ولطبيبٍ ونحوِهِ نَظَرُ ولَمْسُ ما دَعَتْ إليه حاجةٌ، ولامرأةٍ نَظَرٌ مِن امرأةٍ ورَجُلٍ إلى ما عَدَى ما بينَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ، ويَحْرُمُ خُلْوَةُ ذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ بامرأةٍ.


  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ويجب) النكاح (على من يخاف زنا بتركه) ([1]) ولو ظنا، من رجل وامرأَة([2]).
لأَنه طريق إِعفاف نفسه([3]) وصونها عن الحرام([4]) ولا فرق بين القادر على الإِنفاق والعاجز عنه([5]) ولا يكتفي بمرة، بل يكون في مجموع العمر([6]) ويحرم بدار حرب([7]) إِلا لضرورة، فيباح لغير أَسير([8]).
(ويسن نكاح واحدة) ([9]) لأَن الزيادة عليها تعريض للمحرم([10]) قال تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}([11]) (دينة) ([12]) لحديث أبي هريرة مرفوعا: ((تنكح المرأَة لأَربع([13])لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها([14]) فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه([15]) (أَجنبية) لأَن ولدها يكون
أَنجب([16]).
ولأَنه لا يأْمن الطلاق، فيفضي مع القرابة إِلي قطيعة الرحم([17]) (بكر) ([18]) لقوله عليه السلام لجابر: ((فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟)) متفق عليه([19]).
(ولود) أي من نساء يعرفن بكثرة الأَولاد([20]) لحديث أَنس يرفعه((تزوجوا الودود الولود، فإِني مكاثر بكم الأُمم يوم القيامة)) رواه سعيد([21]).
(بلا أُم) لأَنها ربما أَفسدتها عليه([22]) ويسن أَن يتخير الجميلة([23]) لأَنه أَغض لبصره([24]) (و) يباح (له) أي لمن أَراد خطبة امرأَة([25]).
وغلب على ظنه إِجابته([26]) (نظر ما يظهر غالبا) ([27]) كوجه، ورقبة([28]) ويد، وقدم([29]) لقوله : ((إذا خطب أَحدكم امرأَة فقدر أَن يرى منها بعض ما يدعوه إِلى نكاحها فليفعل)) رواه أحمد، وأَبو داود([30]) (مرارا) أي يكرر النظر([31]).
(بلا خلوة) ([32]) إِن أَمن ثوران الشهوة([33]) ولا يحتاج إِلي إِذنها([34]) ويباح نظر ذلك، ورأْس، وساق، من أَمة([35])وذات محرم([36]).
ولعبد نظر ذلك من مولاته([37]) ولشاهد، ومعامل، نظر وجه مشهود عليها، ومن تعامله([38]).
وكفيها لحاجة([39]) ولطبيب ونحوه([40]) نظر ولمس ما دعت إِليه حاجة([41]) ولامرأَة نظر من امرأَة([42]) ورجل إِلى ما عدا ما بين سرة وركبة([43]).
ويحرم خلوة ذكر غير محرم بامرأَة([44])



([1]) قال الموفق وغيره: في قول عامة الفقهاء، وقال الوزير: اتفقوا على أن من تاقت نفسه إليه، وخاف العنت، فإنه يتأكد في حقه، ويكون له أفضل من الحج التطوع، والصلاة والصوم التطوع، وزاد أحمد، فبلغ به إلى الوجوب مع الشرطين، وهما أن تتوق نفسه، ويخاف العنت، رواية واحدة. اهـ. وعبارة المقنع: من يخاف مواقعة المحظور. فشمل الاستمناء باليد.
وقال الشيخ: يجب على من خاف على نفسه العنت، في قول عامة الفقهاء إذا قدر على مهر حرة، ويجزئ التسري حيث وجب أو استحب، لقوله {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقال: إذا خشيه جاز تزوج الأمة، مع أن تركه أفضل، وصوب جوازه في تصحيح الفروع.
([2]) أي ولو كان خوف مواقعة المحظور ظنا.
([3]) ولا طريق له إلا النكاح، فوجب عليه، وذلك خوفا بتأخيره من الوقوع في الحرام، بخلاف الحج.
([4]) قال الشيخ: وإن احتاج الإنسان إلى النكاح، وخاف العنت بتركه، قدمه على الحج الواجب.
([5]) قيل: إذا قدر على المهر. وقال الشيخ: ظاهر كلام أحمد والأكثرين عدم اعتبار الطول، لأن الله وعد عليه الغنى بقوله (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح وما عنده شيء، ويمسي وما عنده شيء، وزوج رجلا لم يقدر على خاتم من حديد.
([6]) لتندفع خشية الوقوع في المحظور، ولا يكتفي بالعقد، بل الواجب العقد والاستمتاع في الجملة، لأنه موضوع النكاح، ولا تندفع خشية المحظور إلا به، ومن أمره به والداه لزمه، لوجوب برهما، وقال الشيخ: ليس لهما إلزامه بنكاح من لا يريد.
([7]) أي ويحرم على مسلم - دخل دار حرب بأمان كتاجر - أن يتزوج بها، ولو بمسلمة، ولا يتسرى، ولا يطأ زوجته، بخلاف من كان بجيش المسلمين، فله ذلك.
([8]) أي يباح مع الضرورة، ويعزل وجوبا إن حرم نكاحه، وإلا استحب، ويصح مع الحرمة، أما الأسير فلا يباح له مطلقا، لأنه منع من وطء امرأته إذا
أسرت معه، مع صحة نكاحها، قيل: لئلا يستعبد الولد، وعليه فله نكاح آيسة، وصغيرة، وعلل بأنه لا يؤمن أن يطأ زوجته غيره منهم، فعليه: لا ينكح حتى الصغيرة، والآيسة، وهو مقتضى كلام الموفق وغيره.
([9]) إن حصل بها الإعفاف، للآية، ويستحب الزيادة إن لم تعفه، صوبه في تصحيح الفروع، إن كان قادرا على كلفة ذلك، مع توقان النفس إليه، ولم يترتب عليه مفسدة أعظم من فعله، وإلا فلا.
([10]) أي لأن الزيادة على الواحدة، تعريض للمحرم بالميل لإحداهما.
([11]) أي ولن تقدروا أن تسووا {بَيْنَ النِّسَاءِ} في الحب، وميل القلب، بل في جميع الوجوه، وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة، والشهوة، والجماع، وغير ذلك {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}على العدل، وقال تعالي {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم ((من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل)) رواه الخمسة.
([12]) أي ذات دين، من بيت معروف بالدين، والعفاف.
([13]) أي يرغب في نكاح المرأة، ويدعو إليه منها، لأجل أربع خصال، في غالب العادة.
([14]) الحسب في الأصل الشرف بالآباء والأقارب، وقيل: هنا الفعل الجميل للرجل وآبائه، ويقال: الكرم والتقوى، فالحسيبة هي النسيبة، طيبة الأصل، ليكون ولدها نجيبا، فإنه ربما أشبه أهلها، ونزع إليهم، وكان يقال: إذا أردت أن تزوج امرأة فانظر إلى أبيها، وأخيها؛ وقيل: لا بنت زنا، ولقيطة، أو من لا يعرف أبوها، والجمال في الذات، والصفات؛ ولا يسأل عن دينها حتى يحمد له جمالها.
وللنسائى وغيره ((خير النساء التي تسره إن نظر، وتطيعه إن أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره)) وللبزار ((المرأة لعبة زوجها، فإن استطاع أحدكم أن يحسن لعبته فليفعل)) فيتخير الجميلة، أغض لبصره، وأمكن لنفسه، وأكمل لمودته، وروى: خير فائدة الرجل بعد إسلامه امرأة جميلة. ولو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أقوم الأعوج.
والدين هو غاية البغية، وورد النهي عن نكاح المرأة لغير دينها، وقال ((لا تنكحوا النساء لحسنهن، فلعله يرديهن، ولا لمالهن، فلعله يطغيهن، وانكحوهن للدين)) فيكون الدين مطمح نظره.
([15]) ((تربت يداك))كلمة جارية على ألسنة العرب، على صورة الدعاء، كأنه قال: تلصق بالتراب، ولا يريدون بها الدعاء على المخاطب، بل إيقاظا له لذلك المذكور، ليعتنى به، أي ففز بنكاح ذات الدين، ((تربت يداك))حثا له، وتحريضا على الجد والتشمير في طلب المأمور به، ففيه مراعاة الكفاءة، وأن الدين أولى ما اعتبر فيها.
([16]) ذا فطنة وحذق، ولهذا يقال: أغربوا لا تضووا، وقيل: الغراب أنجب وبنات العم أصبر.
([17]) المأمور بصلتها.
([18]) وهي التي لم توطأ.
([19]) أي فهلا تزوجت بكرا، وكان قال له ((تزوجت بكرا أم ثيبا؟)) قال: تزوجت ثيبا، قال ((فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟)) زاد البخاري ((وتضاحكها وتضاحكك؟)) ولأبي عبيد ((تداعبها وتداعبك)) تعليل لتزويج البكر، لما فيه من الألفة التامة، فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبتها كاملة، بخلاف البكر.
وعن عطاء مرفوعا ((عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنقي أرحاما، وأرضى باليسير)) وقال عثمان لابن مسعود: ألا نزوجك بكرا، لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ وذلك أنه ينعش البدن، إلا أن تكون مصلحته في نكاح الثيب، كما وقع لجابر t.
([20]) إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض.
([21]) ورواه النسائى وغيره، وفي غير ما حديث مكاثرته الأمم بأمته، صلوات الله وسلامه عليه، ولأحمد ((انكحوا أمهات الأولاد، فإني مباه بكم يوم القيامة)) وقيد
بهاتين الصفتين، لأن الولود إذا لم تكن ودودًا، لم يرغب الزوج فيها، والودود
إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب، وهو تكثير الأمة، والمكاثرة المفاخرة، ففيه جوازها في الدار الآخرة، ووجه ذلك أن أمته أكثر، فثوابه أكثر، لأن له مثل أجر من تبعه.
وفي هذه الأحاديث وما في معناها: مشروعية النكاح، والترغيب فيه وفي المرأة الصالحة، وقال ((حبب إلى من دنياكم النساء والطيب)) وقال((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) وللحاكم ((من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه)).
([22]) كما هو الغالب، وربما أصلحتها.
([23]) لما تقدم من الأخبار، ولأنها لعبته، وفي الخبر «إنما النساء لعب، فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها.
([24]) وأسكن لنفسه، وأكمل لمودته، ولذلك شرع النظر قبل النكاح، ويختار ذات العقل، ويجتنب الحمقاء، لأن النكاح يراد للعشرة، ولا تصلح العشرة مع الحمقاء، ولا يطيب العيش معها، وربما تعدى حمقها إلى ولدها، وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء، فإن ولدها ضياع، وصحبتها بلاء، وأصلحهن الجلب، التي لم يعرف أحدا، والأصلح منعها الاجتماع بالنساء، فإنهن يفسدنها عليه، والأولى أن لا يسكن بها عند أهلها.
([25]) نظر ما يظهر غالبا، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن من أراد تزوج امرأة، فله أن ينظر منها إلى ما ليس بعورة، وقيل: يسن. وصوبه في الإنصاف، وظاهر الحديث استحبابه، «وخطبة» بكسر الخاء.
([26]) وإلا لم يجز، كمن ينظر إلى امرأة جليلة يخطبها، مع علمه أنه، لا يجاب إلى ذلك.
([27]) قال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها، للخبر.
([28]) أي فله النظر إلى وجه بلا خلاف، وهو مجمع محاسن المرأة، وموضع النظر، ورقبة، ورأس، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره.
([29]) أي وله نظر إلى يد، وهو مذهب مالك وغيره، وقدم، وساق، للإذن في النظر، وقال جمع: إلى جميع البدن سوى السوأتين.
([30]) فدل على الإذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالبا، لإذنه في النظر إليها من غير علمها، وفي السنن ((انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) وروى سعيد، أن عمر خطب ابنة علي، فذكر منها صغرا، فقال: أرسل بها إليك تنظر إليها، فكشف عن ساقها، فقالت: أرسل: لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك. وقال أحمد: لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة.
([31]) لأنه صلى الله عليه وسلم صعد النظر وصوبه، ويتأمل المحاسن، لأن المقصود إنما يحصل بذلك.
([32]) لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالمرأة، خشية الوقوع في المحرم.
([33]) وهو التلذذ بالنظر إليها، ولا لريبة.
([34]) لمطلق الأمر، وفي حديث جابر: فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها. فإن لم يتيسر له النظر بعث امرأة ثقة تتأملها، ثم تصفها له، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم تنظر امرأة، رواه أحمد.
ولا يجوز أن تنعتها لغير خاطب، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنعت المرأة المرأة لزوجها، حتى كأنه ينظر إليها، سدا للذريعة، وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه، وميله إليها بحضور صورتها في نفسه، وعلى من استشير في خاطب ومخطوبة أن يذكر ما فيه من مساو وغيرها، ولا يكون غيبة.
([35]) مستامة، كما لو أراد خطبتها، بل المستامة أولي، لأنها تراد للاستمتاع وغيره، وحسنها يزيد في ثمنها، ولا يجوز النظر إليها بشهوة، وكذا غير المستامة، وفي الواضحة: ما رأيت بالمدينة أمة تخرج وإن كانت رائعة، إلا وهي مكشوفة الرأس في ظفائرها، أو في شعر محمم، لا تلقي على رأسها جلبابا، لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم، لعموم الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأسواق والأزقة، لوجب على ولي الأمر أن يمنع ذلك.
([36]) وهي من تحرم عليه بنسب، أو رضاع، أو سبب مباح، فيباح له النظر إلى
ما يظهر غالبا، لقوله {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}إلى آخر الآية، قال الباجي: لا خلاف في النظر على الوجه المباح إلى ذوات المحارم كأمه، وأخته، وابنته، كما أنه لا خلاف في منعه على وجه الإلتذاذ والاستمتاع، وقال ابن عبد البر: وأما النظر لشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها بالشهوة، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة. اهـ.
وأما غير المحرم فيحرم النظر إلى الأجنبية قصدا، بل لا يجوزه من عرف أصول الشرع ومقاصده، إلا من يجرئ الفساق على مقاصدهم، فيجب حسم المادة، وسد الذريعة، ولو زعم الناظر أنه لا ينظر لشهوة، لا سيما في هذه الأزمنة، فإن الفاسق ينظر على ما يشتهي، ويزعم أنه ينظر بلا شهوة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن نظر الفجأة قال ((بصرك)) وقال ((فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية)).
([37]) أي ويباح لعبد - لا مبعض ومشترك - نظر ذلك المذكور في الحرة من مولاته، وهي من ملكته كاملا، لقوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ولمشقة تحرزها منه، وكذا المشترك بين نساء، بخلاف من ملكه، أبوها، أو ولدها، أو زوجها، فيحرم نظره إليها، وأمة مشتركة بين رجال، ليس لأحد منهم النظر إلى عورتها، ويباح لغير أولى الإرْبَةِ كعنين، وكبير، وصبي لا شهوة له.
وينظر من لا تشتهي، كعجوز، وبرزة، وقبيحة، ونحوهن، لقوله {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} وذكر الشيخ أنه يجوز النظر من الأمة
-ومن لا تشتهي- ما يظهر غالبا.
([38]) لتكون الشهادة واقعة على عينها، قال أحمد: لا يشهد على امرأة إلا أن
يكون قد عرفها بعينها، وكذا من معاملة في نحو بيع، أو إجارة، فله النظر إلى وجهها، ليعرفها بعينها، فيرجع عليها بالدرك، وكرهه أحمد في حق الشابة، دون العجوز، ولعله من يخاف الفتنة، أو يستغني عن المعاملة، فأما مع الحاجة، وعدم الشهوة، فلا بأس.
([39]) أي ولمعامل نظر إلى كفيها لحاجة، وقال أحمد: إن كانت عجوزا رجوت، وإن كانت شابة تشتهي أكره ذلك.
([40]) كمن يلي خدمة مريض، أو مريضة، في وضوء، واستنجاء، وغيرهما، وكتخليصها من غرق، أو حرق، ونحوهما، أو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته.
([41]) دفعا للحاجة، وليستر ما عداه، لكشفه صلى الله عليه وسلم عن مؤتزر بني قريظة، وعثمان كشف عن سارق، ولم ينبت، فلم يقطعه.
([42]) إلى ما عدا ما بين السرة والركبة، وظاهره: ولو كافرة. لأن الكافرات يدخلن على أمهات المؤمنين من غير حجاب.
([43]) أي ولها نظر إلى رجل إلى ما عدا ما بين سرة وركبة، وكذا رجل إلى رجل، لقوله صلى الله عليه وسلم ((اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك)) وكان يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، ولمفهوم ((احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك)).
وعبارته تقتضي دخول الأمرد، لكن إن كان جميلا، يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز، لإجلاس النبي صلى الله عليه وسلم الغلام الذي كان مع وفد عبد القيس وراء ظهره، ويحرم تكرار النظر إليه، ومن كرر وقال: لا أنظر لشهوة. فقد كذب، قاله الشيخ وغيره.
وقال ابن القطان المالكي: أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي، لقصد التلذذ بالنظر إليه، وإمتاع حاسة البصر بمحاسنه، وأجمعوا على جواز النظر إليه بغير قصد اللذة، والناظر مع ذلك آمن من الفتنة.
وقال النووى: نص الشافعي، وحذاق أصحابه على حرمة النظر إلى الغلام الحسن، ولو بغبر شهوة، وإن أمن من الفتنة، وربما كان المنع فيه أحرى من المرأة ويحرم النظر ممن ذكر بشهوة إجماعا، ومن استحله كفر إجماعا، قاله الشيخ، ونصه أيضًا: مع خوفها. وذكر أنه قول جمهور العلماء في النظر إلى الأمرد وغيره، وغض البصر، وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة، والتفكر في صنع الله، منع منه، سدا لذريعة الإرادة، والشهوة المفضية إلى المحظور. ويدخل في ذلك نظر المرأة إلى الرجل، قال النووى: بلا خلاف.
قال الشيخ: ومن نظر إلى الخيل، والبهائم، والأشجار، على وجه استحسان الدنيا، والرياسة، والمال، فهو مذموم، لقوله {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}الآية. وأما إن كان على وجه لا ينقص الدين، وإنما فيه راحة النفس فقط، كالنظر إلى الأزهار، فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق. اهـ. وصوت الأجنبية ليس بعورة، ويحرم التلذذ بسماعه.
([44]) بشهوة أو دونها، لخبر ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) فتحرم الخلوة بالأجنبية، ولو في إقراء القرآن، سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة، وغلبات الطباع، وكذا رجل مع عدد من نساء، أو عدد من رجال بامرأة واحدة، قال ابن القيم: ويحرم خلوة النساء بالخصي، والمجبوب، لإمكان الإستمتاع من القبلة والاعتناق، والخصي يقرع قرع الفحل، والمجبوب يساحق.
وفي الاخييارات: تحرم الخلوة بغير محرم، ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد، وتحرم الخلوة بأمرد، ومضاجعته، كالمرأة الأجنبية، ولو لمصلحة التعليم والتأديب، ومقر موليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث، ومن عرف بمحبتهم، أو معاشرة بينهم، منع من تعليمهم.
وقال ابن الجوزي: الأمرد أشد فتنة من العذراء.
وقال ابن عقيل: ينفق على الرجال والنساء، فهو شبكة الشيطان في حق النوعين، ويحرم تزين امرأة لمحرم غير زوج وسيد، ويفرق بين الإخوة بعد العشر في المضاجع، للخبر، ورد أحمد مصافحة النساء حتى لمحرم غير أب، وسئل: يقبل ذوات المحارم منه؟ قال: إذا قدم من سفر، ولم يخف على نفسه، لكن لا يفعله على الفم أبدا.
ولكل من الزوجين نظر جميع بدن الآخر، ولمسه بلا كراهة، حتى الفرج، وكره النظر إليه حال الطمث، وتقبيله بعد الجماع لا قبله، وحكم السيد كالزوج، إلا إذا زوجها، فلا يباح له النظر إلى ما دون السرة والركبة، للخبر، وأما استمتاعه بها فلا خلاف في تحريمه، إذ لا تباح امرأة لرجلين.


  #5  
قديم 4 رجب 1431هـ/15-06-2010م, 07:10 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

و ( يَجِبُ ) على مَن يَخافُ زِنًا بتَرْكِه(1)، و ( يُسَنُّ ) نِكاحُ واحدةٍ(2) دَيِّنَةٍ(3) أَجنبيَّةٍ (4)بِكْرٍ(5) وَلودٍ(6) بلا أُمٍّ(7)، وله نَظَرُ ما يَظْهَرُ غالبًا مِرارًا بلا خَلْوَةٍ(8).


(1) أي : يجب النكاح على من يخاف على نفسه من الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج لأنه طريق لإعفاف نفسه وصوﻧﻬا عن الحرام .
(2) لأن في الزيادة عليها خشية الوقوع في عدم العدل قال تعالى : {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } .
(3) لحديث : (( فاظفر بذات الدين )).
(4) أي : ليست من قرابته ؛ لأن ذلك أنجب للولد ، ولأنه لا يؤمن الطلاق فيفضي إلى قطيعة الرحم .
(5) وهي التي لم توطأ لحديث : (( فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك )).
(6) أي : من نساء يعرفن بكثرة الأولاد لحديث أنس يرفعه (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) .
(7) أي : ليس لها أم حية لأﻧﻬا ربما أفسدﺗﻬا ، هذا في الغالب وربما أصلحتها .
(8) أي : يباح للرجل إذا أراد خطبة امرأة أن ينظر إليها بشروط ثلاثة :
الأول : أن يغلب على ظنه إجابته .
الثاني : أن ينظر منها ما ليس بعورة وهو ما يظهر منها غالبًا .
الثالث : أن يكون ذلك بلا خلوة ؛ لقوله صلى الله هليه وسلم ( إذا خطب أحدكم امرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) .


  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 02:41 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ زِنًا بِتَرْكِهِ،........
قوله: «ويجب على من يخاف زناً بتركه» ، هذا هو الحكم الثاني للنكاح، وهو الوجوب على من يخاف زنا بتركه؛ وذلك لشدة شهوته، ولتيسر الزنا في بلده؛ لأن الإنسان ربما تشتد به الشهوة ويخشى أن يزني، لكن لا يتيسر له؛ لأن البلد محفوظ، لكن مراده إذا اشتدت شهوته في بلد يتيسر فيه الزنا، أما إذا لم يتيسر فهو وإن اشتدت به الشهوة لا يمكن أن يزني، فإذا خاف الزنا لوجود أسبابه وانتفاء موانعه، صار النكاح في حقه واجباً دفعاً لهذه المفسدة؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال بعض أهل العلم: إنه واجب مطلقاً، وأن الأصل فيه الوجوب؛ لأن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) ، اللام للأمر، والأصل في الأمر الوجوب، إلا أن يوجد ما يصرفه عن الوجوب، ولأن تركه مع القدرة عليه فيه تشبه بالنصارى الذين يعزفون عن النكاح رهبانيةً، والتشبه بغير المسلمين محرم، ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة واندفاع المفاسد الكثيرة، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ولكن لا بد من شرط على هذا القول وهو الاستطاعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قيد ذلك بالاستطاعة فقال: ((من استطاع منكم الباءة)) ، ولأن القاعدة العامة في كل واجب أن من شرطه الاستطاعة.
والقول بالوجوب عندي أقرب، وأن الإنسان الذي له شهوة، ويستطيع أن يتزوج فإنه يجب عليه النكاح، ولكن المشهور من المذهب هو ما ذكره المؤلف.
ومتى يباح؟ يباح لمن لا شهوة له إذا كان غنياً؛ لأنه ليس هناك سبب يوجب، ولكن من أجل مصالح الزوجة بالإنفاق عليها وغير ذلك.
فإن قصد بذلك إعفاف الزوجة وتحصين الفرج كان مسنوناً لمصلحة الآخرين، وهكذا المباحات إذا كانت وسيلة للمحبوبات صارت محبوبة ومطلوبة.
ومتى يكره؟ يكره لفقير لا شهوة له؛ لأنه حينئذٍ ليس به حاجة، ويُحَمِّل نفسه متاعب كثيرة، فإن كانت المرأة غنية لا يهمها أن ينفق أو لا ينفق، فالنكاح في حقه سنة.
ومتى يحرم؟ قالوا: يحرم بدار حرب، إذا صار الإنسان في دار الكفار يقاتل في سبيل الله، فإنه لا يجوز أن يتزوج؛ لأنه يخشى على عائلته في هذه الدار، ومن ذلك إذا كان الإنسان معه زوجة وخاف إذا تزوج ثانية ألا يعدل، فالنكاح حرام لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] ، فأمر الله ـ تعالى ـ بالاقتصار على الواحدة إذا خفنا عدم العدل، ويستحب فيما عدا ذلك؛ لأنه هو الأصل.
فإذا قلنا: إن الأصل فيه الوجوب وهو القول الثاني، فإننا نجعل الأصل هو الواجب، ونقول: يستحب لإنسان ليس له شهوة ولكن عنده مال ويريد أن ينفع الزوجة، ولكن المذهب أنه تجري فيه الأحكام الخمسة، وفي هذه الحال التي ذكرنا لا يجب وإنما يباح.
وينبغي لمن تزوج ألا يقصد قضاء الشهوة فقط، كما هو مراد أكثر الناس اليوم، إنما ينبغي له أن يقصد بهذا التالي:
أولاً: امتثال أمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) [(1)].
ثانياً: تكثير نسل الأمة؛ لأن تكثير نسل الأمة من الأمور المحبوبة إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ[(2)]، ولأن تكثير نسل الأمة سبب لقوتها وعزتها، ولهذا قال شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86]، وامتن الله به على بني إسرائيل في قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] .
ثالثاً: تحصين فرجه وفرج زوجته، وغض بصره وبصر زوجته، ثم يأتي بعد ذلك قضاء الشهوة.
ثم انتقل المؤلف -رحمه الله- من بيان حكم النكاح إلى بيان من تنكح كَمًّا وكيفاً، أما الكم، فقال:

وَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ،.............
«ويسن نكاح واحدة» يعني لا أكثر، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فمن العلماء من قال: إنه ينبغي أن يتزوج أكثر من واحدة، ما دام عنده قدرة مالية وطاقة بدنية، بحيث يقوم بواجبهن فإن الأفضل أن يتزوج أكثر؛ تحصيلاً لمصالح النكاح، والمفاسد التي تتوقع تنغمر في جانب المصالح، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده عدة نساء، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: خير هذه الأمة أكثرها نساء[(3)]، لكن من المعلوم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعدد الزوجات من أجل قضاء الوطر، وإنما من أجل المصلحة العامة؛ حتى يكون له في كل قبيلة صلة، فتكون كل قبائل العرب لها صلة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن المصاهرة قسيم النسب، وعديل النسب، عَادَلَ الله بينهما في قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] ، ومن جهة أخرى أن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد أن يكثر الأخذ عنه في الأعمال الخفية التي لا تكون إلا في البيوت، فزوجاته تأخذن عنه، ولهذا كان كثير من السنن التي لا يعلنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم تؤخذ من زوجاته ـ رضي الله عنهن ـ، وكذلك تحصين فروجهن، وجبر قلوبهن، كقضية صفية بنت حيي ـ رضي الله عنها ـ، وكانت أسيرة في غزوة خيبر، وأبوها سيد بني النضير، ومعلوم أن امرأة بنتاً لسيد بني النضير تؤخذ أسيرة سوف ينكسر قلبها، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجبر قلبها فتزوجها[(4)]، ولو كان يريد أن يقضي الوطر، ما كانت زوجاته كلهن ثيبات إلا واحدة؛ لأن البكر بدون شك أحسن من الثيب، حتى قال صلّى الله عليه وسلّم لجابر رضي الله عنه: ((هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها)) [(5)]، فعلى كل حال نقول: التعدد خير لما فيه من المصالح، ولكن بالشرط الذي ذكره الله عزّ وجل، وهو أن يكون الإنسان قادراً على العدل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة، وعلل ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ؛ لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما، ولأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فإنه إذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة، فيكون أولاد لهذه المرأة، وأولاد لهذه المرأة، وربما يحصل بينهم تنافر بناء على التنافر الذي بين الأمهات، كما هو مشاهد في بعض الأحيان، ولأنه أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها، وأهون على المرء من مراعاة العدل، فإن مراعاة العدل أمر عظيم، يحتاج إلى معاناة، وهذا هو المشهور من المذهب.
فإن قال قائل: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ} [النساء: 3] ألا يرجح قولَ من يقول بأن التعدد أفضل؟ لأنه قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل، وهذا يقتضي أنه إذا كان يتمكن من العدل فإن الأفضل أن ينكح أربعاً؟
قلنا: نعم، قد استدل بهذه الآية من يرى التعدد، وقال: وجه الدلالة أن الله تعالى يقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل.
ولكن عند التأمل لا نجد فيها دلالة على هذا؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] كأنه يقول: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى اللاتي عندكم، فإن الباب مفتوح أمامكم إلى أربع، وقد كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت عمه أو نحو ذلك، فيجور عليها، ويجعلها لنفسه، ويخطبها الناس ولا يزوجها، فقال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[(6)]، أي: اتركوهن والباب أمامكم مفتوح لكم، إلا أنه لا يمكن أن تتزوجوا أكثر من واحدة إذا كان في حال خوف عدم العدل، فيكون المعنى هنا بيان الإباحة لا الترغيب في التعدد.
وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس.
دَيِّنَةٍ،............
قوله: «ديِّنَةٍ» ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) [(7)]. فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتصلح من يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله وتحفظ بيته، بخلاف غير الدينة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((فاظفر بذات الدين)) ، فإذا اجتمع مع الدين جمال ومال وحسب فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
لكن أحياناً بعض الناس يكون مولعاً بالجمال، وإذا علم أن هناك امرأة جميلة، لا تطيب نفسه بنكاح من دونها في الجمال، ولو كانت أدين، فهل نقول: إنك تكره نفسك على هذه دون هذه وإن لم ترتح إليها؟ أو نقول: خذ من ترتاح لها ما دامت غير فاجرة ولا فاسقة؟
الظاهر الثاني، إلا إذا كانت غير دينة، بمعنى أنها فاسقة، فهذه لا ينبغي أن يأخذها، إلا في مسألة الفجور والزنا فلا تحل، وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير دينة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول له: نحن لا نكلف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها.
وكذلك بالعكس بعض الناس يخطب منهم الرجل الفاسق، لكن يقولون: لعل الله أن يهديه، وأقبح من ذلك أن يعرف بعدم الصلاة فيقولون: لعل الله أن يهديه، فنقول: نحن لا نكلف بالمستقبل، لكن نكلف بما بين أيدينا، بالحاضر، فلعل هذا الرجل الذي ظننت أن يستقيم لعله يعوج ابنتكم ويضلها؛ لأن الرجل له سيطرة على المرأة، وكم من امرأة ملتزمة تزوجت شخصاً تظن أنه دين فيتبين أنه غير دين، فتتعب معه التعب العظيم، ونحن دائماً يشكى إلينا هذا الأمر من النساء، حتى تود أن تفر بدينها من هذا الرجل، ولو بكل ما تملك من المال، ولهذا يجب التحرز في هذه المسائل، سواء من جهة الرجل يتزوج المرأة، أو من جهة المرأة تتزوج الرجل.
أَجْنَبِيَّةٍ،..............
قوله: «أجنبية» يعني ليس بينه وبينها نسب، لا تكون من بني عمه، بل تكون من أناس أجانب، وعللوا ذلك بأمرين:
أحدهما: أنه أنجب للولد يعني يكون فيه نجابة؛ لأنه يأخذ من طبائع أخواله، ومن طبائع أهله، فيتكون من ذلك خلق من الخلقين جميعاً، وهذا أمر مقصود، وكم من أناس كثيرين جذبهم أخوالهم في الكرم، والشهامة، والرجولة.
الثاني: أنه ربما حصل بينه وبينها جفوة، فيؤدي إلى قطيعة الرحم، كأن يقع بينه وبينها مشاكل، فيأتي -مثلاً- عمه ويتنازع معه أو مع أبيه، فيحصل بذلك قطيعة الرحم، فكونه يأخذ امرأة أجنبية أولى.
وما قالوه صحيح، لكن إذا وجد في الأقارب من هو أفضل منها بالاعتبارات الأخرى، فإنه يكون أفضل، يعني عند التساوي ربما تكون الأجنبية أولى، لكن مع التفاضل بالاعتبارات الأخرى لا شك أننا نقدم القريبة، ومن ذلك إذا كانت ـ مثلاً ـ بنت العم امرأة ذات دين وخلق، وأحوالهم ـ مثلاً ـ ضعيفة يحتاجون إلى رفق ومساعدة، فإنه لا شك أن هذا مصلحة كبيرة، فالإنسان يراعي المصالح في هذا الأمر، وما دامت المسألة ليس فيها نص شرعي يجب الأخذ به فإن الإنسان يتبع في هذا المصالح.
بِكْرٍ،........
قوله: «بكر» ، وهي التي لم تتزوج من قبل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لجابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ لما سأله تزوجت؟ قال: نعم، قال: ((بكراً أم ثيباً؟)) ، قال: بل ثيباً، فقال: ((فهلاَّ بكراً تلاعبك وتلاعبها)) [(7)]، فالبكر أفضل؛ لأنها لم تطمح إلى رجال سابقين، ولم يتعلق قلبها بأحد قبله، ولأن أول من يباشرها من الرجال هذا الرجل، فتتعلق به أكثر.
لكن قد يختار الإنسان الثيب لأسباب، مثل ما فعل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فإنه اختار الثيب؛ لأن والده عبد الله بن حرام ـ رضي الله عنه ـ استشهد في أحد، وخلف بناتاً يحتجن إلى من يقوم عليهن، فلو تزوج بكراً لم تقم بخدمتهن ومؤنتهن، فاختار ـ رضي الله عنه ـ ثيباً لتقوم على أخواته، ولهذا لما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك أقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فإذا اختار الإنسان ثيباً لأغراض أخرى فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار الأمور، وأن التفضيل يرجع إلى هذه الاعتبارات، كما سبق ذكره.

وَلُودٍ،.......
قوله: «ولود» ، أي: كثيرة الولادة، وهذا ظاهره يتناقض مع قوله: «بكر» ؛ لأن البكر ما ولدت حتى نعلم أنها ولود أم لا، ولكن لا تناقض، ويمكن معرفة هذا بمعرفة قريباتها، فإذا كانت من نساء عرفن بكثرة الولادة فالغالب أنها تكون مثلهن، فيختار المرأة التي عرفت قريباتها بكثرة الولادة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) [(8)]؛ ولأن كثرة الأمة عِزٌّ لها، وإياك وقول الماديين الذين يقولون: إن كثرة الأمة يوجب الفقر، والبطالة، والعطالة، بل والكثرة عِزٌّ امتن الله به على بني إسرائيل، حيث قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] ، وذَكَّر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بها، حيث قال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86] .
فكثرة الأمة عِزٌّ، لا سيما إذا كانت أرضهم قابلة للحراثة، والزراعة، والصناعة، بحيث يكون فيها مواد خام للصناعة وغير ذلك، وليس ـ والله ـ كثرة الأمة سبباً للفقر والبطالة أبداً.
لكن -مع الأسف- أن بعض الناس -الآن- يختار المرأة التي يمكن أن تكون عقيماً، فهي أحب من الولود، ويحاولون أن لا تلد نساؤهم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات من الزواج وما أشبه ذلك، وهذا خطأ؛ لأنه خلاف مراد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون أحياناً: إن تربيتهم تشق، فنقول: إذا أحسنتم الظن بالله أعانكم الله.
ويقولون أحياناً: إن المال الذي عندنا قليل، نقول لهم: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ، وأحياناً يرى الإنسان الرزق ينفتح إذا ولد له، وقد حدثني من أثق به ـ وهو رجل يبيع ويشتري ـ يقول: إني منذ تزوجت فتح الله علي باب رزق، ولما ولد ولدي فلان انفتح باب رزق آخر، وهذا معلوم؛ لأن الله يقول {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ، ويقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: 151] ، وقال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] ، وقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] ، فالحاصل أن هذه العلة وهي ـ كون الأولاد سبباً للفقر ـ خطأ.
قد يقول قائل: أنا أحب أن تبقى زوجتي شابة فلا أحب أن تلد.
فنقول: هذا غرض لا بأس به، لكن الولادة، أو كثرة الأولاد أفضل من ذلك.
ولو قال قائل: أنا أريد أن أنظم النسل، بمعنى أن أجعل امرأتي تلد كل سنتين مرة، فهل يجوز أو لا؟
الجواب: هذا لا بأس به، وقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يعزلون في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم[(9)]، والعزل لا شك أنه يمنع من الحمل غالباً.
بِلاَ أُمٍّ.........
قوله: «بلا أم» ، أي: أن يختار امرأة لا أم لها؛ أي لا أم لها حية؛ لأن الأم ربما تفسدها عليه ـ سبحان الله ـ هذا تشاؤم، ولو تأملت الواقع وجدت أكثر النساء لهن أمهات، ولم تفسدهن، والحمد لله، بل نادراً أن الأم تفسد، وأيضاً نقول: الزوج بلا أم؛ لأن بعض أمهات الأزواج تفسده على المرأة، وكم من أم غارت من محبة ابنها لزوجته، ثم حاولت أن تفسد بينها وبين زوجها، وإذا كان كذلك فإنه لا ينبغي أن نقول: إنه يختار امرأة لا أم لها، بل نقول: يختار امرأة أمها صالحة، أما أن نقول: بلا أم، فهذا فيه نظر؛ لأن من الأمهات من تكون خيراً على بناتهن، وعلى أزواجهن.
ثم إن المفسدة ليست محصورة في الأم، فقد تفسدها خالتها أو أختها أو أحد أقاربها، أو أحد من الأباعد، وتكون الأم حامية لها، تحميها من هؤلاء الذين يفسدونها على زوجها.

وَلَهُ نَظَرُ مَا يَظْهَرُ غَالِباً، مِرَارَاً، بِلاَ خَلْوَةٍ............
قوله: «وله نظر ما يظهر غالباً مراراً بلا خلوة» ، «وله» ، اللام للإباحة، والضمير يعود على من أراد خطبة امرأة، ولو قال: للخاطب، لكان أولى وأوضح، أي: ولمن أراد خطبة امرأة نظر... إلى آخره.
وظاهر كلام المؤلف هنا أن النظر للمخطوبة مباح وليس بمطلوب؛ وعلَّلوا كونه مباحاً أنه ورد بعد الحظر، فيكون مباحاً كالأمر بعد الحظر عند أكثر الأصوليين يكون للإباحة، ولكن العلماء ـ رحمهم الله ـ يعبرون بما يفيد الإباحة أحياناً لدفع توهم المنع، لا لإثبات الحكم المباح، مثلاً قالوا في باب الحج: ويجوز للقارن والمفرد أن يتحول إلى عمرة ليصير متمتعاً، مع أن الأمر سنة.
قال صاحب الفروع: لعلهم عبروا بالجواز لدفع قول من يقول بالمنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، فهنا قال: «وله نظر» فيحتمل أن المؤلف عبر بما يدل على الإباحة دفعاً لتوهم المنع، فلا ينافي أن يكون مستحباً، ولهذا نقول: يسن لمن أراد أن يخطب امرأة أن ينظر إلى ما يظهر غالباً، فإن كان المؤلف أراد دفع توهم المنع فلا إشكال، وإن كان أراد إثبات حكم الإباحة، فالمسألة فيها قول آخر وهو أنه سنة وهو الصواب، إلا إذا علم الإنسان بصفتها بدون نظر، فلا حاجة، كما لو أرسل امرأة يثق بها تماماً فإنه لا حاجة إلى أن ينظر.
على أنه في الحقيقة نظر الغير لا يغني عن نظر النفس، فقد تكون المرأة جميلة عند شخص وغير جميلة عند شخص آخر، وقد يرى الإنسان ـ مثلاً ـ المرأة على حال غير حالها الطبيعية؛ لأنه أحياناً يكون الإنسان في حال السرور وما أشبه ذلك له حال، وفي حال الحزن له حال، وفي الحال الطبيعية له حال أخرى، ثم إنه ـ أيضاً ـ بعض الأحيان إذا علمت المرأة أنه سينظر إليها أدخلت على نفسها تحسينات، فإذا نظر إليها ظن أنها جميلة جداً، وهي ليست كذلك.
وعلى كل حال نقول: إن ظاهر السنة أن النظر إلى المخطوبة سنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر به وقال: ((إنه أحرى أن يؤدم بينكما)) [(10)]، أي: يؤلف بينكما.
ولكن كيف ينظر؟ إذا أمكن أنه ينظر إليها باتفاق مع وليها، بأن يحضر وينظر لها فله ذلك، فإن لم يمكن فله أن يختبئ لها في مكان تمر منه، وما أشبه ذلك، وينظر إليها، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) [(11)].
وقوله: «وله نظر ما يظهر غالباً» مثل الوجه، والرقبة، واليد والقدم، ونحوها، أما أن ينظر إلى ما لا يظهر غالباً، فهذا لا يجوز، فكلمة «غالباً» مربوطة بعرف السلف الصالح، لا بعرف كل أحد؛ لأننا لو جعلناها بعرف كل أحد لضاعت المسألة، واختلف الناس اختلافاً عظيماً، لكن المقصود ما يظهر غالباً وينظر إليه المحارم، فللخاطب أن ينظر إليه، وأهم شيء في الأمر هو الوجه، وينظر إليها قبل الخطبة، ويجوز للمرأة أن تمكن الخاطب من النظر إليها بالشروط التي ذكرها المؤلف.
وقوله: «مراراً» ، أي: يجوز أن يكرر النظر إليها، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل)) ، فإذا كان في أول مرة ما وجد ما يدعوه إلى نكاحها، فلينظر مرة ثانية، وثالثة.
وهل يجوز له مكالمتها؟ لا؛ لأن المكالمة أدعى للشهوة والتلذذ بصوتها، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((أن ينظر منها)) ، ولم يقل: أن يسمع منها.
وقوله: «بلا خلوة» لأنها لم تزل أجنبية منه، والأجنبية يحرم على الرجل أن يخلو بها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) [(12)]، والنهي للتحريم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)) [(13)]، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
فشروط جواز النظر إلى المرأة ستة:
الأول: أن يكون بلا خلوة.
الثاني: أن يكون بلا شهوة، فإن نظر لشهوة فإنه يحرم؛ لأن المقصود بالنظر الاستعلام لا الاستمتاع.
الثالث: أن يغلب على ظنه الإجابة.
الرابع: أن ينظر إلى ما يظهر غالباً.
الخامس: أن يكون عازماً على الخطبة، أي: أن يكون نظره نتيجة لعزمه على أن يتقدم لهؤلاء بخطبة ابنتهم، أما إذا كان يريد أن يجول في النساء، فهذا لا يجوز.
السادس: ـ ويخاطب به المرأة ـ ألا تظهر متبرجة أو متطيبة، مكتحلة أو ما أشبه ذلك من التجميل؛ لأنه ليس المقصود أن يرغب الإنسان في جماعها حتى يقال: إنها تظهر متبرجة، فإن هذا تفعله المرأة مع زوجها حتى تدعوه إلى الجماع، ولأن في هذا فتنة، والأصل أنه حرام؛ لأنها أجنبية منه، ثم في ظهورها هكذا مفسدة عليها؛ لأنه إن تزوجها ووجدها على غير البهاء الذي كان عهده رغب عنها، وتغيرت نظرته إليها، لا سيما وأن الشيطان يبهي من لا تحل للإنسان أكثر مما يبهي زوجته، ولهذا تجد بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ عنده امرأة من أجمل النساء، ثم ينظر إلى امرأة قبيحة شوهاء؛ لأن الشيطان يبهيها بعينه حيث إنها لا تحل له، فإذا اجتمع أن الشيطان يبهيها، وهي -أيضاً- تتبهى وتزيد من جمالها، وتحسينها، ثم بعد الزواج يجدها على غير ما تصورها، فسوف يكون هناك عاقبة سيئة.
فإن قيل: كيف يغلب على ظنه الإجابة؟
الجواب: الله -سبحانه وتعالى- جعل الناس طبقات، كما قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، فلو تقدم أحد الكنَّاسين إلى بنت وزير، فالغالب عدم إجابته، وكذلك إنسان كبير السن زمِن، أصم، يتقدم إلى بنت شابة جميلة، فهذا يغلب على ظنه عدم الإجابة.


[1] سبق تخريجه ص(6).
[2] أخرجه أبو داود في النكاح/ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050) والنسائي في النكاح/ باب كراهية تزويج العقيم (6/65) عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم (2/162) ووافقه الذهبي، انظر: خلاصة البدر المنير (1908) والإرواء (1784).
[3] أخرجه البخاري في النكاح/ باب كثرة النساء (5069) موقوفاً على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[4] أخرجه البخاري في النكاح/ باب من جعل عتق الأمة صداقها (5086)؛ ومسلم في النكاح/ باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (1365) (84) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في النكاح/ باب تزويج الثيبات (5079)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب نكاح البكر (715) (56) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[6] أخرجه البخاري في الشركة/ باب شركة اليتيم وأهل الميراث (2494)؛ ومسلم في التفسير/ باب في تفسير آيات متفرقة (3018).
[7] أخرجه البخاري في النكاح/ باب الأكفاء في الدين (5090)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب نكاح ذات الدين (1466) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[8] سبق تخريجه ص(11).
[9] أخرجه أحمد (3/158)؛ وابن حبان (4028)؛ والطبراني في الأوسط (5099) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ انظر: خلاصة البدر المنير (1908)؛ والإرواء (1784).
[10] كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ كنا نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخرجه البخاري في النكاح/ باب العزل (5207)؛ ومسلم في النكاح/ باب حكم العزل (1440).
[11] أخرجه أحمد (4/245)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة (1087)؛ والنسائي في النكاح/ باب إباحة النظر قبل التزويج (6/69)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها (1865) عن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ، وحسنه الترمذي، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الحاكم (2/165)، على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[12] أخرجه أحمد (3/334)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (2082)؛ عن جابر ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم (2/165) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
[13] أخرجه البخاري في الجهاد والسير/ باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة (3006)، ومسلم في الحج/ باب سفر المرأة مع المحرم إلى حج وغيره (1341) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[14] أخرجه أحمد (1/26)، والترمذي في الفتن/ باب ما جاء في لزوم الجماعة (2165) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ، وصححه ابن حبان (4557) ط/ الأفكار الدولية، والألباني في الصحيحة (430).
وأخرجه أبو داود في النكاح/ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050)؛ والنسائي في النكاح/ باب كراهية تزويج العقيم (6/65) عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ بلفظ «الأمم» بدل «الأنبياء»، وصححه الحاكم (2/162) ووافقه الذهبي.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, دية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir