دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 ربيع الأول 1441هـ/24-11-2019م, 09:02 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

تعليمات:
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________
وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 جمادى الأولى 1441هـ/29-12-2019م, 05:50 PM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي


مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهاراتالتخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائلالتفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنينالبخيل).
التخريج:
أخرجه الطبري بأسانيده عن ابعنن بشار عبد الرحمن وعن ابن حميد عن مهران وعن ابي كريب عن وكيع عن سفيان عن عاصم عن زر
كما أخرجه الفراء بسنده، فقال: حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبيالنجود عن زر بن حبيش قال: أنتم تقرءون: (بضنين) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) بمتّهم.
تفصيل القول:
وهما قراءتان، إحداهما بالضاد، وهي قراءة عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: من البخل بالشيء، أي: لا يبخل بالتبليغ والتعليم بتَعْلِيمِهِم ما عَلَّمَهُاللَّهُ وأَنْزَلَ إليهِ مِنْ كتابِهِ. وهي قراءة عثمان بن عفّان، وابن عبّاسٍ،والحسن، وأبي رجاءٍ، والأعرج، وأبي جعفرٍ، وشيبة، وجماعةٍ وافرةٍ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ضَنَنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ بِهِ ضَنًّا وَضَنَانَةً إِذَابَخِلْتَ بِهِ وَهُوَ ضَنِينٌ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَضَنَنْتُ بِالْفَتْحِلُغَةٌ
معنى قراءة الظاء:
قراءة الظاء تحتمل التهمة كما تحتمل الضعف عن التحمل والأداء، فقال: تقول: ما أنت على فلان بمتهم، وتقول: ما هو على الغيب بظنين: بضعيف، يقول: هو محتملله، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل: هو ظنون.
وهو مروي عن غير واحد من السلف، ويعد من التفسير اللغوي؛ فأهل اللغة مجمعون على هذا المعنى – وعلى رأسهم زر بن حبيش؛ فهو في عصر الاحتجاج وبلغ في علم اللغة شأوا كبيرا؛ حتى كان بعض الصحابة يسألونه عن إعراب القرآن-.
وَقراءة ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو والْكِسَائِيِّ بِالظَّاءِ مِنَ الظِّنَّةِ وَهِيَ التُّهْمَةُ،وَمَعْنَاهُ: وَمَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ فيمايُخْبِرُهُم عن اللَّهِ مِن الأَنْباءِ. وهي قراءة ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عمر،وابن الزّبير، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، وابن جبيرٍ، وعروة بن الزّبير، ومسلم بنجندبٍ، ومجاهدٌ وغيرهم
وقد رجح الطبري قراءة الضاد؛ فقال:
وَأَوْلَى القراءَتَيْنِ في ذلكَ عندِي بالصَّوابِ: ماعليهِ خُطُوطُ مصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً، وإِن اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهمبهِ، وذلكَ{بِضَنِينٍ}بالضادِ؛ لأنَّ ذلكَ كلَّهُكذلكَ في خُطُوطِهَا.
فإذا كانَ ذلكَكذلكَ، فَأَوْلَى التأويلَيْنِ بالصوَابِ في ذلكَ تأويلُ مَنْ تأوَّلَهُ: ومامُحَمَّدٌ على ما عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ وتَنْزِيلِهِ بِبَخِيلٍبتَعْلِيمَكُمُوهُ أيُّها الناسُ، بلْ هوَ حريصٌ على أنْ تُؤْمِنُوا بهِوتَتَعَلَّمُوهُ، ورجّح أبو عبيدة قراءة الظّاء؛ لأنّ قريشاً لم تبخّل محمّداًصلّى اللّه عليه وسلّم فيما يأتي به، وإنما كذّبته، فقيل: ما هو بمتّهمٍ.
وأرى –والله أعلم- أن القراءتان متعاضدتان –فلا ترجح إحداهما على الأخرى-؛ فكلاهما وحي منزل وقد صح نقله بالتواتر.
مسائل تفسيرية:
المراد بالغيب: هو القرآن
روى الطبري بسنده عن يُونُس قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}: الغَيْبُ القرآنُ،لمْ يَضِنَّ بهِ على أحَدٍ مِن الناسِ، أدَّاهُ وبَلَّغَهُ، بَعَثَ اللَّهُ بهِالرُّوحَ الأمينَ جِبْرِيلَ إلى رسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ-، فأدَّى جبريلُ ما اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ إلى مُحَمَّدٍ، وأدَّىمُحَمَّدٌ ما اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ وجِبْرِيلُ إلى العِبَادِ، ليسَ أحَدٌ مِنهمضَنَّ، ولا كَتَمَ، ولا تَخَرَّصَ.

مرجع الضمير: النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى الطبري بسنده عن ابن حُمَيْدٍ عن جَرير، عنْ عطاءٍ، عنْ عامِرٍ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}، يعنِي: النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

مسألة فرعية:
قَالَالنَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَإِتْقَانُ الْفَصْلِ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِوَاجِبٌ، وَمَعْرِفَةُ مَخْرَجِهِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَارِئِ؛ فَإِنَّأَكْثَرَ الْعَجَمِ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ.).[عمدة القاري: 19/ 281]
معنى على:
يصح أن تكون بمعنى: عن أو الباء ذكره الفراء.

2: قول أبيالعالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادواكفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثمازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها فيكفرهم).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده عن ابن المثنّى وعبدالحميد بن بيانٍ السّكّريّ ،عن ابن أبي عديٍّ، عن داود عن أبي العالية، وأخرج نحوه بسنده عن ابن المثنّى، عن عبد الأعلى، عن داود، عن أبي العالية، وعنعمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية
وأخرج نحوه ابن أبي حاتم الرازي بسنده عن أبي سعيدٍ الأشجّ،عنأبي خالدٍ،عن داود، عن أبي العالية.
التفصيل:
في المراد أقوال:
الأول: عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {إنّ الّذين كفروا}أي ببعض أنبيائه الّذين بعثوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم {ثمّازدادوا كفرًا} بكفرهم بمحمّدٍ {لن تقبل توبتهم} عند حضور الموت وحشرجتهبنفسه. وهو مروي عن الحسن وقتادة
قال الإمام ابن عطية: وفي هذاالقول اضطراب؛ لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى اللهعليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
الثاني: معنى ذلك أنّ الّذين كفروا من أهل الكتاببمحمّدٍ بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} يعني ذنوبًا {لن تقبل توبتهم}من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون.
وهو مروي عن أبي العالية
قال الإمام ابن عطية: وعلى هذاالترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم
الثالث: معناه أنّالّذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، {ثمّ ازدادوا كفرًا}، تمامهم عليه حتّى هلكوا وهم عليه مقيمون، لن تقبل توبتهم: لن تنفعهم توبتهم الأولى،وإيمانهم لكفرهم الآخر وموتهم. وهو مروي عن مجاهد
الرابع: معنى قوله: {ثمّازدادوا كفرًا} ماتوا كفّارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى {لنتقبل توبتهم} لن تقبل توبتهم عند موتهم. وهو مروي عن السدي.. وهذا القول قريب من القول الثالث.
الترجيح:
لعل الأقرب هو القول الثاني؛ وهو أنه عنى بها اليهود، وأن يكون المعنى: إنّ الّذين كفروا من اليهودبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثمّ ازدادواكفرًا بما أصابوا من الذّنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم، لن تقبل توبتهم منذنوبهم الّتي أصابوها في كفرهم، حتّى يتوبوا من كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليهوسلّم، ويراجعوا التّوبة منه بتصديق ما جاء به من عند اللّه، ,وذلك لأنّ الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فهي في سياقٍ واحدٍ. ذكره الطبري وأفاض في تحريره.


المسائل التفسيرية:
فيم نزلت الآية وعلام تنطبق:
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن أبي هندٍ، عنعكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ قومًا أسلموا ثمّ ارتدّوا، ثمّ أسلموا ثمّ ارتدّوا،فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم} هكذا رواه، وإسناده جيّدٌ. رواه السيوطي وخطَّأ البزار في روايته، وذكره ابن كثير
المراد بعدم قبول توبتهم:
لا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة، إذ إن التوبة تقبل من كل أحد، فالمراد أحد هذه الأوجه:
1- لأنهم تابوا من بعضٍولم يتوبوا من الأصل وهو الكفر. مروي عن أبي العالية، وقال: "لو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنّهم على ضلالٍ "
2- لأنهم ازدادوا كفرًا حين حضرهم الموت فلن تقبل توبتهم حين حضرهم الموت. مروي عن قتادة، وعن عطاء والحسن نحوه
4- ويجوز أن يكونالمعنى:لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى كفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذاتابوا إلى الإسلام ذكره النحاس
5- قال ابن عطية: وتحتمل الآيةعندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلكجزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فتجيء الآيةبمنزلة قول الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمناره .أي قد جعلهم الله من سخطه في حيزمن لا تقبل له توبة إذ ليست لهم، فهم لا محالة يموتون على الكفر.

الترجيح:
وقد رجح ابن جرير القول الاول، ووهَّن الثاني، فقال: " لأنّ التّوبة من العبد غير كائنةٍ إلاّفي حال حياته، فأمّا بعد مماته فلا توبة، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ عباده قبولالتّوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًالو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليهوالموارثة، وسائر الأحكام غيرهما، فكان معلومًا بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانتغير مقبولةٍ، لم ينتقل حكمه من حكم الكفّار إلى حكم أهل الإسلام، ولا منزلة بينالموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل اللّه فيها توبة الكافر، فإذا صحّ أنّها في حالحياته مقبولةٌ، ولا سبيل بعد الممات إليها، بطل قول الّذي زعم أنّها غير مقبولةٍعند حضور الأجل".
"
3: قول سعيد بنجبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
التخريج:
أخرجه عبد الرزاق الصنعاني بسنده عن الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير، وأخرجه سفيان [الثوري] عنمورقٍ أو مرزوقٍ مولى الشّعبيّ عن سعيد بن جبيرٍ
الأقوال الواردة في الآية:
1- هو الرفيق في السفر مروي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي والضحاك
وعن زيد بن أسلم نحوه؛ حيث قال: " هو جليسك في الحضر ورفيقك في السّفر."
2- هي الزوجة مروي عن ابن مسعود وابن عباس وعلي وعبد الله وإبراهيم النخعي والحسن وأبي الهيثم وعبد الرحمن بن أبي ليلى
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاءنفعك. مروي عن ابن عباس وابن زيد
الترجيح:
أرى والله أعلم أن الآية تعم ذلك جميعه؛ فيكون الصاحب بالجنب هو الرفيق الملازم سواء كان الزوجة أو الصديق، وسواء في الحضر أو السفر.
قال الطبري: " والصّواب من القول في تأويل ذلك عندي: أنّ معنى: {والصّاحب بالجنب} الصّاحب إلى الجنب، كما يقال: فلانٌ بجنب فلانٍ وإلى جنبه، وهومن قولهم: جنب فلانٌ فلانًا فهو يجنبه جنبًا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جنب الخيل،إذا قاد بعضها إلى جنب بعضٍ. وقد يدخل في هذا الرّفيق في السّفر، والمرأة، والمنقطعإلى الرّجل الّذي يلازمه رجاء نفعه، لأنّ كلّهم بجنب الّذي هو معه وقريبٌ منه، وقدأوصى اللّه تعالى بجميعهم لوجوب حقّ الصّاحب على المصحوب".
ثم ساق الأدلة بسنده على ذلك فقال:
-"
حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، قال: حدّثنا ابن أبيفديكٍ، عن فلان بن عبد اللّه، عن الثّقة، عنده: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم كان معه رجلٌ من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النّبيّ صلّى اللّه عليهوسلّم في غيضةٍ طرفاء، فقطع قصيلين أحدهما معوجٌّ والآخر معتدلٌ، فخرج بهما فأعطىصاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوجّ، فقال الرّجل: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي، أنتأحقّ بالمعتدل منّي. فقال: كلاّ يا فلان، إنّ كلّ صاحبٍ يصحب صاحبًا مسئولٌ عنصحابته ولو ساعةً من نهارٍ.
-
حدّثنيالمثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة، قال: حدّثنيشرحبيل بن شريكٍ، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّصلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه،وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره.
وإن كان الصّاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أنيكون داخلا فيه كلّ من جنب رجلاً يصحبه في سفرٍ أو نكاحٍ أو انقطاعٍ إليه واتّصالٍبه، ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ بعضهم ممّا احتمله ظاهر التّنزيل؛ فالصّواب أنيقال: جميعهم معنيّون بذلك، وبكلّهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه "

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطردالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده عن ابن جريجٍ: عن عبد اللّه بنكثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح معسعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدرالنّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلونما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذينيدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتيانصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.
الأقوال الواردة:
في المراد بالدعاء بالغداة والعشي أقوال وهي:
1- هيالصّلوات الخمس. مروي عن ابن عباس وابن عمر وإبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك وسعيد بن المسيب و عبدالرّحمن بن أبي عمرة وعامر
2- أي: لا تطردهم عن الذّكر. أخرجه سعيد بن منصور بسنده عن إبراهيم.
3- كان ذلك تعلّمهمالقرآن وقراءته.وهو مروي عن أبي جعفر
4- عنى بدعائهم ربّهمعبادتهم إيّاه. وهو مروي عن الضحاك
الترجيح:
الراجح عموم العبادة، سواء في ذلك فرضها ونفلها، من صلاة وذكر وتلاوة وتعلم ونحو ذلك، وخص الغداة والعشي بالذكر لأنهما أول اليوم وآخره؛ فيشملان ما بينهما.
قال الطبري: " والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّاللّه -تعالى- نهى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يطرد قومًا كانوا يدعونربّهم بالغداة والعشيّ، والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاًوكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها منالنّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القومكانوا جامعين هذه المعاني كلّها، فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة والعشيّ،لأنّ اللّه قد سمّى العبادة دعاءً، فقال -تعالى-: {وقالربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّمداخرين}. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصٍّ من الدّعاء.
ولا قول أولى بذلك بالصّحّة من وصف القوم بما وصفهم اللّه به منأنّهم كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصّفة الّتي وصفهم بها ربّهمولا يخصّون منها بشيءٍ دون شيءٍ.
فتأويل الكلام إذن: يا محمّد أنذر القرآن الّذي أنزلته إليك، الّذين يعلمون أنّهم إلى ربّهم محشورون،فهم من خوف ورودهم على اللّه الّذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير، في العمل لهدائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل اللّه عليك المكذّبون باللّه واليومالآخر من قومك استكبارًا على اللّه. ولا تطردهم ولا تقصهم فتكون ممّن وضع الإقصاءفي غير موضعه فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرّب من لم يكن له تقديمهبقربه وإدناؤه، فإنّ الّذين نهيتك عن طردهم هم الّذين يدعون ربّهم فيسألون عفوهومغفرته لصالح أعمالهم وأداء ما ألزمهم من فرائضه ونوافل تطوّعهم وذكرهم إيّاهبألسنتهم بالغداة والعشيّ، يلتمسون بذلك القربة إلى اللّه والدّنوّ من رضاه"
المسائل التفسيرية:
سبب نزول الآية:
روى ابن جرير بسنده عن محمّد بن عبد الأعلى،عن محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والكلبيّ، أنّ ناسًا، من كفّارقريشٍ قالوا للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إن سرّك أن نتّبعك فاطرد عنّا فلانًاوفلانًا، ناسًا من ضعفاء المسلمين. فقال اللّه تعالى: {ولاتطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه}. وأورد كثيرا من الروايات بنحو ذلك.
وعن المقدام بن شريحٍ عن أبيه قال: قال سعدٌ نزلت هذه الآية في ستّةٍ من أصحاب رسولاللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- منهم ابن مسعودٍ قال: كنّا نسبق إلى النّبيّ صلىالله عليه وسلم وندنو منه فقالت قريشٌ: تدني هؤلاء وتنحينا فكان للنّبيّ -صلّىاللّه عليه وسلّم- همٌّ فنزلت: {ولا تطرد الذين يدعون ربهمبالغدوة والعشي} إلى آخر الآية. رواه أبو حذيفة النهدي عن سفيان الثوري.
المراد بالموصول: (الذين يدعون ربهم):
كانوا من الفقراء والضعفاء، وهم: بلالاً، وعمّار بن ياسرٍ، وسالمًا مولى أبي حذيفة،وصبيحًا مولى أسيدٍ، ومن الحلفاء: ابن مسعودٍ، والمقداد بن عمرٍو، ومسعود بنالقاريّ، وواقد بن عبد اللّه الحنظليّ، وعمرو بن عبد عمرٍو ذو الشّمالين، ومرثد بنأبي مرثدٍ، وأبو مرثدٍ من عنيّ حليف حمزة بن عبد المطّلب، وأشباههم من الحلفاء. ذكره ابن جرير بسنده.
المراد بالغداة والعشي:
1- المرادبه صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا قاله الحسن بن أبي الحسن وذكره ابن عطية.
2- هماعبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا،فإنما تريد الحمد لله في كل وقت. ذكره ابن عطية.
3- هي صلاتي الصبح والعصر مروي عن قتادة ومجاهد
المراد بالطرد:
1- هو طردهم من مجلس الذكر وموطن العبادة. مروي عن أكثر السلف
2- هو تأخيرهم عن الصف الأول، حتّى يكونوا وراءهم في الصّفّ. مروي عن ابن عباس
المراد بإرادتهم وجه الله:
يريدونه بالدعاء. ذكره ابن قتيبة

5: قول إبراهيم النخعيفي تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منهشيء).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده عن يعقوب عن ابن عليّة عنالحجّاج بن أبي عثمان عن فرقدٌ السّبخيّ عن إبراهيم النّخعيّ
وأخرجه سعيد بن منصور بسنده عن سعيدٌ، عن خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عنإبراهيم بمعناه.. ففيه راو مجهول.
الأقوال الواردة:
1- هو أن يؤخذ بالحق فيحاسب بذنبه كله لا يغفر له منه شيء، مروي عن إبراهيم النخعي وفرقد السبخي وشهر بن حوشب والحسن
2- هو المناقشة في الأعمال. أخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر،وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الجوزاءويدل على هذا الحديث: "من نوقش الحساب عُذِّب"رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
الترجيح:
الآية تحتمل الوجهين معا، فلا تعارض بينهما؛ فيجوز أن يكون المعنى أنهم: يناقشون على النّقيروالقطمير، والجليل والحقير كما ذكر ابن كثير.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الأولى 1441هـ/3-01-2020م, 02:06 AM
عائشة إبراهيم الزبيري عائشة إبراهيم الزبيري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 328
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وفي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:

-روى الطبري الأثر من طريق سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش.
-أما رواية الفراء فهي مختلفة عن الطبري فقال: حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش.
-وكذلك أخرجه عبد بن حميد كما ذكره السيوطي في الدر المنثور.

تحرير المسألة:
وفي المسألة قولان مبنيان على قراءتان متواتران:
الأولى: قراءة بضنين، أي ببخيل، فلم يبخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الوحي فلم يبلغه لكم.
وأصحاب هذا القول والقراءة هم: روي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد، والزهري وغيرهم، وهي قراءة عاصم وحمزة ونافع وابن عامر من القراءات المشهورة اليوم.

الثانية: قراءة بظنين، أي: بمتهم، فهو أمين على الوحي فلم ينقص منه شيئاً ولم يزد فيه، ولم يبدل فيه ولم يحرفه، ولم يتأوله بغير تأويله، ولا متهم في حفظه كذلك، وقيل بضعيف، فإن العرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل: هو ظنون، ويقولون ربما دلّك على الرأي الظنون، أي الضعيف من الرجال، كما سمعه الفراء من قضاعة.
وأصحاب هذا القول والقراءة هم: روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عروة، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، والضحاك وغيرهم، وهي قراءة ابن كثير والكسائي وأبو عمرو الداني من القراءات المشهورة اليوم.
ويلاحظ أن بعض الصحابة والتابعين قد روي عنهم القراءتين، ولا مانع من أن يكون قد تلقى القراءتين عن الرسول أو الصحابة.

والقراءتان لا تعارض بينهما يلزم اختيار أحدهما، بل هما متوافقتان وكلاهما يصح إطلاقهما على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ليس ببخيل ولا بمتهم، وترجيح العلماء بين القراءتين من باب تقديم الأفصح والأنسب لا بأن أحد القراءتين غير صحيح، وقد قد الطبري قراءة (بضنين) بالضاء لأنها المخطوط عليها في المصاحف، حتى مع إمكان قراءتها بغير المكتوب فإن المكتوب أولى بالتقديم، وقال الفراء عن هذا القول: (فلو كان مكان: على ـ عن ـ صلح أو الباء كما تقول: ما هو بضنين بالغيب.).
ولذلك قال أصحاب القراءة بالظاء بأن على تقوي قراءتهم، كما يقال: ما انت على فلان بمتهم، وقد رجح أبو عبيدة هذه القراءة، لأن قريشاً لم تبخّل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به، فإن السورة مكية، وإنما كذبته، فقيل في الآية رداً عليهم: ما هو بمتهم.
وما ترجح لي هو أن قراءة (ظنين) أقوى، لأنها معنى يعم معنى القراءة الأخرى كذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس بمتهم ويدخل فيه عدم اتهامه بالبخل بالوحي، فهي تنفي كل اتهام باطل يتهم به عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها.



2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج:

أخرج ابن جرير الطبري هذا الأثر من طريق ابن أبي عدي، عن داود، أنه سأل أبا العالية.
وهناك آثار أخرى لأبي العالية في نفس الآية ولها نفس المعنى بألفاظ أخرى، وجميعها رواها داود بن أبي هند عن أبي العالية، وفيما يلي عرض للآثار بأسانيدها:
1. قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، ثنا داود، عن أبي العالية قوله:
ثمّ ازدادوا كفرًا قال: (هم اليهود والنّصارى أذنبوا في شركهم، ثم تابوا لم يقبل منهم ولو تابوا من الشّرك قبل منهم).
2. قال بان المنذر: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن حيوية، قَالَ: حَدَّثَنَا مسدد، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن زريع، عَنْ داود، عَنْ أبي العالية، قَالَ: (إِنَّمَا أنزلت فِي اليهود والنصارى، أَلا ترى لقول: {كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} بذنوب أذنبوها، وكانت زيادة فِي كفرهم، ثُمَّ ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب)، فَقَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} قَالَ " لو كانوا عَلَى هدى قبل توبتهم، ولكنهم عَلَى ضلالة ".
3. قال الطبري: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا} قال: (هم اليهود والنّصارى يصيبون الذّنوب فيقولون نتوب وهم مشركون، قال اللّه عزّ وجلّ: لن تقبل التّوبة في الضّلالة)، والذي حدث الطبري مجهول.
4. قال الطبري: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: (هم اليهود والنّصارى والمجوس، أصابوا ذنوبًا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، ألا ترى أنّه يقول: {وأولئك هم الضّالّون})، ولعل لفظة (المجوس) زائدة، لأن المجوس ليسوا أهل كتاب، وإيمانهم بعقيدتهم إيمان غير مقبول، سواء كان قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده، وجميع الآثار الأخرى عن أبي العالية ذكرت اليهود والنصارى فقط، والله أعلم.
5. قال أبو العالية في قوله: {لن تقبل توبتهم}: تابوا من بعضٍ، ولم يتوبوا من الأصل، رواه ابن جرير الطبري وابن المنذر من طريق سفيان الثوري عن داود بن أبي ليلى عن أبي العالية.

تحرير المسألة:
وقول أبو العالية يتطرق إلى ثلاث مسائل في الآية، الأول: من هم الذين كفروا بعد إيمانهم، والثانية: متعلق ازدادوا كفراً، والثالثة: سبب عدم قبول توبتهم، والمسائل مرتبطة ببعضها؛ ولذلك ذكرها بعض أهل العلم معاً، ولكني سأفصل بينهم لتتوضح كل مسألة على حدة.
وفي المسألة الأولى أقوال لأهل العلم:
1. هم اليهود الذين آمنوا بموسى عليه السلام وكفروا بعيسى، روي هذا القول عن قتادة، وقال ابن عطية: (وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين)، وفي القرآن خاطب سبحانه وتعالى اليهود في مواضع عديدة بأنهم قتلوا الأنبياء وغيرها من الأمور التي زاولها آبائهم ولم تقترفها أيديهم، ولكن لما عكفوا على نفس دين آبائهم مقرين لأفعالهم أعتبرهم سبحانه وتعالى مشاركين لآبائهم في هذا الذنب، ويمكن حمل هذه الآية على نفس المحمل فهم لما رضوا بكفر آبائهم بعيسى كانوا هم كذلك كافرين به وإن لم يلقوه ويسمعوا دعوته، والله أعلم.
2. هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين آمنوا برسلهم، ويدخل فيه إيمانهم بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، ثم كفرهم به بعد مبعثه، روي هذا القول عن أبو العالية، الحسن، وقد رجحه ابن جرير الطبري غير أنه خصصه في اليهود دون النصارى، لأن الآيات قبله وبعده نزلت في اليهود، والسياق واحد.
3. أن الآية نزلت في المرتدين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم عادوا للكفر ثم أسلموا ثم كفروا، وهذا القول أخرجه البزار عن ابن عباس، وقال السيوطي عن الأثر: هذا خطأ من البزار، وقال ابن كثير: إسناده جيد، والله أعلم.
4. أن الآية عامة في كل كافر أشرك بالله في عبادته وقد أقرّ بأنه خالقه موجده، نسب الثعلبي هذا القول لمجاهد، وهذا القول عندي ضعيف؛ لأن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، واعتقادهم بأنه سبحانه وتعالى الخالق الرازق مخالف لعملهم وإشراكهم، فإيمانهم ليس بصحيح ليتم تسميته بإيمان، ولفظة (بعد) تدل على أن شيئاً سابق لشيء، وهم قد اعتقدوا بأنه الخالق الرازق مع إشراكهم معه غيره في العبادة في نفس الوقت، والله أعلم.
ولعلي أميل إلى قول الطبري، ولكنها وإن كانت نزلت في اليهود لا مانع من أن يدخل معهم غيرهم لاتفاقهم في الحال والوصف، فالنصراني من الممكن أن يؤمن بالنبي الذي بشر به كتابهم ثم لما يعرفه ويؤمر باتباعه يكفر به، وكذلك المرتد عن الدين الإسلامي حاله كحال اليهودي والنصراني في معرفته الحق ثم جحده إياه وتركه له مع إقامته على الكفر حتى موته، فالقاسم المشترك بين الجميع هو إيمانهم وتصديقهم في أول الأمر، ثم كفرهم بعد ظهور ما آمنوا به على طريقة تخالف هواهم وما أرادوه، وبقوا على ذلك الكفر حتى الموت.

وفي المسألة الثانية أقوال لأهل العلم:
1. ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان، روي هذا القول عن قتادة.
2. ازدادوا كفراً بالذنوب التي أذنبوها وهم كافرون، روي هذه القول عن رفيع، وأبو العالية، وهو الذي رجحه الطبري لأنه سبحانه قال: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده}، فلا يمكن أن يقول إنه يقبل ولا يقبل، فهذا يدل على أن هذه التوبة الغير مقبولة غير تلك التوبة المقبولة، فالتوبة المقبولة تكون للتائب من الشرك ومن المعاصي مع وجود الإيمان، أما التوبة الغير مقبولة هي التوبة من الازدياد في الكفر بعد الكفر، أي: التوبة من الذنوب التي يقترفها الكافر، وذلك لأنه سبحانه لا يقبل من مشرك عمل ما دام على شركه.
3. ازدادوا كفراً بإقامتهم على كفرهم حتى موتهم، روي هذا القول عن مجاهد، والسدي.
وجميع هذه الأقوال متقاربة، فإنه كما يقول علماء العقيدة بأن الإيمان يزيد وينقص، فلا يوجد حالة يكون فيها الإيمان ثابتاً، فكذلك الكفر يزيد بالمزيد من التكذيب كما في القول الأول، ويزيد بالذنوب التي يقترفونها حال كفرهم، ويزداد ببقائهم على الكفر، فيكذب بكل آية تأتيه، فيزداد كفراً، والله أعلم.

وفي المسألة الثالثة أقوال لأهل العلم:
1. لن تقبل توبتهم عند الموت وحضوره، روي هذا القول عن الحسن، وقتادة، والسدي، وقد استبعد الطبري هذا القول قائلاً (ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليه والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما)، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابة: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) فإذا لم تقبل توبة العاصي فالأولى ألّا تقبل توبة المشرك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن غريب، والله أعلم.
2. لن تقبل توبتهم من ذنوبهم وهم مقيمون على الشرك والكفر، فهم تابوا من الفرع دون الأصل، روي هذا القول عن رفيع، وأبو العالية، وهو الذي رجحه الطبري.
3. لن تقبل توبتهم من كفرهم الأول قبل إيمانهم برسلهم، روي عن ابن جريج، وقال ابن جرير هذا قول لا معنى له، وذلك لأنهم لم يوصفوا بكفر ثم إيمان ثم كفر ثم زيادة في الكفر ليقال بأن المراد من التوبة هي توبتهم من كفرهم الأول، بل وصفوا بإيمان ثم كفر ثم زيادة في الكفر كما هو ظاهر من نص القرآن الصريح والذي لا يصار إلى معنى باطن خاص فيه إلا بقرينة وحجة، فيكون حينذاك المعنى الخاص هو الأولى.
ولعل الراجح هو القول الثاني، فإن في هذه الآية لم يأت ذكر الموت بخلاف الآية التالية التي جاء فيها ذكر الموت، فدلّ هذا على المغايرة، فسقط بذلك القول الأول عندي وإن كان صحيحاً في نفسه، والقول الثالث واضح الضعف كما بين الطبري رحمه الله.



3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
التخريج:

روى عبد الرزاق، وأبو حذيفة النهدي في تفسير سفيان الثوري، والطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم الأثر من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير مرزوق مولى الشعبي عن سعيد بن جبير أنه قال في قوله تعالى: (والصاحب بالجنب) الرفيق في السفر، ما عدا ما رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم قال فيها: (الرفيق الصالح).

تحرير المسألة:
وفي المسألة ثلاثة أقوال لأهل العلم:
1. الرفيق في السفر، روي هذا القول عن: ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والضحاك.
2. الزوجة، روي هذا القول عن: ابن مسعود، وعلي، وإبراهيم النخعي، وأبي الهيثم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
3. الملازم لك رجاء نفعك، فهو يجالسك في الحضر، ويصاحبك في السفر، روي هذا القول عن: ابن عباس، وزيد بن أسلم، وابن زيد.
والآية تحتمل جميع الأقوال، فإن الصاحب بالجنب في اللغة هو الذي بجنبك وبجوارك، فيدخل فيه كل من كان بجنبك سواء كان بجنبك بعض الوقت كالرفيق في السفر، أو أغلب الوقت كالزوجة، أو كل الوقت أو أغلب أغلبه كالملازم لك رجاء نفعك، فجميعهم لهم حق على من جانبوه، ولا يوجد في الآية ما يمنع حملها على المعاني جميعها، وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره)، وهذا في حق الأصحاب بشكل عام، فكيف بحق من كان بجنبك؟.



4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:

رواه ابن جرير الطبري عن ابن جريج أنه قال: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: (وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة).
ومن هذا الأثر يتبين لنا أن بعض الناس كان يفهم الآية بغير المراد منها، فهم فهموا المراد بالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أنهم الذين يحضرون المجالس وحلق الذكر، ولعل سبب هذا الفهم أن هذه الآية كان سبب نزولها أن جماعة من أشراف قريش قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد الفقراء الضعفاء من حلقته فإن فعل وعدوه بسماع حديثه، وذلك لئلا تعيب عليهم العرب جلوسهم مع العبيد والسفهاء في نظرهم، كما في رواه مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه "، فقال البعض بأن الذكر في الغداة والعشي هي المجالس التي كانوا يحضرونها، وهذا خطأ فإنه سبحانه وصفهم بصفة هي السبب في نهيه سبحانه النبي عليه الصلاة والسلام عن طردهم من جالسه، وذلك بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي، وهي الصلاة على قول سعيد بن مسيب وغيره، وغيرها من الأقوال كما سأذكر لاحقاً.
وقد قيل بأن سبب النزول هو أن جماعة من أشراف الناس قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم إذا آمنوا به عليه أن يؤخر الذين يصلوا معه من الفقراء فيصلوا خلفهم، كما قال ابن جرير الطبري: (حدّثني محمّد بن سعدٍ، حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} الآية، فهم أناسٌ كانوا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من الفقراء، فقال أناسٌ من أشراف النّاس: نؤمن لك، وإذا صلّينا فأخّر هؤلاء الّذين معك فليصلّوا خلفنا)، وهذا السند مسلسل بالضعفاء فلا يصح، والصحيح هو الأول.

تحرير المسألة:
وفي المراد بـــ(يدعون ربهم بالغداة والعشي) أقوال لأهل العلم:
القول الأول: الصلوات المكتوبة، روي هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن مسيب، وإبراهيم، ومجاهد، والحسن وقد زاد مع المحافظة عليها في الجماعة، والضحاك، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وعامر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
-ومنهم قال هي صلاة الصبح وصلاة العصر، روي عن مجاهد، وقتادة، وقيل: العشي هو العشاء كما ذكر عن عمرو بن شعيب، ولعل سبب هذا القول يعود إلى إن الصلاة في أول الأمر كانت ركعتين في الغداة وركعتين في العشي، ويشهد لذلك قول مجاهد: (الصّلاة المفروضة: الصّبح والعصر)، فلا يقال بأن الصلاة المفروضة هي الصبح والعصر فقط، ولا يقول بذلك أحد، فعلم أن المقصود هو أن الصلاة المفروضة في ذلك الوقت هما هاتين الصلاتين.
-ومنهم قال هي الصلوات الخمس الفرائض، روي عن إبراهيم، وإن كانت الآية نزلت خاصة بأولئك، فإن حكمها عام لجميع المسلمين من بعد، وقد فرضت الصلاة فيما بعد واستقرت على الخمس الصلوات المفروضة.
والقول بأنها الصلاة المفروضة يجمع هذين القولين، ففي مكة كانت الصلاة المفروضة ركعتين في الغدي وركعتين في العشي، وبعد رحلة الإسراء والمعراج أصبح الصلوات المفروضة الصلوات الخمس.
وقد فسر أهل هذا القول دعائهم بالصلاة لأن الصلاة في اللغة الدعاء، وقد ورد في القرآن ما يدل على أن الصلاة تطلق ويراد بها الدعاء في بعض المرات كما في قوله تعالى: (...وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) أي: أدع لهم.

القول الثاني: أهل الذكر، روي هذا القول عن إبراهيم ومنصور، فهم يذكرون الله في جميع أحوالهم بالغداة والعشي، والذكر دعاء في حقيقة أمره، فهذا القول أخذ الآية على وجهها، وفي إحدى الروايتين عن إبراهيم في هذا القول قال: (لا تطردهم عن الذكر)، ولعله لم يرد من هذا القول أن يفسر الدعاء في الغداة والعشي، بل أراد الإشارة إلى ما لا يجب طردهم منه، وهو مجالس الذكر كما في سبب نزول الآية، والله أعلم.
القول الثالث: العبادة، روي هذا القول عن الضحاك، قال: في قوله تعالى: (يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ) قال: (يعني: يعبدون، ألا ترى أنّه قال: (لا جرم أنّما تدعونني إليه)، يعني: تعبدونه)، ولعلمي القاصر لم أفهم استدلاله بهذه الآية، ولعلي استدل بما اعلمه وأفهمه من قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، فالدعاء عبادة.
القول الرابع: قراءة القرآن، وهذا القول روي عن أوب جعفر، وفي حقيقته ورد في قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي)، والآيتان مختلفتان في سبب النزول مما يسبب اختلاف في المراد من الدعاء بالغداة والعشي، فقد روى ابن جرير الطبري عن أبي جعفر في قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ) قال: (كان يقرئهم القرآن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم)، والله أعلم.

ومما سبق يتبين لنا أن الأقوال السابقة جميعها تنقسم إلى قسمين:
1. قسم يكون فعلهم مقيد بوقت الغدو والعشي فقط، وهو القول بأن المراد به صلاة الصبح وصلاة العصر أو صلاة العشاء، أي: صلاة أهل مكة قبل فرض الصلوات الخمس، فقد كانت صلاة في النهار وصلاة في الليل، فيكون المراد بالغدو العشي الوقت المحدد.
2. قسم يكون فعلهم فيه مستمر في جميع الأحوال غير مقيد بالغداة والعشي فقط، بل يراد به استمرار الفعل طوال الوقت، فهم يعمرون الغدو والغشي وما بينهما جميعاً، كما نقول الحمد لله بكراً وأصيلاً، أي: في جميع الأحوال والأوقات، وهذا القسم يدخل فيه جميع الأقوال الأخرى من الصلوات الخمس المتفرقة في جميع اليوم، والذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن.

وعلى هذا يترجح لي بأن المراد من (يدعون ربهم بالغداة والعشي) أي يعبدونه ويمجدونه ويعظمونه في جميع أحوالهم، ويدخل في هذا عبادتهم له بالدعاء والذكر باللسان، وبالصلاة بالبدن، وغيرها من العبادات الخالصة لله وحده على تنوعها واختلافها التي تملئ اليوم والليلة، وهذا هو دعاء العبادة ودعاء المسألة معاً اللذان تحتملها الآية، ملا مانع من حملها عليهما جميعاً.



5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
التخريج:

رواه الطبري من طريق الحجاج بن أبي عثمان، عن فرقد، عن إبراهيم النخعي أنه سأل فرقد فقال: يا فرقد أتدري ما سوء الحساب؟ قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كلّه، لا يغفر له منه شيءٌ.
ورواه ابن وهب المصري والطبري ايضاً من طريق حماد بن سلمة عن فرقد عن إبراهيم أنه قال: (أن يحاسب بذنبه، ثم لا يغفر له)، وفي رواية الطبري: (سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له).
وفرقد قد قال عنه الأئمة النقاد أنه ضعيف الحديث، وقال بعضهم منكر الأحاديث أيضاً، فقد قال البخاري عنه: (في حديثه مناكير، منكر الحديث جدا، ليس بشيء)، وإن كان رجل صالح عابد في نفسه كما قال البعض.
وقد روى سعيد بن منصور أثراً عن إبراهيم في معنى سوء الحساب فقال: (حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عن إبراهيم، قال: {سوء الحساب}: أن يأخذ عبده بالحقّ)، وفي السند رجل مجهول، فضعف الأثر بذلك.

تحرير المسألة:
وفي المسألة قولان:
1. أن يحاسب المرء على كل ما أقترفه من الذنوب لا يتجاوز عن شيء منها، وهو قول مروي عن إبراهيم النخعي كما تبين سابقاً، وشهر بن حوشب، وهو قول راويهما أيضاً فرقد السبخي، وروي كذلك عن ابن زيد، وأخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن كما نقله السيوطي في الدر المنثور.
2. أن يناقش الحساب وبه يكون شديداً، ومن نوقش الحساب فقد عذب كما في الحديث، وهذا القول مروي عن أبي الجوزاء من طريق جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك عنه، ومروي عن سعيد بن جبير كذلك.

ولعل فهم معنى الحديث الذي روته عائشة يوضح القول الثاني ويقربه، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نوقش الحساب عذب) قالت: قلت: (أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال: (ذلك العرض) رواه البخاري، ففي الحديث تفسيران لعذاب من نوقش الحساب:
الأول: أن المناقشة نفسها عذاب له، وبهذا لا يلزم أن يكون من يناقش العذاب من الكفار، فقد يناقش المسلمين المكثرين من الذنوب، فيكون مناقشتهم الحساب كعذاب لهم يكفر به سيئاتهم، فكما هو معلوم أن كل عذاب وألم وتعب في الدنيا يكفر السيئات، فإن بقيت سيئات عذب في القبر، فإن بقيت سيئات كانت عرصات يوم القيامة شديدة عليه تكفيراً لسيئاته، ومنها مناقشته الحساب التي تعتبر من العذاب كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) فيغفر بها للمؤمن ولا يغفر بها للكافر لإشراكه وكفره بالله الذي لا يغفره سبحانه وتعالى على هذا المعنى، فإن بقيت سيئات دخل النار بقدر معاصيه ثم يخرج منها، أو يتجاوز الله عنه فينجيه منها.
الثاني: أن من نوقش الحساب فإن مصيره العذاب اللاحق في النار وأنه هالك، ويؤيد هذا المعنى الرواية الأخرى للحديث: (من نوقش الحساب يهلك)، ولا مانع من أن يعذب مرتين عند مناقشة الحساب وفي النار لاحقاً، ولا يغفر له بها لأنه كافر على هذا القول، وهذا يوافق القول الأول في المسألة بان لا يتجاوز عن شيء من ذنوبه.
وينبغي أن أنبه هنا إلى أن (سوء الحساب) وردت في موضعين في سورة الرعد الأول من باب الذكر مصير الكفار وعذابهم، والآخر من باب ذكر صفات المؤمنين أنه يخافون سوء الحساب في موضعين متتالين، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعاً وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ﴾ [الرعد: 18-21]، ولعل القول الأول أنسب للكافر الذي لم يستجب لله بتاتاً، فلا يغفر له شيء من ذنوبه، بل يعذب بها جميعاً، فإن الكفر مانع لمغفرة الذنوب الأقل منه، أما القول الثاني فيناسب المسلمين العاصين، فهو سبحانه وتعالى يناقشهم سيئاتهم ولا يسترها ويتعداها دون مناقشة كما يفعل مع المؤمنين الأعلى مرتبة، وكذلك يناسب الكافرين على القول الآخر في معنى الحديث.

وبهذا يتبين ما ترجح لي من أن هناك نوعين من سوء الحساب، وأن سوء الحساب بالنسبة للكافرين مختلف عن سوء الحساب بالنسبة للمسلمين، وإن كان المسلمين المؤمنين يخافون الإثنين، فيخافون أن يتحولوا عن الإيمان إلى الكفر، ويخافون أن يناقشوا الحساب ولا يستر عليهم ويتجاوز عنهم، والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 جمادى الأولى 1441هـ/17-01-2020م, 09:58 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رقية إبراهيم عبد البديع مشاهدة المشاركة
مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهاراتالتخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائلالتفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنينالبخيل).
التخريج:
أخرجه الطبري بأسانيده عن ابعنن بشار عبد الرحمن وعن ابن حميد عن مهران وعن ابي كريب عن وكيع عن سفيان عن عاصم عن زر
كما أخرجه الفراء بسنده، فقال: حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبيالنجود عن زر بن حبيش قال: أنتم تقرءون: (بضنين) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) بمتّهم.
[الأولى التخريج بتعيين مخرج الأثر، في هذا المثال الأسانيد تدور حول (عاصم بن أبي النجود)]
تفصيل القول:
وهما قراءتان، إحداهما بالضاد، وهي قراءة عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: من البخل بالشيء، أي: لا يبخل بالتبليغ والتعليم بتَعْلِيمِهِم ما عَلَّمَهُاللَّهُ وأَنْزَلَ إليهِ مِنْ كتابِهِ. وهي قراءة عثمان بن عفّان، وابن عبّاسٍ،والحسن، وأبي رجاءٍ، والأعرج، وأبي جعفرٍ، وشيبة، وجماعةٍ وافرةٍ.
[لا يصح نسخ التخريج من الكتب الناقلة عمومًا، وخاصة تخريج القراءات، فمصدر تخريجها كتب القراءات]
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ضَنَنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ بِهِ ضَنًّا وَضَنَانَةً إِذَابَخِلْتَ بِهِ وَهُوَ ضَنِينٌ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَضَنَنْتُ بِالْفَتْحِلُغَةٌ
معنى قراءة الظاء:
قراءة الظاء تحتمل التهمة كما تحتمل الضعف عن التحمل والأداء، فقال [من القائل؟] : تقول: ما أنت على فلان بمتهم، وتقول: ما هو على الغيب بظنين: بضعيف، يقول: هو محتملله، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل: هو ظنون.
وهو مروي عن غير واحد من السلف، ويعد من التفسير اللغوي؛ فأهل اللغة مجمعون على هذا المعنى – وعلى رأسهم زر بن حبيش؛ فهو في عصر الاحتجاج وبلغ في علم اللغة شأوا كبيرا؛ حتى كان بعض الصحابة يسألونه عن إعراب القرآن-.
وَقراءة ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو والْكِسَائِيِّ بِالظَّاءِ مِنَ الظِّنَّةِ وَهِيَ التُّهْمَةُ،وَمَعْنَاهُ: وَمَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ فيمايُخْبِرُهُم عن اللَّهِ مِن الأَنْباءِ [لا يصح التحرير بنسخ كلام المفسرين بل ينبغي أن يكون بأسلوبك الخاص] . وهي قراءة ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عمر،وابن الزّبير، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، وابن جبيرٍ، وعروة بن الزّبير، ومسلم بنجندبٍ، ومجاهدٌ وغيرهم [نفس الملحوظة بشأن التخريج؛ فهذا منقول من تفسير ابن عطية]
وقد رجح الطبري قراءة الضاد؛ فقال:
وَأَوْلَى القراءَتَيْنِ في ذلكَ عندِي بالصَّوابِ: ماعليهِ خُطُوطُ مصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً، وإِن اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهمبهِ، وذلكَ{بِضَنِينٍ}بالضادِ؛ لأنَّ ذلكَ كلَّهُكذلكَ في خُطُوطِهَا.
فإذا كانَ ذلكَكذلكَ، فَأَوْلَى التأويلَيْنِ بالصوَابِ في ذلكَ تأويلُ مَنْ تأوَّلَهُ: ومامُحَمَّدٌ على ما عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ وتَنْزِيلِهِ بِبَخِيلٍبتَعْلِيمَكُمُوهُ أيُّها الناسُ، بلْ هوَ حريصٌ على أنْ تُؤْمِنُوا بهِوتَتَعَلَّمُوهُ، ورجّح أبو عبيدة قراءة الظّاء؛ لأنّ قريشاً لم تبخّل محمّداًصلّى اللّه عليه وسلّم فيما يأتي به، وإنما كذّبته، فقيل: ما هو بمتّهمٍ.
وأرى –والله أعلم- أن القراءتان متعاضدتان –فلا ترجح إحداهما على الأخرى-؛ فكلاهما وحي منزل وقد صح نقله بالتواتر.
مسائل تفسيرية:
المراد بالغيب: هو القرآن
روى الطبري بسنده عن يُونُس قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}: الغَيْبُ القرآنُ،لمْ يَضِنَّ بهِ على أحَدٍ مِن الناسِ، أدَّاهُ وبَلَّغَهُ، بَعَثَ اللَّهُ بهِالرُّوحَ الأمينَ جِبْرِيلَ إلى رسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ-، فأدَّى جبريلُ ما اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ إلى مُحَمَّدٍ، وأدَّىمُحَمَّدٌ ما اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ وجِبْرِيلُ إلى العِبَادِ، ليسَ أحَدٌ مِنهمضَنَّ، ولا كَتَمَ، ولا تَخَرَّصَ.

مرجع الضمير: النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى الطبري بسنده عن ابن حُمَيْدٍ عن جَرير، عنْ عطاءٍ، عنْ عامِرٍ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}، يعنِي: النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

مسألة فرعية:
قَالَالنَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَإِتْقَانُ الْفَصْلِ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِوَاجِبٌ، وَمَعْرِفَةُ مَخْرَجِهِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَارِئِ؛ فَإِنَّأَكْثَرَ الْعَجَمِ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ.).[عمدة القاري: 19/ 281]
معنى على:
يصح أن تكون بمعنى: عن أو الباء ذكره الفراء.

2: قول أبيالعالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادواكفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثمازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها فيكفرهم).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده عن ابن المثنّى وعبدالحميد بن بيانٍ السّكّريّ ،عن ابن أبي عديٍّ، عن داود عن أبي العالية، وأخرج نحوه بسنده عن ابن المثنّى، عن عبد الأعلى، عن داود، عن أبي العالية، وعنعمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية
وأخرج نحوه ابن أبي حاتم الرازي بسنده عن أبي سعيدٍ الأشجّ،عنأبي خالدٍ،عن داود، عن أبي العالية.
التفصيل:
في المراد أقوال:
الأول: عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {إنّ الّذين كفروا}أي ببعض أنبيائه الّذين بعثوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم {ثمّازدادوا كفرًا} بكفرهم بمحمّدٍ {لن تقبل توبتهم} عند حضور الموت وحشرجتهبنفسه [هذا منسوخ من كلام الطبري] . وهو مروي عن الحسن وقتادة
قال الإمام ابن عطية: وفي هذاالقول اضطراب؛ لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى اللهعليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
الثاني: معنى ذلك أنّ الّذين كفروا من أهل الكتاببمحمّدٍ بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} يعني ذنوبًا {لن تقبل توبتهم}من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون.
وهو مروي عن أبي العالية
قال الإمام ابن عطية: وعلى هذاالترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم
الثالث: معناه أنّالّذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، {ثمّ ازدادوا كفرًا}، تمامهم عليه حتّى هلكوا وهم عليه مقيمون، لن تقبل توبتهم: لن تنفعهم توبتهم الأولى،وإيمانهم لكفرهم الآخر وموتهم. وهو مروي عن مجاهد
الرابع: معنى قوله: {ثمّازدادوا كفرًا} ماتوا كفّارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى {لنتقبل توبتهم} لن تقبل توبتهم عند موتهم. وهو مروي عن السدي.. وهذا القول قريب من القول الثالث.
الترجيح:
لعل الأقرب هو القول الثاني؛ وهو أنه عنى بها اليهود، وأن يكون المعنى: إنّ الّذين كفروا من اليهودبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثمّ ازدادواكفرًا بما أصابوا من الذّنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم، لن تقبل توبتهم منذنوبهم الّتي أصابوها في كفرهم، حتّى يتوبوا من كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليهوسلّم، ويراجعوا التّوبة منه بتصديق ما جاء به من عند اللّه، ,وذلك لأنّ الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فهي في سياقٍ واحدٍ. ذكره الطبري وأفاض في تحريره.


المسائل التفسيرية:
فيم نزلت الآية وعلام تنطبق:
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن أبي هندٍ، عنعكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ قومًا أسلموا ثمّ ارتدّوا، ثمّ أسلموا ثمّ ارتدّوا،فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم} هكذا رواه، وإسناده جيّدٌ. رواه السيوطي وخطَّأ البزار في روايته، وذكره ابن كثير

المراد بعدم قبول توبتهم:
لا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة، إذ إن التوبة تقبل من كل أحد، فالمراد أحد هذه الأوجه:
1- لأنهم تابوا من بعضٍولم يتوبوا من الأصل وهو الكفر. مروي عن أبي العالية، وقال: "لو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنّهم على ضلالٍ "
2- لأنهم ازدادوا كفرًا حين حضرهم الموت فلن تقبل توبتهم حين حضرهم الموت. مروي عن قتادة، وعن عطاء والحسن نحوه
4- ويجوز أن يكونالمعنى:لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى كفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذاتابوا إلى الإسلام ذكره النحاس
5- قال ابن عطية: وتحتمل الآيةعندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلكجزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فتجيء الآيةبمنزلة قول الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمناره .أي قد جعلهم الله من سخطه في حيزمن لا تقبل له توبة إذ ليست لهم، فهم لا محالة يموتون على الكفر.

الترجيح:
وقد رجح ابن جرير القول الاول، ووهَّن الثاني، فقال: " لأنّ التّوبة من العبد غير كائنةٍ إلاّفي حال حياته، فأمّا بعد مماته فلا توبة، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ عباده قبولالتّوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًالو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليهوالموارثة، وسائر الأحكام غيرهما، فكان معلومًا بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانتغير مقبولةٍ، لم ينتقل حكمه من حكم الكفّار إلى حكم أهل الإسلام، ولا منزلة بينالموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل اللّه فيها توبة الكافر، فإذا صحّ أنّها في حالحياته مقبولةٌ، ولا سبيل بعد الممات إليها، بطل قول الّذي زعم أنّها غير مقبولةٍعند حضور الأجل".
"
3: قول سعيد بنجبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
التخريج:
أخرجه عبد الرزاق الصنعاني بسنده عن الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير، وأخرجه سفيان [الثوري] عنمورقٍ أو مرزوقٍ مولى الشّعبيّ عن سعيد بن جبيرٍ
[بارك الله فيكِ، التخريج ناقص، فقد أخرجه آخرون بالإضافة لسفيان الثوري وعبد الرزاق]
الأقوال الواردة في الآية:
1- هو الرفيق في السفر مروي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي والضحاك
وعن زيد بن أسلم نحوه؛ حيث قال: " هو جليسك في الحضر ورفيقك في السّفر."
2- هي الزوجة مروي عن ابن مسعود وابن عباس وعلي وعبد الله وإبراهيم النخعي والحسن وأبي الهيثم وعبد الرحمن بن أبي ليلى
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاءنفعك. مروي عن ابن عباس وابن زيد
الترجيح:
أرى والله أعلم أن الآية تعم ذلك جميعه؛ فيكون الصاحب بالجنب هو الرفيق الملازم سواء كان الزوجة أو الصديق، وسواء في الحضر أو السفر.
قال الطبري: " والصّواب من القول في تأويل ذلك عندي: أنّ معنى: {والصّاحب بالجنب} الصّاحب إلى الجنب، كما يقال: فلانٌ بجنب فلانٍ وإلى جنبه، وهومن قولهم: جنب فلانٌ فلانًا فهو يجنبه جنبًا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جنب الخيل،إذا قاد بعضها إلى جنب بعضٍ. وقد يدخل في هذا الرّفيق في السّفر، والمرأة، والمنقطعإلى الرّجل الّذي يلازمه رجاء نفعه، لأنّ كلّهم بجنب الّذي هو معه وقريبٌ منه، وقدأوصى اللّه تعالى بجميعهم لوجوب حقّ الصّاحب على المصحوب".
ثم ساق الأدلة بسنده على ذلك فقال:
-"
حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، قال: حدّثنا ابن أبيفديكٍ، عن فلان بن عبد اللّه، عن الثّقة، عنده: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم كان معه رجلٌ من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النّبيّ صلّى اللّه عليهوسلّم في غيضةٍ طرفاء، فقطع قصيلين أحدهما معوجٌّ والآخر معتدلٌ، فخرج بهما فأعطىصاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوجّ، فقال الرّجل: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي، أنتأحقّ بالمعتدل منّي. فقال: كلاّ يا فلان، إنّ كلّ صاحبٍ يصحب صاحبًا مسئولٌ عنصحابته ولو ساعةً من نهارٍ.
-
حدّثنيالمثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة، قال: حدّثنيشرحبيل بن شريكٍ، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّصلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه،وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره.
وإن كان الصّاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أنيكون داخلا فيه كلّ من جنب رجلاً يصحبه في سفرٍ أو نكاحٍ أو انقطاعٍ إليه واتّصالٍبه، ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ بعضهم ممّا احتمله ظاهر التّنزيل؛ فالصّواب أنيقال: جميعهم معنيّون بذلك، وبكلّهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه "

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطردالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده
عن
ابن جريجٍ: عن عبد اللّه بنكثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح معسعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدرالنّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلونما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذينيدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتيانصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.
الأقوال الواردة:
في المراد بالدعاء بالغداة والعشي أقوال وهي:
1- هيالصّلوات الخمس. مروي عن ابن عباس وابن عمر وإبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك وسعيد بن المسيب و عبدالرّحمن بن أبي عمرة وعامر
2- أي: لا تطردهم عن الذّكر. أخرجه سعيد بن منصور بسنده عن إبراهيم.
3- كان ذلك تعلّمهمالقرآن وقراءته.وهو مروي عن أبي جعفر
4- عنى بدعائهم ربّهمعبادتهم إيّاه. وهو مروي عن الضحاك
الترجيح:
الراجح عموم العبادة، سواء في ذلك فرضها ونفلها، من صلاة وذكر وتلاوة وتعلم ونحو ذلك، وخص الغداة والعشي بالذكر لأنهما أول اليوم وآخره؛ فيشملان ما بينهما.
قال الطبري: " والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّاللّه -تعالى- نهى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يطرد قومًا كانوا يدعونربّهم بالغداة والعشيّ، والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاًوكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها منالنّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القومكانوا جامعين هذه المعاني كلّها، فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة والعشيّ،لأنّ اللّه قد سمّى العبادة دعاءً، فقال -تعالى-: {وقالربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّمداخرين}. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصٍّ من الدّعاء.
ولا قول أولى بذلك بالصّحّة من وصف القوم بما وصفهم اللّه به منأنّهم كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصّفة الّتي وصفهم بها ربّهمولا يخصّون منها بشيءٍ دون شيءٍ.
فتأويل الكلام إذن: يا محمّد أنذر القرآن الّذي أنزلته إليك، الّذين يعلمون أنّهم إلى ربّهم محشورون،فهم من خوف ورودهم على اللّه الّذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير، في العمل لهدائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل اللّه عليك المكذّبون باللّه واليومالآخر من قومك استكبارًا على اللّه. ولا تطردهم ولا تقصهم فتكون ممّن وضع الإقصاءفي غير موضعه فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرّب من لم يكن له تقديمهبقربه وإدناؤه، فإنّ الّذين نهيتك عن طردهم هم الّذين يدعون ربّهم فيسألون عفوهومغفرته لصالح أعمالهم وأداء ما ألزمهم من فرائضه ونوافل تطوّعهم وذكرهم إيّاهبألسنتهم بالغداة والعشيّ، يلتمسون بذلك القربة إلى اللّه والدّنوّ من رضاه"
المسائل التفسيرية:
سبب نزول الآية:
روى ابن جرير بسنده عن محمّد بن عبد الأعلى،عن محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والكلبيّ، أنّ ناسًا، من كفّارقريشٍ قالوا للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إن سرّك أن نتّبعك فاطرد عنّا فلانًاوفلانًا، ناسًا من ضعفاء المسلمين. فقال اللّه تعالى: {ولاتطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه}. وأورد كثيرا من الروايات بنحو ذلك.
وعن المقدام بن شريحٍ عن أبيه قال: قال سعدٌ نزلت هذه الآية في ستّةٍ من أصحاب رسولاللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- منهم ابن مسعودٍ قال: كنّا نسبق إلى النّبيّ صلىالله عليه وسلم وندنو منه فقالت قريشٌ: تدني هؤلاء وتنحينا فكان للنّبيّ -صلّىاللّه عليه وسلّم- همٌّ فنزلت: {ولا تطرد الذين يدعون ربهمبالغدوة والعشي} إلى آخر الآية. رواه أبو حذيفة النهدي عن سفيان الثوري.
المراد بالموصول: (الذين يدعون ربهم):
كانوا من الفقراء والضعفاء، وهم: بلالاً، وعمّار بن ياسرٍ، وسالمًا مولى أبي حذيفة،وصبيحًا مولى أسيدٍ، ومن الحلفاء: ابن مسعودٍ، والمقداد بن عمرٍو، ومسعود بنالقاريّ، وواقد بن عبد اللّه الحنظليّ، وعمرو بن عبد عمرٍو ذو الشّمالين، ومرثد بنأبي مرثدٍ، وأبو مرثدٍ من عنيّ حليف حمزة بن عبد المطّلب، وأشباههم من الحلفاء. ذكره ابن جرير بسنده.
المراد بالغداة والعشي:
1- المرادبه صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا قاله الحسن بن أبي الحسن وذكره ابن عطية.
2- هماعبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا،فإنما تريد الحمد لله في كل وقت. ذكره ابن عطية.
3- هي صلاتي الصبح والعصر مروي عن قتادة ومجاهد
المراد بالطرد:
1- هو طردهم من مجلس الذكر وموطن العبادة. مروي عن أكثر السلف
2- هو تأخيرهم عن الصف الأول، حتّى يكونوا وراءهم في الصّفّ. مروي عن ابن عباس
المراد بإرادتهم وجه الله:
يريدونه بالدعاء. ذكره ابن قتيبة

5: قول إبراهيم النخعيفي تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منهشيء).
التخريج:
أخرجه الطبري بسنده عن يعقوب عن ابن عليّة عنالحجّاج بن أبي عثمان عن فرقدٌ السّبخيّ عن إبراهيم النّخعيّ
وأخرجه سعيد بن منصور بسنده عن سعيدٌ، عن خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عنإبراهيم بمعناه.. ففيه راو مجهول.
الأقوال الواردة:
1- هو أن يؤخذ بالحق فيحاسب بذنبه كله لا يغفر له منه شيء، مروي عن إبراهيم النخعي وفرقد السبخي وشهر بن حوشب والحسن
2- هو المناقشة في الأعمال. أخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر،وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الجوزاءويدل على هذا الحديث: "من نوقش الحساب عُذِّب"رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
الترجيح:
الآية تحتمل الوجهين معا، فلا تعارض بينهما؛ فيجوز أن يكون المعنى أنهم: يناقشون على النّقيروالقطمير، والجليل والحقير كما ذكر ابن كثير.
بارك الله فيكِ، أختي الفاضلة ونفع بكِ.
بداية أشكر لكِ جهدكِ، لكن ليس من الحكمة تكرار نفس الأخطاء وإلا لن يحصل تقدم، ولن نصل للهدف المنشود في إتقان المهارات.
ما زلت بحاجة للتدرب على التخريج، وتحديد مخرج الأثر.
وما زال من المهم التحرير بأسلوبك الخاص، وأن تتجنبي تمامًا النسخ من كلام المفسرين إلا ما لابد منه للاستشهاد، ومبدأيًا تجنبي النسخ حتى تتمكني من أن يكون لكِ أسلوبًا خاصًا في التحرير.
نريد أن يكون لكِ أسلوبكِ الخاص الذي تعرفين به، فلئن قرأنا نصًا الآن من دون نسبة لقائله يمكننا تمييز أن هذا كلام الطبري وذاك كلام ابن عاشور
وهذه التطبيقات ليس الهدف منها الوصول لإجابة المسألة، بقدر ما نهدف منها لتطوير مهارات معينة منها التخريج والتحرير العلمي وتوجيه الأقوال
فأرجو أن تصبري علينا وتاخذي الأمر خطوة بخطوة، وذلك بالعودة لتطبيقات المهارات المتقدمة في التفسير ومراجعة ملحوظات التصحيح عليها وإعادتها بصورة صحيحة، ويُفضل حل جميع التطبيقات للتدريب، ومن ثمّ حل هذه التطبيقات (تطبيقات التخريج هذه التابعة لدورة سير أعلام المفسرين) لأن أساسها هو المهارات المتقدمة في التفسير؛ فإذا لم نُتقن الأساس لن يكون البناء متينًا.
وإن كان لديكِ أي استفسارات يمكنكِ التواصل مع المشرفات على مجموعة الواتساب، أو ترك استفساراتك في صفحة الأسئلة هنا في المنتدى
التقويم: هـ
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الأولى 1441هـ/17-01-2020م, 11:47 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة إبراهيم الزبيري مشاهدة المشاركة
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وفي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:

-روى الطبري الأثر من طريق سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش.
-أما رواية الفراء فهي مختلفة عن الطبري فقال: حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش. [مخرج الأثر هو عاصم بن أبي النجود]
-وكذلك أخرجه عبد بن حميد كما ذكره السيوطي في الدر المنثور.

تحرير المسألة:
وفي المسألة قولان مبنيان على قراءتان [قراءتين] متواتران [متواترتين] :
الأولى: قراءة بضنين، أي ببخيل، فلم يبخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الوحي فلم يبلغه لكم.
وأصحاب هذا القول والقراءة هم: روي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد، والزهري وغيرهم، وهي قراءة عاصم وحمزة ونافع وابن عامر من القراءات المشهورة اليوم.

الثانية: قراءة بظنين، أي: بمتهم، فهو أمين على الوحي فلم ينقص منه شيئاً ولم يزد فيه، ولم يبدل فيه ولم يحرفه، ولم يتأوله بغير تأويله، ولا متهم في حفظه كذلك، وقيل بضعيف، فإن العرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل: هو ظنون، ويقولون ربما دلّك على الرأي الظنون، أي الضعيف من الرجال، كما سمعه الفراء من قضاعة.
وأصحاب هذا القول والقراءة هم: روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عروة، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، والضحاك وغيرهم، وهي قراءة ابن كثير والكسائي وأبو عمرو الداني من القراءات المشهورة اليوم. [يفرق بين أصحاب القول وأصحاب القراءة، وتخريج القراءات يكون من كتب القراءات]
ويلاحظ أن بعض الصحابة والتابعين قد روي عنهم القراءتين، ولا مانع من أن يكون قد تلقى القراءتين عن الرسول أو الصحابة.

والقراءتان لا تعارض بينهما يلزم اختيار أحدهما، بل هما متوافقتان وكلاهما يصح إطلاقهما على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ليس ببخيل ولا بمتهم، وترجيح العلماء بين القراءتين من باب تقديم الأفصح والأنسب لا بأن أحد القراءتين غير صحيح، وقد قد الطبري قراءة (بضنين) بالضاء لأنها المخطوط عليها في المصاحف، حتى مع إمكان قراءتها بغير المكتوب فإن المكتوب أولى بالتقديم، وقال الفراء عن هذا القول: (فلو كان مكان: على ـ عن ـ صلح أو الباء كما تقول: ما هو بضنين بالغيب.).
ولذلك قال أصحاب القراءة بالظاء بأن على تقوي قراءتهم، كما يقال: ما انت على فلان بمتهم، وقد رجح أبو عبيدة [أبو عبيد] هذه القراءة، لأن قريشاً لم تبخّل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به، فإن السورة مكية، وإنما كذبته، فقيل في الآية رداً عليهم: ما هو بمتهم.
وما ترجح لي هو أن قراءة (ظنين) أقوى، لأنها معنى يعم معنى القراءة الأخرى كذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس بمتهم ويدخل فيه عدم اتهامه بالبخل بالوحي، فهي تنفي كل اتهام باطل يتهم به عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها.
[لا يصح الترجيح بين القراءات الصحيحة، والمتقدمون معذورون لأنه في زمنهم لم يكن قد استقر أمر القراءات ولم تشتهر القراءات الصحيحة كما هو في زمننا.
أما في زمننا وبعد استقرار الأمر فلا يصح هذا الترجيح، بل كلاهما ثابت صحيح، وبمجموعهما يضاف لمعنى الآية، ويتبين لنا وجها من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم.
وابن جرير علل ترجيحه بأن قراءة " ضنين " الثابتة في المصحف، وقراءة " ظنين " مخالفة لرسم المصحف.
ومطابقة رسم المصحف شرط من شروط صحة القراءة، ولكن القراءات المتواترة ( مثل قراءة ظنين ) لا تحتاج لهذا الشرط، وراجعي للتفصيل شرح مقدمة التسهيل لابن جزي، للشيخ مساعد الطيار]



2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج:

أخرج ابن جرير الطبري هذا الأثر من طريق ابن أبي عدي، عن داود، أنه سأل أبا العالية.
وهناك آثار أخرى لأبي العالية في نفس الآية ولها نفس المعنى بألفاظ أخرى، وجميعها رواها داود بن أبي هند عن أبي العالية، وفيما يلي عرض للآثار بأسانيدها: [لأن جميعها تدور حول داوود بن أبي هند، مع اختلاف في اللفظ، فيكفي ذكر الراوي عنه، دون ذكر الأسانيد كاملة]
1. قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، ثنا داود، عن أبي العالية قوله:
ثمّ ازدادوا كفرًا قال: (هم اليهود والنّصارى أذنبوا في شركهم، ثم تابوا لم يقبل منهم ولو تابوا من الشّرك قبل منهم).
2. قال بان المنذر: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن حيوية، قَالَ: حَدَّثَنَا مسدد، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن زريع، عَنْ داود، عَنْ أبي العالية، قَالَ: (إِنَّمَا أنزلت فِي اليهود والنصارى، أَلا ترى لقول: {كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} بذنوب أذنبوها، وكانت زيادة فِي كفرهم، ثُمَّ ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب)، فَقَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} قَالَ " لو كانوا عَلَى هدى قبل توبتهم، ولكنهم عَلَى ضلالة ".
3. قال الطبري: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا} قال: (هم اليهود والنّصارى يصيبون الذّنوب فيقولون نتوب وهم مشركون، قال اللّه عزّ وجلّ: لن تقبل التّوبة في الضّلالة)، والذي حدث الطبري مجهول.
4. قال الطبري: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: (هم اليهود والنّصارى والمجوس، أصابوا ذنوبًا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، ألا ترى أنّه يقول: {وأولئك هم الضّالّون})، ولعل لفظة (المجوس) زائدة، لأن المجوس ليسوا أهل كتاب، وإيمانهم بعقيدتهم إيمان غير مقبول، سواء كان قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده، وجميع الآثار الأخرى عن أبي العالية ذكرت اليهود والنصارى فقط، والله أعلم.
5. قال أبو العالية في قوله: {لن تقبل توبتهم}: تابوا من بعضٍ، ولم يتوبوا من الأصل، رواه ابن جرير الطبري وابن المنذر من طريق سفيان الثوري عن داود بن أبي ليلى [هند] عن أبي العالية.

تحرير المسألة:
وقول أبو[أبي] العالية يتطرق إلى ثلاث مسائل في الآية، الأول: من هم الذين كفروا بعد إيمانهم، والثانية: متعلق ازدادوا كفراً، والثالثة: سبب عدم قبول توبتهم، والمسائل مرتبطة ببعضها؛ ولذلك ذكرها بعض أهل العلم معاً، ولكني سأفصل بينهم لتتوضح كل مسألة على حدة.
وفي المسألة الأولى أقوال لأهل العلم:
1. هم اليهود الذين آمنوا بموسى عليه السلام وكفروا بعيسى، روي هذا القول عن قتادة، وقال ابن عطية: (وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين)، وفي القرآن خاطب سبحانه وتعالى اليهود في مواضع عديدة بأنهم قتلوا الأنبياء وغيرها من الأمور التي زاولها آبائهم ولم تقترفها أيديهم، ولكن لما عكفوا على نفس دين آبائهم مقرين لأفعالهم أعتبرهم سبحانه وتعالى مشاركين لآبائهم في هذا الذنب، ويمكن حمل هذه الآية على نفس المحمل فهم لما رضوا بكفر آبائهم بعيسى كانوا هم كذلك كافرين به وإن لم يلقوه ويسمعوا دعوته، والله أعلم.
2. هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين آمنوا برسلهم، ويدخل فيه إيمانهم بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، ثم كفرهم به بعد مبعثه، روي هذا القول عن أبو العالية، الحسن، وقد رجحه ابن جرير الطبري غير أنه خصصه في اليهود دون النصارى، لأن الآيات قبله وبعده نزلت في اليهود، والسياق واحد. [غير أن قول الحسن مختلف عن قول أبي العالية في تعيين علة عدم قبول التوبة، فينبغي توضيح ذلك]
3. أن الآية نزلت في المرتدين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم عادوا للكفر ثم أسلموا ثم كفروا، وهذا القول أخرجه البزار عن ابن عباس، وقال السيوطي عن الأثر: هذا خطأ من البزار، وقال ابن كثير: إسناده جيد، والله أعلم. [إذا اطلعتِ على قول البزار في مصدر أصيل فهو الفيصل بين السيوطي وابن كثير، وينبغي بيان ما إذا كان مصدركِ مصدر أصيل أم نقلا عن ابن كثير والسيوطي وعدم إطلاق القول: أخرجه البزار]
4. أن الآية عامة في كل كافر أشرك بالله في عبادته وقد أقرّ بأنه خالقه موجده، نسب الثعلبي هذا القول لمجاهد، وهذا القول عندي ضعيف؛ لأن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، واعتقادهم بأنه سبحانه وتعالى الخالق الرازق مخالف لعملهم وإشراكهم، فإيمانهم ليس بصحيح ليتم تسميته بإيمان، ولفظة (بعد) تدل على أن شيئاً سابق لشيء، وهم قد اعتقدوا بأنه الخالق الرازق مع إشراكهم معه غيره في العبادة في نفس الوقت، والله أعلم.
ولعلي أميل إلى قول الطبري، ولكنها وإن كانت نزلت في اليهود لا مانع من أن يدخل معهم غيرهم لاتفاقهم في الحال والوصف، فالنصراني من الممكن أن يؤمن بالنبي الذي بشر به كتابهم ثم لما يعرفه ويؤمر باتباعه يكفر به، وكذلك المرتد عن الدين الإسلامي حاله كحال اليهودي والنصراني في معرفته الحق ثم جحده إياه وتركه له مع إقامته على الكفر حتى موته، فالقاسم المشترك بين الجميع هو إيمانهم وتصديقهم في أول الأمر، ثم كفرهم بعد ظهور ما آمنوا به على طريقة تخالف هواهم وما أرادوه، وبقوا على ذلك الكفر حتى الموت.

وفي المسألة الثانية أقوال لأهل العلم:
1. ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان، روي هذا القول عن قتادة.
2. ازدادوا كفراً بالذنوب التي أذنبوها وهم كافرون، روي هذه القول عن رفيع، وأبو العالية، [رفيع هو أبو العالية] وهو الذي رجحه الطبري لأنه سبحانه قال: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده}، فلا يمكن أن يقول إنه يقبل ولا يقبل، فهذا يدل على أن هذه التوبة الغير [أل التعريف لا تدخل على "غير"] مقبولة غير تلك التوبة المقبولة، فالتوبة المقبولة تكون للتائب من الشرك ومن المعاصي مع وجود الإيمان، أما التوبة الغير مقبولة هي التوبة من الازدياد في الكفر بعد الكفر، أي: التوبة من الذنوب التي يقترفها الكافر، وذلك لأنه سبحانه لا يقبل من مشرك عمل ما دام على شركه.
3. ازدادوا كفراً بإقامتهم على كفرهم حتى موتهم، روي هذا القول عن مجاهد، والسدي.
وجميع هذه الأقوال متقاربة، فإنه كما يقول علماء العقيدة بأن الإيمان يزيد وينقص، فلا يوجد حالة يكون فيها الإيمان ثابتاً، فكذلك الكفر يزيد بالمزيد من التكذيب كما في القول الأول، ويزيد بالذنوب التي يقترفونها حال كفرهم، ويزداد ببقائهم على الكفر، فيكذب بكل آية تأتيه، فيزداد كفراً، والله أعلم.

وفي المسألة الثالثة أقوال لأهل العلم:
1. لن تقبل توبتهم عند الموت وحضوره، روي هذا القول عن الحسن، وقتادة، والسدي، وقد استبعد الطبري هذا القول قائلاً (ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليه والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما)، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابة: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) فإذا لم تقبل توبة العاصي فالأولى ألّا تقبل توبة المشرك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن غريب، والله أعلم.
2. لن تقبل توبتهم من ذنوبهم وهم مقيمون على الشرك والكفر، فهم تابوا من الفرع دون الأصل، روي هذا القول عن رفيع، وأبو العالية، وهو الذي رجحه الطبري.
3. لن تقبل توبتهم من كفرهم الأول قبل إيمانهم برسلهم، روي عن ابن جريج، وقال ابن جرير هذا قول لا معنى له، وذلك لأنهم لم يوصفوا بكفر ثم إيمان ثم كفر ثم زيادة في الكفر ليقال بأن المراد من التوبة هي توبتهم من كفرهم الأول، بل وصفوا بإيمان ثم كفر ثم زيادة في الكفر كما هو ظاهر من نص القرآن الصريح والذي لا يصار إلى معنى باطن خاص فيه إلا بقرينة وحجة، فيكون حينذاك المعنى الخاص هو الأولى.
ولعل الراجح هو القول الثاني، فإن في هذه الآية لم يأت ذكر الموت بخلاف الآية التالية التي جاء فيها ذكر الموت، فدلّ هذا على المغايرة، فسقط بذلك القول الأول عندي وإن كان صحيحاً في نفسه، والقول الثالث واضح الضعف كما بين الطبري رحمه الله.
[قول ابن جريج: لن يقبل إيمانهم الأول، قبل كفرهم، والمقصود أن الكفر أحبط ما كان من عمل[



3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
التخريج:

روى عبد الرزاق، وأبو حذيفة النهدي في تفسير سفيان الثوري [أبو حذيفة راوي الكتب، فتكون النسبة لصاحب التفسيري سفيان الثوري، أي نقول: رواه سفيان الثوري في تفسيره، ومخرج الأثر هو مرزوق أبو بكير] ، والطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم الأثر من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير مرزوق مولى الشعبي عن سعيد بن جبير أنه قال في قوله تعالى: (والصاحب بالجنب) الرفيق في السفر، ما عدا ما رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم قال فيها: (الرفيق الصالح).

تحرير المسألة:
وفي المسألة ثلاثة أقوال لأهل العلم:
1. الرفيق في السفر، روي هذا القول عن: ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والضحاك.
2. الزوجة، روي هذا القول عن: ابن مسعود، وعلي، وإبراهيم النخعي، وأبي الهيثم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
3. الملازم لك رجاء نفعك، فهو يجالسك في الحضر، ويصاحبك في السفر، روي هذا القول عن: ابن عباس، وزيد بن أسلم، وابن زيد. [مع التفريق بين لفظ كل منهم]
والآية تحتمل جميع الأقوال، فإن الصاحب بالجنب في اللغة هو الذي بجنبك وبجوارك، فيدخل فيه كل من كان بجنبك سواء كان بجنبك بعض الوقت كالرفيق في السفر، أو أغلب الوقت كالزوجة، أو كل الوقت أو أغلب أغلبه كالملازم لك رجاء نفعك، فجميعهم لهم حق على من جانبوه، ولا يوجد في الآية ما يمنع حملها على المعاني جميعها، وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره)، وهذا في حق الأصحاب بشكل عام، فكيف بحق من كان بجنبك؟. [يحسن هنا تخريج هذا الحديث وذكر حكمه من حيث الصحة والضعف]



4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:

رواه ابن جرير الطبري عن ابن جريج أنه قال: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: (وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة).
ومن هذا الأثر يتبين لنا أن بعض الناس كان يفهم الآية بغير المراد منها، فهم فهموا المراد بالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أنهم الذين يحضرون المجالس وحلق الذكر، ولعل سبب هذا الفهم أن هذه الآية كان سبب نزولها أن جماعة من أشراف قريش قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد الفقراء الضعفاء من حلقته فإن فعل وعدوه بسماع حديثه، وذلك لئلا تعيب عليهم العرب جلوسهم مع العبيد والسفهاء في نظرهم، كما في رواه مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه "، فقال البعض بأن الذكر في الغداة والعشي هي المجالس التي كانوا يحضرونها، وهذا خطأ فإنه سبحانه وصفهم بصفة هي السبب في نهيه سبحانه النبي عليه الصلاة والسلام عن طردهم من جالسه، وذلك بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي، وهي الصلاة على قول سعيد بن مسيب وغيره، وغيرها من الأقوال كما سأذكر لاحقاً. [لم يتضح لي وجه الخطأ، أهو تخطئة للقول بأن المراد بالدعاء في الآية الذكر؟ فهذه التخطئة لا تصح، أرجو التوضيح]
وقد قيل بأن سبب النزول هو أن جماعة من أشراف الناس قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم إذا آمنوا به عليه أن يؤخر الذين يصلوا معه من الفقراء فيصلوا خلفهم، كما قال ابن جرير الطبري: (حدّثني محمّد بن سعدٍ، حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} الآية، فهم أناسٌ كانوا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من الفقراء، فقال أناسٌ من أشراف النّاس: نؤمن لك، وإذا صلّينا فأخّر هؤلاء الّذين معك فليصلّوا خلفنا)، وهذا السند مسلسل بالضعفاء فلا يصح، والصحيح هو الأول.

تحرير المسألة:
وفي المراد بـــ(يدعون ربهم بالغداة والعشي) أقوال لأهل العلم:
القول الأول: الصلوات المكتوبة، روي هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن مسيب، وإبراهيم، ومجاهد، والحسن وقد زاد مع المحافظة عليها في الجماعة، والضحاك، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وعامر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
-ومنهم قال هي صلاة الصبح وصلاة العصر، روي عن مجاهد، وقتادة، وقيل: العشي هو العشاء كما ذكر عن عمرو بن شعيب، ولعل سبب هذا القول يعود إلى إن الصلاة في أول الأمر كانت ركعتين في الغداة وركعتين في العشي، ويشهد لذلك قول مجاهد: (الصّلاة المفروضة: الصّبح والعصر)، فلا يقال بأن الصلاة المفروضة هي الصبح والعصر فقط، ولا يقول بذلك أحد، فعلم أن المقصود هو أن الصلاة المفروضة في ذلك الوقت هما هاتين الصلاتين.
-ومنهم قال هي الصلوات الخمس الفرائض، روي عن إبراهيم، وإن كانت الآية نزلت خاصة بأولئك، فإن حكمها عام لجميع المسلمين من بعد، وقد فرضت الصلاة فيما بعد واستقرت على الخمس الصلوات المفروضة.
والقول بأنها الصلاة المفروضة يجمع هذين القولين، ففي مكة كانت الصلاة المفروضة ركعتين في الغدي وركعتين في العشي، وبعد رحلة الإسراء والمعراج أصبح الصلوات المفروضة الصلوات الخمس.
وقد فسر أهل هذا القول دعائهم بالصلاة لأن الصلاة في اللغة الدعاء، وقد ورد في القرآن ما يدل على أن الصلاة تطلق ويراد بها الدعاء في بعض المرات كما في قوله تعالى: (...وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) أي: أدع لهم.

القول الثاني: أهل الذكر، روي هذا القول عن إبراهيم ومنصور، فهم يذكرون الله في جميع أحوالهم بالغداة والعشي، والذكر دعاء في حقيقة أمره، فهذا القول أخذ الآية على وجهها، وفي إحدى الروايتين عن إبراهيم في هذا القول قال: (لا تطردهم عن الذكر)، ولعله لم يرد من هذا القول أن يفسر الدعاء في الغداة والعشي، بل أراد الإشارة إلى ما لا يجب طردهم منه، وهو مجالس الذكر كما في سبب نزول الآية، والله أعلم.
القول الثالث: العبادة، روي هذا القول عن الضحاك، قال: في قوله تعالى: (يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ) قال: (يعني: يعبدون، ألا ترى أنّه قال: (لا جرم أنّما تدعونني إليه)، يعني: تعبدونه)، ولعلمي القاصر لم أفهم استدلاله بهذه الآية، ولعلي استدل بما اعلمه وأفهمه من قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، فالدعاء عبادة.
القول الرابع: قراءة القرآن، وهذا القول روي عن أوب جعفر، وفي حقيقته ورد في قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي)، والآيتان مختلفتان في سبب النزول مما يسبب اختلاف في المراد من الدعاء بالغداة والعشي، فقد روى ابن جرير الطبري عن أبي جعفر في قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ) قال: (كان يقرئهم القرآن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم)، والله أعلم.

ومما سبق يتبين لنا أن الأقوال السابقة جميعها تنقسم إلى قسمين:
1. قسم يكون فعلهم مقيد بوقت الغدو والعشي فقط، وهو القول بأن المراد به صلاة الصبح وصلاة العصر أو صلاة العشاء، أي: صلاة أهل مكة قبل فرض الصلوات الخمس، فقد كانت صلاة في النهار وصلاة في الليل، فيكون المراد بالغدو العشي الوقت المحدد.
2. قسم يكون فعلهم فيه مستمر في جميع الأحوال غير مقيد بالغداة والعشي فقط، بل يراد به استمرار الفعل طوال الوقت، فهم يعمرون الغدو والغشي وما بينهما جميعاً، كما نقول الحمد لله بكراً وأصيلاً، أي: في جميع الأحوال والأوقات، وهذا القسم يدخل فيه جميع الأقوال الأخرى من الصلوات الخمس المتفرقة في جميع اليوم، والذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن.

وعلى هذا يترجح لي بأن المراد من (يدعون ربهم بالغداة والعشي) أي يعبدونه ويمجدونه ويعظمونه في جميع أحوالهم، ويدخل في هذا عبادتهم له بالدعاء والذكر باللسان، وبالصلاة بالبدن، وغيرها من العبادات الخالصة لله وحده على تنوعها واختلافها التي تملئ اليوم والليلة، وهذا هو دعاء العبادة ودعاء المسألة معاً اللذان تحتملها الآية، ملا مانع من حملها عليهما جميعاً.



5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
التخريج:

رواه الطبري من طريق الحجاج بن أبي عثمان، عن فرقد، عن إبراهيم النخعي أنه سأل فرقد فقال: يا فرقد أتدري ما سوء الحساب؟ قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كلّه، لا يغفر له منه شيءٌ.
ورواه ابن وهب المصري والطبري ايضاً من طريق حماد بن سلمة عن فرقد عن إبراهيم أنه قال: (أن يحاسب بذنبه، ثم لا يغفر له)، وفي رواية الطبري: (سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له).
وفرقد قد قال عنه الأئمة النقاد أنه ضعيف الحديث، وقال بعضهم منكر الأحاديث أيضاً، فقد قال البخاري عنه: (في حديثه مناكير، منكر الحديث جدا، ليس بشيء)، وإن كان رجل صالح عابد في نفسه كما قال البعض.
وقد روى سعيد بن منصور أثراً عن إبراهيم في معنى سوء الحساب فقال: (حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عن إبراهيم، قال: {سوء الحساب}: أن يأخذ عبده بالحقّ)، وفي السند رجل مجهول، فضعف الأثر بذلك.
[مخرج الأثر هو فرقد، وانتُقد في ضبطه، وليس في عدالته]
تحرير المسألة:
وفي المسألة قولان:
1. أن يحاسب المرء على كل ما أقترفه من الذنوب لا يتجاوز عن شيء منها، وهو قول مروي عن إبراهيم النخعي كما تبين سابقاً، وشهر بن حوشب، وهو قول راويهما أيضاً فرقد السبخي، وروي كذلك عن ابن زيد، وأخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن كما نقله السيوطي في الدر المنثور.
2. أن يناقش الحساب وبه يكون شديداً، ومن نوقش الحساب فقد عذب كما في الحديث، وهذا القول مروي عن أبي الجوزاء من طريق جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك عنه، ومروي عن سعيد بن جبير كذلك.

ولعل فهم معنى الحديث الذي روته عائشة يوضح القول الثاني ويقربه، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نوقش الحساب عذب) قالت: قلت: (أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال: (ذلك العرض) رواه البخاري، ففي الحديث تفسيران لعذاب من نوقش الحساب:
الأول: أن المناقشة نفسها عذاب له، وبهذا لا يلزم أن يكون من يناقش العذاب من الكفار، فقد يناقش المسلمين المكثرين من الذنوب، فيكون مناقشتهم الحساب كعذاب لهم يكفر به سيئاتهم، فكما هو معلوم أن كل عذاب وألم وتعب في الدنيا يكفر السيئات، فإن بقيت سيئات عذب في القبر، فإن بقيت سيئات كانت عرصات يوم القيامة شديدة عليه تكفيراً لسيئاته، ومنها مناقشته الحساب التي تعتبر من العذاب كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) فيغفر بها للمؤمن ولا يغفر بها للكافر لإشراكه وكفره بالله الذي لا يغفره سبحانه وتعالى على هذا المعنى، فإن بقيت سيئات دخل النار بقدر معاصيه ثم يخرج منها، أو يتجاوز الله عنه فينجيه منها. [هذا الفهم يحتاج إلى دليل؛ فالحديث أسلوب شرط فيه أن فعل الشرط هو مناقشة الحساب، وجوابه العذاب، فإذا حصلت المناقشة ترتب على ذلك العذاب، وفي الحديث درجة أخرى وهي الحساب اليسير (العرض) وواضح من نص الحديث التفريق بين المناقشة والعرض]
الثاني: أن من نوقش الحساب فإن مصيره العذاب اللاحق في النار وأنه هالك، ويؤيد هذا المعنى الرواية الأخرى للحديث: (من نوقش الحساب يهلك)، ولا مانع من أن يعذب مرتين عند مناقشة الحساب وفي النار لاحقاً، ولا يغفر له بها لأنه كافر على هذا القول، وهذا يوافق القول الأول في المسألة بان لا يتجاوز عن شيء من ذنوبه.
وينبغي أن أنبه هنا إلى أن (سوء الحساب) وردت في موضعين في سورة الرعد الأول من باب الذكر مصير الكفار وعذابهم، والآخر من باب ذكر صفات المؤمنين أنه يخافون سوء الحساب في موضعين متتالين، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعاً وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ﴾ [الرعد: 18-21]، ولعل القول الأول أنسب للكافر الذي لم يستجب لله بتاتاً، فلا يغفر له شيء من ذنوبه، بل يعذب بها جميعاً، فإن الكفر مانع لمغفرة الذنوب الأقل منه، أما القول الثاني فيناسب المسلمين العاصين، فهو سبحانه وتعالى يناقشهم سيئاتهم ولا يسترها ويتعداها دون مناقشة كما يفعل مع المؤمنين الأعلى مرتبة، وكذلك يناسب الكافرين على القول الآخر في معنى الحديث.
وبهذا يتبين ما ترجح لي من أن هناك نوعين من سوء الحساب، وأن سوء الحساب بالنسبة للكافرين مختلف عن سوء الحساب بالنسبة للمسلمين، وإن كان المسلمين المؤمنين يخافون الإثنين، فيخافون أن يتحولوا عن الإيمان إلى الكفر، ويخافون أن يناقشوا الحساب ولا يستر عليهم ويتجاوز عنهم، والله أعلم.

[أحسنتِ، الإشارة إلى ورود كلمة " سوء الحساب " في موضعين.
للزجاج قول لم تشيري إليه وهو أن سوء الحساب هو ألا تُقبل منهم حسناتهم، وألا تُغفر لهم سيئاتهم، وهذا يناسب حال المؤمنين الذين يؤتون ما آتوا من الخير وقلوبهم وجلة ألا يقبلوا، ولا مانع من الجمع بين الأقوال كما ذكرتِ]


بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
لديكِ ملكة جيدة في التحرير وتوجيه الأقوال، فواصلي التدرب عليها والاستزادة من الاطلاع على كلام المفسرين والاستفادة من أساليبهم.
وواصلي التدرب على تعيين مخرج الأثر وتخريج الأقوال.
وأنصحكِ كذلك بدراسة متن في النحو لتجنب بعض الأخطاء اللغوية.
التقويم: ب+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 جمادى الأولى 1441هـ/20-01-2020م, 03:26 PM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي

أعتذر عن تكرار الأخطاء؛ حيث قمت بتأدية هذه التطبيقات الأربعة في وقت متقارب
سأقوم بإعادته - إن شاء الله بعد مراجعة درس التخريج-في وقت لاحق إن شاء الله

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 رجب 1441هـ/11-03-2020م, 09:12 PM
سها حطب سها حطب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وفي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).

رواه ابن جرير في تفسيره ونقله السيوطي عن عبد الحميد من طريق عاصم عن زر بن حبيش

الأقوال في المسألة :
في الآية قراءتان:
الأولى قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة (بِضَنِينٍ) بالضاد، وهو مروي عن ابن الزبير وأبي بن كعب وابن عباس وعكرمة وزر بين حبيش وجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وبن زيد والزهري
وأنشد أبو عبيدة :
أجودُ بمضنون التلاد وإنني ... بِسِرِّكِ عَمَّنْ سالني لَضَنينُ
وضنين بالضاد الساقطة هو البخيل الذي لا يعطي ما عنده مشتق من الضن بالضاد.
ومعنى الآية على هذا: وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل عليكم، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه.

رجح هذا القول ابن جرير وقال: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها.

القراءة الثانية قراءة بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين (بِظَنِينٍ) بالظاء، وهو ومروي عن أبي بن كعب وعبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وزر بن حبيش وإبراهيم النخعي والضحاك.
وروى عبد الرزاق عن ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: (وما هو على الغيب بظنين) "
وأنشد أبو عبيدة:
أمَا وكتاب الله لا عن شناءة ... هجرت ولكنَّ الظنين ظنين

و(ظنين) بالظاء المشالة هو فعيل بمعنى مفعول مشتق من الظن بمعنى التهمة، أي مظنون، ويراد إنه مظنون به سوء.
ومعنى الآية على هذا : وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بمتهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء .
رجح هذا القول أبو عبيد لسببين:
أحدهما: أن الكفار لم يُبخّلوه، وإنما اتهموه، فنفي التهمة أولى من نفي البخل.
والآخر: قوله: "على الغيب" ولو كان المراد بالبخل لقال: بالغيب.

وحكى الفراء والمبرّد أنه يقال: رجل ظنين أي ضعيف، وبئر ظنون إذا كانت ضعيفة الماء، قال الأعشى:
ما جعل الجد الظنون الذي ... جنّب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما ... يقذف بالبوصي والماهر
ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بضعيف، ولكنه محتمِل له مطيق.
وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، أي: ما هو بكاذب، وما هو بفاجر.

ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بكاذب، بل هو صادق فيما يخبر به.

وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، أي: ما هو بكاذب، وما هو بفاجر، وهو قريب من معنى متهم، فإن المقصود في الآية ليس متهم بالكذب على الله فيما أوحاه له.
ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بكاذب، بل هو صادق فيما يخبر به.

والقراءتان متواترتان فننزل القرائتين بمنزلة الآيتينن، وكل المعاني المذكورة فيهما محتملة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تتهمه العرب في الجاهلية بالكذب بل كان عندهم مصدق ومؤتمن فهو على الوحي كذلك، وما كان لنبي أن يكتم وحيا بعد أن أوحاه الله له وكلفه بتبليغه.

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

روى ابن جرير من طريق داود قال أنه قال: سألت أبا العالية، قال، قلت:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم"؟ قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم.

الأقوال في الآية:
1- عنى الله عز وجل بقوله:"إنّ الذين كفروا" ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا" بكفرهم بمحمد ="لن تقبل توبتهم"، عند حُضور الموت وحَشرجته بنفسه، وهو مروي عن الحسن وقتادة وعطاء الخرساني، وقال السدي نحوه (نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.)
قال ابن عطية: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
ولعل مقصدهم اليهود الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهم كفروا بعيسى عليه السلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم.

2- إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك، فهم يتوبون منها في كفرهم، وهو قول أبي العالية.
وهذا اختيار الطبري لأجل سياق الآيات، وهي عنده في اليهود، لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، ولأن الله تعالى يقبل التوبة من الكافر إذا تاب وآمن، فيلزم أن تكون التوبة هنا مع إقامتهم على الكفر، وقال أن التوبة تقبل من الكافر ولو كان قبل موته بطرفة عين فيمتنع تفسيرها بالتوبة عند الموت، ورد القول أن التوبة هي التوبة الأولى أنه لم يذكر في السياق كفرهم الأول.
قال ابن عطية: وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم، ويكون المقصد بايمانهم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال بن عباس أنها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون.

3 - إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم "ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، حتى هلكوا وهم عليه مقيمون ،"لن تقبل توبتهم"، لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم، لكفرهم الآخِر وموتهم عليه، وهو مروي عن عكرمة.

وعموم لفظ الآية يحتمل هذه الأقوال جميعا، فيمكن حمله على اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام ثم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن حمله على اليهود والنصارى الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بأنبيائهم، ويمكن حمله على المرتدين من قريش الذين كفروا بعد إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن حمل زيادة الكفر على معنى الزيادة في الذنوب أو على معنى الاستمرار على الكفر حتى الموت، وأيضا التوبة بمعنى الإيمان لن تقبل إذا أعقبها كفر أو إذا كانت التوبة عند الغرغرة أو إذا كانت التوبة من الذنوب مع الإقامة على الكفر.




3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).

رواه سفيان الثوري وعبد الرزاق والطبري عن سعد بن جبير.
وهو قول لابن عباس وقول سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك

أقوال اخرى في المسألة :
1- امرأة الرجل تكون إلى جنبه، وهو قول علي وعبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي وقول لابن عباس.
2- صاحبك الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك، وهو قول لابن عباس وقول ابن زيد.

ويمكن حمل الآية على هذه المعاني جميعا إذ (الصاحب بالجنب معناه الصاحب إلى الجنب، وهو من قولهم:"جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا"، إذا كان لجنبه، فيدخل في هذا المعنى: الرفيق في السفر، والمرأة، والصاحب الملازم رجاء نفع، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه، وأوصى الله تعالى بهم جميعا، لوجوب حق الصاحب على صاحبه، وروى ابن جرير بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى، خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره).


4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة)

وهو قول عبد الله بن عمر وابن عباس ومجاهد وقتادة وإبراهيم النخعي والحسن البصري والضحاك وعبد الرحمن بن أبي عمرة وعامر

الأقوال الأخرى:
وقيل أنه ذكر الله تعالى، وهو قول لإبراهيم النخعي ، ومنصور.
وقيل أنه عبادة الله، قاله الضحاك.
وقيل أنه تعلم القرآن غدوة وعشية، قاله أبو جعفر.
وقيل أن المراد بذكر الغداة والعشي الدوام، ذكره ابن عطية وقال: (كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا).

ومعنى الآية أن الله تعالى نهى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، والدعاء لله، يشمل ذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وفعلا بالصلاة وغيرها من العبادات.
لأن الله قد سمى العبادة دعاء، فقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
فلا تضاد بين هذه الأقوال والله أعلم.




5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

رواه بن وهب في تفسيره وسعيد بن منصور كما في الدر المنثور وابن جرير في تفسيره وأبو الشيخ كما في الدر المنثور من طريق فرقد السبخي عنه.

وهو قول شهر بن حوشب وإبراهيم النخعي وفرقد السبخي.

أقوال أخرى :
1- سوء الحساب ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم، قاله الزجاج وضعفه وضعف قول إبراهيم أيضا ولم يذكر غيرهما.
واستدل له بقوله تعالى :(الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم).
2- أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
واستدل لهذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب).
3- أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى، وهو يشبه القول السابق.
4- أن يكون المقصود بسوء الحساب ما أفضى إليه حسابهم من السوء وهو العقاب، قاله الماوردي.

وكل هذه المذكورات مما يشمله سوء الحساب الذي توعد الله به من لم يستجب له بالإيمان به، فإن الكافر يحبط عمله الصالح ولا يقبل منه يقول تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ولا تغفر له، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) ،ويناقش الحساب ويوبخ، قال تعالى :(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، ويقوده هذا للنار كما في الآيات نفسها : ( أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 رمضان 1441هـ/11-05-2020م, 01:41 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سها حطب مشاهدة المشاركة
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وفي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).

رواه ابن جرير في تفسيره ونقله السيوطي عن عبد الحميد من طريق عاصم عن زر بن حبيش
[نقول ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي.
والسيوطي لم يذكر إسناد عبد بن حميد، فليس لنا أن ننسب له نفس الإسناد.
وهذا الأثر رواه الفراء أيضا
صياغة التخريج: رواه الفراء في معاني القرآن وابن جرير في تفسيره من طريق عاصم عن زر به، ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي ]

الأقوال في المسألة :
في الآية قراءتان:
الأولى قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة (بِضَنِينٍ) بالضاد، وهو مروي عن ابن الزبير وأبي بن كعب وابن عباس وعكرمة وزر بين حبيش وجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وبن زيد والزهري
وأنشد أبو عبيدة :
أجودُ بمضنون التلاد وإنني ... بِسِرِّكِ عَمَّنْ سالني لَضَنينُ
وضنين بالضاد الساقطة هو البخيل الذي لا يعطي ما عنده مشتق من الضن بالضاد.
ومعنى الآية على هذا: وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل عليكم، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه.

رجح هذا القول ابن جرير وقال: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها.

القراءة الثانية قراءة بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين (بِظَنِينٍ) بالظاء، وهو ومروي عن أبي بن كعب وعبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وزر بن حبيش وإبراهيم النخعي والضحاك.
وروى عبد الرزاق عن ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: (وما هو على الغيب بظنين) "
وأنشد أبو عبيدة:
أمَا وكتاب الله لا عن شناءة ... هجرت ولكنَّ الظنين ظنين

و(ظنين) بالظاء المشالة هو فعيل بمعنى مفعول مشتق من الظن بمعنى التهمة، أي مظنون، ويراد إنه مظنون به سوء.
ومعنى الآية على هذا : وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بمتهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء .
رجح هذا القول أبو عبيد لسببين:
أحدهما: أن الكفار لم يُبخّلوه، وإنما اتهموه، فنفي التهمة أولى من نفي البخل.
والآخر: قوله: "على الغيب" ولو كان المراد بالبخل لقال: بالغيب.

وحكى الفراء والمبرّد أنه يقال: رجل ظنين أي ضعيف، وبئر ظنون إذا كانت ضعيفة الماء، قال الأعشى:
ما جعل الجد الظنون الذي ... جنّب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما ... يقذف بالبوصي والماهر
ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بضعيف، ولكنه محتمِل له مطيق.
وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، أي: ما هو بكاذب، وما هو بفاجر. [المصدر؟]

ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بكاذب، بل هو صادق فيما يخبر به.

وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، أي: ما هو بكاذب، وما هو بفاجر، وهو قريب من معنى متهم، فإن المقصود في الآية ليس متهم بالكذب على الله فيما أوحاه له.
ومعنى الآية على هذا: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب بكاذب، بل هو صادق فيما يخبر به.

والقراءتان متواترتان فننزل القرائتين [القراءتين] بمنزلة الآيتينن، وكل المعاني المذكورة فيهما محتملة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تتهمه العرب في الجاهلية بالكذب بل كان عندهم مصدق ومؤتمن فهو على الوحي كذلك، وما كان لنبي أن يكتم وحيا بعد أن أوحاه الله له وكلفه بتبليغه.
[أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
في مسائل القراءات نعتني ببعض الأمور:
أولا: تخريج القراءة يكون من كتب القراءات.
ثانيًا: من المصادر التي ينبغي إضافتها لمصادر بحثنا، كتب توجيه القراءات.
ثالثًا: لا يجوز الترجيح بين قراءتين متواترين، والمفسرون المتقدمون معذورون لأن التأليف في كتب القراءات لم يكن قد استقر، وربما لم يبلغهم تواتر القراءة.
وإذا ذكرتِ في بحثكِ ترجيحهم لأحد القراءتين على الأخرى، فينبغي بيان الردود عليهم، وراجعي في ذلك تفسير ابن عاشور، وشرح مقدمة التسهيل لابن جزي، للدكتور مساعد الطيار.
رابعًا: أحسنتِ بيان وجه الجمع بين القراءتين، وأن الآية بمجموع القراءات تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم كل تقصير في تبليغ الرسالة، وهكذا ينبغي عند الجمع بين الأقوال بيان وجه الجمع أو معنى الآية على القول بالجمع بين الأقوال عموما]

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

روى ابن جرير من طريق داود قال أنه قال: سألت أبا العالية، قال، قلت:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم"؟ قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم.
[للرواية مصادر أخرى، وإن كان هناك اختلاف في اللفظ لكنه يسير في أغلبه، ويحسن بيانه لأنه سيفيدكِ في التحرير بإذن الله]
الأقوال في الآية:
1- عنى الله عز وجل بقوله:"إنّ الذين كفروا" ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا" بكفرهم بمحمد ="لن تقبل توبتهم"، عند حُضور الموت وحَشرجته بنفسه، وهو مروي عن الحسن وقتادة وعطاء الخرساني، وقال السدي نحوه (نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.)
قال ابن عطية: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
ولعل مقصدهم اليهود الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهم كفروا بعيسى عليه السلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم.

2- إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك، فهم يتوبون منها في كفرهم، وهو قول أبي العالية.
وهذا اختيار الطبري لأجل سياق الآيات، وهي عنده في اليهود، لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، ولأن الله تعالى يقبل التوبة من الكافر إذا تاب وآمن، فيلزم أن تكون التوبة هنا مع إقامتهم على الكفر، وقال أن التوبة تقبل من الكافر ولو كان قبل موته بطرفة عين فيمتنع تفسيرها بالتوبة عند الموت، ورد القول أن التوبة هي التوبة الأولى أنه لم يذكر في السياق كفرهم الأول.
قال ابن عطية: وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم، ويكون المقصد بايمانهم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال بن عباس أنها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون.

3 - إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم "ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، حتى هلكوا وهم عليه مقيمون ،"لن تقبل توبتهم"، لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم، لكفرهم الآخِر وموتهم عليه، وهو مروي عن عكرمة.

وعموم لفظ الآية يحتمل هذه الأقوال جميعا، فيمكن حمله على اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام ثم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن حمله على اليهود والنصارى الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بأنبيائهم، ويمكن حمله على المرتدين من قريش الذين كفروا بعد إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن حمل زيادة الكفر على معنى الزيادة في الذنوب أو على معنى الاستمرار على الكفر حتى الموت، وأيضا التوبة بمعنى الإيمان لن تقبل إذا أعقبها كفر أو إذا كانت التوبة عند الغرغرة أو إذا كانت التوبة من الذنوب مع الإقامة على الكفر.

[حتى نحسن تحرير تفسير هذه الآية ينبغي التفريق بين عدة مسائل
الأولى: المراد بالذين كفروا
الثانية: المراد بالإيمان الأول.
الثالثة: معنى زيادة الكفر.
الرابعة: علة عدم قبول التوبة (وهي المسألة المراد بحثها هنا)، فهي محل الإشكال، لأنه معلوم أنه من المتقرر في الشريعة أن الله عز وجل يقبل توبة كل من تاب إليه، فلابد أن هناك علة هنا منعت قبول توبتهم.
]


3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).

رواه سفيان الثوري وعبد الرزاق والطبري عن سعد بن جبير. [طريق الأثر؟]
وهو قول لابن عباس وقول سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك

أقوال اخرى في المسألة :
1- امرأة الرجل تكون إلى جنبه، وهو قول علي وعبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي وقول لابن عباس.
2- صاحبك الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك، وهو قول لابن عباس وقول ابن زيد.

ويمكن حمل الآية على هذه المعاني جميعا إذ (الصاحب بالجنب معناه الصاحب إلى الجنب، وهو من قولهم:"جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا"، إذا كان لجنبه، فيدخل في هذا المعنى: الرفيق في السفر، والمرأة، والصاحب الملازم رجاء نفع، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه، وأوصى الله تعالى بهم جميعا، لوجوب حق الصاحب على صاحبه، وروى ابن جرير بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى، خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة)

وهو قول عبد الله بن عمر وابن عباس ومجاهد وقتادة وإبراهيم النخعي والحسن البصري والضحاك وعبد الرحمن بن أبي عمرة وعامر

الأقوال الأخرى:
وقيل أنه ذكر الله تعالى، وهو قول لإبراهيم النخعي ، ومنصور.
وقيل أنه عبادة الله، قاله الضحاك.
وقيل أنه تعلم القرآن غدوة وعشية، قاله أبو جعفر.
وقيل أن المراد بذكر الغداة والعشي الدوام، ذكره ابن عطية وقال: (كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا).

ومعنى الآية أن الله تعالى نهى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، والدعاء لله، يشمل ذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وفعلا بالصلاة وغيرها من العبادات.
لأن الله قد سمى العبادة دعاء، فقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
فلا تضاد بين هذه الأقوال والله أعلم.


[ينقصكِ تخريج قول سعيد بن المسيب!]

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

رواه بن وهب في تفسيره وسعيد بن منصور كما في الدر المنثور وابن جرير في تفسيره وأبو الشيخ كما في الدر المنثور من طريق فرقد السبخي عنه.
[تفسير سعيد بن منصور متوفر، فلا يصح النسبة هنا للدر المنثور بل ينبغي العودة للمصدر الأصلي.
والسيوطي إن لم يذكر طريق الأثر فلا ننسب إليه الطريق الموجود في بقية الكتب المسندة.
والتخريج عمومًا ينقصه مصادر أخرى، ومنها تجدين أن للرواية طرقًا أخرى]


وهو قول شهر بن حوشب وإبراهيم النخعي وفرقد السبخي.

أقوال أخرى :
1- سوء الحساب ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم، قاله الزجاج وضعفه وضعف قول إبراهيم أيضا ولم يذكر غيرهما. [أين ما يدل على أنه ضعفه هذا القول؟، إن كان قال به واستدل بقول الله تعالى في سورة محمد كما أوردتِ]
واستدل له بقوله تعالى :(الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم).
2- أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
واستدل لهذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب).
3- أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى، وهو يشبه القول السابق.
4- أن يكون المقصود بسوء الحساب ما أفضى إليه حسابهم من السوء وهو العقاب، قاله الماوردي.

وكل هذه المذكورات مما يشمله سوء الحساب الذي توعد الله به من لم يستجب له بالإيمان به، فإن الكافر يحبط عمله الصالح ولا يقبل منه يقول تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ولا تغفر له، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) ،ويناقش الحساب ويوبخ، قال تعالى :(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، ويقوده هذا للنار كما في الآيات نفسها : ( أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)
[ويحسن عند دراسة هذه المسألة أيضًا الانتباه إلى أن هذا التعبير ورد في آيتين من سورة الرعد، مرة لبيان عاقبة من أعرض عن الاستجابة لأمر الله، والآخر لبيان حال أولي الألباب الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. ودراسة سياق الآيتين يفتح لكِ أفقًا أخرى في بيان وجه الجمع بين الأقوال]


بارك الله فيكِ أختي الفاضلة.
اعتني بتخريج الأقوال فهو طلب رئيس في رأس السؤال، وللأسف أثر كثيرًا على درجتكِ.
التقويم: ج
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir