(1) مقصودُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ الواجِبَ السيْرُ على مَنْهَجِ السَّلَفِ الصالِحِ، الذين تَابَعُوا نَبِيَّهُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسْتَقَامُوا على طريقِه، وهم الصحابةُ، فالواجبُ الأخذُ بما قالوا والسيرُ على مَنْهَجِهم في جميعِ الشؤونِ في إثباتِ الصفاتِ وتَنْزِيهِ اللَّهِ عن مُشَابَهَةِ خَلْقِه، وفي اتِّبَاعِ الشريعةِ وتعظيمِ أمرِ اللَّهِ ونَهْيِه، وفي غيرِ هذا مِن شؤونِ الدِّينِ؛ لأنَّهم كانوا على الهُدَى المستقيمِ، فمَن سارَ على نَهْجِهِم , واسْتَقَامَ على طَرِيقِهِم فهو المُهْتَدِي، ومَن حادَ عن سبيلِهم، واتَّبَعَ غيرَ سَبِيلِهم مِن أصحابِ البِدَعِ والأهواءِ وَلاَّهُ اللَّهُ ما تَوَلَّى وأصْلاَهُ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيراً. نَسْأَلُ اللَّهَ العافِيَةَ.
(2) وهذا هو الواجبُ على أهلِ العلمِ والإيمانِ؛ فإنَّ اللَّهَ جلَّ وعلا بَعَثَ نَبِيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرِّسالةِ والبلاغِ، فالواجبُ على الأمَّةِ التصديقُ والقَبُولُ، فما فَسَّرَه لهم رَسُولُهم فَسَّرُوه، وما كَفَّ عنه كَفُّوا عنه، وما جَهِلُوه قالوا: اللَّهُ أعْلَمُ. فلا يَجُوزُ لهم التعَنُّتُ والتكَلُّفُ في شيءٍ ممَّا جاءَتْ به السنَّةُ، ولا بلَّغَهُم إيَّاه الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا قالَ رَبِيعَةُ بنُ أبي عبدِ الرحمنِ المَدَنِيُّ التابِعِيُّ الجليلُ، شيخُ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الاسْتِوَاءُ غيرُ مجهولٍ) يعني: معروفٌ معناه أنَّه العلوُّ فوقَ العرشِ، (والكيفُ غيرُ معقولٍ) لا نَعْرِفُ كيفَ اسْتَوَى؛ فعلينا الصمْتُ والكفُّ، (ومِنَ اللَّهِ الرسالةُ) اللَّهُ أَرْسَلَ الرسولَ، (وعلى الرسولِ البلاغُ المبينُ وعلينا التصديقُ) هذا واجِبُنا أنْ نُصَدِّقَ ما جاءَ به الرسولُ، وأنْ نَنْقَادَ له ونَتَّبِعَه، فإذا عَرَفْنَا معناهُ فالحمدُ للهِ، وإنْ لم نَعْرِفْ وَكَلْنَاه إلى اللَّهِ، قلنا: اللَّهُ أعْلَمُ.
وهكذا قولُ مالِكٍ كما يأتي: (الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ)، وهكذا يُرْوَى عن أُمِّ سَلَمَةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللَّهُ عنها هذا المعنى، مثلُ ما قالَ رَبيعةُ ومالكٌ، وهكذا القولُ في جميعِ الصفاتِ؛ الرحمةِ والقدرةِ والعلمِ والسمعِ والبصرِ والضَّحِكِ والرضا وغيرِ ذلك، كلُّها معلومةٌ، أما الكيفُ غيرُ معقولٍ، لا نُكَيِّفُ صفاتِ رَبِّنَا، ليسَ عِندَنا علمٌ من ذلك، ولكنْ نُؤْمِنُ بها ونُمِرُّها كما جاءَتْ، وأنَّها حقٌّ، وأنَّها ثابتةٌ للهِ سبحانه وتعالى، على الوجهِ اللائِقِ به جلَّ وعلا، مِن غيرِ تشبيهٍ ولا تعطيلٍ، ولا تَكْيِيفٍ, ولا تمثيلٍ، كما قالَ عزَّ وجلَّ: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} إلى غيرِ ذلك.
هذا هو الواجبُ عندَ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، أما ما سَلَكَهُ الجَهْمِيَّةُ والمُعْتَزِلَةُ وغيرُهم مِن أهلِ البِدَعِ من التأويلِ والتَّعْطِيلِ، فهو باطلٌ عندَ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ.
(3)كلُّ هذا واضحُ المعنى، وأنَّ السَّلَفَ إنَّما أرادُوا إثباتَ المعنى وأنَّه حَقٌّ، ولهذا قالوا: (أَمِرُّوها كما جاءَتْ بلا كيفٍ) وقالوا: (الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ)، فعُلِم بذلك أنَّهم أرادوا أنَّها صفاتُ حقٍّ، وأنَّها ثابتةٌ، وأنَّ الواجبَ إمرارُها معنًى ولفظاً مِن غيرِ تَكْيِيفٍ ولا تَمْثِيلٍ، فقولُه سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، هذا سَمْعٌ حقيقةً وبصرٌ حَقِيقةً، لكن لا نُكَيِّفُه، ولا نَعْلَمُ كيفِيَّتَه، ولا نُمَثِّلُه بصفاتِ المخلوقينَ، كما قالَ عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فهكذا قولُه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: ((يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ)). وقولُه: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا)). {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} إلى غيرِ ذلكَ.
المقصودُ: أنَّها صفاتٌ يَجِبُ إثباتُها كما جاءَتْ عن اللَّهِ وعن رسولِه، على الوجهِ اللائِقِ باللَّهِ، من غيرِ تحريفٍ ولا تَعْطِيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، هذا قولُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأتباعِهم بإحسانٍ.