بسم الله الرحمن الرحيم
زاد المتفقه
كتاب الطهارة
الباب الأول: مقدمات في فقه الطهارة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من يرد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين )) رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقُهوا )). أخرجاه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((خياركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فَقُهوا )) رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت وفقه في الدين)). رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي هذه الأحاديث النبوية دلالة بيّنة على فضيلة الفقه في الدين ورفعة أهله وخيريتهم، مما يفهم منه الحث على التفقّه في الدين والعناية به؛ فمن أراد الله به خيراً وفّقه لقبول هذا الحضّ النبوي ويسّر له سلوك سبيل الفقه في الدين حتى يبلغه الله من الدرجات العلى ما يقدّره له، نسأل الله من فضله.
والفقه في الدين يشتمل على فقه كتاب الله تعالى وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات والآداب وغيرها من أمور الدين.
ومنه ما هو فرض عين: وهو ما يصح به إسلام العبد وما يتوقف عليه أداء العبادات الواجبة واجتناب ما حرم الله.
ومنه ما هو فرض كفاية على الأمة: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
وقد دلَّت هذه الآية على أن العلم الشرعي سبب للنجاة من سخط الله وعقابه؛ وأنَّ مِن العلم ما يجب على العبد تعلمه ليعرف كيف يحذر من عقاب الله وينجو منه، وأن من لم يكن من الفقهاء فإنه يجب عليه أن يسأل أهل الفقه عما يشكل عليه من أمر دينه، ويجب عليه أن يستجيب لما يُنذر به، ويحذَر مما يُحذَّر منه.
ولأهمية مسائل الاعتقاد أفردها الأئمة في مصنفات قيّمة جامعة، وأفردوا مسائل فقه الأحكام الشرعية في مصنفات أخرى تيسيراً على طلبة العلم.
وينبغي لطالب العلم أن يأخذ بحظ وافر من التفقه في الدين عقيدة وشريعة وأن يعتني بحفظ أدلة المسائل من الكتاب والسنة ويتفقه في معانيها وأحكامها، وأن يسيرَ في ذلك على طريقة أهل العلم والإيمان، وأن يتبع سبيلهم، ولا يبتدعَ طريقة تخالف طريقتهم، ولا يسلك منهجاً غير منهجهم؛ فما أجمعوا عليه فهو حجة قاطعة لقول الله تعالى: {ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً}.
وما اختلفوا فيه فمردّه إلى الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
وهذا وعد من الله تعالى أنه يوفق بعض عباده لمعرفة الحق في ذلك.
ومن طلب الهدى من الله صادقاً هداه الله، ومن توكل على الله كفاه، ومن أوى إليه آواه، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، ومن علامة الاعتصام بالله اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد جرت عادة أهل العلم على ترتيب مسائل فقه العبادات على ترتيب أركان الإسلام، وقدموا كتاب الطهارة على كتاب الصلاة لأن الطهارة شرط من شروط الصلاة، وألحقوا بكتاب الطهارة ما يتصل بها من مسائل تيسيراً على المتعلمين.