القارئ:
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعطى الناس بدعاويهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم , ولكن اليمين على المدعى عليه)) .
الشيخ :
أما حديث ابن عباس , يقول صلى الله عليه وسلم: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم , ولكن اليمين على المدعى عليه)) .هذه رواية الصحيحين . ورواية أهل السنن:((البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر)).
ويعتبر هذا الحديث من جوامع الكلم ؛ حيث أنه بين كيفية القضاء , كيف يقضي القاضي ؛ وذلك لأنه تكثر الدعاوي , فيوجد من يدعي وهو كاذب ظلما وبهتانا , فلو أعطي بدعواه لادَّعى أن هذا قتل أباه , يريد قتله ، أو أن هذا انتهب ماله ، أو أن هذا ظلمه ، أو أن هذا ضربه , وهو كاذب ؛ حتى يحصل على دية , يحصل على شفاء نفسه , فيكثر الظلم ، ويعطى من لا يستحق غير ما يستحق .
بيَّن عليه الصلاة والسلام بأن على المدعى عليه اليمين: ((اليمين على المدعى عليه)) . والمدعى عليه هو الذي إذا ترك سكت ، هو الذي يحب أنه يخلى سبيله , جاءه إنسان وقال: أنت يا هذا عندك لي حق , عندك لي دين ، أو ظلمتني ، أو أخذت مالي , أو اقتطعت أرضي ، أو سفكت دمي ، أو قطعت طرفي ، أو قتلت ابني ، أو هدمت جداري ، أو قلعت شجرتي ، أو اصطدمت في سيارتي ، أو نحو ذلك , فأنكر وقال: ليس هو أنا , ما فعلت شيئا من ذلك , ليس أنا الذي خصمك , وليس عندي لك حق . المدعي مطالب هوالمبتدئ , والمدعى عليه يريد الهروب ، ويريد السلامة , ينكر ذلك , ينكر أن يكون عنده شيء , يحب أن يترك ويخلى سبيله ، فلما كان جانبه أقوى ؛ لأن الأصل البراءة جعلت اليمين عليه , فإن اليمين في أقوى الجانبين , تكون مع من جانبه أقوى , فيقال له: إما أن تثبت ببينة وشاهدي عدل أن هذا ظلَمَكَ وأخذ حقك ، وإما أن يحلف خصمك وتبرأ منه .
وقد وقع ذلك أيضا في حديث الأشعث الكندي , الأشعث بن قيس لمَّا تخاصم هو ورجل من كندة في أرض فقال: إنه اعتدى على أرضي . فقال الكندي الآخر: إنها أرضي ورثتها من أبي . قال النبي صلى الله عليه وسلم للأشعث: ((ألك بينة)) ؟ قال:لا . قال: ((فلك يمينه)) . فقال: إذن يحلف ويأخذ أرضي . وفي رواية قال: إنه رجل فاجر لا يبالي بالكذب . فقال: ((ليس لك إلا يمينه)) .
ثم إنه عليه السلام أخبر بشدة عذاب من حلف كاذبا فقال: ((من حلف كاذبا)) ..أو ((من اقتطع مالا بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)) أو ((بيمين هو فيها كاذب)) . فقالوا: نزلت في ذلك الآية الكريمة في سورة: آل عمران: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} {بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} يعني حظا دنيويا عاجلا {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} . انظروا كيف توعد الله من حلف وهو كاذب . فعلى هذا الشاهد لابد أن يتثبت في شهادته ، والحالف لابد أن يتثبت في حلفه ؛ مخافة أن يأخذ بيمينه مالا يحل له , ومخافة أن تنزل به العقوبة إذا حلف وهو كاذب , وبالأخص إذا حلف على أمر ماض وهو يعلم أنه كاذب فيه ، وتسمى اليمين الغموس , فإنه يوشك أن يعاقبه الله عاجلا .
ورد في بعض الآثار أن اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع ، يعني: يسلط الله على الكاذبين إذا حلفوا وهم كاذبون ، يسلط الله عليهم الآفات والمصائب والموت . ذكر ابن عباس أن رجلا من قريش في الجاهليه قتله رجل من العرب , فطلبوا ديته , فقالوا: ما قتلناه . فقال: يحلف منكم خمسون . أحد الخمسين دفع ناقتين وقال: أعفوني من اليمين ، والثاني من الخمسين أعفوه ؛ لأنه صهر لقريش ، وثمانية وأربعون حلفوا على أننا ما قتلناه , فما دارت السنة وفيهم عين تطرف , هكذا في صحيح البخاري عن ابن عباس , فلذلك يتوقى من الحلف كاذبا كما يتوقى من الشهادة كاذبا .