دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي علامات الاسم

بالجَرِّ والتنوينِ والنِّدَا وأَلْ = ومُسْنَدٍ للاسمِ تَمييزٌ حَصَلْ


  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:50 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي منحة الجليل على شرح ابن عقيل

بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ = وَمُسْنَدٍ لِلاسمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ(1)
ذَكَرَ المصنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى في هذا البيتِ علاماتِ الاسمِ:
فمِنها الجرُّ، وهو يَشمَلُ الجرَّ بالحرفِ والإضافةِ والتبَعِيَّةِ، نحوَ: (مَرَرْتُ بغلامِ زيدٍ الفاضلِ) فالغلامُ مجرورٌ بالحرفِ، وزيدٌ مجرورٌ بالإضافةِ، والفاضلُ مجرورٌ بالتبعيَّةِ، وهو أَشْمَلُ من قولِ غيرِه: (بحرفِ الجرِّ)؛ لأنَّ هذا لا يَتناوَلُ الجرَّ بالإضافةِ ولا الجرَّ بالتبعيَّةِ.
ومِنها التنوينُ، وهو على أربعةِ أقسامٍ (2):
تنوينُ التمكينِ: وهو اللاحِقُ للأسماءِ المُعرَبَةِ؛ كزيدٍ ورَجُلٍ إلاَّ جمعَ المؤنَّثِ السالِمِ نحوَ: (مُسْلِمَاتٍ) وإلاَّ نحوَ: (جَوَارٍ وغَوَاشٍ) وسيأتي حُكْمُهما.
وتنوينُ التنكيرُ: وهو اللاحِقُ للأسماءِ المبنيَّةِ؛ فَرقاً بينَ مَعْرِفَتِها ونَكِرَتِها؛ نحوُ: (مَرَرْتُ بِسِيبَوَيْهِ وبِسِيبَوَيْهٍ آخَرَ).
وتنوينُ المقابَلَةِ: وهو اللاحِقُ لجمعِ المؤنَّثِ السالِمِ؛ نحوُ: (مُسْلِمَاتٍ) فإنَّه في مقابلةِ النونِ في جمعِ المذكَّرِ السالِمِ؛ كمُسلمينَ.
وتنوينُ العِوَضِ: وهو على ثلاثةِ أقسامٍ:
عِوَضٌ عن جملةٍ؛ وهو الذي يَلْحَقُ (إذ) عِوَضاً عن جملةٍ تكونُ بعدَها؛ كقولِه تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}؛ أي: حينَ إذْ بَلَغَتِ الرُّوحُ الحُلْقُومَ. فحَذَفَ (بَلَغَتِ الرُّوحُ الحُلْقُومَ) وأتَى بالتنوينِ عِوَضاً عنه.
وقِسمٌ يكونُ عِوَضاً عن اسمٍ، وهو اللاحِقُ لـ(كُلٍّ) عِوَضاً عمَّا تُضافُ إليه؛ نحوُ: (كلٌّ قائِمٌ) أي: (كلُّ إنسانٍ قائمٌ) فحَذَفَ (إنسانٍ) وأتى بالتنوينِ عِوَضاً عنه (3)
وقِسْمٌ يكونُ عِوَضاً عن حرفٍ، وهو اللاحِقُ لـ (جَوَارٍ وغَوَاشٍ) ونحوِهِما رفعاً وجرًّا، نحوَ: (هَؤُلاَءِ جَوَارٍ، ومَرَرْتُ بجَوَارٍ) فحُذِفَتِ الياءُ وأُتِيَ بالتنوينِ عِوَضاً عنها.
وتنوينُ التَّرَنُّمِ (4): وهو الذي يَلْحَقُ القوافِيَ المُطْلَقَةَ بحرفِ عِلَّةٍ؛ كقولِه:
1- أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَنْ = وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُِ لَقَدْ أَصَابَنْ(5)
فجِيءَ بالتنوينِ بدلاً مِن الألفِ؛ لأجلِ الترنُّمِ. وكقولِه:
2- أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا = لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ(6)
والتنوينُ الغالي: وأَثْبَتَه الأخفشُ، وهو الذي يَلْحَقُ القوافِيَ المقيَّدَةَ؛ كقولِه:
3- وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ (7)
وظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ أنَّ التنوينَ كلَّه مِن خَوَاصِّ الاسمِ، وليسَ كذلكَ، بل الذي يَخْتَصُّ به الاسمُ إنما هو تنوينُ التمكينِ والتنكيرِ والمقابَلَةِ والعِوَضِ، وأمَّا تنوينُ الترنُّمِ والغالي فيكونانِ في الاسمِ والفعلِ والحرفِ (8).
ومن خواصِّ الاسمِ: النداءُ؛ نحوُ: (يا زَيْدُ)، والألِفُ واللامُ؛ نحوُ: (الرَّجُلُ)، والإسنادُ إليه؛ نحوُ: (زَيْدٌ قائِمٌ). فمعنى البيتِ: حَصَلَ للاسمِ تمييزٌ عن الفعلِ والحرفِ بالجرِّ، والتنوينِ، والنداءِ، والألفِ واللامِ، والإسنادِ إليه؛ أي: الإخبارِ عنه.
واسْتَعْمَلَ المصنِّفُ (أل) مكانَ الألفِ واللامِ، وقد وَقَعَ ذلك في عبارةِ بعضِ المتقدِّمينَ، وهو الخليلُ، واسْتَعْمَلَ المصنِّفُ (مُسْنَدٍ) مكانَ (الإسنادِ له).


([1]) (بالجَرِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (حَصَلْ) الآتي آخرَ البيتِ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ مُتَعَلِّقاً بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ مُبْتَدَؤُه المؤخَّرُ هو قولُه: (تَمْيِيزٌ) الآتي، (والتَّنوينِ والنِّدا وأَلْ ومُسْنَدٍ) كُلُّهُنَّ معطوفاتٌ على قولِه: (بالجَرِّ)، (للاسمِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقدَّمٌ إنْ جَعَلْتَ قولَه: (بِالْجَرِّ) مُتَعَلِّقاً بحَصَلْ، فإنْ جَعَلْتَ (بالجرِّ) خَبَراً مُقَدَّماً ـ وهو الوجهُ الثانِي ـ كانَ هذا الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقاً بحَصَلْ، (تَمْيِيزٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وقد عَرَفْتَ أنَّ خبرَه واحدٌ من اثنيْنِ، (حَصَلْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، يَعُودُ إلى (تمييزٌ)، والجملةُ في محلِّ رفعِ نعتٍ لتمييزٌ، وتقديرُ البيتِ: التمييزُ الحاصلُ بالجرِّ والتنوينِ والنداءِ وألْ والإسنادِ كائنٌ للاسمِ، أو التمييزُ الحاصلُ للاسمِ عن أَخَوَيْهِ الفعلِ والحرفِ كائنٌ بالجرِّ والتنوينِ والنداءِ وألْ والإسنادِ؛ أي: كائنٌ بكلِّ واحدٍ من هذه الخمسةِ.
([2]) في نُسخةٍ: (وهو أقسامٌ) بدونِ ذِكْرِ العددِ، والمرادُ ـ على ذِكْرِ العددِ ـ أنَّ المُخْتَصَّ بالاسمِ أربعةُ أقسامٍ.
([3]) ومِنه قولُ اللهِ تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}، وقولُه جَلَّ شَأْنُه: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} وقولُه تباركت كلماتُه: {كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ}، ومِثلُ كُلٍّ في هذا الموضوعِ كَلِمَةُ (بعضٍ)، ومِن شواهدِ حذفِ المفردِ الذي من حقِّ (بعضٍ) أنْ يُضافَ إليه والإتيانِ بالتنوينِ عِوَضاً عنه - قولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ في مَطْلَعِ أُرْجُوزَةٍ طَوِيلَةٍ يَمْدَحُ فيها تَمِيماً:
دَايَنْتُ أَرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى = فمَطَلَتْ بَعْضاً وأَدَّتْ بَعْضَا
يُرِيدُ: فمَطَلَتْ بعضَ الدَّيْنِ وأَدَّتْ بعضَه الآخَرَ.
([4]) هذا النوعُ خامسٌ: ولا يَخْتَصُّ بالاسمِ، وقد ذَكَرَه وما بعدَه اسْتِطْرَاداً.
([5]) هذا بيتٌ من الوَافِرِ، لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ؛ أحدُ الشعراءِ المُجِيدينَ، وثالثُ ثلاثةٍ أُلْقِيَتْ إليهم مَقادةُ الشعراءِ في عصرِ بني أُمَيَّةَ، وأَوَّلُهم الفَرَزْدَقُ، وثانيهم الأَخْطَلُ.
اللُّغَةُ: (أَقِلِّي) أرادَ منه في هذا البيتِ معنى اتْرُكِي، والعربُ تَسْتَعْمِلُ القِلَّةَ في معنى النفيِ بَتَّةً، يقولون: قَلَّ أنْ يَفْعَلَ فلانٌ كذا. وهم يُرِيدُونَ أنه لا يَفْعَلُه أصلاً، (اللَّوْمَ) العَذَلَ والتعنيفَ، (عَاذِلَ) اسمُ فاعلٍ مؤنَّثٌ بالتاءِ المحذوفةِ للتَّرْخِيمِ، وأصلُه عَاذِلَةُ، من العَذَلِ وهو اللَّوْمُ في تَسَخُّطٍ، و(العِتَابُ) التقريعُ على فعلِ شيءٍ أو تَرْكِه.
‌‌‌المعنى: اتْرُكِي أَيَّتُها العاذِلَةُ هذا اللَّوْمَ والتَّعْنِيفَ؛ فإني لنْ أَسْتَمِعَ لِمَا تَطْلُبِينَ مِن الكَفِّ عمَّا آتِي مِن الأمورِ، والفِعلِ لما أذرُ مِنها، وخيرٌ لكِ أنْ تَعْتَرِفِي بصوابِ ما أَفْعَلُ.
الإعرابُ: (أَقِلِّي) فِعْلُ أمرٍ ـ من الإقلالِ ـ مُسْنَدٌ للياءِ التي لمخاطبةِ الواحدةِ مبنيٌّ على حذفِ النونِ، وياءُ المؤنَّثَةِ المخاطَبةِ فاعلٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعٍ، (اللَّوْمَ) مفعولٌ به لأَقِلِّي، (عَاذِلَ) مُنادًى مُرَخَّمٌ حُذِفَتْ مِنه ياءُ النداءِ، مبنيٌّ على ضَمِّ الحرفِ المحذوفِ في محلِّ نصبٍ، وأصلُه: يا عَاذِلَةُ، (والعِتابًا) الواوُ عاطفةٌ، العِتابا: معطوفٌ على اللومِ، (وقُولِي) فعلُ أمرٍ، والياءُ فاعِلُه، (إنْ) حرفُ شرطٍ، (أَصَبْتُِ) فعلٌ ماضٍ فعلُ الشرطِ، وتاءُ المتكلِّمِ أو المخاطَبَةِ فاعِلُه. وهذا اللفظُ يُرْوَى بضمِّ التاءِ على أنها للمتكلِّمِ، وبكسرِها على أنها للمخاطَبَةِ، (لَقَدْ أَصَابًا) جملةٌ في محلِّ نصبِ مقولِ القولِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه ما قبلَه، والتقديرُ: إنْ أَصَبْتُِ فقُولي لقد أَصَاباً، وجملةُ الشرطِ وجوابِه لا محلَّ لها من الإعرابِ مُعْتَرِضَةٌ بينَ القولِ ومقولِه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (والعِتابنْ، وأَصابَنْ) حيثُ دَخَلَهما ـ في الإنشادِ ـ تنوينُ التَّرَنُّمِ، وآخِرُهما حرفُ العِلَّةِ، وهو هنا ألفُ الإطلاقِ، والقافيةُ التي آخِرُها حرف ُعِلَّةٍ تُسَمَّى مُطْلَقَةً.
([6]) 2- هذا البيتُ للنابغةِ الذُّبْيَانِيِّ؛ أَحَدُ فُحُولِ شُعَرَاءِ الجاهليَّةِ، وثالثُ شعراءِ الطبقةِ الأُولَى مِنهم، والحَكَمُ في سُوقِ عُكَاظٍ، مِن قصيدةٍ له يَصِفُ فيها المُتَجَرِّدَةَ زَوْجَ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ، ومَطْلَعُها:
مِن آلِ مَيَّةَ رَائِحٌ أَوْ مُغْتَدِي = عَجْلاَنَ ذَا زَادٍ وغَيْرَ مُزَوَّدِ
اللغةُ: (رائحٌ) اسمُ فاعلٍ مِن راحَ يَرُوحُ رَوَاحاً، إذا سارَ في وقتِ العَشِيِّ، (مُغْتَدِي) اسمُ فاعلٍ من اغْتَدَى الرجلُ يَغْتَدِي؛ إذا سارَ في وقتِ الغَدَاةِ، وهي من الصبحِ إلى طُلُوعِ الشمسِ، وأرادَ بالزادِ في قَوْلِهِ: (عَجْلاَنَ ذَا زَادٍ) ما كانَ مِن تسليمِ مَيَّةَ عليه أو رَدِّها تَحِيَّتَه، (أَزِفَ) دَنَا وقَرُبَ، وبابُه طَرِبَ، ويُرْوَى (أَفِدَ) وهو بوزنِه ومعناه، (التَّرَحُّلُ) الارتحالُ، (تَزُلْ) مضمومُ الزايِ، مُضارِعُ زَالَ، وأصلُه تَزُولُ، فحُذِفَتِ الواوُ ـ عندَ الجزمِ ـ للتخلُّصِ مِن الْتِقاءِ الساكنيْنِ.
المعنَى: يقولُ في البيتِ الذي هو المَطْلَعُ: أَتَمْضِي أيُّها العاشِقُ مُفارِقاً أحبابَكَ اليومَ معَ العَشِيِّ أو غداً معَ الغداةِ؟ وهل يكونُ ذلك مِنكَ وأنتَ عَجْلاَنُ، تَزَوَّدْتَ مِنهم أو لم تَتَزَوَّدْ؟ ثمَّ يقولُ في البيتِ الشاهدِ: لقد قَرُبَ مَوْعِدُ الرَّحيلِ، إلاَّ أنَّ الرِّكابَ لم تُغَادِرْ مكانَ أحبابِنا بما عليها مِن الرِّحَالِ، وكأنها قدْ زَالَتْ لقُرْبِ موعدِ الفِراقِ.
الإعرابُ: (أَزِفَ) فعلٌ ماضٍ، (التَّرَحُّلُ) فاعلٌ، (غيرَ) نُصِبَ على الاستثناءِ، (أَنَّ) حَرْفُ توكيدٍ ونصبٍ، (رِكَابَنَا) رِكَابَ: اسمُ أنَّ، والضميرُ المتَّصِلُ مضافٌ إليه، (لَمَّا) حرفُ نفيٍ وجَزْمٍ، (تَزُلْ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلمَّا، (بِرِحَالِنَا) برِحَالِ: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بـ (تَزُلْ) ورِحالِ مضافٌ و(نا) مضافٌ إليه، (كَأَنْ) حرفُ تشبيهٍ ونصبٍ.
واسمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، وخَبَرُها جملةٌ محذوفةٌ تقديرُها (وكأنْ قَدْ زالَتْ) فحَذَفَ الفعلَ وفاعلَه المُسْتَتِرَ فيه، وأَبْقَى الحرفَ الذي هو قَدْ.
الشاهدُ فيه: في هذا البيتِ شاهدانِ للنُّحاةِ: أوَّلُهما: دُخولُ التنوينِ الذي للتَّرَنُّمِ على الحرفِ، وهو قَدْ، فذلك يَدُلُّ على أنَّ تنوينَ الترنُّمِ لا يَخْتَصُّ بالاسمِ؛ لأنَّ الشيءَ إذا اخْتَصَّ بشيءٍ لم يَجِئْ معَ غيرِه، والثاني: في تخفيفِ (كَأَنْ) التي للتشبيهِ، ومجيءِ اسْمِها ضميرَ الشأنِ، والفصلِ بينَها وبينَ خَبَرِها بقَدْ؛ لأنَّ الكلامَ إثباتٌ. ولو كانَ الكلامُ نفياً لكانَ الفصلُ بلَمْ، كما في قَوْلِهِ تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}، ومثلُ هذا البيتِ في الاستشهادِ على ذلكَ قولُ الشاعرِ:
لاَ يَهُولَنَّكَ اصْطِلاَءُ لَظَى الحَرْ = بِ، فمَحْذُورُها كَأَنْ قَدْ أَلَمَّا
وسيأتي شرحُ ذلكَ في بابِ إنَّ وأَخَوَاتِها.
([7]) هذا البيتُ لرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ؛ أحدُ الرُّجَّازِ المشهورينَ وأَمْضَغُهم للشِّيحِ والقَيْصُومِ، والذي أَخَذَ عنه العلماءُ أكثرَ غريبِ اللُّغَةِ، وكانَ في عصرِ بَنِي أُمَيَّةَ، وبعدَه:
*مُشْتَبِهِ الأَعْلاَمِ لَمَّاعِ الْخَفَقْنْ *
اللغةُ: (القَاتِمُ) كالأَقْتَمِ: الذي تَعْلُوه القُتْمَةُ، وهي لونٌ فيه غُبْرَةٌ وحُمْرَةٌ.
و(أعماقٌ) جمعُ عَُمْقٍ ـ بفتحِ العينِ، وتُضَمُّ ـ وهو: ما بَعُدَ مِن أطرافِ الصحراءِ.
و( الخَاوِي) الخالي.
و(المُخْتَرَقُ) مَهَبُّ الرِّياحِ، وهو اسمُ مكانٍ مِن قولِهم: خَرَقَ المَفَازَةَ واخْتَرَقَها؛ إذَا قَطَعَها ومَرَّ فيها، و(الأعلامُ) علاماتٌ كانوا يَضَعُونَها في الطريقِ للاهتداءِ بها، واحِدُها عَلَمٌ بفتحِ العينِ واللامِ جَمِيعاً، و(الخَفَقُ) اضْطِرَابُ السَّرَابِ، وهو الذي تَرَاهُ نِصْفَ النهارِ كأنه ماءٌ، وأصلُه بسكونِ الفاءِ، فحَرَّكَها بالفتحِ ضرورةً.
المعنى: كثيرٌ مِن الأمكنةِ التي لا يَهْتَدِي أحدٌ إلى السيرِ فيها لِشِدَّةِ الْتِبَاسِها وخَفَائِها قدْ أَعْمَلْتُ فيها نَاقَتِي وسِرْتُ فيها. يُرِيدُ أنه شُجاعٌ شديدُ الاحتمالِ، أو أنه عظيمُ الخبرةِ بمسالِكِ الصحراءِ.
الإعرابُ: (وَقَاتِمِ) الواوُ واوُ رُبَّ، قاتِمِ: مبتدأٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المحلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ، وقاتِمِ مضافٌ و(الأَعْمَاقِ) مضافٌ إليه، (خَاوِي) صفةٌ لقاتِمِ، وخَاوِي مضافٌ و(المُخْتَرَقْ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وسَكَّنَه لأجلِ الوقفِ، وخبرُ المبتدأِ جملةٌ مِن فعلٍ ماضٍ وفاعلٍ في محلِّ رفعٍ، وذلك في قَوْلِهِ بعدَ أبياتٍ:
* تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاَةِ الْوَهَقْ*
الشاهدُ فيه: قولُه: (الْمُخْتَرَقْنْ) و(الخَفَقْنْ) حيثُ أَدْخَلَ عليهما التنوينَ معَ اقترانِ كلِّ واحدٍ مِنهما بألْ، ولو كانَ هذا التنوينُ ممَّا يَخْتَصُّ بالاسمِ لم يَلْحَقْ الاسمَ المقترِنَ بألْ، وإذا كانَ آخرُ الكَلِمَةِ التي في آخرِ البيتِ حرفاً صحيحاً ساكناً كما هنا تُسَمَّى القافيةُ حينَئذٍ (قافِيَةً مُقَيَّدَةً).
([8]) هذا الاعتراضُ لا يُرَدُّ على الناظمِ؛ لأنَّ تسميةَ نونِ التَّرَنُّمِ والنونِ التي تَلْحَقُ القوافِيَ المُطْلَقَةَ تَنْوِيناً، إنما هي تسميةٌ مجازيَّةٌ، ولَيْسَتْ مِن الحقيقةِ التي وُضِعَ لها لفظُ التنوينِ، فأنتَ لو أَطْلَقْتَ لفظَ التنوينِ على المعنَى الحقيقيِّ الذي وُضِعَ له لم يَشْمَلْهُما، والأصلُ أنْ يُحْمَلَ اللفظُ على معناه الحقيقيِّ؛ ولذلك نَرَى أنه لا غُبارَ على كلامِ الناظمِ.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فَصْلٌ
يَتَمَيَّزُ الاسْمُ عَن الْفِعْلِ والحرفِ بِخَمْسِ عَلامَاتٍ:
إِحْدَاهُا: الْجَرُّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَرْفَ الْجَرِّ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَا لَيْسَ بِاسْمٍ، نَحْوُ: ( عَجِبْتُ مِنْ أَنْ قُمْتَ ) ([1])، بَل الْمُرَادُ بِهِ الكسرةُ الَّتِي يُحْدِثُهَا عَامِلُ الْجَرِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حَرفاً، أَمْ إِضَافَةً، أَمْ تَبَعِيَّةً.
وَقَدِ اجْتَمَعَتْ فِي البَسْمَلَةِ ([2]).
الثَّانِيَةُ: التنوينُ، وَهُوَ نُونٌ سَاكِنَةٌ تَلْحَقُ الآخِرَ ([3]) لَفْظاً لا خَطًّا لِغَيْرِ تَوْكِيدٍ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ (السكونِ) النُّونُ فِي (ضَيْفَنٍ) لِلطُّفَيْلِيِّ، وَ (رَعْشَنٍ) لِلْمُرْتَعِشِ، وَبِقَيْدِ (الآخِرِ) النُّونُ فِي (انْكَسَرَ) وَ (مُنْكَسِرٍ )، وَبِقَوْلِي: ( لَفْظاً لا خَطًّا ) النُّونُ اللاحقةُ لآخرِ الْقَوَافِي، وَسَتَأْتِي، وَبِقَوْلِي: ( لِغَيْرِ توكيدٍ ) نُونُ نَحْوِ: {لَنَسْفَعاً} ([4])، وَ ( لَتَضْرِبُنْ يَا قَوْمُ )، وَ ( لَتَضْرِبِنْ يَا هِنْدُ ).
وَأَنْوَاعُ التَّنْوِينِ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: تَنْوِينُ التَّمْكِينِ، كَزَيْدٍ وَرَجُلٍ، وَفَائِدَتُهُ: الدلالةُ عَلَى خِفَّةِ الاسْمِ وَتَمَكُّنِهِ فِي بَابِ الاسميَّةِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشْبِهِ الحرفَ فَيُبْنَى، وَلا الْفِعْلَ فَيُمْنَعَ مِنَ الصرفِ.
الثَّانِي: تَنْوِينُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ اللاحقُ لِبَعْضِ المَبْنِيَّاتِ للدلالةِ عَلَى التنكيرِ، تَقُولُ: (سِيبَوَيْهِ )، إِذَا أَرَدْتَ شَخْصاً مُعَيَّناً اسْمُهُ ذَلِكَ، وَ ( إِيهِ ) إِذَا اسْتَزَدْتَ مُخَاطَبَكَ منْ حَدِيثٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ شَخْصاً مَا اسْمُهُ سِيبَوَيْهِ، أَو اسْتِزَادَةً مِنْ حَدِيثٍ مَا نَوَّنْتَهُمَا ([5]).
الثَّالِثُ: تَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ، وَهُوَ اللاحِقُ لِنَحْوِ: ( مُسْلِمَاتٍ ) جَعَلُوهُ فِي مقابلةِ النُّونِ فِي نَحْوِ: مُسْلِمِينَ.
الرابعُ: تَنْوِينُ التَّعْوِيضِ، وَهُوَ اللاحقُ لنحوِ: غَوَاشٍ ([6])، وَجَوَارٍ عِوَضاً عَن الْيَاءِ، وَلـ(إِذْ) فِي نَحْوِ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} ([7])
عِوَضاً عَن الجملةِ الَّتِي تُضَافُ (إِذْ) إِلَيْهَا ([8]).
وَهَذِهِ الأنواعُ الأربعةُ مُخْتَصَّةٌ بالاسمِ.
وَزَادَ جَمَاعَةٌ تَنْوِينَ التَّرَنُّمِ، وَهُوَ اللاحقُ للقَوَافِي المُطْلَقَةِ؛ أَي: الَّتِي آخِرُهَا حَرْفُ مَدٍّ، كَقَوْلِهِ:
1 - أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَنْ = وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أَصَابَنْ
الأَصْلُ: (الْعِتَابَا) وَ (أَصَابَا)، فَجِيءَ بالتنوينِ بَدَلاً من الأَلِفِ؛ لِتَرْكِ التَّرَنُّمِ.
وَزَادَ بَعْضُهُم التنوينَ الغالِيَ، وَهُوَ اللاحقُ للقَوَافِي المُقَيَّدَةِ زِيَادَةً عَلَى الوزنِ، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ غَالِياً، كَقَوْلِهِ:
2 - قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْنْ = كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً قَالَتْ وَإِنْنْ
وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا نُونَانِ زِيدَتَا فِي الْوَقْفِ، كَمَا زِيدَتْ نُونُ ( ضَيْفَنٍ ) فِي الْوَصْلِ وَالوَقْفِ، وَلَيْسَا منْ أنواعِ التنوينِ فِي شَيْءٍ؛ لِثُبُوتِهِمَا مَعَ ( أل )، وَفِي الْفِعْلِ، وَفِي الحرفِ، وَفِي الْخَطِّ والوَقْفِ، وَلِحَذْفِهِمَا فِي الْوَصْلِ، وَعَلَى هَذَا فَلا يَرِدَانِ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الاسْمَ يُعَرَفُ بالتَّنْوِينِ، إِلاَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُسَمِّيهِمَا تَنْوِينَيْنِ، أَمَا بِاعْتِبارِ مَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ فَلا.
الثَّالِثَةُ: النِّدَاءُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ دخولَ حَرْفِ النداءِ؛ لأَنَّ ( يَا ) تَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَا لَيْسَ بِاسْمٍ، نَحْوُ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي} ([9]). ( أَلا يَا اسْجُدُوا) ([10]) فِي قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ ([11])، بَل الْمُرَادُ كَوْنُ الْكَلِمَةِ مُنَادَاةً، نَحْوُ: (يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، ويا فُلُ، ويا مَكْرَمَانُ ) ([12]).
الرابعةُ: (أل) غَيْرُ المَوْصُولَةِ، كالفَرَسِ والغلامِ، فَأَمَّا الموصولةُ، فَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ، كَقَوْلِهِ:
الْخَامِسَةُ: الإسنادُ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الفائدةُ، وَذَلِكَ كَمَا فِي ( قُمْتُ ) ([13])، وَ ( أَنَا ) فِي قَوْلِكَ: (أَنَا مُؤْمِنٌ ).


([1]) وَمِنْ ذَلِكَ عِنْدَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ بُشِّرَ بِأُنْثَى: وَاللهِ مَا هِيَ بِنِعْمَ الوَلَدُ، وَقَوْلُ آخَرَ، وَقَدْ سَارَ إِلَى مَحْبُوبَتِهِ عَلَى حِمَارٍ بَطِيءٍ: نِعْمَ السيرُ عَلَى بِئْسَ الْعِيرُ. وَسَيَأْتِي تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذَا المَذْهَبِ فِي بابِ ( نِعْمَ، وَبِئْسَ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا)، وَذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ ( نِعْمَ ) و ( بِئْسَ ) اسْمَانِ بِمَعْنَى: المَمْدُوحِ وَالمَذْمُومِ مُسْتَدِلِّينَ بِدُخُولِ حَرْفِ الجرِّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْكَلامِ ونحوِهِ، وَلَيْسَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِسَدِيدٍ، وَسَتَعْرِفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي البابِ الَّذِي وُضِعَ لَهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
([2]) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ ( اسْمِ ) مَجْرُورٌ بالحرفِ، وَهُوَ الْبَاءُ، ولفظَ الجلالةِ مَجْرُورٌ بإضافةِ لفظِ اسْمِ إِلَيْهِ، وَلَفْظَ (الرَّحْمَنِ) مَجْرُورٌ بالتَّبَعِيَّةِ؛ لأَنَّهُ نَعْتٌ.
([3]) المرادُ بالآخِرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ التنوينُ: مَا كَانَ آخِراً حَقِيقَةً، كالدالِ مِنْ ( زَيْدٍ )، والراءِ مِنْ ( عَمْرٍو )، أَوْ كَانَ آخِراً [لعل هنا كلمة سقط: حُكْماً] كالدالِ مِنْ ( يَدٍ ) و ( غَدٍ )، والميمِ مِنْ ( دمٍ )، والخاءِ مِنْ ( أَخٍ )، والباءِ مِنْ ( أبٍ )؛ فَإِنَّ لامَ هَذِهِ الكلماتِ قَدْ حُذِفَتِ اعْتِبَاطاً؛ أَيْ: لغيرِ عِلَّةٍ، وَبَقِيَتْ عينُ هَذِهِ الكلماتِ أَوَاخِرَ لَهَا حُكْماً.
([4]) سُورَةُ الْعَلَقِ، الآيَةُ: 15.
([5]) وَمِمَّا جَاءَ مِن اسْمِ الفعلِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْنَا فَقُلْنَا إِيهِ عَنْ أُمِّ سَالِمٍ وَمَا بَالُ تَكْلِيمِ الدِّيَارِ الْبَلاقِعِ
وَكَانَ الأَصْمَعِيُّ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اسْمَ الفعلِ لا يَكُونُ إِلاَّ مُنَوَّناً، وَيُخَطِّئُ ذَا الرُّمَّةِ فِي الإِتْيَانِ بـ (إِيهِ) غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ فِي هَذَا البيتِ، وَلَكِنَّ الأَثْبَاتَ مِنَ العُلَمَاءِ لَمْ يُقِرُّوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَهَبُوا إِلَى مَا قَرَّرَهُ المُؤَلِّفُ هُنَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ( وَالصحيحُ أَنَّ هَذِهِ الأصواتَ إِذَا عُنِيَتْ بِهَا المعرفةُ لَمْ تُنَوَّنْ، وَإِذَا عُنِيَتْ بِهَا النكرةُ نُوِّنَتْ، وَإِنَّمَا اسْتَزَادَ ذُو الرُّمَّةِ هَذَا الطَّلَلَ حَدِيثاً مَعْرُوفاً، كَأَنَّهُ قَالَ: حَدِّثْنَا الحديثَ، أَوْ خَبِّرْنَا الْخَبَرَ. اهـ.
([6]) المرادُ بِنَحْوِ ( غَوَاشٍ ): كُلُّ اسْمٍ مَمْنُوعٍ مِنَ الصرفِ، وَهُوَ مُعْتَلُّ الآخرِ، سَوَاءٌ أكانَ مَنْعُهُ مِن الصرفِ، لِكَوْنِهِ عَلَى صِيغَةِ مُنْتَهَى الجُمُوعِ، نَحْوَ ( غَوَاشٍ، وَجَوَارٍ، وَدَوَاعٍ، وَنَوَاهٍ ) أَمْ كَانَ مَنْعُهُ مِنَ الصرفِ للعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الفعلِ نَحْوَ: ( أُعَيْمِي، وَيُعَيْلِي ) أَصْلُهُمَا تَصْغِيرُ (أَعْمَى) وَ(يَعْلَى)، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِمَا فَصَارَا عَلَمَيْنِ مُوَازِنَيْنِ، لِنَحْوِ: أُبَيْطِرَ وَيُبَيْطِرُ مُضَارِعَيْ: بَيْطَرَ.
([7]) سُورَةُ الرومِ، الآيَةُ: 4.
([8]) أكثرُ النُّحَاةِ يَذْكُرُونَ ( إِذْ ) لَفْظاً وَاحِداً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ التنوينَ اللاحقَ لهذا اللفظِ عِوَضٌ عَن الجملةِ الَّتِي مِنْ حَقِّ (إِذْ) أَنْ تُضَافَ إليها، وَالتقديرُ فِي الآيَةِ الكريمةِ: وَيَوْمَ يَغْلِبُ الرُّومُ فَارِساً يَفْرَحُ المؤمنونَ، فَحُذِفَت الجملةُ الأُولى، وَهِيَ: يَغْلِبُ الرومُ فَارِساً، وَعُوِّضَ عَنْهَا التنوينُ، وَبَقِيَتْ إِذْ مَبْنِيَّةً؛ لِشَبَهِهَا بالحرفِ فِي الوضعِ عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ فِي الافْتِقَارِ افْتِقَاراً مُتَأَصِّلاً إِلَى جملةٍ تُضَافُ إليها.
وَيَذْكُرُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ( إِذَا ) أَيْضاً، فَقَدْ تُحْذَفُ الجملةُ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُضَافَ إليها وَيُعَوَّضُ عَنْهَا التنوينُ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً}، وَقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ}، وَقَوْلِهِ تَبَارَكَتْ كَلِمَتُهُ: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ}، وَقَوْلِهِ سبحانَهُ: {إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ}. وَلِهَذا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ (إِذاً) الناصبةَ للمضارعِ، بَلْ هِيَ الظرفيَّةُ الشرطيَّةُ.
1 - هَذَا البيتُ مَطْلَعُ قصيدةٍ طويلةٍ لِجَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ الخَطَفَي، أَحَدِ شُعَرَاءِ العصرِ الأمويِّ.
اللغةُ: (أَقِلِّي) فِعْلٌ أَمْرٌ مِنَ الإقلالِ، وَهُوَ فِي الأصلِ جَعْلُ الشيءِ قَلِيلاً، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الشيءِ بَتَّةً، وَهُوَ المرادُ هَهُنَا. (اللَّوْمَ) هُوَ العَذْلُ وَالتَّوْبِيخُ. (عَاذِلَ) هُوَ مُرَخَّمُ (عَاذِلَةٍ)، وَهُوَ اسْمُ فاعلٍ مُؤَنَّثٌ مِنَ العَذْلِ، وَهُوَ اللومُ والتوبيخُ، ( والعِتَابَ ) هُوَ مُخَاطَبَةُ الإِدْلالِ وَمُذَاكَرَةُ الغَضَبِ، وَالمرادُ هُنَا اللومُ فِي تَسَخُّطٍ. (أَصَبْتُ) يُرْوَى بِضَمِّ التاءِ عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ التاءِ عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرُ المُخَاطَبَةِ المُؤَنَّثَةِ.
الإعرابُ: (أَقِلِّي) فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ، وَيَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فَاعِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ. ( اللومَ ) مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ. ( عَاذِلَ ) مُنَادًى مُرَخَّمٌ بِحَرْفِ نِدَاءٍ مَحْذُوفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّ الحَرْفِ المحذوفِ، فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، وجملةُ النداءِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ؛ لأَنَّهَا مُعترضةً بَيْنَ المعطوفِ والمعطوفِ عَلَيْهِ. ( وَالْعِتَابَا ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، الْعِتَابَ: مَعْطُوفٌ عَلَى (اللومَ)، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والألفُ للإطلاقِ. (وَقُولِي) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ، قُولِي: فِعْلُ أَمْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى حذفِ النُّونِ، وَيَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فاعلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، والجملةُ معطوفةٌ عَلَى جملةِ (أَقِلِّي اللَّوْمَ)، وَكِلاهُمَا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ: أَمَّا الأُولَى فَلِكَوْنِهَا ابْتِدَائِيَّةً، وَأَمَّا الثانيةُ فَلأنَّ المعطوفَ كالمعطوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ الإِعْرَابِيِّ. (إِنْ) حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، (أَصَبْتُ) فِعْلٌ مَاضٍ فِعْلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ المُقَدَّرِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ، وَالتاءُ فَاعِلٌ، وَجَوَابُ الشرطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ، وَالتقديرُ: إِنْ أَصَبْتُ فَقُولِي... إلخ، وجملةُ الشرطِ وجوابُهُ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ مُعْترضةٌ بَيْنَ فِعْلِ الأَمْرِ ومفعولِهِ، (لَقَدْ) اللامُ واقعةٌ فِي جوابِ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: واللهِ لَقَدْ، وَ(قَدْ): حَرْفُ تَحْقِيقٍ. (أَصَابَا) فِعْلٌ مَاضٍ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعلِهِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ، جَوَابُ الْقَسَمِ المحذوفِ، وجملةُ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ بِهِ لِـ (قُولِي).
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (الْعِتَابَنْ)، وَقَوْلُهُ: (أَصَابَنْ)، حيثُ دَخَلَ تنوينُ التَّرَنُّمِ عَلَيْهِمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا التنوينَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالاسمِ، فَلا يَكُونُ علامةً عَلَى اسْمِيَّةِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ كَتَنْوِينِ التنكيرِ مَثَلاً، وآيَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الفعلِ الْمَاضِي فِي (أَصَابَنْ)، ودَخَلَ عَلَى الاسمِ المُقْتَرِنِ بـ (ألْ) فِي (الْعِتَابَنْ). وَالمُخْتَصُّ بالاسمِ لا يَدْخُلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ فِي الداخلِ عَلَى الفعلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الداخلِ عَلَى المُقْتَرِنِ بـ (ألْ)؛ فَلأنَّ التنوينَ المُخْتَصَّ بالاسمِ يُنَافِي ( أل )؛ لأَنَّ (أل) تَدُلُّ عَلَى تَعَرُّفِ الاسمِ وَتَعَيُّنِهِ، وَأَمَّا التنوينُ المُخْتَصُّ بالاسمِ، فَيَدُلُّ عَلَى شياعِهِ وعدمِ اختصاصِهِ بِفَرْدٍ معُيَّنٍ مِنْ أفرادِ جِنْسِهِ، فلو كَانَ تَنْوِينُ التَّرَنُّمِ مِن الأنواعِ الخاصَّةِ بالاسمِ لكانَ فِي الكلمةِ الواحدةِ عَلامَتَانِ، كُلُّ واحدةٍ مِنْهُمَا تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَهَذَا مِمَّا لا يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ الْعَرَبُ فِي كلامِهِم الْفَصِيحِ.
ومِن أمثلةِ تنوينِ التَّرَنُّمِ قَوْلُ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ:
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا = لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ
فَقَدْ لَحِقَ هَذَا التنوينُ ( قَدْ ) وَهُوَ حَرْفٌ، فَدَلَّ لَحَاقُهُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالاسمِ، وَهُوَ ظاهرٌ.
2 - يَنْسُبُ النحاةُ هَذَا البيتَ إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، وَيُنْشِدُونَ قَبْلَهُ:
قَالَتْ سُلَيْمَى: لَيْتَ لِي بَعْلاً يَمُنّ = بِغَسْلِ جِلْدِي وَيُنَسِّينِي الْحَزَنْ
وَقَدْ رَاجَعْتُ ديوانَ أَرَاجِيزِ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ المَطْبُوعَ فِي مدينةِ ليبسكَ، فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الرجزَ فِي أَصْلِ الديوانِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ نَاشِرُهُ فِي مُلْحَقٍ جَمَعَ فِيهِ مَا أُضِيفَ إِلَى رُؤْبَةَ مِن الرجزِ فِي كُتُبِ الأدبِ واللغةِ ونحوِهَا، وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الديوانِ الَّذِي نُشِرَ عنهُ.
اللغةُ: ( سُلَيْمَى ) تَصْغِيرُ (سَلْمَى)، وَهُوَ اسْمُ امرأةٍ، ( بَعْلاً ) زَوْجاً، ( مُعْدِماً ) اسْمُ الفاعلِ مِنْ مَصْدَرِ ( أَعْدَمَ الرجلُ ) إِذَا كَانَ فَقِيراً لا مَالَ لَهُ، وَمَعْنَى هَذَا البيتِ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي مثلِ: ( زَوْجٌ مِنْ عُودٍ خَيْرٌ مِنْ قُعُودٍ ).
الإعرابُ: (قَالَتْ) قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ، وَالتاءُ علامةٌ عَلَى تأنيثِ الفاعلِ، (بَنَاتُ) فَاعِلُ (قَالَ) مَرْفُوعٌ بالضمةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَ (العمِّ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (يَا) حَرْفُ نِدَاءٍ، (سَلْمَى) مُنَادًى مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، ( وَإِنْ ) الْوَاوُ عاطفةٌ عَلَى محذوفٍ، وَإِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، (كَانَ) فِعْلٌ مَاضٍ فِعْلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ، وَاسْمُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً، تَقْدِيرُهُ هُوَ، يَعُودُ إِلَى البعلِ المذكورِ فِي البيتِ السابقِ، (فَقِيراً) خَبَرُ (كَانَ) الناقصةِ، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (مُعْدِماً) صِفَةٌ لـ (فقيرٍ)، وَجَوَابُ الشرطِ محذوفٌ يدلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ، وجملةُ الشرطِ وجوابِهِ معطوفةٌ بالواوِ عَلَى محذوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ سياقُ الْكَلامِ أيضاً، وتقديرُ هَذِهِ المحذوفاتِ: قَالَتْ بَنَاتُ العمِّ: يَا سَلْمَى، إِنْ كَانَ غَنِيًّا مُوسِراً تَرْضَيْنَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً تَرْضَيْنَ بِهِ. (قَالَتْ) قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ، والتاءُ حَرْفٌ دالٌّ عَلَى تأنيثِ الفاعلِ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هِيَ، يَعُودُ إِلَى (سَلْمَى)، ( وَإِنْ ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى محذوفٍ، إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، وفعلُ الشرطِ وجوابُهُ مَحْذُوفَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا سِيَاقُ الْكَلامِ، والتقديرُ: قَالَتْ: إِنْ كَانَ غَنِيًّا مُوسِراً أَرْضَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً أَرْضَ بِهِ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: ( وَإِنْ ) فِي المَوْضِعَيْنِ جَمِيعاً، حيثُ لَحِقَ التنوينُ فِيهِمَا القافيةَ المُقَيَّدَةَ، زِيَادَةً عَلَى الوزنِ، وَإِنْ حَرْفٌ بِغَيْرِ خلافٍ، وَلُحُوقُ هَذَا التنوينِ الحرفَ فِي هَذَا البيتِ دليلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِن التَّنْوِينِ لا يَخْتَصُّ بالاسمِ.
ومِن أمثلةِ هَذَا التنوينِ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ فِي أَوَّلِ قَافِيَتِهِ:
وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ = مُشْتَبِهِ الأَعْلامِ لَمَّاعِ الْخَفَقْنْ
والكلامُ فِي دلالةِ هَذَا عَلَى أَنَّ التنوينَ الغاليَ لَيْسَ خَاصًّا بالاسمِ مثلُ الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ بيتِ جَرِيرٍ السابقِ عَنْ قَوْلِهِ: ( الْعِتَابَنْ ) فَارْجِعْ إِلَيْهِ تَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ.
([9]) سُورَةُ يس، الآيةُ: 26.
([10]) سُورَةُ النملِ، الآيَةُ: 25.
([11]) قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ واردةٌ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهِيَ بِتَخْفِيفِ اللامِ فِي ( أَلا ) عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ ( أَلا ) حَرْفُ تَنْبِيهٍ، فيكونُ ( يَا ) حَرْفَ نِدَاءٍ، وَالْمُنَادَى بِهِ مَحْذُوفٌ، وَاسْجُدُوا فِعْلُ أَمْرٍ، وكأنَّهُ قِيلَ: أَلا يَا هَؤُلاءِ اسْجُدُوا، والدليلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التخريجِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنَّ الْكِسَائِيَّ الَّذِي رُوِيَتْ عنهُ يَقِفُ عَلَى (أَلا يَا)، ثُمَّ يَبْتَدِئُ: (اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ). وَقَرَأَ قَوْمٌ بِتَشْدِيدِ اللامِ فِي ( أَلا ) عَلَى أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ، الأُولى: (أَن) المَصْدَرِيَّةُ، والثانيةُ: ( لا ) النافيةُ؛ فَيَكُونُ بَعْدَهَا ( يَسْجُدُوا ) وَهُوَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ، والياءُ فِيهِ يَاءُ المضارعةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بـ (أن) المصدريَّةِ، وَالمصدرُ المُنْسَبِكُ مِنْ ( أَن ) المصدريَّةِ والمضارعِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ( أَعْمَالَهُمْ )؛ أَيْ: فَزَيَّنَ لَهُم الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُم، زَيَّنَ لَهُمْ عَدَمَ عِبَادَةِ اللَّهِ... إلخ، وَكِتَابَتُهَا فِي المُصْحَفِ {أَلاَّ يَسْجُدُوا} تُؤَيِّدُ ذَلِكَ.
([12]) إِنَّمَا خَصَّ المُؤَلِّفُ هَذِهِ الأسماءَ بالذِّكْرِ مع هَذِهِ العلامةِ؛ لأَنَّهَا مُلازِمَةٌ للنداءِ، ومعنَى هَذَا أَنَّهَا لا تَقْبَلُ مِن العلاماتِ الَّتِي ذَكَرَهَا إِلاَّ النداءَ، وَمَعْنَى (يَا فُلُ ): يَا رَجُلُ، أَوْ يَا امْرَأَةُ، وَنَظِيرُهُنَّ: (يَا مَلأَمَانُ ) و (يَا خَبَاثِ ) وَبَابُهُ، وَسَيَأْتِي فِي بابِ النداءِ.
3 - هَذَا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ الْبَسِيطِ، وَعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
ولا الأَصِيلِ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالْجَدَلِ
وهذا بيتٌ للفَرَزْدَقِ يَقُولُهُ فِي هِجَاءِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَكَانَ هَذَا الرجلُ قَدْ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَمْدَحُهُ، وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ جَرِيرٌ، والأَخْطَلُ، والفَرَزْدَقُ، وَهُوَ لا يَعْرِفُهُمْ، وَهُم الثلاثةُ الفحولُ مِنْ شعراءِ دولةِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَعَرَّفَ عَبْدُ الْمَلِكِ الأَعْرَابِيَّ بِهِمْ، فَقَالَ عَلَى الفَوْرِ:
فَحَيَّا الإِلَهُ أَبَا حَزْرَةَ = وَأَرْغَمَ أَنْفَكَ يَا أَخْطَلُ
وَجَدُّ الفَرَزْدَقِ أَتْعِسْ بِهِ = وَدَقَّ خَيَاشِيمَهُ الْجَنْدَلُ
فَقَالَ لَهُ الْفَرَزْدَقُ:
يَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ = يَا ذَا الْخَنَى وَمَقَالِ الزُّورِ وَالْخَطَلِ
وَمِنْ بَعْدِهِ البَيْتُ المُسْتَشْهَدُ بِصَدْرِهِ.
اللغةُ: ( أَبَا حَزْرَةٍ ) هِيَ كُنْيَةُ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ، ( الجَنْدَلُ ) الحَجَرُ، ( يَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ ) أَصْلُ (أَرْغَمَهُ) بِمَعْنَى: عَفَّرَهُ بالرَّغَامِ، وَهُوَ التُّرَابُ، وَذَلِكَ كنايةٌ عَن الإذلالِ والإهانةِ. ( الخَنَى ): الفُحْشُ. ( الخَطَل ) المَنْطِقُ الْفَاسِدُ المُضْطَرِبُ. ( الْحَكَمِ ): الَّذِي يُحَكِّمُهُ الخَصْمَانِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. ( الأَصِيلِ ): الحَسِيبِ. ( الْجَدَلِ ) شِدَّةُ الْخُصُومَةِ.
المَعْنَى: يَقُولُ: لَسْتَ بالرَّجُلِ الَّذِي يُؤْبَهُ لكلامِهِ أَوْ يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّا لَمْ نُحَكِّمْكَ فِيمَا بَيْنَنَا مِنْ خُصُومَةٍ، وَلا أَنْتَ بالرجلِ الشريفِ النسبِ، وَلا بِصَاحِبِ الرَّأْيِ، وَلا بِصَاحِبِ اللَّسَنِ الَّذِي يَقْوَى عَلَى الخُصُومَةِ.
الإعرابُ: (مَا) نافيةٌ، (أَنْتَ) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ، (بِالْحَكَمِ) الْبَاءُ حَرْفُ جَرٍّ زَائِدٌ، الْحَكَم: خَبَرُ المبتدإِ مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى آخرِهِ مَنَعَ ظُهُورَهَا اشتغالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرْفِ الجرِّ الزائدِ، (التُّرْضَى) أل: اسْمُ مَوْصُولٍ بِمَعْنَى الَّذِي، نَعْتٌ لـ(الحَكَمِ) مَبْنِيٌّ عَلَى السكونِ فِي محلِّ رَفْعٍ تَبعاً لِمَحَلِّ الْحَكَمِ، أَوْ فِي مَحَلِّ جَرٍّ تَبَعاً للفظِهِ، تُرْضَى: فِعْلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الأَلِفِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، ( حُكُومَتُهُ ) حكومة: نائبُ فاعلِ تُرْضَى مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَضَمِيرُ الغائبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وجملةُ الفعلِ ونائبِ فاعلِهِ لا مَحَلَّ لَهَا مِن الإعرابِ صلةُ أل، ( وَلا ) الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، لا: حَرْفٌ زَائِدٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، ( الأَصِيلِ ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَكَمِ، ( وَلا ) الْوَاوُ عاطفةٌ، لا: زَائِدَةٌ لتأكيدِ النَّفْيِ أيضاً، ( ذِي ) مَعْطُوفٌ بالواوِ عَلَى الْحَكَمِ، مجرورٌ بالياءِ نيابةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ السِّتَّةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، وَ ( الرَّأْيِ ): مُضَافٌ إِلَيْهِ، ( وَالْجَدَلِ ) الْوَاوُ: حَرْفُ عطفٍ، الجَدَلِ: مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْيِ، وَالمَعْطُوفُ عَلَى المجرورِ مجرورٌ، وعلامةُ جَرِّهِ الكسرةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (التُّرْضَى)؛ حيثُ دَخَلَتْ ( أل ) الموصولةُ عَلَى الفعلِ المضارعِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ( أل ) الموصولةَ ليستْ علامةً عَلَى اسميَّةِ مَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهَا كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الاسمِ فِي نَحْوِ: القائمِ والمضروبِ، تَدْخُلُ عَلَى الفعلِ كَمَا فِي هَذَا البيتِ ونحوِهِ مِن الشواهدِ.
وَنَظِيرُ هَذَا البيتِ فِي دخولِ (أل) الموصولةِ عَلَى الفعلِ المضارعِ قَوْلُ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيِّ:

يَقُولُ الْخَنَى وَأَبْغَضُ الْعُجْمِ نَاطِقاً = إِلَى رَبِّنَا صَوْتُ الْحِمَارِ الْيُجَدَّعُ
وقولُ ذِي الْخِرَقِ أَيْضاً:
فَيَسْتَخْرِجُ اليَرْبُوعُ مِنْ نَافِقَائِهِ = وَمِنْ جُحْرِهِ بِالشَّيْخَةِ الْيَتَقَصَّعُ
وَقَوْلُهُ الآخَرُ:
مَا كَالْيَرُوحُ وَيَغْدُو لاهِياً فَرِحاً = مُشَمِّرٌ يَسْتَدِيمُ الحَزْمَ ذُو رَشَدِ
وَمِن ذَلِكَ قَوْلُ سَلامَانَ الطَّائِيِّ ( تَهْذِيبُ اللُّغَةِ 4/285 ):
أَخِفْنَ اطِّنَانِي إِنْ سَكَتْنَ وَإِنَّنِي = لَفِي شُغُلٍ عَنْ ذَحْلِيَ الْيُتَتَبَّعُ
وَقَدْ وَرَدَتْ شَوَاهِدُ كثيرةٌ تَدُلُّ لهذهِ المسألةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دخولَ ( أل ) الموصولةِ عَلَى الفعلِ المضارعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ النُّحَاةِ، فَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ وَجَمْهَرَةُ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الاختيارِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً، وَتَمَسَّكُوا بِمَا وَرَدَ مِن الشواهدِ عَن الْعَرَبِ كهذا البيتِ. ( انْظُرْ شَرْحَنَا عَلَى الأَشْمُونِيِّ 1 - 169 )، وَذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ضَرُورَةِ الشعرِ، وَقَالَ الشيخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الجُرْجَانِيُّ: إِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ.
فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ دخولَ (أل) الموصولةِ عَلَى المضارعِ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ علاماتِ الاسمِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ (أل) الموصولةَ لا تَدْخُلُ عَلَى المضارعِ إِلاَّ ضرورةً جَعَلَ (أل) بجميعِ أنواعِهَا مِنْ علاماتِ الاسمِ.
([13]) يُرِيدُ (وَذَلِكَ كالتاءِ الَّتِي فِي قَوْلِكَ:قُمْتُ)؛ وَذَلِكَ لأَنَّ نسبةَ القيامِ إِلَى التاءِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ التاءَ اسْمٌ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ تمثيلِ المُؤَلِّفِ بِهَذَيْنِ المِثَالَيْنِ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ إِلَيْهِ مُتَأَخِّراً كَمَا فِي ( قُمْتُ )، أَوْ يَكُونَ المُسْنَدُ إِلَيْهِ مُتَقَدِّماً كَمَا فِي (أَنَا مُؤْمِنٌ )، كَمَا أَنَّهُ أَشَارَ بِهِمَا إِلَى أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ فِعْلاً كَمَا فِي ( قُمْتُ ) أَوْ أَنْ يَكُونَ المُسْنَدُ اسْماً كَمَا فِي ( أَنَا مُؤْمِنٌ ).


  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

10- بِالجَرِّ، وَالتَّنْوِينِ، وَالنِّـدَا، وَأَلْ = وَمُسْنَدٍ – لِلاسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَـلْ
(بِالجَرِّ) ويرادفُه الخفضُ، قال في (شرحِ الكافيةِ): وهو أَوْلَى مِنَ التعبيرِ بحرفِ الجرِّ، لتناولِه الجرَّ بالحرفِ والإضافةِ (والتنوينُ) وهو في الأصلِ: مصدرُ نَوَّنْتُ، أي: أَدْخَلْتُ نُونًا، ثمَّ غَلَبَ حتى صارَ اسمًا لنونِ تلحَقُ الآخرَ لفظًا لا خطًّا لغيرِ توكيدٍ، فقِيلَ "لا خطًّا" فَصْلٌ مُخْرِجٌ للنونِ في نحوِ "ضَيْفَنِ" اسمٌ للطُّفَيْلِيِّ، وهو الذي يجيءُ مع الضيفِ مُتَطَفِّلاً، وللنونِ اللاحِقَةِ للقوافيِ المطلقةِ- أي: التي آخرُها حرفُ مدٍّ - عوضًا عن مدَّةِ الإطلاقِ في لغةِ تميمٍ وقيسٍ ، كقولِه [من الوافر]:
4- أَقَلِّـي اللَّـوْمَ عَـازِلَ وَالْعِتَابَنْ = وَقُولِـي- إِنْ أَصَبْتُ- لَقَدْ أَصَابَنْ
الأصلُ العِتَابَا، وأَصَابَا. وقولُه [من الكامل]:
5- أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا = لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنَّ قِدْنَ
الأصلُ: قَدِي، ويُسَمَّى "تنوينَ الترنُّمَ" على حذفِ مضافٍ، أي: قطَعَ الترنُّمَ؛ لأنَّ الترنُّمَ مدُّ الصوتِ بمدَّةٍ تُجَانِسُ الرويِّ، ومُخْرِجٌ أيضًا للنونِ اللاحقةِ للقوافِي المقيَّدَةِ- وهي التي رَوِيُّها ساكنٌ غيرُ مدٍّ- كقولِه [من المتقارب]:
6- أَحَـارِ بْنَ عَمْرٍو كَأَنِّي خَمِرْنْ = وَيَعْدُو عَلَى المَرْءِ مَا يَأْتَمِرْنْ
الأصلُ: خَمِرُ، ويَأْتَمِرُ. وقوله [من الرجز]:
7- وَقَاتِمُ الأَعْمَاقِ خَاوِي المُخْتَرَقْنْ = مُشْتَبِهُ الأَعْلاَمِ لَمَّاعُ الخَفَقْنْ
الأصلُ: المُخْتَرَقْ. وقولُه [من الرجز]:
8- قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ ياَ سَلْمَى وَإِنْنْ = كَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا قَالَتْ وَإِنْنْ
فَإِنَّ هَاتَيْنِ النُّونَيْنِ زيدتَا في الوقفِ، كما زِيدَتْ نونُ "ضَيْفِنْ" في الوصلِ والوقفِ، وَلَيْسَتَا مِنْ أنواعِ التنوينِ حقيقةً؛ لِثُبُوتِهِمَا مع "أل"، وفي الفعلِ والحرفِ، وفي الخطِّ والوقفِ، وحذفُهما في الوصلِ، ويُسَمَّى "التنوينُ الغالي"، زادَه الأخفشُ وسمَّاهُ بذلك؛ لأنَّ الغُلُوَّ الزيادةُ، وهو زيادةٌ على الوزنِ، وزعَمَ ابنُ الحاجبِ أنَّهُ إنَّما سُمِّيَ غاليًا لقلَّتِهِ، وقد عرَفْتَ أنَّ إطلاقَ اسمِ التنوينِ على هذينِ مجازٌ، فلا يُرَدَّانِ على الناظمِ. وقَيَّدَ "لغيرِ توكيدٍ" فصلٌ آخرُ مخرِجٌ لنونِ التوكيدِ الثابتةِ في اللفظِ دونَ الخطِّ، نحوُ: {لَنَسْفَعًا}.
وهذا التعريفُ منطبِقٌ على أنواعِ التنوينِ، وهي أربعةٌ:
الأَوَّلُ: تنوينُ الأَمْكَنِيَّةُ، ويقالُ: تنوينُ التمكُّنِ، وتنوينُ التمكِينِ: كرجُلٍ وقاضٍ، سُمِّي بذلك لأنَّهُ لحِقَ الاسمَ ليدلَّ على شِدَّةِ تمكُّنِه في بابِ الاسميَّةِ، أي: أنَّهُ لم يشبِهِ الحرفَ فيُبْنَى، ولا الفعلَ فيمُنْعُ مِنَ الصرفِ.
والثاني: تنوينُ التنكيرِ، وهو اللاحقُ لبعضِ المبنيَّاتِ في حالةِ تنكيرِه ؛ ليدُلَّ على التنكيرِ، تقولُ: سيبويهِ-بغير تنوين- إذا أردت معينًا، وإيهِ- بغير تنوين- إذا استزَدْتَ مخاطَبَكَ من حديثٍ معينٍ، فإذا أردتَ غيرَ معين قلْتَ: سيبويهٍ وإيهٍ، بالتنوين.
والثالثُ: تنوينُ التعويضِ، ويقالُ له "تنوينُ العِوَضِ" بإضافةٍ بيانيَّةٍ، وبه عبَّرَ في (المُغْنِي)، وهو أَوْلَى، وهو إِمَّا عِوَضٌ عن حرفٍ، وذلك تنوينُ نحوِ: جَوَارٍ وغَوَاشٍ ، عِوَضًا عنِ الياءِ المحذوفةِ في الرفعِ والجرِّ. هذا مذهبُ سيبويهِ والجمهورِ، وسيأتي الكلامُ على ذلك في بابِ ما لا ينصرِفُ مبسوطًا، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى، وإما عِوَضٌ عن جملةٍ، وهو التنوينُ اللاحقُ لـ "إذ" في نحوِ: "يومئذٍ" و"حينئذٍ" فَإِنَّهُ عِوَضٌ عن الجملةِ التي تُضَافُ "إذ" إليها، فإن الأصلَ يومُ إِذَا، كانَ كذا، فحُذِفَتِ الجملةُ وعُوِّضَ عنها التنوينُ وكُسِرَتْ "إِذْ" لالتقاءِ الساكنينِ، كما كُسِرَتْ "صهٍ" و"مهٍ" عند تنوينِهما. وزعَمَ الأخفشُ أن "إذ" مجرورةً بالإضافةِ، وأنَّ كسرتَها كسرةُ إعرابٍ، ورُدَّ بملازمتِها للبناءِ؛ لشِبْهِهَا بالحرفِ في الوضعِ وفي الافتقارِ دائمًا إلى الجملةِ، وبِأَنَّها كُسِرَتْ حيثُ لا شيءَ يقتضي الجرَّ في قولِه [من الوافر]:
9- نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمَّ عَمْرٍو = بِعَافِيَةٍ وَأَنْـَت إِذٍ صَحِيــحٌ
قيل: وَمِنْ تنوينِ العوضِ مَا هُوَ عِوَضٌ عن كلمةٍ، وهو تنوينُ "كلّ" و"بعض" عوِضًا عمَّا يضافانِ إليه، ذكَرَه الناظمُ.
والرابعُ: تنوينُ المقابلةِ، وهو اللاحقُ لنحوِ "مُسْلِمَاتٍ" مما جمَعَ بألفٍ وتاءٍ، سُمِّي بذلك لأنَّهُ في مقابلةِ النونِ في جمعِ المذكَّرِ السالمِ في نحوِ "مُسْلِمِينَ"، وليسَ بتنوينِ الأَمْكَنِيَّةِ، خلافًا للربعيِّ؛ لثبوتِه فيما لا ينصرِفُ منه، وهو ما سُمِّيَ به مُؤَنَّثٌ،: كأَذْرُعَاتِ لقريةٍ، ولا تنوينَ تنكيرٍ لثبوتِه مع المعرباتِ، ولا تنوينَ عوضٍ وهو ظاهرٌ، وما قيلَ أنَّهُ عِوَضٌ عَنِ الفتحةِ نصبًا مردودٌ بأنَّ الكسرةَ قد عُوِّضَتِ عنها.
(والنِدا) وهو الدعاءُ بيا أو إحدى أخواتِها، فلا يَرِدُ نحوُ: { يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} و[من الرجز]:
10- يَارُبَّ سَارٍ بَاتَ مَا تَوَسَّدَا = إِلاَّ ذِرَاعَ العَنْسِ أَوْ كَفَّ اليَدَا
(أَلاَ يَا اسْجُدُوا) في قراءةِ الكِسَائِيِّ ، لتخَلُّفَ الدعاءِ عن "يا"؛ فَإِنَّهَا لمجرَّدِ التنبيهِ ، وقيل: إنَّهَا للنداء والمنادى محذوفٌ تقديرُه: يا هؤلاءِ ، وهو مقيسٌ في الأمرِ كالآيةِ، وفي الدعاءِ، كقولهِ [من الطويل]:
11- ألا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيِّ عَلَى البِلَى = وَلاَ زَالَ مُنْهَلًّا بَجَرْعَائِكِ القَطْرُ
(وأل)معرِّفةٌ كانَتْ : كالفرسِ والغلامِ ، أو زائدةً : كالحارثِ، و"طَبْتَ النفسِ". ويقالُ فيها "أمْ" في لغة طيِّيءِ، ومنه ((لَيْسَ مِنَ امْبَرٍّ امْصِيَامٍ فيِ امْسَفَرٍ)) وسيأتي الكلامُ على الموصلةِ، وتستثنى الاستفهاميَّةُ فإنَّها تدخُلُ على الفعلِ نحوَ: "أل فَعَلْتَ" بمعنى: هل فَعَلْتَ؟ حكَاه قُطْرُبٌ، وإِنَّمَا لم يستثْنِها لندرتِها (ومُسْنَدٌ) أي: محكومٌ به مِنَ اسمٍ أو فعلٍ أو جملةٍ، نحو: "أنتَ قائمٌ"، و "قمتَ" و { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}.
تنبيهٌ : حمَلَ الشارحُ لفظَ "مسندٍ" في النظمِ عَلَى إسنادٍ؛ فقال: ومسندٌ أي إسنادٌ إليه، فأقامَ اسمَ المفعولِ مقامَ المصدرِ وحذَفَ صلتَه اعتمادًا على التوقيفِ؛ ولا حاجةَ إلى هذا التكلُّفِ؛ فإنَّ تركَهُ على ظاهرِه كافٍ، أي: من علاماتِ اسميَّةِ الكلمةِ أنْ يوجدَ معها مسندٌ فتكونُ هي مسندًا إليها، ولا يُسْنَدُ إلا إلى الاسمِ. وأما " تَسْمَعُ بِالمُعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ"فـ "تَسْمَعُ" مُنْسَبِكٌ مَعَ "أَنِ" المحذوفةِ بمصدرٍ، والأصلُ: "أنْ تَسْمَعَ" أي: سماعُك، فحُذِفَتْ "أنْ"، وحسَّنَ حذفَها وجودُها في "أن تراه"، وقد رُوِيَ " أنْ تسمعَ " على الأصلِ. وأما قولُهم: " زَعَمُوا مَطِيَّةَ الكذبِ " فعلَى إرادةِ اللفظِ ، مثلُ "مِنْ حَرْفِ جَرٍّ"، و"ضَرَبَ فِعْلٌ مَاضٍ" فكلّ من "زَعَمُوا"، و"مَنْ"، و"ضَرَبَ" اسمٌ للفظِ مبتدأٍ وما بعدَه خبرٌ.
(لِلاسْمِ تَمْيِيزٌ) عن قَسِيمَيْهِ (حَصَلَ) تمييزٌ: مبتدأٌ، والجملةُ بعده صفةٌ له، ولِلاسمِ: خبرٌ، وبالجرِّ: متعلِّقٌ بحصلَ. وقدَّمَ معمولَ الصفةِ على الموصوفِ الممنوعِ اختيارًا للضرورةِ، وسهَّلَهَا كونُهُ جارًّا ومجرورًا، وإنما ميَّزَتْ هذه الخمسةُ الاسمَ لأنَّهَا خواصٌّ له: أما الجرُّ فلأنَّ المجرورَ مخبَرٌ عنه في المعنى، ولا يُخْبَرُ إلا عنِ الاسمِ؛ وأما التنوينُ فلأنَّ معانيَه الأربعةَ لا تَتَأَتَّى في غيرِ الاسمِ؛ وأما النداءُ فلأن المنادى مفعولٌ بهِ والمفعولُ بهِ لا يكونُ إلا اسمًا؛ وأما"أل" فلأن أصلَ معناهَا التعريفُ، وهو لا يكونُ إلا للاسمِ؛ وأما المسندُ فلأنَّ المسندَ إليه لا يكونُ إلا اسمًا.
تنبيهٌ : لا يُشْتَرطُ لتمييزِ هذه العلاماتِ وجودُها بالفعل. بل يكفِي أنْ يكونَ في الكلمةِ صلاحيةٌ لقبولِها.


  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 02:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

علاماتُ الاسْمِ
10- بالجَرِّ والتنوينِ والنِّدَا وأَلْ = ومُسْنَدٍ للاسمِ تَمييزٌ حَصَلْ
لَمَّا ذكَرَ أنواعَ الكَلِمَةِ، وهي: الاسمُ والفعْلُ والحرْفُ شَرَعَ في ذِكْرِ علاماتِها، فذَكَرَ في هذا البيتِ خَمْسَ عَلاماتٍ، يَتَمَيَّزُ بها الاسمُ عن الفعْلِ والحرْفِ، إذا وُجِدَتْ واحدةٌ منها كانَتْ دَليلاً على أنَّ الكَلِمَةَ (اسْمٌ)، وقد تَعَدَّدَتْ هذه العلاماتُ؛ لأنَّ الأسماءَ مُتَعَدِّدَةُ الأنواعِ، فقد تَصْلُحُ العلامةُ لاسمٍ ولا تَصْلُحُ لآخَرَ.
الأُولَى: الْجَرُّ، وليسَ المرادُ به حرْفَ الْجَرِّ؛ لأنه قد يَدْخُلُ في اللفْظِ على ما ليسَ باسمٍ؛ كقولِكَ: أشَرْتُ إليه بأنْ قُمْ، بلِ المرادُ كونُ الكَلِمَةِ مجرورةً، نحوُ: صَلَّيْتُ في الْمَسْجِدِ الواسعِ، قالَ تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
الثانيةُ: التنوينُ: وهو نونٌ ساكِنَةٌ زائدةٌ لغيرِ توكيدٍ، تَلْحَقُ آخِرَ الأسماءِ لفْظاً لا خَطًّا ولا وَقْفاً، نحوُ: كَتَبَ محمَّدٌ واجِباً بخَطٍّ جَميلٍ. والتنوينُ أربعةُ أنواعٍ:
1- تنوينُ التمكينِ: وهو اللاحِقُ لغالِبِ الأسماءِ الْمُعْرَبَةِ الْمُنْصَرِفَةِ، نحوُ: جاءَ خالِدٌ مُسْتَبْشِراً، ومِنه قولُه تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، وخرَجَ بالأوَّلِ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السالِمُ نَحْوُ: مُسْلِماتٍ، وبالثاني الاسمُ المنقوصُ الممنوعُ مِن الصرْفِ، نحوُ: (جَوارٍ) كما سيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.
2- تنوينُ التنكيرِ: وهو اللاحِقُ لبعضِ الأسماءِ الْمَبْنِيَّةِ؛ فَرْقاً بينَ مَعْرِفَتِها ونَكِرَتِها، فما نُوِّنَ منها كانَ نَكِرَةً، وما لم يُنَوَّنْ فهو مَعْرِفَةٌ، نحوُ: (صَهٍ) إذا تَكَلَّمَ غيرُكَ، فهذا اسمُ فعْلِ أمْرٍ معناه: اسْكُتْ عن كلِّ كلامٍ، فإنْ أرَدْتَ السكوتَ عن كلامٍ مُعَيَّنٍ قلتَ: (صَهْ) وبدونِ تنوينٍ.
3- تنوينُ المقابَلَةِ: وهو اللاحِقُ لِجَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ؛ لِيكونَ في مقابَلَةِ النونِ في جَمْعِ المذكَّرِ السالِمِ، نحوَ حَضَرَتْ بناتٌ عاقِلاتٌ، ومنه قولُه تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}.
4- تنوينُ العِوَضِ: وهو ما كانَ عِوَضاً عن محذوفٍ، وهو ثلاثةُ أنواعٍ:
1- عِوَضٌ عن جُملَةٍ: وهو الذي يَلْحَقُ (إذ) المسبوقةَ بكلمةِ حينَ أو ساعةَ وما أَشْبَهَهُما، عِوَضاً عن جُملةٍ تكونُ بعْدَها، نحوُ: (قَدِمَ والِدِي وكنتُ حِينَئذٍ غَائِباً)؛ أي: حينَ إذْ قَدِمَ، قالَ تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أيْ: ويومَ إذْ (غُلِبَتِ)(*) الرومُ يَفْرَحُ المؤمنونَ؛ لأنَّ (إذْ) مِن الظروفِ المُلازِمَةِ للإضافةِ إلى الْجُمَلِ.
2- عِوَضٌ عن اسْمٍ: وهو اللاحقُ لـ (كُلٍّ وبَعْضٍ) عِوَضاً عمَّا تُضَافَانِ إليه، نحوُ: كلٌّ يَسْمَعُ النُّصْحَ، والمستفيدُ قليلٌ، ونحوُ: زُملائِي كَثيرونَ ، فدَعَوْتُ بعْضاً ، وتَركتُ بعضَهم ، قالَ تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}.
3- عِوَضٌ عن حَرْفٍ: وهو اللاحقُ لاسْمٍ منقوصٍ ممنوعٍ مِن الصرْفِ، نحوُ: الليالِي مَوَاضٍ بحوادِثِها، ومنه قولُه تعالى: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، والأصْلُ: مَوَاضِي، وغَوَاشِي، فالتنوينُ عِوَضٌ عن الياءِ المحذوفةِ التي كانتِ العرَبُ تَحْذِفُها (مِن فواعِلَ وأشْبَاهِها) في حالَتَيِ الرفْعِ والْجَرِّ.
العَلامةُ الثالثةُ مِن علاماتِ الاسمِ: دُخولُ (ألْ) على الكَلِمَةِ، نحوُ: قَدِمَ المُسَافِرُ.
العلامةُ الرابعةُ: النداءُ، وليسَ المرادُ به دُخولَ حَرْفِ النداءِ؛ لأنه قد يَدْخُلُ في اللفْظِ على ما ليسَ باسْمٍ؛ كقولِه تعالى: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} على أحَدِ الإعرابَيْنِ، وإنما المرادُ كَوْنُ الكَلِمَةِ مُناداةً، نحوُ:يا خالِدُ أَكْرِمْ أَباكَ، قالَ تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}.
العَلاَمَةُ الخامسةُ: الإسنادُ إليه؛ أيْ: إلى الاسمِ، وهو أنْ يُنْسَبَ إلى الكَلِمَةِ حُكْمٌ تَحْصُلُ به الفائدةُ نَفْياً أو إثباتاً، نحوُ: صَلَّيْتُ معَ الجماعةِ ، قالَ تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}، فالتاءُ اسمٌ؛ لأنه أُسْنِدَ إليه الصلاةُ في الأَوَّلِ، وإلقاءُ الْمَحَبَّةِ في الثاني، ونحوُ قولِكَ: المؤمِنُ لنْ يَتَأَخَّرَ عن فِعْلِ الخيرِ، فيه إسنادُ عَدَمِ التأخُّرِ إلى المؤمنِ, وهذه العَلاَمَةُ مِن أنفَعِ العَلاماتِ، وبها يُسْتَدَلُّ على اسْمِيَّةِ الضمائرِ؛ إذ لا يُوجَدُ لها عَلاَمَةٌ سِوَاهَا.
وهذا معنى قولِه: (بالْجَرِّ والتنوينِ.. إلخ)؛ أيْ: حَصَلَ تَمييزٌ للاسمِ عن غيرِه بالْجَرِّ والتنوينِ والنداءِ وألْ، (ومُسْنَدٍ للاسْمِ)؛ أيْ: إسنادٍ إلى الاسْمِ، فهو اسمُ مفعولٍ أُريدَ به الْمَصْدَرُ.


(*) لعلها: تغْلِبُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسم, علامات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir