المجموعة الثانية:
س1: ما هو التفسير الذي لا يُعذر أحد بجهالته؟
روى الإمام ابن جرير الطبري عنابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها، وتفسير لاَ يُعذر أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لاَ يعلمه إلا الله تعالى ذكره).
و قال أبو بكر الفِرْيابِي في "كتاب القدر": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
« نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: حَلَالٍ وَحَرَامٍ، لَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُمَا، وَوَجْهٍ عَرَبِيٍّ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ، وَوَجْهِ تَأْوِيلٍ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَوَجْهِ تَأْوِيلٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنِ انْتَحَلَ فِيهِ عِلْمًا فَقَدْ
التفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته هو ما يحصل به العلم الضروري من دلالة الخطاب لمن بلغه.
وهو يشمل الأمر بالفرائض ، والنهي عنه المحارم ، وأصول الأخلاق والعقائد.
فإنَّ الحلالَ لا بُدَّ مِن فِعْلِه، والأوامرُ كقولِه تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوُا الزَّكَاةَ}، وقولِه:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}،وقولِه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ}وما أَشْبَهَ ذلك، فلا يُعْذَرُ أَحَدٌ بجَهالَتِها، وكذلك الْمُحَرَّمَاتُ لا بُدَّ أن يَتَعَلَّمَها المسلِمُ حتى يَتَجَنَّبَها، مثلُ قولِه تعالى: {لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ}، ومثلُ قولِه تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ}،{وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}،{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا}وأشباهُ ذلك مما لا يُعْذَرُ أحَدٌ بجَهْلِهِ أيضاً، فلا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَتجاهَلَه، وأن يَبْقَى جاهلاً به؛بل كلُّ المسلمينَ يُؤمرونَ بأن يَعرفوهُ حتى لا يَقَعوا فيه، والذي يَبْقى على جَهْلٍ يُعْتَبَرُ مُفَرِّطاً.
وكذا يدخل فيه ما جاء من أمر بالصدق والأمانة والنهي عن الكذب والخيانة ، وعن إتيان الفواحش ، وغير هذه من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق .
ويدخل فيه ما يتعلق بالعقائد ؛ كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)(محمد: من الآية19) ، صريح في الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، ولا يعذر أحد بجهالة هذا الخطاب إذا بلغه بلاغاً صحيحاً.
و كقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الانبياء:25) ، وغيرها من الأوامر والنواهي المتعلقة بالتوحيد . هذه كلها داخلة في الواجب الذي يجب على المسلم تعلمه من التفسير .
و يشترط فى ذلك أن تكون قد بلغت للمكلف بلاغا صحيحا ؛ وهذا يخرج من لم تبلغه، ومن بلغته لكن على وجه لا تقوم به الحجة؛ كالأعجمي الذي لا يفقه ما يتلى عليه، ومن في حكمه.
س2: هل يمكن أن يجتمع التفسير من طرق متعددة في مسألة واحدة؟
نعم يمكن أن يجتمع في المسألة الواحدة من مسائل التفسير طرق متعددة من طرق التفسير.
إذ إن طرق التفسير يعضد بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا ، وكلما كثرت طرق بيان وتفسير الآية ازداد وضوحها وزال كثير من إشكالات فهمهاوهو واقع وكثير
س3: ما هي شروط صحة تفسير القرآن بالقرآن.
يشترط لصحة تفسيرالقران بالقران شرطان
الشرطالأول:صحّة المستدلّ عليه.
فالمعنىالمستدل عليه يجب أن لا يكون مصادما لنصوص الكتاب والسنة و ما أجمع عليه سلف الأمة و أن لا يخالفها.
فكل كل تفسير اقتضى معنى فاسدا ؛بطل الاستدلال عليه؛ و إن اعتقد المفسر انه معنى توصل إليه و استنبطه من القران ؛ فلا يصح ذلك و إنما أوتي ذلك من خطئه و وهمه
والشرط الثاني:صحّة وجه الدلالة.
وجه الدلالة قد تكون ظاهرة بينة ؛وقد تكون خفية صحيحة و قد تكون فيها خفاء و التباس تحتاج إلى نظر و اجتهاد حتى يتبن صحتها أو فسادها.
س4: بيّن أنواع تفسير القرآن بالسنة.
السنة النبوية على ثلاثة أنواع
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم،
2- 2-وفعله،
3- 3- وإقراره،
4- وعليه فالتفسير للقران بالسنة ممكن أن يكون تفسيرا بالقول أو بالعمل او بالإقرار
فمثال التفسير القولي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار»رواه الترمذي
مثال عن التفسير الفعلي:
:تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى:{وأقيموا الصلاة}وقوله:{أقم الصلاة} بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
- مثال التفسير بالإقرار:
- إقراره لعمرو بن العاص لما تيمم من الجنابة في شدة البرد؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث عمران بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟»فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا).
س5: بيّن خصائص التفسير النبوي.
للتفسير النبوي خصائص منها
1.-أنه تفسير معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً؛ فكلّ ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن فهو حجّة لا خطأ فيه.
2-والنبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد في التفسير كما يجتهد في سائر الأحكام لكنه معصوم من أن يُقرّ على خطأ في بيان ما أنزل الله إليه.
3-أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قد يكون معه تخصيص لدلالة اللفظ أو توسيع لها ، وكلّ ذلك حجّة عنه صلى الله عليه وسلم.
مثال ذلك
روى ابن كثير فى تفسير ؛قال قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )شق ذلك على الناس وقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال : " إنه ليس الذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح :( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )إنما هو الشرك "
الصحابة فهموا الظلم بمعناه العام في لغتهم (أي أنهم استشكلوا مدلول لفظة: الظلم) فشق عليهم هذا الخطاب حتى بينه لهم رسول الله.
ومن ذلك
ماجاء عن أبي سعيد الخدري من تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- للفظة (وسطاً) من قوله (تعالى):-((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) ؛ قال (والوسط العدل) .
س6: تحدّث عن تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشان التفسير.
لقد أدب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أحسن الأدب ورباهم على محبة القرآن وتعظيمه والحذر من القول في القرآن بغير علم؛فكان لذلك التأديب وتلك التربية اثر بليغا في تعاملهم مع كتاب الله؛فظهر جليا في تعظيمهم لكتب الله؛ فكانوا خافوا القول به بلا علم ؛ وكانوا يتقون الله في تحمله و أداءه ؛ تلاوة و تفسيرا؛ كما أنه ظهر ذلك جليا في تأديبهم كل من تكلم في كتاب الله بغير الله و اشتد نكيرهم على ذلك
ولنذكر بعض ما ورد من آثارهم في ذلك
وقال عبد الله بن مسعود لمّا بلغه قول رجل في مسألة في التفسير: (من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل، أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم). والخبر في صحيح مسلم.
- وقال أبو موسى الأشعري في خطبة له«من علم علماً فليعلّمه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به؛ فيمرق من الدين ويكون من المتكلفين»رواه الدارمي.
- وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لأصحابه: (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم).رواه أبو عبيد القاسم بن سلام.
س7: بيّن الموقف الصحيح من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير.
ما نقل إلينا من مسائل الخلاف في التفسير بين الصحابة على نوعين
الأول: ما لا يصح إسنادهللصحابة؛ وهو أكثر ما ورد في ذكر خلاف الصحابة في التفسير
الثانيوما صحّ إسناده إليهم فهو على نوعين:
- ما يصح فيه الجمع بين الأقوال دون حاجة لترجيح أحدها على الآخروأكثره مما يكون من باب التفسير بالمثال أو ببعض المعنى.
- من ذلك أيضا ما اختلفوا فيه في تفسير القسورة ، فقال ابن عباس هم الرماة ، وفال أبو هريرة هو الأسد.
وكلمة القسورة من المشترك اللفظي الذي يصح إطلاقه على كلا المعنيين.
- ما يُحتاج فيه إلى الترجيح. وعامّة مسائل هذا النوع مما يكون للخلاف فيه سبب يُعذر به صاحب القول المرجوح.
وما يصح من اختلاف الصحابة في التفسير له أسباب كثيرة منها:
- سبب اختلافهم في العلم بالمسألة
- سبب الاختلاف راجع للاشتراك اللفظي
-سبب اختلاف راجع لاختلافهم في فهم دلالة الآية.
-سبب راجع لاختلافهم في معرفة الناسخ و المنسوخ .
سبب راجع لاختلافهم في مصادر التفسير أحد يأخذ بالنص و الأخر. يأخذ باللغة و الأخر مثلا يأخذ بالاجتهاد
- اختلافهم في مداركهم العقيلة إذا كان التفسير بالاجتهاد فكل له اجتهاده
-سبب راجع لاختلافهم في معرفتهم أسباب النزول.
-
-
س8: هل كان الصحابة رضي الله عنهم يجتهدون في التفسير؟
نعم . كان الصحابة يجتهدون في التفسير والوقائع أكبر دليل على ذلك
-مثال ذلك :اجتهاد أبي بكر رضي الله عنه في تفسير الكلالة ؛ فيما روي عنه من طرق أنه قال: "إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد".
قال الشعبي: (فلما استخلف عمر رضي الله عنه، قال: إني لأستحيي من الله تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكر في رأي رآه).هذا لفظ ابن جرير، وهذا التفسير ثابت عن أبي بكر رضي الله عنه من طرق أخرى موصولة.
وقد صحّ تفسير الكلالة مرفوعاً من حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين، بما يوافق تفسير أبي بكر.
س9: بيّن أنواع وأحكام المروياتعن الصحابة رضي الله عنهم في التفسير.
تنقسم مرويات الصحابة من حيث الصحة والضعف إلى أربعة أقسام:
القسم الأول:صحيح الإسناد صحيح المتن.
-حكمه:يُحكم بثبوته عن الصحابي رضي الله عنه. .
القسم الثاني:ضعيف الإسناد غير منكر المتن. و هو كثير في كتب التفسير المسندة
وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الضعف اليسير، القابل للتقوية بتعدد الطرق، والمتن غير منكر.
حكمها: فمرويات هذه المرتبة قد جرى عمل أئمة المحدّثين والمفسّرين على روايتها والتفسير بها إلا أن تتضمّن حكماً شرعياً؛ فمنهم من يشدّد في ذلك إلا أن تحتفّ به قرائن تقوّيه كجريان العمل به.
والمرتبة الثانية:الضعف الشديد، من غير أن يظهر في المتن نكارة.
حكمها: فهذا النوع من أهل الحديث من يشدّد في روايته، ومن المفسّرين الكبار من ينتقي من مرويات هذه الطرق ويَدَع منها.
وهذه المرتبة ليست حجّة في التفسير ولا تصحّ نسبة ما روي بأسانيدها إلى الصحابة ، وقد تساهل بعض المفسّرين في ذلك وحذفوا الأسانيد اختصاراً، وكان هذا من أسباب شيوع كثير من الأقوال المعلولة إلى الصحابة رضي الله عنهم.
ومرويات هذا النوع كثيرة في كتب التفسير المسندة.
والمرتبة الثالثة:الموضوعات على الصحابة في التفسير.
حكمها: فهذه لا تحلّ روايتها إلا على التبيين أو لفائدة عارضة يُستفاد منها في علل المرويات.
القسم الثالث:ضعيف الإسناد منكر المتن.
حكمه:يُحكم بضعفه، ويُردّ ولا تصحّ نسبته إلى الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الرابع:صحيح الإسناد في ظاهر الأمر لكنّه منكر المتن؛ نكارة المتن- مسألة اجتهادية-
ومرويات هذا النوع قليلة جداً في كتب التفسير، ونكارة المتن تدلّ على علّة خفية في الإسناد تعرف بجمع الطرق وتفحّص أحوال الرواة وأخبارهم.
حكمه :فإذا عُرفت العلّة وتبيّن الخطأ عُرف أن ذلك القول المنكر لا تصحّ نسبته إلى الصحابة.