دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 08:29 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النوع الثامن عشر: المعلل من الأحاديث

النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ
الْمُعَلَّلُ مِنَ الْحَدِيثِ
وَهُوَ فَنٌّ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ, حَتَّى قَالَ بَعْضُ حُفَّاظِهِمْ: مَعْرِفَتُنَا بِهَذَا كِهَانَةٌ عِنْدَ الْجَاهِلِ.
وَإِنَّمَا يَهْتَدِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْفَنِّ الْجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ مِنْهُمْ, يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ, وَمُعْوَجِّهِ وَمُسْتَقِيمِهِ, كَمَا يُمَيِّزُ الصَّيْرَفِيُّ الْبَصِيرُ بِصِنَاعَتِهِ بَيْنَ الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ, وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ. فَكَمَا لَا يَتَمَارَى هَذَا, كَذَلِكَ يَقْطَعُ ذَاكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ, بِحَسَبِ مَرَاتِبِ عُلُومِهِمْ وَحِذْقَِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ, وَذَوْقِهِمْ حَلَاوَةَ عِبَارَةِ الرَّسُولِ r الَّتِي لَا يُشْبِهُهَا غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ النَّاسِ.
فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَنْوَارُ النُّبُوَّةِ, وَمِنْهَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَغْيِيرُ لَفْظٍ أَوْ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ أَوْ مُجَازَفَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ, يُدْرِكُهَا الْبَصِيرُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعْلِيلُ مُسْتَفَادًا مِنَ الْإِسْنَادِ, وَبَسْطُ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ يَطُولُ جِدًّا, وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ.
وَمِنْ أَحْسَنِ كِتَابٍ وُضِعَ فِي ذَلِكَ وَأَجَلِّهِ وَأَفْحَلِهِ (كِتَابُ الْعِلَلِ) لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ. وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ بَعْدَهُ, فِي هَذَا الشَّأْنِ على الخُصوصِ، وكذلكَ كِتَابُ "العِلَلِ" لعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، وهو مُرَتَّبٌ على أَبْوابِ الفِقْهِ، وكِتابُ "العِلَلِ" للخَلَّالِ، ويَقَعُ في مُسْنَدِ الحافظِ أَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ مِنَ التَّعالِيلِ مَا لا يُوجَدُ في غَيرِه مِنَ المسانِيدِ.
وقد جَمَعَ أَزِمَّةَ ما ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ الحافِظُ الكَبيرُ أبو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ في كِتابِه في ذلك، وهو مِن أَجَلِّ كِتابٍ، بل أَجَلُّ ما رَأَيْنَاهُ وُضِعَ في هذا الفَنِّ، لم يُسْبَقْ إلى مِثْلِه، وقد أَعْجَزَ مَن يُرِيدُ أن يَأْتِيَ بَعْدَهُ، فرَحِمَه اللهُ وأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، ولكن يُعْوِزُه شَيْءٌ لا بُدَّ منه؛ وهو أنْ يُرَتَّبَ على الأبوابِ لِيَقْرُبَ تَنَاوُلُه للطُّلَّابِ، أو أن تَكُونَ أَسْمَاءُ الصَّحَابَةِ الذين اشتَمَلَ عليهِم مُرَتَّبِينَ على حُرُوفِ المُعْجَمِ لِيَسْهُلَ الأَخْذُ منه، فإنه مُبَدَّدٌ جِدًّا، لا يَكَادُ يَهْتَدِي الإنسانُ إلى مَطْلُوبِهِ منه بسُهُولَةٍ. واللهُ المُوَفِّقُ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ

الْمُعَلَّلُ مِنَ الْحَدِيثِ:
وَهُوَ فَنٌّ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ, حَتَّى قَالَ بَعْضُ حُفَّاظِهِمْ: مَعْرِفَتُنَا بِهَذَا كِهَانَةٌ عِنْدَ الْجَاهِلِ.
وَإِنَّمَا يَهْتَدِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْفَنِّ الْجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ مِنْهُمْ, يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ, وَمُعْوَجِّهِ وَمُسْتَقِيمِهِ, كَمَا يُمَيِّزُ الصَّيْرَفِيُّ الْبَصِيرُ بِصِنَاعَتِهِ بَيْنَ الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ, وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ. فَكَمَا لَا يَتَمَارَى هَذَا, كَذَلِكَ يَقْطَعُ ذَاكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ, بِحَسَبِ مَرَاتِبِ عُلُومِهِمْ وَحِذْقَِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ, وَذَوْقِهِمْ حَلَاوَةَ عِبَارَةِ الرَّسُولِ r الَّتِي لَا يُشْبِهُهَا غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ النَّاسِ.
فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَنْوَارُ النُّبُوَّةِ, وَمِنْهَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَغْيِيرُ لَفْظٍ أَوْ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ أَوْ مُجَازَفَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ, يُدْرِكُهَا الْبَصِيرُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعْلِيلُ مُسْتَفَادًا مِنَ الْإِسْنَادِ, وَبَسْطُ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ يَطُولُ جِدًّا, وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ.
وَمِنْ أَحْسَنِ كِتَابٍ وُضِعَ فِي ذَلِكَ وَأَجَلِّهِ وَأَفْحَلِهِ (كِتَابُ الْعِلَلِ) لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ. وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ بَعْدَهُ, فِي هَذَا الشَّأْنِ على الخُصوصِ، وكذلكَ كِتَابُ "العِلَلِ" لعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، وهو مُرَتَّبٌ على أَبْوابِ الفِقْهِ[1]، وكِتابُ "العِلَلِ" للخَلَّالِ[2]، ويَقَعُ في مُسْنَدِ الحافظِ أَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ مِنَ التَّعالِيلِ مَا لا يُوجَدُ في غَيرِه مِنَ المسانِيدِ.
وقد جَمَعَ أَزِمَّةَ ما ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ الحافِظُ الكَبيرُ أبو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ في كِتابِه في ذلك، وهو مِن أَجَلِّ كِتابٍ، بل أَجَلُّ ما رَأَيْنَاهُ وُضِعَ في هذا الفَنِّ، لم يُسْبَقْ إلى مِثْلِه، وقد أَعْجَزَ مَن يُرِيدُ أن يَأْتِيَ بَعْدَهُ، فرَحِمَه اللهُ وأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، ولكن يُعْوِزُه شَيْءٌ لا بُدَّ منه؛ وهو أنْ يُرَتَّبَ على الأبوابِ لِيَقْرُبَ تَنَاوُلُه للطُّلَّابِ، أو أن تَكُونَ أَسْمَاءُ الصَّحَابَةِ الذين اشتَمَلَ عليهِم مُرَتَّبِينَ على حُرُوفِ المُعْجَمِ لِيَسْهُلَ الأَخْذُ منه، فإنه مُبَدَّدٌ جِدًّا، لا يَكَادُ يَهْتَدِي الإنسانُ إلى مَطْلُوبِهِ منه بسُهُولَةٍ[3]. واللهُ المُوَفِّقُ.


[1] وقد طبع في مصر في مجلدين.

[2] كان في الأصل. للخلابي وهو تحريف، فصححناه (للخلال) لأنه هو الذي له كتاب في العلل.

[3] هذا الفن من أدق فنون الحديث وأعوصها، بل هو رأس علومه وأشرفها. لا ؟؟؟ منه إلا أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا ؟؟؟، فغير ؟؟؟ وأحمد والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والترمذي والدارقطني وقد ألفت فيه كتب خاصة. فمنها (كتاب العلل) في آخر سنن الترمذي وهو مختصر ومنها الكتب التي ذكرها المؤلف.
وقد حكى السيوطي في التدريب أن الحافظ ابن حجر ألف فيه كتابا سماه (الزهر المطلول في الخبر المعلول) ولم أره ولو وجد لكان في رأيي جد بال؟؟؟ أن الحافظ ابن حجر دقيق الملاحظة واسع الاطلاع، ويظن أنه يجمع كل ما تكلم فيه المتقدمون من الأئمة من الأحاديث المعلولة.
وتجد الكلام على علل الأحاديث مفرقا في كتب كثيرة، من أهمها: (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية) للحافظ الريلعي. (والتلخيص الحبير)، و(فتح الباري). كلاهما للحافظ ابن حجر. و(نيل الأوطار) للشوكاني. و(المحلى) للإمام الحجة أبي محمد علي بن حزم الظاهري، وكتاب (تهذيب سنن أبي داود)، للعلامة المحقق ابن قيم الجوزية.
وعلة الحديث سبب غامض خفي. قادح في الحديث، مع أن الظاهر السلامة منه.
والحديث المعلول: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن الظاهر سلامته منها. ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر.
والطريق إلى معرفة العلل: جمع طرق الحديث، والنظر في اختلاف رواته، وفي ضبطهم واتفاقهم. فيقع في نفس العالم العارف بهذا الشأن أن الحديث معلول، ويغلب على ظنه، فيحكم بعدم صحته، أو يتردد فيتوقف فيه.
وربما تقصر عبارته عن إقامة الحجة على دعواه، قال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة علل الحديث الهام، لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك: وقيل له أيضًا: (إنك تقول للشيء: هذا صحيح، وهذا لم يثبت، فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج، أكنت تسأل عن ذلك، وتسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة).
وسئل أبو زرعة. (ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث علة، فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة، يعني محمد بن مسلم بن وارة، فتسأله عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم. فيعلله. ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافا، فاعلم أن كلامنا تكلم على مراده وإن وجدت الكلمة متفقة، فاعلم حقيقة هذا العلم. ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم، فقال: أشهد أن هذا العلم الهام).
والعلة قد تكون بالإرسال في الموصول أو الوقف في المرفوع، أو بدخول حديث في حديث أو وهم واهم، أو غير ذلك، مما يتبين للعارف بهذا الشأن من جمع الطرق ومقارنتها، ومن قرائن تنضم إلى ذلك.
وأكثر ما تكون العلل في أسانيد الأحاديث. فتقدح في الإسناد والمتن معا، إذا ظهر منها ضعف الحديث.
وقد تقدح في الإسناد وحده، إذا كان الحديث مرويا بإسناد آخر صحيح. مثل الحديث الذي رواه يعلى بن عبيد الطنامسي -أحد الثقات- عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار). الحديث فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل، وهو معلول، وإسناده غير صحيح، والمتن صحيح على كل حال؛ لأن يعلى بن عبيد غلط على سفيان في قوله (عمرو بن دينار) وإنما صوابه: (عبد الله بن دينار)، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان. كأبي نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومخلد بن يزيد، وغيرهم، ورووه عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وقد تقع العلة في متن الحديث، كالحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم: (حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ (الحمد لله رب العالمين)، لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها. ثم رواه مسلم أيضًا من رواية الوليد عن الأوزاعي: أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسًا يذكر ذلك، قال ابن الصلاح في كتاب علوم الحديث: (فعلل قوم رواية اللفظ المذكور -يعني التصريح بنفي قراءة البسملة- لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه: (فكانوا يستفتحون القراءة: (الحمد لله رب العالمين)، من غير تعرض لذكر البسملة، وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح: ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له، ففهم من قوله: (كانوا يستفتحون بالحمد لله) أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ؛ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة، وليس فيه تعرض لذكر البسملة. وانضم إلى ذلك أمور: منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية، فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم)). وقد أطال الحافظ العراقي في شرحه على ابن الصلاح الكلام على تعليل هذا الحديث (ص 98- 103) وكذلك السيوطي في التدريب (89- 91) انظر ما كتبه الأخ العلامة الشيخ محمد حامد الفقي في تعليقه على المنتقى لابن تيمية (ج1 ص 372- 376).
ثم إن الحاكم في كتابه (علوم الحديث) قسم أجناس العلل إلى عشرة أجناس، ننقلها لأمثلتها من التدريب للسيوطي: ص 91- 93، ونصححها من كتاب: علوم الحديث للحاكم ص 113- 119 إذ طبع بعد ذلك بمطبعة دار الكتب المصرية، مع احتفاظنا بتلخيص السيوطي، وهي:
الأول: أن يكون السند ظاهره الصحة، وفيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه. كحديث موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جلس مجلسا كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم، وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)، فروي أن مسلما جاء إلى البخاري وسأله عنه؟ فقال: هذا حديث مليح. ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله، قوله: قال محمد بن إسماعيل، هو البخاري: وهذا أولى. لأنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل.
وهذه العلة نقلها أيضًا الحافظ العراقي عن الحاكم: ص 97- 98 ثم عقب عليه فقال: هكذا أعل الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه الحكاية، والغالب على الظن عدم صحتها، وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار، راويها عن مسلم، فقد تكلم فيه. وهذا الحديث قد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، ويبعد أن البخاري يقول: إنه لا يعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة، غير أبي هريرة، وهم: أبو برزة الأسلمي، ورافع بن خديج، وجبير بن مطعم، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وعائشة، وقد بينت هذه الطرق كلها في تخريج أحاديث الإحياء للغزالي).
الثاني: مما نقل في التدريب عن الحاكم-: أن يكون الحديث مرسلا من وجه رواه الثقات الحفاظ- ويسند من وجه ظاهره الصحة. كحديث قبيصة بن عقبة عن سفيان عن خالد الحذاء وعاصم عن أبي قلابة عن أنس مرفوعًا: (أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل. وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة).
قال الحاكم: (فلو صح إسناده لأخرج في الصحيح، إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة مرسلا، وأسند ووصل: (إن لكل أمة أمينا وأبو عبيدة أمين هذه الأمة). هكذا رواه البصريون الحفاظ عن خالد الحذاء وعاصم جميعا، وأسقط المرسل من الحديث، وخرج المتصل بذكر أبي عبيدة في الصحيحين).
الثالث: أن يكون الحديث محفوظًا عن صحابي ويروى عن غيره. لاختلاف بلاد رواته، كرواية المدنيين عن الكوفيين، كحديث موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه مرفوعًا: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) قال: هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شرط الصحيح، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا.
ثم رواه الحاكم بإسناده إلى حماد بن زيد عن ثابت البناني قال: (سمعت أبا بردة يحدث عن الأغر المزني، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليغان على قلبي (فأستغفر الله في اليوم مائة مرة). ثم ذكر الحاكم أنه رواه مسلم في صحيحه هكذا، وقال: (وهو الصحيح المحفوظ).
تنبيه:
في نسخة التدريب (الأغر المدني) بالدال، وهو تصحيف. فإن الأغر المدني تابعي مولى لأبي هريرة وأبي سعيد، وأما الصحابي فهو (الأغر المزني) بالزاي وهو الذي يروي عنه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري.
الرابع: أن يكون محفوظًا عن صحابي، ويروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته، بل لا يكون معروفًا من جهته. كحديث زهير بن محمد عن عثمان بن سليمان عن أبيه: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور)، قال: الحاكم (خرج العسكري وغيره من المشايخ هذا الحديث في الوجدان، وهو معلول من ثلاثة أوجه: أحدها أن عثمان هو ابن أبي سليمان والآخر: أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه. والثالث: قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو سليمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا رآه)).
الخامس: أن يكون روي بالعنعنة وسقط منه رجل، دل عليه طريق أخرى محفوظة، كحديث يونس عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار: (أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. فرمي بنجم، فاستنار). الحديث. قال الحاكم: ((علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة محله قصر به، وإنما هو عن ابن عباس قال: حدثني رجال من الأنصار، وهكذا رواه ابن عيينة وشعيب وصالح والأوزاعي وغيرهم عن الزهري)).
السادس: (أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره) ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد، كحديث علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: (قلت: يا رسول الله، ما لك أفصحنا؟)، الحديث. وذكر الحاكم علته، وهي ما أسند عن علي بن خشرم حدثنا علي بن الحسين بن واقد: بلغني عن عمر. فذكره.
السابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله. كحديث أبي شهاب عن سفيان الثوري عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم. وذكر الحاكم علته، وهي ما أسند عن محمد بن كثير: حدثنا سفيان الثوري عن حجاج عن رجل عن أبي سلمة، فذكره.
تنبيه:
قال السيوطي في التدريب في هذه العلة السابعة: (كحديث الزهري عن سفيان الثوري) وهو خطأ غريب من مثله، فإن الزهري أقدم جدًّا من الثوري، ولم يذكر أحد أنه روى عنه، والصواب: كحديث أبي شهاب عن سفيان الثوري، كما في علوم الحديث وأبو شهاب هو الحناط -بالنون- واسمه (عبد ربه بن نافع الكتاني. والحديث عنه في المستدرك للحاكم (ج1 ص 43) فاشتبه الاسم على السيوطي، وظنه (ابن شهاب)، فنقله بالمعنى، وجعله (الزهري)!! وهذا من مدهشات غلط العلماء الكبار، رحمهم الله ورضي عنهم.
ثم إن هذه العلة التي أعل بها الحاكم هذا الحديث غير جيدة، بل غير صحيحة؛ لأن أبا شهاب الحناط لم ينفرد عن الثوري بتسمية (يحيى بن أبي كثير). فقد تابعه عليه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس، فروياه عن الثوري عن حجاج عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا. وله أيضًا شاهد -وإن شئت فسمه متابعة قاصرة- فرواه عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير بإسناده. فانتقض تعليل الحديث بغلط أبي شهاب الحناط. وانظر أسانيده في المستدرك. وبالله التوفيق.
الثامن: أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه، ولكنه لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه بلا واسطة، فعلتها أنه لم يسمعها منه: كحديث يحيى بن أبي كثير عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون)، الحديث. قال الحاكم. (قد ثبت عندنا من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك إلا أنه يسمع منه هذا الحديث). ثم أسند عن يحيى قال: (حدثت عن أنس)، فذكره.
التاسع: أن تكون طريق معروفة يروي أحد رجالها حديثا من غير ذلك الطريق، فيقع من رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم. كحديث المنذر بن عبد الله الخزمي عن عبد العزيز بن الماجشون عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم))، الحديث. قال الحاكم: (لهذا الحديث علة صحيحة. والمنذر بن عبد الله أخذ طريق المجرة فيه).
رواه بإسناده إلى مالك بن إسماعيل عن عبد العزيز: (حدثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب).
العاشر: أن يروى الحديث مرفوعًا من وجه وموقوفًا من وجه. كحديث أبي فروة يزيد محمد حدثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا: (من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء). ثم ذكر الحاكم علته، وهي ما روي بإسناده عن وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال: (سئل جابر) فذكره.
ثم إن الحاكم لم يجعل هذه الأجناس لحصر أنواع العلل، فقد قال الحاكم بعد ذكر هذه الأنواع: (وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة، ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم. فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم).
واعلم أن من العلة ما لا يقدح من صحة متن الحديث، وهو ما قلناه سابقا. من أن العلة قد تكون في الإسناد وحده، دون المتن، لصحته بإسناد آخر صحيح. كالحديث الذي ذكرناه من رواية يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار، وقلنا: إنه وهم فيه فذكر عمرو بن دينار، إذ هو محفوظ من رواية الثوري عن عبد الله بن دينار. وعمرو وعبد الله ثقتان.
وقد يطلق بعض علماء الحديث اسم العلة في أقوالهم على الأسباب التي يضعف بها الحديث من جرح الراوي بالكذب أو الغفلة أو سوء الحفظ. أو نحو ذلك من الأسباب الظاهرة القادحة، فيقولون: (هذا الحديث معلول بفلان) مثلا، ولا يريدون العلة المصطلح عليها، لأنها إنما تكون بالأسباب الخفية التي تظهر من سبر طرق الحديث، كما تقدم.
وقد أطلق أبو يعلى الخليلي في كتاب الإشارة (العلة) على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، حتى قال: (من أقسام الصحيح: ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ). ولم يقصد بهذا التقييد بالاصطلاح، ومثل له بحديث مالك في الموطأ أنه قال: (بلغنا أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمملوك طعامه وكسوته)، فرواه مالك معضلا هكذا في الموطأ، ورواه موصولا خارج الموطأ، فقد رواه إبراهيم بن طعمان والنعمان بن عبد السلام عن مالك عن محمد عجلان عن أبيه عن أبي هريرة. فقد صار الحديث بعد بيان إسناده صحيحًا، قال بعضهم: (وذلك عكس المعلول، فإنه ما ظاهره السلامة فاطلع فيه بعد الفحص على قادح. وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال، فلما فتش تبين وصله).
ونقل ابن الصلاح، وتبعه النووي ثم السيوطي، بأن الترمذي سمى النسخ علة من علل الحديث، ونقل السيوطي في التدريب عن العراقي أنه قال: (من أراد -يعني الترمذي- أنه علة في العمل بالحديث فصحيح، أو في صحته فلا، لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة): والذي أجزم به أن الترمذي إن كان سمى النسخ علة- فإني لم أقف على ذلك في كتابه ولعلي أجده فيه بعد- فإنما يريد به أنه علة في العمل بالحديث فقط، ولا يمكن أن يريد أنه علة في صحته، لأنه قال في سننه (ج1 ص 23- 24): (إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك). فلو كان النسخ عنده علة في صحة الحديث لصرح بذلك.


  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)



القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين,نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأتم التسليم,أما بعد..,
فيقول المؤلف رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين:
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث

وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث ,حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل,وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم,يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه,ومعوجه ومستقيمه,كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف,والدنانير والفلوس,فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه.
ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث, وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم, التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس.
فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة,ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة,أو مجازفة,أو نحو ذلك,يدركها البصير من أهل هذه الصناعة.
وقد يكون التعليل مستفادا من الإسناد,وبسط أمثلة ذلك يطول جدا,وإنما يظهر بالعمل.
ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب العلل لعلي بن المديني,شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص,وكذلك كتاب العلل لعبد الرحمن بن أبي حاتم,وهو مرتب على أبواب الفقه,وكتاب العلل للخلال,ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد.
وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك,وهو من أجل كتاب,بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن,لم يسبق إلى مثله,وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله,فرحمه الله وأكرم مثواه,ولكن يعوزه شيء لابد منه,وهو أن يرتب على الأبواب؛ليقرب تناوله للطلاب,أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم؛ليسهل الأخذ منه,فإنه مبدد جدا,لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة.والله الموفق.

الشيخ:يقول الحافظ رحمه الله تعالى: "المعلل من الحديث"والمعلل لا يوجد في كتب اللغة بالمعنى الذي يريده المؤلف,ومن قبله,وإن كان أهل الحديث يطلقون المعلل والمعلول,وكذلك الأصوليون يطلقون أيضا العلة والمعلول ، وأيضا المتكلمون,لكن لا يوجد معلل علله إلا بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به,من تعليل الصبي بالطعام.
والأولى أن يقال: المعلّأعله فهو معل ، وأما معلول فهو موجود في كلام كثير من المحدثين والأصوليين والمتكلمين أيضا.
قال ابن الصلاح: ذلك إنه مرذول,مرذول.وقال النووي: اللحن,وقال الحريري: لا وجه لهذا الكلام البتة,وقال ابن سيده: لست منها على ثقة,ولا ثلج,يعني: ليس مرتاحا منها,فالأولى في ذلك أن يقال: معل,يرى بعضهم أن استعمال معلول لا بأس به؛لأنه وجد في عبارات أهل الفن,ولا يلتبس بغيره,معناه واضح ومعروف,فلا مانع من استعماله,لكن المرجع في ذلك اللغة,الشيء الذي لا يوجد له أصل في لغة العرب ينبغي أن لا يطلق.
نعم إن أمكن توجيه كلام أهل العلم على وجه يصح لغة,فلا بأس.
على كل حال الحديث المعل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته,مع أن ظاهره السلامة منها,فالعلة سبب خفي يقدح في صحة الخبر,مع أن ظاهر الخبر السلامة من هذه العلة,فالناظر في بادئ الأمر يرى أن الحديث لا إشكال فيه,لكن الناقد الخبير الجهبذ يقف على العلة التي لا يقف عليها غيره.
ولذا يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث" نعم لم يتصدر لهذا الفن أم هذا النوع من هذا العلم إلا القليل النادر من الجهابذة الحفاظ الكبار.
"حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل" كهانة عند الجاهل,وهذا شيء مشاهد أن من أتانا بشيء اطلع على أسراره وخفاياه,بحيث لو تكلم به عند من يجهل ولم تكن له مثل هذه المعرفة (غير مسموع) طالبه بالدليل,ولم يجد يعني أهل السيارات مثلا الخبير بالسيارات مجرد ما يشوف السيارة يقول: هذه ما تصلح تطيب.(وإيش) السبب؟ شكلها طيب ومحركاتها طيبة. قال: أبدا ما تصلح.
الصيرفي صاحب الذهب والفضة,إذا أتي له بقطعة؛ إما من بالذهب أو الفضة ,قال: هذه زيف,هذه مغشوشة.كيف؟ ما يقدر يشرح لك.
وهكذا في سائر المهن والحرف والصناعات,يطلع بعض الناس على ما لم يطلع غيره,الذي زاول مهنة العمار,عمر مرارا خلاف الذي عمر مرة واحدة,يأتي هذا الذي عمر مرارا ويقول (شوف) هذا وهذا وغير هذا ، هذا ما هو بعمل طيب و(غير مسموع) أحسن الأشياء.
فالمسألة مسألة اهتمام ومسألة خبرة.
ولذا يقول: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل" ها الحديث يقول: لا يصح فيه علة, (إيش) هذه العلة؟ ما يستطيع التعبير عنها,فيرميه بالعجز,يقول: اذهب إلى فلان (شوف إيش) يقول لك؟ يذهب إلى فلان من النقاد ويقول له نفس الكلام,السبب؟ ما يدري.
وهكذا من تعامل مع السنة في حفظ متونها والدربة على أسانيدها,تجده من أول ما يسمع الخبر يتوقف,وهم يتفاوتون كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله؛منهم من يقطع,ومنهم من يظن,ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث.
ولا شك أن الذي يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد؛كعلي بن المديني,وأحمد بن حنبل,والبخاري, ويعقوب بن شيبة,وأبي حاتم,وأبي زرعة,والدارقطني,من المتأخرين ابن القيم,ابن كثير,ابن رجب,وأمثال هؤلاء,فهؤلاء يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ومعوجه ومستقيمه,كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف الرديئة المغشوشة و الدنانير والفلوس.
"فكما لا يتمارى هذا" يعني: لو جيء لواحد منكم بثلاث قطع ذهب أبيض وفضة,وما يسمونه بالاكسسوار مثلا,عادي الناس قد لا يميز كله أبيض وكله لماع,وما يدريك,لكن أهل الخبرة والصناعة يعرفون و يميزون.
يقول: "فكما لا يتمارى هذا يقطع ذاك بما ذكرناه".ومنهم من يظن يعني: تقل درجته,يعني: ما يصل لدرجة القطع فيغلب على ظنه أن هذا فيه علة "ومنهم من يقف,بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم, التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس".
يقول: "فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة,ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك,يدركها البصير من أهل هذه الصناعة".
والمقصود بذلك الزيادات الخفية والألفاظ التي تشبه كلام النبوة وليست الألفاظ التي لا تشبه كلام النبوة؛لأنها يدركها كل الناس,لكن الكلام الذي يشبه كلام النبوة كلام الحسن البصرى مثلا في كثير من الجمل صدرت منه تلتبس على كثير من طلبة العلم,فيظنها مرفوعة؛لأن في كلامه شبها بكلام النبوة.
يقول: "وقد يكون التعليل مستفادا من الإسناد وبسط أمثلة ذلك يطول جدا,وإنما يظهر بالعمل".
العلة قد تكون في الإسناد بإبدال راو براو مثلا,وإن كانا ثقتين,فهي علة وإن كانت غير قادحة,إلا أنها علة عند أهل العلم,وبسط أمثلة ذلك يطول جدا وإنما يظهر بالعمل هناك,العلة التي تكون في المتن يأتي السند مثل الشمس,لكن المتن فيه علة مثلوا لعلة المتن بحديث البسملة كما قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:
وعلة المتن كنفي البسمله إذ ظن راو نفيها فنقله
في صحيح مسلم حديث في الصحيحين: كان عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين,الراوي ظن أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم ما دام يفتتحون بالحمد لله رب العالمين,فهم أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فصرح بذلك,وقال: إنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها.
سند صحيح,لكن الراوي ظن هذا الظن فنقله,نقل فهمه للناس,ولا شك أن هذا من بعد الصحابة,هذا من بعد عصر الصحابة,وهي علة خفية,إذا نظرنا إلى إسنادها السند مقبول,لكن هذا الراوي ظن,فهم من قول الصحابي أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أنهم يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم.هذا المفهوم,هذا المفهوم,فنقل فهمه هذا وأخطأ في ذلك: إذ للكلام أكثر من مفهوم,نعم يفهم منه أنهم لا يذكرون بسم الله,ويفهم منهم أيضا أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم,وإن رأى الحافظ ابن حجر توجيه هذه الرواية,هم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهرا فتلتأم مع الروايات الأخرى.
والحديث إذا كان في الصحيحين وأمكن توجيهه فإنه هو المتعين؛لئلا يتطاول الناس على الصحيحين,لكن ما لا يمكن توجيهه بوجه من الوجوه لا بد من الإقرار بأن الراوي مهما كانت عدالته وضبطه وإتقانه أنه لا بد أن يخطأ,والعصمة ليست متصورة في أحد من الرواة,بل وقع الوهم والخطأ من الصحابة رضوان الله عليهم,لكن هذا الخطأ لا يقر بل لا بد أن يوجد في الصواب عند غيره.
وقد استدركت عائشة على بعض الصحابة,واستدرك بعضهم على بعض كما هو معروف في كتب السنة,تعرف العلل بجمع الطرق,تعرف العلل بجمع الطرق,فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه,إنما تبين العلة بجمع الطرق.
ووظيفة طالب العلم الذي يريد أن يقف على العلل,لا بد أن يجمع الطرق,أما الأئمة الحفاظ المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث الطرق مجتمعة عندهم,لا يحتاجون إلى أن يجمعوا أكثر مما جمعوا,ولذا أناجيلهم في صدورهم.. علمهم في صدورهم,مجرد ما يسمع الكلام الذي لا يليق به عليه الصلاة والسلام أو حتى الكلام عن بعض الرواة التي لا تشبه مروياتهم يحكمون بأنها ليست من رواية فلان؛لأنهم ضبطوا وحرروا وأتقنوا وحفظوا.
يقول: "ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله: كتاب العلل لعلي بن المديني,شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده". نعم علي بن المديني من أئمة هذا الشأن,وله مؤلفات في الحديث معلومة وعلله,لكن مما يؤسف له أن أكثرها ضاع,ولم ينقل عنه إلا هذه القطعة,لم يبق منها إلا هذه القطعة التي طبعت في جزء صغير,نعم أقواله محفوظة ومنقولة,مبثوثة في كتب أهل العلم,لكن يبقى أن علمه كان أكثر من ذلك.
كذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم, وهو كتاب مطبوع في مجلدين,وحقق أيضا في رسائل علمية,وهو مرتب على أبواب الفقه.
كتاب العلل للخلال,وله مختصر للموفق ابن قدامة,وهو كتاب جيد في بابه.يقع التعليل في كثير من كتب السنة,يقع في جامع الترمذي ويقع كثيرا في سنن النسائي, في تراجم النسائي علل وإشارات أبي عبد الرحمن في آخر الأبواب علل,وكتابه من أنفس الكتب,إلا أنه لصعوبته أحجم الناس عن شرحه,ولذا هو أفقر الكتب في الشروح,وقد تصدى لشرحه شخص من المعاصرين بشرح جيد مطول هو جيد في الجملة,وإن كان أكثره نقول: لكنه في الجملة جيد,يخدم الكتاب لا سيما متون الكتاب إلا أنه لم يتعرض لهذه العلل؛لصعوبتها.
يقع أيضا التعليل في مسند البزار,والتعليل أيضا يقع من الهيثمي في زوائده: مجمع الزوائد وغيرها,يشير إشارات خفية إلى هذه العلل.
ثم قال: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك" علل الدارقطني وهو من أجل الكتب وأنفسها,بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن,لكن قد يسمع الطالب المبتدئ الثناء على مثل هذا الكتاب فيبادر باقتنائه وقراءته قبل الصحيحين,هذا لا ينبغي, بالمهم المهم ابدأ,هذه مرحلة ثانية,التعليل مرحلة لاحقة,كشخص سمع الثناء على كتاب العقل والنقل:


واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له نظير ثان


هو لابن القيم, فبادر باقتنائه, هو في مرحلة متوسطة,العلماء الكبار المتمكنون من قراءة كتب شيخ الإسلام الذين قرؤوا جميع كتب شيخ الإسلام يطوون الصفحات الكثيرة من هذا الكتاب ما يفهمونها,فلابد من التدرج في التعلم,لا بد أن نبدأ بالسلم من أوله,ولابد أن نبدأ بصغار العلم قبل كباره تعلما وتعليما.
ولذا جاء في الرباني كما قال ابن عباس في الصحيح: هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كبارها.يأتيك طالب في المتوسط أو في الثانوي أو حتى في الجامعة,أنت محتاج لكتاب أيها المعلم,فتقول: ائت بالكتاب الفلاني,لا, ما يصح عليك أن تنصح هذا الطالب وتنصح له يأتي بكتاب يستفيد منه ويناسبه ليس بملحوظ بالدرجة الأولى في التعليم مصلحة الشيخ,وإن كان هو المستفيد,المعلم هو المستفيد قبل الطالب,المؤلف مستفيد قبل القارئ.
لكن ليس جلوسه للتعليم من أجل أن ينفع نفسه فقط,بل عليه أن ينصح من استنصحه.
ولو قدر أنه طلب منه القراءة في كتاب,طلب من الشيخ أن يقرأ عليه في كتاب لحاجة الطالب إليه,ويرى أن غيره من أهل العلم يحسن توضيح وشرح هذا الكتاب,فالنصيحة تقتضي أن يدل على من هو أولى منه.
وهذه رفعة له في الدنيا والآخرة, (إيش) المانع أنه إذا جاءنا شخص يريد أن يقرأ بكتاب يعني ما عاملناه ولا زاولناه,وإن كان يعني ما يصعب علينا فهمه,لكن أن ننصح بمن (غير مسموع) هذا الكتاب وينفع الطالب أكثر من غيره,فهذا الذي يسمع مثل هذا الكلام من الحافظ ابن كثير: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك, وهو من أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن,لم يسبق إلى مثله,وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده,فرحمه الله وأكرم مثواه".
يقول الحافظ ابن كثير: "ولكن يعوزه شيء لابد منه؛هو أن يرتب على الأبواب؛ليقرب تناوله للطلاب,أو أن تكون أسماء...".
لا بد أن يرتب كما اقترح الحافظ ابن كثير على الأبواب أو على مسانيد الصحابة,والآن الفهارس المتنوعة تخدم الكتاب,هناك فهارس على المسانيد وفهارس على ألفاظ المتون وفهارس على الأبواب,وكلها تخدم الكتاب,فهذا الإعواز أمره سهل,تؤديه هذه الفهارس.
يقول: "فإنه مبدد جدا,لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة"
وقد يكون من مقاصد الإمام توعير الحصول على الفائدة من كتابه,كما فعل ابن حبان؛يذكر عنه أنه رتب كتابه على الأنواع والتقاسيم من أجل أن لا يحصل الطالب ويقف على الحديث.
الشيخ:... أنه من رتب كتابه على الأنواع والتقاسيم؛ من أجل أن لا يحصل الطالب ويقف على الحديث بسرعة فيترك الكتاب, إذا أراد حديثا يقرأ الكتاب كاملا, كم فائدة تمر عليه في قراءة الكتاب كاملا؟ نحن نقول: لا, لا بد من الفهارس, ولا بد من حواسب (غير مسموع) تحصل على كل ما تريد فيما يتعلق بالحديث وبرواته, لكن ماذا ندرك؟ العلم صعب, يحتاج إلى معاناة؛ ولذا رتب عليه هذا الأجر العظيم ونباهة الذكر في الدنيا والآخرة.


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين, أما بعد.
قال المصنف رحمه الله تبارك وتعالى ونفعنا بعلمه وبعلم شيخنا, وأجزل لهما المثوبة في الدارين, قال: معرفة المعلل من الحديث قال: وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث, حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل, وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقادمنهم, يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه, ومعوجه ومستقيمه, كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف, والدنانير والفلوس, فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه, ومنهم من يظن, ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث, وزوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس, فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة, ومنها ما وقع فيه تغير لفظه أو زيادة باطلة, أو مجازفة أو نحو ذلك يدركها البصير من أهل هذه الصناعة.
قال: وقد يكون التعليل مستفادًا من الإسناد, وبسط أمثلة ذلك يطول جداً, وإنما يظهر بالعمل,ومن أحسن كتاب وضع من ذلك وأجله وأفحله كتاب (العلل) لعلي بن المديني شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص, وكذلك كتاب (العلل) لعبد الرحمن بن أبي حاتم, وهو مرتب على أبواب الفقه, وكتاب (العلل) للخلال, ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد, وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك وهو من أجل كتاب, بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن, لم يسبق إلى مثله, وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله أن يأتي بشكله - فرحمه الله-وأكرم مثواه, قال: ولكن يعوزه شيء لا بد منه, وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب, أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم؛ ليسهل الأخذ منه, فإنه مبدد جدًا, لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة, والله الموفق.

الشيخ: (خلاص) (طيب) هذا النوع من أنواع علوم الحديث هو الحديث المعلل, والحديث المعلل هو الذي اطلع فيه على علة قادحة تمنع من قبوله, ويعرفون العلة بأنها سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث, فلا بد من توفر هذين الشرطين؛ الغموض, والخفاء والقدح في صحة الحديث, ولكن ألا يطلق المحدثون العلة على ما سوى هذين القيدين, ألا يمكن أن يطلقوا العلة على العلة الظاهرة الواضحة البينة وألا يطلقون العلة على ما لا يقدح في صحة الحديث؟
نقول: قد يطلقون العلة على ما هذا سبيله, ولكن كلامنا الآن عن العلة الاصطلاحية التي ينبغي أن تسمى علة, وأما تسمية أسباب الضعف أو أسباب رد الحديث, أو أي: خلاف يرد في الحديث تسمية ذلك علة, فيمكن أن يكون سائغاً, ولكن حينما نجد تلك التسوية ينبغي أن نعرف أنها ليست العلة الاصطلاحية التي نتكلم عنها في هذا المبحث, وإلا فإنهم قد يسمونها أو يطلقون على الحديث الذي فيه راو كذاب أو راو ظهر فسقه أو راو ضعيف قد يسمون.. أو حديث فيه إرسال قد يسمون ذلك علة, يقولون: هذا الحديث معلول بفلان, وهو كذاب, أي: مضعف بفلان, أو مردود بسبب فلان, بل إن الترمذي -رحمه الله- كان يسمي النسخ علة.
فهذا بناء على هذا التوسع الذي قلنا: إنه يمكن أن يكون سائغاً, ولكنه لا يعني العلة الاصطلاحية التي نتكلم عنها, وأحياناً يطلقون على ما ليس بقادح بأنه علة, مثل ذلك الحديث الذي رواه يعلى بن عبيد,عن سفيان الثوري, عن عمرو بن دينار, عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)). قالوا: هذا الحديث أخطأ فيه يعلى بن عبيد, وهو ثقة أخطأ فيه على سفيان الثوري, وجميع الرواة الثقات كأبي نعيم الفضل بن دكين, ومحمد بن يوسف الفريابي وغيرهم يروون هذا الحديث عن سفيان الثوري, عن عبد الله بن دينار, لا عمرو ين دينار, عن عبد الله بن عمر, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)).

فبعضهم قال: هذا الحديث سواء كان عن عمرو بن دينار, أو عن عبد الله بن دينار, فكلاهما ثقة، والحديث أصلا معروف من طرق أخرى بأنه حديث صحيح من طريق الرواة الذين رووه عن سفيان الثوري، بل ومن طرق أخرى؛ فإن سفيان قد توبع عليه, وعبد الله بن دينار قد توبع عليه؛ لأنه روي من طريق نافع أيضاً- عن ابن عمر، قالوا: فلا إشكال إذًا في هذه الحال، لكن المحدثون ينظرون الآن إلى طريق يعلى بن عبيد نظرة إسنادية.
فهذا الحديث معلول سنداً, وأما متنه فغير معلوم، وحينما يقولون: لا يلزم من العلة أن تكون قادحة في صحة الحديث؛ لأن الأصل في العلة أنها موجبة لرد الحديث, أي: للحكم على الحديث على الأقل بالضعف, فيكون مردوداً غير مقبول سنداً ومتناً، لكن حينما يرد في حديث من الأحاديث ذكر علة من العلل, ولكن الحديث غير مردود, الحديث مقبول من طرق أخرى؛ فإن كلامهم ينصب عن ذلك الإسناد الذي أخطأ فيه ذلك الراوي، أما المتن فإنهم لا يقدحون فيه, فيقولون: المتن مروي من طرق أخرى غير تلك الطريق، فعرفنا الآن منزع العلماء حينما يقولون: إن هذه العلة لا تعتبر علة قادحة؛ لأني رأيت أن بعض طلبة العلم يقول: من الذي لا يقول: إن هذه العلة قادحة؟ بل هي علة قادحة, فيعلى بن عبيد أخطأ, ويبدأ يتكلم في هذا الكلام, فهو لم يدرك منزعهم الذي نزعوا إليه ومرادهم الذي أشاروا إليه، فإنهم قالوا: إن العلة أصلاً موجبة لرد الحديث مطلقاً، فإذا ما وجد حديث متنه مقبول من طرق أخرى صحيح, ولكن في بعض طرقه هذه العلة؛ فإننا نقول: إن هذه العلة لا تستلزم رد الحديث إطلاقاً، يعني: الحكم عليه بالضعف، هذا معنى كلامهم، فنتبين من هذا إلى أنهم قد يطلقون العلة على ما ليس بقادح في صحة المتن, مثل رواية يعلى بن عبيد هذه.
سؤال: من الذي يمكن أن يتصدى لهذا الفن؟
جواب: نقول: هذا الفن فن دقيق, وليس كل أحد يؤتاه, وإنما هو منة من الله -جل وعلا- على بعض عباده, وإلهام لهم في بعض الأحيان، ولكن هذا ليس مختصاً بهم ولا موقوفاً عليهم, بل يمكن أن يشاركهم فيه غيرهم، ولكن بعد أن يكون ذلك الغير قد بذل جهداً, كما بذله أولئك الأئمة، فهؤلاء الأئمة لم تتحصل لهم هذه المعرفة هكذا فلتة أو بدون جهد قدموه, بل حينما قدموا من السعي ما قدموا حظوا بهذا الشرف الذي يشار إليه في مثل هذه الكتب, بأن هذا الفن لا يطلع عليه إلا الأئمة الجهابذة النقاد, أمثال: يحيى بن سعيد القطان, وعبد الرحمن بن مهدي, وعلي بن المديني, والإمام أحمد, ويحيى بن معين, والبخاري, وأبي حاتم, وأبي زرعة, والنسائي, والدارقطني وغير هؤلاء، صحيح لكن قد يشاركهم فيه غيرهم،

لكن إذا ما تأملت حياة هؤلاء الأئمة فإنك تجد لماذا حظوا بهذا الشرف؟ هؤلاء لم يتقاعصوا ويقصروا أنفسهم على حفظ أشياء يظنون أنها فقط هي الثمرة، لا بل كانوا يحفظون أشياء لا تطرأ على البال, فحينما كان الإمام أحمد ويحيى بن معين في رحلتهم إلى اليمن عند عبد الرزاق، وجد الإمام أحمد يحيى بن معين آخذا كتاب أبان بن أبي عياش ويتحفظ فيه, ويحفظ تلك الأحاديث التي حكموا عليها بالوضع، فتعجب منه الإمام أحمد وقال له: لماذا تحفظ هذا الكتاب وأنت تعرف أنه كتاب موضوع أو نحو هذه العبارة؟! فقال: أحفظه حتى لا يأتيني أحد فيقول: في حديث يرويه أبان بن أبي عياش عن أنس يقول: عن حميد الطويل, وعن ثابت, عن أنس، فيقلب هذا الحديث, ويجعل له إسنادا صحيحاً, فأنا أعرف أن هذا حديث أبان بن أبي عياش, لا حديث ثابت, ولا حديث حميد الطويل.
فإذن هم يحفظون مع الأحاديث الصحيحة يحفظون ماذا؟ يحفظون الأحاديث المعلولة, فإذا ما عرض لهم حديث لا تجد الواحد منهم يتوقف ويقول: أبحث, كما هو حال الضعفاء من أمثالي في مثل هذا الزمان, علمنا من كتبنا، لا بل علمهم في صدورهم، على طول تجده تتجمع لديهم المعلومات المتعلقة بهذا الحديث من نواح شتى لمعرفته, الأحاديث الرواة عموماً ضعيفها وموضوعها وغير ذلك كالصحيح والحسن وغيره تجدهم يعرفون أحوال الرواة عموماً وما يتعلق بهم، فالراوي يعرفون من شيوخه, وما أسماء أولئك الشيوخ, وما هي أنسابهم, وما هي كناهم, ومن هم أولادهم, وما هي مواطنهم, ومتى رحلوا, ومتى ولدوا, ومتى توفوا, وهلم جرا.
فكل ما يتعلق بالراوي من جميع النواحي يحفظونه، فهذه المعلومات بالإضافة لجمعهم لطرق الحديث الواحد، ومعرفة التفرد والمخالفة وغير ذلك من خلال جمع الطرق هذا جميعه كله هو الذي يؤهلم إلى أن يقولوا عن حديث من الأحاديث: إنه حديث له علة, وتجدهم يستخرجون تلك العلل بمناقيش.
إذن نعرف أن العلة يمكن أن يستعان على إدراكها بمسألة جمع الطرق, ويمكن أن تعرف بالمخالفة والتفرد وبقرائن تتعلق بالمتن المروي وبالإسناد الذي روي به ذلك المتن وهلم جرا، أما ما يرد في بعض هذه الكتب كتب المصطلح من أن هذا العلم كالكهانة, وأن المحدث أحياناً يعجز عن التعبير عما تكنه نفسه من علة لذلك الحديث، فهذا ليس الكلام على إطلاقه بهذه الصورة؛ لأن هؤلاء أيها الإخوة, مثل ما ورد عندنا في الكتاب, مثل الصيارفة النقاد الذين ينقدون الذهب ويعرفونه، فلعل بعضكم رأى بعض هؤلاء الصيارفة, وأنا أدركتهم عندنا في الرياض حينما كنت صغيراً، الآن لا أراهم يصنعون هذا الصنيع, ويمكن أنني لم أعد أطلع عليهم وهم يصنعونه، الله أعلم بذلك، لكنني أذكر مرة من المرات رجلاً كان جالساً على الرصيف وأمامه جنيهات الذهب, فيأخذ كل واحد من هذه الجنيهات ويضربه في الأرض, حتى يطير الجنيه إلى الأعلى ويحدث رنة, ثم أجده مرة يضع جنيهات على جهة, وجنيهات أخرى على جهة أخرى, لماذا يصنع هذا الصنيع؟ يفرز هذه عن هذه؛ لأنه بهذه الرنة بهذا الصوت يعرف أن هذا الجنيه هذا الذهب صافي نقي, فيضعه على حدة, وبرنة أخرى يعرف أن هذا الجنيه مدخول فيه نسبة من الغش, فيضعه على جهة,لكن لو جاء واحد منا لما استطاع أن يميز بين هذا الصوت وذلك الصوت، فكله عنده واحد.
فهؤلاء إذن يصار إليهم في فنهم, وهذا الذي أشار إليه أظنه يحيى القطان, أو عبد الرحمن بن مهدي, في أنك لو أتيت للصيرفي هل كنت تحاسبه على ما يصنع فقال: لا, فقال: فكذلك نحن, المحدث حينما يقال: إنه تعجز عبارته, حقيقة لا تعجز بهذا المعنى, أو بما يتبادر للذهن من هذا المعنى بعمومه، ولكنه يحتاج إلى طول, ويحتاج إلى من يعرف مثل معرفته؛ فإنه لو جاءه طالب علم حديث يعرف هذه العلل وقال له: كيف استخرجت هذه العلة؟ لقال له: إنني نظرت في هذا الحديث فوجدت أن فيه هذا الرجل المجهول, فتوقعت أن يكون هو علة هذا الحديث, فأردت أن أتعرف على حاله, فرجعت إلى المتن المروي هذا، هل ورد هذا المتن من رواية رواة آخرين، فوجدت أن هذا الحديث نعم موجود عند فلان من الرواة, ولا نعرف أن أحدًا روى هذا الحديث غير هذا الراوي, وهو راو فيه كلام, كأن يكون متروكاً، فحينما عرفت أن هذا المتن هو متن فلان وأن هذا الراوي المجهول قد يكون هو الذي يعتبر علة الحديث فلو تبين من حاله ما يكفي لاتضحت العلة.

بدأت أراجع من يا ترى يمكن أن يكون هذا الراوي؟ ولعلي أذكر لكم المثال الذي كنت ذكرته قبل هذا، الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن بقية بن الوليد، أنا أكثر من إيراد هذا المثال لإعجابي بطريقة أبي حاتم الرازي في استخراج علته، فاسمحوا لي يمكن بعضكم سمعه مني غير هذه المرة إنما هو نتيجة الإعجاب بهذا المثال، إسحاق بن راهويه روى هذا الحديث عن بقية بن الوليد، وبقية يرويه عن عبيد الله بن عمر الرقي أو القواريري,أنا الذي قد أكون وهمت، وعبيد الله بن عمر.. طبعاً هو إسحاق بن رهوايه رواه هكذا، بقية عن أبي وهب الأسدي عن نافع, عن ابن عمر, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه)).
لما سئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث أوضح علته قال: هذا الحديث أصلاً يرويه بقية عن عبيد الله بن عمر الرقي, عن إسحاق بن أبي فروة, عن نافع, عن ابن عمر, فلأجل وجود إسحاق بن أبي فروة في هذا الإسناد أسقطه بقية بن الوليد؛ لأنه يدلس تدليس التسوية, فأسقطه من هذا الإسناد, فسوى الإسناد, لكن بقيت فيه علة أخرى, يتفطن إليها المحدث, فيجد أن عبيد الله بن عمر هذا لم يرو عن نافع مولى ابن عمر, فبينهما انقطاع, فحتى يعمي هذا الانقطاع في السند قال: حدثنا أبو وهب الأسدي, فكناه بكنية لا يعرف بها, ونسبه نسبة لا يعرف بها، حتى لا يفطن إلى أن بينه وبين نافع انقطاع, فيسوي هذا الإسناد بهذه الصورة وهناك..
وتبقى مسألة جهالة هذا الراوي, هناك من يتسمح في قبول رواية المجاهيل كابن حبان وغيره, فيمكن أن يمشي هذا الحديث على تلك القاعدة، فأبو حاتم الرازي يحفظ الأحاديث المناكير والموضوعات, ويعرف أن هذا الحديث هو حديث إسحاق بن أبي فروة, لكن أين إسحاق بن أبي فروة؟ لا يوجد في هذا الإسناد، فابتدأ يركز على وجود أبي وهب الأسدي هذا, من يكون أبو وهب الأسدي؟ فابتدأ يستعرض شيوخ بقية، هل فيهم راو يعرف بهذه الكنية أو بهذه النسبة؟ لم يجد فيهم أحداً, فنتيجة معرفة بأحوال الرواة بكل دقة ابتدأ يستعرض شيوخ بقية، هل فيهم رجل من أولاده من يقال له: وهب؟ فلما استعرض أحوالهم وجد أن عبيد الله بن عمر الرقي له ابن يقال له: وهب, ولكنه ابن صغير, لا يعرف عبيد الله بن عمر بتكنيته بهذا الطفل الصغير, فأمسك هذه المسألة، نظر في نسب عبيد الله بن عمر هذا, هل ينسب إلى بني أسد؟ وجد أنه بما يشتهر به لا ينسب إلى بني أسد, لكن ابتدأ يستعرض نسبه الطويل, فوجد أنه في الأخير يلتحق ببني أسد, وإن كان لا يعرف به، فعرف أن بقية دلس هذا الشيخ تدليس الشيوخ, فكناه ونسبه بما لا يعرف به؛ حتى لا يعرف, وهو يريد ألا يكون كذاباً بهذا الصنيع.
فهو يقول: أنا لم أكذب, فالذي حدثني أب لوهب, وهو أسدي, فأنا لم أكذب في هذا، فلما عرف أن هذا وهب الأسدي هذا هو عبيد الله بن عمر تجلت له العلة، فعبيد الله بن عمر هذا هو الذي يروي هذا الحديث عن إسحاق بن أبي فروة, فعرف أن الحديث رجع إلى حديث إسحاق بن أبي فروة, وأن هذا من صنيع بقية بن الوليد، هذه المعلومات أيها الإخوة, حينما توافرت بهذه الصورة مكنت أبا حاتم الرازي من استخراج علة هذا الحديث, وأما غيره فقد تخفى عليه هذه المسألة، لذلك قلنا: إن هؤلاء الأئمة الجهابذة النقاد ما حصل لهم هذا بمجرد كهانة أو سحر أو ما إلى ذلك, لا بمعرفة واطلاع, ولكنه يحتاج إلى تفصيل دقيق, وإلى تفصيل لمن يدرك مثل هذا التفصيل ويعرفه, أما من لا يعرفه فكيف يتعب نفسه معه بهذه الصورة؟!

ولذلك لما جاء ذلك الرجل لأبي زرعة الرازي وسأله قال: إني أجدكم تقولون عن حديث: هذا باطل، هذا منكر، هذا كذا هذا كذا, من أين لكم هذا؟ أسحر هو أكهانة هو؟ فقال: لا, ولكن هكذا يقع في نفس المحدث, والدليل على هذا أن تسألني عن حديث ثم تذهب إلى محمد بن مسلم بن وارة فتسأله عن هذا الحديث, ثم تذهب إلى أبي حاتم الرازي فتسأله عن هذا الحديث, ثم تنظر في جوابنا، فإن كان جوابنا واحداً أو متقارباً فكلنا نأخذ من مشكاة واحدة, وإن كان جوابنا مختلفاً فذاك، فألقي عليه حديثاً, فقال عنه أبو زرعة: هذا حديث منكر أو باطل أو نحو ذلك, فذهب إلى ابن وارة, فقال له نحو مقولة أبي زرعة، فذهب إلى أبي حاتم الرازي, فذكر له نحو تلك المقولة, ثم رجع إلى أبي زرعة, فقال: أشهد أن هذا إلهام، وأنه ليس بسحر ولا بكهانة.
فعلى كل حال أيها الإخوة, الذي يتهيئ لهذا العلم هم العلماء الذين بهذه الصورة وتمكنوا من ذلك من بعد طول ممارسة ومن بعد عناء قدموه, ومن بعد تضحية, ولو ذهبت استطرد لكم في بعض ما بذله هؤلاء الأئمة وما جرى لهم في رحلاتهم لتبين لكم أن هذا لم يأت إلا بعد كد وتعب ونصب ومشقة شديدة، حتى إن بعضهم كان في رحلاته الحديثية يدركه الظمأ ويشرف على الهلاك فيشرب بوله, مثل عبد الرحمن بن يوسف بن قراشي, يقول: شربت بولي في رحلتي لطلب الحديث خمس مرات، كل ذلك حينما يوشك على الهلاك.
أبو حاتم الرازي كان أشرف على هلاك, لولا أن الله أنقذه بعد ما أغمي عليه من الظمأ, وعلى كل حال يمكن أن ترجعوا إلى هذا في مقدمة الجرح والتعديل لتنظروا في ترجمة أبي حاتم الرازي؛ فإنها ترجمة عجيبة جداً، أما بالنسبة للكتب التي ألفت في هذا فذكر من أحسنها كتاب (العلل) لعلي بن المديني, وعلي بن المديني هو إمام هذه الصنعة, واكتسب هذا العلم من خلال تلقيه على شيخين: عبد الرحمن بن مهدي, ويحيى بن سعيد القطان, فهما كانا إمامي هذا الشأن, وتلقى عنهما علي بن المديني, وأيضاً يحيى بن معين والإمام أحمد، فألف علي بن المديني -رحمه الله- كتاب (العلل) وهو كتاب كبير وبديع من خلال ما وصفه العلماء, ولكن للأسف أن هذا الكتاب فقد, ولا يوجد منه إلا قطعة يسيرة جداً, هي التي نشرت, وموجودة وطبعت عدة طبعات, كذلك أيضاً تأثر بعلي بن المديني بعض تلاميذه كالبخاري, فبرع في هذا الفن، فتجد كتابه (التاريخ الكبير) أيضاً مشحون ببيان العلل لبعض الأحاديث التي يوردها في ذلك الكتاب، فكتابه (التاريخ) يعتبر من بدائع الكتب في هذا الفن, ولكن أحياناً إشارات البخاري لا يدركها إلا المتخصصون، فقد تخفى على المبتدئ في طلب العلم، كتاب (التاريخ الكبير) هذا للبخاري, جاء إليه ابن أبي حاتم فقسمه إلى قسمين: قسم ما يتعلق بالتراجم والرواة, أخذه واستله وجعله في كتابه (الجرح والتعديل), وأضاف عليه إضافات بديعة ورائعة جداً, فأصبح بهذا الحجم الذي ترونه, وهو كتاب (الجرح والتعديل) من خلال أسئلة قدمها إلى أبيه وإلى أبي زرعة فيما يتعلق بأولئك الرواة الذين لهم, يتكلم عنهم البخاري؛ لأن البخاري لم يهتم بالكلام على الرواة جرحاً وتعديلاً في (التاريخ الكبير)، وإنما أضاف ذلك ابن أبي حاتم.

أما القسم الثاني: فهو ما يتعلق بالأحاديث, الأحاديث نحاها عن قسم التراجم، وجمع هذه الأحاديث فجعلها في كتاب (العلل) له, كتاب (العلل) لابن أبي حاتم, ووجه الأسئلة لأبيه ولأبي زرعة فيما يتعلق بتلك الأحاديث, فأصبح كتابه(العلل) هذا من (غير مسموع)
أيضاً كتب العلل التي ألفت في هذا الخصوص، كذلك.. كتاب (العلل) لابن أبي حاتم, هذا موجود بتمامه ومطبوع في جزءين، كتاب (العلل للخلال) هذا لا نعرف عنه شيئاً في هذا الزمن, وقد يكون موجوداً مخطوطاً, والعلم عند الله, وذكر أنه يقع في بعض الكتب الأخرى -كمسند أبي بكر البزار- بعض الإعلال لهذه الأحاديث، أقول:وكذلك أيضاً يقع في جامع الترمذي، في جامع الترمذي يشير الترمذي -رحمه الله- إلى علل كثير من الأحاديث, وهو تلميذ البخاري, فهذه مدرسة علي بن المديني, بل مدرسة عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان تسلسلت, علي بن المديني عن البخاري, عن الترمذي رحمه الله, ومن أبرع ما ألف كتاب أبي الحسن الدارقطني وهو كتاب (العلل) وهو كتاب كبير جداً طبع منه الآن ما يقرب من عشر مجلدات, ولا تزال البقية رهن الانتظار.
أما ما أشار إليه ابن كثير من أن كتاب الدارقطني يحتاج إلى ترتيب فقد قام بهذا الترتيب وبهذه المهمة محقق الكتاب الشيخ محفوظ زين الرحمن، أظن هكذا تسميته، قام بهذه المهمة, فعمل فهارس جيدة ورائعة لهذا الكتاب تخدمه خدمة جليلة, فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، بهذا نكون انتهينا من الكلام على مبحث العلة في الحديث, وإن كان هذا المبحث يحتاج إلى مزيد, وبخاصة في ضرب الأمثلة, ولكن يمكن أن يكون في بعض الأسئلة ما يرشد إلى هذا.

سؤال: الاضطجاع بعد ركعتي الفجر هل هو سنة؟ وما المراد بركعتي الفجر الفرض أو الراتبة؟
جواب: أقول: المراد بركعتي الفجر السنة، السنة الراتبة التي قبل الصلاة وأما هل هي سنة أو لا؟، فإذا كان المصلي صلاها في بيته فالسنة أن يضطجع على شقه الأيمن تاسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم, فيعتبر سنة في هذه الحال، وأما إذا صلاها في المسجد فلا يعتبر سنة, ومن تسنن بذلك فهو مبتدع؛ لأن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- لم يكونوا يصنعون هذا الصنيع، وكأنني سمعت أن هناك من يرى سنية الاضطجاع حتى في المسجد، وهذا أمر مستبشع ومستنكر؛ لأجل ما أشرت إليه من أن السلف لم يكونوا يصنعوه.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين,وصلى الله وسلم على نبينا محمد,وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى:
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث
وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث,حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل.وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم,يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه, ومعوجه ومستقيمه,كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف,والدنانير والفلوس,فكما لا يتمارى هذا فذلك يقطع ذاك بما ذكرناه.
ومنهم من يظن,ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحفظهم واطلاعهم على طرق الحديث وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم,التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس,فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة,ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ,أو زيادة باطلة,أو مجازفة أو نحو ذلك,يدركها البصير من أهل هذه الصناعة,وقد يكون التعليل المستفاد من الإسناد وبسط أمثلة ذلك يطول جدًا,وإنما يظهر بالعمل.
الشيخ: نعم. هذا النوع الثامن عشر: المعلل من الحديث,لم يعرفه ابن كثير رحمه الله تعالى,ولم يمثل له,تكلم فيه على قضيتين:
القضية الأولى التي قرأها الأخ,وهي متعلقة بـ.. يعني: صفة هذا النوع,وكونه دقيق,حتى قال بعض المحدثين منقول عن يعني عن بعض المحدثين,مثل عبد الرحمن بن مهدي,ومثل أبو حاتم رحمه الله تعالى,ويقولون: معرفتنا بهذا عند الجاهل نوع من الكهانة.لأن السائل يأتيه فيقول له: هذا الحديث ما صحة هذا الإسناد؟ فيقول له المجيب: هذا الحديث خطأ.
أو قد يعرض عليه مجموعة من الأحاديث,فيقول: هذا الحديث خطأ وهذا الحديث صواب,وهذا الحديث الصواب فيه كذا, وهذا الحديث دخل على هذا الحديث.فغيرهم,غيرهم يظن أن هذا مثلًا.. حتى اعترض عليهم رحمهم الله تعالى,يقول السخاوي رحمه الله تعالى: إن من لا يشارك أهل هذا العلم في قواعده ويمارس,قد يستنكر عليهم تعليلهم بعض الأحاديث,وأما من يشارك - يقول السخاوي معنى كلامه - فإنه لا يعترض,وقد يشاركهم في تطبيق هذا العلم,ومثل بذلك,مثل بذلك للمشاركين,هو يقصد الأئمة,ومثل لمن بعدهم بالإسماعيلي وبالبيهقي,ويعني جماعة من الحفاظ,الذين شاركوا أئمة النقد في شيء من هذا العلم؛لأن الكلام الآن,كلام ابن كثير رحمه الله,يتكلم عن أهل النقد في عصر الرواية,متى عصر الرواية؟
الـوجـه الـثـانـي


يعتبر عصر الرواية إلى نهاية القرن الثالث,شيء من القرن الرابع,فالحفاظ الذين كانوا في ذلك القرن هو الذي.. أو في ذلك الزمان هم الذين وصفهم أو ذكرهم ابن كثير في كلامه هذا,وأنهم هم الذين يعني اطَّلعوا بهذا الأمر,وعرفوا.. يعني: تهيأت لهم من الأسباب.. خلاصة الموضوع هذا ما ذكره ابن كثير,تهيأت لهم من الأسباب ما أهلهم للحكم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. المروي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخطأ أو بالصواب.
وألفوا في ذلك مؤلفات كثرة,سيذكرها ابن كثير بعد قليل,سيعرج عليها,سيعد بعضها,ومن الأمور التي تهيأت لهم ذكر ابن كثير كثرة ممارستهم وقراءتهم,ممارستهم وقراءتهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيعرفون أن هذا الحديث غلط أو صواب أحيانًا من متن الحديث,أحيانًا من متن الحديث,يعرفون أن هذا الحديث غلط أو صواب,أو أن بعضه صواب وبعضه خطأ,أو أنه يعرفون أن هذا من حديث فلان وليس من حديث فلان,يعني ليس فقط يعرفون أن هذا من حديث رسول الله,أو ليس من حديث رسول الله,وإنما يعرفون أهل هذا من حديث عمر أو من حديث أبي هريرة؟ وكذلك في أصحاب أبي هريرة يعرفون أن هذا من حديث سعيد أو من حديث أبي سلمة والسبب هو ما هو؟
السبب ما هو أنهم رحمهم الله اتجهوا لهذا الشيء,وتفرغوا له,وتعبوا فيه,ورحلوا وجمعوا.. يعني: فلو مثلًا سمعت عن حفظ بعضهم,إذا قيل مثلا: إن ابن معين رحمه الله كتب بيده ألف ألف حديث,يعني كم من حديث؟ مليون حديث,المقصود..
ليس المقصود بالمليون هذا متون, وإنما هي أسانيد,حتى يعرفوا ما عند الحسن البصري من كلامه,وما عند فلان من كلامه,وما عند فلان,والإمام أحمد رحمه الله ذكروا في معرض ذكر حفظه شيئا كثيرا,وكذلك غيرهما, غيرهما من الحفاظ يحفظون شيئًا كثيرًا جدا,فإذا سئل الواحد منهم السنة تقريرًا كلها بين..أو في ذهنه حاضرة,يستطيع أن يجيب,أن هذا أخطأ وأن هذا أصاب وكذا وكذا.
من يأت بعدهم أو من أتى بعدهم.. كما ذكر ابن رجب رحمه الله,يستطع أن يشاركهم,يستطيع بالممارسة وبكثرة قراءة كتبهم ونحو ذلك,وأهم ما في الموضوع,انتبهوا يا إخوة,أهم ما في الموضوع ليس المشاركة,الحقيقة إنما يعني.. أو تنزل العلماء إذا ما ذكره السخاوي,وهو أن نستوعب علمهم,وألا نعترض عليهم؛لأنه وجد من يعترض عليهم من بعض من لم يمارس هذا العلم,حتى قال بعض الفقهاء أو بعض الأصوليين: يتعلل ابن معين وجماعة من المحدثين بعلل في رد أحاديث,يعني مثل ما يقول ليست بشيء.
وذكر مثل هذا ابن الجوزي وابن حزم وغيرهما وابن القطان,ورفضوا علم المحدثين بالنسبة لهذا العلم الذي هو العلل,لماذا يعني رفضوه؟
لأن علم العلل,ما هو المعلل؟ المعلل,علم العلل هذا أكثر ما يتطرق إلى حديث الثقات, هذا هو المشكلة فيه,يعني لو كان الراوي ضعيفًا لاشترك الجميع في معرفة العلة,لو كان الإسناد منقطعًا فإن كثيرًا من الانقطاع يدركه أي باحث,تنظر في وفاة الشيخ وفي ولادة التلميذ,وتعرف أن أحدهما لم يدرك الآخر,أما كون هذا أخطأ وكون هذا أصاب, فهذا إنما يعرف من جمع الطرق.
ولهم أشياء في هذا عجيبة,يعني: القارئ في كتب العلل يدركها,ولهم أساليب أو لهم وسائل,تعتبر ذهبت لذهابهم تعتبر هذه الوسائل إنما نشاركهم,نحن نشاركهم الباحثون ومن جاء بعدهم,في الوسائل التي بقيت,بقي وسائل,نحن لو جئنا نتكلم على موضوع العلل والقرائن والمرجحات نقسمها إلى قسمين:
قسم ذهبت بذهاب الأئمة,لا يستطيع أن يقوم بها إلا هم.
والقسم الآخر يستطيع الباحث أن يشاركهم في هذا,وأن يفسر تعليلهم,وأن قد يعلل هو بنفسه.
إذًا يعرفون المعلَّل بأنه إسناد ظاهره الصحة,إذا قرأت الإسناد وإذا كله ثقات, وإسناده متصل, ويعني رواته عدول, ضابطون, والإسناد متصل,فإذن هذا هو الذي يحكم عليه كثير من العلماء والباحثين بقولهم: إسناده صحيح,إسناده صحيح أو إسناده على شرط الشيخين,ولكن بعد التفتيش وبعد الاعتبار الذي مر بنا قد يطلع فيه على علة قادحة تمنع من صحته.
ومن الأمثلة.. أكتفي بمثال واحد,روى محمد بن فضيل.. هذا مثال معروف يعني,وأيضًا أمثلة كثيرة ستأتي معنا,ستأتي معنا في المباحث اللاحقة؛لأن بعض الأنواع اللاحقة لها صلة بالمعلل,من أمثلته حتى نقرب الموضوع:
روى محمد بن فضيل,عن الأعمش,عن أبي صالح,عن أبي هريرة,أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للوقت أولًا وآخرًا)). وذكر الحديث في أوقات الصلوات.
هذا الحديث إذا نظرت إلى إسناده,وإلى محمد بن فضيل ثقة,والأعمش معروف,فهذه السلسلة قد صححها جماعة من المتأخرين على شرط الشيخين,بناءً على أي شيء؟ على ظاهر الإسناد.
أما الأئمة الأولون؛البخاري وابن معين,وجمع من الأئمة,فيقولون هذا الحديث خطأ,أخطأ فيه محمد بن فضيل,وإنما رواه جماعة من الثقات؛منهم عبثر بن القاسم,وجماعة من الثقات رووه عن الأعمش.
انظر الآن وجه الخطأ: عن الأعمش عن مجاهد بدل من؟ أبي صالح, مرسلا,لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم,ولا أحد من الصحابة,وإنما قال: كان يقال: ((إن للصلاة أولًا وآخرا)).
فإذن نقول عن الإسناد الأول:إن ظاهره الصحة,ولكنه بقي فيه شرط من شروط الحديث الصحيح,وهو الشرط الأخير,وهو ألا يكون شاذًّا, قال: ولا يكون معللًا.
فهذه هي العلة,إذًا هذه العلة اكتشفت,أو عرفها الأئمة من معرفتهم برواية الثقات الآخرين,فمثل هذا لا يتردد الأئمة أبدًا في الحكم عليه؛لكونه (غير مسموع) وهذا من القرائن التي نشاركهم فيها؛لأن الجمع من الثقات الآن رووه,وانفرد واحد,وهو الذي قد يسمى الشاذ أيضا, انفرد واحد بذكر أبي صالح,وأبي هريرة رضي الله عنه.
هذا مثال يعني (بس) (غير مسموع) سيأتي معنا أمثلة له,وكما ذكرت بعض أدلتهم رحمهم الله تعالى,يعني لا نستطيع أن نشاركهم فيها.هذا يعني نقرأ الآن الموضوع الثاني الذي ذكره ابن كثير في المعلل,وهو المؤلفات في هذا الفن. نعم.
القارئ: ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب العلل,لعلي بن المديني,شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده,في هذا الشأن على الخصوص,وكذلك كتاب العلل لعبد الرحمن بن أبي حاتم,وهو مرتب على أبواب الفقه,وكتاب العلل للخلال,ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد.
وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك,وهو من أجل كتاب,بل أجل ما رأينا وضع في هذا الفن,لم يسبق إلى مثله,وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله,رحمه الله وأكرم مسواه.
ولكن يعوزه شيء لابد منه؛وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب,أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم؛ليسهل الأخذ منه؛فإنه مبدج جدًا,لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة.والله الموفق.
الشيخ: هذه بعض الكتب التي ألفت في العلل والمؤلفات في علل الأحاديث كثيرة جدا,لكن مثل ابن كثير رحمه الله ببعض هذه الكتب,وذكر أن من أحسن كتاب وضع في ذلك كتاب العلل لعلي بن المديني,وهو كتاب مفقود تقريبًا,يعني: لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة,طبعت مرتين أو أكثر,وهي تنبئك عن جلالة هذا الكتاب,وعن جلالة مؤلفه,رحمه الله تعالى,وهو الذي يقول فيه البخاري : ما استصغرت نفسي عند أحد.. أو بين يدي أحد إلا عند علي بن المديني رحمه الله.
إمام جليل,وبالذات في علم علل الحديث واختلاف الأسانيد,له شيء يعني عظيم,والقطعة هذه صغيره,لكنها يعنِي: دليل على جلالة هذا الإمام وجلالة كتابه,وهو كبير كتابه, حسب ما وصفه علي, والظاهر أنه الظاهر أنه قد ذهب هذا الكتاب في وقت علي بن المديني,الظاهر والله أعلم؛يعني لأنه أذكر عنه نصًّا أنه يقول ألفت المسند المعلَّل ثم وضعته في.. يعني مثل ما تقول في مكان لحفظ الكتب,ولما.. وسافرت سفرة,فلما جئت وإذا الأرض قد.. يعني أو.. قد أكلت الأوراق,وعجزت عن (غير مسموع),ولم أنشط لكتابته مرة ثانية.
وفي عبارة ابن كثير الآن يقول: وسائرالمحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص. يحتمل أن يكون مراده أن المؤلفين قد ألفوا, أو أن المحدثين قد ألفوا بعده كتبا كثيرة,ويحتمل أن يكون في العبارة شيء من السقط,يعني وسائر المحدثين بعده يعني: عيال عليه أو مستفيدون منه في هذا الشأن على الخصوص ونحو هذه العبارة.
وكذلك مثل ابن كثير رحمه الله بكتاب العلل لابن أبي حاتم,وهو الأسئلة له والأجوبة لمن؟
الأجوبة لأبيه أبي حاتم, ولأبي زرعة أيضًا,ويسألهما ابن أبي حاتم,وهما يجيبان,وهذا الكتاب بحمد الله تعالى وُجد كاملًا,وله نسخ مخطوطة كثيرة,ومن أحسن الكتب وأسهلها وأقربها تناولًا,ويعني: أخفها.. يعني لا يطيل كثيرًا كما سيأتي في كلام.. في صنيع الدارقطني,فهو يعني الطلاب.. قريب للطلاب وسهل والاستفادة منه والتدرج من هذا الكتاب بالنسبة إلى الطالب, يعني: سهل التعامل معه نسبيًا,يعني: بالنسبة لكتاب الدارقطني مثلًا.
وقد حُقق بعضه رسائل عليا في جامعة (الإمام), والطلاب الآن يعني سائرون في تحقيقه, لم ينته الكتاب بعد. وكذلك كتاب العلل للخلال,كتاب العلل للخلال هومن جمعه رحمه الله,هو من جمعه,وإلا فهو للإمام أحمد,وقد فُقد هذا الكتاب,كتاب عظيم جدًّا جدًّا,هذا لو وجد هذا الكتاب لكان يعني: الفائدة منه كبيرة,وإنما ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني انتخب أحاديث من هذا الكتاب,ويوجد الآن جزء يسير من هذا المنتخب,يعني: الذي يوجد الآن من المنتخب, وأما الأصل فيحتمل أن يكون يعني موجود منه بعضه,وأما سائره فهو مفقود.
وكذلك أيضًا قال ابن كثير مسند البزار نعم,وهو مسند البزار,اسمه المسند الكبير المعلَّل,يذكر فيه البزار عللا كثيرة للأحاديث,والظاهر والله أعلم أن البزار يعني قصد به شرح علل الأحاديث,يعني: ليس على طريقة مسند من؟
مسند الإمام أحمد,يسوق الأحاديث ويسكت,أو مسند أبي يعلى,ويشبهه في هذا مسند يعقوب بن شيبة,يعقوب بن شيبة هذا إمام جليل,لكن حصل له بعض الظروف,فيعني لم يجتهد كثيرًا,المهم أن له مسندًا كبيرا,ولكن لكبره لم يتمه؛لضخامته, مات قبل أن يتمه.
وكان عنده وراقون كثيرون,يهيئ لهم الفرش,ويهيئ لهم الطعام,ويهيئ لهم السكن,وكل شغلهم تبييض,أو عملهم في هذا المسند؛لكبره, يقولون: إنه تم منه عشرات الأجزاء,ومع ذلك لم يتم الكتاب؛لأنه كتاب كبير جدًّا,يعني: لو تم لكان يعني يمكن من أكبر ما ألف.
لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة أيضًا تدلك على جلالة هذا الكتاب,قطعة صغيرة من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
من أكبر الكتب في العلل التي وصلت إلينا ما أثنى عليه ابن كثير كثيرا,وهو كتاب العلل للدارقطني,كتاب عظيم,ويقولون إن الدارقطني رحمه الله أملاه من حفظه,ويعني القراءة في بعض أحاديث هذا الكتاب يعني تصيب الرأس يعني بالصداع,بعضه,بعض أحاديثه,مثلًا حديث بُسْرة بنت صفوان,تكلم عليه تقريبًا في جزء,لو نشر لكان جزءًا لوحده,ويطيل أحيانًا في بعض الأحاديث,يطيل,يذكر وجوها للاختلاف,ويذكر روايات, ويعني فعلًا ينبئك عما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى عن جلالة علم العلل ومن الذي يقوم به على حقيقته.
والغريب يعني,أو من العجيب أن الدارقطني نفسه يقول: إذا أردت أن تعرف فضل علم السلف على علمنا,فاقرأ كتاب علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى الزهري.الذي يقوله من الآن ؟ الدارقطني !
ونحن نتعجب,أو ابن كثير يتعجب من كتاب الدارقطني,وهو فعلًا موضع عجب,لكن هو يقول: علل أحاديث الزهري,محمد بن يحيى الزهري تخصص في الزهري,وألف كتابًا عظيمًا أيضًا في علل حديث الزهري (بس),فقط في علل حديث الزهري,ويقول الدارقطني: إذا رأيت أن تعرف فضل علم على علمنا,فاقرأ في كتاب محمد بن يحيى الزهري,وهذا الكتاب في علل أحاديث الزهري.
وقد اتجه بعض الأئمة إلى تخصيص كتب في علل بعض الأئمة فقط,يعني مثلًا ابن حبان له كتاب علل حديث سفيان بن عيينة,ويعني: الآن مثلًا فيه رسالة علمية في علل حديث الزهري فقط,التي ذكرها,التي ذكرها الدار قطني في كتابه العلل,يعني: هذا الطالب أوهذا الباحث الآن هو دكتور أستاذ فاضل,طُبع الكتاب,أخرج أحاديث الزهري من كتاب العلل,وصار يتكلم عليه, يخرج الروايات التي يذكرها الدارقطني,ويذكر أقوال العلماء الآخرين,وكذلك فعل بعض الطلاب في أئمة آخرين بعضهم.. أحدهم في قتادة والآخر في أبي إسحاق.
فهذا علم جليل عظيم واسع, وهو كما وصفه ابن كثير ووصفه غيره أيضًا بهذا الوصف.نعم تفضل يا شيخ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثامن, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir