دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ربيع الأول 1431هـ/6-03-2010م, 06:21 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء

( الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء )
التاء، التسبيح، التابوت، التب، التبر، التتبع، تبارك، التترى، التجارة، التراب، الترك، التقوى، التوكل، التذكر، التبتل، التفويض، التسلم، التسكين، التسخين، التبديل، التنبت، تحت، الترف، التعوذ، التل، التلاوة، التميز، التام، التوراة، التوفيق، التوفيـ التين، التيه، التربص، التفصيل.


  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:14 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التاء )

( بصيرة فى التاء )

هو حرف هجاء، لثوى، من جوار مخرج الطاء. ويمد ويقصر. والنسبة إلى الممدود: تائى، وإلى المقصور: تاوى. وجمعه أتواء؛ كداء وأدواء. وقصيدة تائية، وتيوية. وتييت تاء حسنة.
والتاء المفردة محركة فى أوائل الأسماء وفى أواخرها، وفى أواخر الأفعال، [ومسكنة فى أواخرها].
والمحركة فى أوائل الأسماء حرف جر للقسم. وتختص بالتعجب، وباسم الله تعالى. وربما قالوا: تربى، وترب الكعبة، وتالرحمن، والمحركة فى أواخرها حرف خطاب؛ كأنت.
والمحركة فى أواخر الأفعال ضمير؛ كقمت. والساكنة فى أواخرها علامة للتأنيث: كقامت.
وربما وصلت بثم ورب، والأكثر تحريكها معهما بالفتح.
و"تا" اسم يشار به إلى المؤنث [مثل] "ذا"، و "ته" مثل ذه، وتان للتثنية، وأولاء للجمع. وتصغير "تا": تيا، وتياك، وتيالك، وتدخل عليها ها، فيقال هاتا. فإن خوطب بها جاء الكاف، فقيل: تيك، وتاك، وتلك، وتلك بالكسر والفتح، وهى رديئة. وللتثنية تانك، وتانك [تخفف] وتشدد، والجمع أولئك وألاك وأولالك، وتدخل الهاء على تيك، وتاك، فيقال: هاتيك، وهاتاك.
والتاء فى حساب الجمل أربعمائة. والتاء المبدلة من الواو كالتراث والوراث، والتجاه والوجاه {وتأكلون التراث أكلا لما}. وأصله الوراث ومنها التاء المبدلة من السين فى الطست والطس.

  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:15 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التسبيح)

( بصيرة فى التسبيح)



وهو تنزيه الله تعالى. وأصله المر السريع فى عبادة الله. وجعل لك فى فعل الخير؛ كما جعل الإبعاد فى الشر، فقيل: أبعده الله. وجعل التسبيح عاما فى العبادات، قولا كان، أو فعلا، أو نية. وقوله - تعالى -: {فلولا أنه كان من المسبحين} قيل: من المصلين. والأولى أن يحمل على ثلاثها والتسبيح ورد فى القرآن على نحو من ثلاثين وجها. ستة منها للملائكة، وتسعة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأربعة لغيره من الأنبياء، وثلاثة للحيوانات والجمادات، وثلاثة للمؤمنين خاصة. وستة لجميع الموجودات.
أما التى للملائكة فدعوى جبريل فى صف العبادة: {وإنا لنحن المسبحون}.
الثانى: دعوى الملائكة فى حال الخصومة: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}.
الثالث: تسبيحهم الدائم من غير سآمة: {يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون}.
الرابع: تسبيحهم المعرى عن الكسل، والفترة: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}.
الخامس: تسبيحهم المقترن بالسجدة: {ويسبحونه وله يسجدون}.
السادس: تسبيحهم مقترنا بتسبيح الرعد على سبيل السياسة والهيبة {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته}.
وأما التسعة التى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالأول: تسبيح مقترن بسجدة اليقين، والعبادة: {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك}.
الثانى: تسبيح فى طرفى النهار، مقترن بالاستغفار من الزلة: {واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار}.
الثالث تسبيح فى بطون الدياجر، والخلوة: {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا}.

الرابع تسبيح فى الابتداء، والانتهاء، حال العبادة


: {وسبح بحمد ربك حين تقوم * ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}.
الخامس تسبيح مقترن بالطلوع، والغروب لأجل الشهادة {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} {ومن الليل فسبحه وأدبار السجود}.
السادس تسبيح دائم لأجل الرضا والكرامة {فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى}.
السابع: تسبيح مقترن بذكر العظمة: {فسبح باسم ربك العظيم}.
الثامن: تسبيح بشكر النعمة: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى}.
التاسع: تسبيح لطلب المغفرة: {فسبح بحمد ربك واستغفره} قال صلى الله عليه وسلم: "ما أوحى إلى أن اجمع المال وكن من التاجرين، ولكن أوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين".
وأما الأربعة التى للأنبياء فالأول لزكريا علامة على ولادة يحيى: {قال رب اجعل لي آية} إلى قوله: {وسبح بالعشي والإبكار}.
الثانى: فى وصيته لقومه على محافظة وظيفة التسبيح: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}.
الثالث: فى موافقة الجبال، والظباء، والحيتان، والطيور لداود فى التسبيح: {يسبحن بالعشي والإشراق}.
الرابع: فى نجاة يونس من ظلمات البحر وبطن الحوت ببركة التسبيح {فلولا أنه كان من المسبحين}.
وأما الثلاثة التى لخواص المؤمنين، فالأول فى أمر الله تعالى لهم بالجمع بين الذكر والتسبيح دائما: {اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا}.

الثانى


: فى ثناء الحق تعالى على قوم إذا ذكر الله عندهم سجدوا له وسبحوا: {خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم}.
الثالث: فى أناس يختلون فى المساجد. ويواظبون على التسبيح والذكر، {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال}.
وأما الثلاثة التى فى الحيوانات. والجمادات، فالأول: فى أن كل نوع من الموجدات مشتغل بنوع من التسبيحات: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم}.
الثانى: فى أن الطيور فى الهواء مصطفة لأداء ورد التسبيح: {والطير صآفات كل قد علم صلاته وتسبيحه}.
الثالث: أن حملة العرش والكرسى فى حال الطواف بالعرش والكرسى مستغرقون فى التسبيح والاستغفار: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا}، {وترى الملائكة حآفين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم}.
وأما الستة التى للعامة فالأول: على العموم فى تسبيح الحق على الإحياء والإماتة: {سبح لله ما في السماوات والأرض} إلى قوله: {يحيى ويميت}.
الثانى: فى أن كل شىء فى تسبيح الحق على إخراج أهل الكفر، وإزعاجهم {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} إلى قوله: {هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب}.
الثالث: أن الكل فى التسبيح، ومن خالف قوله فعله مستحق للذم والشكاية: {سبح لله ما في السماوات} إلى قوله: {لم تقولون مالا تفعلون}.

الرابع: فى أن الكل فى التسبيح للقدس والطهارة: {يسبح لله} إلى قوله: {الملك القدوس}.
الخامس: فى أن الكل فى التسبيح على تحسين الخلقة والصورة: {يسبح لله} إلى قوله: {وصوركم فأحسن صوركم}.
السادس: فى الملامة والتعيير من أصحاب ذلك النسيان بعضهم لبعض من جهة التقصير فى تسبيح الحق - تعالى -: {ألم أقل لكم لولا تسبحون}.
الحادى والثلاثون: خاص بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فى الأمر بالجمع بين التوكل والتسبيح: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده}.



  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:17 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التابوت)

( بصيرة فى التابوت)



وهو شبه صندوق ينحت من خشب. وأصله تابوة كترقوة، سكنت الواو، فانقلب هاء التأنيث تاء. والتبوت كزبور: لغة فى التابوت.
وقد ورد فى القرآن على وجهين:
الأول: بمعنى الصندوق الذى وضعت أم موسى ولدها فيه، ورمته فى البحر: {أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم}.
الثانى: بمعنى الصندوق الذى ورثه الأنبياء من آدم عليه السلام: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}.
وأما التابوت الذى يجعل فيه الميت فمستعار من هذا. وقيل: التابوت عبارة عن القلب، والسكينة عما فيه من العلم. ويسمى القلب سفط العلم، وبيت الحكمة، وتابوته، ووعاءه، وصندوقه.

  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:17 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التأويل)

( بصيرة فى التأويل)



وجاء فى القرآن على خمسة أوجه:
الأول: بمعنى الملك {وابتغاء تأويله} أى ملك محمد {وما يعلم تأويله إلا الله} أى نهاية ملكه. فزعم اليهود أنهم أخذوه من حساب الجمل.
الثانى: بمعنى العاقبة، ومآل الخير والشر الذى وعد به الخلق: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} أى عاقبته، {وأحسن تأويلا} أى عاقبة {ذلك تأويل ما لم تسطع} أى عاقبته.
الثالث: بمعنى تعبير الرؤيا: {وعلمتني من تأويل الأحاديث} أى تعبير الرؤيا.
الرابع: بمعنى التحقيق والتفسير: {هذا تأويل رؤياي} أى تحقيقها وتفسيرها.
الخامس: بمعنى أنواع الأطعمة وألوانها: {لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله} أى بألوانه وأنواعه.
والتأويل أصله من الأول، وهو الرجوع. ومنه الموئل: للموضع الذى يرجع إليه. وذلك هو رد الشئ إلى الغاية المرادة [منه] علما كان، أو فعلا. ففى العلم نحو {وما يعلم تأويله إلا الله}، وفى الفعل كقول الشاعر:
*وللنوى قبل يوم البين تأويل*
وقوله - تعالى -: {يوم يأتي تأويله}: أى غايته. وقد تقدم. وقيل فى قوله - تعالى -: {ذلك خير وأحسن تأويلا}: أى أحسن معنى وترجمة، وقيل: أحسن ثوابا فى الآخرة.

  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:18 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التب)

( بصيرة فى التب)


وهو الخسران والنقص. وبمعناه التبب، والتباب، والتتبيب. وتبا له، وتبا تتبيبا: مبالغة. وتببه: قال له ذلك. وتبب فلانا: أهلكه. و {تبت يدا أبى لهب} أى ضلتا، وخسرتا، واستمرتا فى خسرانه {وما زادوهم غير تتبيب} أى تخسير.

  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:18 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التبر)

( بصيرة فى التبر)
وهو الكسر، والإهلاك. يقال: تبره، وتبره. وقوله - تعالى -: {ولا تزد الظالمين إلا تبارا} أى هلاكا.

  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التبع)

( بصيرة فى التبع)



تبعه تبعا وتباعة: مشى خلفه أو مر به، فمضى معه. والتبع تارة يكون بالجسم، وتارة بالارتسام، والائتمار. وعلى ذلك قوله تعالى -: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} ويقال: أتبعه: إذا لحقه. ومنه قوله - تعالى -: {فأتبعهم فرعون} أى لحقهم، أضو كاد يلحقهم. ومنه {فأتبعوهم مشرقين}. ويقال أتبع فلان بمال على آخر: أى أحيل عليه. وتبع كانوا رءوسا؛ سموا بذلك لاتباع بعضهم بعضا فى الرياسة، والسياسة. و "أتبع الفرس لجامها والناقة زمامها" يضرب عند الأمر باستكمال المعروف. والتبع واحد، ويجمع. وقد يجمع على أتباع.

  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:35 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى تبارك)

( بصيرة فى تبارك)
وقد ذكر فى ثمانية مواضع من القرآن:
الأول: عند بيان الخالقية: {فتبارك الله أحسن الخالقين}.
الثانى: فى بيان الربوبية: {تبارك الله رب العالمين}.
الثالث: فى بيان الكرم والجلالة: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام}.
الرابع: فى بيان الملك: {وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض}.
الخامس : فى بيان القهر، والقدرة: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}.


السادس: عند إظهار عجائب صنع الملكوت: {تبارك الذي جعل في السمآء بروجا}.
السابع: فى بيان نفاذ المشيئة والإرادة: { تبارك الذي إن شآء جعل لك خيرا من ذلك}.
الثامن: فى بيان عظمة القرآن، وشرفه: {تبارك الذي نزل الفرقان}. واختلف فى معناه: فقيل: لم يزل ولا يزال. وقيل: تبارك تقدس. وقيل: تعظم. وقيل تعالى.
وكل موضع ذكر فيه (تبارك) فهو تنبيه على اختصاصه - تعالى - بالخيرات المذكورة مع تبارك. مثل قوله: {تبارك الذي جعل في السمآء بروجا}؛ فإنه تنبيه على اختصاصه بما يفيضه علينا: من نعمه، بوساطة هذه البروج.

  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:38 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى تترى)

( بصيرة فى تترى)
وهى فعلى من المواترة أى المتابعة وترا وترا. وأصلها واو، فأبدلت تاء؛ كتراث وتجاه. فمن صرفه جعل الألف زائدة لا للتأنيث. ومن [منع] صرفه جعل ألفه للتأنيث. قال - تعالى -: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} أى متواترين، وقال الفراء: يقال: تتر فى الرفع، وتترا فى النصب، وتتر فى الجر. والألف فيه بدل من التنوين. وقال ثعلب: هى تفعل. وغلطه أبو على الفسوى، وقال: ليس فى الصفات تفعل.

  #11  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:38 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التجارة)

( بصيرة فى التجارة)
وقد ذكرها الله تعالى فى ستة مواضع.
الأول: تجارة غزاة المجاهدين بالروح، والنفس، والمال: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} إلى قوله: {بأموالكم وأنفسكم}.
الثانى: تجارة المنافقين فى بيع الهدى بالضلالة: {اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
الثالث: تجارة قراءة القرآن: {إن الذين يتلون كتاب الله} إلى قوله: {يرجون تجارة لن تبور}. الرابع: تجارة عباد الدنيا بتضييع الأعمال، فى استزادة الدرهم والدينار: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}.
الخامس: فى معاملة الخلق بالبيع والشرى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
السادس: تجارة خواص العباد بالإعراض عن كل تجارة دنيوية: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}.
وهى لغة: التصرف فى رأس المال؛ طلبا للربح. تجر يتجر فهو تاجر. والجمع تجر - كصاحب وصحب - وتجار وتجار. وليس فى الكلام تاء بعده جيم غيرها. ويقال: هو تاجر بكذا: أى حاذق، عارف لوجه المكتسب منه. ويقال: نصف البركة فى التجارة. وقيل، نعم الشئ التجارة، ولو فى الحجارة. ويروى فى الكلمات القدسية: من تاجرنى لم يخسر. وأوحى إلى بعض الأنبياء: قل لعبيدى: تاجرونى تربحوا على؛ فإنى خلقتكم لتربحوا على لا لأربح عليكم. وفى الحديث: الرفق فى المعيشة خير من بعض التجارة. وقال الشاعر:
*خذوا مال التجار وسوفوهم * إلى وقت فإنهم لئام*
*وليس عليكم فى ذاك إثم * فإن جميع ما جمعوا حرام*

  #12  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:39 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التراب)

( بصيرة فى التراب)

وقد جاء فى القرآن على وجوه:
الأول: بمعنى العظام البالية: الرميمة: {أإذا متنا وكنا ترابا}.
الثانى: بمعنى البهائم: {ياليتني كنت ترابا} أى بهيمة من البهائم. وقيل: هو بمعنى آدم عليه السلام. وهذا مما يقوله إبليس.
الثالث: بمعنى حقيقة التربة: {هو الذي خلقكم من تراب}.
وفيه لغات: الترب، والتربة، والترباء، والتيرب، والتيراب، والتورب، والتوارب، والتريب. وجمع التراب أتربة، وتربان. ولم يسمع لسائر لغاته بجمع. قال بعض الشعراء:
*خلقت بغير ذنب من تراب * فأرجع بالذنوب إلى التراب*
*ألا وجميع من فوق التراب * فداء تراب نعل أبى تراب*
وترب - كفرح - كثر ترابه، وصار فى يده التراب، ولزق بالتراب، وافتقر، وخسر. وأترب: استغنى، وقل ماله. فهو من الأضداد. وكذا ترب تتريبا. وبارح ترب: ريح فيها تراب. والترائب: ضلوع الصدر، أو ما ولى الترقوتين منها، أو ما بين الثديين والترقوتين، أو أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع من يسرته، أو اليدان، والرجلان، والعينان، أو موضع القلادة. و {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} أى لدات نشأن معا؛ تشبيها فى التساوى والتماثل بضلوع الصدر، أو لوقوعهن معا على التراب عند الولاد. والتربة: الضعفة.

  #13  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:39 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى الترك)

( بصيرة فى الترك)



وهو رفض الشئ قصدا واختيارا، أو قهرا واضطرارا. تركه تركا، وتركانا، واتركه: ودعه. والترك أيضا الجعل؛ كقولك: تركته وقيذا، كأنه ضد. وقوله - تعالى -: {واترك البحر رهوا} من القصد الاختيارى وقوله: {كم تركوا من جنات} من القهرى الاضطرارى. وقد يقال فى كل فعل ينتهى به إلى حالة ما: تركته كذا.

  #14  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:40 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التقوى)

( بصيرة فى التقوى)

وهى مشتقة من الوقاية، وهى حفظ الشئ مما يؤذيه، ويضره. يقال: وقاه وقيا ووقاية وواقية: صانه. والتوقية: الكلاءة، والحفظ. وقيل: الأصل فيها وقاية النساء التى تستر المرأة بها رأسها، تقيها من غبار، وحر، وبرد. والوقاية: ما وقيت به شيئا. ومن ذلك فرس واق: إذا كان يهاب المشى من وجع يجده فى حافره. فأصل تقوى: وقوى، أبدلت الواو تاء؛ كتراث، وتجاه. وكذلك اتقى يتقى أصله: اوتقى، على افتعل. فقلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها، وأبدلت منها التاء، وأدغمت. فلما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الكلمة، فجعلوه تقى يتقى، بفتح التاء فيها. ثم لم يجدوا له مثالا فى كلامهم يحلقونه به، فقالوا: تقى يتقى مثل قضى يقضى. وتقول فى الأمر: تق، و(فى المؤنث) تقى. ومنه قوله:
*زيادتنا نعمان لا تقطعنها * تق الله فينا والكتاب الذى تتلو*
بنى الأمر على المخفف، فاستغنى عن الألف فيه بحركة الحرف الثانى فى المستقبل.
والتقوى والتقى واحد. والتقاة: التقية. يقال: اتقى تقية، وتقاة. قال الله - تعالى -: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
والتقى: المتقى، وهو من جعل بينه وبين المعاصى وقاية تحول بينه وبينها: من قوة عزمه على تركها، وتوطين قلبه على ذلك. فلذلك قيل له: متق.
والتقوى البالغة الجامعة: اجتناب كل ما فيه ضرر لأمر الدين، وهو المعصية، والفضول. فعلى ذلك ينقسم على فرض، ونفل.
وقد ورد فى القرآن بخمسة معان:
الأول: بمعنى الخوف والخشية: {ياأيها الناس اتقوا ربكم}، وقال: {لعلهم يتقون} ولهذا نظائر.
الثانى: بمعنى الطاعة، والعبادة: {أفغير الله تتقون}.
الثالث: بمعنى ترك المعصية، والزلة: {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله} أى اتركوا خلاف أمره.
الرابع: بمعنى التوحيد والشهادة: {اتقوا الله وقولوا قولا سديدا}.
الخامس: بمعنى الإخلاص، والمعرفة: {أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}.
وأما البشارات التى بشر الله تعالى بها المتقين فى القرآن فالأول: البشرى بالكرامات: {الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى}.
الثانى: البشرى بالعون والنصرة: {إن الله مع الذين اتقوا}.
الثالث: بالعلم والحكمة: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}.
الرابع: بكفارة الذنوب وتعظيمه: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}.
السادس: بالمغفرة: {واتقوا الله إن الله غفور رحيم}.
السابع: اليسر والسهولة فى الأمر: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}.
الثامن: الخروج من الغم والمحنة: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}.
التاسع: رزق واسع، بأمن وفراغ: {يرزقه من حيث لا يحتسب}.
العاشر: النجاة من العذاب، والعقوبة: {ثم ننجي الذين اتقوا}.


الحادى عشر: الفوز بالمراد: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} {إن للمتقين مفازا}.
الثانى عشر: التوفيق والعصمة: {ولاكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى قوله: {وأولئك هم المتقون}.
الثالث عشر: الشهادة لهم بالصدق: {أولائك الذين صدقوا وأولائك هم المتقون}.
الرابع عشر: بشارة الكرامة والأكرمية: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
الخامس عشر: بشارة المحب: {إن الله يحب المتقين}.
السادس عشر: الفلاح: {واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
السابع عشر: نيل الوصال، والقربة: {ولاكن يناله التقوى منكم}.
الثامن عشر: نيل الجزاء بالممحنة: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}.
التاسع عشر: قبول الصدقة: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
العشرون: الصفاء والصفوة: {فإنها من تقوى القلوب}.
الحادى والعشرون: كمال العبودية: {اتقوا الله حق تقاته}.
الثانى والعشرون: الجنات والعيون: {إن المتقين في جنات وعيون}.
الثالث والعشرون: الأمن من البلية: {إن المتقين في مقام أمين}.
الرابع والعشرون: عز الفوقية على الخلق: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}.
الخامس والعشرون: زوال الخوف والحزن من العقوبة: {فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
السادس والعشرون: الأزواج الموافقة: {إن للمتقين مفازا} إلى قوله: {وكواعب أترابا}.
السابع والعشرون: قرب الحضرة، واللقاء والرؤية: {إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
{أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة} تنبيه على شدة ما ينالهم وأن أجدر شئ يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم. فصار ذلك: كقوله {وتغشى وجوههم النار}. وقوله تعالى: {هو أهل التقوى} أى أهل أن يتقى عقابه. ورجل تقى من أتقياء وتقواء.


  #15  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:42 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التوبة)

( بصيرة فى التوبة)

تاب إلى الله توبا، وتوبة، ومتابا، وتابة، وتتوبة: رجع عن المعصية، وهو تائب، وتواب. وتاب الله عليه: وفقه للتوبة، أو رجع به من التشديد إلى التخفيف، أو رجع عليه بفضله، وقبوله. وهو تواب على عباده. واستتابه: سأله أن يتوب.
والتوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لأنها أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أبدا، ولا يزال فيها إلى الممات. وإن ارتحل السالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به. فهى بداية العبد، ونهايته. وحاجته إليها فى النهاية ضرورية؛ كما حاجته إليها فى البداية كذلك.

وقد قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} وهذه الآية فى سورة مدنية، خاطب الله تعالى بها أهل الإيمان، وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعلق المسبب بسببه، وأتى بأداة (لعل) المشعر بالترجى؛ إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجوا الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم. وقد قال - تعالى -: {ومن لم يتب فأولائك هم الظالمون} قسم العباد إلى تائب، وظالم. وما قسم ثالث البتة، وأوقع الظلم على من يم يتب، ولا أظلم منه بجهله بربه، وبحقه، وبعيب نفسه، وبآفات أعماله. وفى الصحيح: "يا أيها الناس توبوا إلى الله؛ فإنى أتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة"، وكان أصحابه يعدون له فى المجلس الواحد قبل أن يقوم: (رب اغفر لى وتب على إنك أنت التواب الرحيم) مائة مرة، وما صلى قط بعد نزول سورة النصر إلا قال فى صلاته: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لى.


وقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله} يريد بالتوبة تمييز البقية من العزة: بأن يكون المقصود من التوبة تقوى الله، وهو خوفه، وخشيته، والقيام بأمره، واجتناب نهيه، فيعمل بطاعته على نور من الله، يرجو ثواب الله، ويترك معصية الله على نور من الله، يخاف عقاب الله، لا يريد بذلك عز الطاعة؛ فإن للطاعة والتوبة عزا ظاهرا وباطنا، فلا يكون مقصوده العزة، وإن علم أنها تحصل له بالطاعة، والتوبة. فمن تاب لأجل أمر فتوبته مدخولة.
وسرائر التوبة ثلاثة أشياء هذا أحدها، والثانى نسيان الجناية


. والثالث التوبة من الإسلام والإيمان. قلنا المراد منه التوبة من رؤية التوبة وأنها إنما حصلت له بتوفيق الله، ومشيئته؛ ولو خلى ونفسه لم يسمح بها البتة. فإذا رآها من نفسه، وغفل عن منة الله عليه، تاب من هذه الرؤية، والغفلة. ولكن هذه الرؤية ليست التوبة ولا جزأها، ولا شرطها، بل جناية أخرى حصلت له بعد التوبة، فيتوب من هذه الجناية؛ كما تاب من الجناية الأولى. فما تاب إلا مذنب أولا، وآخرا. والمراد التوبة من نقصان التوبة وعدم توفيتها حقها.
ووجه ثالث لطيف. وهو أنه من حصل له مقام الأنس بالله - تعالى - وصفاء وقته مع الله - تعالى - بحيث يكون إقباله على الله، واشتغاله بذكر آلائه وأسمائه وصفاته، أنفع شئ له، متى نزل عن هذا الحال اشتغل بالتوبة من جناية سالفة، قد تاب منها، وطالع الجناية، واشتغل بها عن الله تعالى، فهذا نقص ينبغى أن يتوب إلى الله منه. وهى توبة من هذه التوبة، لأنه نزول من الصفاء إلى الجفاء. فالتوبة من التوبة إنما تعقل على أحد هذه الوجوه الثلاثة. والله أعلم.
واعلم أن صاحب البصيرة إذا صدرت منه الخطيئة فله فى توبته نظر إلى أمور. أحدها النظر إلى الوعد والوعيد فيحدث له ذلك خوفا، وخشية تحمله على التوبة.
الثانى: أن ينظر إلى أمره تعالى ونهيه فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة، والإقرار على نفسه بالذنب.
الثالث: أن ينظر إلى تمكين الله تعالى إياه منها، وتخليته بينه وبينها، وتقديرها عليه، وأنه لو شاء لعصمه منها، فيحدث له ذلك أنواعا من المعرفة بالله، وأسمائه وصفاته، وحكمته، ورحمته، ومغفرته، وعفوه، وحلمه، وكرمه، وتوجب له هذه المعرفة عبودية بهذه الأسماء، لا تحصل بدون لوازمها، ويعلم ارتباط الخلق، والأمر، والجزاء. بالوعد والوعيد بأسمائه، وصفاته، وأن ذلك موجب الأسماء، والصفات، وأثرها فى الوجود، وأن كل اسم مفيض لأثره. وهذا المشهد يطلعه على رياض مؤنقة المعارف، والإيمان، وأسرار القدر، والحكمة يضيق عن التعبير [عنها] نطاق الكلم والنظر.


الرابع: نظره إلى الآمر له بالمعصية، وهو شيطانه الموكل به، فيفيده النظر إليه اتخاذه عدوا، وكمال الاحتراز منه، والتحفظ والتيقظ لما يريده منه عدوه، وهو لا يشعر؛ فإنه يريد أن يظفر به فى عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض: عقبة الكفر بالله، ودينه، ولقائه، ثم عقبة البدعة، إما باعتقاده خلاف الحق، وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله من الرسوم المحدثة. قال بعض مشايخنا: تزوجت الحقيقة الكافرة، بالبدعة الفاجرة، فولد بينهما خسران الدنيا والآخرة، ثم عقبة الكبائر (يزينها له وأن الإيمان فيه الكفاية. ثم عقبة الصغائر بأنها مغفورة ما اجتنبت الكبائر) ولا يزال يجنيها حتى يصر عليها، ثم عقبة المباحات، فيشغله بها عن الاستكثار من الطاعات. وأقل ما يناله منه تفويت الأرباح العظيمة، ثم عقبة الأعمال المرجوحة، المفضولة يزينها له، ويشغله بها عما هو أفضل وأعظم ربحا. ولكن أين أصحاب هذه العقبة؛ فهم الأفراد فى العالم. والأكثرون قد ظفر بهم فى العقبة الأولى. فإن عجز عنه فى هذه العقبات جاء فى عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى، على حسب مرتبته فى الخير. وهذه نبذة من لطائف أسرار التوبة رزقنا الله تعالى [إياها] بمنه وفضله إنه حقيق بذلك.


وورد التوبة فى القرآن على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى التجاوز والعفو. وهذا مقيد بعلى: {فتاب عليكم}، {أو يتوب عليهم}، {ويتوب الله على من يشآء}.
الثانى: بمعنى الرجوع، والإنابة. وهذا مقيد بإلى: {تبت إليك}، {توبوا إلى الله}، {فتوبوا إلى بارئكم}.
الثالث: بمعنى الندامة على الزلة، وهذا غير مقيد لا بإلى، ولا بعلى: {إلا الذين تابوا وأصلحوا}، {فإن تبتم فهو خير لكم}.
ويقال: إن التوبة من طريق المعنى على ثلاثة أنواع، ومن طريق اللفظ وسبيل اللطف على ثلاثة وثلاثين درجة:


أما المعنى فالأول: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الرب. وهذا يكون بندامة الجنان، واستغفار اللسان.
والثانى: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين طاعة الرب. وهذا يكون بجبر النقصان الواقع فيها.
الثالث: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الخلق. وهذه تكون بإرضاء الخصوم بأى وجه أمكن.
وأما درجات اللطف فالأولى: أن الله أمر الخلق بالتوبة، وأشار بأيها التى تليق بحال المؤمن {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون}.
الثانية: لا تكون التوبة مثمرة حتى يتم أمرها {توبوا إلى الله توبة نصوحا}.
الثالثة: لا تنظر أنك فريد فى طريق التوبة؛ فإن أباك آدم كان مقدم التائبين: {فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه}، والكليم موسى لم يكن له لما علا على الطور تحفة غير التوبة {سبحانك تبت إليك}.
ثم إنه بشر الناس بالتمتع من الأعمال، واستحقاق فضل الرءوف الغفار: {ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا}. وأشار صالح على قومه بالتوبة، وبشرهم بالقربة والإجابة: {ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}. وسيد المرسلين مع الأنصار والمهاجرين سلكوا طريق الناس: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين}. والصديق الأكبر اقتدى فى التوبة بسائر النبيين: {تبت إليك وإني من المسلمين}.

أصحاب النبى ما نالوا التوبة إلا بتوفيق الله . {ثم تاب عليهم ليتوبوا} تحرزا من انتشار أمرن بالتوبة {إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما} ومن توقف عن سلوك طريق الناس وسم جبين حاله بميسم الخائبين: {ومن لم يتب فأولائك هم الظالمون} الأزواج اللائقة بخاتم النبيين تعين بالتوبة: {قانتات تائبات}.


الرجال لا يقعدهم على سرير السرور إلا التوبة: {التائبون العابدون} ولا يظن التواب اختصاص النعت به (فإنا جعلنا) هذا الوصف من جملة صفات العلى: {إن الله كان توابا} وإذا وفقنا العبد للتوبة تارة قربناه بالحكمة {وأن الله تواب حكيم} وإذا قبلنا منه التوبة قرباه بالرحمة: {وأنا التواب الرحيم}. والمؤمن إذا تاب أقبلنا عليه بالقبول، وتكفلنا له بنيل المأمول: {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات}.
وإن أردت أن تكون فى أمان الإيمان، مصاحبا لسلاح الصلاح، فعليك بالتوبة: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا} {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} {ومن تاب وعمل صالحا} وإذا أقبل العبد على باب التوبة استحكم عقد أخوته، مع أهل الإسلام: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}. ومن تاب، وقصد الباب، حصل له الفرج بأفضل الأسباب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} ومن أثار غبار المعاصى، وأتبعه برشاش الندم، غلبت حكمتنا الطاعة على المعصية، وسترت الزلة بالرحمة: {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}.

السارق المارق إذا لاذ وتحرم بالتوبة قبل القدرة عليه، فلا سبيل للإيذاء إليه : {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}. وإذا أردت التوبة فأنا المريد لتوبتك قبل: {والله يريد أن يتوب عليكم} وإذا تبت بتوبتى عليك، وتوفيقى لك، جازيت بالمحبة: {إن الله يحب التوابين}. وإنا لا نقبل توبة من يؤخر توبته إلى آخر الوقت: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}. وإنما يتقبل توبة من تتصل توبته بزلته، وتقترن بمعصيته: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب}. أعظم الذنوب قتل النفس وإذا حصل خطأ من غير عمد فبالتوبة والصيام كفر: {فصيام شهرين متتابعين توبة من الله}. نهينا سيد المرسلين عن التحكم على عبادنا؛ فإن ذلك إلينا. ونحن نتوب عليهم لو نشاء: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} لا تفر من التوبة؛ فإنها خير لك فى الدارين: {فإن يتوبوا يك خيرا لهم}، {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذالكم خير لكم عند بارئكم} ومن رمى بنفسه فى هوة الكفر فلا توبة له {لن تقبل توبتهم} أيظنون أنا لا نقبل توبة المخلص من عبادنا: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} نحن نأخذ بيد المذنب، ونقبل باللطف توبته: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب}، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}.


ولهذا قيل: التوبة قصار المذنبين، وغسال المجرمين، وقائد المحسنين، وعطار المريدين، وأنيس المشتاقين، وسائق إلى رب العالمين.

  #16  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:44 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التوكل)

( بصيرة فى التوكل)
وهو يقال على وجهين: يقال: توكلت لفلان بمعنى توليت له. يقال: وكلته توكيلا، فتوكل لى. وتوكلت عليه بمعنى اعتمدته.
وقد أمر الله تعالى بالتوكل فى خمسة عشر موضعا من القرآن.
الأول: إن طلبتم النصر والفرج فتوكلوا على: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} إلى قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}.
الثانى: إذا أعرضت عن أعدائى فليكن رفيقك التوكل: {فأعرض عنهم وتوكل على الله}.
الثالث: إذا أعرض عنك الخلق اعتمد على التوكل: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت}.
الرابع: إذا تلى القرآن عليك، أو تلوته، فاستند على التوكل: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}.
الخامس: إذا طلبت الصلح والإصلاح بين قوم لا تتوسل إلى ذلك إلا بالتوكل: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله}.
السادس: إذا وصلت قوافل القضاء استقبلها بالتوكل: {قل لن يصيبنآ إلا ما كتب الله لنا هو مولانا} الآية.
السابع: إذا نصبت الأعداء حبالات المكر ادخل أنت فى أرض التوكل {واتل عليهم نبأ نوح} إلى قوله: {فعلى الله توكلت}.
الثامن: وإذا عرفت أن مرجع الكل إلينا، وتقدير الكل منا، وطن نفسك على فرش التوكل: {فاعبده وتوكل عليه}.


التاسع: إذا علمت أنى الواحد على الحقيقة، فلا يكن اتكالك إلا علينا: {قل هو ربي لا اله إلا هو عليه توكلت}.
العاشر: إذا عرفت أن هذه الهداية من عندى، لاقها بالشكر، والتوكل: {وما لنآ ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا} إلى قوله: {وعلى الله فليتوكل المتوكلون}.
الحادى عشر: إذا خشيت بأس أعداء الله، والشيطان الغدار، لا تلتجئ إلا إلى بابنا: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}.
الثانى عشر: إن أردت أن أكون أنا وكيلك فى كل حال، فتمسك بالتوكل فى كل حال: {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}.
الثالث عشر: إن أردت أن يكون الفردوس الأعلى منزلك انزل فى مقام التوكل: {الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}.
الرابع عشر: إن شئت النزول محل المحبة اقصد أولا طريق التوكل: {فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.
الخامس عشر: إن أردت أن أكون لك، وتكون لى، فاستقر على تخت التوكل: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، {فتوكل على الله إنك على الحق المبين}، {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده}. ثم اعمل أن التوكل نصف الدين، والنصف الثانى الإنابة. فإن الدين استعانة، وعبادة. فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هى العبادة.
ومنزلة التوكل (أوسع المنازل: لا يزال معمورا بالنازلين لسعة متعلق التوكل) وكثرة حوائج العاملين، وعموم التوكل، ووقوعه من المؤمنين والكفار، والأبرار، والفجار، والطير، والوحوش، والبهائم، وأهل السماوات، والأرض، وأن المكلفين، وغيرهم فى مقام التوكل [سواء] وإن تباين متعلق توكلهم.


فأولياؤه وخاصته متوكلون عليه فى حصول ما يرضيه منهم، وفى إقامته فى الخلق، فيتوكلون عليه فى الإيمان، ونصرة دينه، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه، وفى محابه، وتنفيذ أوامره.
ودون هؤلاء من يتوكل عليه فى معلوم يناله: من رزق، أو عافية، أو نصر على عدو، أو زوجة، أو ولد، ونحو ذلك.
ودون هؤلاء من يتوكل عليه فى حصول ما لا يحبه الله، ولا يرضاه: من الظلم، والعدوان، وحصول الإثم، والفواحش. فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالون غالبا إلا باستعانتهم، وتوكلهم عليه. بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات. ولهذا يلقون أنفسهم فى المهالك، معتمدين على الله - تعالى - أن يشمهم، ويظفرهم بمطالبهم. فأفضل التوكل فى الواجب: أعنى واجب الحق، وواجب الخلق، وواجب النفس. وأوسعه وأنفعه التوكل فى التأثير فى الخارج فى مصلحة دينه، أو فى دفع مفسدة دينه. وهو توكل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فى إقامة دين الله، ودفع المفسدين فى الأرض. وهذا توكل ورثتهم.
ثم الناس فى التوكل على حسب [أغراضهم]. فمن متوكل على الله فى حصول الملك، ومتوكل عليه فى حصول (رغيف. ومن صدق توكله على الله فى حصول). شئ ناله. فإن كان محبوبا له مرضيا كانت له فيه العاقبة المحمودة. وإن كان مسخوطا مبغوضا كان ما حصل له بتوكله مضرة. وإن كان مباحا حصلت له مصلحة التوكل، دون مصلحة ما توكل فيه، إن لم يستعن به على طاعة.


فإن قلت: ما معنى التوكل؟ قلت: قال الإمام أحمد: التوكل: عمل القلب: يعنى ليس بقول، ولا عمل جارحه، ولا هو من باب العلوم، والإدراكات. ومن الناس من يجعله من باب المعارف، فيقول: هو علم القلب بكفاية العبد من الله. ومنهم من يقول: هو جمود حركة القلب، واطراحه بين يد الله كاطراح الميت بين يدى الغاسل: يقلبه كيف يشاء. وقيل: ترك الاختيار، والاسترسال مع مجارى الأقدار. ومنهم من يفسره بالرضا، ومنهم من يفسره بالثقة بالله، والطمأنينة إليه.
وقال ابن عطاء. هو ألا يظهر فيه انزعاج إلى الأسباب، مع شدة فاقته إليها؛ ولا يزول عن حقيقة السكون إلى الحق، مع وقوفه عليها. وقيل: ترك تدبير النفس. والانخلاع من الحول والقوة.
وإنما يقوى العبد على التوكل إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه. وقيل: التوكل أن ترد عليك موارد الفاقات، فلا تسمو إلا إلى من له الكفايات، أو نفى الشكوك، أو التفويض إلى مالك الملوك، أو خلع الأرباب، وقطع الأسباب، أى قطعها من تعلق القلب بها [لا] من ملابسة الجوارح لها. وقال أبو سعيد الخراز: هو اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب. وقال سهل: من طعن فى الحركة، فقد طعن فى السنة. ومن طعن فى التوكل فقد طعن فى الإيمان. فالتوكل حال النبى صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته. فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته.
وحقيقة الأمر أن التوكل : حال مركب من مجموع أمور لا يتم حقيقة التوكل إلا بها. وكل أشار إلى واحد من هذه الأمور، أو اثنين أو أكثر. فأول ذلك معرفة الرب وصفاته: من قدرته، وكفايته، وفيوضه، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته، وقدرته. وهذه المعرفة أولى درجة والثانية إثبات الأسباب والمسببات، فإن من نفاها فتوكله مزح. وهذا عكس ما يظهر فى بادئ الرأى: من أن إثبات الأسباب يقدح فى التوكل. ولكن الأمر بخلافه: فإن نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكل البتة. فإن التوكل أقوى الأسباب فى حصول المتوكل به؛ فهو كالدعاء الذى جعله الله سببا فى حصول المدعو به.


الدرجة الثالثة رسوخ القلب فى مقام التوحيد؛ فإنه لا يستقيم توكله حتى يصح توحيده.
الدرجة الرابعة اعتماد القلب على الله تعالى، واستناده عليه، وسكونه إليه، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من جهة الأسباب.
الخامسة حسن الظن بالله. فعلى قدر حسن ظنك به يكون توكلك عليه.
السادسة استسلام القلب له، وانجذاب دواعيه كلها إليه.
السابعة التفويض. وهو روح التوكل، ولبة، وحقيقته. فإذا وضع قدمه فى هذه الدرجة انتقل منها إلى درجة الرضا وهى ثمرة التوكل. ونستوفى الكلام عليه إن شاء الله تعالى فى محله من المقصد المشتمل على علم التصوف.

  #17  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:45 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التذكر والتفكر)

( بصيرة فى التذكر والتفكر)
التذكر: تفعل من الذكر. والذكر: هيئة للنفس، بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة. والفكرة: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم. والتفكر غيره؛ فإنذ تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان. ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة فى القلب. ولهذا روى "تفكروا فى آلاء الله، ولا تفكروا فى ذات الله". إذ كان الله منزها أن يوصف بصورة. قال - تعالى -: {أولم يتفكروا في أنفسهم}، {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض}.
ثم اعلم أن التذكر قرين الإنابة. قال - تعالى -: {وما يذكر إلا أولوا الألباب}.
والتذكر والتفكر منزلان يثمران أنواع المعارف، وحقائق الإيمان والإحسان . فالعارف لا يزال يعود تفكره على تذكره، وتذكره على تفكره، حتى يفتح قفل قلبه بإذن الفتاح العليم. قال الحسن البصرى: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، بالتفكر على التذكر، ويناطقون القلوب حتى نطقت. قال الشيخ أبو عبد الله الأنصارى: والتذكر فوق التفكر؛ لان التفكر طلب، والتذكر وجود. يعنى أن التماس الغايات من مبادئها. وقوله: التذكر وجوده لأنه يكون فيما قد حصل بالتفكر، ثم غاب عنه بالنسيان، فإذا تذكره وجده، وظفر به. واختير له بناء التفعل؛ لحصوله بعد مهلة وتدريج؛ كالتبصر، والتفهم. فمنزلة التذكر من التفكر منزلة حصول الشئ المطلوب بعد التفتيش عليه. ولهذا كانت آيات الله المتلوة والمشهودة ذكرى؛ كما قال فى المتلوة: {ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب * هدى وذكرى لأولي الألباب}، وقال فى القرآن: {وإنه لتذكرة للمتقين}، وقال فى الآية المشهودة: {أفلم ينظروا إلى السمآء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} فالتبصرة آية البصر، والتذكرة آية القلب. وفرق بينهما. وجعلا لأهل الإنابة؛ لأنه إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الآيات والعبر، فاستدل بها على ما هى آيات له، فزال عنه الاعتراض بالإنابة، والعمى بالتبصرة، والغفلة بالتذكر؛ لأن التبصرة توجب له حصول صورة المدلول فى القلب، بعد غفلته عنها. فترتبت المنازل الثلاثة أحسن ترتيب. ثم إن

كلا منها يمد صاحبها، ويقويه، ويثمره . وقال - تعالى - فى آياته المشهودة: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص * إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.


والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذى لا قلب له: فهذا ليست هذه الآية تذكرة فى حقه. ورجل حى مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة، التى تجزئه عن الآيات المشهودة: إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكن قلبه مشغول عنها بغيره. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أيضا لا يحصل له الذكرى، مع استعداده، ووجود قلبه. والثالث رجل حى القلب، مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغله بغيره، فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملق للسمع. فهذا القسم هو الذى ينتفع بالآيات الملتوة والمشهودة. فالأول بمنزلة الأعمى الذى لا يبصر. والثانى بمنزلة الطامح بصره إلى غير جهة المنظور إليه. والثالث بمنزلة المبصر الذى فتح بصره الطامح لرؤية المقصود، وأتبعه بصره، وقلبه، على توسط من البعد والقرب. فهذا هو الذى يراه.
فإن قيل: فما موقع (أو) من قوله - تعالى -: {أو ألقى السمع} قيل: فيها سر لطيف. ولسنا نقول: إنها بمعنى الواو كما يقول ظاهرية النحاة. فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد، ملئ باستخراج العبر، واستنباط الحكم. فهذا قلبه يوقعه على التذكر، والاعتبار. فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله - تعالى -، وأعظمهم إيمانا، وبصيرة؛ حتى كأن الذى أخبرهم به الرسول قد كان مشاهدا لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله، وأنواعه. حتى قيل: إن الصديق - رضى الله عنه - كان حاله مع النبى - صلى الله عليه وسلم - كحال رجلين دخلا دارا. فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها، وجزئياتها، والآخر وقع بصره على ما فى الدار، ولم ير تفاصيله ولا جزئياته؛ لكنه علم أن فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا، فسأله عما رأى فى الدار، فجعل كلما أخبره بشئ صدقه، لما عنده من شواهده. وهذه أعلى درجات الصديقية. ولا يستبعد أن يمن الله تعالى على عبد بمثل هذا الإيمان؛ لأن فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان. فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات. وفى قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السمع، وشهد قلبه، ولم يغب، حصل له التذكر أيضا {فإن لم يصبها وابل فطل} والوابل والطل فى جميع الأعمال، وآثارها، وموجباتها. وأهل الحب سابقون ومقربون، وأصحاب يمين، وبينهما من درجات التفصيل ما بينهما، والله أعلم.



  #18  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:46 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التبتل)

( بصيرة فى التبتل)

قال تعالى: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا}.
والتبتل: الانقطاع. وهو تفعل من البتل وهو القطع. وسميت مريم البتول لانفطاعها عن الأزواج وعن نظراء زمانها، ففاقت نساء عالمها شرفا وفضلا. {وتبتل إليه تبتيلا} كالتعلم والتفهم. ولكن جاء على التفعيل مصدر بتل تبتيلا لسر لطيف؛ فإن فى هذا الفعل إيذانا بالتدريج، وفى التفعيل إيذان بالتكثير والمبالغة، فأتى بالفعل الدال على أحدهما، والمصدر الدال على الآخر، كأنه قيل: بتل نفسك إليه تبتيلا، وتبتل أنت إليه تبتلا، ففهم المعنيان من الفعل ومصدره. وهذا كثير فى القرآن، وهو من أحسن الاختصار والإيجاز. فالتبتل: الانقطاع إلى الله فى العبادة وإخلاص النية انقطاعا يختص به. وإلى هذا المعنى أشار تعالى {قل الله ثم ذرهم} وليس هذا منافيا لما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا رهبانية ولا تبتل فى الإسلام" فإن التبتل هاهنا هو الانقطاع من النكاح، والرغبة عنه محظور.
والتبتل يجمع أمرين: اتصالا وانفصالا لا يصح إلا بهما، فالانفصال انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله خوفا منه، أو رغبة في، أو مبالاة وفكرا فيه، بحيث يشتغل قلبه عن الله تعالى. والاتصال لا يصح إلا بعد هذا الانفصال. وهو اتصال القلب بالله، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له حبا وخوفا ورجاء وإنابة وتوكلا. وهذا إنما يحصل بحسم مادة رجاء المخلوقين من قلبك، وهو الرضا بحكم الله وقسمه لك، وبحسم مادة الخوف وهو التسليم لله؛ فإن من سلم لله واستسلم له علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فلا يبقى للمخلوقين فى قلبه موقع؛ فإن نفسه التى يخاف عليها قد سلمها إلى مولاها وأودعها عنده وجعلها تحت كنفه، حيث لا يناله يد عاد ولا بغى باغ، وبحسم مادة المبالاة بالناس. وهذا إنما يحصل بشهود الحقيقة وهو رؤية الأشياء كلها من الله وبالله وفى قبضته وتحت قهر سلطانه، لا يتحرك منها شئ إلا بحوله وقوته، ولا ينفع ولا يضر إلا بإذنه ومشيئته، فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشهود.

  #19  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التفويض)

( بصيرة فى التفويض)
يقال: فوض إليه أمره أى رده إليه. وأصله من قولهم: أمرهم فوضى بينهم وفوصوضى وفوضوضاء إذا كانوا مختلطين يتصرف كل منهم فى (مال الآخر). وقوم فوضى: متساوون لا رئيس لهم. أو متفرقون أو مختلط بعضهم ببعض. ومنه شركة المفاوضة وشركة التفاوض. وهو الاشتراك فى كل شيء.
واختلف فى التفويض والتوكل أيهما أعلى وأرفع. فقال الشيخ أبو عبد الله الأنصارى: التفويض ألطف إشارة وأوسع معنى؛ فإن التوكل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده. وهو من الاستسلام، والتوكل شعبة منه يعنى أن المفوض بين أمر الحول والقوة، ويفوض الأمر إلى صاحبه من غير أن يقيمه مقام نفسه فى مصالحة. بخلاف التوكل فإن الوكالة تقتضى أن يقوم [الوكيل] مقام الموكل. والتفويض براءة وخروج من الحول والقوة وتسليم الأمر كله إلى مالكه. وقال غيره: كذلك التوكل أيضا، و[ما] قدحتم به فى التوكل يرد عليكم نظيره فى التفويض سواء، فإنا نقول: كيف يفوض شيئا لا يملكه البتة إلى مالكه وهل يصح أن يفوض واحد من آحاد الرعية الملك إلى ملك زمانه. فالعلة إذا فى التفويض أعظم منها فى التوكل. بل لو قال: قائل: التوكل فوق التفويض وأجل منه وأرفع، لكان مصيبا. ولهذا القرآن مملوء به أمرا وإخبارا عن خاصة الله وأوليائه وصفوة عباده؛ فإنه حالهم، وأمر به رسوله فى أربعة مواضع كما تقدم فى بصيرة التوكل. وسماه المتوكل فى التوراة؛ ثبت ذلك فى صحيح البخارى، وأخبر عن رسله بأن حالهم التوكل، وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم أهل مقام التوكل. ولم يجيء التفويض فى القرآن إلا فيما حكاه تعالى عن مؤمن آل فرعون من قوله {وأفوض أمري إلى الله} وسيعود تمام الكلام عليه فى مقصد التصوف إن شاء الله تعالى.

  #20  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التسليم)

( بصيرة فى التسليم)
وهو نوعان: تسليم لحكمه الدينى الأمرى، وتسليم لحكمه الكونى القدرى.
فأما الأول فهو تسليم المؤمنين العارفين. قال الله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} فهذه ثلاث مراتب: التحكيم، وسعة الصبر بانتفاء الحرج، والتسليم.


وأما التسليم للحكم الكونى فمزلة أقدام، ومضلة أفهام. حير الأنام، وأوقع الخصام. وهى مسألة الرضا بالقضاء. وسيجئ الكلام عليه فى محله، ونبين أن التسليم للقضاء يحمد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه ولم يقدر على ذلك؛ كالمصائب التى لا قدرة على دفعها. وأما الأحكام التى أمر بدفعها فلا يجوز له التسليم إليها، بل العبودية مدافعتها بأحكام أخرى أحسن عند الله منها.
فاعلم أن التسليم هو الخلاص من شبهة تعارض الخبر، أو شهوة تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص، أو اعتراض يعارض القدر والشرع، وصاحب (هذه التخاليص) هو صاحب القلب السليم الذى لا ينجو إلا من أتى الله به. فإن التسليم ضد المنازعة، والمنازعة إما بشبهة فاسدة تعارض الإيمان بالخبر عما وصف الله تعالى به نفسه من صفاته وأفعاله، وما أخبر به عن اليوم الآخر وغير ذلك. فالتسليم له ترك منازعته بشبهات المتكلمين الباطلة، وإما بشهوة تعارض أمر الله. فالتسليم للأمر بالتخلص منها، أو إرادة تعارض مراد الله من عبده، فتعارضه إرادة تتعلق بمراد العبد من الرب. فالتسليم بالتخلص منها. أو اعتراض [ما] يعارض حكمته فى خلقه وأمره بأن يظن أن مقتضى الحكمة خلاف ما شرع وخلاف ما قضى وقدر. فالتسليم التخلص من هذه المنازعات كلها.
وبهذا تبين أنه من أجل مقامات الإيمان، وأعلى طرق الخاصة، وأن التسليم هو محض الصديقية.
ثم إن كمال التسليم السلامة من رؤية التسليم بأن يعلم أن الحق تعالى هو الذى يسلم إلى الله نفسه دونه. فالحق تعالى هو الذى سلمك إليه، فهو المسلم وهو المسلم إليه، وأنت آلة التسليم. فمن شهد هذا المشهد ووجد ذاته مسلما إلى الحق، وما سلمها إلى الحق غير الحق، فقد سلم العبد من دعوى التسليم؛ والله أعلم.

  #21  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التربص)

( بصيرة فى التربص)

يقال: تربص به تربصا أى انتظر به خيرا أو شرا يحل به.
وقد ورد فى القرآن لثمانية أمور:
الأول: تربص الإيلاء {تربص أربعة أشهر}:
الثانى: تربص المطلقة ثلاثة أشهر أو ثلاثة أطهار.
الثالث: تربص المعتدة {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
الرابع تربص المنافقين للمؤمنين بالغنيمة أو الشهادة {هل تربصون بنآ إلا إحدى الحسنيين}.
الخامس: تربص كفارة مكة فى حق سيد المرسلين لحادثة أو نكبة {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون}.
السادس: تربص المؤمنين للمنافقين بالنكال والفضيحة {ونحن نتربص بكم}.
السابع: تربص سيد المرسلين لهلاك أعداء الدين {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين}.
الثامن: تربص العموم والخصوص للقضاء والقدر {قل كل متربص فتربصوا}.
ويقرب من معنى التربص الترقب والترصد والتنظر والتطلع.
وقد ورد فى القرآن من مادة هذه الكلمات حروف تذكر فى مواضعها من بصائر رقب ورصد ونظر وطلع إن شاء الله تعالى.

  #22  
قديم 29 جمادى الأولى 1432هـ/2-05-2011م, 10:48 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ( بصيرة فى التفصيل)

( بصيرة فى التفصيل)

وقد ورد فى القرآن على وجهين:
الأول: بمعنى التبيين والإيضاح، إما لجملة الأحكام كقوله تعالى: {وتفصيلا لكل شيء} وقوله {وكل شيء فصلناه تفصيلا} وإما لبيان القرآن فى نفسه {بكتاب فصلناه على علم} أنزل إليكم الكتاب مفصلا} أى مبينا، وإما لتبيين آيات القرآن أحكام الشرع {كتاب فصلت آياته}، {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} وقيل هو إشارة إلى ما قال تعالى {تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة}.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطر البال توك على العالم العربي أبو صهيب المنتدى العام 0 21 رمضان 1430هـ/10-09-2009م 12:29 PM


الساعة الآن 03:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir