دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:08 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقديم الحال


وسَبْقَ حالٍ بحرفِ جَرٍّ قَدْ = أَبَوْا ولا أَمْنَعُهُ فقدْ وَرَدْ
ولا تُجِزْ حالًا مِن المضافِ لَهْ = إلَّا إِذَا اقْتَضَى المضافُ عَمَلَهْ
أوْ كانَ جُزْءَ ما لَهُ أُضِيفَا = أوْ مِثلَ جُزْئِهِ فَلَا تَحِيفَا
والحالُ إنْ يُنْصَبْ بفعلٍ صُرِفَا = أو صِفةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
فجائزٌ تَقديمُهُ كمُسْرِعَا = ذا رَاحِلٌ ومُخْلِصًا زيدٌ دَعَا
وعاملٌ ضُمِّنَ مَعَنَى الفعلِ لَا =حُروفَهُ مُؤَخَّرًا لنْ يَعْمَلَا
كتلكَ ليتَ وكأنَّ ونَدَرْ = نحوُ سعيدٌ مُسْتَقِرًّا في هَجَرْ
ونحوُ زيدٌ مُفْرَدًا أَنْفَعُ مِنْ = عَمْرٍو مُعَانًا مُستجازٌ لنْ يَهِنْ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ = أَبَوْا وَلاَ أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ ([1])

مَذْهَبُ جُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ أنه لا يَجُوزُ تقديمُ الحالِ على صَاحِبِها المجرورِ بحرفٍ ([2])، فلا تقولُ في (مَرَرْتُ بِهِنْدٍ جَالِسةً): مَرَرْتُ جَالِسَةً بِهِنْدٍ. وذَهَبَ الفارِسِيُّ وابنُ كَيْسَانَ وابنُ بَرْهَانَ إلى جوازِ ذلك، وتَابَعَهُمُ المُصَنِّفُ؛ لِوُرُودِ السماعِ بذلك، ومنه قولُه:
187- لَئِنْ كَانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً = إِلَيَّ حَبِيباً إِنَّهَا لَحَبِيبُ ([3])
فـ(هَيْمَانَ وصَادِياً) حالانِ مِن الضميرِ المجرورِ بإلى، وهو الياءُ. وقولُه: ‌‌‌‌‌‌‌‌
188- فإنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ = فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ ([4])
فـ (فَرْغاً) حالٌ مِن قَتْلِ.
وأمَّا تقديمُ الحالِ على صاحِبِها المرفوعِ والمنصوبِ فجائزٌ، نحوُ: (جاءَ ضاحكاً زيدٌ، وضَرَبْتُ مُجَرَّدَةً هِنْداً).
ولا تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ = إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ ([5])
أو كانَ جُزْءَ مَا لَهُ أُضِيفَا = أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيفَا ([6])
لا يَجُوزُ مَجِيءُ الحالِ مِن المضافِ إليه ([7]) إلاَّ إذا كانَ المضافُ مِمَّا يَصِحُّ عَمَلُه في الحالِ؛ كاسمِ الفاعلِ والمصدرِ ونَحْوِهِما مِمَّا تَضَمَّنَ معنى الفعلِ، فتقولُ: هذا ضارِبُ هِنْدٍ مُجَرَّدَةً، وأَعْجَبَنِي قِيَامُ زَيْدٍ مُسْرِعاً، ومنه قولُه تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً}، ومنه قولُ الشاعِرِ:
189- تَقُولُ ابْنَتِي: إِنَّ انْطِلاَقَكَ وَاحِداً = إِلَى الرَّوْعِ يَوْماً تَارِكِي لاَ أَبا لِيَا([8])
وكذلك يَجُوزُ مَجِيءُ الحالِ من المضافِ إليه إذا كانَ المضافُ جُزْءاً مِن المضافِ إليه أو مِثْلَ جُزْئِهِ في صِحَّةِ الاستغناءِ بالمضافِ إليه عنه، فمثالُ ما هو جُزْءٌ مِن المضافِ إليه قولُه تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً}، فـ(إخواناً) حالٌ مِن الضميرِ المضافِ إليه (صُدُورٌ)، والصدورُ جُزْءٌ مِن المضافِ إليه.
ومثالُ ما هو مِثْلُ جُزْءِ المضافِ إليه في صِحَّةِ الاستغناءِ بالمضافِ إليه عنه قولُه تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}، فـ(حنيفاً) حالٌ مِن (إبراهيمَ)، والمِلَّةُ كالجزءِ مِن المضافِ إليه؛ إذ يَصِحُّ الاستغناءُ بالمضافِ إليه عنها، فلو قِيلَ في غيرِ القرآنِ: (أَنِ اتَّبِعْ إبراهيمَ حنيفاً) لَصَحَّ.
فإنْ لم يَكُنِ المضافُ مِمَّا يَصِحُّ أنْ يَعْمَلَ في الحالِ، ولا هو جُزْءٌ مِن المضافِ إليه، ولا مِثْلُ جُزْئِهِ - لم يَجُزْ أنْ يَجِيءَ الحالُ منه، فلا تقولُ: (جاءَ غلامُ هِنْدٍ ضَاحِكَةً)، خِلافاً للفَارِسِيِّ. وقولُ ابنِ المُصَنِّفِ رَحِمَه اللهُ تعالى: (إِنَّ هذه الصورةَ ممنوعةٌ بلا خلافٍ) ليسَ بِجَيِّدٍ؛ فإنَّ مذهَبَ الفارِسِيِّ جَوَازُها كما تَقَدَّمَ، ومِمَّن نَقَلَه عنه الشريفُ أبو السَّعَادَاتِ ابنُ الشَّجَرِيِّ في أَمَالِيهِ.
والحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا = أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ المُصَرَّفَا ([9])
فجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كَـ(مُسْرِعَا = ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصاً زَيْدٌ دَعَا) ([10])
يَجُوزُ تقديمُ الحالِ على نَاصِبِها إنْ كانَ فعلاً مُتَصِّرفاً أو صفةً تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ، والمرادُ بها ما تَضَمَّنَ معنى الفعلِ وحُرُوفَه، وقَبِلَ التأنيثَ والتثنيةَ والجمعَ؛ كاسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ والصفةِ المشبَّهَةِ([11]).
فمثالُ تَقْدِيمِها على الفعلِ المتصرِّفِ: (مُخْلِصاً زَيْدٌ دَعَا)، فدَعَا فِعْلٌ مُتَصَرِّفٌ، وتَقَدَّمَتْ عليه الحالُ، ومثالُ تَقْدِيمِها على الصفةِ المشبَّهَةِ له: (مُسْرِعاً ذَا رَاحِلٌ)
فإنْ كانَ الناصِبُ لها فِعْلاً غيرَ مُتَصَرِّفٍ لم يَجُزْ تقديمُها عليه، فتقولُ: (ما أَحْسَنَ زَيْداً ضَاحِكاً)، ولا تقولُ: (ضَاحِكاً ما أَحْسَنَ زَيْداً)؛ لأنَّ فِعْلَ التعجُّبِ غيرُ متصرِّفٍ في نفسِه، فلا يَتَصَرَّفُ في مَعْمُولِهِ، وكذلك إنْ كانَ الناصِبُ لها صِفَةً لا تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ؛ كأَفْعَلِ التفضيلِ لم يَجُزْ تَقْدِيمُها عليه؛ وذلك لأنَّه لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤَنَّثُ، فلم يَتَصَرَّفْ في نفسِه، فلا يَتَصَرَّفُ في معمولِه، فلا تقولُ: (زَيْدٌ ضاحكاً أَحْسَنُ مِن عمرٍو)، بل يَجِبُ تأخيرُ الحالِ، فتقولُ: (زَيْدٌ أَحْسَنُ مِن عمرٍو ضاحكاً)([12]).
وعامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ = حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ ([13])
كـ(تِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ) ونَدَرْ = نحوُ: (سَعِيدٌ مُسْتَقِرًّا فِي هَجَرْ) ([14])
لا يَجُوزُ تقديمُ الحالِ على عامِلِها المعنويِّ، وهو ما تَضَمَّنَ معنى الفعلِ دونَ حُرُوفِهِ؛ كأسماءِ الإشارةِ وحروفِ التمنِّي والتشبيهِ والظرفِ والجارِّ والمجرورِ ([15])، نحوُ: (تلك هِنْدٌ مُجَرَّدَةً، ولَيْتَ زَيْداً أَمِيراً أَخُوكَ، وكأنَّ زيداً رَاكِباً أَسَدٌ، وزَيْدٌ في الدارِ أو عندَك قائماً)، فلا يَجُوزُ تقديمُ الحالِ على عامِلِها المعنويِّ في هذه المُثُلِ ونحوِها، فلا تقولُ: (مُجَرَّدَةً تلكَ هِنْدٌ)، ولا (أَمِيراً لَيْتَ زيداً أخوكَ)، ولا (راكباً كأنَّ زيداً أسدٌ).
وقد نَدَرَ تَقْدِيمُها على عامِلِها الظرفِ، نحوُ: زَيْدٌ قائِماً عندَكَ، والجارِّ والمجرورِ، نحوُ (سعيدٌ مُسْتَقِرًّا في هَجَرَ)، ومنه قولُه تعالى: (وَالسَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ) ([16]) في قراءةِ مَن كَسَرَ التاءَ، وأجازَهُ الأخفشُ قِياساً.
ونَحْوُ (زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ = عَمْرٍو مُعَاناً) مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ ([17])
تَقَدَّمَ أنَّ أَفْعَلَ التفضيلِ لا يَعْمَلُ في الحالِ مُتَقَدِّمَةً، واسْتُثْنِيَ من ذلك هذه المسألةُ، وهي: ما إذا فُضِّلَ شيءٌ في حالٍ على نفسِه أو غيرِه في حالٍ أُخْرَى، فإنَّه يَعْمَلُ في حاليْنِ: إحدَاهُما مُتَقَدِّمَةٌ عليه والأُخْرَى متأخِّرَةٌ عنه، وذلك نحوُ: (زَيْدٌ قائماً أَحْسَنُ مِنه قاعداً)، و (زيدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِن عَمْرٍو مُعَاناً)، فـ(قائماً ومُفْرَداً) منصوبانِ بأَحْسَنُ وأَنْفَعُ، وهما حالانِ، وكذا (قاعداً ومُعاناً)، وهذا مَذْهَبُ الجمهورِ.
وزَعَمَ السِّيرَافِيُّ أنهما خبرانِ منصوبانِ بكانَ المحذوفةِ، والتقديرُ: (زيدٌ إذا كانَ قائماً أَحْسَنُ منه إذا كانَ قاعداً، وزيدٌ إذا كانَ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِن عمرٍو إذا كانَ مُعَاناً).
ولا يَجُوزُ تقديمُ هذيْنِ الحاليْنِ على أَفْعَلِ التفضيلِ ولا تَأْخِيرُهُما عنه، فلا تقولُ: (زَيْدٌ قائماً قاعداً أَحْسَنُ مِنه)، ولا تقولُ: (زيدٌ أحسنُ مِنه قائماً قاعداً).


([1])(وسَبْقَ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو أَبَوُا الآتي، وسَبْقَ مُضافٌ و(حالٍ) مُضافٌ إليه مِن إضافةِ المصدرش لفاعلِهِ،(ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لِلْمَصْدَرِ، (بِحَرْفٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: جُرَّ الآتي،ُرَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ مِن جُرَّ ونائبِ فاعلِهِ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، (قد) حرفُ تَحْقِيقٍ، (أَبَوْا) فعلٌ وفاعلٌ،(ولا) الواوُ عاطِفَةٌ، لا: نافيةٌ،َمْنَعُهُ) أَمْنَعُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، والهاءُ مفعولٌ به،َقَد) الفاءُ للتعليلِ، وقد: حرفُ تَحْقِيقٍ، (وَرَدْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى (سَبْقَ حالٍوتقديرُ البيتِ: وقد أَبَى النحاةُ أنْ يَسْبِقَ الحالُ صَاحِبَه الذي جُرَّ بالحرفِ، ولا أَمْنَعُ ذلك؛لأنَّه وَارِدٌ في كلامِ العربِ.

([2])اعْلَمْ أنَّ صاحبَ الحالِ قد يكونُ مجروراً بحرفِ جرٍّ أصليٍّ؛كقولِكَ: مَرَرْتُ بِهِنْدٍ جَالِسَةً، وقد يكونُ مجروراً بحرفِ جرٍّ زائدٍ؛كقولك: ما جاءَ مِن أحدٍ رَاكباً، فراكباً: حالٌ مِن أحدٍ المجرورِ لفظاً بمِن الزائدةِ.
ولا خِلافَ بينَ أحدٍ مِن النحاةِ في أنَّ صاحِبَ الحالِ إذا كانَ مجروراً بحرفِ جرٍّ زائدٍ جازَ تقديمُ الحالِ عليه وتأخيرُه عنه، فيَصِحُّ أنْ تقولَ: ما جاءَ مِن أحدٍ راكباً، وأنْ تقولَ: ما جاءَراكباً من أحدٍ، والخلافُ بينَهم مُنْحَصِرٌ في تقديمِ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بحرفِ جرٍّ أصليٍّ.

([3])187- البيتُ لِعُرْوَةَ بنِ حِزَامٍ العُذْرِيِّ،وقَبْلَهُ:
حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاكِعِينَ لِرَبِّهِمْ = خُشُوعاً، وفوقَ الراكعينَ رَقِيبُ
وبعدَه بيتُ الشاهدِ، وبعدَه قولُه:
وقُلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ: دَاوِنِي = فَإِنَّكَ إنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ
اللغةُ: (هَيْمَانَ) مأخوذٌ مِن الهُيَامِ - بضمِّ الهاءِ - وهو في الأصلِ: أَشَدُّ العَطَشِ، (صَادِياً) اسمُ فاعلٍ فِعْلُه (صَدِيَ) من بابِ تَعِبَ إذا عَطِشَ.
الإعرابُ: (لَئِنْ) اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، إنْ: شَرْطِيَّةٌ،(كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، فِعْلُ الشرطِ، (بَرْدُ) اسمُ كانَ، وبَرْدُ مُضافٌ و(الماءِ) مُضافٌ إليه،َيْمَانَ صَادِياً) حالانِ من ياءِ المتكلِّمِ المجرورةِ مَحَلاًّ بإلى،(إلى) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: حَبِيباً الآتي،َبِيباً) خبرُ كانَ،ِنَّهَا) إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وها: اسْمُه،َحَبِيبُ) اللامُ لامُ الابتداءِ، حَبِيبُ: خبرُ إنَّ، والجملةُ مِن إنَّ واسْمِها وخَبَرِها جوابُ القَسَمِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه جوابُ القَسَمِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: َيْمَانَ صَادِياً)؛حيثُ وَقَعَا حاليْنِ مِن الياءِ المجرورةِ مَحَلاًّ بإلى، وتَقَدَّمَا عليها، كما أَوْضَحْنَاهُ في الإعرابِ.

([4])188- البيتُ لِطُلَيْحَةَ بنِ خُوَيْلِدٍ الأَسْدِيِّ المُتَنَبِّيِّ، وبعدَ البيتِ المستشهَدِ به قولُه:
وما ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ = أَلَيْسُوا - وإنْ لم يُسْلِمُوا - بِرِجَالِ؟
عَشِيَّةَ غاَدَرْتُ ابْنَ أَرْقَمَ ثَاوِياً = وعُكَّاشَةَ الغَنْمِيَّ عَنْهُ بِحَالِ
اللغةُ: (أَذْوَادٌ) جَمْعُ ذَوْدٍ، وهو من الإبلِ ما بينَ الثلاثِ إلى العَشْرِ، (فَرْغاًأي: هَدْراً لم يُطْلَبْ به،ِبَالِ) بِزِنَةِ كِتابٍ، وهو ابنُ الشاعِرِ، وقيلَ: ابنُ أَخِيهِ، وكانَ المسلمون قد قَتَلُوهُ في حَرْبِ الرِّدَّةِ، فقَتَلَ بهم مِنهم عُكَّاشَةَ بنَ مِحْصَنٍ وثابتَ بنَ أَرْقَمٍ، كما ذَكَرَ هو في البيتِ الثاني من البيتيْنِ اللذيْنِ أَنْشَدْنَاهُما.
المعنى: يقولُ: لَئِنْ كُنْتُمْ قد ذَهَبْتُمْ بِبَعْضِ إبلٍ أَصَبْتُمُوهَا وبجماعةٍ مِن النساءِ سَبَيْتُمُوهُنَّ فلم أُقَابِلْ صَنِيعَكُم هذا بمثلِه في ذلك، فالأمرُ فيه هَيِّنٌ والخَطْبُ يَسِيرٌ، والذي يَعْنِينِي أَنَّكُم لم تَذْهَبُوا بِقَتْلِ حِبَالٍ كما ذَهَبْتُمْ بالإبلِ والنساءِ، ولكنِّي شَفَيْتُ نفسي ونِلْتُ ثَأْرِي منكم، فلم يَضِعْ دَمُهُ هَدْراً.
الإعرابُ: (فإنْ) شَرْطِيَّةٌ،َكْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ ناقصٌ فِعْلُ الشرطِ، مجزومٌ بسكونِ النونِ المحذوفةش للتخفيفِ،(أَذْوَادٌ) اسمُ تَكُ،ُصِبْنَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونونُ النسوةِ نائبُ فاعلٍ، والجملةُ مِن أُصِيبَ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ تَكُ،(ونِسْوَةٌ) معطوفٌ على أَذْوَادٌ،(فلن) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، لن: نافيةٌ ناصبةٌ،َذْهَبُوا) فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بلن، وعلامةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النونِ، وواوُ الجماعةِ فاعِلٌ،َرْغاً) حالٌ مِن (قَتْلِ) الآتي،ِقَتْلِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَذْهَبُ، وقَتْلِ مُضافٌ و(حِبَالِ) مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه:َرْغاً)؛حيثُ وَقَعَ حالاً مِن (قَتْلِ) المجرورِ بالباءِ، وتَقَدَّمَ عليه.

([5])(لا) ناهيةٌ،ُجِزْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(حالاً) مفعولٌ به لِتُجِزْ،ِن المُضافِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صفةٌ لقولِهِ:َالاً)،وقولُه: (له) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بالمُضافِ،(إلاَّ) أداةُ استثناءٍ،(إذا) ظرفٌ للمستقبَلِ من الزمانِ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ،(اقْتَضَى) فِعْلٌ ماضٍ،(المُضافُ) فاعِلُ اقْتَضَى،َمَلَهْ) عَمَلَ: مفعولٌ به لاقْتَضَى، وعَمَلَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ والمفعولِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها، والجوابُ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ.

([6])(أو) عاطِفَةٌ،(كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى المُضافِ له،ُزْءَ) خبرُ كانَ، وجُزْءَ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مُضافٌ إليه،َهُ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بأُضِيفَ الآتي،ُضِيفَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ من أُضِيفَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ،(أو) عاطِفَةٌ،(مِثْلَ) معطوفٌ على جُزْءَ السابقِ، ومثلَ مُضافٌ وجُزْءِ مِن (جُزْئِهِ) مُضافٌ إليه، وجُزْءِ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه،(فلا) ناهيَةٌ،َحِيفَا) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المنقلِبَةِ ألفاً لأجلِ الوقفِ في مَحَلِّ جزمٍ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ.

([7])اخْتَلَفَ النُّحاةُ في مَجِيءِ الحالِ مِن المُضافِ إليه؛ فذَهَبَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ إلى أنه يجوزُ أنْ يَجِيءَ الحالُ مِن المُضافِ إليه مُطلقاً؛أي: سواءً أَتَوَفَّرَ له واحدٌ مِن الأمورِ الثلاثةِ المذكورةِ أم لم يَتَوَفَّرْ،وذَهَبَ غيرُه من النحاةِ إلى أنه إذا تَوَفَّرَ له واحدٌ من الأمورِ الثلاثةِ جازَ، وإلاَّ لم يَجُزْ،والسرُّفي هذا الخلافِ أنهم اخْتَلَفُوا في: هل يَجِبُ أنْ يكونَ العاملُ في الحالِ هو نفسَ العاملِ في صاحبِ الحالِ، أم لا يَجِبُ ذلك؟
فذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى أنه لا يَجِبُ أنْ يكونَ العاملُ في الحالِ هو العاملَ في صاحِبِها، بل يجوزُ أنْ يكونَ العاملُ فيهما واحداً،وأنْ يكونَ مُخْتَلِفاً، وعلى ذلك أجازَ أنْ يَجِيءَ الحالُ مِن المُضافِ إليه مُطلقاً، وذَهَبَ غيرُه إلى أنه لا بُدَّ من أنْ يكونَ العاملُ في الحالِ هو نفسَ العاملِ في صَاحِبِها، وتَرَتَّبَ على ذلك ألاَّ يُجَوِّزُوا مَجِيءَ الحالِ من المُضافِ إليه إلاَّ إذا تَوَافَرَ له واحدٌ مِن الأمورِ الثلاثةِ التي ذَكَرَهَا الناظِمُ والشارِحُ؛ وذلك لأنَّ المُضافَ إنْ كانَ عاملاً في المُضافِ إليه بِسَبَبِ شِبْهِهِ للفعلِ لكونِه مَصْدراً أو اسمَ فاعلٍ مثلاً كانَ كذلك عاملاً في الحالِ،فيَتَّحِدُ العاملُ في الحالِ والعاملُ في صاحبِه الذي هو المُضافُ إليه، وإنْ كانَ المُضافُ جُزْءَ المُضافِ إليه أو مثلَ جُزْئِهِ كانَ المُضافُ والمُضافُ إليه جميعاً كالشيءِ الواحِدِ، فيَصِيرُ في هاتيْنِ الحالتيْنِ كأنَّ صاحبَ الحالِ هو نفسُ المُضافِ، فالعاملُ فيه هو العاملُ في الحالِ. فاحْفَظْهذا التحقيقَ النفيسَ، واحْرِصْ عليه.

([8])189- البيتُ لِمَالِكِ بنِ الرَّيْبِ، أحدِ بني مَازِنِ بنِ مالكٍ، من قصيدةٍ له، وأَوَّلُها قولُه:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً = بِجَنْبِ الْغَضَى أُزْجِي القِلاَصَ النَّوَاجِيَا
فَلَيْتَ الْغَضَى لَمْ يَقْطَعِ الرَّكْبُ عَرْضَهُ = ولَيْتَ الغَضَى مَاشَى الرِّكَابَ لَيَالِيَا
اللغةُ: (الرَّوْعُ) الفَزَعُ، والمَخَافَةُ، وأَرَادَ به ههنا الحربَ؛ لأنَّ الخوفَ يَتَسَبَّبُ عنها، فهو من بابِ إطلاقِ اسمِ المسبَّبِ وإرادةِ السببِ، (تَارِكِي) اسمُ فاعلٍ مِن تَرَكَ بمعنى صَيَّرَ.
المعنى: إنَّ ابْنَتِي تقولُ لي: إنَّ ذَهَابَكَ إلى القِتالِ مُنْفَرِداً، يُصَيِّرُنِي لا مَحَالَ بلا أَبٍ؛ لأنَّك تَقْتَحِمُ لظاها فتَمُوتُ.
الإعرابُ: (تقولُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ،(ابْنَتِي) ابْنَةِ: فاعلُ تَقُولُ، وابنةِ مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه،(إنْ) حرفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ، (انْطِلاَقَكَ)،انْطِلاَقَ: اسمُ إنَّ، وانطلاقَ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه من إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِهِ، (وَاحِداً) حالٌ مِن الكافِ التي هي ضَمِيرٌ المخاطَبِ، (إلى الرَّوْعِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْطِلاَقَ، (تَارِكِي) تَارِكِ: خبرُ إنَّ، وتَارِكِ مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه معَ إضافةِ اسمِ الفاعلِ إلى أحدِ مَفْعُولَيْهِ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فاعلُ (لا) نافيةٌ للجنسِ، (أَبَا) اسْمُها،ِيَا) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خبرُ لا، والجملةُ مِن لا ومَعْمُولَيْهَا في مَحَلِّ نصبٍ مفعولٌ ثانٍ لِتَارِكِ، ويجوزُ أنْ يكونََبَا) اسمَ لا منصوباً بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، واللامُ في (ليا) زائدةٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه، وخبرُ لا محذوفٌ، وكأنه قالَ: لا =أَبَي مَوْجُودٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَاحِداً)؛حيثُ وَقَعَ حالاً من المُضافِ إليه، وهو الكافُ في قَوْلِهِ: (انْطِلاَقَكَ)، والذي سَوَّغَ هذا أنَّ المُضافَ إلى الكافِ مصدرٌ يَعْمَلُ عملَ الفِعْلِ، فهو يَتَطَلَّبُ فاعلاً كما يَتَطَلَّبُهُ فعلُه الذي هو انْطَلَقَ، وهذه الكافُ هي الفاعلُ، فكانَ المُضافُ عاملاً في المُضافِ إليه، ويَصِحُّ أنْ يَعْمَلَ في الحالِ؛ لأنَّه مصدرٌ على ما عَلِمْتَ.

([9])(الحالُ) مبتدأٌ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ،(يُنْصَبْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ فِعْلُ الشرطِ ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى الحالُ، (بِفِعْلٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيُنْصَبْ، (صُرِّفَا) صُرِّفَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى فِعْلٍ نائبُ فاعلٍ، والجملةُ مِن صُرِّفَ ونائبِ فاعلِهِ في مَحَلِّ جرٍّ نَعْتٌ لِفِعْلٍ، (أو) عاطِفَةٌ،ِفَةٍ) معطوفٌ على فِعْلٍ، (أَشْبَهَتِ) أَشْبَهَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى صِفَةٍ، (المُصَرَّفَا) مفعولٌ به لأَشْبَهَ، والجملةُ مِن أَشْبَهَت وفاعِلِهِ ومفعولِهِ في مَحَلِّ جرٍّ صفةٌ لِقَوْلِهِ (صِفَةٍ).

([10])(فجائزٌ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، جائزٌ: خبرٌ مُقَدَّمٌ،َقْدِيمُهُ) تقديمُ: مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وتقديمُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه مِن إضافةِ المصدرِ إلى مفعولِهِ، والجملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرطِ، وجملةُ الشرطِ وجوابِه في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو (الحالُ) في أوَّلِ البيتِ السابِقِ، (كمُسْرِعَا) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، مُسْرِعَا: حالٌ مُقَدَّمٌ على عاملِه،وهو (رَاحِلٌ) الآتي،(ذا) مبتدأٌ، (رَاحِلٌ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو فاعلٌ، وهو صاحِبُ الحالِ، (ومُلْخِصاً) حالٌ مُقَدَّمٌ على عاملِهِ، وهو (دَعَا) الآتي،َيْدٌ) مبتدأٌ، وجُمْلَةُ (دَعَا) وفاعِلِهِ المُسْتَتِرِ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى زَيْدٌ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرٌ.

([11])أَطْلَقَ الشارِحُ كالناظِمِ القولَ إِطلاقاً في أنه يجوزُ تقديمُ الحالِ على عَامِلِها إذا كانَ هذا العامِلُ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً أو صِفَةً تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ، وليسَ هذا الإطلاقُ بِسَدِيدٍ، بل قد يَعْرِضُ أَمْرٌ يُوجِبُ تأخيرَ الحالِ على عاملِها،ولو كانَ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً أو صِفَةً تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ، وذلك في أربعةِ مواضِعَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ العاملُ مُقْتَرِناً بلامِ الابتداءِ؛ كقولِكَ: إنِّي لأَزُورُكَ مُبْتَهِجاً.
الثاني: أنْيَقْتَرِنَ العاملُ بلامِ القَسَمِ؛كقَوْلِكَ: لأَصُومَنَّ مُعْتَكِفاً، وقولِكَ: لأَصْبِرَنَّ مُحْتَسِباً.
الثالثُ: أنْ يكونَ العاملُ صِلَةً لحرفٍ مصدريٍّ؛ كقَوْلِكَ: إنَّ لكَ أنْ تُسَافِرَ رَاجِلاً، وإنَّ عليكَ أنْ تَنْصَحَ مُخْلِصاً.
الرابِعُ: أنْ يكونَ العاملُ صِلَةً لأَلِ الموصولةِ، كقَوْلِكَ: أَنْتَ المُصَلِّي =فذاً، وعلى المذاكِرِ مُتَفَهِّماً.

([12])سيأتي للمصنِّفِ في هذا البابِ والشارِحِ الاستثناءُ مِن عَدَمِ عَمَلِ أفعلِ التفضيلِ في حالٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وذلك المستثنَى نحوُ قولِهِ:(زيدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِن عمرٍو مُعَاناً)،وسَيَذْكُرُ هناكَ ضابطَ هذا المثالِ.

([13])(وعامِلٌ) مبتدأٌ، (ضُمِّنَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى عاملٌ،وهو المفعولُ الأوَّلُ لِضُمِّنَ، والجملةُ مِن ضُمِّنَ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ صِفَةٌ لعامِلٌ، (مَعْنَى) مفعولٌ ثانٍ لِضُمِّنَ، ومعنَى مُضافٌ و(الفِعْلِ) مُضافٌ إليه،(لا) عاطِفَةٌ،ُرُوفَهُ) حُرُوفَ: معطوفٌ على (مَعْنَى الفِعْلِ)،وحُرُوفَ مُضافٌ وضميرُ الغائبِ مُضافٌ إليه،ُؤَخَّراً) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (يَعْمَلَ) الآتي،َنْ) نافيةٌ ناصبةٌ، (يَعْمَلاَ) يَعْمَلَ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بِلَنْ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى عاملٌ الواقعِ مبتدأً، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([14])َتِلْكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خبرُ لمبتدأِ محذوفٌ؛ أي: وذلك كائنٌ كَتِلْكَ، (لَيْتَ، وكَأَنَّ) معطوفانِ على تلكَ، (ونَدَرْ) فِعْلٌ ماضٍ،َحْوُ) فاعلُ نَدَرَ، (سَعِيدٌ) مبتدأٌ، (مُسْتَقِرًّا) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمجرورِ الآتي،(في هَجَرْ) جارٌّومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([15])اعْلَمْ أنَّ ههنا أَمْرَيْنِ لا بُدَّ مِن بَيَانِهِما حتى تكونَ على بَيِّنَةٍ من الأمرِ:
الأوَّلُ: أنَّ العامِلَ المعنويَّ قد يُطْلَقُ ويُرَادُ به ما يُقَابِلُ اللفظيَّ، وهو شيئانِ: الابتداءُ العاملُ في المبتدأِ، والتجرُّدُ من الناصِبِ والجازِمِ العاملِ في الفعلِ المضارِعِ، وليسَ هذا المعنى مُرَاداً في هذا الموضِعِ؛ لأنَّ العاملَ المعنويَّ بهذا المعنى لا يَعْمَلُ غيرَ الرَّفْعِ، فالابتداءُ يَعْمَلُ في المبتدأِ الرفعَ، والتجرُّدُ يَعْمَلُ في الفِعْلِ المضارِعِ الرفْعَ أيضاًًً، وحِينَئِذٍ فالمرادُ بالعاملِ المعنويِّ ههنا: اللفظُ الذي يَعْمَلُ بِسَبَبِ ما يَتَضَمَّنُهُ من معنى الفعلِ، أفلاَ تَرَى أنَّ (تلك) وغَيْرَهَا مِن ألفاظِ الإشارةِ إِنَّمَا عَمِلَتْ في الحالِ؛لأنَّها مُتَضَمِّنَةٌ معنَى أُشِيرُ، وهكذا.
الثاني: العواملُ المعنويَّةُ بالمعنى المرادِ هنا كثيرةٌ، وقد ذَكَرَ الشارِحُ مِنها خَمْسَةً، وهي: أسماءُ الإشارةِ، وحروفُ التَّمَنِّي، وأدواتُ التشبيهِ، والظروفُ، والجارُّ والمجرورُ، وقد بَقِيَ خَمْسَةٌ أُخْرَى:
أَوَّلُها: حرفُ الترجِّي؛كلَعَلَّ، نحوُ قولِكَ: لَعَلَّ زيداً أميراً قادماً، وثانيهما: حروفُ التنبيهِ، مثلُ (ها) في قولِكَ: ها أنتَ زيدٌ راكباً، فراكباً حالٌ مِن زَيْدٌ، والعاملُ في الحالِ هو (ها)،وثالثُها: أدواتُ الاستفهامِ الذي يُقْصَدُ به التعجُّبُ؛كقولِ الأعشَى:
* يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ *

عندَ مَن جَعَلَ (جَارَه) الأُخْرَى حالاً لا تَمْيِيزاً. رابِعُهاً: أدواتُ النداءِ، نحوُ: (يا) في قولِكَ: يا أيُّها الرجلُ قائماً. وخامِسُها: (أما)،نحوُ قَوْلِهِم: أمَّا عِلْماً فعَالِمٌ، عندَ مَن جَعَلَ تقديرَ الكلامِ: مَهْمَا يُذْكَرُ أحدٌ في حالِ عِلْمٍ فالمذكورُ عالِمٌ، فعِلماً - على هذا التقديرِ - حالٌ من المرفوعِ بفِعْلِ الشرطِ الذي نَابَتْ عنه أمَّا.

([16])القراءةُ المشهورةُ بِرَفْعِ السماواتِ على الابتداءِ، ورَفْعِ (مَطْوِيَّاتٍ) على أنه خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجارُّ والمجرورُ - وهو (بِيَمِينِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بمَطْوِيَّاتٍ، والقراءةُ التي يَسْتَدِلُّ بها الشارِحُ ههنا بِرَفْعِ السماواتِ على أنه مبتدأٌ، ونَصْبِ مَطْوِيَّاتٍ بالكسرةِ نيابةً عن الفتحةِ على أنه حالٌ صَاحِبُه الضميرُ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمجرورِ، والجارُّ والمجرورُ - وهو قولُه:ِيَمِينِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([17])َنَحْوُ) مبتدأٌ، (زَيْدٌ) مبتدأٌ، (مُفْرَداً) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (أَنْفَعُ) الآتي،َنْفَعُ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو زَيْدٌ، (مِن عَمْرٍو) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَنْفَعُ، (مُعَاناً) حالٌ مِن عمرٍو، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ نحوُ إليها،ُسْتَجَازٌ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو (نحوُ) في أوَّلِ البيتِ، (لن) نافيةٌ ناصبةٌ، (يَهِنْ) بمعنى يَضْعُفْ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بِلَنْ، وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ، وسُكِّنَ لأجلِ الوَقْفِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى (نحوُوجملةُ يَهِنْ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرٌ ثانٍ، أو صِفَةٌ للخبرِ السابِقِ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصلٌ: وللحالِ معَ صاحبِها ثلاثُ حالاتٍ:
إحداها- وهي الأصلُ-: أنْ يَجوزَ فيها أنْ تَتأخَّرَ عنه وأنْ تَتقدَّمَ عليهِ؛ كـ "جاءَ زَيْدٌ ضَاحِكاً", و:َرَبْتُ اللِّصَّ مَكْتُوفاً", فلكَ في: "ضَاحِكاً" و"مَكْتوفاً" أنْ تُقَدِّمَهما على المرفوعِ والمنصوبِ.
الثانيةُ: أنْ تتأخَّرَ عنه([1]) وجوباً, وذلك كأنْ تكونَ مَحْصورةً نحوَ: {وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ}([2]) أو يَكونَ صاحبُها مجروراً([3]): إمَّا بحرفِ جَرٍّ غيرِ زائدٍ؛ كـ "مَرَرْتُ بهِنْدٍ جَالِسَةً" وخالَفَ في هذهِ الفارسيُّ وابنُ جِنِّي وابنُ كَيْسانَ, فأجازوا التقديمَ, قالَ الناظِمُ: وهو الصحيحُ؛ لورودِه, كقولِه تعالى:
َمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ}([4]) وقولِ الشاعرِ:
273- تَسَلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بَعْدَ بَيْنِكُمْ([5])
والحَقُّ أنَّ البيتَ ضَرورةٌ, وأنََّافَّةً} حالٌ من الكافِ([6]والتاءَ للمبالغةِ, لا للتأنيثِ([7])،ويَلْزَمُه تقديمُ الحالِ المحصورةِ وتَعَدِّي "أرْسَلَ" باللامِ, والأولُ مُمتنِعٌ, والثاني خلافُ الأكثرِ([8]).
وإمَّا بإضافةٍ([9]) كـ "أعْجَبَنِي وَجْهُها مُسْفِرَةً".
وإنَّما تَجِيءُ الحالُ من المضافِ إليهِ إذا كانَ المضافُ بعضَه كهذا المثالِ؛ وكقولِه تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً}([10]َيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}([11]) أو كبعضِه نحوَ: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}([12]أو عَامِلاً في الحالِ نحوَ: {إِلَيْهِ مَرجِعُكُمْ جَمِيعاً}([13]و"أعْجَبَنِي انْطِلاقُكَ مُنْفَرِداً", و:"هذا شاربُ السَّوِيقِ مَلْتُوتاً"([14]).
الثالثةُ: أنْ تَتقدَّمَ عليهِ وُجوباً كما إذا كانَ صاحبُها محصوراً نحوَ: "ما جاءَ رَاكِباً إِلاَّ زيدٌ".
فصلٌ: وللحالِ معَ عَامِلِها ثلاثُ حالاتٍ أيضاً:
إحداها- وهي الأصلُ-: أنْ يَجوزُ فيها أنْ تَتأخَّرَ, عنه وأنْ تَتقدَّمَ عليهِ, وإنَّما يكونُ ذلك إذا كانَ العاملُ فعلاً مُتصَرِّفاً؛ كـ "جاءَ زيدٌ رَاكِباً" أو صفةً تُشْبِهُ الفعلَ المُتصَرِّفَ([15]كـ "زيدٌ مُنطلِقٌ مُسْرِعاً", فلكَ في "راكباً" و"مُسْرِعاً" أنْ تُقَدِّمَهما على "جاءَ" وعلى "مُنْطَلِقٌ"؛ كما قالَ اللهُ تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ}([16])

وقالَتِ العَرَبُ: "شَتَّى تَؤُوبُ الحَلَبَةُ"([17]) أي: مُتفَرِّقِينَ يَرْجِعُ الحَالِبُونَ, وقالَ الشاعرُ:
* نَجَوْتِ وهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ*([18]) [55]

فـ (تَحْمِلينَ) في موضعِ نصبٍ على الحالِ, وعامِلُها: (طَلِيقُ) وهو صِفَةٌ مُشبَّهَةٌ.
الثانيةُ: أنْ تَتقدَّمَ عليهِ وُجوباً, كما إذا كانَ لها صَدْرُ الكلامِ نحوَ: "كيفَ جاءَ زَيْدٌ"؟.
الثالثةُ: أنْ تَتَأَخَّرَ عنه وُجوباً, وذلك في سِتِّ مَسَائِلَ([19]): وهي أنْ يكونَ العاملُ فِعلاً جَامداً نحوَ: "ما أحْسَنَهُ مُقْبِلاً" أو صِفةً تُشْبِهُ الفعلَ الجامدَ, وهو اسمُ التفضيلِ نحوَ: "هذا أفْصَحُ الناسِ خَطِيباً", أو مَصْدراً مُقدَّراً بالفعلِ وحرفٍ مَصْدريٍّنحوَ: "أعْجَبَنِي اعتكافُ أَخِيكَ صَائِماً", أو اسْمَ فِعْلٍ نحوَ: "نَزَالِ مُسْرِعاً", أو لفظاً مُضَمَّناً معنَى الفعلِ دونَ حروفِه نحوَ: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً}([20]وقولِه:
274- كَأَنَّ قُلُوبَالطَّيْرِ رَطْباً ويَابِساً([21])
وقولِكَ: "لَيْتَ هِنْداً مُقِيمةً عِندَنا" أو عَامِلاً آخرَ عَرَضَ له مانعٌ([22]) نحوَ: "لأصْبِرُ مُحْتَسِباً", و"لأعْتَكِفِنَّ صَائِماً"؛ فإنَّ ما في حَيِّزِ لامِ الابتداءِ ولامِ القَسَمِ لا يَتقَدَّمُ عليهما.

ويُسْتَثْنَى من أفْعَلَ التفضيلِ ما كانَ عَامِلاً في حاليْنِ لاسميْنِ مُتَّحِدِي المعنَى أو مختلفيْنِ, وأحَدُهما مُفَضَّلٌ على الآخرِ؛ فإنَّه يَجِبُ تقديمُ حالِ الفاضلِ؛ كـ "هذا بُسْراً أطْيَبُ منه رُطَباً", وقولِكَ: "زَيْدٌ مُفرَداً أنْفَعُ مِن عَمْرٍو مُعاناً"([23]).
ويُسْتَثْنَى من المُضَمَّنِ معنَى الفعلِ دونَ حُروفِه: أنْ يكونَ ظَرْفاً أو مَجْروراً مُخْبَراً بهما, فيجوزُ بقِلَّةٍ توَسُّطُ الحالِ بينَ المُخْبَرِ عنه والمُخْبَرِ به؛ كقولِه:
275- بِنَا عَاذَ عَوْفٌ وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ = لَدَيْكُمْ............([24])
وكقراءةِ بعضِهم: (مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا)([25]) وكقراءةِ الحسنِ(وَالسَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٍ بيَمِينِهِ)([26]) وهو قولُ الأخْفَشِ, وتَبِعَه الناظِمُ.
والحَقُّ أنَّ البيتَ ضَرورةٌ وأنَّ: (خَالِصَةً)([27]) و(مَطْوِيَّاتٍ) معمولانِ لصِلَةِ: (مَا) ولـ "قَبْضَتُه", وأنَّ (السماواتِ) عَطْفٌ على ضميرٍ مستترٍ في: (قَبْضَتُه)؛ لأنَّها بمعنى مَقْبوضَتِه, لا مبتدأٌ, و(بيَمِينِهِ) معمولُ الحالِ, لا عَامِلُها([28]).


([1]) من المواضعِ التي يَجِبُ فيها تأخيرُ الحالِ عن صَاحِبِها أنْ تكُونَ الحالُ جملةً مُقترِنةً بالواوِ، نحوَ: (جاءَ زَيْدٌ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ). فلا يَجوزُ أنْ تقولَ في هذا المثالِ: جاءَ والشمسُ طَالِعَةٌ زَيْدٌ، والسرُّ في ذلك أنَّ الأصلَ في الواوِ أنْ تكُونَ للعطفِ، ولا يَجوزُ عندَما تكونُ عاطفةً تقديمُها على المعطوفِ عليه، فَرَاعَوْا في واوِ الحالِ ما رَاعَوْهُ في واوِ العطفِ.

([2]) سورة الأنعامِ، الآية:48.

([3]) اختَلَفَ النحاةُ في جوازِ تقديمِ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بحرفِ جَرٍّ أصْلِيٍّ، فذهَبَ ابنُ مَالِكٍ في عامَّةِ كُتُبِه وأبو عليٍّ الفارسيُّ وابنُ بُرْهانَ إلى أنَّ تَقدِيمَ الحالِ على صَاحِبِها المجرورِ بحرفِ جرٍّ أصْلِيٍّ جائزٌ مُطْلقاً.
وذهَبَ جمهورُ البصْرِيِّينَ إلى أنَّ ذلك لا يَجوزُ مُطْلقاً.
وفَصَّلَ الكُوفِيُّونَ، فأجازوا التقديمَ في ثلاثِ مَسائِلَ: أولاها: أنْ يكُونَ المجرورُ ضميراً نحوَ قولِكَ: "مَرَرْتُ بكِ ضَاحِكَةً". فإنّه يَجوزُ لك أنْ تَقولَ: "مَرَرْتُ ضَاحِكَةً بِكِ". وثانيها: أنْ يكُونَ المجرورُ أحدَ اسميْنِ, عُطِفَ ثانيهما على المجرورِ نحوُ قولِكَ: "مَرَرْتُ بزيدٍ وعَمْرٍو مُسرِعِينَ". فإنَّه يَجوزُ أنْ تقولَ: "مَرَرْتُ مُسرِعِينَ بزيدٍ وعَمْرٍو". وثالثَتُها: أنْ يكُونَ الحالُ جملةً فعليَّةً، نحوَ قولِكَ: "مَرَرْتُ بهِنْدٍ تَضْحَكُ". فإنَّه يَجوزُ لك أنْ تقولَ: "مَرَرْتُ تَضْحَكُ بهِنْدٍ" – ومَنعَوه فيما عدا ذلك.
وقولُنا في بيانِ موضعِ الخلافِ: (حرفُ جَرٍّ أصْلِيٌّ). احترازٌ عن المجرورِ بحرفِ جَرٍّ زَائِدٍ، فإنَّ جَمِيعَ النحاةِ مُتَّفِقونَ على جوازِ تقديمِ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بحرفِ جَرٍّ زَائِدٍ، نحوُ قولِكَ:َا جَاءَنِي مِن أحَدٍ مُبَشِّراً". فإنه يجوزُ لك في هذا المثالِ أنْ تقولَ: ما جَاءَنِي مُبَشِّراً من أحَدٍ. ونحوُ: (ما رأيتُ مِن أحدٍ رَاكِباً). فإنَّه يجوزُ لك في هذا المثالِ أنْ تقولَ: ما رأيتُ رَاكِباً من أحَدٍ، وإنَّما كانَ هذا مما لا يختلِفُ فيه أحَدٌ؛ لأنَّ هذا المجرورَ بالحرفِ الزائدِ عندَ التحقيقِ فَاعِلٌ أو مفعولٌ.
أمَّا الذينَ أجازوا تقديمَ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بحرفِ جرٍّ أصْلِيٍّ فقد اسْتَدَلُّوا على صِحَّةِ ما ذَهَبُوا إليهِ بالنصِّ وبالقياسِ، فأمَّا النصُّ فآياتٌ من الكتابِ الكريمِ وأبياتٌ من شعرِ العربِ، وسيأتي في كلامِ المُؤلِّفِ وكلامِنا عليه جملةٌ من ذلك، وأمَّا القياسُ فحاصلُه أنَّ المَجْرورَ بالحرفِ مفعولٌ في المعنَى، وقدْ جَوَّزَ العلماءُ كًُلُّهم أجمعونَ تَقْدِيمَ الحالِ على صاحبِها إذا كانَ مفعولاً به، فيَجِبُ أنْ يَجوزَ تقديمُ الحالِ على صاحبِها إذا كانَ مَفْعولاً معنًى؛ لأنَّه لا يخرُجُ عن كونِه مفعولاً.
وأمَّا المَانِعونَ فقَدْ التَزَموا رَدَّ أدلةِ القائلِينَ بالجوازِ، فأمَّا الأبياتُ فَقَالوا: إِنَّها شعرٌ، وما كانَ دِليلُه الشِّعْرَ وحْدَه، ولم يجِدْ في كلامِ العربِ المنثورِ مثلَه؛ فإنَّه لا يَثْبُتُ؛ لأنَّ ما سبيلُه الشعرُ وَحْدَه يُعْتَبَرُ ضرورةً، وأمَّا الآياتُ فَذَكَروا أنَّها تَحْتَمِلُ وجوهاً من الإعرابِ غيرَ الوَجْهِ الذي ذكَرَه المُجِيزُونَ، والدليلُ متى احتَمَلَ وَجْهاً أو وُجوهاً أخْرَى لم يَبْقَ مُستَنَداً صَالِحاً للاستدلالِ، وأمَّا قياسُ المجرورِ على المفعولِ فزَعَموا أنَّ بينَهما فَرْقاً، وحاصلُه اختلافُ العامليْنِ؛ لأنَّ الفعلَ المُتعدِّيَ بحرفِ الجرِّ ضعيفٌ، والعاملَ الضعيفَ لا يَقْوَى على العملِ معَ التغييرِ في ترتيبِ مَعْمولاتِه.
هذا، ومِمَّا هو جديرٌ بالذِّكْرِ هنا أمرانِ:
الأمْرُ الأوَّلُ: أنَّه يَلْحَقُ بحرفِ الجَرِّ الأصليِّ كلُّ حَرْفٍ زَائِدٍ تَجِبُ زيادتُه أو تَغلِبُ، فأمَّا الحرفُ الزائدُ الذي تجِبُ زيادتُه فنحوُ الباءِ التي تَجِبُ زيادتُها في فاعلِ أفْعَلِ التعَجُّبِ الذي على صورةِ الأمرِ، نحوُ قولِكَ: "أكْرِمْ بأَبِي بَكْرٍ مُشْفِقاً". وأمَّا الباءُ التي تَغْلِبُ زيادتُها فنحوُالباءِ الزائدةِ في فاعلِ كَفَى، نحوُ قولِكَ:َفَى بزَيْدٍ زَاِئراً" والخلافُ الذي تَقَدَّمَ إيضاحُه يَجْرِي في هذا النوعِ، فمَن جَوَّزَ التقديمَ على المجرورِ بالحرفِ الأصليِّ جَوَّزَ ههنا, ومَن لم يُجَوِّزِ التقديمَ على المجرورِ بالحرفِ الأصليِّ لم يُجَوِّزْ ذلك فيهما.
الأمرُ الثاني: أنَّ الأسبابَ التي تمنَعُ من تقديمِ الحالِ على صاحبِها تِسْعَةٌ, ذكَرَ المُؤلِّفُ منها ثلاثةً: أنْ يكُونَ صاحبُها مجروراً بحرفِ جَرٍّ أصليٍّ، على الإيضاحِ الذي بَيَّنَّاهُ، وأنْ يكُونَ صاحبُها مَجْروراً بإضافةِ غَيْرِه إليهِإضافةً مَحْضَةً، أو مُطْلقاً، وأنْ تكُونَ الحالُ مَحْصورةً– وقد بَقِيَ سِتَّةُ أسبابٍ لم يَتعرَّضِ المُؤلِّفُ لها، ونحن نذكُرُها لك هنا بإيجازٍ– معَ إفادتِنا إيَّاكَ أنَّ المُؤلِّفَ ذَكَرَ كلَّ هذهِ المسائلِ عندَ الكلامِ على امتناعِ تَقَدُّمِ الحالِ على العاملِ فيها, فنَقولُ:
الأولُ: أنْ يكُونَ العامِلُ في صاحبِ الحالِ (كأنَّ) الذي هو حَرْفُ تَشْبيهٍ، نحوُ قَولِكَ: "كأَنَّ زَيْداً أسَدً غَاضِباً". لا يَجوزُ لك أنْ تقولَ: "كأنَّ غَاضِباً زَيْداً أسَدٌ".
الثاني: أنْ يكُونَ العامِلُ (لَعَلَّ) الذي هو حَرْفُ تَرَجٍّ، نحوُ قَوْلِكَ: "لَعَلَّ محمداً مُقْبِلٌ علينا مُبَشِّراً". فلا يَجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (لَعَلَّ مُبَشِّراً مُحمداً مُقْبِلٌ عَلَينا).
الثالثُ: أنْ يكُونَ العامِلُ (لَيْتَ) الذي هو حَرْفُ تَمَنٍّ، نحوُ قولِكَ: "ليتَ الأستاذَ حاضِرٌ مُشْفِقاً عَلَيْنَا". فلا يَجوزُ لك أنْ تقولَ: "ليتَ مُشْفِقاً علينا الأستاذُ حاضِرٌ".
ويجمَعُ هذه الثلاثةَ قولُنا: (أنْ يكُونَ العامِلُ مَعْنوِيًّا).
الموضِعُ الرابعُ:
أنْ يكُونَ العامِلُ في صاحبِ الحالِ فعلُ تَعَجُّبٍ، نحوُ قولِكَ: "ما أحْسَنَ هِنْداً مُسْفِرَةً". فلا يجوزُ لك أنْ تقولَ: "ما أحْسَنَ مُسْفِرَةً هِنْداً".
الخامِسُ: أنْ يكُونَ صاحبُ الحالِ ضَميراً مُتَّصِلاً بصلةِ أل، نحوُ قولِكَ: "القَاصِدُكَ مُعْطِياً زَيْدٌ". فمُعْطِياً: حالٌ من ضميرِ المخاطَبِ في "القاصدُكَ"، ولا يَجوزُ تقديمُه، فليسَ لكَ أنْ تقولَ: "مُعْطِياً القَاصِدُكَ زَيْدٌ".
السادِسُ: أنْ يكُونَ صاحِبُ الحالِ مَعْمولاً لحرفٍ مَصْدَرِيٍّ، مثلُ أنِ المَصْدريَّةِ، وذلك نحوُ قولِكَ: "يُعْجِبُنِي أنْ ضَرَبْتَ هِنْداً مُؤَدِّباً" فمُؤَدِّباً: حالٌ من تَاءِ المُخاطَبِ الواقعةِ فَاعِلاً في ضَرَبْتَ المعمولِلـ"أنْ"، فلا يَجوزُ لك أنْ تقولَ: "يُعْجِبُنِي مُؤَدِّباً أنْ ضَرَبْتَ هِنْداً".
وفي هذا القدرِ كفايةٌ، واللهُ المسؤولُ أنْ ينفَعَكَ به.

([4]) سورة سبأٍ، الآية: 28.

([5]) 273-لم أجِدْ أحداً نَسَبَ هذا الشاهدَ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وهذا الذي أنْشَدَه المُؤلِّفُصَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*بذِكْرَاكُمُ حَتَّى كَأَنَّكُمْ عِنْدِي*
اللغةُ: (تَسَلَّيْتُ) تَصَبَّرْتُ وتَكلَّفْتُ العزاءَ والجَلَدَ والسُّلوانَ، وكذلك كُلُّ فعلٍ على وِزانِ تَفَعَّلَ، يدُلُّ على أنَّ الفاعلَ يَتكَلَّفُ الفعلَ؛ ليُصْبِحَ من عَادَتِه وسَجَاياه، ونظيرُه: تَحَلَّمَ، وتَكَرَّمَ، وتَشَجَّعَ، وتَجَلَّدَ، وتَعَزَّى، وتَنَبَّلَ، وانظُرْ قولَ الشاعرِ:
تَحَلَّمْ عَنِ الأَذَنَيْنِ واسْتَبِقْ وُدَّهُمْ = ولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّمَا
وإلى قولِ الآخرِ:
تَجَلَّدْتُ حَتَّى قِيلَ: لَمْ يَعْرُ قَلْبَهُ = مِن الوَجْدِ شَيْءٌ، قُلْتُ: بَلْ أعْظَمُ الوَجْدِ
ُرًّا) بضَمِّ الطاءِ وتشديدِ الراءِ– معناه: جَمِيعاً، والأصلُ في هذهِ الكلمةِ ألا تُستعمَلَ إلاَّ حالاً، تقولُ: جاءَ القومُ طُرًّا. تُرِيدُ أنَّهم جاؤوا جميعاً, (بينَكم) البَيْنُ – بفتحِ الباءِ وسكونِ الياءِ المُثنَّاةِ– أصلُه الانفصالُ والبُعْدُ والفِراقُ، وتَقولُ: بانَ الشيءُ عن الشيءِ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونَةً، إذا انفَصَلَ عنه بعدَ اتِّصالٍ (بذِكْرَاكُم) الذِّكْرَى – بكسرِ الذالِ المعجمةِ وسكونِ الكافِ– التَّذَكُّرُ.
الإعرابُ: (تَسَلَّيْتُ) تَسَلَّى: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ على آخرِه لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المتكلِّمِ فاعلُه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ رفعٍ,ُرًّا) حالٌ من ضميرِ المُخاطَبِينَ المجرورِ مَحَلاًّ بعَن, (عنكم) عن: حرفُ جرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ المخاطَبِينَ في محلِّ جَرٍّ بعن، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بتَسَلَّى, (بعدَ) ظرفُ زمانٍ مَنْصوبٌ بتَسَلَّيْتُ, منصوبٌ وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ، وبعدَ مضافٌ, وبَيْنَ من (بَيْنِكم) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، و"بَيْنِ" مضافٌ, وضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ جرٍّ، والميمُ حرفُ عِمادٍ,"بذِكْرَاكُم" الباءُ حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ وذِكْرَى: مَجْرورٌ بالباءِ وعلامةُ جَرِّه كسرةٌمُقدَّرَةٌ على الألفِ منَعَ من ظُهورِها التعَذُّرُ, والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بتَسَلَّى, وذِكْرَى مُضافٌ, وضميرُ المُخاطَبِين َمضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ والميمُ حَرْفُ عِمَادٍ,َتَّى) حرفُ ابتداءٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,"كأنَّكم" كأنَّ: حرفُ تَشْبيهٍ ونَصْبٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ المُخاطَبينَ اسمُ كأنَّ مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ,"عندي" عندَ: ظرفُ مكانٍ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ كأنَّ، وعندَ مضافٌ وياءُ المُتكلِّمِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ جَرٍّ.
الشاهدُ فيه قولُه: (طُرًّا). فإِنَّه حالٌ، ومعناه: جَمِيعاً، وصاحِبُ هذا الحالِ الكافُ التي هي ضميرُ المخاطَبِ في قولِه: (عَنْكم). وهذه الكافُ مجرورةُ المحلِّ بعَنْ، وقدْ تَقدَّمَ الحالُ على صاحبِه، وقدْ ذَكَرَ المصنِّفُ أنَّ ذلك غيرُ جائزٍ إِلاَّ في ضرورةِ الشِّعْرِ، وحُكِيَ عن الفارسيِّ وابنِ جِنِّي وابنِ كَيْسَانَ تجويزُ ذلك في السَّعةِ، وشارَكَهم في القولِ بجوازِ التقديمِ ابنُ بُرْهانَ وابنُ مَلَكونَ وبعضُ الكُوفِيِّينَ.
وحُكِيَ عن ابنِ مَالِكٍ أنَّه صحَّحَ في هذهِ المسألةِ قولَهم، وذلك أنَّه قالَ في شرحِ التسهيلِ: (وجَوازُ التقديمِ هو الصحيحُ؛ لوُرودِه في الفصيحِ؛ كقولِه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ} فكَافَّةً – على هذا – حالٌ من الناسِ، وصاحِبُ الحالِ مَجْرورٌ باللامِ، وقد تَقدَّمَ الحالُ على صاحبِه المجرورِ).
ومِمَّا ورَدَ فيه تقديمُ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بحرفِ الجَرِّ قولُ عَبْدِ الرحمنِ بنِ حَسَّانَ– وهو من شِعْرِ الحماسةِ:
إِذَا المَرْءُ أعْيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً = فمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ
الشاهدُ فيه قولُه: "كَهْلاً". فإِنَّه حالٌ مِن الهاءِ المجرورةِ مَحَلاًّ بعلى في قولِه: "عليه".
وكذلك قولُ عروةَ بنِ حِزَامٍ، وقيلَ: كُثَيِّرُ عَزَّةَ. وقيلَ: قَائِلُه هو المَجنونُ:
لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً = إلَيَّ حَبِيباً إِنَّها لَحَبِيبُ
الشاهدُ فيه قولُه: "هَيْمَانَ صَادِياً". فإِنَّهما حالانِ من الياءِ المجرورةِ مَحَلاًّ بإلى في قولِه: (إلَيَّ).
ومنه قولُ الآخرِ"ولم أعثُرْ على نسبتِه":
غَافِلاً تَعْرِضُ المَنِيَّةُ للمَرْ = ءِ فيُدْعَى وَلاتَ حِينَ إِبَاءِ
الشاهدُ فيه قولُه: "غَافِلاً". فإنه حالٌ من "المرءِ" المجرورِ باللامِ، وقدْ تَقدَّمَ عليه.
ومِمَّا حَمَلوه على هذا قولُه تعالى: {وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}. فقد أعرَبوا {عَلَى قَمِيصِهِ} على أنَّه جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن (دَمٍ) المجرورِ بالباءِ، وقد تَقدَّمَ الحالُ كما ترَى، وجعَلَ الزَّمخشريُّ {عَلَى قَمِيصِهِ} في مَحلٍّ نصبٍ على الظرفيَّةِ، وكأنَّه قد قِيلَ: وجَاؤُوا فوقَ قَمِيصِه بدَمٍ كَذَبٍ. وإنما ذهَبَ إلى هذا؛ فِراراً من تقدُّمِ الحالِ على صاحبِها المجرورِ، ولم يُقِرَّه العلماءُ على ذلك؛ لأنَّ المَعْنَى لا يُساعِدُ عليه.

([6]) هذا التخريجُ مِمَّا ذكَرَه الزجَّاجُ، ولم يَرْتَضِه ابنُ مالكٍ، وعَلَّلَ ردَّه بأنْ مجيءَ التاءِ للمبالغةِ سَمَاعِيٌّ في أمثلةِ المبالغةِ مثلُ عَلاَّمَةٍ، وإنْ جَاءَتْ في بعضِ أمثلةِ اسمِ الفاعلِ, مِثْلُ راويةٍ فهو شَاذٌّ, لا يُقاسُ عليه، والمعروفُ أنَّه لا يَجوزُ حَمْلُ الفصيحِ على الشاذِّ، خُصوصاً إذا وُجِدَ له مَحْمَلٌ آخرُ لا شُذُوذَ فيه.

([7]) وجعَلَ الزَّمَخشريَُّافَّةً} صفةَ موصوفٍ مَحْذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: وما أرْسَلناكَ إلا رِسالةً كَافَّةً، ورُدَّ هذا التخريجُ بوجهيْنِ: الأولُ: أنَّ كلمةََافَّةً} لا تُستعمَلُ في الكلامِ العَرَبِيِّ إلاَّ حَالاً، فجَعْلُها صِفةً يُنافِي ما ثبَتَ لها من ذلك، والوجهُ الثاني: أنَّ حذفَ الموصوفِ وإِقامةِ صفتِه مقامَه إِنَّما عُهِدَ في صفةِ اعْتِيدَ استعمالُها معَ هذا الموصوفِ، و{كَافَّةً} معَ رسالةٍ ليسَ من هذه البابةِ.

([8]) أمَّا ادِّعاءُ أنَّ تقديمَ الحالِ المحصورةِ مُمْتنِعٌ فغيرُ مُسَلَّمٍ، فقد صرَّحَ البصْرِيُّونَ والكِسائيُّ والفرَّاءُ وابنُ الأنباريِّ بجوازِ تقديمِ المفعولِ المحصورِ، ولا فرقَ بينَه وبينَ الحالِ، وأمَّا تَعدِّي (أرْسَلَ) باللامِ، فقد ورَدَ في قولِه تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}.

([9]) إذا كانَتِ الإضافةُ مَحْضَةً فقَدْ أجمَعوا على لزومِ تأخيرِ الحالِ، وإنْ كانَتْ غيرَ مَحْضةٍ نحوَ: "هذا شَارِبُ السَّوِيقِ مَلْتُوتاً الآنَ أو غَداً"- جَازَ التقديمُ، ذكَرَه الناظِمُ في (التسهيلِ)، وأنكَرَه ابنُه عليه.

([10]) سورة الحِجْرِ، الآية: 47.

([11]) سورة الحُجراتِ، الآية: 12.

([12]) سورة النحلِ، الآية: 123.

([13]) سورة يونسَ،الآية: 4.

([14]) إنَّما لم يَجُزْ أنْ تَتقدَّمَ الحالُ على صاحبِها المجرورِ بالإضافةِ في نحوِ: "أعْجَبَنِي وَجْهُ هِنْدٍ مُسْفِرَةً"؛ لأنَّها لو تَقَدَّمَتْ على صاحبِها لَوقَعَتْ إِمَّا بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ, فكنتَ تقولُ في هذا المثالِ: "أعْجَبَنِي وَجْهُ مُسْفَرَةً هِنْدٍ". فتفصِلُ بينَ المضافِ, الذي هو وَجْهُ, والمضافِ إليه الذي هو "هِنْدٍ"، بالحالِ الذي هو "مُسْفِرَةً"، وقد عَلِمْتَ أنَّ المضافَ والمضافَ إليه كالكلمةِ الواحدةِ، فالفصلُ بينَهما كالفصلِ بينَ أجزاءِ الكلمةِ الواحدةِ، وهو لا يَجوزُ، وإِمَّا أنْ تقَعَ قبلَ المضافِ, فكُنْتَ تَقولُ في المثالِ المذكورِ: "أعْجَبَنِي مُسْفِرَةً وَجْهُ هِنْدٍ" فكُنْتَ تُقَدِّمُ ما يَتعلَّقُ بالمضافِ إليه على المضافِ، وقَدْ عَلِمْنَا أنَّ منزلةَ المضافِ من المضافِ إليه كمنزلةِ الموصولِ من الصلةِ، فإِنَّ الموصولَ يَتعرَّفُ بالصلةِ, والمضافَ يَتعرَّفُ بالمضافِ إليه، فلَمَّا تَشابَهَتْ منزِلَتُهما, أخَذَ المضافُ والمضافُ إليه حكمَ الصلةِ والموصولِ، ومن حُكْمِ الصلةِ معَ الموصولِ ألاَّ يَتقدَّمَ بعضُ مَعْمولاتِها على الموصولِ، فكذلك لا يَتقدَّمُ ما يَتعلَّقُ بالمضافِ إليه على المضافِ.
هذا في الإضافةِ المَحْضةِ– كالمثالِ الذي صَدَّرْنا بهِ هذا الكلامَ, أمَّا المجرورُ بالإضافةِ غيرِ المَحْضةِ, وهي اللفظيَّةُ التي لا تُفِيدُ تَعريفاً ولا تخصيصاً، وإنَّما تُفِيدُ التخفيفَ أو رَفْعَ القُبْحِ – فقد قَدَّمْنا لك أنَّ ابنَ مالكٍ أجازَ في (شرحِ التسهيلِ) تقديمَ الحالِ على صاحبِها، مثالُ هذهِ الإضافةِ اللفظيَّةِ: "زَيْدٌ شَارِبُ السَّوِيقِ مَلْتُوتاً", يجوزُ أنْ تقولَ ذلك، وأنْ تقولَ: زَيْدٌ شَارِبُ مَلْتُوتاً السَّوِيقِ– بجَرِّ السويقِ، والفصلِ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالحالِ، وعلَّلَ ابنُ مالكٍ ذلك الجوازَ بأنَّ الإضافةَ اللفظيَّةَ على نِيَّةِ الانفصالِ, فلا يُعْتَدُّ بها، ولم يَرْتَضِ ابنُه بَدْرُ الدينِ هذا الكلامَ.
هذا، وقد اختَلَفَ النحاةُ: هل يَجوزُ أنْ يَجِيءَ الحالُ من المضافِ إليه في غيرِ هذه المسائلِ الثلاثِ التي ذكَرَها المُؤلِّفُ؟ فذهَبَ أبو عَلِيٍّ الفارسيُّ إلى الجوازِ، ونقَلَه عنه ابنُ الشجريِّ في أماليهِ، وادَّعَى ابنُ مالكٍ الإجماعَ على أنَّه لا يجوزُ مجيءُ الحالِ من المضافِ إليه في غيرِ المسائلِ الثلاثِ التي ذكَرَها المُؤلِّفُ تَابِعاً له فيها.
ومِمَّا جاءَ فيه الحالُ من المضافِ إليه وليسَ وَاحِداً منها قولُ تأبَّطَ شَرًّا:
سَلَبْتَ سِلاحِي بَائِساً وشَتَمْتَنِي = فَيَا خَيْرَ مَسْلُوبٍ ويَا شَرَّ سَالِبِ
الشاهدُ فيه قولُه: "بَائِساً". فإِنَّه حالٌ من ياءِ المُتكَلِّمِ في سلاحي.
ومثلُه قولُ زيدِ الفوارسِ:
عَوْذ وبُهْتَة حَاشِدُونَ عَلَيْهِمُ = حِلَقُ الحَدِيدِ مُضاعَفاً يَتَلَهَّبُ

([15]) هذا الذي ذكَرَه المُؤلِّفُ– من جوازِ تقديمِ الحالِ على عاملِها إذا كانَ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً أو صِفَةً تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ مطلقاً، واستدَلَّ له بالآيةِ الكريمةِ وبالمثلِ وببيتِ يَزِيدَ بنِ مفرغٍ الحِمْيريِّ – هو مذَهَبُ جمهورِ البصْرِيِّينَ، وذهَبَ الجَرْمِيُّ إلى أنه لا يجوزُ تقديمُ الحالِ على عاملِها مطلقاً، وذهَبَ الأخفشُ إلى أنَّه لا يجوزُ تقديمُ الحالِ على عاملِها إذا فُصِلَ بينَ العاملِ والحالِ بفاصلٍ نحوُ قولِكَ: "زيدٌ جاءَ رَاكِباً". لا يَجوزُ عندَهما أنْ تقولَ في هذا المثالِ: رَاكِباً زَيْدٌ جَاءَ. ومن هنا تَفَهَمُ السرَّ في استدلالِ المُؤلِّفِ بالآيةِ الكريمةِ التي تَرِدُ على الأخفشِ، وأمَّا المثلُ والبيتُ فيرُدَّانِ على الجَرْميِّ.

([16]) سورة القمرِ، الآية:7.

([17]) هذا مثلٌ من أمثالِ العربِ، يقولونَه عندَما يُرِيدونَ أن يُعَبِّروا عن اختلافِ الناسِ في الأخلاقِ معَ أنَّ أصلَهم واحدٌ، وقد أشارَ المُؤلِّفُ إلى معنى مُفرداتِه، فشَتَّى: جَمْعُ شَتِيتٍ، مثلُ جَرْحَى معَ جَرِيحٍ، ومعنَى شَتِيتٍ: مُتفَرِّقٌ، و"تَؤُوبُ" أي: تَرْجِعُ، تقولُ: آبَ يَؤُوبُ أَوْباً– مثلُ قالَ يَقُولُ قَوْلاً– ومآباً، والمعنَى: رجَعَ، والحَلَبَةُ: جَمْعُ حَالِبٍ – بوزنِ قَاتِلٍ وقَتَلَةٍ وفاجِرٍ وفَجَرَةٍ وفاسِقٍ وفَسَقَةٍ وكَاتِبٍ وكَتَبَةٍ – وأصلُ المثلِ أنَّ أصحابَ الإبلِ والبقرِ وسائرِ النَّعَمِ عندَما يُرِيدونَ أنْ يَرِدوا الماءَ ليَسْقُوا نَعَمَهم يَرِدُونَ مُجْتَمِعِينَ، وعندَما يُرِيدُونَأنْ يَحْلُبُوا مَاشِيَتَهم يَحْلُبُونها مُتفرِّقِينَ، فيَحْلُبُ كلُّ واحدٍ منهم ماشيتَه على حِدَةٍ، و"شَتَّى" حالٌ من الحَلَبَةِ الواقعِ فاعلاً لتَؤُوبُ، وقد تَقدَّمَ هذا الحالُ على صاحبِها وعلى العاملِ فيه أيضاً، وإنَّما ساغَ هذا التقَدُّمُ؛ لكونِ هذا العاملِ فِعْلاً مُتصرِّفاً، فهو من القُوَّةِ بحيثُ يَعْمَلُ متأخِّراً أو مُتقَدِّماً.
فلو لم يَكُنِ العاملُ فِعْلاً متصرِّفاً ولا صِفَةً تُشْبِهُ الفعلَ المتصرِّفَ – بأنْ كانَ فِعْلاً جَامِداً كفِعْلِ التعَجُّبِ في نحوِ:َا أَحْسَنَ زَيْداً مُقْبِلاً على مَا يَنْفَعُهُ", أو كانَ صِفَةً تُشْبِهُ الجامدَ كأفعلَ التفضيلِ في نحوِ: "محمدٌ أفصحُ الناسِ مُتحَدَّثاً" أو كانَ اسمَ فِعْلٍِ نحوَ قولِكَ: "نَزَالِ مُسْرِعاً". أو كانَ مَعنويًّا؛ كالحروفِ التي عَمِلَتْ بشَبَهِها في المعنَى بالفعلِ, وكالجارِّ والمجرورِ والظرفِ نحوَ قولِكَ:َيْتَ عَلِيًّا زَائِرُنا مُخْلِصاً، وإبراهيمُ في الدَّارِ جَالِساً، وخالِدٌ عندَكَ مُنْصِتاً" – فلا يَجوزُ تقديمُ الحالِ على عاملِها في شيءٍ من ذلك، ولا فيما أشْبَهَهُ.

([18]) قدْ سبَقَ الاستشهادُ بهذا الشاهدِ في بابِ الموصولِ (وهو الشاهدُرَقْمُ 55 السابقُ في الجزءِ الأولِ) وذكَرْنا هناكَ نسبتَه وتكملتَه، فارجِعْ إليه هناكَ.
والشاهدُ هنا قولُه: (تَحْمِلِينَ). فإنَّها جملةٌ من فعلٍ وفاعلٍ, موضعُها نصبٌ على الحالِ، وصاحِبُها هو الضميرُ المستترُ المرفوعُ في قولِه: (طَلِيقُ). الذي هو خَبَرٌ عن اسمِ الإشارةِ, ويَكُونُ العامِلُ في الحالِ هو قولُه: (طَلِيقُ). وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كما ذكَرَ المُؤلِّفُ، فيَكُونُ في الشاهدِ دَلِيلٌ على جوازِ تَقدُّمِ الحالِ على عَامِلِها معَ كونِ العاملِ صِفَةً مُشبَّهَةً، وتقديرُ الشاهدِ: وهذا طَلِيقٌ حالَ[مع؟؟] كونِه محمولاً لكِ، وفي الموضِعِ الذي أحَلْناكَ عليهِ إعرابٌ آخَرُ للكُوفِيِّينَ يَجْعَلونَ فيه (هَذَا) اسماً مَوْصولاً بمعنَى "الذي" مُبْتَدأٌ، وجملةَُحْمِلِينَ) صِلَتُه، و(طَلِيقُ) خَبَرُه، وتقديرُه عندَهم: والذي تَحْمِلِينَه طَلِيقُ. وهو مردودٌ.

([19]) هذه المسائلُ الستُّ هي التي ذكَرْناها فيما سبَقَ (ص280) زيادةً على المُؤلِّفِ وقُلْنا: إنَّه لا يَجوزُ أنْ يَتقدَّمَ في كلِّ واحدةٍ منها الحالُ على صاحبِها، فلا تَغْفُلْ عن ذلك، واعرْفِ الآنَ– مِمَّا ذكَرَه المُؤلِّفُ– أن يَجِبَ في كلِّ واحدةٍ منها أيضاً أنْ يَتأخَّرَ الحالُ عن العاملِ فيها، فيَجتمِعَ فيها أمرانِ: أنْ تَتأخَّرَ عن صاحبِها، وأنْ تَتأخَّرَ عن العاملِ أيضاً.

([20]) سورة النملِ، الآية: 52.

([21]) 274-هذا الشاهدُ من كلامِ امْرِئِ القيسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
َدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي*
وهذا البيتُ من قصيدةٍ له مُستجادَةٍ، ومَطْلِعُها قولُه:
ألا عِمْ صَباحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِي = وهَلْ يَعِمْنَ مَن كَانَ في العُصُرِ الخَالِي
وهَلْ يَعِمْنَ مَن كَانَ أحْدَثُ عَهْدِهِ = ثَلاِثينَ شَهْراً فِي ثَلاثةِ أحوالِ
وقدْ تَقدَّمَ شاهدٌ من هذهِ القصيدةِ في بابِ المُعْرَبِ والمَبنِيِّ في مباحثِ الجمعِ بألفٍ وتاءٍ مَزِيدتيْنِ، وهو الشاهدُ رَقْمُ 18.
اللغةُ: "عِمْ صَباحاً" هذه إحْدَى تَحِيَّاتِ العربِ في جاهِلِيَّتِهم، كانوا يقولونَ: عِمْ صَبَاحاً, وعِمْ مَسَاءً، وانعَمْ صَباحاً، وانْعَمْ مَسَاءً، وعِمْ ظَلاماً، وانعَمْ ظَلاماً. ومن الأخيرِة قولُ الشاعرِ، وسيأتي في شواهدِ بابِ الحكايةِ:
أَتَوْا نَارِي فقُلْتُ: مَنُونَ أنْتُمْ؟ = فقَالُوا: الجِنُّ، قُلْتُ: عِمُوا ظَلاماً
وقد اختَلَفَ العلماءُ في "عِمْ" فمِنهم مَن قالَ: هو أمْرٌ, مَاضِيهِ وَعَمَ مثلُ وَعَدَ ووَصَفَ ووَسَمَ, فكما تقولُ: وَعَدَ يَعِدُ عِدْ، ووَصَفَ يَصِفُ صِفْ، ووَسَمَ يَسِمُ سِمْ. تَقولُ: وَعَمَ يَعِمُ عِمْ. وقالَ قومٌ: أصلُه انْعَمْ، فحُذِفَتِ النونُ اعتباطاً للتخفيفِ، فاستُغْنِيَ بعدَ ذلك عن همزةِ الوصلِ,"الطَّلَلُ" كلُّ ما شَخَصَ وظَهَرَ وارتفَعَ من آثارِ الديارِ,"العُصُرِ الخَالِي" الزَّمَنُ الماضي الذَّاهِبُ في القِدَمِ,"وهَلْ يَعِمْنَ مَن كانَ أحْدَثُ عَهْدِه ... البيتَ". قالَ البطليوسيُّ: ذهَبَ بعضُ الرواةِ إلى أنَّ الأحوالَ ههنا جَمْعُ حَوْلٍ بمعنَى السنةِ، والوجْهُ عندي أنَّ الأحوالَ جَمْعُ حَالٍ، لا جَمْعُ حَوْلٍ، وإنَّما أرادَ كيفَ يَنْعَمُ مَن كانَ أقرَبُ عهدِه بالنعيمِ ثلاثِينَ شَهْراً، وقد تَعاقَبَتْ عليهِ ثلاثةُ أحوالٍ، وهي: اختلافُ الرياحِ عليهِ، وملازمةُ الأمطارِ له، والقِدَمُ المُغَيِّرُ لرسومِه, (كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويَابِساً ... البيتَ) هذا البيتُ في وصفِ عُقَابٍ سَريعةِ الاختطافِ صَيُودٍ، والعُنَّابُ– بضَمِّ العينِ وتشديدِ النونِ مفتوحةً– ضَرْبٌ من الفاكهةِ تُشْبِهُ به أنَامِلَ الحِسَانِ المَخْضوبةِ بالحِنَّاءِ، وشَبَّهَ به ههنا القلوبَ الرَّطْبَةَ من الطيرِ الذي صَادَتْهُ العُقابُ، والحَشَفُ: ضَرْبٌ من رَدِيءِ التمْرِ، شَبَّه به الجافَّ من قُلوبِ الطيرِ، يُرِيدُ أنَّها كثيرةُ الاصطيادِ للطَّيْرِ، وأنَّكَ تجِدُ عندَ عُشِّها قُلوباً كثيرةً من قلوبِ الطيرِ، بعضُها لا يزالُ رَطْباً فهو كالعُنَّابِ، وبعضُها قد جفَّ فهو كالحَشَفِ البالي.
الإعرابُ: (كَأنَّ) حرفُ تَشْبيهٍ ونصبٍ,ُلوبَ) اسمُ كأنَّ مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ, و(الطيرِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,َطْباً) حالٌ من اسمِ كأنَّ مَنْصوبٌ, وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ, (ويَابِساً) الواوُ حرفُ عطفٍ،يَابِساً: مَعْطوفٌ على قولِه: رَطْباً. منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ,َدَى" ظرفُ مكانٍ مَنْصوبٌ بفتحةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ منَعَ من ظُهورِها التعَذُّرُ، وهو مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ, حالٌ من قلوبِ الطَّيْرِ، وهو مضافٌ, و"وَكْرِ" من "وَكْرِها" مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ. و"وَكْرِ" مضافٌ وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى العُقابِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ جرٍّ,"العُنَّابُ" خَبَرُ كأنَّ مرفوعٌبالضمَّةِ الظاهرةِ,"والحَشَفُ" الواوُ حرفُ عطفٍ، الحَشَفُ: معطوفٌ على العُنَّابِ,"البالي" نعتٌ للحشَفِ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على الياءِ, منَعَ من ظهورِها الثِّقَلُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (رَطْباً ويَابِساً). فإِنَّهما حالانِ من (قُلُوبَ الطَّيْرِ) والعامِلُ في الحاليْنِ وصاحبِهما هو قولُه: (كأنَّ). وهو حرفٌ مُتضمِّنٌ معنَى الفعلِ دونَ حروفِه، فإنَّ معناه أشْبَهُ، ولا يَجوزُ في مثلِ هذهِ الحالِ أنْ تَتقدَّمَ على عاملِها.
ولا يَخْفَى عليكَ أنَّ جَمْعَ التكسيرِ يَجوزُ في الضميرِ العَائِدِ إليه التذكيرُ والتأنيثُ، فلا اعتراضَ على قولِه: (رَطْباً ويَابِساً).

([22]) اللامُ التي في (لَأصْبِرُ مُحْتَسباً) هي لامُ الابتداءِ، واللامُ التي في (لَأعْتَكِفَنَّ صَائِماً) هي لامُ القَسَمِ، وكلٌّ من لامِ الابتداءِ ولامِ القسمِ له الصدارةُ، على معنَى أنَّه يَجِبُ أنْ يكُونَ كلٌّ منهما في أولِ الكلامِ، وعلى هذا لا يَجوزُ أنْ يَتقدَّمَ معمولُ ما اتَّصَلا به عليهما، وبعبارةٍ أخرَى لا يجوزُ أنْ يعمَلَ ما بعدَهما في شيءٍ قَبْلَهما، فأصْبِرُ وأَصُومُ كلُّ واحدٍ منهما فعلٌ مُتصرِّفٌ, كانَ يَصِحُّ أنْ يَتقدَّمَ الحالُ عليهما، لكنْ لَمَّا اتَّصَلَتْ بالأولِ لامُ الابتداءِ, وبالثاني لامُ القَسَمِ عَرَضَ لكلٍّ منهما عارِضٌ, هو اقترانُ الأولِ بلامِ الابتداءِ, واقترانُ الثاني بلامِ القَسَمِ، فمَنَعَه هذا العارِضُ من تقَدُّمِ أحدِ معمولاتِه عليه.

([23]) هذا التقديرُ الذي ذكَرَه المُؤلِّفُ هو تَقديرُ سِيبَوَيْهِ، وتوضيحُه في المثالِ الأولِ أنَّ قولَهم:ُسْراً). حالٌ من الضميرِ المُستتِرِ في (أطْيَبُ) على أنَّه فاعِلٌ، وقولَهم:ُطَباً). حالٌ من الضميرِ المجرورِ في (مِنه) وهذا الجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بـ"أطْيَبُ"، فيَكونُ صَاحِبَا الحاليْنِ من معمولاتِ أفعلَ التفضيلِ، وكأنَّ قائِلَ هذا الكلامِ قد قالَ: هذا في حالِ كونِه بُسْراً أطْيَبُ من نفسِه في حالِ كَوْنِه رُطَباً. وقد ارتَضَى هذا التقديرَ المازِنِيُّ وأبو عَلِيٍّ الفارسيُّ في التذكرةِ وابنُ كَيْسَانَ وابنُ جِنِّي.
وذهَبَ المُبرِّدُ والزجَّاجُ وابنُ السَّرَّاجِ وأبو سعيدٍ السِّيرافيُّ– ووافَقَهم أبو عليٍّ الفارسيُّ في الحلبياتِ– إلى أنَّ الناصبَ لهذيْنِ الحاليْنِ هو "كانَ" محذوفةٌ قبلَ كُلِّ حالٍ من الحاليْنِ، وهي تَامَّةٌ مسبوقةٌ بـ"إذْ" أو بـ"إِذَا"، وصاحِبُ الحاليْنِ هو الضميرانِ المستترانِ في "كانَ"، وتقديرُ الكلامِ: هذا إِذَا كانَ,"أي: وُجِدَ" بُسْراً أطْيَبُ منه إذا كانَ رُطَباً.
وذكَرَ أبو حَيَّانَ أنَّ بعضَ النحاةِ الذينَ جَرُوا على هذا التقديرِ جَعَلوا "كانَ" المُقدَّرَةَ ناقصةً، فيَكونُ الاسمانِ المنصوبانِ خبريْنِ لها، والتقديرُ هو التقديرُ.

([24]) 275-لم أقِفْ لهذا الشاهدِ على نسبةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ قطعةٌ من بيتٍ من الطويلِ، وهو بتمامِه:
بِنَا عَاذَ عَوْفٌ وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ = لَدَيْكُمْ، فَلَمْ يَعْدَمْ وَلاءً وَلاَ نَصْرَا
اللغةُ: (عاذَ) بمعنَى التَجَأَ وتَحَصَّنَ، (وعَوْفٌ) اسمُ رجُلٍ، وقولُه:َهْوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ) معناه: أنَّه ظَاهِرُ المَهانَةِ، والوَلاءُ: الموالاةُ والمناصرةُ، والنصْرُ: الإعانةُ، وقولُه: (وهْوَ) الواوُ فيه للحالِ.
الإعرابُ: (بِنَا) الباءُ حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, وضميرُ المُتكلِّمِ ومعَه غيرُه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ جرٍّ بالباءِ، والجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بعَاذَ, (عاذَ) فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ عل الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (عوفٌ) فاعلُ عَاذَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ, (وهْوَ) الواوُ واوُ الحالِ حرفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، هو: ضميرٌ مُنفصِلٌ, مبتدأٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ رفعٍ,َادِيَ) حالٌ من الضميرِ المُستقِرِّ في خَبَرِ المبتدأِ الذي هو قولُه: (لَدَيْكُمْ). الآتي، وبادِيَ مُضافٌ, و(ذِلَّةٍ) مضافٌ إليهِ مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,َدَيْكُمْ" لَدَى: ظرفُ مكانٍ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ, الذي هو الضميرُ المُنفصِلُ السابقُ، منصوبٌ بفتحةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ المُنقلبَةِ ياءً, منَعَ من ظُهورِها التعَذُّرُ، ولَدَى مُضافٌ, وضميرُ المُخاطَبِينَ مضافٌ إليهِ,"فلَمْ" الفاءُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، لم: حرفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقلبٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ، لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َعْدَمْ" فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلَمْ, وعلامةُ جَزْمِه السكونُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يعودُ إلى "عَوْفٌ",َلاءً" مفعولٌ بهِ لـ"يَعْدَمْ" منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ,"ولا" الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، لا: حرفٌ زائدٌ لتأكيدِ النفْيِ "نَصْراً" معطوفٌ على قولِه: ولاءً. منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه قولُه: (بَادِيَ ذِلَّةٍ). فإِنَّه – على ما ذهَبَ إليه جماعةٌ من النحاةِ، منهم الفرَّاءُ والأخفشُ– حالٌ, صاحبُه الضميرُ المستقِرُّ في خبرِ المبتدأِ؛ وذلك أنَّ قولَه: (هو) ضميرٌ منفصلٌ مبتدأٌ, وخبرُه مُتعلِّقُ الظرفِ الذي هو قَوْلُه:َدَيْكُمْ". وفي هذا الظرفِ ضَمِيرٌ مُستقِرٌّ مُنتقِلٌ من مُتعلَّقِه إليهِ, على ما هو معلومٌ، وقولُه: (بَادِيَ ذِلَّةٍ). الروايةُ فيه بالنصْبِ على أنَّه حالٌ من الضميرِ المُستكِنِ في الظرفِ، وتقديرُ الكلامَِاذَ بِنَا عوفٌ حالَ كونِه لَدَيْكُمْ بَادِيَ ذِلَّةٍ، فقَد تقدَّمَ الحالُ على العاملِ فيها, وهو (لَدَى), وذلك العاملُ ظَرْفٌ، وقد ذهَبَ الناظِمُ تَبَعاً للأخفشِ إلى جوازِ ذلك في سَعةِ الكلامِ، وخَرَّجا عليه ما ذكَرَه المُؤلِّفُ من الآياتِ، وهو عندَ الجمهورِ ضرورةٌ من ضروراتِ الشِّعْرِ، والآياتُ عندَهم على غيرِ التخريجِ الذي خَرَّجَاها عليه، ولا يَخْفَى عليكَ أنَّكَ لو جَعَلْتَ (بَادِيَ ذِلَّةٍ) حَالاً من (هو) على رأيِ سِيبَوَيْهِ الذي يُجِيزُ مَجِيءَ الحالِ من المبتدأِ- لم يَكُنْ في البيتِ شاهدٌ لهما على ما ذَهَبا إليه.

([25]) سورة الأنعامِ، الآية: 139، وهذه القراءةُ بنصْبِ (خَالِصَةً), وخَرَّجها الفَرَّاءُ والأخفشُ على أنََّالِصَةً) حالٌ, صاحبُه الضميرُ المُستتِرُ في الجارِّ والمجرورِ بعدَ حذفِ مُتعَلَّقِه، وهذا الجارُّ والمجرورُ خبرٌ عن ما الموصولةِ في قولِه: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ}. وما الموصولةُ المرادُ بها الأجِنَّةُ – جمعُ جَنِينٍ– ولذلك جاءَ الحالُ منهما بلفظِ المؤنَّثِ؛ فإنَّ التاءَ في (خَالِصَةً) على هذا الإعرابِ– تاءُ التأنيثِ، وإذا كانَ الأمرُ على هذا فقَدْ تَقدَّمَ الحالُ وهو (خَالِصَةً) على العاملِ فيها, وهو الجارُّ والمجرورُ, وعلى صاحبِها وهو الضميرُ المُستكِنُ في هذا الجارِّ والمجرورِ، في أفصحِ كلامٍ، وأصْلُ ترتيبِ النظْمِ: ما فِي بُطونِ هذهِ الأنعامِ لذُكُورِنا حَالَ كَوْنِها – أي: الأجنَّةِ – خَالِصَةً.

([26]) سورة الزُّمَرِ، الآية: 67، والقراءةُ المنسوبةُ للحسنِ البصْرِيِّ بنَصْبِ (مَطْوِيَّاتٍ)، وخَرَّجَها الفَرَّاءُ والأخفشُ على أنََّطْوِيَّاتٍ) حالٌ, صاحبُه الضميرُ المستترُ في الجارِّ والمجرورِ, وهو (بيَمِينِه) وهذا الجارُّ والمجرورُ خَبَرُ المبتدأِ الذي هو (السَّمَاواتُ) والعامِلُ في الضميرِ المستترِ هو الجارُّ والمجرورُ، وقد تَقدَّمَ الحالُ على العاملِ فيه الذي هو الجارُّ والمجرورُ في أفصحِ كلامٍ، فدَلَّ ذلك على الجوازِ.

([27]) التلاوةُ في الآيةِ الأولى:َقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لذُكُورِنَا}. وقد عَرَفْتَ أنه قد قُرِئَ في هذهِ الآيةِ بنصْبِ (خَالِصَةً) وأنَّ الفَرَّاءَ خرَّجَ هذهِ القراءةَ على أنََّالِصَةً) حالٌ من الضميرِ المستترِ في الجارِّ والمجرورِ الذي هو {لذُكُورِنَا} الواقِعُ خبراً للمبتدأِ, الذي هو الاسمُ الموصولُ في (مَا فِي البُطُونِ).
وجمهورُ البصْرِيِّينَ يَرُدُّونَ هذا الإعرابَ الذي لَزِمَ عليه تخريجُ الآيةِ على وَجْهٍ ضَعِيفٍ عندَهم، وقدْ جَعَلوا {مَا} اسماً مَوْصولاً مُبْتَدَأٌ، وِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ} جَارًّا ومجروراً مُتَعَلِّقاً بمحذوفٍ, صِلَةُ الموصولِ، و{خَالِصَةٌ} جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ، فلم يَتقَدَّمِ الحالُ على صاحبِه المعمولِ للجَارِّ والمجرورِ.

([28]) التلاوةُ في الآيةِ الثانيةِ:َالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِهِ} وقدْ عَرَفْتَ إعرابَ الفرَّاءِ والأخفشِ الذي أقرَّه ابنُ مَالِكٍ للجملةِ الثانيةِ من هذهِ الآيةِ الكريمةِ، فأمَّا جمهورُ النحاةِ البصْرِيِّينَ فلم يَرْتَضُوا هذا الإعرابَ، بل جَعَلوا (الأرضُ) مُبتدأً، و(قَبْضَتُهُ) خَبَرُ هذا المبتدأِ، وفي (قَبْضَتُهُ) ضَمِيرٌ مُستتِرٌ على أنَّه نَائِبُ فاعِلٍ؛ لأنََّبْضَتُهُ) بمعنَى مَقْبُوضتِه، فهو اسمُ مفعولٍ، واسمُ المفعولِ يرفَعُ نائبَ فاعِلٍ، وقولُه: (والسماواتُ). معطوفٌ على هذا الضميرِ المستترِ، وسَاغَ العَطْفُ على الضميرِ المرفوعِ بدونِ تَوْكِيدٍ؛ لأنه قد فَصَلَ بينَ مُتحمِّلِ الضميرِ والاسمِ المعطوفِ بقولِه: (يَوْمَ القِيَامَةِ). وقولُه سبحانَه: (مَطْوِيَّاتٍ). حالٌ من السماواتِ، و(بيَمِينِهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمَطوِيَّاتٍ، وليسَ خَبَراً, كما زعَمَ الفرَّاءُ، وهذا معنَى قولِ المُؤلِّفِ: و (بيَمِينِهِ) معمولُ الحالِ، لا عَامِلُها).



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


340 - وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفِ جَرٍّ قَدْ = أَبَوْا، ولا أَمْنَعُه فَقَدْ وَرَدْ
(وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفِ جَرِّ قَدْ * أَبَوْا) سَبْق: مفعولٌ مقدَّمٌ لـ "أَبَوْا" وهو مصدرٌ مضافٌ إلى فاعلِه ، والموصولُ في موضعِ النصبِ على المفعوليَّةِ.
‌أي: منَعَ أكثرُ النحويينَ تقدُّمَ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بالحرفِ فلا يجيزونَ في نحوِ: "مررْتُ بِهِنْدٍ جَالِسَةً" "مَرَرْتُ جالسةً بهندٍ".
وعلَّلُوا منْعَ ذلك بأنَّ تعلُّقَ العاملِ بالحالِ ثانٍ لتعلُّقِه بصاحبِه فحقُّه إذا تعدَّى لصاحبِهِ بواسطةٍ أن يتعدَّى إليه بتلك الواسطةِ ، لكنْ منَعَ مِنْ ذلك أنَّ الفعلَ لا يتعدَّى بحرفِ الجرِّ إلى شيئينِ فجعلُوا عوضًا مِنَ الاشتراكِ في الواسطةِ التزامَ التأخيرِ.
قال الناظمُ: (ولا أَمْنَعُهُ) أي: بلْ أُجِيزُهُ وفاقًا لأبي عليٍّ وابنِ كَيْسَانَ ، وابنِ بَرْهَانَ ؛ لأنَّ المجرورَ بالحرفِ مفعولٌ به في المعنى فلا يمتنعُ تقديمُ حالِه عليه كما لا يمتنعُ تقديمُ حالِ المفعولِ به وأيضًا (فَقَدْ وَرَدْ) السماعُ به مِنْ ذلك قولُه تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ}
وقولُ الشاعرِ: [من الطويل]:
479 – تَسَلَّيْتُ طُرًا عَنْكُمُ بَعْدَ بَيْنِكُمْ = بِذِكْرَاكُمُ حتَّى كَأَنَّكُمْ عِنْدِي
وقولُه [من الطويل]:
480 - لَئِنْ كانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِيًا = إِلَيَّ حَبِيبًا إِنَّهَا لَحَبِيبُ
وقوله [من الخفيف]:
481 - غَافِلاً تَعْرِضُ المنيَّةُ لِلْمَرْ = ءِ فَيُدْعَى وَلاَتَ حِينَ إِبَاءِ
وقولُه [من الطويل]:
482 - فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أَصَبْنَ وَنِسْوَةٌ = فَلَنْ يَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
وقولُه [من الكامل]:
483 - مَشْغُوفَةٌ بِكَ قَدْ شُغِفْتُ وَإِنَّمَا = حُمَّ الفِرَاقُ فَمَا إِليكَ سَبِيلُ
وقولُه [من الطويل]:
484 - إذا المرءُ أَعْيَتْهُ المروءةُ ناشئًا = فَمَطْلبُهَا كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ
والحقَّ أنّ جوازَ ذلك مخصوصٌ بالشِّعرِ ، وحملُ الآيةِ على أنَّ "كافَّةً" حالٌ مِنَ الكَافِ والتاءِ للمبالغَةِ لا للتأنيثِ وقد ذكَر ابنُ الأَنْبَارِيِّ الإجماعَ على المنعِ.
تنبيهاتٌ : الأَوَّل : فصَلَ الكوفيونَ ، فقالُوا: إِنْ كانَ المجرورُ ضميرًا نحوَ: "مررْتُ ضاحكةً بِهَا" أو كانتِ الحالُ فعلاً نحوَ : " تَضْحَكُ مَرَرْتُ بِهِنْدٍ"- جازَ ، وإلا امتنعَ.
الثاني: مَحَلُّ الخلافِ إذا كانَ الحرفُ غيرَ زائدٍ فإنْ كانَ زائدًا جازَ التقديمُ اتفاقًا نحوَ: " ما جاءَ راكبًا مِنْ رجُلٍ".
الثالثُ : بَقِيَ مِنَ الأسبابِ الموجِبةِ لتأخيرِ الحالِ عن صاحبِها أمرانِ:
الأَوَّل : أنْ يكونَ مجروراً بالإضافةِ نحوَ: "عَرَفْتُ قيامَ زيدٍ مسرعًا". و"أعجبنِي وجهَ هندٍ مُسْفِرَةً"، فلا يجوزُ بإجماعِ تقديمِ هذه الحالِ : واقعةً بعدَ المضافِ لئلا يلزمَ الفصلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه ، ولا قبلَه ؛ لأن المضافَ إليه معَ المضافِ كالصلةِ مع الموصولِ ، فكما لا يتقدَّمُ ما يتعلَّقُ بالصلةِ على الموصولِ كذلك لا يتقدَّمُ ما يتعلَّقُ بالمضافِ إليه على المضافِ.
وهذا في الإضافةِ المحضةِ، كما رأيتَ. أما غيرُ المحضةِ – نحوَ: "هذا شاربُ السَّوِيقَ مَلْتُوتًا الآنَ أو غدًا" فيجُوزُ قالَه في ( شرحِ التسهيلِ )، لكنْ في كلامِ ولدِهِ – وتابعَه عليه صاحبُ التوضيحِ – ما يقتضِي التسويةِ في المنعِ.
الأمرُ الثاني: أنْ تكونَ الحالُ محصورةً نحو: { وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ }
الرابعُ : كما يعرِضُ للحالِ وجوبُ التأخيرِ عن صاحبِها كما رأَيْتَ كذلك يعْرِضُ لها وجوبُ التقديمِ عليه وذلك كما إذا كانَ محصورًا نحوَ: "ما جاءَ راكبًا إلا زيدٌ".
341 - وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ المُضَافِ لَهْ = إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى المُضَافُ عَمَلَهْ
(وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ المُضَافِ لَهْ)، لوجوبِ كونِ العاملِ في الحالِ هوَ العاملَ في صاحبِها ، وذلك يَأْبَاه (إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى المُضَافُ عَمَلَهْ) أي: عملَ الحالِ وهو نصبُه نحوَ: { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُم جَمِيعًا} وقوله [من الطويل]:
485 - تَقُولُ ابْنَتِي إِنَّ انْطِلاَقَكَ وَاحِدًا = إِلَى الرَّوْعِ يومًا تَارِكِي لاَ أَبَا لِيَا
ونحو: "هذا شاربُ السَّوِيقِ مَلْتُوتًا" وهذا اتفاقٌ كما ذكَرَه في شَرْحَيِ التسهيلِ والكافيةِ.
342 - أَوْ كَانَ جُزْءُ مَا لَهُ أُضِيفَا = أَوْ مِثْلُ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيفَا
(أَوْ كَانَ) المضافُ (جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا) نحوَ: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}، { أَيُحِبُّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}
(أَوْ مِثْلُ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيفَا) والمرادُ بِمثلِ جزئِه: ما يصحَّ الاستغناءُ به عنه، نحوَ: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}
وإنما جازَ مجيءُ الحالِ منِ َالمضافِ إليه في هذه المسائلِ الثلاثِ ونحوِها ؛ لوجودِ الشرطِ المذكورِ ، أمَّا في الأَوَّلى فواضحٌ ، وأما في الأخيرتينِ ؛ فلأنَّ العاملَ في الحالِ عاملٌ في صاحبِها حكمًا ؛ إذ المضافُ – والحالةُ هذه – في قوَّةِ الساقطِ لصحَّةِ الاستغناءِ عنه بصاحبِ الحالِ وهو مضافٌ إليه.
تنبيهٌ : ادَّعَى المصنِّفُ في شرحِ التسهيلِ الاتفاقَ على منْْعِ مجيءِ الحالِ مِنَ المضافِ إليه فيما عدا المسائلَ الثلاثَ المستثناةَ ، نحوَ: "ضربْتُ غلامَ هندٍ جالسةً"، وتابعَه على ذلك ولدُه في شرحِه ، وفيما ادَّعَيَاهُ نظرٌ فإنَّ مذهبَ الفارسيِّ الجوازُ، وممَّنْ نقلَه عنه الشريفُ أبو السعاداتِ ابنِ الشَّجَرِيِّ في أماليه.
343 - والحالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِفَا = أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ المُصَرَّفَا
344 - فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كـ"مُسْرِعًا = ذَا رَاحِلٌ ، ومُخْلَصًا زَيْدٌ دَعَا".
(والحالُ) معَ عاملِه على ثلاثةِ أوجهٍ: واجبِ التقديمِ عليه، وواجبِ التأخيرِ عنه، وجائزِهما، كما هو كذلك مع صاحبِه على ما مرَّ.
فالحالُ (إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِفَا * أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ) الفعلَ (المُصَرَّفَا) وهي: ما تضمَّنَ معنَى الفعلِ وحروفِه ، وَقَبِلَ علاماتِ الفرعيةِ ، وذلكَ اسمُ الفاعلِ ، واسمُ المفعولِ والصفةُ المشبَّهَةِ ( فَجَائِزٌ تَقْدِيمُه ) على ذلك الناصبِ له وهذا هو الأصلُ ، فالصفةُ (كمُسْرِعًا * ذَا رَاحِلٌ) و"مجرَّدًا زيدٌ مضروبٌ", و:
هَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقٌ
فـ "تَحْمِلِينَ": في موضعِ نصْبٍ على الحالِ ، وعاملُها طليقٌ ، وهو صفةٌ مشبَّهةٌ (و) الفعلُ نحوَ: (مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا)، و{ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ } وقولِهم: " شَتَّى تَؤُوبُ الحَلَبَةُ".
والاحترازُ بقولِه: "صرفًا" و"أَشْبَهَتِ المُصَرَّفَا" مما كانَ العاملُ فيه فعلاً جامدًا نحوَ: "مَا أحسنَه مقبِلاً" أو صفةً تشبِهُ الجامدَ وهو: اسمُ التفضيلِ نحوُ: "هو أفصحُ الناسِ خطيبًا" أو اسمُ فِعْلٍ نحوَ: " نَزَالِ مُسْرِعًا" أو عاملاً معنويًا وهو: ما تضمَّنَ معنَى الفعلِ دونَ حروفِه ، كما أشارَ إليه بقولِهِ:
345 - وعامِلٌ ضُمِّنَ معنَى الفعلِ لاَ = حُرُوفِهِ مُؤَخَّرًا لَنْ يَعْمَلاَ
346 – كـ" تِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ" وَنَدَرْ = نَحْوُ: "سَعِيدٍ مُسْتَقِرًّا في هَجَرْ"
(وَعَامِلٌ ضُمِّنَ معنَى الفعلِ لاَ = حُرُوفِهِ مُؤَخَّرًا لَنْ يَعْمَلاَ * كتِلْكَ) و(لَيْتَ وكَأَنَّ) والظرفِ والمجرورِ المُخْبَرِ بهما تقولُ : "تلك هندٌ مجرَّدةً"، و"ليت زيدًا أميرًا أخوكَ" و"كأنَّ زيدًا راكبًا أسدٌ" و"زيدٌ عندك أو في الدارِ جالسًا" وهكذا جميعُ ما تضمَّنَ معنَى الفعلِ دونَ حروفِه كحرفِ التنبيهِ والترجِّي والاستفهامِ المقصودِ به التعظيمُ ، نحوَ [ من مجزوء الكامل]:
486 - بَانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ = يَا جَارَتًا مَا أَنْتِ جَارَهْ
و"أمَّا" نحوُ: "أَمَّا عِلْمًا فَعَالِمٌ" فلا يجوزُ تقديمُ الحالِ على عاملِها في شيءٍ من ذلك ، وهذا هو القسمُ الثاني.
(وَنَدَرَ) تقديمُها على عاملِها الظرفِ والمجرورِ المُخْبَرِ بهما (نحوَ: سعيدٌ مستقرًّا) عندك أو (في هَجَرْ) فما ورَدَ مِنْ ذلك مسموعًا يُحْفَظُ ولا يقاسُ عليه.
هذا هو مذهبُ البصريينِ. وأجازَ ذلك الفرَّاءُ والأخفشُ مطلقًا وأجازَه الكوفيونَ فيما كانتِ الحالُ فيه من مضمَرٍ نحوَ: "أنتَ قائمًا في الدارِ"، وقيلَ: يجوزُ بقوَّةِ إِنْ كانَ الحالُ ظرفًا أو حرفَ جرٍّ، ويضعُفُ إِنْ كانَ غيرُهما وهو مذهبُه في (التسهيلِ):
واستدلَّ المجيزُ بقراءةِ مَنْ قرَأَ: ( والسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ)، (مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا) بنصبِ "مَطْوِيَّاتٍ" " وخالصةٍ " .
وبقولِه [من الكامل]:
487 - رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أَدْرَاعِهِمْ = فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَةَ بْنِ حُذَارِ
وقولِه [من الطويل]:
488 - بِنَا عَاذَ عَوْفٌ وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ = لَدَيْكُمْ فَلَمْ يَعْدَمْ وَلاءً وَلاَ نَصْرًا
وتأوَّلَ ذلك المانعُ.
تنبيهاتٌ : الأَوَّل: مَحَلُّ الخلافِ في جوازِ تقديمِ الحالِ على عاملِها الظرفِ إذا توسَّطَ كما رأيتَ ، فإن تقدَّمَ على الجملةِ – نحو: "قَائِمًا زيدٌ في الدارِ"– امتنعَتِ المسألةُ إجماعًا ، قالَه في شرحِ الكافيةِ ، لكنْ أجازَ الأخفشُ في قولِهم: "فداءً لك أبى وأُمِّي" أنْ يكونَ "فداءٌ" حالاً ، والعاملُ فيه "لكَ" وهو يقتضي جوازَ التقديمِ على الجملةِ عنده إذا تقدَّمَ الخبرُ وأجازَه ابنُ بَرْهَانَ فيما إذا كانتِ الحالُ ظرْفًا نحوَ: { هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الحَقِّ } فـ"هنالكَ" ظرفٌ في موضعِ الحالِ و" الوَلاَيَةُ " مبتدأٌ و"لله" الخبرُ:

الثاني: أفهَمَ كلامُه جوازَ نحوِ: "في الدارِ قائمًا زيدٌ" وهو اتفاقٌ.
الثالثُ : قد يعرِضُ للعاملِ المتصرِّفِ ما يمنَعُ تقديمَ الحالِ عليه ككونِه مصدرًا مقدَّرًا بالحرفِ المصدريِّ نحوَ: "سَرَّنِي ذِهَابُكَ غَازِيًا" أو فعلاً مقرونًا بلامِ ابتداءٍ أو قَسَمٍ نحوَ: "لَأَصْبِرُ مُحْتَسِبًا" و"لَأَقُومَنَّ طَائِعًا" أو صلةً لألِ أو لحرفٍ مصدريٍّ: نحو: "أنتَ المُصَلِّي فَذًا" و"لكَ أَنْ تَتَنَفَلَ قاعدًا" قال الناظمُ وولدُه: أو نعتًا، نحوَ: "مررْتُ برجُلٍ ذاهبَةٌ فرسُه مكسورًا سرجُها"، قال في (المغني): وهو وَهْمٌ منهما ؛ فإنَّه يجوزُ أنْ يتقدَّمَ عليه فاصلاً بينَ النعتِ ومنعوتِه ، فتقول: "مررْتُ برجُلٍ مكسورًا سرجُها ذاهبةً فرسُه".
الرابعُ : لم يتعرَّضْ هنا للقسمِ الثالثِ وهي الحالُ الواجبةُ التقديمِ وذلك نحوُ: "كيفَ جاءَ زيدٌ؟".
347 - ونحوُ: "زيدٌ مُفْرَدًا أَنْفَعُ مِنْ = عَمْرٍو مُعَانًا" مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ
(ونحوُ: زيدٌ مُفْرَدًا أَنْفَعُ مِنْ * عَمْرٍو مُعَانًا)، و" بكرٌ قائمًا أحسنُ منه قاعدًا" – مما وقَعَ فيه اسمُ التفضيلِ متوسِّطًا بينَ حالينِ مِنَ اسمينِ مختلفيِ المعنى أو مُتَّحِدَيْهِ مُفَضَّلٍ أحدَها في حالةٍ على الآخَرِ في أخرَى – (مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ) على أنَّ اسمَ التفضيلِ عاملٌ في الحالينِ ، فيكونُ ذلك مستثنَى مما تقدَّمَ مِنْ أنَّه لا يعمَلُ في الحالِ المتقدِّمةِ عليه وإنما جازَ ذلك هنا لأنَّ اسمَ التفضيلِ – وإنِ انحطَّ درجةً عنِ اسمِ الفاعلِ والصفةِ المشبَّهةِ بعدمِ قبولِهِ علاماتِ الفرعيةِ – فله مَزِيَّةٌ على العاملِ الجامدِ ؛ لأن فيه ما في الجامدِ مِنْ معنى الفعلِ ، ويفوقُه بتضمُّنِ حروفِ الفعلِ ووزنِه ، فجُعِلَ موافقًا للعاملِ الجامدِ في امتناعِ تقديمِ الحالِ عليه ، إذا لم يتوسَّطْ بينَ حالينِ نحوَ: "هو أكفؤُهم ناصرًا" وجُعِلَ موافقًا لاسمِ الفاعلِ في جوازِ التقديمِ عليه إذا توسَّطَ بينَ حالينِ.
واعلَمْ أنَّ ما ذكَرَه الناظمُ هو مذهبُ سيبويهِ والجمهورِ وزعَمَ السِّيرَافِيُّ أنَّ المنصوبينِ في ذلك ونحوِه خبرانِ لـ "كانَ" مضمرةً مع "إذ" في المُضِيِّ و"إذا" في الاستقبالِ وفيه تكلُّفِ إضمارِ ستَّةِ أشياءَ ، وبعدَ تسليمِه يلزمُ إعمالُ أفعلَ في "إذ" و"إذا" فيكونُ واقعًا في مثلِ ما فرَّ منه.
تنبيهٌ : لا يجوزُ تقديمُ هذينِ الحالينِ على " أفعلَ " ولا تأخيرُهما عنه فلا تقولُ : " زيدٌ قائمًا قاعدًا أحسنُ منه ولا زيدٌ أحسنُ منه قائمًا قاعدًا".

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


تَتقَدُّمُ الحالِ على صاحبِها المجرورِ بالحرْفِ
339- وسَبْقَ حالٍ بحرفِ جَرٍّ قَدْ = أَبَوْ ولا أَمْنَعُه فقد وَرَدْ

صاحبُ الحالِ إمَّا أنْ يكونَ مَرفوعاً أو مَنصوباً أو مَجروراً، فإنْ كانَ مَرفوعاً أو مَنصوباًَ جازَ تَقَدُّمُ الحالِ عليه، نحوُ: رَجَعَ القائدُ مَنصوراً، لا تَشْرَبِ الماءَ كَدِراً، فيَجوزُ في الحالَيْنِ (مَنصوراً، كَدِراً) تَقَدُّمُهما على صاحبِهما وهو الفاعِلُ في الأوَّلِ والمفعولُ في الثاني.
وجوازُ التقديمِ مَشروطٌ بما إذا لم يُوجَدْ ما يُوجِبُ التقديمَ ولا ما يُوجِبُ التأخيرَ.
فالأوَّلُ: أنْ يكونَ صاحِبُ الحالِ مَحصوراً، نحوُ: ما جاءَ راكِباً إلاَّ أُسامَةُ، فـ (راكباً) حالٌ مِن الفاعلِ (أسامةُ) ويَجِبُ تَقَدُّمُها عليه.
والثاني: أنْ تكونَ الحالُ مَحصورةً، نحوُ: ما جاءَ أُسامةُ إلاَّ راكِباً، قالَ تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} فـ (مُبَشِّرِينَ ومُنذرينَ) حالٌ مِن المفعولِ (الْمُرسَلِينَ) ولا يَصِحُّ تَقَدُّمُها عليه؛ لِئَلاَّ يَفْسُدَ التركيبُ ويَزولَ الحصْرُ.
أمَّا إذا كان صاحِبُ الحالِ مَجروراً، فإنْ كانَ مجروراً بالإضافةِ وَجَبَ تأخُّرُ الحالِ، نحوُ: تَمَتَّعْتُ بجمالِ الحديقةِ واسعةً، فـ (واسعةً)، حالٌ مِن المضافِ إليه (الحديقةِ) ولا يَجُوزُ تَقديمُها عليه لئلا تكونَ فاصلةً بينَ المضافِ والمضافِ إليه.
وإنْ كانَ مجروراً بحرْفِ جَرٍّ أصْلِيٍّ كقولِك: جَلستُ في المكتَبَةِ مُرَتَّبَةً، ففي تقديمِ الحالِ قَولانِ:
الأوَّلُ: أنه لا يَجُوزُ وهو قولُ الْجُمهورِ.
الثاني: أنه يَجُوزُ وهو قولُ الفارِسِيِّ وابنِ جِنِّي وابنِ كَيْسَانَ وابنِ مالِكٍ، كما في (التسهيلِ) قالَ: وهذا هو الصحيحُ واسْتَدَلُّوا بالسماعِ؛ فقد وَرَدَ في القرآنِ قولُه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} فـ (كافَّةً) بمعنى: جميعاً حالٌ مِن المجرورِ وهو (الناسُ) وقد تَقَدَّمَ عليه، أيْ: ما أَرسلناكَ إلاَّ للناسِ كافَّةً.
وقالَ الشاعرُ:
فَإنْ تَكُ أذَوَادٌ أُصِبْنَ وَنَسْوَةٌ = فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ
فقولُه (فَرْغاً) حالٌ مِن (قَتْلِ) المجرورِ بالياءِ، وقد تَقَدَّمَ عليه وقالَ آخَرُ:
تَسَلِّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بَعْدَ بَيْنِكُمُ = بِذكْرَاكُمُ حتّى كَأنَّكُمُ عِندي
فـ (طُرًّا) حالٌ مِن كافِ المخاطَبِ في (عنكمُ) وهي مجرورةٌ مَحَلاًّ بـ (عن) وقد تَقَدَّمَ الحالُ عليه.
ولا داعِيَ للتعَسُّفِ في تأويلِ ما وَرَدَ أو الْحُكْمِ عليه بأنه ضَرورةٌ لمسايَرَةِ قولِ الجمهورِ، فقد وَرَدَ شَواهِدُ متَعَدِّدَةٌ تُؤَيِّدُ ذلك، فإنَّ الذين أجَازُوا التقديمَ معهم النصُّ مِن القرآنِ الكريمِ والسماعِ عن العرَبِ، وليس مع المانِعِينَ سِوَى التعليلِ.
يقولُ ابنُ مالِكٍ: (وسَبْقَ حالٍ بحرفِ جَرٍّ قَدْ أَبَوْا.. إلخ) أيْ: أَبَى النُّحَاةُ أنْ يَسْبِقَ الحالُ صاحبَه الذي جُرَّ بحرْفٍ، ولا أَمْنَعُ ذلك؛ لأنه وارِدٌ في كلامِ العربِ فكيف يُمْنَعُ؟
وقولُه: (بحرْفٍ) المرادُ به الحرْفُ الأصلِيُّ؛ لأنَّ تَقَدُّمَ الحالِ على صاحبِه المجرورِ بحَرْفِ جَرٍّ زائدٍ جائزٌ بالإجماعِ كقولِك: ما جاءَ مِن أحَدٍ راكباً، فيَجوزُ تَقَدُّمُ الحالِ في هذا الْمِثالِ؛ لأنَّ صاحبَه مجرورٌ بـ (مِن) الزائدةِ، وإنما أَطْلَقَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ ولم يُقَيِّدْهُ بالزائدِ؛ لأنَّ الزائدَ لا يُقَيَّدُ به، فإنَّ الحرْفَ إذا أُطْلِقَ انصرَفَ إلى الأَصْلِيِّ؛ فلذا تَرَكَه لوُضوحِه، واللهُ أعْلَمُ.
مواضِعُ مَجيءِ الحالِ مِن الْمُضافِ إليه

340- ولا تُجِزْ حالاً مِن المضافِ لَهْ = إلا إِذَا اقْتَضَى المضافُ عَمَلَهْ
341- أو كان جُزْءَ ما لَهُ أُضِيفَا = أو مِثلَ جُزئهِ فَلَا تَحِيفَا
تَقَدَّمَ أنَّ صاحِبَ الحالِ قد يكونُ مَجروراً بالإضافةِ، وذَكَرَ هنا أنه لا يَجُوزُ مَجيءُ الحالِ مِن المضافِ إليه المجرورِ بالإضافةِ إلاَّ في ثلاثِ مسائلَ:
الأُولَى: أنْ يكونَ المضافُ مِمَّا يَصِحُّ أنْ يَعملَ في الحالِ كاسمِ الفاعلِ والمصدَرِ ونحوِهما، نحوُ: هذا كاتبُ الدرْسِ واضِحاً.
فـ (واضِحاً) حالٌ مِن المضافِ إليه (الدرْسِ) لأنَّ الْمُضافَ (كاتِبُ) اسْمُ فاعلٍ يَصِحُّ عَمَلُه في الحالِ.
وكقولِك: ساءَنِي قَطْعُ الأشجارِ مُثْمِرَةً، فـ (مُثْمِرَةً) حالٌ مِن المضافِ إليه (الأشجارِ) لأنَّ المضافَ (قَطْعُ) مَصدَرٌ يَصِحُّ عَمَلُه في الحالِ، ومنه قولُه تعالى: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} فـ (جَميعاً) حالٌ مِن المضافِ إليه وهو الكافُ؛ لأنَّ المضافَ (مَرْجِعُ) مَصدرٌ يَصِحُّ عَمَلُه في الحالِ.
الثانيةُ: أنْ يكونَ المضافُ جُزْءاً مِن المضافِ إليه، نحوُ: أعْجَبَتْنِي أسنانُ الرجُلِ نَظيفاً، فـ (نَظيفاً) حالٌ مِن الْمُضافِ إليه (الرجُلِ) لأنَّ المضافَ (أسنانٌ) جُزءٌ مِن الْمُضافِ إليه.
ومنه قولُه تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} فـ (إخواناً) حالٌ مِن المضافِ إليه، وهو الضميرُ؛ لأنَّ المضافَ (صُدورٍ) جزءٌ مِن المضافِ إليه.
ومِثلُه قولُه تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} على القولِ بأنَّ (مَيْتاً) حالٌ مِن المضافِ إليه وهو (الأَخُ).
الثالثةُ: أنْ يكونَ المضافُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزءِ مِن المضافِ إليه بأنْ يَصِحَّ حَذْفُ المضافِ وإقامةُ المضافِ إليه مَقامَه، دونَ أنْ يَتَأَثَّرَ المعنى كقولِك، تَمَتَّعْتُ بجمالِ الحديقةِ ناضِرَةً، فـ (ناضِرَةً) حالٌ مِن المضافِ إليه (الحديقةِ) ويَصِحُّ أنْ يُقالَ: تَمَتَّعْتُ بالحديقةِ ناضِرَةً، ومنه قولُه تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} فـ (حَنيفاً) حالٌ مِن المضافِ إليه (إبراهيمَ) لأنَّ المضافَ (مِلَّةَ) كالجزءِ مِن المضافِ إليه، إذ يَصِحُّ الاستغناءُ بالمضافِ إليه عنه، فلو قِيلَ في غيرِ القرآنِ (أنِ اتبِّعْ إبراهيمَ حَنيفاً) لصَحَّ.
فإنْ لم يَتَحَقَّقْ واحِدٌ مِن الأمورِ الثلاثةِ لم يَصِحَّ مَجيءُ الحالِ مِن المضافِ إليه عِنْدَ مَن يَشتَرِطُ ذلك، نحوُ: جاءَ غُلامُ هِنْدَ ضاحكةً، وأمَّا مَن لا يَشترِطُ ذلك فهو يُجيزُ الحالَ مِن المضافِ إليه مُطْلَقاً فيَصِحُّ عندَه المثالُ المذكورُ.
وهذا معنى قولِه: {ولا تُجِزْ حالاً مِن المضافِ لَهْ.. إلخ) أيْ: لا تُجِزْ مَجيءَ الحالِ مِن المضافِ إليه إلاَّ إذا اسْتَوْفَى الْمُضافُ عمَلَه في الحالِ، وهذا يَدُلُّ على اشتراطِ أنْ يكونَ المضافُ مما يَعْمَلُ، أو كان المضافُ جُزءاً مِن المضافِ إليه أو مِثْلَ جُزْئِه، (فلا تَحِيفَا) الأصلُ: فلا تَحِيفَنَ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ لكنها قُلِبَتْ ألِفاً لأَجْلِ الوقْفِ، والمعنى: لا تَظْلِمْ نفْسَكَ أو اللغةَ بمخالَفَةِ ما ذُكِرَ، والمقصودُ تَكْمِلَةُ البيتِ، واللهُ أعْلَمُ.
تقديمُ الحالِ على عامِلِها

342- والحالُ إن يُنْصَبْ بفعلٍ صُرِّفَا = أو صِفةٍ أَشْبَهَت الْمُصَرَّفَا
343- فجائزٌ تَقديمُه كمُسْرِعَا = ذا راحلٌ ومُخْلِصاً زيدٌ دَعَا
الأصلُ في الحالِ أنْ تَتأخَّرَ عن عامِلِها، نحوُ: أَستيقظُ مِن النومِ مُبَكِّراً، ويَجوزُ تَقَدُّمُه على عامِلِه في مَوضعينِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ العامِلُ في الحالِ فِعْلاً متَصَرِّفاً، نحوُ: جاءَ المذنِبُ مُعْتَذِراً، فتقولُ: مُعْتَذِراً جاءَ الْمُذْنِبُ، قالَ تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} فـ (خُشَّعاً) حالٌ مِن الواوِ في (يَخرجونَ) وقد تَقَدَّمَ على عامِلِه.
الثاني: أنْ يكونَ العامِلُ صِفةً تُشْبِهُ الفعلَ في التَّصَرُّفِ، نحوُ: هِشامٌ مُنْطَلِقٌ مُسْرِعاً، فتقولُ: هِشامٌ مُسْرِعاً مُنْطَلِقٌ.
فإنْ كانَ العامِلُ فِعْلاً غَيرَ متَصَرِّفٍ، أو صِفَةً تُشْبِهُ الفعْلَ الجامدَ، وهو اسمُ التفضيلِ لم يَجُزْ تقديمُ الحالِ على عامِلِها فالأوَّلُ، نحوُ: ما أَحْسَنَ الغنيَّ مُتواضِعاً، فـ (مُتواضِعاً) حالٌ مِن (الْغَنِيِّ) وهو واجِبُ التأخيرِ عن العامِلِ (أحْسَنَ) لأنه فِعْلٌ غيرُ مُتَصَرِّفٍ بسببِ استعمالِه في التَّعَجُّبِ.
ومِثالُ الثاني: هذا أَفْصَحُ الناسِ خَطيباً، فـ (خَطيباً) حالٌ مِن فاعِلِ (أفْصَحَ) المستَتِرِ فيه، وهو واجبُ التأخيرِ عن العامِلِ (أفْصَحَ) لأنه وصْفٌ لا يُشْبِهُ الفعْلَ الْمُتَصَرِّفَ.
ويُستثنَى مِن ذلك مَسألةٌ سيَذْكُرُها ابنُ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ.
وهذا معنى قولِه: (والحالُ إن يُنْصَبْ بفعلٍ صُرِّفَا.. إلخ) أيْ: إنَّ الحالَ إذا نُصِبَ بفِعْلٍ مُتَصَرِّفٍ أو بصِفَةٍ تُشبِهُ الفعْلَ الْمُتَصَرِّفَ جازَ تقديمُه على عامِلِه وتَأخيرُه عنه، ثم مَثَّلَ بِمِثالَيْنِ الأوَّلُ: للصِّفَةِ، والثاني: للفِعْلِ فـ (مُسْرِعاً) حالٌ تَقَدَّمَ على عامِلِه (راحِلٌ) وهو اسم فاعِلٍ، و (مُخْلِصاً) حالٌ تَقَدَّمَ على عامِلِه (دَعَا) وهو فِعْلٌ مُتَصَرِّفٌ.
مسألةٌ لا يَجُوزُ فيها تَقَدُّمُ الحالِ على عامِلِها

344- وعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعَنَى الفعلِ لَا = حُروفَهُ مُؤَخَّراً لن يَعْمَلَا
345- كتلك ليتَ وكأنَّ ونَدَرْ = نحو سعيدٌ مُسْتَقِرًّا في هَجَرْ
فُهِمَ مما تَقَدَّمَ أنَّ العامِلَ في الحالِ إذا كان فِعْلاً غيرَ مُتَصَرِّفٍ أو صِفَةً تُشْبِهُ الفعْلَ غيرَ المتصَرِّفِ، فإنه لا يَجُوزُ تَقَدُّمُ الحالِ على هذا العامِلِ.
وذَكَرَ هنا مسألةً ثالثةً لا يَجُوزُ تَقَدُّمُ الحالِ فيها على عامِلِها، وهي أنْ يكونَ العامِلُ مَعنوِيًّا، والمرادُ به: كلُّ لفْظٍ تَضَمَّنَ معنى الفعْلِ دونَ حُروفِه، كأسماءِ الإشارةِ وحَرْفِ التمَنِّي والتشبيهِ والظرْفِ والجارِّ والمجرورِ، نحوُ: هذا مَنْزِلُكَ وَاسِعاً؟ فـ (واسعاً) حالٌ مِن الخبَرِ (مَنْزِلُ) والعامِلُ هو اسمُ الإشارةِ، وهو مُتَضَمِّنٌ معنى الفعْلِ (أُشِيرُ) دونَ حُروفِه، ومنه قولُه تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} فـ (خَاوِيَةً) حالٌ مِن (بُيُوتِهم) والعامِلُ فيه اسمُ الإشارةِ.
ومِثالُ حَرْفِ التَّمَنِّي: ليتَ الطالِبَ مُتَعَلِّماً مُستقيمٌ في أخلاقِه.
ومِثالُ حرْفِ التشبيهِ: كأنَّ الباخرةَ واقِفَةً فُنْدُقٌ كَبيرٌ.
فـ (مُتَعَلِّماً) حالٌ مِن (الطالِبِ) والعامِلُ فيها (ليتَ) لأنها بمعنى الفعْلِ (أتمنى) دونَ حُروفِه، و (واقِفَةً) حالٌ مِن (الباخرةَ) والعامِلُ فيها (كأنَّ) لأنها بمعنى الفعْلِ (أَشْبَهَ) دونَ حُروفِه.
ومِثالُ شِبْهِ الْجُملةِ: الغُرفةُ عِنْدَكَ واسعةً.
النخلةُ في مَزرَعَتِكَ مُثْمِرَةً.
فـ (واسعةً) حالٌ مِن الضميرِ في الظرْفِ و (مُثْمِرَةً) حالٌ مِن الضميرِ في الجارِّ والمجرورِ، والعامِلُ فيهما شِبْهُ الْجُملةِ.
فلا يَجُوزُ تَقَدُّمُ الحالِ على العامِلِ في الأمثلةِ المذكورةِ، وقدْ أَجازَ بَعْضُ النُّحاةِ تَقَدُّمَ الحالِ على عامِلِها شِبْهِ الجملةِ، بشَرْطِ أنْ تَتَوَسَّطَ الحالُ بينُ مُبتدأٍ مُتَقَدِّمٍ وخَبَرِه شِبْهِ الْجُملةِ المتأَخِّرِ عنه وعن الحالِ معاً، واسْتَدَلُّوا بالسماعِ كقولِ الشاعرِ:
بِنَا عاذَ عَوْفٌ وهو بادِيَ ذِلَّةً = لَدَيْكُم فلم يُعْدَمْ وَلاءً ولا نَصْرَا
فـ (بَادِيَ) حالٌ، وقد تَقَدَّمَ على عامِلِه الظرْفِ مع تَوَسُّطِه بينَ المبتدأِ والخبرِ.
وهذا معنى قولِه: (وعاملٌ ضُمِّنَ مَعَنَى الفعلِ.. إلخ) أيْ: أنَّ العاملَ المعنويَّ (وهو الذي يَتَضَمَّنُ معنى الفعْلِ لا حُروفَه) لا يَعْمَلُ النصبَ في الحالِ إذا كان مُتَأَخِّراً عنها، بحيثُ تَتَقَدَّمُ عليه، ثم ذَكَرَ أمْثِلَةً مِن العاملِ المعنويِّ، ثم بَيَّنَ أنَّ تقديمَ الحالِ على عامِلِها المعنويِّ شِبْهِ الْجُملةِ نادرٌ عندَه ثم مَثَّلَ بقولِه: (سعيدٌ مُسْتَقِرًّا في هَجَرْ) فتَقَدَّمَ الحالُ (مُسْتَقِرًّا) على العاملِ (في هَجَرْ) و (هجَرُ) اسمٌ لثلاثةِ مَوَاضِعَ: لجميعِ نواحِي البَحْرَينِ، ولقريةٍ قُرْبَ المدينةِ النَّبَوِيَّةِ، وبلَدٍ في اليمَنِ.
مسألةٌ مُستثناةٌ مِن مَنْعِ تَقَدُّمِ الحالِ على عامِلِها

346- ونحوُ زيدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ = عَمْرٍو ومُعَاناً مُستجازٌ لن يَهِنْ
تَقَدَّمَ أنَّ أفعلَ التفضيلِ لا يَعملُ في الحالِ مُتَقَدِّمَةً، وذَكَرَ هنا أنه يُستثنَى مِن ذلك مَسألةٌ، وهي ما إذا فُضِّلَ شيءٌ في حالٍ على نفْسِه أو غيرُه في حالٍ أُخْرى، فإنَّ أفعَلَ التفضيلِ يَعملُ في حالينِ: إحْدَاهُما مُتَقَدِّمَةٌ عليه والأُخْرَى مُتَأَخِّرَةٌ عنه، فمِثالُ الْمُفَضَّلِ على نفْسِه: هذا التمْرُ بُسْراً أَطْيَبُ منه رُطَباً، فـ (بُسْراً) حالٌ مِن الضميرِ في (أَطيبَ) الواقعِ فاعلاً و (رُطَباً) حالٌ مِن الضميرِ المجرورِ (منه) وهو مُتَعَلِّقٌ بأطيبَ، والعامِلُ فيهما (أَطيبُ) والمعنى: هذا التمْرُ في حالِ كونِه بُسراً أَطيبُ مِن نفْسِه في حالِ كونِه رُطَباً.
ومِثالُ الْمُفَضَّلِ على غيرِه: زيدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِن عمرٍو مُعَاناً، فـ (مُفْرَداً) حالٌ مِن الضميرِ الْمُسْتَتِرِ في (أنْفَعُ) و (مُعاناً) حالٌ مِن (عمرٍو) والعامِلُ فيهما (أَنْفَعُ) والمعنى: أنَّ زيداً في حالِ انفرادِه أنْفَعُ مِن عمرٍو في حالةِ إعانتِه.
فعَمِلَ أفعلُ التفضيلِ في حالَيْنِ: إحداهما مُتَقَدِّمَةٌ، والأُخْرَى متَأَخِّرَةٌ ولا يَجُوزُ تقديمُ هَذَيْنِ الحالَيْنِ على أفْعَلَ التفضيلِ ولا تَأْخِيرُهما عنه.
وقولُه: (مُستجازٌ لن يَهِنْ) أيْ: أجازَه النُّحاةُ، وقولُه: لنْ يَهْنِ: بكسْرِ الهاءِ، أيْ: لن يَضْعُفَ مِثلُ هذا الأسلوبِ، بل هو استعمالٌ صحيحٌ لا مانِعَ عنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحال, تقديم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir