دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > برنامج الإعداد العلمي العام > منتدى الإعداد العلمي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 29 ذو القعدة 1432هـ/26-10-2011م, 11:26 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (5)


"وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين _أي قبل إسلامه_: كم إلـها تعبد؟ قال: سبعة؛ ستة في الأرض وواحدا في السماء" أي أنه حال الشرك الذي كان عليه, كان يعبد سبعة آلـهة, ستة في الأرض أصنام وأحجار كان يعبدها, وواحدا في السماء أي الله سبحانه وتعالى, وهذا هو الشرك: عبادة الله واتخاذ الأنداد معه والشركاء, يحبّونهم كحب الله, ويدعونهم كما يدعون الله, ويذبحون لهم كما يذبحون لله, ويتقرّبون إليهم كما يتقرّبون إلى الله عزوجل.
والشرك هو تسوية غير الله بالله سبحانه وتعالى في حقوقه, فهو كان يعبد سبعة آلـهة, يعبد الله الذي في السماء ويعبد ستة آلـهة في الأرض.
"قال: من لرغبتك ورهبتك؟" يعني من هؤلاء السبعة, من لرغبتك ورهبتك, إذا كنت في شدّة أو في رغبة عظيمة لأمر أو ضائقة, من الذي تلجأ إليه في الشدّة وفي الرغبة العظيمة, من مِن هؤلاء الذي تلجأ إليه؟.
الله سبحانه قال عن المشركين "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين" ففي الشدّة لا يلجئون إلا إلى الله, ولهذا لمّا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: من لرغبتك ورهبتك, أي في حال الشدائد والكربات والضائقات والضنك إلى من تلجأ,
"قال: الذي في السماء" في الشدّة لا ألجأ إلا إلى الذي في السماء, فقال عليه الصلاة والسلام:
"قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء" إذا كنت لا تلجأ في شدّتك إلا إليه فاترك هذه الستّة التي لا تنفعك, ولا تفيدك لا في شدّة ولا في رخاء, واعبد الذي في السماء, "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءلـه مع الله قليلا ما تذكرون".
"وأنا أعلمك دعوتين. فأسلم وعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم ألهمني رشدي, وقني شرّ نفسي)" وهذه دعوة عظيمة جمعت الخير كلّه, فمن ألهمه الله تعالى رشده وهداه لذلك ووفّقه وأعانه ووقاه شرّ نفسه, فاز بالخير كلّه.
لأنّ انحراف من ينحرف راجع إلى إمّا:1- أنه لم يلهم الرشد فلم يعرفه, 2- أو أنه عرف الحق وغلبته نفسه على ترك الحق وعدم قبوله أو الإقبال عليه.
فإذا أكرم الله عبده ألهمه رشد نفسه ووقاه من شرّ نفسه, ففاز بالخير وسلم بإذن الله تبارك وتعالى من الشرّ والانحراف, مثله في الدعاء الآخر"اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرّشد",فإذا ألهم الله سبحانه وتعالى عبده إلى الرشد وأعانه على القيام به ووقاه شرّ نفسه فإنّه يفوز بالفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
"وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في الكتب المتقدّمة أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلـههم في السماء" وهذا ذكره المصنّف ابن قدامة رحمه الله مسندا في كتابه العلو بإسناد ضعيف, لكن المعنى من حيث هو حق, لأن النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة يسجدون على الأرض ويعتقدون أن إلـههم في السماء, وهذه العقيدة وهذا السجود ليس مختصّا بالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه, بل جميع الأنبياء هذا شأنهم, وجميع أتباع الأنبياء هذا شأنهم, يسجدون للّه بوضع جباههم على الأرض ويعتقدون ويقرّون بأن الله في السماء.
ولمّا قرّر موسى عليه السلام هذه العقيدة وذكر أنّ ربّه سبحانه الذي يدعو الناس إلى عبادته في السماء "قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطّلع إلى إلـه موسى" لأن موسى كان يقول الله في السماء, فأراد فرعون أن يبني صرحا ويشيّد بناء عاليا بزعمه ليصعد عليه, وينظر هل هذا الذي يقوله موسى حق أو ليس بحق, ولهذا قال بعض أهل العلم, وأظن ابن قدامة نقل ذلك في العلو, أو الذهبي, قالوا: من أنكر العلو فهو فرعوني _أي على عقيدة فرعون_, ومن أثبت العلو فهو على عقيدة موسى, وعلى عقيدة جميع الأنبياء.
لأن الأنبياء كلّهم يثبتون علو الله سبحانه وتعالى على خلقه, والعقيدة عند الأنبياء قاطبة من أوّلهم إلى آخرهم واحدة, والعقيدة لا يدخلها نسخ, النسخ إنّما يدخل على الأحكام, أمّا العقيدة عند الأنبياء واحدة,الأنبياء كلّهم يثبتون هذه الصفات لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بجلاله وكماله, وهذا هو معنى قول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح "نحن الأنبياء أبناء علات, ديننا واحد وأمّهاتنا شتّى" ديننا واحد أي عقيدتنا واحدة, فالعقيدة واحدة لدى جميع الأنبياء من أوّلهم إلى آخرهم, والاختلاف إنّما يكون في الشرائع كما قال سبحانه "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
"وروى أبوداود في سننه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:( إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا كذا ..) وذكر الخبر إلى قوله:( وفوق ذلك العرش, والله سبحانه فوق ذلك) " وهذا الحديث أهل العلم من تكلّم في إسناده, وعلى كلّ ما ثبت في الحديث من قوله: وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق العرش, هذا ثابت في القرآن وثابت في أحاديث كثيرة عن الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم, ولمّا أنهى رحمه الله ذكر هذه الأدلّة التي فيها إثبات العلو, قال:
"فهذا وما أشبهه ممّا أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله, ولم يتعرضوا لردّه ولا تأويله, ولا تشبيهه ولا تمثيله" محذّرا رحمه الله كما سبق من هذه الأمور التي وقع فيها من وقع من أهل الباطل.
ثم ختم رحمه الله بنقل هذا الأثر عن الإمام مالك بن أنس أنه قيل له:
"سئل مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبدالله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى" فانتبه هنا, السائل يدرك أن هذا ثابت في القرآن وتلا الآية "الرحمن على العرش استوى" وسؤاله محدد, وهو كيفية الاستواء, فأجابه مالك رحمه الله بقوله,
"فقال: الاستواء غير مجهول" وفي بعض الروايات الاستواء معلوم, فمعنى قوله معلوم, وفي هذه الرواية غير مجهول, المراد أي معلوم المعنى, معناه معلوم واضح في لغة العرب, استوى أي علا وارتفع, فالمعنى واضح, هذا مراد مالك رحمه الله من قوله الاستواء معلوم أي معناه معلوم لا يخفى, وليس مراد مالك رحمه الله ما يدّعيه بعض المعطّلة أن مراده بالاستواء معلوم, أي معلوم الورود في القرآن, هذا كلام ليس له فائدة, لأن الرجل تلا الآية قال "الرحمن على العرش استوى" ويعرف أن الآية موجودة في القرآن وتلاها, لكنه يسأل عن الكيفية, فلا يليق بمالك أن يتلو عليه الرجل الآية ويقول الاستواء معلوم, أي معلوم أن الاستواء في القرآن قد ذكر, هذا لا يليق بمالك رحمه الله أن يكون مراده بكلامه.
فقوله "الاستواء معلوم" أي معلوم المعنى, وقوله في الرواية التي ذكرها المصنّف "الاستواء غير مجهول" أي غير مجهول المعنى.
وهذا الأثر رواه عن مالك عشرة أو أكثر من تلاميذه, وجل الروايات عنه رحمه الله بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف "الاستواء غير مجهول" ورواية "الاستواء معلوم" جاءت من طريق واحد وكلها بمعنى واحد سواء قيل الاستواء غير مجهول أو قيل الاستواء معلوم, كلاهما بمعنى واحد, ولكن الأكثر رواية لهذا الأثر عن مالك رحمه الله بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله.
"فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" وفي اللفظ الآخر قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وقوله:الكيف مجهول،هو بمعنى ما جاء في هذه الرواية"والكيف غير معقول" أي لا نعقل الكيفية، الكيفية لا نعقلها، لماذا؟
لأنّا أخبرنا بالاستواء في القرآن والسنة ولم نُخبر بكيفية الاستواء، فلا نعقل الكيفية.
وكيفية الشيء تعرف:1-إما برؤيته، وفي الحديث"اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"
2- أو برؤية مثيله، والله سبحانه لا مثيل له "ليس كمثله شيء"
3- أو بالخبر الصادق، والنصوص أُخبرنا فيها بالصفات و لم نخبر فيها بكيفية الصفات، ولهذا فإثباتنا للصفات إثبات وجودٍ لا إثبات تكييف، لا نعلم كيفية صفات الله سبحانه بل نجهل ذلك، ولهذا قال الكيف مجهول،أي نجهل ذلك، ولم يقل الكيف معدوم ، لأن صفات الله لها كيفية الله أعلم بها، لكننا نجهلها، ولهذا فإن قول السلف"بلا تكييف" "بلا كيف" "أمروها كما جاءت بلا كيف" المراد به بلا تكييف.
"والإيمان به واجب" أي الإيمان بالاستواء واجب لأنها صفة ثابتة في القرآن والسنة فيجب أن نؤمن بهذه الصفة.
"والسؤال عنه بدعة" السؤال عن كيفية الاستواء هذا من الأمور المحدثة ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم عندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات مثل النزول وغيره، لم ينقل إطلاقا أن واحدا من الصحابة قال للنبي صلى الله عليه وسلم :كيف؟
مثل حديث النزول سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم ما يقارب الثلاثين صحابياً لم يقل واحدا منهم ، كيف نزل!
والضحك لمّا سمع أبو رزين النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الضحك، ما قال كيف يضحك، قال : أو يضحك ربنا. قال: نعم. قال: ما عدمنا الخير من رب يضحك.
فلا يعرف إطلاقا عن أحد من الصحابة ومن اتبعهم بإحسان السؤال عن الكيف, ولهذا يعتبر هذا الأمر منكر أشد النكارة أن يسأل سائل عن كيفية صفات الله.
ولهذا جاء أن مالك رحمه الله لما قرأ الرجل الآية وقال: كيف استوى، غضب رحمه الله حتى علاه الروحضاء- يعني أخذ يتصبب من العرق- لأن هذا منكر، غاية النكارة، فغضب رحمه الله واشتد غضبه وعلاه الروحضاء- أي تصبب عرقاً- ولما قال له هذا الجواب أمر به أن يخرج .
"ثم أمر بالرجل فأخرج" قال: أخرجوه عني، لأن هذا كلامُ أهل البدع والأهواء، "ماأراك إلا صاحب سوء أو صاحب بدعة"، ثم أمر به أن يخرج من المكان.
وهنا ندرك الفرق بين أئمة السلف في غيرتهم على الدين ونصحهم وبين من سواهم، كثير من الناس إذا أخطئ في حقه غضب حتى علاه الروحضاء، وإذا أخطئ بين يديه في صفة من صفات الله كأن الأمر لا يعنيه, فرق بين أئمة الدين وعلماء السلف وبين غيرهم, فأخذ يتصبب عرقا رحمه الله وغضب غضبا شديدا وأمر بالرجل أن يخرج من مجلسه, وذكر هذه الكلمة التي مضت قاعدة عظيمة متينة في هذا الباب, استحسنها الأئمّة واستجودوها وتلقّوها بالقبول, وأصبحت قاعدة تطبّق في جميع الصفات, فأي صفة من الصفات يبحث إنسان عن كيفيّتها, يجاب بجواب مالك, ولهذا يمكن أن نخرج بقاعدة وتأصيل جامع في الصفات مستفاد من كلمة مالك هذه بأن نقول: الصفات معلومة -أي معلومة المعاني- وكيفيّاتها مجهولة والإيمان بها واجب والسؤال عن كيفيتها بدعة,هذه قاعدة تطبّق في جميع الصفات مستفادة من هذه الكلمة العظيمة المنقولة عن الإمام مالك رحمه الله تعالى وغفر له ولجميع علماء المسلمين, وألحقنا وإيّاكم بالصّالحين من عباده ووفقنا جميعا لكل خير, وألهمنا جميعا رشد أنفسنا ووقانا شر أنفسنا وأصلح لنا شأننا كلّه إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء, وهو حسبنا ونعم الوكيل والله تعالى أعلم, والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

  #27  
قديم 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م, 05:58 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس (6)



إن الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ,

1- يقول السائل : كيف نفى شيخ الإسلام ابن تيمية صفة النفس عن الله تعالى؟

الجواب : شيخ الإسلام ابن تيمية بيّن أن الآيات التي فيها ذكر النفس ليست فيها إثبات صفة مستقلة ، يقال لها صفة النفس مثل ما يقال صفة الاستواء أو صفة اليد أوصفة الغضب أو صفة الرضا ، هذه صفات ، والنفس التي جاءت مضافة في النصوص إلى الله سبحانه وتعالى المراد بها الله نفسه الموصوف بالصفات ، ليست صفة قائمة بالله مثل الغضب أو الرضا أو اليد أو نحو ذلك ، وإنما المراد بالنفس أي الله ، هو الله جلّ وعلا ، فالمراد بقوله :" ولا أعلم ما في نفسك" أي لا أعلم ما في الله نفسه جلّ وعلا ، الموصوف بصفات الكمال ونعوت العظمة والجلال ، لا أن النفس صفة مستقلة كالغضب والرضا والمحبّة ونحوها من الصفات ، وابن تيمية بيّن هذا في مواضع من كتبه .

2- يقول السائل : إذا كانت الإضافة تقتضي الاختصاص فما معنى قوله "ناقة الله" وقوله " روح منه"؟

الجواب : المضافات إلى الله تعالى على نوعين : أعيان وأوصاف ، فالأعيان إذا أضيفت إلى الله سبحانه وتعالى كما في الأمثلة التي ساقها السائل ، كناقة الله ، وبيت الله ، وعبد الله ، وأمة الله هذه أعيان مضافة إلى الله سبحانه وتعالى ، فإضافتها إليه ، إضافة خلق و إيجاد ، و الأوصاف إذا أضيفت إلى الله مثل سمع الله ، وبصر الله ، وعلم الله ورحمة الله ونحو ذلك ، هذه إضافتها إضافة وصف ، فالاختصاص في الآمرين :
فيما يتعلق بالصفات إذا أضيفت إلى الله فهي مختصة به تليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى ، وإضافة الناقة و البيت أو العبد أو الأمة إلى الله سبحانه وتعالى هذه الإضافة تقتضي التكريم والتشريف .

3- يقول السائل : ما تعليق فضيلتكم على قول القائل : جعلت مالي ذخراً لي عند ربي ، وجعلت ربي ذخراً لأولادي ؟

الجواب : لا أدري عن صحة هذا الإطلاق ، ولكن يعني جعله ذخراً أي يرجو ثوابه عند الله و أجره ، وهذا هو مبتغى كل عامل بعمله ، فأعماله التي يتقدم بها أو يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى يرجو أن تكون له ذخراً ، أي يجدها يوم القيامة ثواباً و أجراً عندما يلقى الله عزوجل

4- يقول السائل : هل يثبت اسم " المعزّ " لله تعالى ؟

الجواب : المعزّ ، دلّ على كونه الله عزوجل المعزّ القرآن الكريم ، يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ، لكن المعزّ اسماً لله الإخبار عنه بذلك لا إشكال فيه ، من باب الإخبار عنه سبحانه وتعالى بذلك لإشكال في ذلك ، يخبر عنه بأنه المعز و أنه سبحانه المذلّ ونحو ذلك ، يخبر عنه بذلك لكن عدُّه في الأسماء لا أعلم عليه دليلاً.

5- السائل : نرجو من فضيلتكم توضيح قول المصنف " ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين "؟

الجواب : السمات المراد بها الصفات ، سمات المحدثين أي صفات المحدثين ، ما يتّسمون به أي ما يتصفون به ، فلا نشبهه بصفات المحدثين، أو سمات المحدثين ، هذا الأقرب والله أعلم أنه من باب التنويع في العبادة لمزيد البيان والإيضاح .

6- يقول السائل : إثبات الصفات عند أهل السنة والجماعة يكون من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف فهل هذا مقتصر على الصفات أم هو شامل لكل الأمور الغيبية كأشراط الساعة وغيرها ؟

الجواب : الواجب في الصفات هو هذا : أن تثبت لله عزوجل كما جاءت وأن تمر كما وردت وأن تجتنب هذه المحاذير ، التكييف والتمثيل و التحريف والتعطيل ، وهذه المحاذير أيضاً مطلوب من الإنسان أن يجتنبها في الأمور المغيّبة لأنه إذا شبه مثلاً نعيم الجنة بنعيم الدنيا وقاسه به ومثله به ، يكون بذلك قد أخطأ ، لأنه ليس في الدنيا ممّا في الجنة إلا الأسماء ، أو ليس في الجنة ممّا في الدنيا إلا الأسماء ، عنب وعنب ورمّان و رمّان ، لكن الحقيقة ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، فمن قال مثلاً : إن العنب الذي في الجنة مطابق تماماً للعنب الذي في الدنيا ، هذا خطأ ، ومن قال أن العنب الذي في الجنة ليس هو عنب بل هو رمّان مثلاً ، هذا تحريف وكلام باطل ، ومن نفى العنب الذي في الجنّة ، هذا أيضاً تعطيل باطل لشيء أثبته الله سبحانه وتعالى ، ومن حاول أن يقدّر حقيقة هذا النعيم بذهنه لا يتوصّل إليه ، لأن الله قال : "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين".
ونسأل الله عزوجل أن يكرمنا أجمعين بدخول جنات النعيم ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

  #28  
قديم 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م, 06:28 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( الدرس 7)


المتن:
{وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى : أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌبِكَلاَمٍ قَدِيمٍ غير مخلوق ، يَسْمَعُهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ،سَمِعَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَسَمِعَهُجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكتِهِوَرُسُلِهِ.}


الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فالكلام هنا عن إثبات صفة الكلام, صفة لله عزوجل ثابتة له جلّ وعلا في كتابه وسنّة نبيّه صلوات الله وسلامه عليه, والله عزوجل موصوف بالكلام فهو يتكلّم متى شاء سبحانه وتعالى بما شاء, لم يزل ولا يزال متكلما جلّ وعلا, والكلام صفة ثابتة له سبحانه وتعالى, والمصنّف رحمه الله شرع هنا لبيان هذه الصفة وتقريرها وذكر أدلّتها من كتاب الله جلّ وعلا وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم, وبدأ ذلك بقوله:
(ومن صفات الله تعالى): أي الثابتة له في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (أنه متكلم بكلام قديم, سمعه منه من شاء من خلقه سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة وسمعه جبريل عليه السلام ومن أذن له من ملائكته ورسله) وهذا كلّه ستأتي الأدلّة عليه عند المصنّف رحمه الله تعالى.
وقوله (أنه متكلم بكلام قديم):لا يقال قديم هكذا بالإطلاق, وإنما يقال: بكلام قديم باعتبار أصل الكلام وأمّا باعتبار آحاده وأفراده فإنه حادث متجدد, كما قال الله سبحانه وتعالى: "وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فقوله محدث, هذا متعلق بآحاد الكلام وأفراده, تكلّم بالتوراة ثم بالإنجيل ثم بالقرآن وسور القرآن وآياته تكلم بها سبحانه وتعالى, سورة تلو أخرى, وآية تلو أخرى, فمن حيث نوع الكلام قديم, بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متكلّما, لم يزل موصوفا بالكلام سبحانه وتعالى, ولكن باعتبار أفراد الكلام وآحاد الكلام لا يقال: الكلام قديم.
فقوله: أنه متكلم بكلام قديم؛ هذا باعتبار نوع الكلام, ولا يصح باعتبار أفراد الكلام وآحاده, فإن ذلكم متجدد وحادث كما يدل لذلكم قول الله سبحانه وتعالى: " وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث"
وقوله (يسمعه منه من شاء من خلقه): وهذا فيه أن كلام الله سبحانه وتعالى بصوتٍ يُسمع وهو كلام بحروف وكلمات وجمل, وهو كلام بصوت, ولهذا قال: يُسمعه.
والذي يُسمع هو الصوت, فالله سبحانه وتعالى متكلم بكلام حقيقة بحروف وكلمات وجمل وبصوت يُسمع, يُسمعه من شاء من عباده سبحانه وتعالى.
(سمعه موسى عليه السلام):فقد سمع كلام الله من الله, قد قال الله سبحانه وتعالى: "وكلّمه ربّه" وقال جل وعلا: "وكلّم الله موسى تكليما" ويقال لموسى عليه السلام: كليم الله؛ لأنه سمع كلام الله من الله بصوت الله سبحانه وتعالى بدون واسطة الملك, وإنما سمعه من الله جل وعلا مباشرة بدون واسطة.
(وسمعه جبريل عليه السلام): فجبريل يسمع كلام الله سبحانه وتعالى من الله, وينزل به ليبلغه رسل الله -عليهم صلوات الله وسلامه- "وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين" أي جبريل "على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين" فجبريل -عليه السلام- يسمع كلام الله من الله جلّ وعلا, وينزل به ليبلّغه رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(ومن أذن له من ملائكته ورسله):ونبيّنا -عليه الصلاة والسلام- سمع كلام الله من الله؛ لمّا عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس, سمع صلى الله عليه وسلم كلام الله من الله جلّ وعلا.

المتن:
{وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المُؤْمِنينَ فيالآخِرَةِ ويُكَلِّمُونَهُ ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ ، قَالَ اللهُتَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: 164]
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يا مُوسَى إِنـِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النَّاسِ بِرِسالاتيوَبِكَلاَمي}[الأعراف: 144].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنْهُم مَّنْكَلَّمَ اللهُ}[البقرة: 253].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كانَلِبَشَرٍ أَن يُكَلـِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيـًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى: 51].
وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَارَبُّكَ}[طه: 11، 12].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَافَاعْبُدْني}[طه: 14].
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْيَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ.}

الشرح:

قال (وأنه سبحانه وتعالى يكلم المؤمنين في الآخرة, ويكلمونه): أي في جنات النعيم, يكلّمهم الله جلّ وعلا ويكلمونه, وقد جاء في صحيح مسلم وغيره: أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة يقول الله سبحانه وتعالى: [هل تريدون شيئا أزيدكم؟], هذا كلام من الله يسمعه أهل الجنة, من الله في الجنة [هل تريدون شيئا أزيدكم؟] فيقولون: [ألم تبيّض وجوهنا, ألم تنجنا من النار, ألم تدخلنا الجنّة], فهذا كلام منهم لله سبحانه وتعالى, فأهل الجنة يكلمهم الله ويكلمونه, وهذا ثابت في نصوص عديدة, تكليم الله لأهل الجنّة, وتكليم أهل الجنة لله عزوجل.
قال:[ يقول: هل تريدون شيئا أزيدكم؟, فيقولون: ألم تنجنا من النار, ألم تدخلنا الجنة, ألم تبيّض وجوهنا], قال: [فيُكشف الحجاب فينظرون إلى الله سبحانه وتعالى, فما أعطوا شيئا أعظم من النظر إليه سبحانه وتعالى].
فأهل الجنة يكلّمهم الله ويسمعون في الجنة كلام الله من الله سبحانه وتعالى, وهو كلام بلا واسطة.
(ويأذن لهم فيزورونه):أي فيكرمهم جلّ وعلا برؤيته كما في الحديث الذي أشرت إليه, وأحاديث كثيرة تدل على إكرام الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة بهذا النعيم الذي هو أعظم نعيم ينالونه في الدار الآخرة, ألا وهو التشرّف برؤية وجه الله الكريم سبحانه وتعالى, وهذا أعظم نعيم, وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى إفراد ما يتعلّق برؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة, وذكر الأدلّة على ذلك.
قال (قال الله تعالى: "وكلّم الله موسى تكليما"):أخذ يسوق الآيات الدّالة على ثبوت هذه الصّفة لله عزوجل, وبدأ بهذه الآية "وكلّم الله موسى تكليما", برفع لفظ الجلالة (الله), والمتكلّم هنا هو الله سبحانه وتعالى رب العالمين, وموسى -عليه السلام- كليم الله, حيث سمع كلام الله من الله جلّ وعلا, وأكّد الكلام في هذه الآية, وأنه جلّ وعلا كلّم موسى, أكّد ذلك بقوله "تكليما" فهذا فيه تأكيد أن الله عزوجل كلّم موسى كلاما سمعه موسى من الله تبارك وتعالى, "وكلّم الله موسى تكليما".
(وقال سبحانه: "يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي"):وهذا هو الشاهد من هذه الآية, اصطفاء الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بكلامه حيث سمع كلام الله من الله, وممّا سمعه من الله ما سيأتي "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني" هذه الكلمات سمعها موسى عليه السلام من الله بصوت الله جل وعلا نفسه بدون واسطة.
(وقال سبحانه: "منهم من كلم الله"): "تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله" والمراد بقوله: من كلّم الله, أي خصّه وميّزه عن غيره بأن سمع كلام الله من الله جل وعلا كموسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم.
(وقال سبحانه: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا"): وهذه الآية الكريمة, الحكم فيها, أو المقرر فيها, يتعلّق بالدنيا, وما كان لبشر أن يكلمه الله؛ أي في الدنيا, وأما في الآخرة, فقد مرّ معنا: أن الله عزوجل يكلّم أهل الجنة ويُكلمونه ويسمعون كلامه منه جلّ وعلا, فقوله: "وما كان لبشر أن يكلمه الله" أي: في هذه الحياة الدنيا, إلا بالقسمة التي ذكرت في الآية وهي أقسام:
الوحي "وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا" أي بأن يُلهم ويلقى في قلبه الوحي, إلا أن يُلهم ويُلقى في قلبه الوحي, فهذا نوع.
والنوع الثاني "أو من وراء حجاب" أي يسمع كلام الله سبحانه وتعالى من الله دون أن يرى الله سبحانه وتعالى مثل ما حصل لموسى عليه السلام, ومثل ما حصل أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرج به إلى السماء سمع كلام الله من وراء حجاب, ولمّا سئل صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربّه, قال: "نور أنّى أراه", فهذا النوع الثاني, يسمع كلام الله من الله ولكن من وراء حجاب.
والنوع الثالث "أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء" والمراد بالرسول: الملك, فيرسل رسولا, أي يُرسل ملكا من الملائكة ويُبلّغ كلام الله للرسول من البشر, فهذا النوع الثالث. والآية فيها إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى.
(وقال سبحانه: "فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك"): "فلما أتاها نودي يا موسى" الضمير في قوله: "أتاها" عائدٌ على ماذا؟ أي النار, لأن موسى عليه السلام لمّا أتمّ الميقات, لمّا أتمّ ما كان بينه وبين شعيب على أن يُزوّجه إحدى ابنتيه على أن يُتمّ سبع حجج فأتمّها عشرا, وتزوّج بابنته وأخذ زوجته ورجع إلى مصر بلده, وفي الطريق وقد كان راجعا تاه عن الطريق في ليلة باردة, ثمّ رأى نارا فذهب إلى هذه النار, لأجل أن يأخذ جذوة من النار يصطلي بها, أي يتدفّأ بها في البرد الشديد هو وأهله, وأيضا لعلّه يجد هدًى, أي يجد من يدلّه إلى الطريق, لعلّه يجد من يدلّه إلى الطريق, ومثل هذه الآية, ولها نظائر كثيرة, فيها دلالة واضحة على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب, فموسى عليه السلام وهو عائد ضلّ الطريق وكان يبحث عنه, حتى رأى نارا فذهب متجها إلى النار لعلّه يجد هدًى, أي يجد أحدا يدلّه ويهديه إلى الطريق وأيضا ليأخذ جذوة من النار يصطلي بها, فلمّا وصل إلى النار, "فلمّا أتاها نودي يا موسى" فلما أتاها: أي وصل إلى النار, "نودي يا موسى إني أنا ربّك" هذه الكلمة: "إني أنا ربك" سمعها موسى عليه السلام كليم الله من الله سبحانه وتعالى, سمعها من الله جلّ وعلا, ومن يدّعي من المبطلة أن موسى سمع هذه الكلمة من الشجرة, وأن الله خلق هذا الكلام في الشجرة, وأن الذي تكلّم بهذا الكلام هي الشجرة, نفيا لإثبات الكلام صفة لله, فعلى هذا القول الباطل تكون الشجرة خاطبت موسى قائلة: إني أنا ربك! وتكون أيضا الشجرة خاطبت موسى وقالت: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني!
ولهذا سيأتي عند المصنف قوله: (وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله), ودعوى هؤلاء أن الله خلق هذا الكلام في الشجرة, وأن موسى سمعه من الشجرة, وليس سماعه لهذا الكلام من الله, هذه دعوى باطلة, يترتّب عليها من المفاسد الشيء الكثير, منها: ما أشرت إليه؛ ألا وهو:
1- بهذا الكلام تكون الشجرة هي التي قالت "إني أنا ربك"
2- وهي التي قالت "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري".

(وقال سبحانه: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني"):أيضا هذا مما سمعه موسى عليه السلام من الله, وهو كلام الله, وكما قال المصنّف رحمه الله:
(وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله): لا يجوز أن يقول هذا إلا الله سبحانه وتعالى, وهذه الكلمة لم يسمعها موسى إلا من الله سبحانه وتعالى.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

  #29  
قديم 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م, 06:55 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(8)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد.

المتن:
وَقَالَ عَبْداللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:((إِذَا تَكَلَّمَاللهُ بالوَحْي، سَمِع صَوتَهُ أَهْلُ السَّماءِ))رُوِيَ ذَلِكَ عَنِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الشرح:
ثم أورد رحمه الله تعالى هذا الأثر موقوفا على الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود, ورُوي عنه أيضا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولفظه (إذا تكلّم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئا, فإذا فزّع عن قلوبهم وسكن الصوت, عرفوا أنه الحق, نادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق.), علّقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح, ورواه موصولا في كتابه (خلق أفعال العباد).
وله شاهد من حديث النوّاس بن سمعان وله كذلك شاهد من حديث عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما.
قال (وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء. ورُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي أن هذا المعنى رُوي مرفوعا عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث ابن مسعود وكذلك من حديث ابن عبّاس وحديث النوّاس بن سمعان, والحديث فيه إثبات الكلام لله عزوجل حقيقة, وأنه كلام يُسمع, تسمعه منه الملائكة, بصوته هو سبحانه وتعالى.

المتن:
وَرَوَى عَبْدُاللهِبْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ))يَحْشُرُ اللهُ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةًغُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِم بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَسْمَعُهُمَنْ قَرُب: أَنا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ(( رَوَاهُ الأَئِمَّةُواسْتشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.

الشرح:
قال (وروى عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غُرلاً بُهماً) عراة: أي لا ثياب عليهم, وحفاة: أي ليس عليهم نعال, وغُرلا: أي غير مختونين, وقوله بُهما: ما معناه؟ أي ليس معهم من الدنيا شيء.
(قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حُفاة غُرلا بُهما) جاء في الحديث: (قالوا: يا رسول الله وما بُهما؟ -يعني ما المراد بهذه الكلمة لأن حفاة وعراة يعرفون معناها, ولم يعرفوا معنى بُهما, فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله, وما بُهما؟ قال: أي ليس معهم من الدنيا شيء.) أي: ما كانوا يمتلكونه من أموال أو مساكن أو مزارع أو غير ذلك, لا يكون معهم في الدار الآخرة منه شيء, هذا معنى بُهما, يأتي فردا ليس معه أي شيء مما كان يمتلكه في الدنيا, ولو كان يمتلك الأموال الطائلة والكنوز الكثيرة, كلّها تنتهي في الدنيا, ولا يأتي معه منها يوم القيامة شيئا, (قالوا: وما بُهما يا رسول الله, قال: أي ليس معهم من الدنيا شيء).
(فيناديهم بصوت) أي: الله سبحانه وتعالى, فيناديهم بصوتٍ, وهذا فيه إثبات أن كلامه سبحانه وتعالى بصوتٍ يُسمع.
(فيناديهم بصوت يسمعه من بعُد, كما يسمعه من قرُب) بصوت يسمعه البعيد مثل سماع القريب, فكلهم يسمعونه على حدّ سواء, القريب منهم والبعيد, يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب, وهذا من خصائص كلامه سبحانه وتعالى.
قال (أنا الملك, أنا الديّان) هذا كلام يقوله الله, ومثل ما قال المصنف قريبا (وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله) أنا الملك: أي الذي بيدي ملكوت كل شيء "قل اللهم مالك الملك" فالله سبحانه وتعالى الملك الذي بيده الملك سبحانه وتعالى, وفي أحاديث أخرى يقول (أنا الملك, أين ملوك الأرض), قال تعالى: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهّار", فيقول: أنا الملك, أنا الديّان؛ وهذا فيه إثبات الديّان اسم من أسماء الله تبارك وتعالى الحُسنى, وما معنى الديّان؟
الديّان: أي المُجازي, المُحاسب, "أءنا لمدينون" أي مجزيّون محاسبون. فالديّان: أي المُجازى المُحاسب "مالك يوم الدين" أي: مالك يوم الحساب والجزاء, فيقول: أنا الملك, أنا الديّان.
وللحديث تتمّة اقتصر المصنّف رحمه الله تعالى من الحديث على موضع الشاهد, قال: (يقول: أنا الملك, أنا الديّان. ثم يقول: لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقتصّها منه, ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عليه مظلمة حتى أقتصّها منه) وذلك اليوم, يوم القصاص, ورد المظالم, والإنصاف للمظلوم من ظالمه, فالصحابة تساءلوا؛ قبل قليل سمعوا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أنهم يأتون يوم القيامة بُهما؛ أي ليس معهم من الدنيا شيء, ثم في الحديث نفسه يخبر أن الله سبحانه وتعالى يقتصّ للمظلوم من ظالمه, قال (حتى أقتصّها منه) أي المظلمة, فهذا أثار في نفوس الصحابة سؤالا, فقالوا: يا رسول الله وكيف ذاك, وهم إنما جاءوا بُهما؟ كيف يُقتصّ؟ كيف تقتصّ المظلمة للمظلوم من ظالمه وقد جاءوا جميعا بُهما, ليس معهم شيء من الدنيا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بالحسنات والسّيئات, وقوله في الحديث؛ بالحسنات والسّيئات, يوضّحه الحديث المعروف بحديث المفلس في الصحيح, قال عليه الصلاة والسلام: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع –هذا يقال له مفلس- قال عليه الصلاة والسلام: بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة ويأتي وقد ضرب هذا, وسفك دم هذا, وأخذ مال هذا, وقذف هذا, فيؤخذ من حسناته فيُعطون –من حسنات صلاته وصيامه وحجّه وصدقاته, يؤخذ من حسناته فيُعطى لهؤلاء الذين ظلمهم واعتدى عليهم- فإن فنيت حسناته, أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار.

ولهذا من يُظلم بالوقيعة في عرضه وبسبّه وشتمه وبقذفه والكلام في عرضه, هذا باب من أبواب الحسنات ساقه الله سبحانه وتعالى إليه, مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهاعندما ذكر لها أناس يسبّون الصحابة- قالت رضي الله عنها: (انقطع عنهم –أي الصحابة- العمل, وما أحب الله أن ينقطع عنهم الأجر), فكل ما استمرّ السبّ من أهل الضلال والباطل للصحابة الكرام, هذا باب حسنات, الصحابة انقطع عنهم العمل, وما أحب الله أن ينقطع عنهم الأجر, فقيّض هؤلاء ينالون من أعراضهم ويتكلّمون فيهم, فيؤجرون كل يوم, بل إن بعض أهل الباطل انتدب نفسه وردا يوميّا يسبّ فيه الصحابة, في الصباح وفي المساء, ويُعطي الصحابة صباحًا ومساءً من حسناته, هذا إن كانت عنده حسنات, وفي الحديث: إن فنيت حسناته أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار, ولهذا السبّابة الذين يسبّون الصحابة من أعظم الناس إفلاسًا يوم القيامة, الذين انتدبوا أنفسهم سبّا لخيار الأمّة, ووقيعةً في صحابة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام, هؤلاء مفاليس, ومن أشد الناس إفلاسًا يوم القيامة, وأما الصحابة رضي الله عنهم فلا يضرّهم سبّ هؤلاء شيئا إطلاقًا, بل هو بابٌ من أبواب رفعتهم وزيادة حسناتهم وأجورهم عند الله سبحانه وتعالى, وهذاالحديث؛ حديث عبد الله بن أنيس, إذا سمعه العاقل وفهمه, وعقل معناه, وعرف دلالته, انتبه, وتيقظ من أن يأتي يوم القيامة وهو يحمل مظالم, سواء باعتداء على الناس في أعراضهم أو اعتداء عليهم في أموالهم, أو اعتداء عليهم في أنفسهم, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم), فالعاقل ينتبه, ويتيقظ ويحذر من أن يأتي يوم القيامة وهو يحمل المظالم سواءً في الأعراض أو في الأنفس أو في الأموال, فيُقتصّ لمن ظلمهم منه, فيؤخذ من حسناته, فإن فنيت حسناته, أخذ من سيّئاتهم فطرحت عليه, فطُرح في النار –عياذا بالله تبارك وتعالى من ذلك- والشاهد من الحديث أن فيه إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى وأنه يتكلم جلّ وعلا بصوتٍ يُسمع وهذا صريح في الحديث؛ قال: (فيناديهم بصوتٍ يسمعه من بعُد, كما يسمعه من قرب).

ونكتفي بهذا, والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #30  
قديم 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م, 07:27 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(9)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ..أما بعد :

المتن:
وَفِي بَعْضِ الآثارِ: (أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ رَأَى النَّارَ فَهَالَتْهُوَفَزِعَ مِنْهَا، نَادَاهُ رَبُّهُ: ((يَا مُوسَى))، فَأَجَابَ سَرِيعًااسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَلاَأَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ: ((أَنَا فَوْقَكَ وَأَمَامَكَ وورائك وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ))، فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لاَتَنْبَغي إلاَّ للهِ تَعَالَى، قَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهي، أَفَكَلاَمُكَ أَسْمَعُ، أَمْ كَلاَمُ رَسُولِكَ؟ قَالَ: ((بَلْ كَلاَمِي يَامُوسَى)))

الشرح:
قال(وفي بعض الآثار) وما ذكره هنا رحمه الله تعالى؛ ذكره من باب الاستئناس وليس من باب الاعتماد, فالعمدة ما سبق وهو الآيات التي ساقها من القرآن الكريم والأحاديث التي أوردها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما هذا الذي يروى في الكتب السابقة أورده رحمه الله تعالى من باب الاستئناس، لأن المعنى الذي ذكر فيه هو بمعنى ما جاء في الآيات من أن موسى عليه السلام لما رأى النار أتاها وأن الله سبحانه وتعالى كلمه، وأنه سمع كلام الله من الله بلا واسطة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فساق هذا الأثر وهو من الإسرائيليات، ساقه من باب الاستئناس بذكره لا الاعتماد، فالعمدة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم, ومثل هذا يُذكر للاعتضاد لا للاعتماد, أو يذكر للاستئناس.
قال(وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار، فهالته وفزع منها)
ليلة رأى النار: أي الليلة التي رأى فيها النار، تلك الليلة الباردة لما كان راجعا إلى مصر ومعه زوجته، ومر بالنار فذهب إلى جهة النار يسأل عن الطريق، لعله يجد من يهديه، أو يدله إلى الطريق، وليأخذ أيضا جذوة من النار، ففي تلك الليلة لما أتى النار،
قال(فناداه ربه: يا موسى. فأجاب سريعا استئناسا بالصوت. فقال: لبيك, لبيك أسمع صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت ؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك ،وعن شمالك )
قوله(فوقك): هذا فيه إثبات العلو لله سبحانه وتعالى، وقد مر معنا عند المصنف رحمه الله تعالى
ذكر جملة من الأدلة في إثبات العلو لله عز وجل، والأدلة في القرآن الدالة على العلو لاتُعد بالعشرات بل بالمئات، بل قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

يا قومنا والله إن لقولنا *** ألفا تدل عليه بل ألفان

فالأدلة على ثبوت العلو لله سبحانه وتعالى على خلقه في القرآن والسنة كثيرة جدا، وقد دل على العلو الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل.
فقوله(أنا فوقك ) نظير قول الله عز وجل: "يخافون ربهم من فوقهم " وقوله سبحانه وتعالى: "وهو القاهر فوق عباده "، وفي الحديث: (قالت زينب: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، قال (فوقك).

وقوله(وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك) هذا يدل على إحاطة الله سبحانه وتعالى بعلمه، فهو بذاته سبحانه وتعالى فوق عرشه المجيد, مستو على العرش، استواء يليق بجلاله وكماله وعظمته، وهو سبحانه وتعالى في الوقت نفسه محيط بالعباد، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" فالظاهر يدل على العلو، والباطن يدل على الإحاطة.
قال(فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى ) العلو على المخلوقات كلها، وفي الوقت نفسه الإحاطة الكاملة الشاملة بكل شيء، مثل ما جمع الله سبحانه وتعالى بين هذا في قوله: "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم " أي بعلمه واطلاعه سبحانه وتعالى.

قال(كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع ) أي هذا الكلام الذي أسمعه كلامك.
قال(أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى.) هذا الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، هو من رواية وهب بن منبه، ولعله مما تلقاه من أهل الكتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، لكن ما يأتي عنهم مصادما للنصوص معارضا للأدلة فيه التكذيب بالله أو القول على الله، أو الافتراء على رسل الله، وكثيرا ما يكون هذا في التوراة والإنجيل المحرّفين، الذين أدخل فيهما كثيرا مما ليس هو من كلام الله ونُسب زورا إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله عز وجل: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"، أما الأشياء التي تأتي في هذه الكتب أو فيما ينقل عنهم موافقا لما عندنا في القرآن وموافقا لما جاء في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام فلا بأس من نقله استئناسا بذكره لا اعتمادًا عليه، مثل نقل القصص والأخبار التي تكون فيها معان صحيحه تذكر ليستأنس بذكرها، لا ليُعتمد عليها، فالعمدة إنما هي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
المتن:
ومِنْ كَلاَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ القُرْآنُ العَظِيمُ ،وَهُوَ كِتَابُ اللهِ المُبينُ وَحَبْلُهُ المَتِينُ ، وَصِرَاطُهُ المُسْتقيمُ وَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المُرْسَلينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخْلُوقٍ ،مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
الشرح :
قال(ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم ) أي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن العظيم كله كلام الله سبحانه وتعالى، والذي تكلم به هو رب العالمين، من الله سبحانه وتعالى بدأ، قال عز وجل: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين "، فهو من الله بدأ، أي هو سبحانه وتعالى الذي تكلم به لا غيره، فهو كلامه جل وعلا، قال: (ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين )
(وهو كتاب الله المبين ) كتاب الله: لأنه كتب في اللوح المحفوظ، وأيضا يكتب في المصاحف، "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون "، فكتب في اللوح المحفوظ، وأيضا يكتب في المصاحف، فهو كتاب .
وكتاب: أي مكتوب ،يكتب في المصاحف، وكتب في اللوح المحفوظ.
المبين: أي البين الواضح، والمبين: أي المبيّن للأحكام على أتم ما يكون، تبيانا لكل شيء .
(وحبله المتين ) والحبل معروف، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا"، الحبل: هو ما يتمسك به للوصول الى المراد أو المقصود.
فحبل الله المتين، قال: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " قيل في معنى حبل الله: القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وكل ذلكم حق.
فالوصول الى الله ونيل رضاه سبحانه وتعالى لا يكون إلا بهذا الحبل المتين الذي من تمسك به أوصله بإذن الله تعالى الى الجنة.
وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه، عن الصراط المستقيم ما هو؟ قال: هو حبل تركنا النبي صلى الله عليه وسلم في طرفه وطرفه الآخر في الجنة. بمعنى أن من تمسك بالقرآن وبما جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أوصله هذا التمسك الى جنات النعيم .
قال(وحبله المتين ) والمتانة هي القوة .
قال(وصراطه المستقيم) أي الصراط المفضي بصاحبه والموصل له إلى جنات النعيم، "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه"، "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله"، فالقرآن صراط الله المستقيم.
(وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين ،بلسان عربي مبين) وهذا مستفاد من قوله تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين .نزل به الروح الأمين .على قلبك" أي قلب محمد صلى الله عليه وسلم "على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين "
(منزل غير مخلوق) منزل: أي من الله ،تكلم الله سبحانه وتعالى به وسمعه منه جبريل ونزل به الى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو منزل، وقد مر معنا في الآية "وإنه لتنزيل رب العالمين " وأيضا مر معنا قول الله تعالى: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين" فهو كتاب منزل، غير مخلوق، بل هو كلام الله، وكلام الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته جل وعلا، فهو كلام الله غير مخلوق، والقرآن كما قال أئمة السلف رحمهم الله تعالى: أينما توجه فهو كلام الله, سواء حفظ في الصدور أو كتب في السطور، أو تلته الألسن، أينما توجه فهو كلام الله، لأن الكلام ينسب ويضاف لمن قاله ابتداء، لا لمن بلغه أداء، الكلام يضاف لمن قاله ابتداء، فالقرآن بدأ من الله، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، فعندما يكتب في السطور أو يحفظ في الصدور أو يتلى بالألسن أو يسمع بالآذان، أينما توجه يبقى كلام الله ينسب الى الله لأنه هو الذي تكلم به سبحانه وتعالى، واذا تلاه التالي؛ فالصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري.
قال(منزل غير مخلوق) وقد أجمع السلف رحمهم الله تعالى على أن من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وحكى إجماعهم على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام اللالكائي في كتابه "شرح الاعتقاد" ونقل عن خمسمائة نفس من أئمة السلف، ذكرهم بأسمائهم، وساق أخبارهم إليهم بأسانيده، فبلغ عدد من ذكرهم من أئمة السلف في القول: يكفر من قال القرآن مخلوق، خمسمائة نفس .
ولهذا قال ابن القيم: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان.
خمسون في عشر أي خمسمائة ،ثم أشار الى أن اللالكائي حكاه في كتابه (شرح الاعتقاد).
قال(منه بدأ, وإليه يعود) منه بدأ: أي الله سبحانه وتعالى هو الذي تكلم به ابتداء ويدل لذلك قوله تعالى: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين " فمنه هنا للابتداء، فمنه بدأ: أي هو الذي تكلم به الله سبحانه وتعالى ابتداء .
وإليه يعود: أي أن القرآن في آخر الزمان يرفع، أن القرآن في آخر الزمان يرفع، حتى المكتوب في المصاحف يرفع، وإذا فتح المصحف لا يرى فيه الكلام، يرفع الكلام حتى من المصاحف، وهذا يكون في آخر الزمان عندما يقرب خراب هذا العالم وقيام الساعة، يرفع القرآن حتى من المصاحف، وهذا معنى قولهم (وإليه يعود) أي إلى الله سبحانه وتعالى برفعه في آخر الزمان (فمنه بدأ وإليه يعود).
المتن:
وَهُوَ سُوَرٌمُحْكَمَاتٌ ، وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ، وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ ، مَنْ قَرأَهُ فَأَعْرَبَهُ ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ ،وَأَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ ، مَتْلُوٌّ بِالأَلْسِنَةِ ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ ،مَسْمُوعٌ بِالآذَانِ ، مَكْتُوبٌ فِي المَصَاحِفِ ، فِيهِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَنَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ ، وخَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأمْرٌ وَنَهْيٌ{لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 42]وَقَوْله تَعَالَى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[الإسراء: 88].
الشرح:
قال(وهو سور محكمات) أي القرآن كتاب محكم متقن ليس فيه تناقض وليس فيه تعارض، بل يؤيد بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
(وآيات بينات ) القرآن يتكون من سور، وسور القرآن 114سورة، وآيات بينات، في السور آيات، القرآن يتكون من سور، وكل سورة تتكون من آيات، قال:(وآيات بينات ) أي واضحات، وفي تمام الوضوح والبيان.
(وحروف وكلمات ) يتكون من حروف وكلمات، والحروف معروفة وهي حروف الهجاء، وهي ثمانية وعشرين حرفا، والقرآن مكون من هذه الحروف, وبدئ تسعة وعشرين سورة من سور القرآن بحروف مقطعة، وسيأتي أمثلة عليها عند المصنف رحمه الله، فالقرآن مكون من حروف ومن كلمات ومن جمل .
(من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ) وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى حديثا بهذا المعنى، (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات)
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #31  
قديم 30 ذو القعدة 1432هـ/27-10-2011م, 07:52 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر الدرس(10)
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ..أما بعد :

الشرح:
قال: (له أول وآخر) وأول القرآن وآخره حسب الترتيب الذي جُمع عليه المصحف, واتفق على ذلك الجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم, أوله فاتحة الكتاب سورة الحمد, وتسمّى الفاتحة لأنها: فاتحة كتاب الله عزوجل, وآخره سورة الناس, فالقرآن مفتتح بسورة الفاتحة (سورة الحمد) ومختتم بسورة الناس, (له أول وآخر).
(وأجزاء وأبعاض) وهو مقسّم إلى أجزاء, والأجزاء فيها أحزاب, ومقسّم إلى سور, والسور فيها آيات, فهو له أجزاء وأبعاض, ولهذا نقول مثلا عن مجموعة من السور, يقال: هذا جزء من القرآن, ويقال عن مجموعة من الآيات: هذا بعض القرآن, فهو مكوّن من أجزاء وأبعاض.
(متلوّ بالألسنة, محفوظ في الصدور, مسموع بالآذان, مكتوب في المصاحف) هذه أمور يكون عليها القرآن, تارّة يُتلى بالألسنة وتارّة يُسمع بالآذان ويُحفظ بالصدور ويُكتب في المصاحف, وهو كما قال أئمة السلف رحمهم الله: أينما توجّه فهو كلام الله.
ومعنى قولهم: أينما توجّه, أي سواء حُفظ في الصدور, أو كُتب في السطور, أو تُلي بالألسن, أينما توجّه فهو كلام الله, لأن الكلام يُنسب ويُضاف لمن قاله ابتداءً لا لمن بلّغه أداءً.
وهذا أمر معروف, الآن عندما يروي أحد الناس بيتا من الشعر لأحد الشعراء القُدامى, هل روايته له ونقله له أصبح هذا الشعر بسبب روايته له يضاف إليه؟ ويقال هذا شعر فلان لأنه سُمع منه مبلّغا, هل لكونه حفظه في صدره أصبح بحفظه له في صدره يعتبر من شعره ومن كلامه, أو أنه يقال عندما يُسمع منه هذا الشعر, يقال هذا شعر فلان بن فلان الذي قاله ابتداءً, فالكلام معروف يُنسب إلى من قاله ابتداءً, لا لمن بلّغه أو نقله أو حفظه, يُنسب لمن قاله ابتداءً.
فالقرآن كلام الله منه بدأ فإذا حفظه الناس في صدورهم أو تلوه بألسنتهم أو كتبوه على الأوراق في المصاحف أو سمعوه بالآذان, فهو أينما توجّه كلام الله, ولهذا نصّ المصنّف رحمه الله تعالى على هذه الأحوال التي يكون عليها القرآن.
قال: (متلو بالألسنة, محفوظ في الصدور, مسموع بالآذان, مكتوب في المصاحف) فأينما توجّه فهو كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (فيه محكم ومتشابه) كما قال الله سبحانه وتعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله".
وقوله (فيه محكم ومتشابه) ومرّ معنا قريبا وصف سور القرآن كلها بأنها محكمات, مرّ معنا في كلام المصنف وصف سور القرآن كلّها بأنها محكمات, فالقرآن كلّه محكم, وهذا يُسمّى الإحكام العام, والقرآن بعضه محكم وبعضه متشابه, وهذا يُسمى الإحكام الخاص, وأيضا التشابه منه تشابه عام ومنه تشابه خاص, فيقال القرآن كله محكم, "كتاب أحكمت آياته", كتابا متشابها, فالقرآن كله محكم, والقرآن كله متشابه, والمراد بالإحكام أي العام, والتشابه العام, وأيضا القرآن منه آيات محكمات, ومنه آيات متشابهات, وهذا يُسمى الإحكام الخاص والتشابه الخاص.
وينبغي أن يُعرف الفرق بين العام والخاص, فالإحكام العام الذي هو وصف للقرآن كلّه: هو الإتقان, محكم أي متقن.
كتاب محكم, وهذا وصف للقرآن كله, أي متقن, لا تناقض فيه ولا تعارض ولا تضاد, فهو كلّه محكم.
وأيضا التشابه العام الذي هو وصف للقرآن كله, المراد بالتشابه: أي التجانس وأنه يؤيّد بعضه بعضا, ويشهد بعضه لبعض, فهو متشابه, يعني ليس متناقض ولا متعارض وليست آياته متضاربة, بل متشابهة يؤيّد بعضه بعضا.
فهذا الإحكام العام والتشابه العام.
وأما الإحكام الخاص والتشابه الخاص؛ فمعناه آخر, إذ معنى الإحكام الخاص: أي الوضوح والبيان, محكم أي واضح بيّن, ودلالته ظاهرة وواضحة وبيّنة.
والمتشابه الخاص: المراد به خفاء المعنى وعدم ظهوره ووضوحه, وفي الآية بيّن أن المحكم هو أم الكتاب "منه آيات محكمات هن أم الكتاب " وأم الشيء: أصله, ويكون المرجع إليه, ولهذا كان نهج الرّاسخين في العلم إعادة المتشابه إلى المحكم فيزول بذلك التشابه, وكانت طريقة أهل الزيغ اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
قال: (وناسخ ومنسوخ) أي في القرآن آيات ناسخة وفي القرآن آيات منسوخة, والآية الناسخة: هي الآية التي تأتي رافعة حكما ذكر في آية نزلت قبلها, فالقرآن فيه ناسخ ومنسوخ, وهذا النوع أفرده أهل العلم بالتصنيف وأفردت مصنّفات خاصّة في الناسخ والمنسوخ إضافة إلى بيان أئمة التفسير للآيات الناسخة والآيات المنسوخة في كتب التفسير.
قال: (وخاصّ وعام) أي آيات القرآن أيضا موصوفة بهذا, فمنها آيات خاصّة ومنها آيات عامّة, هناك آيات تفيد العموم وآيات تفيد الخصوص, مثلا, قول الله سبحانه وتعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خُسر" هذا عام, "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذا خاص, خُصّ من العموم, يعني العموم خسران, ويُخصّ من هؤلاء من آمن وعمل الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
(وأمر ونهي) والقرآن فيه أوامر وفيه نواهي, قد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا سمعت الله يقول: "يا أيها الذين آمنوا" فأرعها سمعك, فإنه إما خير تُؤمر به, أو شر تُنهى عنه) فالقرآن أوامر ونواهٍ.
القرآن أوامر ونواهي, أوامر: أمر الله سبحانه وتعالى عباده بها, ونواهي: نهاهم عنها, والعبد مطلوب منه أن يعرف الأوامر التي في القرآن ليفعلها, ومطلوبٌ منه أن يعرف النواهي التي في القرآن لينتهي عنها, والله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بكل خير, ولا ينهى إلا عن كل شر.
فالعبد مطلوب منه أن يعرف الأوامر ليفعلها ومطلوب منه أن يعرف النواهي لينته عنها.
وإذا عرف النواهي احتاج هذا المقام منه لينته عن النواهي إلى الصبر, فإلم يكن متحلّيا بالصبر, فإنه قد يعرف النهي ويعرف عقوبته ويعرف مضرّته ويقارفه ويفعله, لأنه لا صبر عنده, فالنواهي تحتاج من العبد إلى صبر, والصبر: حبس النفس ومنعها, ومن لم يكن متحلّيا بالصبر لا يستطيع أن يمنع نفسه من ما نهاه الله سبحانه وتعالى عنه.
وباب الأوامر إذا عرف الإنسان ما أمره الله سبحانه وتعالى به لا بد أن تكون نفسه تجاه الأوامر سلسة سهلة سمحة, بحيث يبادر إلى الأمر ويسارع إلى فعله, فمن لم يكن متصفا بسماحة النفس فإنّه يُدعى إلى الأمر ويعرف ما فيه من فضل وخير ويعرف ما في تركه من عقوبة ومضرّة فلا تسمح نفسه أن يفعل ذلك, ولهذا ترى كثيرا من الناس يعرفون مكانة الصلاة ويعرفون ثوابها العظيم ويعرفون عقوبة تاركها ولكن نفسهم شحيحة وليست سلسة ولا منقادة فيُنادَون إلى الصلاة, فلا يُجيبون.
وقد جاء في الحديث, حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسّماحة)
وقيل للحسن وهو الراوي للحديث عن جابر, والحسن لم يسمع من جابر ولكن الحديث له شواهد يتقوّى بها, قيل للحسن: ما الصبر والسماحة؟ قال: الصبر عن المحارم والسماحة بالفرائض.
فالمقامان مقام الأمر والنهي يحتاجان من العبد إلى صبر وسماحة, وابن القيم رحمه الله أورد الحديث في كتابه (مدارج السالكين) وقال: هذا من أجمع ما يكون بيانا ومن أعظم الأحاديث جمعا لمقامات الدين, لأن دين الله سبحانه وتعالى والمطلوب من العبد شيئان: أوامر ونواهي, والأوامر تتطلّب من العبد بذل وعطاء, وهذا يُطلب فيه السماحة, والنواهي يُطلب فيها من العبد الكف والامتناع, وهذا يحتاج إلى صبر.
فإذا أكرم الله سبحانه وتعالى العبد بالصبر والسماحة, فهذا هو الإيمان, قيل: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة.
أما إذا كان الإنسان لا صبر عنده أو لا سماحة في نفسه, فإن هذا يترتب عليه الوقوع في المحرّمات ويترتب عليه أيضا ترك الفرائض والواجبات.
قال: ("لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد") وهذا وصف للقرآن الكريم, كلام الله سبحانه وتعالى, بأنه لا يأتيه الباطل: أي لا يتطرّق إليه الباطل بأي وجه من الوجوه, فهو سالم من الباطل كله, منزّه من الباطل كله, ليس فيه إلا الحق, والقرآن كله حق, وكله عدل, وكله صدق, "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد", وإذا كان منزّلا من حكيم حميد سبحانه وتعالى, كيف يأتيه الباطل!؟
فهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
(وقوله تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا") لو اجتمعوا –وهذا تحدّي- الإنس والجن, أي من أوّلهم إلى آخرهم, على أن يأتوا بمثل هذا القرآن, لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا, وجاء أيضا التحدّي بعشر سور, وبسورة من مثله, ونزل القرآن في زمان بلغت فيه الفصاحة ذروة عظيمة, وتحدّى الله جل وعلا فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثل القرآن أو عشر سور من مثل القرآن, وكل من حاول شيئا من ذلك لا يخلو من إحدى نتيجتين:
كل من حاول لا يخلو من إحدى نتيجتين:
الأولى: أن يعلن عجزه, يجلس أياما أو شهورا يحاول أن يركّب كلاما وأن يصفّ حروفا ثم في نهاية المطاف يعلن عجزه, يقول: لا يمكن, وهذا حصل.
والحالة الثانية: أن يحاول ويأتي بكلام يُضحك به على نفسه السفهاء قبل العقلاء.
فمن حاول لا يخرج عن هاتين الحالتين, إما أن يعلن عجزه أو أن يأتي بكلام يُضحك منه السفهاء قبل العقلاء, ومثلت لهذا وهذا في كتابي (شرح ميميّة الحافظ الحكمي رحمه الله) مثلت لهذا بمثال وللآخر أيضا بمثال, ويمكن مطالعة ذلك في شرح الميميّة, والشيخ حافظ رحمه الله أيضا صاغ أبياتا جميلة في هذا المعنى, التحدّي للفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من مثله.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


  #32  
قديم 5 ذو الحجة 1432هـ/1-11-2011م, 07:18 PM
سليم سيدهوم سليم سيدهوم غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: ليون، فرنسا
المشاركات: 1,087
افتراضي

فوائد من شرح لمعة الاعتقاد للشيخ العثيمين:
1الإِسْراءُ والمِعْرَاجُ.

الإِسْرَاءُ
لُغَةً: السَّيْرُ بالشَّخْصِ لَيْلاً، وقيلَ: بمَعْنَى سَرَى.
وشَرْعًا:
سَيْرُ جِبْرِيلَ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلى بيتِ المَقْدِسِ؛ لقولِهِ تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا}[الإسراء: 1] الآيَةَ.
والمِعْرَاجُ

لُغَةً: الآلَةُ الَّتي يُعْرَجُ بها، وهيَ المِصْعَدُ.
وشَرْعًا:
السُّلَّمُ الذي عَرَجَ بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الأرضِ إلى السماءِ؛ لقولِهِ تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النَّجْم: 1، 2] إلى قولِهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18].

2 أثْبَتَ المُؤلِّفُ قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت في العَقِيدَةِ؛ لأنَّ بعْضَ المُبْتَدِعَةِ أَنْكَرَهُ مُعَلِّلاً ذلكَ بأنَّهُ يَمْتَنِعُ أنَّ موسى يَلْطِمُ المَلَكَ.
وَنَرُدُّ عليهم : بأنَّ المَلَكَ أَتَى مُوسى بصُورَةِ إنْسانٍ لا يَعْرِفُ مُوسَى مَنْ هوَ، يَطْلُبُ مِنهُ نَفْسَهُ، فمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ البشرِيَّةِ أنْ يُدَافِعَ المَطْلُوبُ عنْ نفسِهِ، ولوْ عَلِمَ مُوسَى أنَّهُ مَلَكٌ لمْ يَلْطِمْهُ؛ ولذلكَ اسْتَسْلَمَ لهُ في المرَّةِ الثانيَةِ حينَ جاءَ بما يَدُلُّ على أنَّهُ مِنْ عندِ اللهِ، وهوَ إعْطَاؤُهُ مُهْلَةً مِن السِنِينَ بقَدْرِ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ شَعْرِ ثَوْرٍ.


3 (خُروجُ الدَّجَّالِ):
وهوَ لُغَةً: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِن الدَّجَلِ؛ وهوَ الكَذِبُ والتَّمْوِيهُ.
وشَرْعًا: رَجُلٌ مُمَوِّهٌ يَخْرُجُ في آخِرِ الزمانِ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ.
وخُروجُهُ ثابِتٌ بالسُّنَّةِ والإجماعِ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قُولُوا: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ))، رواهُ مسلمٌ. وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنهُ في الصلاةِ، مُتَّفَقٌ عليهِ.
وأَجْمَعَ المسلمونَ على خُرُوجِهِ.


4الفتنةُ لُغَةً: الاخْتِبَارُ، وفِتْنَةُ القَبْرِ: سُؤَالُ المَيِّتِ عنْ رَبِّهِ ودِينِهِ ونبِيِّهِ.
وهيَ ثابِتَةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، قالَ اللهُ تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم: 27].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}))[إبراهيم: 27]، مُتَّفَقٌ عليهِ.

والسَّائِلُ مَلَكَانِ؛ لِقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، قَالَ: يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ)). رواهُ مسلمٌ. (13) واسْمُهُما: (مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ)(13)، كما رواهُ التِّرْمِذِيُّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وقالَ: حَسَنٌ غَريبٌ
.

قال الأَلْبَانِيُّ: وسَنَدُهُ حَسَنٌ، وهوَ على شَرْطِ مُسْلِمٍ.
والسؤالُ عامٌّ للمُكَلَّفِينَ مِن المؤمنينَ والكافِرينَ، ومِنْ هذهِ الأُمَّةِ وغيرِهِم على القولِ الصحيحِ.


5النَّفْخُ في الصُّورِ:
النَّفْخُ معروفٌ.
والصُّورُ
لُغَةً: القَرْنُ.
وشَرْعًا:
قَرْنٌ عَظيمٌ الْتَقَمَهُ إِسْرَافِيلُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِنَفْخِهِ.
وإسرافيلُ
: أَحَدُ الملائِكَةِ الكِرَامِ الذينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ.
وهما نَفْخَتَانِ
إحداهُما:

نَفْخَةُ الفَزَعِ، يُنْفَخُ فيهِ فيَفْزَعُ الناسُ ويَصْعَقُونَ إلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ.
والثانيَةُ:
نَفْخَةُ البَعْثِ، يُنْفَحُ فيهِ فيُبْعَثُونَ ويَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِم.
وقدْ دَلَّ على النَّفْخِ في الصُّورِ الكتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ الأُمَّةِ.
قالَ اللهُ تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزُّمَر: 68]، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[يس: 51]
.
وعنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ يُنْفَحُ فِي الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، ثُمَّ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ صَعِقَ، ثَمَّ يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ -شَكَّ الرَّاوِي- فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ))، رواهُ مُسْلِمٌ في حديثٍ طويلٍ.
وفي غيرِ المُكَلَّفِينَ خِلافٌ، وظاهِرُ كلامِ
ابنِ القَيِّمِ في كتابِ (الرُّوحِ)
تَرْجِيحُ السُّؤَالِ.
ويُسْتَثْنَى منْ ذلكَ الشهيدُ؛ لحديثٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، ومَنْ مَاتَ مُرَابِطًا في سبيلِ اللهِ؛ لحديثٍ رواهُ مُسْلِمٌ.


6الْمَوَازِينُ:
الموازينُ: جَمْعُ مِيزَانٍ، وهوَ لُغَةً: مَا تُقَدَّرُ بهِ الأشياءُ خِفَّةً وثِقَلاً.
وشَرْعًا:
مَا يَضَعُهُ اللهُ يومَ القِيامَةِ لِوَزْنِ أعْمَالِ العِبَادِ.
وقدْ دَلَّ عليهِ الكتابُ والسنَّةُ وإجْمَاعُ السَّلَفِ، قالَ اللهُ تعالَى:
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَمَ خَالِدُونَ}[المؤمِنون: 102 - 103]، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء: 47].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((كَلِمَتَانِ حَبيَبتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيَفتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ))، مُتَّفَقٌ عليهِ.

وأَجْمَعَ السَّلَفُ على ثُبُوتِ ذلكَ.
وهوَ مِيزانٌ حَقِيقِيٌّ لهُ كِفَّتَانِ؛
لحدِيثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ قالَ: ((فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ في كِفَّةٍ)) الحديثَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَه، قَالَ الأَلْبَانِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
واخْتَلَفَ العُلَمَاءُ:
هلْ هوَ مِيزَانٌ واحِدٌ أوْ مُتَعَدِّدٌ؟
فقالَ بَعْضُهُم:
مُتَعَدِّدٌ بحَسَبِ الأُمَمِ أو الأَفْرَادِ أو الأَعْمَالِ؛ لأنَّهُ لمْ يَرِدْ في القرآنِ إِلاَّ مَجْمُوعًا، وأمَّا إِفْرَادُهُ في الحديثِ فَبِاعْتِبَارِ الجِنْسِ.
وقالَ بعضُهم:
هوَ مِيزانٌ واحِدٌ؛ لأنَّهُ وَرَدَ في الحديثِ مُفْرَدًا، وأمَّا جَمْعُهُ في القُرْآنِ فَبِاعْتِبَارِ المَوْزُونِ.
وكِلا الأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ، واللهُ أَعْلَمُ.

والذي يُوزَنُ العَمَلُ؛
لظَاهِرِ الآيَةِ السَّابِقَةِ والحديثِ بَعْدَها.
وقيلَ:
صَحَائِفُ العَمَلِ؛ لحديثِ صَاحِبِ البِطَاقَةِ.
وقيلَ:
العَامِلُ نَفْسُهُ؛ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ))، وقالَ: اقْرَؤُوا: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكَهْف: 105]، مُتَّفَقٌ عليهِ.

وجَمَعَ بَعْضُ العُلَمَاءِ بينَ هذهِ النصوص بأن الجَمِيعَ يُوزَنُ، أوْ أنَّ الوَزْنَ حَقِيقَةً للصَّحَائِفِ، وحيثُ إنَّها تَثْقُلُ وتَخِفُّ بِحَسَبِ الأَعْمَالِ المَكْتُوبَةِ صَارَ الوَزْنُ كَأَنَّهُ للأعْمَالِ، وأمَّا وَزْنُ صَاحِبِ العَمَلِ فالمُرادُ بِهِ قَدْرُهُ وحُرْمَتُهُ، وهذا جَمْعٌ حَسَنٌ(2)، واللهُ أَعْلَمُ.

  #33  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:08 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر درس (11)


الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد

المتن:
وَهَذَا وهُوَ هذا الكِتَابُ العَرَبِيُّ الَّذِي قَالَ فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا:{لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ}[سبأ: 31].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر: 2]، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}[المدثر: 26].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شِعْرٌ ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}[يس: 69]، فَلَمَّا نَفَى اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ شِعْرٌ وأَثْبَتَهُ قُرْآناً لَم تَبْقَ شُبْهَةٌ لِذِي لُبٍّ في أَنَّ القُرْآنَ هُوَ هَذَا الكِتابُ العَرَبيُّ الَّذِي هُوَ كَلِمَاتٌ وَحُرُوفٌ وَآيَاتٌ ، لأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لاَ يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهُ شِعْرٌ.

الشرح:
قال: (وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: "لن نؤمن بهذا القرءان") الكتاب العربي كما قال الله سبحانه وتعالى "بلسان عربي مبين" فهو كتاب باللسان العربي.
قال: (الذي قال فيه الذين كفروا: "لن نؤمن بهذا القرءان") والإشارة هنا إلى القرآن الكريم المنزّل على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا: لن نؤمن بهذا القرآن, وأيضا قالوا: "لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه", وتواصوا بينهم بعدم سماع القرآن, لأنهم رأوا أن كثيرا ممن سمع القرآن تغيّر, وأقبل على الإسلام وتأثّر بسماع القرآن, والله سبحانه وتعالى يقول: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" وقوله: "يسمع كلام الله" هذه مهمّة جدّا في باب الدعوة إلى الله, إسماع الناس كلام الله سبحانه وتعالى, وبعض الناس قد يُلقي كلاما ليعلّم الآخرين, أو ليدعو إلى دين الله دون أن يسمعهم فيه كلام الله, وهذا من الخطأ, فكلام الله سبحانه وتعالى له أثره وله بركته وله مكانته العظيمة وله وقعه وله تأثيره, كتابٌ مبارك, شفاء لما في الصدور, له أثر بالغ جدّا, قال: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" فالقرآن له تأثيره العظيم, وأثره على من يسمعه, ولهذا كانوا يتواصون, يوصي بعضهم بعضا ألاّ يسمعوا لهذا القرآن "لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه".
(وقال بعضهم: "إن هذا إلا قول البشر")وكل هذا محاولة بائسة للصدّ عن هذا القرآن, تواصوا أولاً: ألاّ يسمعوا لهذا القرآن, ثم قالوا: "إن هذا إلا قول البشر" أي كلام أنشأه واخترعه بعض البشر "إن هذا إلا قول البشر".
(فقال الله سبحانه وتعالى: "سأصليه سقر")أي من قال: إن القرآن كلام البشر, فقد توعدّه الله سبحانه وتعالى هذا التوعد بقوله "سأصليه سقر" وهذه الآية فيها الرد على من يقول: القرآن مخلوق, على من يقول: القرآن مخلوق, وأن القرآن ليس كلام الله, فلما قال –من قال-: القرآن كلام البشر وليس كلام الله, قال الله: "سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبق ولا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر" هذا كلّه وعيد لمن قال: القرآن ليس كلام الله, وإنما هو كلام البشر. فتوعّده الله سبحانه وتعالى هذا التوعّد "سأصليه سقر" والآيات بعدها.
(وقال بعضهم: هو شعر, فقال الله تعالى: "وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين")فأبطل الله سبحانه وتعالى هذا الادّعاء الذي ادّعاه من ادّعاه من الكفّار والمشركين.
قال: (فلما نفى الله عنه أنه شعر, وأثبته قرآنا, لم يبق شبهة لذي لبّ في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات, وحروف, وآيات) وهذا كله يسوقه المصنّف وما يأتي أيضا بعده؛ ليبيّن أن القرآن حروف وآيات, ليبيّن أن القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى حروف وكلمات وآيات, وأن هذه الحروف والكلمات والآيات هي كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (لأن ما ليس كذلك لا يقول أحدٌ: إنه شعر)ما معنى قوله: لأن ما ليس كذلك؟ يعني ما ليس مكوّن من حروف وكلمات لا يقال إنه شعر, إذًا الذين قالوا: إن القرآن شعر, قالوا ذلك بناءً على أنهم سمعوا القرآن مكوّنا من حروف وآيات, فقالوا شعر, لأن الشعر مكوّن من حروف وكلمات.
فلما سمعوا القرآن, قالوا: هذا شعر, قال: (لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد إنه شعر) إذا قولهم عنه إنه شعر, هذا شاهد أنه مكوّن من حروف وكلمات, وبناءً على ذلك قالوا: إن القرآن شعر, وأنه قول شاعر, والله سبحانه قال: "إنه لقرءان كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون تنزيل من رب العالمين" وقال الله عزوجل: "وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون" فالشاهد أن القرآن الكريم ليس بشعر وادّعى المشركون أنه شعر, وهذه الدعوى منهم إنما كانت بناءً على أنهم سمعوا القرآن ووجدوا أنه بحروف وكلمات فادّعوا هذه الدعوى, ومراد المصنف بكل هذا الذي يسوقه إثبات أن القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى مكوّن من حروف وكلمات.

المتن:
وَقَالَ الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْناَ عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}[البقرة: 23]وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِالإتْيانِ بِمِثْلِ مَا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ وَلاَ يُعْقَلُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى علَيْهِم آيَاتُنا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَو بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَائِ نَفْسِي}[يونس: 15]فأَثْبَتَ أَنَّ القُرْآنَ هُوَ الآياتُ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الله تَعَالَى:{بَل هُوَ آيَاتٌ بَيـِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ}[العنكبوت: 49].
وَقَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ}[الواقعة: 77 - 79]بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى:{كَهيعص}[مريم: 1]و{حـَم (1) عـسـق}[الشورى: 1]وَافْتَتَحَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سُورَةً بِالحُروفِ المُقَطَّعةِ.


الشرح:
قال رحمه الله: (وقال الله تعالى: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" ولا يجوز أن يتحدّاهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يعقل)ريب: أي شك, فالمصنف رحمه الله يستشهد بهذه الآية, كما استشهد أيضا بالآية التي قبلها ليبيّن أن القرآن مكوّن من حروف وكلمات, مكوّن من حروف وكلمات, ولهذا قال: ولا يجوز أن يتحدّاهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يعقل, فالقرآن كلام الله حروفه وكلماته, ألفاظه ومعانيه, كل ذلكم كلام الله عزوجل , فالقرآن كلامه ألفاظه ومعانيه, ليس الألفاظ دون المعاني, ولا أيضا المعاني دون الألفاظ.
(وقال الله تعالى: "وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي")"قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي" أي أن القرآن كلام ربي جل وعلا, قال "ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي" أي لم يأت به عليه الصلاة والسلام من قبل نفسه وإنما هو مبلّغ, ولهذا قول الله سبحانه وتعالى: "إنه لقول رسول كريم" أضاف إليه القول بوصف الرسالة, والرسول مهمّته إبلاغ كلام مرسله لا إنشاء كلام من نفسه, الرسول مهمته إبلاغ كلام المُرسل, ولهذا قال "إنه لقول رسول كريم", ولمّا قال الوليد, -وقد مرّ معنا- "إن هذا إلا قول البشر" أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوصف البشريّة, أي أنه أنشأه بشر, قال "سأصليه سقر", أما قوله "إنه لقول رسول كريم" أضاف القول إليه بوصف الرسالة, والرسول مهمّته إبلاغ كلام مُرسله, لا إنشاء كلامٍ أو شيء من عند نفسه, "وما على الرسول إلا البلاغ".
فالرسول مهمّته أن يبلغ كلام المُرسل, فإضافة القول إليه, -أي إلى الرسول- أي على وجه البلاغ, يبلغ كلام الله سبحانه وتعالى.
وكان عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على الناس يقول: من يحميني حتى أبلّغ كلام ربي, والله يقول: "يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته".
قال (فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم)"وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات" فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم.
(وقال تعالى: "بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم")وكونه يحفظ في الصدور, لا يخرجه من كونه كلام الله سبحانه وتعالى, لأن الأمر كما تقدّم: القرآن أينما توجّه هو كلام الله, لأن الكلام يضاف إلى من قاله ابتداءً, والقرآن من الله سبحانه وتعالى بدأ.
(وقال تعالى: "إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون")
قال رحمه الله: (بعد أن أقسم على ذلك) قال: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون" فالقرآن الكريم المكتوب في اللوح المحفوظ, والمكتوب بعدُ في المصاحف ولا يزال يكتب, هذا كله لا يخرجه عن كونه بحروفه وكلماته وسوره وآياته كلام الله سبحانه وتعالى.
قال: (وقال تعالى: "كهيعص" "حم.عسق" وافتتح تسعا وعشرين سورة بالحروف المقطعة) مثل: يس, طه, ص, ق, حم, ألم, ونحوها من الآيات, تسعا وعشرين سورة من القرآن افتتحها الله سبحانه وتعالى بالحروف المقطّعة, فهذه الحروف وما في القرآن من كلمات وآيات كل ذلكم كلام الله سبحانه وتعالى.
ومما ذكر في الحكمة من افتتاح بعض السور بالحروف المقطعة؛ التنبيه إلى أن القرآن مكوّن من هذه الحروف, وتحدّى أهل الفصاحة وأهل البيان والبلاغة أن يأتوا بمثل هذا القرآن مع أنه مكوّن من هذه الحروف: كهيعص, ق, ... الخ.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #34  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:12 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 12)


المتن:
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ القُرْآن َفأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرفٍ حَسَنَةٌ)) حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:((اقْرَؤُواالقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السَّهمِ لايُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ وَلاَ يَتأَجَّلُونَهُ))

الشرح:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
(قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه") أعربه: أي لم يلحن في قراءته للقرآن، بل قرأه قراءة صحيحة، قراءة لا غلط فيها ولا خطأ، (فمن قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه فلحن فيه): وهذا ضد قوله فأعربه، ويوضح لنا أيضا معنى أعربه: أي لم يلحن فيه، (ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) والشاهد من الحديث هو: أنه صريح في أن القرآن مكون من حروف، وأن من قرأ القرآن له بكل حرف من القرآن حسنة، أو له بكل حرف من القرآن عشر حسنات، والحديث الذي ساقه المصنف رحمه الله، هو من حديث ابن مسعود مرفوعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفي إسناده نهشل وهو متروك الحديث، فالحديث ضعيف الإسناد، ولكن المعنى المذكور في الحديث ثبت عن ابن مسعود من وجه آخر بلفظ آخر بإسناد حسن في سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فألم هذه ثلاثة حروف بها لمن قرأها ثلاثون حسنة.
(قال عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرءان قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم") يقيمون حروفه إقامة السهم: أي يقرءونه قراءة متقنة ويحفظونه حفظا متقنا، حتى إن الواحد منهم ليقرأ القرءان من أوله إلى آخره ولا يُحفظ أو يُسمع له فيه خطأ واحد، قراءة متقنة.
ويكون هذا الإتقان وهذه الإقامة للحروف فقط، لحروف القرءان فقط.
(يتعجّلون أجره ولا يتأجّلونه) يتعجّلون أجره: أي يريدون بهذا الحفظ وهذا الإتقان لحروف القرءان أجرا معجّلا في الدنيا، إمّا مال أو شهرة أو سمعة أو نحو ذلك، يتعجّلون أجره: أي يريدون شيئا في الدنيا معجّلا لا يريدون به الآخرة، ولا يرجون بذلك ثواب الله سبحانه وتعالى وإنما يريدون على ذلك شيء يتعجّلونه في الدنيا.
فمعنى قوله: يتعجّلون أجره ولا يتأجلونه:يتعجّلون أي في الدنيا، ولا يتأجّلونه في الآخرة، ولا يدخل في عمل الإنسان الصالح سواء حفظ القرءان أو غيره إلا إذا أراد به الآخرة، أما إذا أراد بالعمل الدنيا، لا يدخل في عمل الإنسان الصالح ولا يقبله الله سبحانه وتعالى منه ولو حفظ القرآن حفظا متقنا، بل صحّ في صحيح مسلم: "أن من أول من تسعّر بهم النار ثلاثة وذكر منهم من حفظ القرآن ليقال حافظ، فيقال له: قد قيل ثم يسحب ويلقى في النار" وقد كان في الدنيا مشهورا بين الناس بحفظ القرءان حفظا متقنا، ثم يسحب ويلقى –عياذا بالله تبارك وتعالى- يوم القيامة في نار جهنم، لماذا؟ لأنه تعجل أجره ولم يتأجله، أراد بحفظ القرءان الدنيا، ولم يرد به ثواب الآخرة، ولهذا يقال له في الآخرة، حفظت القرءان ليقال: حافظ، وقد قيل.
وماذا تفيده يوم القيامة هذه النية، عندما حفظ القرءان ليقال حافظ، أو ليقال قارئ، أو ليشار له بالإصبع: أن هذا فلان حافظ القرءان المتقن للقرءان، المجوّد، الخ.
حتى لو حفظ القرءان بالقراءات وأتقن ذلك وأجاده، كل هذا لا ينفعه عند الله إلا إذا ابتغى به وجه الله، وقد قال الله سبحانه في القرءان: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" من شرط شكران السعي وقبوله عند الله سبحانه وتعالى: أن يريد به العامل الآخرة، أما إذا كان يريد به الدنيا ويحرص على إتقان القراءة وضبطها وتجويدها وحسن الترتيل وحسن الأداء الخ، وهو إنما يريد بذلك السمعة والرياء والشهرة الخ، هذا إطلاقا لا يدخل في صالح عمل الإنسان الذي يشكره الله سبحانه وتعالى، ويثيب عليه العامل، والحديث واضح في تقرير هذا المعنى: "اقرءوا القرءان قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم" يعني إقامة متقنة هذا المراد بإقامة السهم، إقامة متقنة ودقيقة جدا، ولا يُحفظ عليه خطأ أو غلط، يجيده إجادة تامة، لكن هذه الإجادة كانت منه مقتصرة على الحروف فقط، دون الحدود، يقيم الحروف دون الحدود.
(لا يجاوز تراقيهم) يعني حظّه من القرءان التراقي فقط، فقط الصوت الذي يكون منه في تلاوة القرءان، لكن القرءان لا يظهر عليه، لا في أخلاقه ولا في نيّته، ولا في معاملته، ولا في عبادته، ولا في تعامله، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمّا سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرءان".
والحسن البصري رحمه الله، وأنتم تعلمون أنه من علماء التابعين، أدرك عددا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عن بعض القراء في زمانه، يتحدث عن بعض القراء في زمانه، ذلك الزمان الفاضل، والوقت الفاضل، الذي أدرك أهله أواخر الصحابة، ورأوا عددا من الصحابة، فكان يتحدث عن بعض القراء في ذلك الزمان، فقال رحمه الله: يقول أحدهم –يصف بعض القراء- قرأت القرءان كله ولم أسقط منه حرفا –يعني قراءة متقنة لا يُحفظ علي خطأ في حفظي للقرءان- وقد أسقطه والله كله" هكذا يقول الحسن، يقول: "وقد أسقطه كله، لا يرى عليه القرءان، لا في خلق، ولا عمل" يعني إذا رئيت أعماله أو رئيت أخلاقه، ليست الأعمال التي في القرءان وليست الأخلاق التي في القرءان، قال: "لا يُرى عليه القرءان لا في خلق ولا عمل، ومتى كانت القرّاء مثل هؤلاء لا كثّر الله في الناس مثل هؤلاء" هكذا يقول، فما هؤلاء بالقراء وما هؤلاء بالعلماء وما هؤلاء بالورعة، ليسوا أهل القرءان ولا أهل العلم ولا أهل الورع.
فأهل القرءان هم الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بتلاوة القرءان وفهم معاني القرءان والعمل بالقرءان الكريم، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" وتلاوة القرءان حق التلاوة تشمل الأمور الثلاثة: القراءة والفهم والعمل بالقرءان الكريم.
المتن:
وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (إِعْرَابُ القُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيْنَامِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ).
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَاللهُ عَنْهُ: (مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ)
وَاتَّفَقَ المسْلِمُونَ عَلَى عَدِّ سُوَرِ القُرْآنِ وَآياتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ المُسْلِمينَ في أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنَ القُرْآنِ سُورَةً أَوْ آيَةً أَوْكَلِمَةً أَوْ حَرْفاً مُتَّفَقاً عَلَيْهِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَفي هَذَا حُجَّةٌقَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ حُرُوفٌ.
الشرح:
ثم ختم رحمه الله تعالى بنقل بعض الآثار وحكاية اتفاق المسلمين على عدّ سور القرءان وآياته وكلماته وحروفه، فنقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
(إعراب القرءان أحب إلينا من حفظ بعض حروفه) والمراد بإعراب القرآن: أي فهم القرءان وفهم معانيه، والعمل بكتاب الله سبحانه وتعالى، قال: هذا أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، أي حفظا مجرّدا دون فهم ودون عمل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "والقرآن حجة لك أو عليك" فالقرآن حجة لمن فهمه وعمل به، وحجة على من حفظه ولم يعمل به، فإن الآيات التي في صدره ويحفظها من كلام الله سبحانه وتعالى تكون حجة عليه.
وفي الحديث الآخر: "إن الله يرفع بهذا القرءان أقوام ويضع به آخرين".
وإسناد الأثر الذي ساقه المصنّف رحمه الله ضعيف وفيه أكثر من علّة، فهو لم يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه.
(وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كلّه) لأنه كلّه كلام الله، فمن كفر بحرف، كفر بكلمة من القرءان، أو كفر بآية، أو بجزء يسير من القرءان، فقد كفر به كله.
ومن كفر بالقرءان فهو كافر بالله العظيم سبحانه وتعالى.
(واتفق المسلون على عد سور القرءان وآياته وكلماته وحروفه.
ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرءان سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفا –متفقا عليه- أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف) فالقرءان الكريم مكون من حروف وآيات، ومر معنا في كلام نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "لا أقول الم حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فالقرءان مكون من حروف وكلمات وجمل وسور وآيات، وكل ذلكم كلام الله تبارك وتعالى، تكلم به رب العالمين، وهو وحيه وتنزيله سبحانه وتعالى.
ونختم يومنا بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #35  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:15 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر) درس 13)


المتن:
وَالمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَزُورُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَانَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23]
وَقَالَ تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين: 15]
فلمَّا حَجَبَ أولئكَ في حالِ السَّخطِ، دَلَّ عَلَى أنَّ المُؤمنينَ يَرَوْنَهُ حَالَ الرِّضَى، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّكم تَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لاتُضَامُّون في رُؤْيَتِه)).حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ بالرؤية لاَ لِلْمَرْئِي بِالمَرْئِي، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَنَظِيرَ.
الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فهذا ذكر وتقرير لعقيدة أهل السنة والجماعة في الرؤية، أي أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى عيانا بأبصارهم حقيقة يرون رب العالمين سبحانه وتعالى الذي خلقهم وهداهم للإيمان ومنّ عليهم بدخول جنّة النعيم، فيفوزون بأكبر كرامة وأعظم نعمة ألا وهي: رؤية الله جل وعلا.
الرؤية دلّ عليها القرآن الكريم ودلّت عليها سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع عليها سلف الأمة، وأنكرها أهل البدع والضلال وجحدوا ثبوتها، والرؤية حق وإثباتها جزء من المعتقد الذي يجب أن يعتقده المسلم وأن يؤمن به إيمانا بما دلّ عليه كتاب الله وبما دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن هذه العقيدة المباركة العظيمة تحرك في قلب المؤمن شوقا عظيما وطمعا كبيرا بأن يكون من هؤلاء الفائزين بهذا النعيم العظيم والخير العميم، وفي دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة)
ومن ينكر الرؤية، فبموجب إنكاره لها، لا يقوم في قلبه طمع يوما ما في أن يفوز بهذا النعيم ولا يتحرك لسانه يوما ما بدعاء الله سبحانه وتعالى أن يكرمه بهذا النعيم العظيم، ولهذا قال من قال من السلف رحمهم الله تعالى: (حري بمن أنكر الرؤية وجحدها أن يُحرم منها يوم القيامة) لأنه لم يقم في قلبه أصلا طمع في أن يكون من أهل هذا الفوز العظيم.
(والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم) قوله في الآخرة: أي أن الدنيا ليس فيها رؤية ولن يرى أحد ربه في الدنيا كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) فالدنيا ليس فيها رؤية، ولما طلب موسى عليه السلام من الله تعالى أن يكرمه بأن يراه، قال: "لن تراني".
فقول المصنف رحمه الله: (يرون ربهم في الآخرة) في قوله: (يرون ربهم) رد على من أنكر الرؤية أصلا من أهل البدع، وفي قوله: (في الآخرة) رد على من أثبتها في الدنيا من أهل البدع، والحق أن الرؤية ثابتة للمؤمنين في الدار الآخرة يكرمهم الله سبحانه وتعالى برؤيته عز وجل.
قال: (بأبصارهم) أي رؤية حقيقية بالأبصار، فيرى المؤمنون ربهم رؤية حقيقية بأبصارهم، أكدها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (كما ترون القمر ليلة البدر) تشبيها للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي.
أي كما أنكم في الدنيا ترون القمر ليلة التمام، ليلة البدر بأبصاركم، لا تحتاجون في رؤيته إلى تضام ولا يحصل لكم ضيم، فإنكم كذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم، فهي رؤية حقيقية بالأبصار ثابتة لأهل الإيمان.
(ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه) أي أنه سبحانه وتعالى يتجلّى للمؤمنين في جنّات النعيم، فينعمون أعظم نعيم، وتقرّ أعينهم أجمل قرّة عين برؤيتهم لربهم، وخالقهم ومليكهم سبحانه وتعالى، فتكسى وجوههم بهذا النظر نضرة وحسنا وجمالا، وكيف لا وقد حظيت تلك الوجوه بالنظر إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا ساق المصنّف:
(قول الله جل وعلا: "وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة") وجوه يومئذ ناضرة: أي حسنة بهيّة جميلة كستها النضرة وهي الحسن والجمال، وفي الدعاء قال عليه الصلاة والسلام: (نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها) دعاء له بالنضرة، قال: (نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها)، ومن مقالته عليه الصلاة والسلام هذا الحديث: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) فحفظ هذا الحديث وفهمه واعتقاد ما دلّ عليه، وإبلاغه للناس من أسباب النضرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم المبارك.
والمؤمنون عندما يرون ربهم سبحانه وتعالى، يكون بهذا النظر نضرة لهم، وجمالا وحسنا وبهاء وإذا رجعوا إلى أزواجهم، رجعوا وقد ازدادوا حسنا وجمالا لما أكرمهم الله سبحانه وتعالى به من نظر إلى وجهه وفوز بأعظم نعيم وأكمل نعيم.
قال: "وجوه يومئذ ناضرة" أي حسنة بهية، "إلى ربها ناظرة" أضاف النظر إلى الوجوه، قال: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها" أي تلك الوجوه، فأضاف النظر إلى الوجوه، وعدّاه بحرف إلى، قال: "إلى ربها ناظرة"وهذا كله يدل دلالة ظاهرة على ثبوت النظر بالأبصار حقيقة، كما قال المصنف يرونه بأبصارهم، لأن النظر في الآية أضيف إلى الوجوه وعُدّي بإلى، فلا يكون النظر إلا بالباصرة التي هي العين.
(وقال تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون") أي الكفار، ومعنى محجوبون أي عن الله والنظر إليه سبحانه وتعالى، والحجب سببه سخط الله وغضبه جل وعلا عليهم وعدم رضاه عنهم، فالحجب هذا في السخط، والرؤية التي يكرم الله سبحانه وتعالى بها أهل الإيمان هي في الرضا، رضي الله عنهم فأكرمهم بهذا النعيم، وأولئك سخط الله عليهم فحجبهم، وبهذا يتبين أن الرؤية إثابة وإنعام، والحجب سخط وعقوبة، فمن جملة ما يعاقبون به يوم القيامة على كفرهم وصدودهم حجبهم عن رؤية الله سبحانه وتعالى،قال: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"
(فلما حجب أولئك في حال السخط) حُجب أولئك أي الكفار، في حال السخط: أي أن موجب الحجب هو: سخط الله وغضبه عليهم.
فلما حجب أولئك في حال السخط دلّ –أي هذا الحجب- على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا يكون الجميع مشترك، إذا كان ليس هناك رؤية لأحد، حتى للمؤمنين فالكل محجوب عن الله، ولا معنى لتخصيص الكافر بقوله سبحانه وتعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" وهذا شيء خُصّ به الكافر، عقوبة له وسخطا من الله سبحانه وتعالى عليه، فإذا جُحدت الرؤية أصلا، فالكل محجوب، ولا معنى لتخصيص الكافر هنا بقوله "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"
(فلما حجب أولئك في حال السخط دلّ على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإلا لم يكن بينهما فرق) وإلا لم يكن بينهما فرق: أي لم يكن بين المؤمنين والكفار فرق، لأن الكل على هذه العقيدة محجوب، الكل على هذه العقيدة لا يرى الله، فلا فرق بين المؤمنين والكفار إذا كان الإنسان ينكر الرؤية أصلا.
إذا من أدلة أهل السنة على إثبات الرؤية من القرآن، قول الله سبحانه وتعالى "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" أي يحجبهم عن رؤيته سخطا منه سبحانه وتعالى عليهم وغضبه، فدلّ مفهوم المخالفة لهذه الآية، أن المؤمنين بخلاف ذلك، يكرمهم الله سبحانه وتعالى فيرونه بأبصارهم إكراما منه جل وعلا وإنعاما عليهم.
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #36  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:17 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( درس14)

الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته") إنكم: أي أيها المؤمنون، ترون ربكم: أي بأبصاركم يوم القيامة رؤية حقيقية إنعاما منه سبحانه وتعالى عليكم وإكراما، كما ترون هذا القمر، وكانت هذه الإشارة ليلة البدر، ليلة التمام، عندما يكون القمر في تمامه، في الليلة المقمرة، وفي كبد السماء، فيراه الجميع، ويشاهده الجميع بالأبصار، قال: كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته، أي: لا يحصل لكم ضيق، وفي بعض الروايات: لا تَضامون في رؤيته، يعني: ما يحتاج أن يجتمع بعضكم إلى بعض، أو تتزاحمون، بل هو واضح وظاهر وبيّن ترونه جميعا.
والتشبيه هنا في قوله: "كما ترون القمر" كما قال المصنف؛ تشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، ليس التشبيه هنا لله سبحانه وتعالى بالقمر، وإنما تشبيه للرؤية بالرؤية، أي كما أنكم ترون القمر ليلة البدر بأبصاركم حقيقة، فإنكم كذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم حقيقة، هذا معنى قوله: "كما ترون القمر" أي كما أنكم ترون القمر بأبصاركم في الدنيا ليلة البدر حقيقة لا تضامّون في رؤيته، فكذلك سترون ربكم يوم القيامة بأبصاركم حقيقة، فالتشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير، كما قال سبحانه وتعالى: "هل تعلم له سميّا" أي نظيرًا ومشابهًا، وقال تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
ولما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الرؤية وأن الله سبحانه وتعالى يُكرم المؤمنين يوم القيامة بها، وتكون بذلك القلوب قد اشتاقت، والنفوس تحرّك فيها الطمع للفوز بهذا الأمر العظيم، قال عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: "فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا".
فإذا طمع قلبك في الرؤية، وتقت أن تكون من أهلها، فعليك ببذل الأسباب التي تنال بها هذا النعيم العظيم، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة التي هي عماد الدين وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربّه سبحانه وتعالى، ومن ضيّع الصلاة وغُلب عليها، حكم على نفسه بالحرمان من الخير، وحكم على نفسه بفوات الخير، وقد ذكرت الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة وحُشر مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" وأبي بن خلف هذا عدو لدود للنبي عليه الصلاة والسلام، من ألد أعدائه، ومن الذي يرضى لنفسه أن يكون يوم القيامة جنبا إلى جنب مع صناديد الكفر وأعمدة الباطل، ومن لا يصلّ حكم على نفسه بذلك ورضي لها بذلك شاء أم أبى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" فالذي لا يصلّي فقد أبى على نفسه أن يدخل الجنة، وأبى أن يفوز بهذا النعيم ألا وهو رؤية الله سبحانه وتعالى، ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يُغلب الإنسان على صلاته فيُحرم من الخير، ويُفوّت نفسه هذا الخير.
قال: "فإن استطعتم ألا تُغلبوا" وقوله: تُغلبوا، هذه الكلمة لها بُعدها في الدلالة، وينبغي أن ننتبه لها، وعلى الطريقة الآن المعروفة في التعلم تضع تحتها خطوط، حتى تكون هذه الكلمة لها وقع في نفسك، وحتى تدرك بُعد هذه الكلمة، حتى يبقى لها الأثر في نفسك.
قال: "ألا تُغلبوا" هذا فيه إشارة ودلالة أن ثمّة غوالب كثيرة تغلب الناس على هذه الصلاة، إذا هذا ميدان مصارعة، ميدان مجاهدة، حتى يفوز الإنسان، ويخرج من هذه الدنيا فائزا، لا أن يخرج من هذه الدنيا مهزوما، مغلوبا، وإذا تُحدّث الآن عن الفوز والهزيمة، لا تنصرف أذهان كثير من الناس إلا في اللعب، بينما الفوز المبين والفوز العظيم هو مجاهدة النفس على طاعة الله سبحانه وتعالى، وأصبح من الناس الآن، من أجل اللعب يتركون الصلاة، وهذه غليبة، هذا مغلوب، وربما يخرج ويظن أنه قد فاز، وأن من ينتصر له من اللاعبين أنهم قد فازوا، والكل خاسر، لأنهم تركوا الصلاة، وغُلبوا، هذه غليبة، أعظم غليبة في الدنيا ترك الصلاة، وأعظم هزيمة في الدنيا ترك الصلاة، تارك الصلاة مهزوم، وتارك الصلاة مغلوب، وإن كان الشيطان يلعب عليه ويوهمه أنه قد فاز، وهو في الحقيقة مهزوم مغلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن استطعتم ألا تُغلبوا" إذا في غليبة وفوز، الغليبة ضدها الفوز، ففي غليبة وفي فوز، فالذي يُصلّي فائز، والذي لا يُصلي مغلوب أي مهزوم، وخسر خسرانا عظيما بأن غُلب على الصلاة، قال: "إن استطعتم ألا تُغلبوا" ثم أيضا تساءل تساؤلا ينفعك وتحتاط أيضا لنفسك بموجبه، وهذا نافع في التفقه في هذه الكلمة "ألا تُغلبوا"، تساءل تساؤلا يجعلك فيما بعد تحتاط لنفسك ألا تُغلب، من الذي يغلب الناس عن الصلاة؟
وخذ مثالا صلاة الفجر، وما أكثر ما يغلب الناس على هذه الصلاة، وما أكثر ما يصبح كثير من الناس ولم يصل الفجر أو يصليها وقد خرج وقتها، ويفوّت صلاتها مع جماعة المسلمين، مع أنه صحّ في الحديث: "أن من صلّى الفجر مع جماعة فهو في ذمة الله" فيحرم نفسه حرمانا عظيما، وانظر فيما غلب الناس على هذه الصلاة، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تغلب عليها، احذر أشدّ الحذر من أن تغلب على هذه الصلاة، ويجب أن تعلم أن ثمّة ارتباط بين الصلاة والرؤية، فأهل الصلاة أهل الرؤية، وتارك الصلاة أهل الحجب عن رؤية الله سبحانه وتعالى، لأن تارك الصلاة كافر، وقال الله سبحانه وتعالى عن الكفار: "كلّا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" وقد دلّ على الارتباط بين الصلاة والرؤية أدلة كثيرة منها هذا الحديث: "إنكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تُغلبوا" يعني كأنهم قالوا: يا رسول الله نريد هذه الرؤية ونتمنى أن نكون من أهلها، ماذا نفعل؟
فأجاب الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام دون أن يُسأل، قال: "فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس" صلاة الفجر "وصلاةٍ قبل غروبها" أي صلاة العصر، الفريضة المكتوبة، فافعلوا، ومن ضيّع هاتين الصلاتين العظيمتين فهو لما سواهما أضيع، من ضيّع الصلوات المكتوبة فهو لما سواها من دين الله أضيع، ولا حظّ في الإسلام لمن ضيّع الصلاة، كما جاء عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومن لا يصلّ لا دين له، كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، والعهد الذي بين المسلمين وبين الكفار الصلاة، العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.
ومن الدلائل على الارتباط بين الصلاة وبين الرؤية، قول الله سبحانه: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" هؤلاء أهل الصلاة، قال: "ووجوه يومئذ باسرة" هؤلاء أهل الحجب، "ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يُفعل بها فاقرة .كلّا إذا بلغت التراقي .وقيل من راق .وظنّ أنه الفراق .والتفّت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق" لماذا هذه العقوبات، ولماذا هذا الحجب، ولماذا هذا الحرمان، الجواب "فلا صدّق ولا صلّى"، هذا هو الجواب "فلا صدق ولا صلى"، بينما الأول الذي أكرمه الله بالرؤية والنظر، هؤلاء هم أهل الإيمان أهل الصلاة "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة".
أما أن يبقى الإنسان عاطلا مضيّعا دينه، ومع تضييعه لدينه يقول: أتمنى أن أكون من أهل الرؤية، فالله سبحانه وتعالى يقول: "ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به" ليس الأمر بمجرّد الأماني، وإلا لو كان الأمر بمجرّد الأماني، فاليهود إخوان القردة والخنازير يقولون بملء أفواههم: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا.
فليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به، الذي يُضيّع دينه، ضيّع الخير، ولهذا نبّه وبيّن ونصح عليه الصلاة والسلام وأكّد على المحافظة على هذه الفريضة العظيمة وألّا يُغلب عليها الإنسان.
ومن الارتباط بين الرؤية والصلاة ما جاء في الدعاء الذي رواه عمّار بن ياسر والذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، كان يقول في صلاته قبل أن يسلّم: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوّفني ما كانت الوفاة خيرا لي ... وفي تمامه، قال: وأسألك لذّة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هُداة مهتدين" يقول هذا صلى الله عليه وسلم في صلاته قبل أن يسلّم، فبين الصلاة والرؤية ارتباط، ومن ترك الصلاة كفر، وكان من أهل الحجب والحرمان، ومن حافظ على هذه الصلاة كانت أمارة على الإيمان وبرهانًا عليه ونجاةً للإنسان يوم القيامة، وسببا للفوز بهذا النعيم العظيم والثواب العميم.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يكرمنا جميعا بلذّة النظر إلى وجهه والشوق إلى لقائه في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
وقد حدّثني مرة أحد الأشخاص يقول: جمعني مجلس بأحد الذين ينكرون الرؤية، وكان في المجلس عوام، يقول: فكان يُجادل بشبهات عقليّة، والحاضرون في المجلس لا يستوعبون لكنه يشككهم، يقول: فقلت له انتظر، اتركنا من هذا الكلام الذي تقوله والأمور العقلية التي تقولها اتركنا منها، أنا الآن أريد أن أرفع يدي بالدعاء وأريد منكم جميعا أن تؤمنوا وأنت أيضا أمّن معي، يقول للشخص الذي ينكر الرؤية، ثم رفعت يدي وقلت أنا أدعو أن يحرمك الله من رؤيته يوم القيامة، وتؤمّنون على دعائي، يقول ورفعت يدي وبدأت أدعو، قال: لا توقف، قلت: ما دام أنك معتقد أنه لا يُرى يوم القيامة، ما الذي يخيفك، خلنا ندعو عليك أن الله يحرمك من رؤيته يوم القيامة، قلت: يا إخوان قولوا آمين وأرفع يدي، ويمنعني من ذلك.
يقول: وكانت هذه من فضل الله كافية لهؤلاء العوام أن يرفضوا كلام هذا الرجل، لأن لو كانت عقيدة يعتقدها الإنسان ما يبالي، ما يبالي أن يدعى بذلك، والمصيبة في هؤلاء أن هذه العقيدة كانت سببا لحرمانهم من كل خير، والعقيدة الصحيحة المستمدّة من الكتاب والسنّة لمن يوفقه الله لحسن اعتقادها والإيمان بها سبب الفوز بكل خير.
ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #37  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:20 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر( درس 15)


المتن:
وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وأنه لاَ يَكُونُ شَيْءٌ إِلاَّبِإرَادَتِهِ ، وَلاَ يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَلَيْسَ في العَالَمِ شَيْءٌ يَخْرُجُ عَنْ تَقْدِيرِهِ وَلاَ يَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ تَدْبِيرِهِ ، وَلاَمَحِيدَ لأحد عَنِ القَدَرِ المَقْدُورِ ، وَلاَ يُتَجَاوَزُ مَا خُطَّ له في اللَّوْحِ المَسْطُورِ.
أَرَادَ مَا العَالَمُ فَاعِلُوهُ ، وَلَوْ عَصَمَهُمْ لَما خَالَفُوهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُطِيعُوهُ جَمِيعاً لأَطَاعُوهُ.
خَلَقَ الخَلْقَ وَأَفْعَالَهمْ، وَقَدَّرَ أَرْزَاقَهمْ وَآجَالَهُمْ.
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُبِحكْمَتِهِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{لاَ يُسْأَلُ عَمَّايَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ}[الأنبياء: 23]
وقَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}[الفرقان: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ من مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد: 22].
وقالَ تَعالَى:{فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: 125].
الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
هنا بدأ المصنف رحمه الله تعالى يتحدّث عن الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، وعماد من أعمدته، ودعامة من دعائمه،
وبالقـــدر المقــــدور أيقـن فإنـــه
دعامة عقد الدين والدين أفيح (في حائية ابن أبي داود)
دعامة عقد الدين، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، ودعامة لدين الله جل وعلا وعليه قيام الدين، كما أن الدين لا يقوم إلا على الأصول المعروفة التي منها الإيمان بأقدار الله تعالى، وسيأتي عند المصنف رحمه الله تعالى، بذكر الحديث الذي جمع فيه عليه الصلاة والسلام الأركان التي عليها قيام الدين وهي أركان ستة.
ومعنى كون هذه الأركان، أركانا للدين لا قيام للدين إلا عليها، فإن الكفر بها أو بشيء منها محبط للأعمال كلّها، هادم للدين برمّته، "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين" ويقول تعالى: "وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله" فالكفر بأصول الإيمان محبط للأعمال مبطل لها، ولا قبول لأي عمل من الأعمال إلا إذا أقامه العامل على هذه الأصول ولهذا نجد آيات كثيرة يقيّد فيها قبول العمل الصالح بوجود الإيمان، كقوله سبحانه وتعالى: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" والآيات في هذا المعنى كثيرة، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، ولا إيمان ولا قبول للأعمال إلا به، ولا ينتظم أمر الإيمان إلا به، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد)، فإذا وحّد العبد ربه وكذّب بالقدر، نقض تكذيبه توحيده، فالإيمان بالقدر نظام التوحيد، أي لا ينتظم توحيد العبد وإيمانه إلا إذا آمن بالقدر، فإذا كذّب بالقدر فإن هذا التكذيب بالقدر نقض للتوحيد، وإبطال للإيمان، والإيمان بالقدر هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى علم في الأزل كل شيء وأنه عز وجل أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، والإيمان بأن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، "إن ذلك في كتاب. إن ذلك على الله يسير" والإيمان بأن الأمور كلها بمشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والإيمان بأن الله خالق كل شيء، فهذه الأمور الأربعة توضّح حقيقة الإيمان بالقدر، فالإيمان بالقدر هو الإيمان بهذه المراتب الأربعة التي لا إيمان بالقدر إلا بالإيمان بها: العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد، ولا يكون مؤمنا بالقدر إلا من آمن بهذه الأمور الأربعة كلها.
علم الله سبحانه وتعالى الأزلي المحيط بكل شيء، وكتابته لما هو كائن في اللوح المحفوظ، وأن الأمور كلها بمشيئته سبحانه وتعالى، وأنه عزوجل الخالق لكل شيء.
ولهذا يحسن بمن سئل عن الإيمان بالقدر ما هو، أن يصوغ عبارة تشمل هذه الأمور الأربعة، أن يصوغ عبارة في تعريفه وذكر حدّه تشمل هذه الأمور الأربعة التي هي حقيقة الإيمان بالقدر.
(ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد) كما قال عز وجل: "فعال لما يريد"، فما أراده أي كونا وقدرا، والإرادة هنا كونية قدرية، ما أراده كونا وقدرا، فعله سبحانه وتعالى كما أراده جل وعلا "فعال لما يريد" أي ما أراده كونا وقدرا فعله.
(لا يكون شيء إلا بإرادته) أي الكونية القدرية، لأن الإرادة التي هي صفة لله سبحانه وتعالى نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادة شرعية دينية.
والإرادة هنا في قوله (لا يكون شيء إلا بإرادته) هي الإرادة الكونية القدرية، لا يكون شيء؛ أي في هذا الكون من حياة أو موت خفض أو رفع، قبض أو بسط، عز أو ذل، هداية أو ضلال، مرض أو صحة، غنى أو فقر، لا يكون شيء إلا بإرادته، أي الكونية القدرية.
(ولا يخرج شيء عن مشيئته) لأن مشيئته سبحانه وتعالى نافذة، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، مشيئته سبحانه وتعالى نافذة، الشيء الذي يشاؤه سبحانه يكون في الوقت الذي يشاؤه سبحانه على الصفة والهيئة التي شاءها جل وعلا.
لا يخرج شيء عن مشيئته، وهذ هو معنى الكلمة المشهورة "ما شاء الله كان" وفي القرآن "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" وفي هذا المعنى يقول الشافعي رحمه الله في أبيات له جميلة، هي من أحسن ما قيل في الإيمان بالقدر، يقول:
ما شئت كان وإن لم أشأ
وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
وفي العلم يجري الفتى والمــزن
على ذا مننت وهذا خذلته
وهذا أعنته وذا لم تعـــن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
ومنهم قبيح ومنهم حسن
أي أن هذا كله بالقدر، وهذا معنى قول المؤلف (لا يكون شيء)، شيء نكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي شيء، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته.
(وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره) كل هذا تنويع في العبارة لتأكيد هذا المعنى وتقريره، وهو أن لا يكون شيء في هذا الكون ولا يقع شيء في هذا العالم إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى ومشيئته عز وجل.
(ولا محيد عن القدر المقدور) إذا قدّر الله سبحانه وتعالى على عبده أمرا لا محيد له عنه، ولا مفر له منه، وما شاءه الله كان ولا مفر، لأن مشيئته سبحانه وتعالى نافذة في العباد، فلا مفرّ من ذلك.
ولا محيد: أي لا مفر عن القدر المقدور، لا مفر للعبد عن الشيء الذي قدّره الله سبحانه وتعالى له وكتبه عليه، "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" "إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله"
(ولا يتجاوز ما خُطّ في اللوح المسطور) ولا يتجاوز: أي العبد والمخلوق، ما خط في اللوح المسطور: أي ما كتبه الله له، أو ما كتبه الله عليه في اللوح المحفوظ، لا يتجاوزه، (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فالعبد لا يتجاوز الذي خُطّ في اللوح المسطور أي في اللوح المحفوظ الذي سُطر وكتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة، قد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب. قال: وما أكتب.قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كل شيء بقدر، حتى وضعك كفّك على ذقنك هكذا بقدر).
وفي حديث في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقدر حتى العجز والكسل) النباهة والفطنة بقدر، وأيضا ضدّها، كل ذلكم بقدر، فالأمور كلّها بقدر الله سبحانه وتعالى، (أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك).
(أراد ما العالم فاعلوه) عرفنا أن الإرادة نوعان: كونية وشرعية، فما معنى الإرادة هنا؟
الإرادة الكونية، أراد ما العالم فاعلوه، أي أراد سبحانه وتعالى كونا وقدرا ما العالم فاعلوه، لو قال قائل: الإرادة هنا المراد بها الشرعية، ماذا يكون في هذا الكلام من خطأ؟
لو كانت الإرادة هنا شرعية، ماذا يترتب على هذا الكلام من خطأ؟
أن المعصية أرادها الله شرعا، أراد ما هم فاعلوه وهم يفعلون الطاعات ومنهم من يفعل المعاصي، فإذا قال قائل: المراد بالإرادة هنا الشرعية، يلزم من ذلك أن ما يفعله الناس من معاصي يكون أرادها، ولهذا يجب أن يفرّق بين الإرادة الكونية القدرية، والإرادة الشرعية الدينية، حتى لا يُخطئ في فهم النصوص، لأن الإرادة في القرآن والسنة تارة تطلق ويراد بها الكونية، وتارة تطلق ويراد بها الشرعية، ومن لم يكن عنده تمييز بينهما قد يجعل واحدة مكان الأخرى فيترتب على ذلك فهما خاطئا لكلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
(ولو عصمهم لما خالفوه) لوعصمهم من الخطأ، لما وقع أي منهم في مخالفة، لا كفر ولا معاصي ولا فسق، لكن الإنسان ليس معصوم، أي لم يعصمه الله من الخطأ، ولو عصمه الله سبحانه وتعالى من الخطأ، لم يُخطئ، لكن الإنسان ليس معصوما.
(ولو شاء أن يُطيعوه جميعا لأطاعوه) لو شاء سبحانه وتعالى أن يُطيعوه جميعا لأطاعوه، لو شاء أن يكون الكل أهل طاعة، لأطاعوه جميعا ولم يكن فيهم كافر، قال: "ولو شاء لهداهم أجمعين" "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى، ولله الحكمة البالغة في خلقه لمخلوقاته بهذه الصفة وعلى هذه الهيئة.
(خلق الخلق وأفعالهم) أي خلق الأشخاص وخلق أيضا الحركات والصفات القائمة بالأشخاص، فخلق الخلق؛ أي خلق العباد بهذا القوام وبهذه الصفة، وأيضا خلق أفعالهم، جميع الأفعال التي يفعلها العباد ويمارسونها هي مخلوقات لله سبحانه وتعالى.
"والله خلقكم وما تعملون" "الله خالق كل شيء" وقوله كل شيء؛ أي الأشخاص والأفعال والحركات والسكنات، وكل شيء في هذا الكون الله خالقه سبحانه وتعالى، ومن لم يعتقد هذه العقيدة، يكون كافرا من جهة إثباته خالقا مع الله سبحانه وتعالى، يخلق بزعمه هذه الأشياء التي يرى أنها ليست مخلوقة لله وإنما هي مخلوقة لغيره، ولهذا قال أئمة السلف عن المعتزلة أنهم مجوس هذه الأمة، لأنهم قالوا بخالقين؛ الله خالق للإنسان، والإنسان خالق لفعل نفسه.
(وقدّر أرزاقهم وآجالهم) قدر سبحانه وتعالى أرزاق العباد وآجال العباد، يعني قدر على كل نفس رزقها، قال في الحديث: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يُرسل إليه الملك، فيُؤمر بكتب أربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) فقدر الأرزاق، كل شيء يقتاته الإنسان ويطعمه ويشربه في هذه الحياة مقدر ومكتوب، ولن تموت نفس حتى تستتمّ رزقها الذي قدره الله سبحانه وتعالى لها.
ولن يموت أحد إلا بأجله الذي كتبه الله سبحانه وتعالى عليه، سواء كان موته بقتل أو حادث أو بمرض أو بحرق أو بأي أمر كان، لن يموت أحد إلا بأجله، "لكل أجل كتاب" "فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"
(يهدي من يشاء بحكمته) أي إلى صراطه المستقيم.
(ويضل من يشاء سبحانه وتعالى بعدله) "ولا يظلم ربك أحدا" قال تعالى: "أفمن زُين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"
(قال تعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون") أي أن أفعال الله سبحانه وتعالى لا يجوز لهذا المخلوق الضعيف الفقير أن يسأل عن أفعال الرب العظيم الجليل، "لا يسأل عما يفعل" يعني لا يقال: لم فعل الله كذا، ولم يفعل كذا، هذا السؤال باطل.
ومن الإنسان حتى يقول في حق ربه وخالقه وسيده ومولاه؛ لم فعل كذا، ولم لم يفعل كذا، فهو سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل.
ونكتفي بهذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #38  
قديم 26 محرم 1433هـ/21-12-2011م, 08:22 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة, للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 16)


الشرح:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
فكما أنه لا يقال في الصفات كيف، ففي الأفعال لا يقال لم؟ كما أنه في الصفات لا يقال كيف، كيف صفته، كيف استواؤه، كيف رحمته، كيف يده .. هذه أسئلة باطلة.
والسلف بدّعوا من يسأل هذه الأسئلة، وفي باب الأفعال، لا يقال: لم؟ لم فعل الله؟ لِمَ لَمْ يفعل الله؟ هذه أسئلة باطلة، لا يسأل عما يفعل.
والسلف يلقبون أهل هذه الأسئلة بالمكيّفة واللميّة، المكيفة الذين يسألون عن الصفات بكيف، واللميّة الذين يعترضون على الأفعال بلم، وكلّا من الأمرين باطل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يسألون عن ماذا؟يسألون عما خلقهم الله لأجله، وأوجدهم لتحقيقه، فإذا آمن العبد هذا الإيمان، بما دلّت عليه هذه الآية العظيمة "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" فإن واجب من يؤمن بهذه الآية، ألا يسأل لم فعل الله؟ وإنما يسأل بم أمر الله؟
السؤال الأول باطل، والسؤال الثاني نافع، غاية النفع، لا تقل لم أمر الله، ولكن قل بم أمر الله؟
لا تقل لم أمر الله؛ لأن (لم) هذه اعتراض، وبم أمر الله؛ هذا تعرف على الدين، الذي سيسأل عنه العبد يوم القيامة، فيتعرف على دينه بم أمر الله، يسأل متعرفا على دين الله سبحانه وتعالى، ليعمل به، فينجو يوم السؤال، يوم القيامة.
فإذا علم العبد أنه سيسأل، فليعدّ للمسألة جوابا، بتعلّم دينه، والسؤال عن دينه، قائلا: بم أمر الله؟ ليتعلم دين الله سبحانه وتعالى ويعمل به، أما الآخر؛ فإنه لا يعمل بما سيسأل عنه، ويسأل معترضا على ربه وخالقه ومولاه بهذا السؤال الباطل، ولهذا قال أهل العلم: لا تقل لم أمر الله، ولكن قل بم أمر الله.
السؤال الأول باطل، والسؤال الثاني نافع.
(وقال الله تعالى: "إنا كل شيء خلقناه بقدر") وهذه من الآيات التي تثبت هذا الأصل العظيم وتقرره، وأن كل شيء: وشيء نكرة في السياق تفيد العموم، بقدر: أي قدّره الله سبحانه وتعالى وكتبه وقضاه جل وعلا.
(وقال تعالى: "وخلق كل شيء فقدره تقديرا") أيضا هذا فيه إثبات أن الأمور كلها بقدر الله عزوجل.
(وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها") وهذا أيضا فيه تقرير أن كل شيء، أو كل مصيبة تقع في الأرض أو في العباد في كتاب، كتبه الله في كتاب من قبل أن نبرأها، أي من قبل أن يوجدها ويخلقها سبحانه وتعالى، قد كتبت في كتاب؛ أي في اللوح المحفوظ.
(وقال تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا") والإرادة في الموضعين كونية قدرية، والآية فيها إثبات أن الأمور كلها بقدر، الهداية والضلالة، والكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، كل ذلكم بقدر، فمن يرد الله، أي كونا وقدرا، أن يهديه، يشرح صدره للإسلام، ومن يرد الله، أي كونا وقدرا، أن يضلّه، بحكمته سبحانه وتعالى، يجعل صدره ضيقا حرجا.
المتن:
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
فَقَالَ جِبْرِيلُ: صَدَقْتَ.
انفرد مسلم بإخراجه.
الشرح:
وأورد هنا دليلا من السنة على الإيمان بالقدر، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما، يرويه عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة مجئ جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله له عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان، ثم قوله في تمام الحديث: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
ولما سأله عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره" فجمع في هذا الحديث العظيم أصول الإيمان الستة التي عليها قيام الإيمان، ومن جملتها؛ الإيمان بالقدر.
المتن:
وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((آمَنْتُ بِالقَدَرِ خَيْرهِ وشَرِّه وحُلوِهِ ومُرِّهِ)).
وفي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الَّذِي عَلَّمَهُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَدْعُوبِهِ في قُنُوتِ الوِتْرِ: ((وَقِني شَرَّ مَاقَضَيْتَ)).
وَلاَ نَجْعَلُ قَضَاءَاللهِ وَقَدَرَهُ حُجَّةً لَنا في ارتكاب مناهيه ، وترك أوامره ، بَلْ يَجِبُ أنْ نُؤْمِنَ وَنَعْلَمَ أَنَّ للهِ عَلَيْنَا الحُجَّةَ بِإِنْزَالِ الكُتُبِ وَبِعْثَةِ الرُّسُلِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: 165]
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَمَرَوَنَهَى إِلاَّ المُسْتَطِيعَ لِلْفِعْلِ والتَّرْكِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُجْبِرْأَحَداً عَلى مَعْصِيَةٍ؛ وَلاَ اضْطَرَّهُ إِلى تَرْكِ طَاعَةٍ ، قَالَ الله تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]وَقَالَ تَعَالَى:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: 16]،وَقَالَ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمـَا كَسـَبَتْ لاَظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17]
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلاً وَكَسْبًاويُجْزَى عَلَى حَسَنِهِ بِالثَّوابِ ، وَعَلَى سَيّئِهِ بِالعِقَابِ ، وَهُوَوَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ.
الشرح:
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره") بهذا اللفظ لم أقف عليه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد في أحاديث عديدة من تعليمه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلكم ما مرّ علينا في حديث جبريل قال: "وبالقدر خيره وشره" "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".
(ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: "وقني شرّ ما قضيت") فقوله "وقني شر ما قضيت" نظير ما تقدم "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره"، أي من الله سبحانه وتعالى، والشر ليس واقعا في أفعاله سبحانه وتعالى، وإنما في مفعولاته ومخلوقاته، كما هو واضح في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن قال: وقني شر ما قضيت، فالشر في المقضي لا في القضاء، ولهذا جاء في أيضا الحديث الآخر: "والشر ليس إليك" فإذا جمعت بين قوله "والشر ليس إليك" وقوله "وقني شر ما قضيت" تدرك هذا المعنى، وهو أن الشر واقع في المقضي لا في القضاء، ليس الشر في فعل الله، وإنما في المفعول المخلوق، في مفعولاته ومخلوقاته سبحانه وتعالى، قال "وقني شر ما قضيت".
ثم بين رحمه الله تعالى مسألة عظيمة تتعلّق بالإيمان بالقدر، ألا وهي أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر في ترك الطاعات أو فعل المعاصي، قال:
(ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه) بمعنى أن الإنسان يرتكب المعصية، وإذا ارتكبها وانتقد في ذلك، قال: قدر، وإذا أيضا ترك طاعة، وعوتب على تركها، قال: هذا قدر، وهذه بمشيئة الله.
هذا أمر باطل، وهو من ما وصف الله سبحانه وتعالى الكفار والمشركين به: "قالوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا" فهذا الاعتراض، اعتراض باطل، وسينقضه المصنف رحمه الله، وهذا الكلام كلام باطل، وسينقضه المصنف رحمه الله بجملة من الأدلة مع بيانها وإيضاحها، قال: (ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه) بمعنى: أنه لا يجوز للعبد أن يترك الطاعة أو أن يفعل المعصية ثم يحتج على ذلك بالقدر، ولهذا قال أيضا أهل العلم: القدر يُحتج به في المصائب، ولا يُحتج به في المعائب" يعني إذا أصابت الإنسان مصيبة، يحتج بالقدر، ولكن قدر الله وما شاء فعل، قال: ولا تعجزن وإن أصابك شيء فقل قدر الله وما شاء فعل.
فيحتج بالقدر في المصائب، أما المعائب فلا يجوز أن يحتج بالقدر عليها، المعائب أن الإنسان يترك الطاعة أو يفعل المعصية ويحتج على هذا الترك للطاعة أو هذا الفعل للمعصية بالقدر، هذا لا يجوز، وسيأتي عند المصنف أدلة عديدة في بيان أن هذا الأمر لا يجوز، لا يجوز أن نجعل القضاء والقدر حجة لنا في ترك أوامر الله واجتناب نواهيه.
(بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل") قوله: ونعلم أن لله علينا الحجة، الله عزوجل لما قال الكفار: "لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء" قال الله في السياق نفسه: "قل فالله الحجة البالغة" أي الحجة القائمة عليكم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، والكتب بُينت فيها الأحكام والأوامر والنواهي، والرسل دعت وأقامت الحجة على العباد بالبيان، والإنسان له مشيئة بموجبها خوطب بالأوامر والنواهي، لأن من لا مشيئة له لا يُخاطب ولا يُؤمر ولا يُنهى.
فالحجة قائمة على العباد بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، قال: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" هذا أولا.
(ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك) فالأوامر التي في القرآن والنواهي: حافظوا على الصلاة، أقيموا الصلاة، إلى غير ذلك من الأوامر، النواهي التي في القرآن: النهي عن الشرك، والنهي عن الزنى، والنهي عن السرقة، هذه الأوامر والنواهي، الخطاب فيها للعباد، وخطابهم بالأوامر والنواهي دليل على أنهم مستطيعين، لأن غير المستطيع لا يُؤمر ولا يُنهى، فأمرهم بها ونهيهم، فأمرهم بالأوامر ونهيهم عن النواهي هذا دليل على القدرة والاستطاعة، وأنه لم يُجبر أحد على معصية، واضطر إلى ترك طاعة، ولو كان الأمر جبرا ما فائدة الأوامر والنواهي، إذا كان الإنسان مجبور على فعل نفسه، وليس له مشيئة أصلا، ما فائدة أن يُؤمر، يقال: صلّوا، ويقال: صوموا، ويقال: تصدّقوا، ويقال: لا تفعلوا كذا، وهو أصلا ليس عنده مشيئة، أيكون هذا؟! يؤمر من لا مشيئة له، فإذا الأوامر والنواهي التي في القرآن تدل على أن العباد لديهم استطاعة، ولديهم مشيئة، وأن الله هداهم النجدين، وأن الإنسان بمشيئته يختار طريق الخير، ويختار طريق الشر "لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين".
(وقال الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وقال الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم") هذا كله يدل على أن ما خوطب به العبد من أوامر هو في وسع العبد، وفي استطاعة العبد، لم يكلف العبد ما ليس في وسعه، ولم يكلف العبد ما لا يستطيع، وهذا يدلنا أن احتجاج من يحتج بالقدر على ترك طاعة أو فعل معصية، احتجاج باطل، ومصادم لهذه الأدلة.
(وقال تعالى: "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم") إثبات أن أفعال العبد كسب لهم وهم الذين اكتسبوها بمشيئتهم وإرادتهم، واختيارهم، وأن الحساب يكون على ذلك "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت" أي بما كسبت من أعمال في هذه الحياة الدنيا، هذا كله من الأدلة على أن الإنسان لم يجبر على فعل نفسه، قال:
(فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره).
ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #39  
قديم 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م, 08:21 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة: للشيخ عبد الرزاق البدر(درس 17)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
المتن:
وَالإيمانُ: قَوْلٌب ِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالأرْكَانِ، وَعَقْدٌ بِالجَنَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ،وَيَنْقصُ بِالعِصْيَانِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوااللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُؤْتُواْالزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5] فَجَعَلَ عِبَادَةَ اللهِ تَعَالَى وَإخْلاَصَ القَلْبِ وَإقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيْتَاءَ الزَّكَاةِ كُلَّهُ مِنَ الدِّينِ.
وَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الْطَّرِيق، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمانِ))، فَجَعَلَ القَوْلَ وَالعَمَلَ جميعاً مِنَ الإِيْمَانِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَزَادَتْهُمْإِيمَانًا}[التوبة: 124] وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا}[الفتح: 4]
وَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يخرجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ: لاَ إِلَه إِلاَّاللهُ وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ، أَوْ ذَرَّةٍ منالإِيمان))فَجَعَلَهُ مُتَفَاضِلاً.


الشرح:



شرع المصنف رحمه الله هنا في بيان حقيقة الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف، وأن أهله متفاضلون فيه، ليسوا فيه على درجة واحدة، فبين أولاً الإيمان، فقال:


(الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان) قول باللسان: أي الإيمان قولٌ يقوله المؤمن بلسانه، وعمل بالأركان: أي أعمال يقوم بها المؤمن بأركانه، أي جوارحه وأعضائه.


وعقد بالجنان: أي عقيدة ثابتة مستقرة في جنان المسلم، أي قلبه.


فالإيمان قولٌ واعتقاد وعمل.


قولٌ باللسان وعملٌ بالأركان وعقدٌ بالجنان، فإذاً الإيمان ليس في اللسان فقط، وليس أيضاً في القلب فقط، الإيمان في القلب واللسان والجوارح.


القلب واللسان والجوارح كلها يقوم بها الإيمان، وإيمان القلب العقيدة، وما يقوم في القلب من أعمال من حياء وتوكل وإخلاص وإنابة وغير ذلك من أعمال القلوب، واللسان منه القول الذي هو النطق بالشهادتين، وأيضاً الأعمال التي تكون باللسان من ذكر وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.


والجوارح إيمانها العمل بطاعة الله، والقيام بما أمر الله سبحانه وتعالى عباده به، ومن الإيمان أيضاً ترك الحرام، واجتناب الآثام، فكما أن فعل الطاعة إيمان، فإن ترك المعصية كذلك إيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن،..." وهذا يدل على أن من إيمان العبد ترك المعاصي التي نهاه الله سبحانه وتعالى عنها.


(يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) الإيمان يزيد وينقص، وسيذكر المصنف الأدلة، يزيد بطاعة الله وينقص بالمعصية، قد جاء عن يزيد بن عمر الخطمي رضي الله عنه أنه قال:" الإيمان يزيد وينقص" قيل: وما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله وسبحناه زاد، وإذا غفلنا نقص.


فالإيمان يزيد، ولزيادته أسباب، وينقص، ولنقصانه أسباب، والمؤمن مطلوب منه، أن يعرف أسباب زيادة الإيمان ليفعلها، وأن يعرف أسباب نقص الإيمان ليجتنبها حفاظاً على إيمانه.


بدأ بذكر الأدلة على أن الإيمان؛ قول وعمل واعتقاد، فذكر أولاً:


قول الله سبحانه وتعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"


الإشارة في قوله (وذلك) إلى ما سبق (دين القيمة) والذي سبق ذكراً في الآية: منه الإخلاص (مخلصين) والإخلاص مكانه القلب، ومنه (إقام الصلاة وإيتاء الزكاة) وهذه أعمال الجوارح، وهذا الإخلاص الذي في القلب، وهذه الأعمال التي في الجوارح، إليها الإشارة بقوله (وذلك دين القيمة).


ولهذا قال المؤلف:


(فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين) فدل ذلك على أن الإيمان يكون بالقلب اعتقاداً وباللسان نطقاً وبالجوارح عملاً بطاعة الله سبحانه وتعالى.


(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق") وتتمة الحديث في الصحيح:" والحياء شعبة من شعب الإيمان".


وهذا الحديث واضح الدلالة على أن الإيمان منه ما يكون في القلب، ومنه ما يكون في اللسان، ومنه ما يكون في الجوارح.


وقوله: أعلاها، وأدناها، دليل على التفاوت بين شعب الإيمان، وأنها ليست على درجة واحدة، وأيضاً هذا فيه دلالة على زيادة الإيمان ونقصانه، لأن العبد كلما زاد من شعب الإيمان كان ذلك زيادة في إيمانه.


وكلما نقص منها كان ذلك نقصاً في إيمانه، فالحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف بحسب حظ الإنسان ونصيبه من شعب الإيمان.


قال: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وفي بعض الروايات: أعلاها قول لا إله إلا الله، والمراد بقول لا إله إلا الله: أي بالقلب عقيدة، وباللسان نطقاً وتلفظاً، لأن القول إذا أطلق: يشمل قول القلب واللسان، مثل قول الله سبحانه وتعالى:" قولوا آمنا بالله" وقول النبي عليه الصلاة والسلام:" قل آمنت بالله ثم استقم" فالقول إذا أطلق يشمل، قول القلب عقيدة، وقول اللسان نطقاً وتلفظاً، فمعنى "قولوا آمنا بالله": أي بقلوبكم معتقدين وبألسنتكم ناطقين متلفظين، وأما إذا قيّد القول، فهو بحسب ما قيّد به.


"يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم"، أيضاً في الآية الأخرى قال:" ويقولون في أنفسهم" فإذا قيّد القول فهم بحسب ما قيّد به، أما إذا أطلق فإنه يتناول قول القلب وقول اللسان.


وقوله: أدناها إماطة الأذى عن الطريق، عمل من أعمال الإيمان، وهو عمل يقوم به المرء بجوارحه، ففيه دلالة واضحة صريحة على أن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان.


وقوله: والحياء شعبة من شعب الإيمان، والحياء مكانه القلب، وهو خصلة تقوم بقلب المؤمن تدفعه إلى فعل الحسن واجتناب القبيح، والحياء كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام:" خير كله ولا يأتي إلا بخير" والإنسان إذا كان يستحي، ومتحلياً ومتصفاً بالحياء، فإن الحياء يحجز عن الرذائل ويسوق الإنسان، ويقوده إلى الخيرات والفضائل.


( فجعل القول والعمل من الإيمان) يعني في هذا الحديث، حديث الشعب، فجعل القول والعمل من الإيمان، القول: قول لا إله إلا الله، والعمل: إماطة الأذى عن الطريق، وكل ذلكم جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان.


وهذا الحديث مشهور عند أهل العلم، بحديث الشعب، ومن أهل العلم من أفرده بالتصنيف وتوسع في شرح هذا الحديث، ومنهم البيهقي في كتابه (شعب الإيمان) وغيره من أهل العلم، وابن حبان له كتاب عظيم في هذا الباب مفقود سماه (وصف الإيمان وشعبه) واجتهد فيه اجتهاداً عجيباً يمكنك الاطلاع على طريقته في إعداده لذلك الكتاب وما أخذه منه من وقت وجهدٍ عظيم في كتابه (صحيح ابن حبان)، لأنه أشار أو (الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان) عندما تكلم عن هذا الحديث أشار إلى مؤلفه (وصف الإيمان وشعبه)وذكر الجهد العظيم الذي بذله في جمع شعب الإيمان وعندما تقف على عمله رحمه الله تعالى، تقف على نموذج ومثال بديع جداً من همم العلماء العالية في دراسة السنة والعناية بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.


( وقال تعالى:" فزادتهم إيماناً") " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون".


فقوله:"فزادتهم إيماناً" هذا صريح في أن الإيمان يزيد، وذكر في الآية سبب عظيم لزيادة الإيمان وهو القرآن، إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، نظيرها أيضاً قول الله سبحانه وتعالى:" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون".


("ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم") فهذه آيات صريحة في أن الإيمان يزيد، ويمكن أن يستدل بها نفسها على أن الإيمان ينقص، لأنه إذا كان قابلاً للزيادة فهذا دليل على قبوله للنقصان.


والقرآن نطق بالزيادة والسنة نطقت بالنقصان، في مثل قوله عليه الصلاة والسلام:" مارأيت من ناقصات عقل ودين" وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" وذلك أضعف الإيمان" وقوله:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".


(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان")


وهذا الحديث رواه المصنف رحمه الله بالمعنى، ومن الألفاظ الثابتة في السنة لهذا الحديث، قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أنس:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير" و المقصود بالخير في هذا الحديث هو الإيمان.


فالمصنف وكأنه والله تعالى أعلم، أورد الحديث بمعناه، وساقه بمعناه لا بلفظه وأعقب ذكره للحديث بقوله:


(فجعله متفاضلاً) فجعله أي النبي صلى الله عليه وسلم، متفاضلاً، أي الإيمان، لأنه ذكر: وزن برة، ووزن شعيرة، ووزن ذرة، وهذه متفاوتة في الوزن، إذاً الإيمان متفاضل، وأهل الإيمان في إيمانهم متفاضلون، ليسوا فيه على درجةٍ واحدة، حتى فيما قام في قلوبهم من إيمان ليسوا في ذلك درجة واحدة، بل بينهم تفاضل وتفاوت في الإيمان.


وأهل الإيمان في الإيمان على مراتب يجمعها، ثلاث مراتب ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" فهذه ثلاث مراتب، مرتبة الظالم لنفسه، وهو الذي فعل المحرم أو ترك الواجب، ومرتبة المقتصد، وهو الذي فعل الواجب وترك المحرم، ومرتبة السابق بالخيرات، وهو الذي فعل الواجب وترك المحرم ونافس في الرغائب والنوافل والمستحبات.

ونكتفي بهذا والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  #40  
قديم 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م, 08:24 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس 18)

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
المتن:

وَيَجبُ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ بِهِ النَّقْلُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ أَوْ غَابَ عَنَّا، نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌ وَصِدْقٌ، سَواءٌ في ذَلِكَ مَا عَقَلْنَاهُ أَوْجَهِلْنَاهُ، وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ.

مِثْلُ حَدِيثِ الإسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ وَكَانَ يَقَظَةً لاَ مَنَامًا، فَإنَّ قُرَيْشًا أَنْكَرَتْهُ وأَكْبَرَتْهُ، وَلَم تُنْكِرِ المَنَامَاتِ
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَلَكَ المَوْتِ عليه السلام لمَّا جَاءَ إِلى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلى رَبِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد

الشرح:


قال:( ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا)


وهذا الذي ذكره رحمه الله تعالى، هو من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، لأن مقتضى هذه الشهادة طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام جاء بأمور ثلاثة: أوامر، ونواهي، وأخبار.


والواجب تجاه الأوامر أن تفعل، وتجاه النواهي أن تجتنب، وتجاه الأخبار أن تصدق، وما يتحدث عنه المصنف رحمه الله هنا، هو يتعلق بالأخبار.


ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام الواجب أن يُتلقى بالتصديق، و ألا يُكذّب شيء منه، لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، والواجب كذلك في هذا الباب ألا يُخضع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم لعقله القاصر، فيرُدّ مثلاً منها مالم يدركه عقله، أو مالم يبلغه فهمه، كطريقة العقلانيين الذين قدموا عقولهم على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى قال بعض أئمة السلف منكراً على هؤلاء ملزماً لهم، قال: من لازم قول هؤلاء أن يقول الواحد منهم: أشهدُ أن عقلي رسول الله، لأن المتلقي بالقبول هو ماجاء أو ماتوصّل إليه بعقله، ويُحاكم ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عقله، وهذا من أبطل الباطل.


والواجب على المسلم أن يتلقى ماجاء به الرسول عليه الصلاة والسلام بالتصديق والقبول، فمن الله الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم.


(فيما شاهدناه أو غاب عنا) أي إخبارات النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تُصدق سواءً كان الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام أمراً مشاهداً ومعايناً، أو كان أمراً مغيباً، فكله صدق، وهو عليه الصلاة والسلام، لا ينطق عن الهوى.


قال:( نعلم أنه حق وصدق) فهذا يتعلق بكل إخباراته عليه الصلاة والسلام، ليس منها إلا ماهو كذلك حق وصدق.


(سواءٌ في ذلك ماعقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه) وعدم الإطلاع على الحقيقة وكذلك عدم المعرفة بالحكمة، ليس مسوغاً لرد وتكذيب ماجاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الناس – والعياذ بالله- مالا يعقله من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لايقبله، وربما قال في رد بعض كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: هذا لايعقل، أو هذا لاتقبله العقول، ونحو هذه العبارات التي تكثر عند المعتزلة العقلانيين ومن تأثر بهم من أصحاب الأهواء والضلال.


(مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناماً) حديث الإسراء والمعراج حديث صحيح ثابت، والإسراء ذكره الله تعالى في القرآن "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".


وفي ليلة واحدة أسرِيَ به عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفي تلك الليلة نفسها عُرج به إلى السماء، من سماء إلى سماء، حتى تجاوز السماء السابعة، مع أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء والأرض خمسمائة عام، وكل هذه المسافات الشاسعة، قطعها عليه الصلاة والسلام يقظةً وليس مناماً، حقيقة في ليلة واحدة، أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفي تلك الليلة عُرج به إلى السماء، إلى مافوق السماء السابعة، وسمع خطاب الله من الله بلا واسطة، ولم ير الله عزوجل، وإنما سمع خطابه، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه؟ قال: نورٌ أن أراه، لكنه سمع كلام الله من الله عزوجل.


(مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظةً لا مناماً) وأشار إلى مايدل أو بعض مايدل على أنه يقظةً لا مناماً فقال:


(فإن قريشاً أنكرته وأكبرته) أنكرت هذا الخبر، وكذبت به، وأكبرته: يعني، قالوا: إن هذا أمر عظيم وكبير، ودعوى عريضة، ولم تنكر المنامات.


(ولم تكن تنكر المنامات) أي لو كان الأمر مجرد رؤيا منامية لم ينكروا ذلك، لأن المنامات معروفة عندهم، ينام الشخص ويقول: البارحة رأيتني ذهبت إلى البلد الفلاني في أقصى الدنيا ورجعت، هذا أمر معروف، لايكذبونه.


لكنهم لما كان أخبرهم أنه هو بنفسه عليه الصلاة والسلام ذهب تلك الليلة إلى بيت الأقصى وعُرج به إلى السماء، أكبروا ذلك، ولو كان مناماً لما أكبروا ذلك ولما كذبوه، لأن المنامات معروفة عندهم.


(ومن ذلك: أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه) وهذا جاء في حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رجع الملك إلى موسى لما رد الله عليه عينه، ورجع إلى موسى عليه السلام، جاء في الحديث، أن الله عزوجل أمر الملك أن يقول لموسى عليه السلام: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ماغطت يدك بكل شعرةٍ سنة، ولما علم عليه السلام أن المآل هو الموت، طال الزمان أو قصر، قال: فالآن، ولطم موسى عليه السلام لعين الملك، لأنه جاءه على هيئة رجل، من باب الابتلاء والامتحان، جاءه على هيئة رجل ويعرض عليه هذا الأمر، قبل أن تُقبض روحه، وأن تُنتزع منه، فكان منه عليه السلام أن لطمه بيده ففقأ عينه، وليس هذا من باب الاعتراض على قدر الله عزوجل، وعدم التسليم لأمره، كما فهم ذلك من رد الحديث وكذب به، ولكنه جاءه هذا الملك على هيئة رجل، والله سبحانه وتعالى أرسله ابتلاءً وامتحاناً وعرض عليه هذا الأمر فلطمه موسى عليه السلام، ورجلٌ يأتيه في بيته ويدخل عليه في بيته، ويعرض عليه هذا العرض، وماكان على علم أنه ملك من الملائكة، فالمكابرة والتقّول في هذا الحديث وتحميله مالا يحتمل، والتكذيب به، هذا كله من طرائق أهل الأهواء، الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لايُعرف، ولاكذلك في التابعين لهم بإحسان، لايُعرف فيهم من اعترض أو انتقد، فالكل روى الحديث، وبلغه كما سمعه، وآمن بما دّل عليه الحديث، لكن لما جاءت الأهواء، وتقديم العقول، وُجد من يُكذب ويعترض على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.


وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  #41  
قديم 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م, 08:29 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس 19)



الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد


المتن:

وَمِنْ ذَلِكَ أشْرَاطُ السَّاعَةِ: مِثْلُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ،وَنُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقْتُلَهُ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها، وَخُرُوجِ الدَّابةِ،وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ بِهِ النَّقْلُ.
وَعَذَابُ القَبْرِ وَنَعِيمُهُ حَقٌّ،وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِهِ فيكُلِّ صَلاةٍ.
وَفِتْنَةُ القَبْرِ حَقٌّ،وسُؤالُ مُنْكَرٍوَنَكِيرٍحَقٌّ، وَالبَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ حَقٌّ، وَذَلِكَ حِينَ يَنفُخُ إِسْرَافِيلُ عَليْهِ السَّلامُ في الصُّورِ:{ْفَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَىرَبـِّهِمْ يَنْسِلُونَ}

الشرح:


قال رحمه الله:


( ومن ذلك) أي من الأمور التي يجب الإيمان بها ماأخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أشراطُ الساعة.


وأشراط الساعة هي علامات دنو مجيئها، وقرب قيامها، فتأتي بين يدي الساعة مشعرةً بقرب قيامها ودنو مجيئها، ودنو قيامها.


(ومن ذلك أشراط الساعة) وذكر أمثلة على ذلك، مثل:


(مثل خروج الدجال) وهو رجل يخرج في آخر الزمان، وخروجه فتنة هي من أعظم الفتن، ومابعث الله سبحانه وتعالى من نبي إلا وقد أنذر قومه فتنة المسيح الدجال، فهي فتنة عظيمة وخروجه ابتلاء عظيم، ويكون بخروجه فتن عظام، ويتبعه خلق كثير، ويمر بالقرية وينادي أهلها أن يتبعوه وأن يعبدوه ويّدعي أنه رب العالمين، وإله الناس أجمعين، فيمر بالقرية فإن استجابوا أمر السماء أن تمطر، فتطمر، وأمر الأرض أن تنبيت، فتنبت، وهذا ابتلاء وامتحان، وإذا أبى أهل القرية أن يستجيبوا له، أمر كنوز القرية أن تتبعه فتتبعه، فهي فتن عظيمة للغاية، تجرف الناس جرفاً، فيصدقون ذلك الدجال، مع أنه مكتوبٌ بين عينيه كافر، يقرأها كل مؤمن، وهو أعور عينه اليمنى.


ولما أنذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه، قال:( إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور) رجل أعور، وتكون هذه الأمور المهيلة العظيمة تخرج على يديه، ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى للخلق، وامتحاناً، فيصدقه خلق، ويتبعه خلق، لما يرون من هذه الأمور التي تكون معه من باب الابتلاء والامتحان.


فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر تجاه الدجال بأمور لاتقائه والحذر منه، وأهمها أمران؛ الأمر الأول: الإكثار من التعوذ بالله سبحانه وتعالى من فتنته، وأمرنا بهذا التعوذ دبر كل صلاة قبل السلام، أن نتعوذ من أربع، ومنها التعوذ من فتنة المسيح الدجال، والتعوذ: هو الاعتصام بالله، ومن اعتصم بالله سبحانه وتعالى وأحسن في الالتجاء إليه وقاه، فيكثر المسلم التعوذ بالله سبحانه وتعالى من هذه الفتنة التي هي أعظم الفتن وأشدها.


والأمر الثاني: هو مادل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سمع بالدجال فلينأ عنه" أي ليكون في بعدً تام عن مكانه حتى لايرى شيئا من هذه الأمور، أو الفتن التي معه، فقد يرى شيئاً من ذلك فتبهره وتجرفه وربما صدق هذا الدجال في دجله وكذبه، وهو يسمى الدجال من الدجل والكذب، فقال عليه الصلاة والسلام:" من سمع بالدجال فلينأ عنه"، وقد قال أهل العلم: وكما أن فتنة الدجال؛ فتنة عين (أي هذا الشخص المعين المعروف الذي يخرج في آخر الزمان) فإنها كذلك فتنة جنس.


وعليه فإن الحديث يفيد بعمومه أن يحذر المسلم من كل دجال، وما أكثر الدجاجلة الذين يخرجون للناس بين وقت وآخر، ويلبسون عليهم بمخرقةٍ، وحيل وأمور زائفة، ثم يدعون مع ذلك دعاوى فيُصدقون.


ففتنة الدجال، كما أنها فتنة بهذا الرجل المعين الذي يخرج في آخر الزمان، فإنها فتنة جنس.


وبهذا يُعلم أن الواجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن كل دجال، أما إذا أتاح لنفسه سماع كلام الدجاجلة، والنظر إلى فعالهم، فمثل ذلك يهيؤه لقبول ما عند الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان، لكن إذا أخذ المسلم هذا الأمر مأخذ الحزم، ونأى بنفسه وابتعد عن كل دجال، سلم بإذن الله.


فإذًا من أهم مايكون في هذا الباب، كثرة التعوذ بالله سبحانه وتعالى من فتنته، والأمر الثاني أن ينأى عنه إذا سمع بخروجه، والله سبحانه وتعالى الحافظ.


( ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام) أي في آخر الزمان.


( فيقتله) أي يقتل الدجال، وآخر الزمان ينزل عيسى عليه السلام، ونزوله بعد خروج الدجال، وعيسى عليه السلام كما هو معلوم، رفعه الله سبحانه وتعالى إليه، فهو لم يمت بل رُفع حيًّا إلى السماء، وهو فيها حي، إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى له بالنزول، فينزل واضعاً يديه على جناحي ملك، وينزل في منطقةٍ في الشام، ويقتل الدجال، وعندما ينزل لا يجد ريحه كافر إلا مات، وريحه تبلغ مايبلغ بصره عليه السلام، وإذا لقي الدجال يتصاغر هذا المتعالي المتعاظم، يتصاغر ويكون موته بقتل عيسى عليه السلام له، كما جاء ذلكم في الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرها من كتب السنة.


(وخروج يأجوج ومأجوج) وهما قبيلتان من ذرية آدم، تخرج آخر الزمان، ويحصل على يديهم شر عظيم وفساد عريض، وأذىً للناس، وقتل وعدوان، وخروجهم أمارة من أمارات الساعة، وعلامة من علاماتها، وهم محصورون خلف سدّ، ولا يخرجون إلا أن يأذن الله سبحانه وتعالى بخروجهم، فيخرجون وينتشرون في الأرض، وخروجهم علامة من علامات الساعة، وأمارة من أمارات دنو قيامها، وكذلك (خروج الدابة في آخر الزمان، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فأشار هنا رحمه الله تعالى إلى جملة، أو بعض علامات الساعة العظام، علامات الساعة الكبرى، لأن علامات الساعة قسمها أهل العلم إلى قسمين:


علامات كبرى؛ وهي التي أشار المصنف إلى عدد منها.


وعلامات صغرى؛ وهي كثيرة جداً.


(وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به في كل صلاة) وعذاب القبر، أي في حق المستحق لذلك من الكفار والعصاة، فعذاب القبر يكون بالكفر ويكون بالكبائر أيضاً، وقد مر عليه الصلاة والسلام بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان ومايعذبان في كبير) وفي رواية قال: (بل هو كبير) أي من الكبائر.


فعذاب القبر يكون بالكفر، ويكون أيضاً بالكبائر، لكن عذاب القبر بالكفر يختلف عن عذاب القبر بالكبائر، كما أن الأمر مختلف في التعذيب بالنار.


فعذاب الكافر مستمر معه دائم لا ينقطع، وعذاب العصاة من الموحدين على قدر عصيانهم.


فعذاب القبر حق، ونعيمه حق؛ أي ما يكون لأهل الإيمان في قبورهم من نعيم، وأن قبورهم تكون لهم روضة من رياض الجنة، كل ذلكم حق، فعذاب القبر حق ونعيمه حق، والفتنة في القبر حق، فالناس يفتنون في قبورهم، كل ذلكم حق لمجيئه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


( وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه)؛ أي عذاب القبر.


( وأمر به في كل صلاة) أمر به في كل صلا، التعوذ بالله من أربع منها عذاب القبر.


(وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق) فتنة القبر: أي أن الناس يفتنون في قبورهم، وسؤال منكر ونكير حق وهما ملكان صّح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما يأتيان إلى الميت في قبره ويجلسانه ويسألانه، وسميا بمنكر ونكير لأنهما يأتيان إلى الميت على صورة لم يكن يعهدها إطلاقاً، يأتي إلى الميت على صورة لم يكن الميت يعهدها إطلاقاً، ولم تمر عليه تلك الصورة، سود الوجوه زرق العيون على صورة لم تكن معهودة له إطلاقاً، ولهذا يسميان المنكر والنكير.


(والبعث بعد الموت حق) بعث الناس وقيامهم لرب العالمين"يوم يقوم الناس لرب العالمين" هذا كله حق لثبوته في كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.


(وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور) قال تعالى:" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون"


وقوله: ذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور: أي النفخة الأخيرة، لأنه له أكثر من نفخة في الصور.


والصور كما جاء في الحديث قرن ينفخ فيه، فإذا نفخ فيه الملك صعق من في السماوات ومن في الأرض، وإذا نفخ فيه النفخة الأخرى قاموا جميعاً لرب العالمين.


وقد قال عليه الصلاة والسلام:( كيف أنعم وقد التقم ملك الصور الصور وأصغى بسمعه ينتظر أن يؤمر) أي أن يأمره الله سبحانه وتعالى بالنفخ في الصور.


المتن:

وَيُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِحُفَاةًعُرَاةً غُرْلاً بُهمَاً، فَيَقِفُونَ في مَوْقِفِ القِيَامَةِ، حَتَّى يَشْفَعَ فِيهمْ نَبيُّنَامُحمَّدٌصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَيُحَاسِبُهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتُنْصَبُ المَوَازِينُ، وَتُنْشَرُ الدَّواوِينُ،وَتَتَطَايَرُ صُحُفُ الأَعمَالِ إِلى الأيمانِ وَالشَّمَائِلِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتاَبَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثبُوُرًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق: 7-12].
وَالمِيزَانُ لَهُ كِفَّتانِ وَلِسَانٌ تُوزَنُ بِهِالأَعْمَالُ: {فَمَن ثَقُلَتْ مَواَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواأَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون: 102 - 103]
وَلِنَبيِّنَا مُحمّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحَوْضٌ في القِيامَةِ،مَاؤُهُ أَشَدُّ بَياضاً مِن اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَالعَسَلِ، وَأَبارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبةًلَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً.
وَالصِّراطُ حَقٌّ يَجُوزُهُ الأَبْرَارُ، وَيَزِلُّعَنْهُ الفُجَّارُ.


الشرح:


( ويحشر الناس يوم القيامة) والحشر: الجمع، يحشر الناس يوم القيامة، أي يجمعون، يجمع الله سبحانه وتعالى يوم القيامة الأولين والآخرين على صعيد واحد، وأرض واحدة، أرضٍ عفراء لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، ولا ظل، فيجمع الله سبحانه وتعالى الأولين والآخرين.


(حفاة عراة غرلاً بهما) أي على هذه الصفات، حفاة: أي ليس عليهم نعال، عراة: ليس عليهم ثياب لباس، حتى إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألت النبي عليه الصلاة والسلام قالت: يارسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم لبعض. قال: ( ياعائشة الأمر أعظم من ذلك).


وقوله غرلاً أي غير مختونين، وقوله بُهماً: أي ليس معهم من الدنيا شيء، كما مر معنا ذلك في حديث عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه.


( فيقفون في موقف القيامة) موقف القيامة الذي يشير إليه المؤلف رحمه الله تعالى، هو يوم يقفه الناس على تلك الأرض المستوية التي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع ولا ظل، يقفه الناس ومقداره خمسين ألف سنة، وليقارن العاقل بين هذا اليوم الذي هذه مدته بمدة الحياة في الدنيا، التي يعيشها الإنسان، حتى يجتهد في هذا القليل، حتى ييسر له الله سبحانه وتعالى ذلك اليوم الطويل، يوم مقداره خمسين ألف سنة.


عندما تقارن ماذا يكون مدة حياتك في هذه الدنيا مقارنة بهذا اليوم الذي هذه مدته، وتدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة، ويعرقون، ويكون العرق بحسب أعمال الناس، منهم من إلى كعبيه، ومنهم من إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً.


فماذا لو قارن الإنسان تكون المقارنة بين مدة عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا مقارنة بهذه المدة يوم مقداره خمسين ألف سنة.


ثم أيضاً ماهي مدة حياة الإنسان في الدنيا، التي هو مكلف فيها بالعمل، إذا كان عمر الإنسان على سبيل المثال؛ ستين (أعمار أمتي مابين الستين والسبعين)، فعلى سبيل المثال لو كان عمر الإنسان ستين سنة، احذف من الستين سنة الثلث، عشرين سنة هذه نائم، إذا كان عمره ستين سنة، فعشرين سنة نائم، لأن الإنسان في الغالب ينام في اليوم والليلة ثمان ساعات، فإذا كان عمره ستين سنة، فمعنى ذلك أنه عشرين سنة من حياته كان نائماً، عشرين سنة من حياته كان نائماً.


إذا كان عمرك ثلاثين سنة، فمعناه عشر سنوات كنت نائم، لكن مايشعر بها الإنسان، هذا النوم لايشعر به لأنه تفرق مع الأيام، ولو تساءل كم نمت في مامر من حياتي، يقول له: قليل، أنام قليل في الليل، لكن إذا حسبه عشر سنوات، إذا كان عمره ثلاثين سنة معناه عشر سنوات كاملة نائم.


والنائم غير مكلف، واحذف منها خمس عشرة سنة في أول العمر غير مكلف لأنه لا يكلف إلا بعد البلوغ، ماذا اصطفى منها، أياماً هو مكلف فيها، تجدها ثلاثين أو خمس وثلاثين، وأقل أو أكثر بحسب عمر الإنسان، ماذا تعني هذه المدة مقابل خمسين ألف سنة يقفها الإنسان في ذلك الموقف العظيم.


فالعاقل يأخذ نفسه في هذه الأيام مأخذ الحزم والعزم والجد حتى يهون عليه ذلك الأمر ويكون بإذن الله سبحانه وتعالى من الفائزين، وقد جاء في حديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن الله يهون ذلك اليوم على أهل الإيمان فيكون كما بين صلاة الظهر إلى العصر) يوم مقداره خمسين ألف سنة يهونه الله على أهل الإيمان، فيمر كما بين صلاة الظهر إلى العصر.


وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  #42  
قديم 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م, 08:32 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله ( درس 20)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد

(فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى) قال: حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الشفاعة العظمى، الشفاعة الكبرى، التي يغبطه عليها صلى الله عليه وسلم النبيّون، والخلائق إذا وقفوا هذا الموقف العظيم وطالت بهم هذه المدة، يأتون إلى الأنبياء ويطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله في أن يبدأ في الحساب، ليرى كلاً مصيره؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار، لكن الخلائق كلهم يطلبون من الأنبياء أن يشفعوا لهم عند الله في أن يبدأ بالحساب، فيذهبون إلى آدم فيعتذر، إلى نوح فيعتذر، إلى إبراهيم فيعتذر، إلى موسى فيعتذر، كلٌّ يحيل إلى غيره من الأنبياء، فيحيلهم عيسى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، ويذهب ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن سبحانه وتعالى، ويحمد الله سبحانه وتعالى بمحامد ويثني عليه ثناءً يعلمه الله سبحانه وتعالى إياه في ذلك الوقت، ثم يقول الله له:
ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع.
وبعد هذه الشفاعة، يجئ الرب سبحانه وتعالى للفصل والقضاء، كما قال الله عزوجل في سورة الفجر: "وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتني لحياتي" فهي الحياة.
"وإن الأخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"
فيجئ الرب سبحانه وتعالى بنفسه مجيئاً يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى للفصل بين الخلائق، وتجئ الملائكة وتحيط بالخلائق صفاً من وراء صف محيطين بالخلائق، ويُجاء بجهنم "وجئ يومئذ بجنهم" يجاءُ بها كما جاء في صحيح مسلم: تجر ولها سبعون ألف زمام، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
(ويحاسبهم الله تبارك وتعالى) ويوم القيامة هو يوم الدين، يوم الحساب.
(وتنصب الموازين) كما قال الله تعالى:" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة"، وهو ميزان حقيقي، له كفتان، توضع الحسنات في كفة، وتوضع السيئات في كفة، قد قال تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون"
وهو ميزان بمثاقيل ذر، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"
(وتنتشر الدواوين) أي دواوين الأعمال.
(وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل) أي من الناس من يأخذ صحيفته بيمينه، ومن الناس من يأخذ صحيفته بشماله من وراء ظهره، كما قال تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا"
(والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال) الكفتان ثابت الدليل بهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوضع السجلات -في حديث البطاقة-، قال فتوضع السجلات في كفة، ولا إله إلا الله في كفة.
واللسان جاء في بعض الآثار، لم يصح به حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(" فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون")
(ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً) فذكر هنا الحوض المورود، والنبي صلى الله عليه وسلم فرط أمته على الحوض، ويذود صلى الله عليه وسلم أقواماً عن حوضه صلى الله عليه وسلم؛ (يذاد أقوام عن حوضه صلى الله عليه وسلم) فيسأل عن ذلك، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
ومن صفات هذا الحوض كما ذكر المؤلف:
ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل.
وأباريقه عدد نجوم السماء.
من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.
(والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار) يجوزه الأبرار: أي، يعبرون من فوق الصراط المنصوب على متن جهنم، وقد قال الله تعالى: " وإن منكم الإ واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا" أي النار.
فقوله يجوزه الأبرار: أي إلى الجنة، مزحزحين عنه، ناجين سالمين من الدخول والسقوط في النار، وقد قال سبحانه: " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"
المتن:
وَيَشْفَعُ نَبيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِفَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَتِه بَعْدَمَا احْتَرَقُواوَصَارُوا فَحْمًا وَحُمَمًا فَيْدخُلُونَ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُؤْمِنينَ وَالملائِكَةِشَفَاعَاتٌ،{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء: 28]،وَلاَ تَنْفَعُ الكَافِرَ شَفَاعَةُالشَّافِعينَ.
الشرح:
(ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته صلى الله عليه وسلم بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحمماً) أي سود، فيدخلون الجنة بشفاعته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لصفة إخراج هؤلاء من النار، وأن الله سبحانه وتعالى إذا أذن بخروجهم، أماتتهم النار إماتة وأصبحوا كقطع الفحم، كالقطع من الفحم، فيُلقون، ويخرجون ضبائر ضبائر، أي جماعات جماعات، ويُلقون في نهر الفردوس، فيحيون بمائه، كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيدخلون الجنة بشفاعته، وهذه الشفاعة ليست خاصة به عليه الصلاة والسلام، بل يشاركه فيها من يأذن الله سبحانه وتعالى لهم بالشفاعة من الملائكة والنبيين والصالحين.
ولهذا قال المؤلف (ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات) شفاعات: أي يشفعون لمن دخل النار أن يخرج منها، من أهل الإيمان من عصاة الموحدين، قال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفعون".
وأذن الله سبحانه وتعالى لمن شاء من الملائكة و الأنبياء والصالحين بالشفاعة هذا تشريف لهؤلاء الذين تميزوا في الدنيا بالإيمان والطاعة والصلاح والاستقامة فيبشرهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأن يكونوا شفعاء، ولهذا جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة"، لكن الذي عُرف بنفع الناس والنصح لهم والدعاء لهم، والشفقة عليهم، والرحمة بهم، ومعاونتهم، ومساعدتهم، عُرف بذلك في الدنيا، يكون بإذن الله مؤهلاً أن يشفع للناس يوم القيامة، وأن يكون شهيداً لهم يوم القيامة، أما من كان مؤذياً لهم في الدنيا، طعانا لعانا فاحشا بذيئاً لم يسلموا منه في الدنيا، فكيف يكون شفيعاً لهم يوم القيامة.
(ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين) كما قال تعالى:"فما تنفعهم شفاعة الشافعين" فالكافر لاتنفعه، ومن شرط قبول الشفاعة؛ إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له، إذن الله للشافع "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"، ورضاه عن المشفوع له "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" وهو سبحانه وتعالى لايرضى إلا عن أهل التوحيد، فبهذه المقدمات الثلاث: الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، ولا تكون إلا برضاه عن المشفوع له، وهو لا يرضى إلا عن أهل التوحيد.
بهذه المقدمات الثلاث يتبين أن الكافر لا حظ له في الشفاعة ولا نصيب.
المتن:
وَالجنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لاَ تَفْنَيانِ،فَالجنَّةُمَأْوَى أَوْلِيائِه، وَالنَّارُ عِقَابٌ لأِعْدَائِه، وَأَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَامُخَلَّدُونَ، والمجرمون في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ.
وَيُؤْتَى بِالمَوْتِ في صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَح،فَيُذْبَحُ بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: ((يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌوَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلاَمَوتَ)).
الشرح:
(والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان) هذا أيضاً من جملة الاعتقاد الذي يجب الإيمان به، أن نعتقد أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، الجنة أعدها الله للمتقين، والنار أعدها الله سبحانه للكافرين.
ولا تفنيان، أي الجنة باقية أبد الآباد، والنار كذلك، باقية أبد الآباد، لا تفنى الجنة ولا تفنى كذلك النار.
(فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه) فالجنة دار النعيم المقيم، والنار دار العذاب الأليم، وأهل الجنة فيها مخلدون أي أبد الآباد، وكذلك أهل النار فيها مخلدون أبد الآباد "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون" أي باقون في النار أبد الآباد، لا يُقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، بل إن عذابهم فيها بازدياد "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا".
(ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، ويُذبح بين الجنة والنار) إذا بقي في النار أهلها، وأفرج منها عصاة الموحدين، يؤتى بعد ذلك بكبش أملح يعني: يجعل الله سبحانه وتعالى الموت على هذه الصورة، على صورة كبش أملح، ثم يُنادى أهل الجنة فيستبشرون، ويُنادى كذلك أهل النار فيستبشرون، ويقال: أتعرفونه – يعني هذا الكبش الأملح أتعرفونه- فالكل يقول: نعم، نعرفه هذا الموت.
من أين عرفوه؟ لأن كل واحد منهم ذاقه، فالكل يعرفه، والكل قد ذاقه، والكل قد مر به، فيقال: أتعرفونه، يقولون: نعم.
فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
فيبقى أهل الجنة في الجنة منعمين فيها أبد الآباد، ويبقى أهل النار في النار مخلدين فيها أبد الآباد.
اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.
المتن:
وَمُحَمَّدٌرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّم خَاتِمُ النّبِيّينَ وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، لاَ يَصِحُّ إِيْمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ، وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ، وَلاَ يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ في القِيامَةِ إلاَّ بِشَفَاعَتِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أُمَّةٌ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ أُمَّتِهِ.
صَاحِبُ لِواءِ الحَمْدِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ،وَالحَوْضِ المَوْرُودِ، وَهُوَ إِمَامُ النَّبِيينَ وَخَطِيبُهُمْ وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهمْ، أُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ.
وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ أَصْحَابِ الأَنْبِياءِ عَلَيهِمُ الصلاة والسَّلامُ.
الشرح:
(ومحمد رسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين) ذكر في هذه الجملة جزءاً من الاعتقاد الواجب تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام رسول الله وختم به النبوّات، فلا نبي بعده صلوات الله وسلامه عليه وفضّله على العالمين، فهو سيد ولد آدم أجمعين، ولا يصح إيمان عبدٍ حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لايؤمن بالذي جئت به إلا كان حقاً على الله أن يدخله النار".

وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  #43  
قديم 17 ربيع الأول 1433هـ/9-02-2012م, 08:37 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس21)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد


وأمته عليه الصلاة والسلام أول الأمم دخولاً الجنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" نحن الآخرون الأولون" فأمته عليه الصلاة والسلام أول الأمم دخولاً الجنة.


(صاحب لواء الحمد والمقام المحمود) أي الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، وقد قال الله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً"


(والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام)


المتن:

وَأَفْضَلُ أُمّتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ الفَارُوقُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْن، ثُمَّ عَليٌّ المُرْتَضَى،رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِمَا روي عن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كُنَّانَقُولُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثمَّ عَليٌّ، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَيُنْكِرُهُ).
وَصَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُهَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ،وَلَو شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الثَّالِثَ).
وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِرضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: ((مَا طَلَعَتِ شَّمْسُ وَلاَغَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)).
وَهُوَ أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بِالخِلافَةِ بَعْدَالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِفَضْلِهِ وَسَابِقتِهِ، وَتَقْدِيمِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ في الصَّلاةِ عَلَى جَميعِ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم أجمعين، وَإِجْماعِ الصَّحَابةِ عَلَى تَقْدِيْمِه ِوَمُبَايَعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَجْمَعَهُمْ عَلى ضَلاَلةٍ.
ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لِفَضْلِهِ وَعَهْدِ أَبي بَكْرٍ إلَيْهِ.
ثُمَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِتَقْدِيمِ أَهْلِ الشُّورَى لَهُ.
ثُمَّ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِفَضْلِهِ وَإجْمَاعِ أَهْل عَصْرِهِ عَلَيْهِ.

الشرح:


ثم ذكر هنا طرفاً للاعتقاد الواجب في أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذين شرفهم الله سبحانه وتعالى بصحبته، ومن عليهم برؤيته، وسماع حديثه منه صلوات الله وسلامه عليه، وهم خير أمته صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم"، وقال في الحديث الآخر: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"، والأحاديث في فضل الصحابة وبيان مكانتهم العلية كثيرة جداً، بل إن الله عزوجل قد أثنى على الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم في التوراة والإنجيل قبل أن يخلقوا، وقبل أن يوجدوا، أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في التوراة والإنجيل، كما قال الله سبحانه وتعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار"


فهذان ثناءان عاطران على الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم في التوراة والإنجيل من قبل أن يخلقوا، ومن قبل أن يوجدوا، ومن قبل أن يدرجوا على الأرض رضي الله عنهم وأرضاهم.


وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تمدح الصحابة وتثني على الصحابة، وفيها الإخبار عن رضى الله جل وعلا عنهم ورضاهم، وبيان لفضائلهم، ومناقبهم، وفضلهم وشرفهم، ومكانتهم والأحاديث أيضاً المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة، وبين رحمه الله تعالى أن الصحابة متفاضلون، ليسوا في الفضل على درجةٍ واحدة، بل هم متفاضلون، وأفضلهم على الإطلاق صديق الأمة، أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.


فهو أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويليه في الفضل عمر بن الخطاب، عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، فهذان هما أفضل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بل هما أفضل الناس بعد الأنبياء في جميع الأمم، بل هما رضي الله عنهم وأرضاهم أفضل الناس بعد الأنبياء، كما قال عليه الصلاة والسلام:(أبو بكر وعمر سيدا كهول الجنة من الأولين والآخرين عدا النبيين) فرتبتهما في الفضل تلي رتبة النبيين مباشرة، فلا أفضل من أبي بكر وعمر في الناس كلهم إلا الأنبياء.


(وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم الفاروق ثم عثمان ذو النورين) وقيل في تلقيبه بذي النورين أقوال أوضحها أن الله سبحانه وتعالى أكرمه بالزواج من ابنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، لما ماتت الأولى، تزوج الثانية فقيل: ذي النورين لإكرام الله له بالزواج من ابنتين للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.


(ثم علي المرتضى رضي الله عنه وأرضاه أبو الحسنين) وهو الخليفة الراشد الرابع من خلفاء النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.


(رضي الله عنهم أجمعين) ثم ذكر الدليل على ذلك، قال:

(لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) والحديث الذي يشير إليه المصنف رحمه الله مخرج في صحيح البخاري، ولفظه: عن ابن عمر قال: (كنا نخير بين الناس - أي نفضل بين الناس- زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخيّر أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم) ومعنى نخيّر: أي نفضّل.

فكانوا يفضلون أبا بكر على سائر الصحابة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يقرّ ذلك ولا ينكره.


(وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت سميّت الثالث) وأيضا صحّت عنه الرواية رضي الله عنه أنه قال: لا أجد أحداً يفضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.

(وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماطلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر رضي الله عنه) والحديث رواه الطبراني في الأوسط وغيره، وإسناده فيه كلام، لكن المعنى الذي دلّ عليه هذا الحديث، قد دلّ عليه الحديث الصحيح الذي أشرت إليه آنفا وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين عدا النبيين.
فهذا صريح في الدلالة على أنه ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين.
(وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم) لماذا؟ لأمور عديدة ذكرها المؤلف رحمه الله؛ الأول:
(لفضله) السبب الأول، لكونه أفضل الصحابة، والشواهد والدلائل على كونه أفضل الصحابة كثيرة، منها ما سبق الإشارة إليه.
والأمر الثاني:
(وسابقته) أي إلى الإسلام، والتصديق بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فهو أول الرجال إيمانا وتصديقا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
فالسبب الأول: لفضله، لكونه أفضل الصحابة.
والسبب الثاني: لسابقته، لكونه سابق للإسلام رضي الله عنه.
والسبب الثالث:
(لتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم) فأمر عليه الصلاة والسلام أن يؤمّ الناس أبوبكر رضي الله عنه وأرضاه.
والسبب الرابع: قال:
(وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة) فهم أجمعوا على تقديمه وعلى مبايعته، وبايعوه، وتمت البيعة له، ولم يكن الله ليجمع أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم من بعده على ضلالة.
فهذه أمور ساقها المصنف مستدلا بها على أحقيّة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة.
(ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله، وعهدِ أبي بكر إليه) عهد إليه بالخلافة، وعمر رضي الله عنه أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد صدّيق الأمّة.
(ثم عثمان) أي يليه في الفضل رضي الله عنه، وهو الخليفة الثالث.
(لتقديم أهل الشورى له) لأن عمر لم يستخلف وإنما جعلها شورى في ستة حدّدهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فقدّم أهل الشورى عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
(ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه)
المتن:
وَهَؤُلاَءِ الخُلَفَاءُالرَّاشِدُونَ الأئمة المَهْدِيُّونَ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِمْ: ((عَلَيْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِالرَّاشِدينَ المَهْدِيين مِنْ بَعْدِي، عضُّوا عَلَيْهَابِالنَّواجِذ)).
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الخِلاَفةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً))، فَكَانَ آخِرَهَا خِلاَفَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه.
الشرح:
(وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون) هؤلاء: أي الأربعة الذين مر ذكرهم؛ هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين يتناولهم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ).
وقد وصفهم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بوصفين:
الرشاد والهداية، قال: (الراشدون المهديون) فوصفهم بالرشاد والهداية، والرشاد والهداية يعنيان: صلاح العلم وصلاح العمل، لأن ضد الراشد: الغاوي، وهو من فسد عمله.
وضد المهتدي: الضال، وهو من فسد علمه.
والنبي صلى الله عليه وسلم وصف هؤلاء الخلفاء بالرشاد والهداية، أي صلاح العلم وصلاح العمل، ونظير هذا الوصف، ما وصف الله سبحانه وتعالى به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "ما ضلّ صاحبكم وما غوى" فضد الضال: المهتدي، وضد الغاوي: الراشد.
(قال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة)) ثم يكون بعد ذلك ملكا، وهذه الخلافة التي هي ثلاثون، انتهت بوفاة علي رضي الله عنه.

وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  #44  
قديم 12 ربيع الثاني 1433هـ/5-03-2012م, 11:24 AM
ام الفداغ ام الفداغ غير متواجد حالياً
المسار المفتوح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 9
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقرر الثاني لكتاب اللمعة شرح الشيخ صالح الفوزان حفظه الله
الدرس الاول
(إثبات صفة الوجه لله تعالى)
قال تعالى ((ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام))
هنا إثبات صفة الوجه لله وهي من صفات الذات ، قرأ السلف هذه الآية ولم يعترضوا عليها ولم تشكل عليهم أثبتوها كما جاءت، حيث دل ذلك على وجوب إثبات صفة الوجه لله عز وجل ، أما أهل الضلال قالوا المراد بالوجه هنا الذات لأننا لو أثبتنا الوجه للخالق وهو موجود في المخلوق للزم التشابه بين الخالق والمخلوق.
فنرد عليهم لا يلزم من إثبات الوجه لله مشابهته لوجه المخلوق بل لله جل وعلا وجه يليق به ولانعلم كيفيته وللمخلوق وجه يليق به.
الدرس الثاني
إثبات صفة اليدين لله عز وجل قال تعالى ((بل يداه مبسوطتان))
في هذه الآية اثبات صفة اليدين لله عز وجل ورد على اليهود الذين قالو((يد الله مغلولة))حيث يصفون الله بالبخل سبحانه وتعالى((غلت أيديهم)) بل هم أبخل الناس والأقوام يجمعون المال من كل الطرق الحلال والحرام ولكن لا ينفقون ولعنهم الله أي طردهم من رحمته ورد عليهم بل يداه مبسوطتان فكل الخلائق تعيش من رزقه حتى الكفار فوصف نفسه بان لديه يدان.
دليل آخر قال تعالى((ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)) خلق آدم بيديه وأما بقية الخلائق فإنه يخلقها بأمره يقول كن فيكون.
أما أهل الضلال فيقولون المراد بيد الله قدرته ، فنرد عليهم لو كان ذلك صحيح لم يكن لآدم مزية عن باقي الخلق حيث أن الله شرفه عن باقي الخلق.
وقال تعالى بيدي هل يقال بقدرتي هل لله قدرتان أو قدرة واحدة ؟
له قدرة واحدة، فدل ذلك على تثنية اليد حقيقية لا تشبه يد المخلوق ولانعلم كيفيتها .


الدرس الثالث
قوله تعالى إخبارا عن عيسى صلى الله عليه وسلم قال: (تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك)
هذا فيه إثبات صفة النفس لله سبحانه وتعالى، كما أن المخلوق له نفس، ولا يلزم من كون المخلوق له نفس أن تتشابه النفسان نفس الله جل وعلا ونفس المخلوق.


الدرس الرابع
المجئ والإتيان
وقوله سبحانه وتعالى:(وجاء ربك) الفجر، وقوله:(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)البقرة
هذه من صفات الأفعال فيها إثبات صفة المجئ لله، وإثبات الإتيان لله جل وعلا ليس كإتيان المخلوق ولا كمجئ المخلوق ولا نعلم كيفيته، يجئ سبحانه كما يليق به ويأتي أيضا كما يليق به سبحانه وتعالى لانتعرض لكيفيته.

  #45  
قديم 17 جمادى الأولى 1433هـ/8-04-2012م, 06:10 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله، للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله ) درس 22)

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
المتن:
وَنَشْهَدُ لِلْعَشْرَةِ بِالجَنَّةِ، كَمَا شَهِدَلَهمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((أَبُو بَكْرٍ في الجَنَّةِ،وعُمَرُ في الجَنَّةِ، وعُثْمَانُ في الجَنَّةِ، وعَليٌّ في الجَنَّةِ، وطَلْحَةُفي الجنَّةِ، والزُّبيرُ في الجَنَّةِ، وسَعْدٌ في الجَنَّةِ، وسَعِيدٌ في الجَنَّةِ، وعَبْدُ الرَّحمنِ بنُ عَوْفٍ في الجَنَّةِ، وأبُو عبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ في الجَنَّةِ)).


الشرح:
ثم ذكر هنا الشهادة للعشرة المبشرين بالجنة، الشهادة لهم بالجنة لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وهؤلاء العشرة يقال لهم: العشرة المبشرون بالجنة، مع أنه يوجد في الصحابة آخرون شهد لهم عليه الصلاة والسلام بالجنة مثل ما سيأتي الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، والشهادة لثابت بن قيس، والشهادة لعكاشة، فهناك آخرون من الصحابة شهد لهم النبي عليه والصلاة والسلام بالجنة، لكن هؤلاء العشرة تميّزوا بأنهم في مجلس واحد شهد لهم عليه الصلاة والسلام في الجنة، فسمّاهم هؤلاء العشرة واحدا تلو الآخر في مجلس واحد، ولهذا يقال عنهم: العشرة المبشرون بالجنة، وهم أفضل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين مرّ ذكرهم، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، فهؤلاء العشرة في مجلس واحد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة.
أحد أهل العلم أفرد هؤلاء العشرة بمصنّف، فما هو هذا المصنف؟ ومن مؤلّفه؟
السؤال: مؤلَف مفرد في العشرة المبشرين بالجنة، ما هو هذا المؤلف؟ ومن مصنّفه؟
(أبيات لابن أبي داود صاحب الحائية) الكتاب لمحب الدين الطبري: (الرياض النضرة في مناقب العشرة)، العشرة المبشرين في الجنة.

المتن:
وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجَنَّةِ شَهِدْنَا لَهُ بِها، كَقَوْلِهِ: ((الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ)).
وَقَوْلِهِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: ((إِنَّه مِنْ أَهْلِ الجَنَّة)).
الشرح:
وأيضا هؤلاء شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام، فنشهد لهم بالجنة لشهادته عليه الصلاة والسلام لهم بالجنة، فنقول: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة كما أخبر بذلك نبيّنا عليه الصلاة والسلام، ونقول أيضا ثابت بن قيس بن شمّاس من أهل الجنة لشهادة النبي عليه الصلاة والسلام له بذلك.
المتن:
وَلاَ نَجْزِمُ لأَحَدٍ مِن أَهْلِ القِبْلَةِ بِجَنَّةٍ وَلاَ نارٍ، إلاَّ مَنْ جَزَمَ لَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّا نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَنَخَافُ عَلَى المُسِيءِ.

الشرح:
قال: (ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم) فمثل قبل قليل مرّ معنا أحاديث جزم فيها النبي عليه الصلاة والسلام لأشخاص بأعيانهم بأنهم في الجنة فنجزم لهم بذلك، فالذي جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة نجزم له ولا نجزم لأحد بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسئ، من أحسن رجونا له ولا نجزم له، ومن أساء أشفقنا عليه وخفنا عليه من العذاب ولا نجزم بذلك.

المتن:
وَلاَ نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ، وَلاَ نُخْرِجُهُ عَنِ الإِسْلامِ بِعَمَلٍ.
وَنَرَى الحجَّ والجِهَادَ مَاضِيًامَعَ طاعةِ كُلِّ إِمامٍ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَصَلاةُ الجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ جَائِزَةٌ.
قَال َأنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((ثَلاَثٌ من أَصْلِ الإِيمانِ: الكَفُّ عَمَّنْ قال: لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ، وَلاَ نُكفِّرُهُ بِذنْبٍ، وَلاَ نُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلاَم بِعَمَلٍ، وَالجِهادُ ماضٍ مُذ بَعَثَنِي اللهُ عزَّوجلَّ حَتى يُقَاتِلَ آخرُ أُمَّتي الدَّجَّالَ، لا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ،وَلاَ عَدلُ عَادِل، والإِيمانُ بالأَقْدَار))،رواهُ أبوداودَ.
الشرح:
ثم قال رحمه الله: (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) فأيضا هذا من جملة ما عليه أهل السنة والجماعة فيما يتعلّق بالتكفير، وقوله: لا نكفّر أحدا بذنب، فيه الرد على الخوارج، الذين يكفّرون بالذنوب التي هي دون الكفر بالله.
ومراده بالذنب: أي الذنب الذي هو دون الكفر، وإلا فإن الكفر ذنب وهو أعظم ذنب، لكن المراد بالذنب هنا: أي فيما دون الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى.
قال: ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب، أي خلافا للخوارج الذين يكفّرون بالكبائر.
ولا نخرج عن الإسلام بعمل، إلا إذا كان العمل ناقضا للإسلام محبطا للدين، كسبّ الدين أو سبّ النبيين أو نحو ذلك من الأعمال والأقوال التي هي ردّة وخروج عن دين الله سبحانه وتعالى.
قال: (ونرى الحج والجهاد ماضيين) أي باقيا مستمرا.
(مع طاعة كل إمام) أي ولي الأمر.
(برّا كان أو فاجرا) يعني لا يشترط طاعة الإمام أن يكون الإمام برّا، أي حتى ولو كان فاجرا يُسمع له ويُطاع وفجوره عليه، لكن لا يُطاع إذا أمر بمعصية، له الطاعة ولكن إذا أمر بمعصية لا يُطاع، مثل لو أمر رعيته بشرب خمر أو فعل فاحشة أو نحو ذلك، لا يُسمع له ولا يُطاع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"
قال: (وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) يعني خلف الأئمة، سواء كانوا أبرارا أو فجارا.
ثم أورد هذا الحديث؛ حديث أنس بن مالك رحمه الله تعالى مستشهدا به لما سبق، وما سبق له أدلته، وبسطها أهل العلم في الكتب الموسّعة في هذا الباب والحديث الذي ذكره المصنف هو في سنن أبي داود وإسناده ضعيف فيه يزيد وهو مجهول كما في التقريب وغيره.
المتن:
وَمِنَ السُّنَّةِ:تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَحبَّتُهمْ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ وَالتَّرحُّمُ عَلَيْهِمْ والاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالكَفُّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم، وَمَاشَجَرَ بَيْنَهُم، وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَاوَلإِخْوَانِناَ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَل في قُلُوبِنَاغِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنوُاْ}[الحشر: 10].
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مُّحَمَّدٌرَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29].
وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي،فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ)).
الشرح:
قال: (ومن السنة تولّي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم) هذا كله واجب تجاه أصحاب النبي الكريم صلوات الله عليه وسلامه عليه، ورضي الله عنهم أجمعين، فالواجب تجاه الصحابة في الجملة أمران:
أمر يتعلّق بالقلب، والأمر الآخر يتعلق باللسان، وجميع ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا وما لم يذكره راجع إلى أمرين، أمر يتعلق باللسان وأمر يتعلق بالقلب، أما ما يتعلق باللسان، فأن يكون فيه المحبة للصحابة والاحترام والتوقير ومعرفة قدر الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم ومنزلتهم وتولّيهم وحبهم وألا يكون في القلب غل أو حقد أو ضغينة تجاه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وما يتعلق باللسان أن يكون اللسان نظيفا نقيا تجاه أصحاب النبي عليهم رضوان الله فلا يتناولهم بسب أو طعن أو وقيعة أو خوض فيما شجر بين الصحابة، بل يكون مترحما مثنيا مترضيا داعيا لهم بالخير، وجُمع هذان الأمران في قول الله سبحانه وتعالى وقد ساقه المصنف "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم"
فقوله: "يقولون ربنا اغفر لنا" هذا سلامة اللسان، "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" هذا سلامة اللسان، وقوله: "ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا" هذا سلامة القلب.
فجماع ما ينبغي تجاه الصحابة يتلخص في سلامة القلب وسلامة اللسان، فالقلب ليس فيه حقد ولا ضغينة بل ليس فيه إلا الحب والاحترام والتوقير، واللسان ليس فيه طعن ولا وقيعة بل ليس فيه إلا الدعاء والترضّي والثناء على الصحابة الكرام.
وأورد قول الله سبحانه وتعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم" تتمّة هذه الآية كما قرأنا قبل قليل فيها ثناء الله جل وعلا على الصحابة في التوراة والإنجيل من قبل أن يُخلقوا رضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم أورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه" يعني لو أن إنسانا ملك مثل أحد ذهب أنفقه كلّه في سبيل الله وأحد الصحابة أنفق ملء يده، أو مدّ يده ذهبا، فهذا الذي أنفقه الصحابي أفضل من نفقة هذا الذي بلغ مثل أحد ذهبا، وهذا يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم وتميّزهم بما خصّهم الله سبحانه وتعالى به من خيرية وفضل.

المتن:
وَمِنَ السُّنَّةِ:التَّرَضّي عَنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أمَّهاتِ المؤمِنِينَ المُطَهَّراتِ المُبرَّآتِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، أَفْضَلُهُنَّ خَديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ،وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ الَّتي بَرَّأَها اللهُ في كِتَابِهِ، زَوْجُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَمَن قَذفَها بما برَّأَهَا اللهُ مِنْهُ في كتابه فَقَدْ كَفَرَ باللهِ العظيمِ.
الشرح:
ثم ذكر هنا الواجب تجاه أمهات المؤمنين أزواج النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فذكر خلاصة في ذلك وأن الواجب الترضي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، واعتقاد أنهنمطهّرات مبرءات من كل سوء وأن أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة رضي الله عنهما وعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أجمعين.
(الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه) أي أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه وحيا يُتلى ببراءتها، ولما نزلت تلك الآيات الكريمات في براءتها تواضعت رضي الله عنها، وقالت: ولشأني في نفسي أحقر من أن يُنزل الله فيّ وحيا يُتلى، وأصبحت براءتها رضي الله عنها آيات تُتلى وتُحفظ في الصدور وتُقرأ وتُكتب معلنة براءتها رضي الله عنها وأرضاها مما رميت به، وأُلصق بها رضي الله عنها وأرضاها من إفك وافتراء.
واستنادا إلى هذه الآيات قال أهل العلم: من رمى عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه فهو كافر، لا يقبل الله منه عمل، لا صلاة ولا صيام ولا حج، ولا غير ذلك، فهو كافر، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل وحيا يقرأه المسلون ويحفظونه ويرتّلونه، فيه إعلان براءة عائشة رضي الله عنها مما رُميت به، فمن أبى إلا أن يرميها بما برأها الله سبحانه وتعالى منه، فهو كافر بالله، كافر بالقرآن، كافر بدين الله سبحانه وتعالى، لا يُقبل منه أي عمل من الأعمال، ولهذا قال المصنف: (فمن قذفها بما برّأها الله منه فقد كفر بالله العظيم)

وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  #46  
قديم 17 جمادى الأولى 1433هـ/8-04-2012م, 06:30 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله، للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله( درس 23)


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد


المتن:

وَمُعَاوِيَةُ خَالُ المُؤْمِنينَ، وَكَاتِبُ وَحْيِ اللهِ، أَحَدُ خُلَفَاءِ المُسْلِمِينَ.
الشرح:
(ومعاوية خال المؤمنين)معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه وهو صحابي جليل، وله مكانته، وله قدره، وله منزلته في نفوس المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وله أيضا مناقبه وخصائصه، وهو كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين؛ لماذا لقّب بهذا اللقب؛ خال المؤمنين؟
لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أمهات المؤمنين، ولقّب رضي الله عنه وأرضاه بخال المؤمنين لأن أخته إحدى أمهات المؤمنين، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا لقب بهذا اللقب.
(وكاتب وحي الله أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم)وخصّه هنا في هذا المعتقد بالذكر؛ لأن معاوية رضي الله عنه وأرضاه تجنّى عليه خلق كثيرون، كذبا عليه وعدوانا وثلبا ووقيعة وظلما وبغيا، فتجنى عليه خلق كثيرون فخصّه بالذكر في هذا المعتقد، وبين بهذه الخلاصة فضل هذا الصحابي ومكانته العظيمة، ومنزلته العلية، ومن تجرّأ على معاوية؛ وهذا أيضا من أسباب تخصيصه بالذكر، من تجرأ على معاوية؛ تجرأ أيضا على غيره، لأنه يفتح الباب بالجرأة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أحد السلف كلمة عظيمة في هذا الباب: معاوية بن أبي سفيان ستر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هتكه؛ هتك ما وراءه.
فالذي يتجرأ على معاوية سيتجرأ أيضا على غيره من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والصحابة كلهم عدول؛ عدّلهم الله وأثنى عليهم، وأثنى عليهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وأخبر أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، فمن وقع في أحد من الصحابة رضي الله عنهم فإنما يضر نفسه، ولا يضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا.
المتن:
وَمِنَالسُّنَّةِ:السَّمْعُ والطَّاعَةُ لأَئِمَّةِالمُسْلِمِينَ وأُمَراءِ المُؤْمِنِينَ، بَرِّهِمْ وفَاجِرِهمْ، مَا لَمْ يأْمُرُوابِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإنَّه لاَ طَاعَة لأَحَدٍ في مَعْصِيةِالله.
الشرح:
ثم ذكر الواجب تجاه ولاة الأمر؛ عملا بقول الله عزوجل: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"
وعملا بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمر.
والإمام مسلم في كتابه الصحيح عقد كتابا بعنوان (الإمارة)؛ وساق فيه أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب، والذي قال هذه الأحاديث هو الذي جاءت عنه أحاديث الصلاة وأحاديث الصيام وأحاديث الدين الأخرى، ومع ذلك فبعض الناس لأهواء أُشرب بها قلبه، إذا سمع الأحاديث التي تتعلق بالسمع والطاعة لولاة الأمر ينقبض قلبه، ولا يرتاح لها وينكمش منها وإذا سمع أحاديث الصلاة، أحاديث الصيام، يقبل عليها، مع أن الذي قال هذا؛ هو الذي قال هذا، فلماذا ينقبض هنا، وينشرح هنا، والقائل واحد، والواجب تجاه الأحاديث كلها واحدة، فلماذا بعض أحاديثه ينقبض منها، بل في حديث واحد قال عليه الصلاة والسلام: "اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم"
فبعض الناس إذا ذكرت طاعة ولاة الأمر قلبه ينقبض وينكمش ولا يرتاح، وإذا جاءت الأحاديث الأخرى يقبل، مع أن الذي قال هذا؛ هو الذي قال هذا، وهو الصادق المصدوق الواجب طاعته في كل ما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه، فلم الوحشة والانقباض من أحاديثه عليه الصلاة والسلام التي تتعلق بجانب الطاعة لولي الأمر، ولا تنقبض في الجوانب الأخرى، لاشك أن من وراء هذا الانقباض هوى تسرب إلى النفس، جعل النفس لا تقبل على هذه الأحاديث، ومنهم من يردّها، ومنهم من يتأوّلها، ومنهم ..الخ، في عدم الاقبال على أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المتعلقة في هذا الباب.
وأهل العلم من أئمة السلف أوردوا هذا في الاعتقاد؛ لأن أهل البدع يخالفون في هذا الباب ويناكفون في هذا الأمر، ويتمرّدون ويفتاتون على ولي الأمر، ويشقّون الجماعة، وينزعون اليد من الطاعة، فأهل العلم أوردوا هذا في جملة الاعتقاد، ولذلك لا تكاد ترى مؤلفا في العقيدة مختصرا كان أو مطولا إلا ويضمّن هذا الجانب.
(ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم) ليست الطاعة للبر فقط؛ بل الفاجر من الولاة أيضا يُطاع ويسمع له؛ إلا إذا أمر بمعصية، لا يُسمع له فيما أمر به من معصية ولا يُطاع، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الطاعة في المعروف" "ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ولهذا قال المؤلف:
(ما لم يؤمر بمعصية، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله)
المتن:
وَمَنْ وَلِيَ الخِلاَفَةَ واجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ أَوْ غَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةَ وَسُمِّيَ أَمِيرَالمُؤْمِنيِنَ، وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَحَرُمَتْ مُخَالَفَتُهُ وَالخُرُوجُ عَلَيْهِ وَشَقُّ عَصَا المُسْلِمينَ.
الشرح:
ثم بين ما قرره فيما سبق؛ فيما يتعلق بالولاة أن من ولي الأمر سواء باجتماع الناس عليه ورضاهم به، أو أيضا استخلفه الوالي الذي قبله، أو غلب الناس بالسيف، حتى صار الخليفة وسمّي أمير المؤمنين، وأصبح الأمر بيده، وجبت طاعته وحرُم مخالفته والخروج عليه، وشق عصا المسلمين.
المتن:
وَمِنَ السُّنَّةِ:هُجْرَانُ أَهْلِ البِدَعِ،وَمُبَايَنَتُهُمْ، وَتَركُ الجِدَالِ والخُصُوماتِ في الدِّينِ، وَتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ المُبْتَدِعَةِ والإصْغَاءِ إلى كلاَمِهمْ، وَكُلُّ مُحْدَثةٍفي الدِّينِ بِدْعَةٌ.
وَكُلُ مُتَسَمٍّ بِغَيْرِ الإِسْلاَمِ والسُّنَّةِ مُبْتَدِعٌ، كالرَّافِضَةِ، والجَهْمِيَّةِ والخَوَارِجِ والقَدَرِيَّةِ وَالمُرْجِئَةِ، والمُعْتَزِلَةِ وَالكُرامِيَّةِ والسالمية وَالكُلاَّبِيَّةِ وَنَظَائِرِهِمْ، فَهذِهِ فِرَقُ الضَّلاَلِ، وَطَوائِفُ البِدَعِ، أَعَاذَنَا اللهُ مِنْها.
الشرح:
(ومن السنة هجران أهل البدع) أيضا وترك النظر في كتب المبتدعة، فالمراد بهذين الأمرين؛ صيانة المعتقد، وحفظ الدين، والسلامة من العقائد الباطلة، والأهواء الزائفة التي ابتلي بها خلق وأقوام.
وهجران أهل البدع؛ المراد منه؛ من حيث الجملة أمران:
الأمر الأول: يتعلق بالهاجر ليسلم له دينه؛ فإذا هجرهم ابتعد عنهم، وابتعد عن مخالطتهم، وعن مجالستهم، هذا أسلم لدينه، لأنه قد يجالسهم ويباسطهم ويؤانسهم؛ ثم يلقون عليه من الشبهات ما قد تضرّ بدينه وعقيدته.
والسبب الثاني: من أجل المهجور؛ لعل في ذلك ردعا له، وزجرا له عن بدعته وضلالته، ولهذا يقال: الهجرُ للزجر.
وهذا الباب من حيث الجملة؛ تُراعى فيه قاعدة الشريعة التي هي: جلب المصالح ودرء المفاسد، والمسألة مبنية على هذه القاعدة، فينبغي أن يكون التعامل في هذا الباب في ضوء هذه القاعدة؛ قاعدة الشريعة: جلب المصالح ودرء المفاسد.
(ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين)لأنه كما قال السلف: من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقّل.
ومما يُروى في هذا الباب أن أحد المبتدعة جاء لأحد أئمة السلف ليناظره؛ فقال: أما أنا فعلى بيّنة من ديني، وأما أنت فشاكّ فاذهب إلى شاكّ مثلك فجادله.
وخاصة إذا عُلم من الشخص المُناظر أنه لا هم له إلا في الجدل وفي المغالطة، لا يبحث عن الحق ولا يتحرّاه.
أما إذا كان الشخص؛ يُعرف عنه أنه يبحث عن الحق ويريد الحق، فهذا يُجادل بالتي هي أحسن، ولا تكون أيضا مجادلته إلا من عالم، أما من لا علم عنده فلا يجادل، لأنه إن جادل أضرّ بنفسه، فقد تُلقى عليه شبهة لا يستطيع ردّها، وقد تكون أيضا مؤثرة عليه في عقيدته وإيمانه.
(وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم) لأن النظر في كتب هؤلاء قد يتسبب بدخول شبهات هؤلاء على الإنسان فيضر بدينه، والإنسان إذا أراد أن يخاطر بشيء؛ فلا يخاطر بدينه، فإن دينه أغلى ما يملك في هذه الحياة، وما أكثر ما يخاطر الناس ولاسيما في زماننا هذا في أديانهم، وكأن دينه أرخص شيء عنده، كثيرا ما يُخاطر الآن الناس في أديانهم، وانظروا إلى أحوال الناس مع القنوات الفضائية، ومع المواقع في الشبكة العنكبوتية، تجد الشاب الصغير الذي لا علم عنده؛ يفتح على كل المواقع، كفار وفجرة ومبتدعة وفساق ..الخ، وينظر هنا وينظر هنا، ويطلع إلى ما عند هؤلاء، حتى يتلوّث تماما بالشبهات والشهوات، والسبب أنه خاطر بدينه، وأوقع نفسه في الوحل، وحل الشبهات ووحل الشهوات، وهو الذي ورّط نفسه، في خطوات يخطوها، وتجده في البداية عندما يدخل مواقع الشبهات أو مواقع الشهوات؛ يدخل وهو خائف، ومتردد، هل أدخل أو لا؟ هل أنظر أو لا؟ متردد، ثم يتجرّأ ومن ورائه الشيطان يؤزه ويدفعه فينظر، ثم النظرة تجر نظرة، ويستمر به الأمر حتى يتلوّث تماما، ومن لطيف ما يذكر في هذا الباب؛ أن الإمام أحمد رحمه الله كان يوما يمشي مع أصحابه، فمروا بوحل؛ يعني طين وأرض زلقة، فعادة الإنسان إذا مر بوحل وثيابه نظيفة والطريق من أمامك وحل، وأنت تريد أن تمر؛ العادة ما هي، أنه تجده في البداية؛ يتردد ثم يحاول ينظر في الوحل أماكن يمشي عليها، ليسلم جسمه، وتسلم ملابسه من الوحل، فتجده يدخل بحذر، يبحث عن أماكن ناشفة أو حجر يقف عليه بحيث لا يلمس الطين، ثم إذا لمست رجله الطين، ماذا يصنع بعد ذلك؛ يمشي، تجده في البداية أولا يتردد، يقول: لا يمكن، ثيابي تتسخ وجسمي يتلوث، ثم تجده بعد هذا التردد؛ أنا أشوف طريق نظيف وأطأ على هذا الحجر ثم هذا الحجر حتى أصل، فإذا وطئ الطين مشى وواصل السير، إلى أن يتلوّث تماما بالطين والوحل، والدخول في الشبهات والدخول في المعاصي مثل هذا تماما.
ولهذا قال الإمام أحمد: هكذا شأن الذنوب أو شان المعاصي، شبهها بحال الإنسان مع الوحل.
وأذكر مرة راسلني شخص برسالة يذكر حاله المزرية في المعاصي، ويقول: أنا أريد أن أتوب، ولكن ما أعرف كيف أتوب، ولكن من ضمن كلامه؛ قال لي: أنا في وحل، فذكرني بكلمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وتشبيه حال الذنوب بحال من يمر بالوحل على الوصف الذي مرّ ذكره.
الشاهد؛ أن كتب أهل الباطل ومثلها مواقع أهل الباطل وقنوات أهل الباطل؛ لا تُشاهد ولا يُنظر إليها، ولا يُسمع إلى كلامهم، لأن من يستمع إلى كلامهم ويُشاهد ما يُقدمونه، هذا يُخاطر بدينه، ودين الإنسان أغلى شيء وأثمن شيء يملكه، ومن أراد أن يُخاطر بشيء لا يُخاطر بدينه.
(وكل محدثة في الدين بدعة) أي كما قال عليه الصلاة والسلام: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"
(وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع) وأهل السنة سمّوا: أهل السنة، لأنهم مظاهر ظهرت بهم السنة، انتسبوا إليها وطبّقوها، فهم أهل السنة، لأنهم مظاهر ظهرت عليهم وبهم السنة، وأهل البدعة سمّوا أهل بدعة؛ لأنهم مصادر صدرت منهم البدعة، فصاروا منسوبين إليها، ولهذا تجد أهل البدع تارة ينسبون إلى البدعة نفسها التي أحدثوها كالرفض والخروج، وتارة ينسبون إلى من أسس لهم البدعة كالجهمية والكلابية وغيرهم.
أما أهل السنة فلا ينتسبون إلى شيء إلا إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام، تمسكا بها وتحليا بها، وذكر هنا نماذج من أهل الضلال، وطوائف المبتدعة، قال:
(كالرافضة، والجهمية، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والكرّامية، والسالمية، والكلامية، ونظرائهم، فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها) وأهل العلم أيضا أفردوا ما يتعلق التعريف بهذه الطوائف على وجه التحذير منها، ومن باطلهم، مؤلفات خاصة مفردة في هذا الباب.
المتن:
وأَمَّا النِّسْبَةِ إِلى إِمَامٍ في فُرُوعِ الدِّينِ كَالطَّوائِفِ الأَرْبَعِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، فَإِنَّ الاخْتِلاَفَ في الفُرُوعِ رَحمةٌ، وَالمُختَلِفُونَ فِيها مَحمُودُونَ في اخْتِلافِهمْ، مُثَابُونَ في اجْتِهَادِهِم، واختِلاَفُهُم رَحْمَةٌ وَاسِعةٌ، واتِّفَاقُهُم حُجَّةٌ قَاطِعةٌ.
نَسْأَلُ اللهَ الكريم أَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ البِدَعِ وَالفِتْنَةِ، وَيُحْييَنَا عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ، ويَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فِي الحَياةِ، وَيَحْشُرَنَا في زُمْرَتِهِ بَعْدَ المَمَات بِرَحْمَتِهِ وفَضْلِهِ.
وهذا آخِرُ المُعْتَقَدِ، والحَمْدُ للهِ الواحد الأحد القيوم الصمد، والصلاة والسلام على محمد أكرم والد وولد صلى الله عليه وآله بلا حساب ولا عدد.
الشرح:
لما حذر رحمه الله تعالى من الانتساب إلى طوائف الضلال وأئمة البدع، ذكر ما يتعلق بالمذاهب الفقهية الأربعة المشهورة.
(وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله شرح وبيان وتعليق على هذا؛ نكتفي بقراءته:
[[ والاخْتِلافُ فيها ليسَ بِمَذْمُومٍ، حيثُ كانَ صَادِرًا عن نِيَّةٍ خَالِصَةٍ واجْتِهَادٍ، لا عن هَوًى وتَعَصُّبٍ؛ لأنه وَقَعَ في عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يُنْكِرْه، حيثُ قالَ في غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ: ((لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إلاَّ في بَنِي قُرَيْظَةَ))، فحَضَرَت الصَّلاةُ قَبْلَ وُصُولِهم، فَأخَّرَ بَعْضُهُم الصَّلاةَ حَتَّى وَصَلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَصَلَّى بَعْضُهُم حِينَ خَافُوا خُرُوجَ الوَقْتِ، وَلَمْ يُنْكِر النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهم ) رواه البُخَارِيُّ، ولأن الاخْتِلافَ فيها مَوْجُودٌ في الصَّحَابَةِ وهم خيرُ القُرُونِ، ولأنَّه لا يُورِثُ عَدَاوَةً ولابَغْضَاءَ ولا تَفَرُّقَ كَلِمَةٍ بخَلافِ الاخْتِلافِ في الأُصُولِ.
وقولُ المُؤَلِّفِ: (المُخْتَلِفُون فيه مَحْمُودُونَ في اخْتِلافِهِم) ليسَ ثناءً على الاختلافِ؛ فإن الاتِّفَاقَ خَيْرٌ منه، وإنما المُرَادُ به نَفْيُ الذَّمِّ عنه، وأنَّ كلَّ وَاحِدٍ مَحْمُودٌ على مَا قالَ؛ لأنه مُجْتَهِدٌ فيه مُرِيدٌ للحقِّ فهو مَحْمُودٌ على اجْتِهَادِهِ واتِّباعِ مَا ظَهَرَ له مِن الحَقِّ، وإنْ كانَ قد لا يُصِيبُ الحَقَّ.
وقولُه: (إنَّ الاخْتِلافَ في الفُرُوعِ رَحْمَةٌ) وإنَّ (اخْتِلافَهم رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ)أي: داخِلٌ في رَحْمَةِ اللهِ وعَفْوِهِ حيثُ لم يُكَلِّفْهُم أَكْثَرَ ممَّا يَسْتَطِيعُون، ولم يُلْزِمْهُم بأَكْثَرَ ممَّا ظَهَرَ لَهُم،فلَيْسَ عليهم حَرَجٌ في هذا الاخْتِلافِ، بل هُم فيه داخِلُون تحتَ رَحْمَةِ اللهِ وعَفْوِهِ؛ إنْ أَصَابُوا فلهم أجْرَان، وإنْ أَخْطَؤُوا فلهم أجْرٌواحِدٌ.]]
ثم ختم المؤلف رحمه الله مؤلفه بهذا الدعاء:
(نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة، وأن يحيينا على الإسلام والسنة، ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله، آميـــــــــــــــــــن.
وهذا آخر المعتقد.
والحمدلله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما )
والوقت المقرر في هذا الأسبوع لدراسة هذا الكتاب وإنجازه في أسبوع، قد اضطرنا المرور على كثير من المواضع التي تحتاج إلى شيء من الوقوف والتوسع والتفصيل لمزيد البيان والإيضاح، لكن مررنا عليها مرورا سريعا.
وعلى كل حال نرجو الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-تم شرح الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله-

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir