دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 ربيع الثاني 1441هـ/19-12-2019م, 01:07 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي المجلس الثامن: مجلس مذاكرة القسم الأول من سير أعلام المفسرين

مجلس القسم الأول من دورة "سير أعلام المفسرين"
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله.


اختر مفسّراً من المفسرين الذين درست سيرهم واكتب عنه رسالة تعريفية مختصرة ( في حدود صفحة إلى ثلاث صفحات ) تبيّن فيها أهم ما ورد في سيرته
والفوائد التي استفدتها من دراستك لسيرته.


- لايسمح بتكرار اختيار المفسر إلا بعد تغطية جميع المفسرين.

تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 ربيع الثاني 1441هـ/19-12-2019م, 05:26 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

أختار أبي بن كعب بإذن الله

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 ربيع الثاني 1441هـ/20-12-2019م, 09:22 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

مزمار الحق (أبو موسى الأشعري)

-يحبهم ويحبونه:
يقدم الأشعري من أرضه وأذنه متلهفة لسماع الحق، وقلبه عطشان ظمآن للارتواء من نهله، فيقبل على رسول الله بنفس متلهفة، ليستمع للحق من في رسول الله حتى لان قلبه، ونطق بالحق لسانه، فلما تذوق تلك الحلاوة، لم يطق صبرا أن لا يذيق أهله وعشيرته، ويدعوهم معه لسفينة النجاة، ليعود لرسول الله فرحا مسرورا يبشره بمجيء الوفد مسلما متيقنا.
أسلم القوم وحسن إسلامهم حتى قال رسول الله لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}: «هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري» “رواه بن ابن أبي شيبة في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه”.
آه يا أبا موسى! أي مرحلة وصلت فيها من الإيمان أنت وقومك حتى تنالون رأفة الله؟ رحمة الله؟ كرم الله؟
كلا والله بل كل ذلك وأعظم.. محبته سبحانه! أي عمل نلتم به تلك الدرجة الرفيعة؟
لم تحل المسافات الطوال بينهم وبين رسول الله من ذلكم الحب! كيف يحرم بعض أعمام رسول الله وأخواله من تلك المنزلة؟ وينالها قوم قد يكون منهم من مات لم ير رسول الله! لكنهم والله مع ذلك أحبوه حق الحب، واتبعوه حق الاتباع، وساروا على نهجه وإن لم يروه! فاللهم ارزقنا ما رزقت الأشاعرة فقد حالت السبل بيننا وبين نبيك، فلا تحل بيننا وبين حبك.

-سفينة الخير:
تضيق الدنيا على المسلمين في مكة فيهاجرون للحبشة، يعود بعضهم ويبقى البعض، بقي أبو موسى في أرض الحبشة، والأشواق تدفعه للعودة، تصله الأخبار بأن المسلمين هاجروا للمدينة، ويصله معها أحاديث الهجرة وأفضالها، يعود جارا حسرته معه بعد سنوات، يستقل السفينة فتجري به على هون، ولو قادها شوقه لفاقت الطير سرعة وتعجلا، يتبادل همومه مع البحر وأمواجه، يحكي لها مدى حبه وتشوقه لأن تقر عيناه برؤيا حبيبه، يذكره تقلب البحر وأجواؤه تقلب الحياة، فيهون الهم في عينه، ويزيد من تفاؤله سعة الأفق وعدم انقضائه.
تصل السفينة إلى شاطئ لم ير في تلك الدنيا شاطئا أكثر أمانا منه، يشعر بالرمال تدغدغ قدميه، فيشعر بأن لا سعادة تعدل سعادته ذلك اليوم، تسير الركاب لتكمل رحلتها إلى خيبر، حيث لا جهاد يتوقف في الحياة حتى الموت، فمعركة رسول الله مع اليهود تنتظره، ليصل إلى أرض المعركة ويخط بجوارحه ودمائه حبه لدينه ودفاعه عن نبيه.
يستقبله نبي الله متهللا فرحا بعودته ومن معه، يرى في أعينهم الحزن أن فاتهم فضل الهجرة المدنية، ليشنف آذانهم بأطيب خبر سمعوه، وقد كانت في شوق لمثل تلكم البشائر: « لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان » “رواه البخاري في صحيحه”.
يتهلل أبو موسى ومن معه، الله أكبر! والله لا يضيع أجر عامل مع رب عادل!

-مزمار داود:
رزق أبو موسى صوتا جميلا عذبا رائقا شائقا لا ينقصه سوى التغني بالحق ليكون في أكمل صورة، وقد اكتمل جماله لأول مرة حينما ترنم بآيات كتاب الله ورتلها، حتى أصبحت أنيس لياليه الطوال، وخير جليسها.
يخرج رسول الله في ليلة من الليالي، يقوده ما يقوده من الدواعي والهواجس، ليمر على آذانه ذلك الترتيل العذب، حتى قاده إلى مصدر ذلك الصوت العجيب في حسنه وجماله، فإذا بمصدر هذا الصوت بيت أبي موسى الأشعري.
يعود لبيته وذلك الصوت لا يزال عالقا في قلبه قبل ذاكرته، حتى جاء صباح الغد، فيرى فيه أبو موسى ويخبره قائلا: (( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مزمارا من مزامير آل داود )).
لم يتكتم حبيب الله على ذلكم الثناء، ولم يخف ذلك الإعجاب، فقد كان سيد الأخلاق ومتممها، وأكمل ثناءه بالدعاء له قائلا: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً )) “مسلم”.
ترى كيف كان شعور أبي موسى بعد ذلك الثناء المصحوب بالدعوات النبوية المباركة؟ كيف نام ليلته تلك؟ وكيف استطاع كف لسانه عن الإفصاح بتلك الدعوة وذلك الثناء لكل من رآه؟

-سفير الدعوة:
لم يكتف أبو موسى بعد تذوق حلاوة الإيمان بنفسه ولا بقومه، فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلّماً لأهل اليمن، ثم استعمله على زبيد وعدن ورمع والساحل، فانطلق يدعو ويعلم، وينشر الحق في الأرجاء.
حتى بعثه عمر أميراً على الكوفة والبصرة وقائداً لجيوش المسلمين فافتتح أصبهان وغيرها زمن عمر.
وكان مجاهداً فقيهاً قاضياً مقرئاً معلّما حكيماً.
قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وكانت أول سورة نزلت على محمد). “رواه ابن جرير”.
وقد أخذ أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
وروى عنه في التفسير:
من الصحابة: عياض بن عمرو الأشعري.
ومن التابعين: ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
وأرسل عنه: الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة السدوسي، ومحمد بن سيرين.

-الأمان الباقي .. فالبشرى يا أمة محمد:
يقول أبو موسى: " إنه كان فيكم أمانان: قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة "”رواه ابن جرير”.

-وانطفأ الصوت العذب:
رحل أبو موسى مع رحيل العام الهجري في ذي الحجة سنة 44هـ، وقيل سنة 42هـ، والأول أرجح. ليبقى عمله، وتشهد له ذرية الأشاعرة، وذرية كل قوم اهتدوا على يده، أو طالتهم معاركه.
رحل .. وكل أذن من بعده تحن لذلك الصوت العذب، وذلك الترتيل الشجي، فقد رحل في تلك الليلة من كان يشنف آذانها بكلام ربها، ليبقى كلام الله، ويفنى كل صوت سواه.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 جمادى الأولى 1441هـ/7-01-2020م, 05:52 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

ان شاء الله اختار سيره
معاذ بن جبل

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الأولى 1441هـ/17-01-2020م, 03:43 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

سيره معاذ لن جبل رضى الله عنه


هل سبق وقيل لك أحبك؟؟
يا ترى ما شعورك لو كان هذا القائل رجل له مكانة وجاه ومنصب وذو شأن وشأو وقال لك يا فلان أني أحبك؟؟
أتوقع أنك ستطرب لكلامه ؛ وتفرح لعباراته وترقص على نغماته
فكيف يكون حالك لو كان القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى بك وقال لك يا فلان أني أحبك ؟؟
أظن لن تجد العبارات للإعراب عما ينتابك من شعور الفرح والسرور؛ وقد علتك مشاعر الدهشة والعجب ؛ وتخاف أن تصدق الخبر فيسارع لسانك متسائلا مستفهما مستفسرا ..يا رسول الله أتقصدني أنا ؟؟؟؟
فيقول نعم يا فلان أني أحبك.....حينها لا تتمالك نفسك إلى بالهوي بسجدة شكر لله عزوجل
فهل بعد هذه المرتبة من مرْتبة ؟ وهل من أعظم منها ؟ أنْ يُحِبَّك رسول الله ، ورسول الله لا ينْطق عن الهوى ،.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛. قوم اختارهم الله عزوجل لصحبة نبيه والتعلم على يديه ؛ وأكرمهم بنصرة دينه والدب عنه.....بل مما زادهم شرفا محبة النبي صلى الله عليه وسل لهم ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك،...) صحيح أنها كلمة من حرفين! لكن معانيها عظيمة ومدلولاتها جزلة قوية، كما قيل : “ليس الشأن أن تُحب إنما الشأن أن تُحَب“.
معاذ بن جبل -رضي الله عنه- الأنصاري الخزرجي المدني البدري أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، كانت له منزلة علية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخصه بمزيد قرب فكان كان- صلى الله عليه وسلم- يردفه وراءه.. . وبعثه إلى اليمنبعد غزوة تبوكمبلغا عنه؛ داعيا ؛ومعلما؛، ومفقها ، ومفتيا ، وقاضيا وحاكما؛ وشيعه ماشيًا في مخرجه وهو راكب. وقال له حين ودَّعه: " حفظك الله من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك، ودرأ عنك شرور الجن والإنس"..وعاد في خلافة أبي بكر وولاه عمر على الشام بعد أبي عبيدة.
- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من علماء الأنصار و كان ممن يفتون على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ..لشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالعلم والفقه والدين .
وروي فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وأنه يحشر أمام العلماء برتوة - أي بخطوة - .
عن أنس قال: قال رسول الله: "- - صلى الله عليه وسلم- :" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" .
-عن عمر بن الخطاب مرفوعا: (يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة)
-خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الفِقْهَ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.)

-وخصه رسول الله بشيء من العلم.."فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا».
خصه بتلك الكلمات لما علم منه من قوة إيمان و توكل على الله وأنه ليس ممن يتكلون عليها " قال ابن حجر:" وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل وخشية الله عز وجل، فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن أن يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر، ...." الفتح
وكان رضي الله عنه ذا خلق حسن ومحب لإخوانه مدافع عن أعراضهم فلما تخلف كعب بن مالك عن غزوة توبك قال رجل من بني سَلمَة: حَبسه يَا رَسُول الله برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه..فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئْسَمَا قلت وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا..
-ومما زاد معاذا شرفا ورفعا ما حباه الله عزوجل من مزيد عناية بكتاب الله واهتمامه به تلاوة و حفظا وتدبرا وتفهما وعملا وتطبيقا لأوامره واجتنابا لنواهيه ووقوفا عند حدوده وحذرا من زواجره ..حتى صار يعرف به مع نفر من الصحابة ولذلك شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذلك ؛وتلك تزكية منه - صلى الله عليه وسلم- لهم ؛ عن عبد الله بن عمرو قال سمعت :رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وأبي ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ( رضي الله عنهم
وعن أَنَسُ بنُ مَالِكٍ:" جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُم مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، أَحَدُ عُمُوْمَتِي ".
وكانت له -رضي الله عنه- عناية ببيان قراءات القران
فقد أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن قَول الحواريين {هَل يَسْتَطِيع رَبك} أَو تَسْتَطِيع رَبك فَقَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل تَسْتَطِيع رَبك) بِالتَّاءِ
ولم يكتف معاذ بحفظ القران والاعتناء بحروفه وترتيله وتجويده بل كانت له عناية بتعلم معانيه و أحكامه وتعليمه للناس

ففي قَوْله {هدى لِلْمُتقين} .َ فقد أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن معَاذ بن جبل قَالَ: يُحبَسُ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بَقِيع وَاحِد فينادي منادٍ: أَيْن المتقون فَيقومُونَ فِي كنف الرَّحْمَن لَا يحتجب الله مِنْهُم وَلَا يسْتَتر.
وفي قوله تعالى : {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} فقد أخرج ابن أبي حاتم. عَن معَاذ بن جبل قَالَ:}قال: {لا انفصام لها}يعني: لا انقطاع لها- مرتين- دون دخول الجنة)

وفي قَوْله تَعَالَى: {وَفتحت أَبْوَابهَا}
-أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

وكذلك أهل القران ؛ اعتنوا بكلام ربهم فظهرت آثاره عليهم ؛ ظهرت آثار علمهم وعملهم بكتاب الله؛ من محكم منطق وحُجَّةٍ ووقارٍ ومهابَةٍ ونورٍ ومكانةٍ وسُمْعةٍ و حسن السمت والخلق مع الناس حتى أصبحوا قدوة و إسوة للناس يقتدون بهم ويقتفون أثرهم..فقد كان لمعاذ بن جبل نصيب وافر
-فعن الشعبي ، حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : قال ابن مسعود:إن معاذاكان أمة قانتا لله حنيفا " ، فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله عز وجل" : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله"الآية ، قال : أتدري ما الأمة ؟ وما القانت ؟ فقلت : الله أعلم ، قال : الأمة : الذي يعلم الخير ، والقانت : المطيع لله ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك كان معاذ بن جبل كان معلم الخير وكان مطيعا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
قد كانت له هَيْبَة حتى مع أصْحاب النبيصلى الله عليه وسلم..
-فعن شهر بن حوشب قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تَحَدَّثوا وفيهم معاذ، نظروا إليه هيبة له.( أخرجه أبو نعيم في " الحلية ")
وكذلك الأتقياء الأنقياء الذين علموا وأدركوا عظيم فضل الله عليهم وعظيم حقه عليهم؛لم يستقر في قلبهم إلا الذل لربهم والخضوع له بل خالط شغاف قلبهم مشاعر أنهم ما قدروا الله حقه فزادهم ذلك حبا للرحيم الكريم وطاعة و خوفا من العلي الجليل وخشية له ولم يؤثر فيهم ثناء الناس و ما لهم من فضائل و مناقب ..
فقد كان معاذا رضي الله عنه من أشد الناس خشية لله عزوجل فكان من دعائه إذا تهجد ن الليل :" اللَّهُمَّ، نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حي قيوم، اللَّهُمَّ، طلبي الجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللَّهُمَّ، اجعل لي عندك هدى ترده إلي يَوْم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد"..

-وعن ابن عمر قال مر عمر بمعاذ وهو يبكي فقال ما يبكيك قال حديث سمعته من رسول الله يقول ( إن أدنى الرياء شرك وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يعرفوا أولئك مصابيح العلم وأئمة الهدى.. ( أخرجه الحاكم وصححه .
وعرف رضي الله بكثرة ذكره لله عزوجل قال رضي الله عنه ..: " ما عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ..
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ؟
قَالَ: وَلاَ، إِلاَّ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، لأَنَّ اللهَ -
تَعَالَى - يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} .
ومن مواعظه أَيُّهَا النَّاسُ! أَرْبَعُ خِلاَلٍ، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تُدْرِكَهُ.
قَالُوا: مَا هِيَ؟
قَالَ: يَأْتِي زَمَانٌ يَظْهَرُ فِيْهِ البَاطِلُ، وَيَأْتِي زَمَانٌ يَقُوْلُ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَنَا، لاَ يَعِيْشُ عَلَى بَصِيْرَةٍ، وَلاَ يَمُوْتُ عَلَى بَصِيْرَةٍ (طبقات ابن سعد) .

و لما حضرت معاذا الوفاة بكى وقال :" ..اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر».
مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة .وهو في عز شبابه ابْنُ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وكما قيل :" ..العُمْرُ أَتْفَهُ ما فيه طولُهُ ، وأعْظم ما فيه الأعمال الجليلة التي عمِلَها .



فوائد:
-اكتفي بفائدة واحدة لكن كان لها كبير أثر علي..كنت أفكر ما الذي اختص به معاذ حتى خاطبه النبيصلى الله عليه وآله وسلم بذلك الأسلوب الفريد من نوعه " يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك "...صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أصحابه وصرح بمحتبه لبعض منهم لكن لم يخاطب أحدا منهم بهذا الخطاب الفريد من نوعه؛ يقسم أنه يحبه..ما الذي يجبر النبيصلى الله عليه وآله وسلم على القسم وهو الصادق المصدوق و لماذا يخاطب معاذا بالقسم ويؤكد له ويكرر أنه يحبه...ألا يخاف عليه من العجب والكبر وغيرها..
فطفقت أقرأ سيرته باهتمام وتمعن وأخذت منى وقتا.. أحاول النظر فيم أقرا وتقليب الكلام والبحث في طياته .عسى أن اظفر بشيء.يجيب عن السؤال المعلق المطروح ويزيل الدهشة التي علت النفس
..إلى أن وصلت عبارة كانت المفتاح
قال راوي الحديث في وصف معاذ لما اشتدد عليه الألم في طاعون عمواس : ....: فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: رَبِّ! غُمَّ غَمَّكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.
وعَنِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ:..إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ وَهُوَ يَمُوْتُ، وَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ وَيُفِيْقُ، فَقَالَ:
اخْنُقْ خَنْقَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ...
يا ألله.. يا ألله "غُمَّ غَمَّكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ " كررتها كثيرا كثيرا لما كان لها كبير أثر على نفسي ؛ هي المحبة؛ هي المحبة ؛ وكذلك تفعل المحبة بالعبد إذا استولت على القلب...فروحت أبحث في نفسي هل أنا أحب الله فعلا و هل أقدر أن أقول بملأ فمي أحب الله ...بل هل أقدر أن أخاطب الله و أقول له إني أحبك...عند المحك يبتلى المرء
أما قوله :" ، فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ" فهذه لم اقدر أنطقها وأكررها عظمت عظمت فلم يقدر اللسان يتكلم بها . يقسم بعزة الله أنه يحبه ؛ بل يتكلم مع ربه ويقسم له أنه يحبه . يا الله ... كما أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه و إنما الجزاء من جنس العمل
" فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ" يالله ما هذه الثقة و ما هذا الإيمان القوي ...وما هذى المحبة العظيمة ..وما هذا الإخلاص ا لذي طرد معه كل رياء أو سمعة ...
وكذلك تفعل المحبة بالعبد كل فعل إذا خالطت شغاف القلب ..
فأصبح معاذ لا يرى ما يصيبه من أقدار ومصائب إلا بعين المحب الراضى فلما أصابه طاعون عمواس قال الرواي : فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، فَكَانَ يَقُوْلُ:.مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ
وقال : فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَصِيْبَ آلِ مُعَاذٍ الأَوْفَرَ.
. فالمحبة هي محركة العبد تحرك جوارحه للعمل فلا يشعر بالتعب ولا يتضجر من خدمه وعبادة محبوبه؛ والمحبة ترضى القلب و تسكت قلقله وتذهب خوفه وفزعه وضجره ؛ فلا يرى في فعل المحبوب إلا خيرا وجمالا وحكمة و هدى وصلاحا...
ربنا رزقنا محبتك محبة ترضى بها عنا ؛ محبة تبلغنا جوارك في الجنة

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 جمادى الآخرة 1441هـ/1-02-2020م, 12:12 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيرة الصديق رضي الله عنه

الحمد لله ربنا، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله نبينا، وعلى آله وصحبه الذين يملأ حبهم قلوبنا، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان من سلفنا وعلماؤنا،
أما بعد:

فإن خير معين على رفع الهمم لسلوك الصراط المستقيم والنهج القويم الذي سلكه من مضى من الصحابة والتابعين هو تعرف همم القوم الماضين
والسبيل إلي ذلك هو معرفة سيرتهم وما نقل لنا عنهم ليكونوا في نفوسنا شمس النهار وفي مقدمة هؤلاء الأعلام وحفاظ الإسلام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين،
وانطلاقا من هذا الأمر الجليل فبين يدينا سيرة علم من أعلام الصحابة رضي الله عنهم وهو أفضل الصحابة قدراً، وأعلاهم منزلة، وأطولهم صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأسبقهم إلى الخير والفضل وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وجمعنا به في الجنة مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وسنذكر طرفا مما ذكر في سيرته، وعلى الله الكريم اعتمادنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هو أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي رضي الله عنه.

الرجل الأول في الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أول من آمن من الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي ذهب إلى أبي بكر ليخبره بما أكرمه الله به من الرسالة ويدعوه إلى دين الإسلام فقبل أبو بكر رضي الله عنه دعوة النبي دون تردد وشهد شهادة الحق،
وقد روى ابن إسحاق عن بداية إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة و تردد و نظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين دعوته، و لا تردد فيه ) ما عكم: ما تباطأ بل سارع
وبهذا كان رضي الله عنه من أخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وصار الأمر كذلك بعدها، فكان هو أكثر الصحابة ملازمة وصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم،
وقد نزل في شأنه آيات من القرآن، ونوّه الله بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وبمعيّة الله له معيّة خاصة؛ كما في قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
وصاحبه هو أبو بكر رضي الله عنه فقد روى ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وعلى هذا انعقد أجماع الأمة .

لقد كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ كنزاً من الكنوز، ادخره الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم،
وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخُلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الذين يألفون ويؤلفون ولذلك قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر".

وكما أنه لم يتردد في قبول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بل صدقه بمجرد إخباره بما أوحي إليه، فكان هذا حاله مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد قبوله للحق وإسلامه ولذلك سمي الصديق وقد أخبرتنا عن هذا ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ـ فتقول: لما أسري بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟، يزعم أن أُسْرِي به الليلة إلى بيت المقدس، قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق . قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!، قال نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ( أخرجه الحاكم ) .
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحُداً، و أبو بكر وعمر وعثمان، فوجف بهم، فقال صلى الله عليه وسلم:( اثبت أحد، ما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان) ( رواه أحمد ). والشهيدان: عمر وعثمان رضي الله عنهما، والصديق: أبو بكر رضي الله عنه

- وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر»
وكانت نتيجة هذا الفهم لمعاني القرآن الكريم واستقرار معانيه في قلبه، أنه تحرك في الدعوة إلى الله تعالى ضاربا لنا أروع مثل لتوضيح ما ينبغي على المؤمن أن يكون عليه، فكان رضي الله عنه لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة، سرعان ما تخمد وتذبل وتزول، فقد ظل نشاط أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وحماسه إلى دينه ودعوته حتى توفاه الله، ولم يفتر أو يضعف
ولذلك جاءت ثمرة دعوته في بدايتها بصفوة من خيرة الخلق، من العشرة المبشرين بالجنة، منهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنهم أجمعين، فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد فأسلموا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هؤلاء الخمسة أول ثمرة من ثمرات الصديق رضي الله عنه وعنهم أجمعين وكانوا من الدعامات الأولى التي قامت عليها الدعوة إلى دين الإسلام.

-ومن الأدلة على دقة فهم أبي بكر رضي الله عنه للقرآن ما قال ابن القيم رحمه الله:
(كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به").

=وأما عنايته بالقرآن وحرصه على جمع الناس عليه:
فإنه رضي الله عنه أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة، فخشي تفرق الأمة في القرآن فعمد إلى جمعه وأقره الصحابة على فعله.
- قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله). رواه ابن أبي داوود.
ومن مظاهر عنايته به، ما كان منه من الإقبال على فهم كلام الله وقد تقدم قبل قليل شيء من هذا فقد كان أبو بكر من أعلم الصحابة بالتفسير، وربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم.

والكلام على سيرته رضي الله عنه لا يمكن الإحاطة به في مثل هذه السطور القليلة، ولكنها كالمقدمة بين يدي الكلام على سيرته رضي الله عنه، وقد ألفت في سيرته المؤلفات فمن أراد الزيادة فعليه الرجوع لكتب التراجم والسير والتاريخ ففيها الشيء الكثير مما جاءنا عنه رضي الله عنه.


وبعد حياة مليئة بأمور وأحداث كثيرة مشرفة كتبت فيها الكتب وألفت فيها المؤلفات نُزل به رضي الله عنه ومع هذا فمازال حريصا على تعليمنا ونقل الدين لنا حتى في هذا الحال:
فعن مجاهد بن وردان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كنت عند أبي بكر حين حضرته الوفاة فتمثلت بهذا البيت
من لا يزال دمعه مقنعا ... يوشك أن يكون مرة مدّفعا
فقال: يا بنية لا تقولي هكذا، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
ثم قال: في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقلت: في ثلاثة أثواب.
فقال: كفنوني في ثوبي هذين واشتروا إليهما ثوبا جديدا؛ فإن الحيَّ أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هي للمهلة). رواه ابن حبان وأصله في صحيح البخاري.
وفيه حرصه الشديد على اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رضي الله عنه يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة 13هـ.

وأما عن أخذ العلم عنه:
فقد روى عنه جماعة من كبار الصحابة وشبابهم فروى عنه الخلفاء الثلاثة، وعبد الرحمن بن عوف وحذيفة بن اليمان وعائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سعيد الخدري وابن عباس وجماعة.

ولكن الرواية المحفوظة عنه قليلة وسبب هذا قصر مدة خلافته فقد تولى الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لمدة عامين وشهرين تقريبا ثم توفي رضي الله عنه، وأيضا لاشتغال كثير من الصحابة بالجهاد وحروب المرتدين.


ومما روي عنه في التفسير:

أ: عن سعيد بن نمران قال: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قلت: يا خليفة رسول الله، ما استقاموا، قال: استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
ب: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد البجلي، عن أبي بكر الصديق: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ، قال: النظر إلى وجه ربهم). رواه ابن جرير.
ج: قال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا بكر الصديق، رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» رواه ابن جرير بهذا اللفظ.


=ونختم الكلام بذكر بعض الفوائد التي تستفاد من سيرة هذا الصحابي الجليل:
-فمن الفوائد: شدة العناية بالقرآن الكريم والإقبال عليه
-ومنها: الحرص على اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تردد أو تأخر بل يستسلم العبد لذلك قدر استطاعته.
-ومنها: الحرص على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء عنه.
-ومنها: أهمية قيام الليل وأنه شرف المؤمن.
-ومنها: الحرص على الصدقة لما لها من الآثار الحميدة في الدنيا والآخرة.
-منها: أهمية العلم فهذا خليفة رسول الله ما وصل إلى ما وصل إليه إلى بفضل العلم الذي يتبعه العمل الصالح، وأن أشرف العلوم ومقدمها هو ما تعلق القرآن العظيم.
-ومنها: الحرص على بذل العلم للناس فإن زكاة العلم بثه في الناس فإن بقاء الدين والدنيا هو في إحياء العلم بين الناس.
-ومنها: أن الواجب على من لم يعلم مسألة أن يكل علمها إلى الله فيقول "الله أعلم" أو "لا أدري" ونحو ذلك من العبارات، فهذا الرجل الثاني في الأمة على جلالة قدره وكان يقول هذا فيما لا يعلمه ولا يجيب الناس في كل ما سألوه عنه.
-ومنها: أهمية الحفاظ على الأخلاق الحسنة وما لها من الأثر العظيم في الحفاظ على الأخوة الإسلامية والترابط بين المسلمين بفعل الصدقات وبذل النفع للمسلمين والنصيحة لهم وإفشاء السلام بينهم إلى غير ذلك من أبواب البر.
-ومنها: الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-ومنها: حرمة دم المسلمين والواجب علينا في الحفاظ عليها وأن الدينا كلها لا تساوي شيء في مقابل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.


ومن تدبر سيرته رضي الله عنه جاءه من الفوائد الشيء الكثير وانتفع بذلك أيما انتفاع لذا ينبغي أن يكرر قراءتها مرة بعد مرة ليكون هذا معينا للنفس مقويا لها للسير على الصراط المستقيم والحرص على حمل العلم وبثه ونشره في المسلمين فإنه السبيل للحفاظ على الدين والدنيا، والله أعلى وأعلم وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اعتذر عن التأخر في تأدية المهام لظروف العمل.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1441هـ/4-02-2020م, 11:58 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
مزمار الحق (أبو موسى الأشعري)

-يحبهم ويحبونه:
يقدم الأشعري من أرضه وأذنه متلهفة لسماع الحق، وقلبه عطشان ظمآن للارتواء من نهله، فيقبل على رسول الله بنفس متلهفة، ليستمع للحق من في رسول الله حتى لان قلبه، ونطق بالحق لسانه، فلما تذوق تلك الحلاوة، لم يطق صبرا أن لا يذيق أهله وعشيرته، ويدعوهم معه لسفينة النجاة، ليعود لرسول الله فرحا مسرورا يبشره بمجيء الوفد مسلما متيقنا.
أسلم القوم وحسن إسلامهم حتى قال رسول الله لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}: «هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري» “رواه بن ابن أبي شيبة في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه”.
آه يا أبا موسى! أي مرحلة وصلت فيها من الإيمان أنت وقومك حتى تنالون رأفة الله؟ رحمة الله؟ كرم الله؟
كلا والله بل كل ذلك وأعظم.. محبته سبحانه! أي عمل نلتم به تلك الدرجة الرفيعة؟
لم تحل المسافات الطوال بينهم وبين رسول الله من ذلكم الحب! كيف يحرم بعض أعمام رسول الله وأخواله من تلك المنزلة؟ وينالها قوم قد يكون منهم من مات لم ير رسول الله! لكنهم والله مع ذلك أحبوه حق الحب، واتبعوه حق الاتباع، وساروا على نهجه وإن لم يروه! فاللهم ارزقنا ما رزقت الأشاعرة فقد حالت السبل بيننا وبين نبيك، فلا تحل بيننا وبين حبك.
[جائز أن يكون تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية من باب التفسير بالمثال، أي أن قوم أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم داخلون في تفسير هذه الآية لأنهم اتصفوا بما فيها من الصفات، وتعيينهم فيه تشريف لهم، لكن حصر تفسير الآية فيهم - كما هو ظاهر عبارتكِ- لا أراه يصح، والله أعلم، وقد ورد في تفسير الآية أقوال أخرى فراجعيها مع إعمال القواعد التي درستيها]
-سفينة الخير:
تضيق الدنيا على المسلمين في مكة فيهاجرون للحبشة، يعود بعضهم ويبقى البعض، بقي أبو موسى في أرض الحبشة، والأشواق تدفعه للعودة، تصله الأخبار بأن المسلمين هاجروا للمدينة، ويصله معها أحاديث الهجرة وأفضالها، يعود جارا حسرته معه بعد سنوات، يستقل السفينة فتجري به على هون، ولو قادها شوقه لفاقت الطير سرعة وتعجلا، يتبادل همومه مع البحر وأمواجه، يحكي لها مدى حبه وتشوقه لأن تقر عيناه برؤيا حبيبه، يذكره تقلب البحر وأجواؤه تقلب الحياة، فيهون الهم في عينه، ويزيد من تفاؤله سعة الأفق وعدم انقضائه.
تصل السفينة إلى شاطئ لم ير في تلك الدنيا شاطئا أكثر أمانا منه، يشعر بالرمال تدغدغ قدميه، فيشعر بأن لا سعادة تعدل سعادته ذلك اليوم، تسير الركاب لتكمل رحلتها إلى خيبر، حيث لا جهاد يتوقف في الحياة حتى الموت، فمعركة رسول الله مع اليهود تنتظره، ليصل إلى أرض المعركة ويخط بجوارحه ودمائه حبه لدينه ودفاعه عن نبيه.
يستقبله نبي الله متهللا فرحا بعودته ومن معه، يرى في أعينهم الحزن أن فاتهم فضل الهجرة المدنية، ليشنف آذانهم بأطيب خبر سمعوه، وقد كانت في شوق لمثل تلكم البشائر: « لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان » “رواه البخاري في صحيحه”.
يتهلل أبو موسى ومن معه، الله أكبر! والله لا يضيع أجر عامل مع رب عادل!

-مزمار داود:
رزق أبو موسى صوتا جميلا عذبا رائقا شائقا لا ينقصه سوى التغني بالحق ليكون في أكمل صورة، وقد اكتمل جماله لأول مرة حينما ترنم بآيات كتاب الله ورتلها، حتى أصبحت أنيس لياليه الطوال، وخير جليسها.
يخرج رسول الله في ليلة من الليالي، يقوده ما يقوده من الدواعي والهواجس، ليمر على آذانه ذلك الترتيل العذب، حتى قاده إلى مصدر ذلك الصوت العجيب في حسنه وجماله، فإذا بمصدر هذا الصوت بيت أبي موسى الأشعري.
يعود لبيته وذلك الصوت لا يزال عالقا في قلبه قبل ذاكرته، حتى جاء صباح الغد، فيرى فيه أبو [أبا] موسى ويخبره قائلا: (( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مزمارا من مزامير آل داود )).
لم يتكتم حبيب الله على ذلكم الثناء، ولم يخف ذلك الإعجاب، فقد كان سيد الأخلاق ومتممها، وأكمل ثناءه بالدعاء له قائلا: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً )) “مسلم”.
ترى كيف كان شعور أبي موسى بعد ذلك الثناء المصحوب بالدعوات النبوية المباركة؟ كيف نام ليلته تلك؟ وكيف استطاع كف لسانه عن الإفصاح بتلك الدعوة وذلك الثناء لكل من رآه؟

-سفير الدعوة:
لم يكتف أبو موسى بعد تذوق حلاوة الإيمان بنفسه ولا بقومه، فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلّماً لأهل اليمن، ثم استعمله على زبيد وعدن ورمع والساحل، فانطلق يدعو ويعلم، وينشر الحق في الأرجاء.?حتى بعثه عمر أميراً على الكوفة والبصرة وقائداً لجيوش المسلمين فافتتح أصبهان وغيرها زمن عمر.?وكان مجاهداً فقيهاً قاضياً مقرئاً معلّما حكيماً.
قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وكانت أول سورة نزلت على محمد). “رواه ابن جرير”.
وقد أخذ أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
وروى عنه في التفسير:
من الصحابة: عياض بن عمرو الأشعري.
ومن التابعين: ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
وأرسل عنه: الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة السدوسي، ومحمد بن سيرين.

-الأمان الباقي .. فالبشرى يا أمة محمد:
يقول أبو موسى: " إنه كان فيكم أمانان: قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة "”رواه ابن جرير”.

-وانطفأ الصوت العذب:
رحل أبو موسى مع رحيل العام الهجري في ذي الحجة سنة 44هـ، وقيل سنة 42هـ، والأول أرجح. ليبقى عمله، وتشهد له ذرية الأشاعرة، وذرية كل قوم اهتدوا على يده، أو طالتهم معاركه.
رحل .. وكل أذن من بعده تحن لذلك الصوت العذب، وذلك الترتيل الشجي، فقد رحل في تلك الليلة من كان يشنف آذانها بكلام ربها، ليبقى كلام الله، ويفنى كل صوت سواه.

التقويم: أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الآخرة 1441هـ/4-02-2020م, 12:02 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
سيره معاذ لن جبل رضى الله عنه


هل سبق وقيل لك أحبك؟؟
يا ترى ما شعورك لو كان هذا القائل رجل له مكانة وجاه ومنصب وذو شأن وشأو وقال لك يا فلان أني أحبك؟؟
أتوقع أنك ستطرب لكلامه ؛ وتفرح لعباراته وترقص على نغماته
[أرى استبدال هذه العبارة في مثل هذا المقام]
فكيف يكون حالك لو كان القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى بك وقال لك يا فلان أني أحبك ؟؟
أظن لن تجد العبارات للإعراب عما ينتابك من شعور الفرح والسرور؛ وقد علتك مشاعر الدهشة والعجب ؛ وتخاف أن تصدق الخبر فيسارع لسانك متسائلا مستفهما مستفسرا ..يا رسول الله أتقصدني أنا ؟؟؟؟
فيقول نعم يا فلان أني أحبك.....حينها لا تتمالك نفسك إلى [إلا] بالهوي بسجدة شكر لله عزوجل
فهل بعد هذه المرتبة من مرْتبة ؟ وهل من أعظم منها ؟ أنْ يُحِبَّك رسول الله ، ورسول الله لا ينْطق عن الهوى ،.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛. قوم اختارهم الله عزوجل لصحبة نبيه والتعلم على يديه ؛ وأكرمهم بنصرة دينه والدب عنه.....بل مما زادهم شرفا محبة النبي صلى الله عليه وسل لهم ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك،...) صحيح أنها كلمة من حرفين! لكن معانيها عظيمة ومدلولاتها جزلة قوية، كما قيل : “ليس الشأن أن تُحب إنما الشأن أن تُحَب“.
معاذ بن جبل -رضي الله عنه- الأنصاري الخزرجي المدني البدري أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، كانت له منزلة علية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخصه بمزيد قرب فكان كان- صلى الله عليه وسلم- يردفه وراءه.. . وبعثه إلى اليمنبعد غزوة تبوكمبلغا عنه؛ داعيا ؛ومعلما؛، ومفقها ، ومفتيا ، وقاضيا وحاكما؛ وشيعه ماشيًا في مخرجه وهو راكب. وقال له حين ودَّعه: " حفظك الله من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك، ودرأ عنك شرور الجن والإنس"..وعاد في خلافة أبي بكر وولاه عمر على الشام بعد أبي عبيدة.
- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من علماء الأنصار و كان ممن يفتون على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ..لشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالعلم والفقه والدين .
وروي فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وأنه يحشر أمام العلماء برتوة - أي بخطوة - .
عن أنس قال: قال رسول الله: "- - صلى الله عليه وسلم- :" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" .
-عن عمر بن الخطاب مرفوعا: (يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة)
-خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الفِقْهَ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.)

-وخصه رسول الله بشيء من العلم.."فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا».
خصه بتلك الكلمات لما علم منه من قوة إيمان و توكل على الله وأنه ليس ممن يتكلون عليها " قال ابن حجر:" وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل وخشية الله عز وجل، فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن أن يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر، ...." الفتح
وكان رضي الله عنه ذا خلق حسن ومحب لإخوانه مدافع عن أعراضهم فلما تخلف كعب بن مالك عن غزوة توبك [تبوك] قال رجل من بني سَلمَة: حَبسه يَا رَسُول الله برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه..فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئْسَمَا قلت وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا..
-ومما زاد معاذا شرفا ورفعا ما حباه الله عزوجل من مزيد عناية بكتاب الله واهتمامه به تلاوة و حفظا وتدبرا وتفهما وعملا وتطبيقا لأوامره واجتنابا لنواهيه ووقوفا عند حدوده وحذرا من زواجره ..حتى صار يعرف به مع نفر من الصحابة ولذلك شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذلك ؛وتلك تزكية منه - صلى الله عليه وسلم- لهم ؛ عن عبد الله بن عمرو قال سمعت :رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وأبي ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ( رضي الله عنهم
وعن أَنَسُ بنُ مَالِكٍ:" جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُم مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، أَحَدُ عُمُوْمَتِي ".
وكانت له -رضي الله عنه- عناية ببيان قراءات القران
فقد أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن قَول الحواريين {هَل يَسْتَطِيع رَبك} أَو تَسْتَطِيع رَبك فَقَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل تَسْتَطِيع رَبك) بِالتَّاءِ
ولم يكتف معاذ بحفظ القران والاعتناء بحروفه وترتيله وتجويده بل كانت له عناية بتعلم معانيه و أحكامه وتعليمه للناس

ففي قَوْله {هدى لِلْمُتقين} .َ فقد أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن معَاذ بن جبل قَالَ: يُحبَسُ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بَقِيع وَاحِد فينادي منادٍ: أَيْن المتقون فَيقومُونَ فِي كنف الرَّحْمَن لَا يحتجب الله مِنْهُم وَلَا يسْتَتر.
وفي قوله تعالى : {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} فقد أخرج ابن أبي حاتم. عَن معَاذ بن جبل قَالَ:}قال: {لا انفصام لها}يعني: لا انقطاع لها- مرتين- دون دخول الجنة)

وفي قَوْله تَعَالَى: {وَفتحت أَبْوَابهَا}
-أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

وكذلك أهل القران ؛ اعتنوا بكلام ربهم فظهرت آثاره عليهم ؛ ظهرت آثار علمهم وعملهم بكتاب الله؛ من محكم منطق وحُجَّةٍ ووقارٍ ومهابَةٍ ونورٍ ومكانةٍ وسُمْعةٍ و حسن السمت والخلق مع الناس حتى أصبحوا قدوة و إسوة للناس يقتدون بهم ويقتفون أثرهم..فقد كان لمعاذ بن جبل نصيب وافر
-فعن الشعبي ، حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : قال ابن مسعود:إن معاذاكان أمة قانتا لله حنيفا " ، فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله عز وجل" : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله"الآية ، قال : أتدري ما الأمة ؟ وما القانت ؟ فقلت : الله أعلم ، قال : الأمة : الذي يعلم الخير ، والقانت : المطيع لله ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك كان معاذ بن جبل كان معلم الخير وكان مطيعا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
قد كانت له هَيْبَة حتى مع أصْحاب النبيصلى الله عليه وسلم..
-فعن شهر بن حوشب قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تَحَدَّثوا وفيهم معاذ، نظروا إليه هيبة له.( أخرجه أبو نعيم في " الحلية ")
وكذلك الأتقياء الأنقياء الذين علموا وأدركوا عظيم فضل الله عليهم وعظيم حقه عليهم؛لم يستقر في قلبهم إلا الذل لربهم والخضوع له بل خالط شغاف قلبهم مشاعر أنهم ما قدروا الله حقه فزادهم ذلك حبا للرحيم الكريم وطاعة و خوفا من العلي الجليل وخشية له ولم يؤثر فيهم ثناء الناس و ما لهم من فضائل و مناقب ..
فقد كان معاذا رضي الله عنه من أشد الناس خشية لله عزوجل فكان من دعائه إذا تهجد ن الليل :" اللَّهُمَّ، نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حي قيوم، اللَّهُمَّ، طلبي الجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللَّهُمَّ، اجعل لي عندك هدى ترده إلي يَوْم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد"..

-وعن ابن عمر قال مر عمر بمعاذ وهو يبكي فقال ما يبكيك قال حديث سمعته من رسول الله يقول ( إن أدنى الرياء شرك وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يعرفوا أولئك مصابيح العلم وأئمة الهدى.. ( أخرجه الحاكم وصححه .
وعرف رضي الله بكثرة ذكره لله عزوجل قال رضي الله عنه ..: " ما عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ..
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ؟
قَالَ: وَلاَ، إِلاَّ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، لأَنَّ اللهَ -
تَعَالَى - يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} .
ومن مواعظه أَيُّهَا النَّاسُ! أَرْبَعُ خِلاَلٍ، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تُدْرِكَهُ.
قَالُوا: مَا هِيَ؟
قَالَ: يَأْتِي زَمَانٌ يَظْهَرُ فِيْهِ البَاطِلُ، وَيَأْتِي زَمَانٌ يَقُوْلُ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَنَا، لاَ يَعِيْشُ عَلَى بَصِيْرَةٍ، وَلاَ يَمُوْتُ عَلَى بَصِيْرَةٍ (طبقات ابن سعد) .

و لما حضرت معاذا الوفاة بكى وقال :" ..اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر».
مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة .وهو في عز شبابه ابْنُ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وكما قيل :" ..العُمْرُ أَتْفَهُ ما فيه طولُهُ ، وأعْظم ما فيه الأعمال الجليلة التي عمِلَها .



فوائد:
-اكتفي بفائدة واحدة لكن كان لها كبير أثر علي..كنت أفكر ما الذي اختص به معاذ حتى خاطبه النبيصلى الله عليه وآله وسلم بذلك الأسلوب الفريد من نوعه " يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك "...صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أصحابه وصرح بمحتبه لبعض منهم لكن لم يخاطب أحدا منهم بهذا الخطاب الفريد من نوعه؛ يقسم أنه يحبه..ما الذي يجبر النبيصلى الله عليه وآله وسلم على القسم وهو الصادق المصدوق و لماذا يخاطب معاذا بالقسم ويؤكد له ويكرر أنه يحبه...ألا يخاف عليه من العجب والكبر وغيرها..
فطفقت أقرأ سيرته باهتمام وتمعن وأخذت منى وقتا.. أحاول النظر فيم أقرا وتقليب الكلام والبحث في طياته .عسى أن اظفر بشيء.يجيب عن السؤال المعلق المطروح ويزيل الدهشة التي علت النفس
..إلى أن وصلت عبارة كانت المفتاح
قال راوي الحديث في وصف معاذ لما اشتدد عليه الألم في طاعون عمواس : ....: فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: رَبِّ! غُمَّ غَمَّكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.
وعَنِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ:..إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ وَهُوَ يَمُوْتُ، وَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ وَيُفِيْقُ، فَقَالَ:
اخْنُقْ خَنْقَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ...
يا ألله.. يا ألله "غُمَّ غَمَّكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ " كررتها كثيرا كثيرا لما كان لها كبير أثر على نفسي ؛ هي المحبة؛ هي المحبة ؛ وكذلك تفعل المحبة بالعبد إذا استولت على القلب...فروحت أبحث في نفسي هل أنا أحب الله فعلا و هل أقدر أن أقول بملأ فمي أحب الله ...بل هل أقدر أن أخاطب الله و أقول له إني أحبك...عند المحك يبتلى المرء
أما قوله :" ، فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ" فهذه لم اقدر أنطقها وأكررها عظمت عظمت فلم يقدر اللسان يتكلم بها . يقسم بعزة الله أنه يحبه ؛ بل يتكلم مع ربه ويقسم له أنه يحبه . يا الله ... كما أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه و إنما الجزاء من جنس العمل
" فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ" يالله ما هذه الثقة و ما هذا الإيمان القوي ...وما هذى المحبة العظيمة ..وما هذا الإخلاص ا لذي طرد معه كل رياء أو سمعة ...
وكذلك تفعل المحبة بالعبد كل فعل إذا خالطت شغاف القلب ..
فأصبح معاذ لا يرى ما يصيبه من أقدار ومصائب إلا بعين المحب الراضى فلما أصابه طاعون عمواس قال الرواي : فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، فَكَانَ يَقُوْلُ:.مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ
وقال : فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَصِيْبَ آلِ مُعَاذٍ الأَوْفَرَ.
. فالمحبة هي محركة العبد تحرك جوارحه للعمل فلا يشعر بالتعب ولا يتضجر من خدمه وعبادة محبوبه؛ والمحبة ترضى القلب و تسكت قلقله وتذهب خوفه وفزعه وضجره ؛ فلا يرى في فعل المحبوب إلا خيرا وجمالا وحكمة و هدى وصلاحا...
ربنا رزقنا محبتك محبة ترضى بها عنا ؛ محبة تبلغنا جوارك في الجنة

التقويم: أ
أحسنتِ، بارك الله فيك أختي الفاضلة ونفع بكِ.
الملحوظة الرئيسة هي على عزو الأحاديث والآثار، فإن كان السبب هو الحفاظ على استرسال أسلوبكِ، فيمكنكِ ترقيمها ومن ثم عزوها في هامش أسفل الرسالة.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الآخرة 1441هـ/4-02-2020م, 12:15 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
سيرة الصديق رضي الله عنه

الحمد لله ربنا، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله نبينا، وعلى آله وصحبه الذين يملأ حبهم قلوبنا، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان من سلفنا وعلماؤنا،
أما بعد:

فإن خير معين على رفع الهمم لسلوك الصراط المستقيم والنهج القويم الذي سلكه من مضى من الصحابة والتابعين هو تعرف همم القوم الماضين
والسبيل إلي ذلك هو معرفة سيرتهم وما نقل لنا عنهم ليكونوا في نفوسنا شمس النهار وفي مقدمة هؤلاء الأعلام وحفاظ الإسلام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين،
وانطلاقا من هذا الأمر الجليل فبين يدينا سيرة علم من أعلام الصحابة رضي الله عنهم وهو أفضل الصحابة قدراً، وأعلاهم منزلة، وأطولهم صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأسبقهم إلى الخير والفضل وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وجمعنا به في الجنة مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وسنذكر طرفا مما ذكر في سيرته، وعلى الله الكريم اعتمادنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هو أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي رضي الله عنه.

الرجل الأول في الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أول من آمن من الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي ذهب إلى أبي بكر ليخبره بما أكرمه الله به من الرسالة ويدعوه إلى دين الإسلام فقبل أبو بكر رضي الله عنه دعوة النبي دون تردد وشهد شهادة الحق،
وقد روى ابن إسحاق عن بداية إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة و تردد و نظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين دعوته، و لا تردد فيه ) ما عكم: ما تباطأ بل سارع
وبهذا كان رضي الله عنه من أخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وصار الأمر كذلك بعدها، فكان هو أكثر الصحابة ملازمة وصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم،
وقد نزل في شأنه آيات من القرآن، ونوّه الله بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وبمعيّة الله له معيّة خاصة؛ كما في قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
وصاحبه هو أبو بكر رضي الله عنه فقد روى ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وعلى هذا انعقد أجماع الأمة .

لقد كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ كنزاً من الكنوز، ادخره الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم،
وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخُلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الذين يألفون ويؤلفون ولذلك قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر".

وكما أنه لم يتردد في قبول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بل صدقه بمجرد إخباره بما أوحي إليه، فكان هذا حاله مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد قبوله للحق وإسلامه ولذلك سمي الصديق وقد أخبرتنا عن هذا ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ـ فتقول: لما أسري بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟، يزعم أن أُسْرِي به الليلة إلى بيت المقدس، قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق . قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!، قال نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ( أخرجه الحاكم ) .
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحُداً، و أبو بكر وعمر وعثمان، فوجف بهم، فقال صلى الله عليه وسلم:( اثبت أحد، ما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان) ( رواه أحمد ). والشهيدان: عمر وعثمان رضي الله عنهما، والصديق: أبو بكر رضي الله عنه

- وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر»
وكانت نتيجة هذا الفهم لمعاني القرآن الكريم واستقرار معانيه في قلبه، أنه تحرك في الدعوة إلى الله تعالى ضاربا لنا أروع مثل لتوضيح ما ينبغي على المؤمن أن يكون عليه، فكان رضي الله عنه لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة، سرعان ما تخمد وتذبل وتزول، فقد ظل نشاط أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وحماسه إلى دينه ودعوته حتى توفاه الله، ولم يفتر أو يضعف
ولذلك جاءت ثمرة دعوته في بدايتها بصفوة من خيرة الخلق، من العشرة المبشرين بالجنة، منهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنهم أجمعين، فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد فأسلموا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هؤلاء الخمسة أول ثمرة من ثمرات الصديق رضي الله عنه وعنهم أجمعين وكانوا من الدعامات الأولى التي قامت عليها الدعوة إلى دين الإسلام.

-ومن الأدلة على دقة فهم أبي بكر رضي الله عنه للقرآن ما قال ابن القيم رحمه الله:
(كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به"). [الأولى العزو لمصدر أصيل]
=وأما عنايته بالقرآن وحرصه على جمع الناس عليه:
فإنه رضي الله عنه أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة، فخشي تفرق الأمة في القرآن فعمد إلى جمعه وأقره الصحابة على فعله.
- قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله). رواه ابن أبي داوود.
ومن مظاهر عنايته به، ما كان منه من الإقبال على فهم كلام الله وقد تقدم قبل قليل شيء من هذا فقد كان أبو بكر من أعلم الصحابة بالتفسير، وربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم.

والكلام على سيرته رضي الله عنه لا يمكن الإحاطة به في مثل هذه السطور القليلة، ولكنها كالمقدمة بين يدي الكلام على سيرته رضي الله عنه، وقد ألفت في سيرته المؤلفات فمن أراد الزيادة فعليه الرجوع لكتب التراجم والسير والتاريخ ففيها الشيء الكثير مما جاءنا عنه رضي الله عنه.


وبعد حياة مليئة بأمور وأحداث كثيرة مشرفة كتبت فيها الكتب وألفت فيها المؤلفات نُزل به رضي الله عنه ومع هذا فمازال حريصا على تعليمنا ونقل الدين لنا حتى في هذا الحال:
فعن مجاهد بن وردان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كنت عند أبي بكر حين حضرته الوفاة فتمثلت بهذا البيت
من لا يزال دمعه مقنعا ... يوشك أن يكون مرة مدّفعا
فقال: يا بنية لا تقولي هكذا، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
ثم قال: في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقلت: في ثلاثة أثواب.
فقال: كفنوني في ثوبي هذين واشتروا إليهما ثوبا جديدا؛ فإن الحيَّ أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هي للمهلة). رواه ابن حبان وأصله في صحيح البخاري.
وفيه حرصه الشديد على اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رضي الله عنه يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة 13هـ.

وأما عن أخذ العلم عنه:
فقد روى عنه جماعة من كبار الصحابة وشبابهم فروى عنه الخلفاء الثلاثة، وعبد الرحمن بن عوف وحذيفة بن اليمان وعائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سعيد الخدري وابن عباس وجماعة.

ولكن الرواية المحفوظة عنه قليلة وسبب هذا قصر مدة خلافته فقد تولى الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لمدة عامين وشهرين تقريبا ثم توفي رضي الله عنه، وأيضا لاشتغال كثير من الصحابة بالجهاد وحروب المرتدين.


ومما روي عنه في التفسير:

أ: عن سعيد بن نمران قال: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قلت: يا خليفة رسول الله، ما استقاموا، قال: استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
ب: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد البجلي، عن أبي بكر الصديق: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ، قال: النظر إلى وجه ربهم). رواه ابن جرير.
ج: قال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا بكر الصديق، رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» رواه ابن جرير بهذا اللفظ.


=ونختم الكلام بذكر بعض الفوائد التي تستفاد من سيرة هذا الصحابي الجليل:
-فمن الفوائد: شدة العناية بالقرآن الكريم والإقبال عليه
-ومنها: الحرص على اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تردد أو تأخر بل يستسلم العبد لذلك قدر استطاعته.
-ومنها: الحرص على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء عنه.
-ومنها: أهمية قيام الليل وأنه شرف المؤمن.
-ومنها: الحرص على الصدقة لما لها من الآثار الحميدة في الدنيا والآخرة.
-منها: أهمية العلم فهذا خليفة رسول الله ما وصل إلى ما وصل إليه إلى بفضل العلم الذي يتبعه العمل الصالح، وأن أشرف العلوم ومقدمها هو ما تعلق القرآن العظيم.
-ومنها: الحرص على بذل العلم للناس فإن زكاة العلم بثه في الناس فإن بقاء الدين والدنيا هو في إحياء العلم بين الناس.
-ومنها: أن الواجب على من لم يعلم مسألة أن يكل علمها إلى الله فيقول "الله أعلم" أو "لا أدري" ونحو ذلك من العبارات، فهذا الرجل الثاني في الأمة على جلالة قدره وكان يقول هذا فيما لا يعلمه ولا يجيب الناس في كل ما سألوه عنه.
-ومنها: أهمية الحفاظ على الأخلاق الحسنة وما لها من الأثر العظيم في الحفاظ على الأخوة الإسلامية والترابط بين المسلمين بفعل الصدقات وبذل النفع للمسلمين والنصيحة لهم وإفشاء السلام بينهم إلى غير ذلك من أبواب البر.
-ومنها: الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-ومنها: حرمة دم المسلمين والواجب علينا في الحفاظ عليها وأن الدينا كلها لا تساوي شيء في مقابل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.


ومن تدبر سيرته رضي الله عنه جاءه من الفوائد الشيء الكثير وانتفع بذلك أيما انتفاع لذا ينبغي أن يكرر قراءتها مرة بعد مرة ليكون هذا معينا للنفس مقويا لها للسير على الصراط المستقيم والحرص على حمل العلم وبثه ونشره في المسلمين فإنه السبيل للحفاظ على الدين والدنيا، والله أعلى وأعلم وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اعتذر عن التأخر في تأدية المهام لظروف العمل.


التقويم: أ
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثامن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir