أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الحميري اليماني
نتناول في رسالتنا هذه سيرة الإمام المفسر كبير رواة التابعين , الإمام العابد الزاهد الفقيه القدوة عالم اليمن , أبو عبدالرحمن طاوس بن كيسان الحميري اليماني , والذي يعد من خواص أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما.
مولده ونسبه :
ولد طاوس ونشأ باليمن , وأصله من فارس لا من العرب , وهذا هو المشهور عنه .
قال الذهبي: (كان من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى إلى اليمن، من موالي بحير بن ريسان الحميري، وقيل: هو مولى لهمدان).
وقال أبو نعيم وغيره: (هو مولى لهمدان) , فولاؤه ولاء حلف لا ولاء رق.
والطاووس طائر معروف , حسن الشكل , طويل العنق , بفقيل إن طاوس لقبه وأن اسمه ذكوان بن كيسان , وإنما لقب بطاووس لهيبته ولعلو فقهه , ولأنه كان طاوس القراء , لكن المشهور هو أن طاوس هو اسمه لا لقبه.
قال الذهبي- رحمه الله-في تاريخ مولده :( أراه ولد في دولة عثمان رضي الله عنه، أو قبل ذلك) , وقال الزركلي أن طاووسا ولد سنة ثلاث وثلاثين للهجرة، وتوفي سنة مئة وست للهجرة.
أمه كانت من أبناء فارس، وأبوه من النمر بن قاسط مولى بحير الحميري.
وقال هشام بن يوسف: أخبرني ابن عبد الله بن طاووس أنه قال: (نحن من فارس، ليس لأحد علينا عقد ولاء، إلا أن كيسان نكح امرأة لآل الحميري، فهي أم طاووس). رواه البخاري في التاريخ الكبير
قال البخاري: (قيل لعبد الرزاق: ولد طاووس يدعون أنهم من الأبناء، فعجب من ذلك، وقال: لا، هم موالي هَمْدان).
علمه :
كان -رحمه الله تعالى- عالما فقيها من الأئمة العدول الثقات الحفاظ المثبتين , فقد قال حبيب بن أبي ثابت: قال لي طاووس: (إذا حدثتك الحديث فأثبتّه لك فلا تسألنَّ عنه أحدا). رواه ابن سعد وأحمد في العلل ، وأبو نعيم في الحلية.
وقد أخذ علمه عن الصحابة رضوان الله عليهم , حيث أدرك خمسين صحابيا , فقد جاء في تهذيب الكمال للمزي في ترجمة طاوس , عن عبد الملك بن ميسرة أنه سمع طاووس يقول (أدركت خمسين من أصحاب رسول اللَّهِ).
فسمع من زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وزيد بن أرقم ، وابن عباس ، ولازم ابن عباس مدة ، بل هو معدود من كبراء أصحاب ابن عباس , فأكثر من رواية الحديث والتفسير عنه، حتى عد حقا من أكثر تلامذة ابن عباس حفظًا للمأثور عنه .
قال سفيان بن عيينة: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد، مع من كنت تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء والعامة، وكان طاووس يدخل مع الخاصة). رواه الإمام أحمد في العلل وأبو نعيم في الحلية.
وروى أيضا عن جابر ، وسراقة بن مالك ، وصفوان بن أمية ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعن زياد الأعجم ، وحجر المدري ، وطائفة . وروى عن معاذ مرسلا .
وبعلمه ساد-رحمه الله- أهل اليمن , فعن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قال: قلت: من مكة قال: ومن خلفت يسودها وأهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي قال: فبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية قال: إن الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا، قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاوس بن كيسان قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالى قال: فبم سادهم؟ قلت: بما ساد به عطاء.
توثيق الأئمة الحفاظ له:
فقال عنه الزهري : (حدثني طاووس ولو رأيت طاووسا علمت أنه لا يكذب) . رواه عنه معمر . رواه أحمد في العلل ، وابن أبي خيثمة في تاريخه، وأبو نعيم في الحلية.
وقال ابن المديني: (ليس عندي من أصحاب عبد الله أجل من سعيد وجابر وعكرمة وعطاء وطاووس ومجاهد، وكان ابن عيينة يقدم طاووسا على هؤلاء، والثوري يقدم سعيدا). ذكره مغلطاي في إكمال التهذيب.
وكان الإمام أحمد يقول -كما نقله عنه ابنه عبدالله-:(هؤلاء أصحاب ابن عباس طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وجابر بن زيد وعكرمة آخر هؤلاء).
قال ابن معين وأبو زرعة : طاوس ثقة .(سير أعلام النبلاء للذهبي ).
مكانته :
كانت له منزلة عظيمة في زمانه , وأثنى عليه الكثير من العلماء لدينه وعلمه وخلقه , ولا ريب أن من أخذ العلم عن أصحاب النبي-عليه الصلاة والسلام- والتزم العمل بما علم ; يستحق بحق ما قيل فيه من ثناء ومدح .
فقد جاء في تهذيب الكمال للمزي قول عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قوله: (إني لأظن طاووسًا من أهل الجنة) .
وقال قيس بن سعد، قال: (كان طاوس فينا مثل ابن سيرين فيكم). رواه عنه سعيد بن أبي صدقة، رواه ابن سعد وابن أبي خيثمة.
وقال ابن حبان: (كان من عُبّاد أهل اليمن ومن سادات التابعين مستجاب الدعوة). تهذيب الكمال للمزي.
وقال حبيب بن أبي ثابت: «اجتمع عندي خمسة، لا يجتمع عندي مثلهم أبدًا عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: (هؤلاء أصحاب ابن عباس طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وجابر بن زيد وعكرمة آخر هؤلاء).
قال حنظلة بن أبي سفيان: ما رأيت عالمًا قط يقول: لا أدري، أكثرَ مِن طاوس؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي).
دينه وزهده :
كان-رحمه الله-عابدا زاهدا , عرف عنه الإعراض عن الدنيا والزهد فيها , وكذلك كان زاهدا بما في أيدي الناس امتثالا لكلام النبي-عليه الصلاة والسلام- كما جاء عند ابن ماجة بإسناد حسن من حديث سهل بن سعد الساعدي , حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
وقد حصل له هذا , فأقبل الناس عليه وأحبوه ورغبوا بما عنده من علم , وقد خصه الإمام أحمد بفصل في كتاب الزهد , لما علم عنه من الزهد والعبادة.
وقد قال حماد بن زيد: كنا عند عمرو بن دينار، ومعنا أيوب فذكر عمرو طاووسا فقال: (ما رأيت من الناس أحدا أعف عما في أيدي الناس من طاووس). رواه ابن أبي خيثمة.
وكان مع هذا من خير الدعاة وأحرصهم على نصيحة الناس , وأخلصهم في هذا , كما عرف عنه نصحه للولاة والأمراء دون أن يمنعه من هذا لومة لائم , مع كونه كان يجتنب مجالسهم , ويرفض عطاياهم ورعا وزهد وتعففا :
قال سفيان بن عينية: (مجتنبو السلطان ثلاثة: أبو ذر في زمانه، وطاووس في زمانه، والثوري في زمانه) ذكره مغلطاي في إكمال التهذيب.
وقال أيضا : (كان عمر بن عبد العزيز يقول لطاووس: هات أرفع حاجتك إلى أمير المؤمنين؛ فيقول: مالي إليه حاجة). رواه الإمام أحمد في الزهد وابن أبي خيثمة في تاريخه.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاوس، لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاوس: إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير فقال عمر: كفى بها موعظة.
وقال عمر بن شبة: حدثنا أبو عاصم، قال: زعم لي سفيان قال: جاء ابنٌ لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاووس فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه، قال: «أردت أن يعلم أن لله عباداً يزهدون فيما في يديه» رواه أبو نعيم في الحلية.
وروى عبد الرزاق ، عن أبيه قال : كان طاوس يصلي في غداة باردة مغيمة ، فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج ، أو أيوب بن يحيى في موكبه ، وهو ساجد ، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع فطرح عليه ، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته ، فلما سلم ، نظر فإذا الساج عليه ، فانتفض ولم ينظر إليه ، ومضى إلى منزله .
وكان-رحمه الله- من العباد , ورويت عنه الكثير من الآثار التي وصفت عبادته وخشيته وقنوته لله , وهو مع هذا كان يخفيها متمثلا قوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} مقتديا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- واصحابه رضوان الله عليهم , حتى قال عنه خارجة بن مصعب: (كان طاووس يتقنَّع فإذا كان الليل حسر). رواه ابن سعد, وقال عنه سلمة بن كهيل: (ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله إلا عطاء وطاوس ومجاهد).
وقال مجاهد مرة لطاوس: (رأيتك يا أبا عبد الرحمن تصلي في الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك: اكشف قناعك وبين قراءتك ) , فقال له طاووس : (اسكت لا يسمع هذا منك أحد).
وهذا من حرصه-رحمه الله- على سلامة قلبه من العجب والرياء , فكم من عالم فسد علمه لما دخلت هذه الآفات قلبه , فحرم هو من العلم وحُرم الناس منه.
ومن هذا أيضا ما ما رواه عبد الله بن أبي صالح المكي, حيث قال : (دخل علي طاووس يعودني؛ فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ادع الله لي)، فقال: (ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه). رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان.
عبادته وخشيته :
وكان -رحمه الله- معدودا من العباد , فكان كثير الصلاة , كثير الحج , كثير الدعاء , قال ابن شوذب عنه: (حج طاووس أربعين حجة). صفوة الصفوة .
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي: (رأيت طاووسًا وبين عينيه أثر السجود) الطبقات الكبرى لابن سعد.
ورُوي عنه أنه كان يفترش فراشه ثم يضطجع، فيتقلب فيه، ثم يثب فيجمع الفراش، ويصليّ حتى الصباح، ويقول: (طَيَّر ذكرُ جهنم نوم العابدين) .التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا.
وقال ابن أبي رواد: (كان طاووس وأصحاب له إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ولم يكلموا أحدا وابتهلوا في الدعاء). رواه الإمام أحمد في الزهد.
وقال محمد بن يزيد الكوفي: حدثنا ابن يمان، عن مسعر، عن رجل قال: أتى طاووس رجلاً في السحر، فقالوا: هو نائم، فقال: «ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر» رواه الإمام أحمد في الزهد.
وقال عبد الله بن طاوس: كان أبي إذا سار إلى مكة سار شهرا، وإذا رجع رجع في شهر، فقلت له في ذلك، فقال: بلغني أن الرجل إذا خرج في طاعة لا يزال في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله). البداية والنهاية.
ومن خشيته-رحمه الله- وتذكره الدائم للموت وللآخرة : أنه إذا مر بالأماكن التي تشوى بها الرؤوس هاله ما يرى , وقد يغشى عليه من شدة الهلع , ومن كانت هذه حاله فلا عجب أن وصل إلى ما وصل إليه من الزهد في الدنيا وحصول العمل النافع له لاتباعه العلم بالعمل.
فقد قال الحسن بن أبي الحصين العنبري: (مر طاوس برواس قد أخرج رأسا فغشي عليه) رواه أبو نعيم في الحلية.
مرضه ووفاته :
كان مرضه في الحجة الأربعين له , وهو-رحمه الله- لم يترك صلاته وعبادته حتى في وقت مرض موته ، قال ليث بن أبي سليم: (رأيت طاووساً في مرضه الذي مات فيه يصلي على فراشه قائماً ويسجد عليه). رواه ابن سعد.
وقد فاضت روحه إلى بارئها في مزدلفة، وقيل يوم التروية ، ولقي ربه محرما ملبيا , قال الذهبي : لا ريب في وفاة طاوس في عام ستة ومائة ، فأما قول الهيثم : مات سنة بضع عشرة ومائة فشاذ .
وقد شهد جنازته خلق كثير حتى اختلط الناس فيها من شدة الزحام , حتى قال عبد الرزاق: قال أبي: (فلقد رأيت عبد الله بن الحسن واضعاً السرير على كاهله) , وقال : (فلقد سقطت قلنسوة كانت عليه، ومُزّق رداؤه من خلفه). رواه أبو نعيم في الحلية.
وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك , وكان قد حج تلك السنة , قال ابن حبان: (مرض بمنى ومات بمكة سنة إحدى ومائة وصلى عليه هشام بن عبد الملك بن مروان بين الركن والمقام).
وكان له يوم مات بضع وتسعون سنة , قال زيد بن حباب: قال إبراهيم بن نافع: (هلك طاوس في سنة ست ومائة). رواه الإمام أحمد في العلل.
رحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه وأسنكنه الجنة.
تلاميذه :
روى عنه خلق كثير ممن لازمه ونقل علمه :
فمن الثقات : ابنه عبد الله ، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت، وسليمان التيمي، وعبد الملك بن ميسرة الهلالي، وإبراهيم بن ميسرة الطائفي، وعبد الله ابن أبي نجيح، وابن شهاب الزهري، وعبد الملك بن جريج، وحنظلة بن أبي سفيان، وسليمان بن أبي مسلم الأحول، وعبد الكريم بن مالك الجزري، والحسن بن مسلم بن يناق، ومنصور بن المعتمر.
وروى عنه ممن دونهم في المرتبة : أبي الزبير المكي، وعطاء بن السائب، وسليمان بن موسى الدمشقي، وأسامة بن زيد الليثي، وقيس بن سعد، وعكرمة بن عمار، وهشام بن حجير.
ومن الضعفاء: ليث بن أبي سليم، وعبد الكريم بن أبي المخارق، وأبان بن أبي عياش.
قال الذهبي : روى عنه عطاء ، ومجاهد ، وجماعة من أقرانه ، وابنه عبد الله ، والحسن بن مسلم ، وابن شهاب ، وإبراهيم بن ميسرة ، وأبو الزبير المكي ، وسليمان التيمي ، وسليمان بن موسى الدمشقي ، وقيس بن سعد المكي ، وعكرمة بن عمار ، وأسامة بن زيد الليثي ، وعبد الملك بن ميسرة ، وعمرو بن دينار ، وعبد الله بن أبي نجيح ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وخلق سواهم . وحديثه في دواوين من الإسلام ، وهو حجة باتفاق .
من الأقوال المأثورة عنه :
كما أسلفنا : كان رحمه الله- نصوحا للخلق عامة دون النظر إلى مرتبتهم , فقد حلف إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة فقال: ( وربّ هذه البَنيَّة ما رأيت أحدا الشريف والوضيع عنده بمنزلة إلا طاووسا). رواه عنه سفيان بن عيينة. رواه أبو نعيم في الحلية.
فحري بوصاياه أن تُعلّم وتمتثل , ونحن نذكر هنا بعض ما أُثِر عنه من وصايا :
فكان مما أوصى به ابنه عبد الله، قال: (يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن خلقه). رواه أبو نعيم في الحلية.
وقال رحمه الله: إن أكيسَ الكَيْسِ التُّقى، وأعجزَ العَجْز الفجورُ، وإذا تزوج أحدكم فليتزوج من معدنٍ صالحٍ، وإذا اطلعتم من رجلٍ على عمل فَجْرةٍ، فاحذروه؛ فإن لها أخواتٍ؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم
وقال : "البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشح أن يحبَّ الإنسان أن يكون له ما في أيدي الناس بالحرام، لا يقنع"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس قال: (من تكن الدنيا هي نيته وأكبر همه يجعل الله فقره بين عينيه، وتفشَّى عليه ضيعته، ومن تكن الآخرة هي نيته وأكبر همه يجعل الله غناه في نفسه، ويجمع عليه ضيعته) رواه ابن المبارك في الزهد.
قال إبراهيم بن ميسرة: «قال لي طاووس: (لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور). تهذيب الكمال للمزي.
من مروياته في التفسير :
نذكر ختاما بعض ما روي عنه في التفسير , رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عما نقله من تفسير كتاب الله خير الجزاء.
فقد نقل-رحمه الله- عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن آخر آية نزلت من كتاب الله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. (البداية والنهاية لابن كثير ).
قال طاوس في قوله تعالى :{غير أولى الإرية} : (الأحمق لا حاجة له في النساء). رواه البخاري معلقا .
وقال في قوله تعالى:{ خلق الإنسان ضعيفا } أي : (في أمر النساء). رواه ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن ابن طاووس.
روى ابن جريج، عن طاووس، في قول الله جل وعز: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: (اليسير من كل شيء). رواه ابن جرير.
وقال طاووس : سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله : { فلا رفث ولا فسوق } قال : هو التعريض بذكر الجماع ، وهي"العرابة" من كلام العرب ، وهو أدنى الرفث . رواه ابنه عنه ز رواه ابن جرير.
قال معمر بن راشد: أخبرنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لم أر شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود وابن جرير.
الفوائد المستفادة من سيرة هذا التابعي الجليل :
نذكر هنا بعض الفوائد المستفادة من دراسة سيرة هذا العالم الجليل , والإمام الفقيه , وإلا فالفوائد الحقيقة وأثرها على القلوب لا تعد ولا تحصى:
- أهمية معرفة سير الصحابة والتابعين , وسير العلماء الصالحين , لما يجد العبد فيهم من قدوات يقتدى بها في أعمال الدنيا والدين.
- حب أهل العلم لما نقلوه لنا من الدين كما أخذوه من مصادره الصلية
- الحرص على طلب العلم والتفقه في الدين , فهذا مما لا غنى للعبد الذي يريد النجاة عنه.
- الحرص على الإخلاص في القول والعمل , وتحقيق النية الخالصة في طلب العلم , فيطلب لإرادة وجه الله حتى يكون علما مباركا على صاحبه وعلى من حوله.
- القرآن والعلم يرفع درجة العبد ولو كان من الموالي , كما قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
- الحرص على صحبة الصالحين وصحبة أهل العلم , ففيها من تحقيق المصالح الدنيوية والأخرية ما لا يعد ولا يحصى.
- الزهد في الدنيا وقطع تعلق القلب بها , فلا يجتمع في القلب إرادة الدنيا والانتفاع بالعلم .
- الزهد بما في أيدي الناس , وعدم مداهنتهم ليحصل للعبد كمال الغنى عنهم , وهذا من اتباع ما وصى به النبي عليه الصلاة والسلام.
- إتباع العلم بالعمل حتى يكون علما نافعا يرضاه الله سبحانه.
- دوام تذكر الموت وتذكر الدار الاخرة لتحصل رقة القلب به , والإقبال على العمل , كما قال تعالى مادحا إبراهيم عليه السلام:{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}.
- عدم التعرض للفتن التي قد تؤدي بصاحبها إلى مرض قلبه وتلفه , فيخفي العبد أعماله ما أمكنه ذلك رجاء قبولها من الله ولو لم يعلم الناس بها.
- استغلال الأوقات الفاضلة وعدم تضييعها بما لا ينفع.
- العلم أن من عاش على شيئ مات عليه , فلينظر العبد إلى عمله حال صحته وفراغه , فإن وجد فيه تقصير فليعمل على سد الخلل وإحسان العمل.
- الحرص على إسداء النصيحة للخلق بجميع طبقاتهم , وعدم الخوف في الله لومة لائم , تطبيقا للسنة , إبراء للذمة , ونفعا للخلق.