دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > البرامج الخاصة > البرامج الخاصة > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 13 شعبان 1435هـ/11-06-2014م, 12:02 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

المعربات:

* المعربات بالحركات، وهو أربعة أشياء:
- الاسم المفرد،
- جمع التكسير،
- جمع المؤنث السالم،
- الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء.
وكلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة وتجزم بالسكون، وخرج عن ذلك ثلاثة أشياء:
- جمع المؤنثِ السالم ينصب بالكسرة،
- والاسم الذي لا ينصرف يخفض بالفتحة،
- والفعل المضارع المعتل الاخر يجزم بحذف آخره .

المعربات بالحروف وهو أربعة أشياء:
-التثنية: ترفع بالألف، وتنصب وتخفض بالياء.
- وجمع المذكر السالم، يرفع بالواو، وينصب ويخفض بالياء.
- والأسماء الخمسة، ترفع بالواو، تنصب بالألف، وتخفض بالياء.
- والأفعال الخمسة، وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين. ترفع بثبوت النون، وتنصب وتخفض بحذفها.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 13 شعبان 1435هـ/11-06-2014م, 12:25 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

باب الأفعال:


أحكام الفعل:
* حكم الفعل الماضي: البناء على الفتح، وهذا الفتح إما ظاهر، وإما مقدر.
- الفتح الظاهر: يكون في الصحيح الآخر الذي لم يتصل به واو الجماعة، ولا ضمير رفع متحرك وكذلك في كل ما كان آخره واواً أو ياءً،
- الفتح المقدر: فهو على ثلاثة أنواع:
+ إما أن يكون مقدراً للتعذر، وهذا في كل ما كان آخره ألفاً،
+ وإما أن يكون الفتح مقدراً للمناسبة، وذلك في كل فعل ماض اتصل به واو الجماعة.
+ وإما أن يكون الفتح مقدراً لدفع كراهة توالي أربع متحركات، وذلك في كل فعل ماض اتصل به ضمير رفع متحرك، كتاء الفاعل ونون النسوة.

- حكم فعل الأمر: البناء على ما يجزم به مضارعه .

- حكم الفعل المضارع:
هو معرب ما لم تتصل به نون التوكيد ثقيلة كانت أو خفيفة أو نون النسوة،
فإن اتصلت به نون التوكيد بني معها على الفتح،
وإن اتصلت به نون النسوة بني معها على السكون.

نواصب المضارع :
النواصب عشرة، وهي: أن، ولن، وإذن، وكي، ولام كي، ولام الجحود، وحتى، والجواب بالفاء والواو، وأو .
1- ما ينصب الفعل المضارع بنفسه:
وهي أربعة أحرف وهي: أن، ولن، وإذن، وكي.
- أن: حرف مصدر ونصب واستقبال،
- لن : حرف نفي ونصب واستقبال،
- إذن: حرف جواب وجزاء ونصب، ويشترط لنصب المضارع بها ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون إذن في صدر جملة الجواب .
الثاني: أن يكون المضارع الواقع بعدها دالاً على الإستقبال.
الثالث: أن لا يفصل بينها وبين المضارع فاصل غيرُ القسم أو النداء أو " لا " النافية.
-كي: حرف مصدر ونصب،ويشترط في النصب بها أن تتقدمها لام التعليل لفظاًأو تقديراً، فإذا لم تتقدمها هذه اللام لفظاً ولا تقديراً كان النصب بأن مضمرة، وكانت كي نفسها حرف تعليل.

2- ينصب الفعل المضارع بواسطة " أن " مضمرة جوازاً:
وهو حرف واحد وهو لام التعليل، وعبر عنها المؤلف بلام كي، لاشتراكهما في الدلالة على التعليل.

3- ما ينصب الفعل المضارع بواسطة " أن " مضمرة وجوباً :
وهي خمسة أحرف :
- لام الجحود: وضابطها أن تسبق " بما كان " أو " لم يكن".
- حتى : وهو يفيد الغاية أوالتعليل، ومعنى الغاية أن ما قبلها ينقضي بحصول ما بعدها، ومعنى التعليل أن ما قبلها علة لحصول ما بعدها،
- فاء السببية، وواو المعية، بشرط أن يقع كل منها في جواب نفي أو طلب.
والطلب فثمانية أشياء: الأمر، والدعاء، والنهي، والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتمني، والرجاء،
* الطلب فهو الأمر الصادر من العظيم لمن هو دونه،
* الدعاء فهو الطلب الموجه من الصغير إلى العظيم،
* العرض فهو الطلب برفق.
* التحضيض فهو الطلب مع حث وإنزعاج.
* التمني : فهو طلب المستحيل، أو ما فيه عسرة.
* الرجاء : فهو طلب رالأمر القريب الحصول.

- أو : ويشترط في هذه الكلمة أن تكون بمعنى " إلا " أو بمعنى " إلى "، وضابط الأولى: أن يكون ما بعدها ينقضي دفعة، وضابط الثانية: أن يكون ما بعدها ينقضي شيئاً فشيئاً.

جوازم المضارع :
والجوازم ثمانية عشر، وهي: لم، ولما، وألم، وألما، ولام الأمر، والدعاء، و " لا " في النهي والدعاء، وإن وما ومهما، وإذ ما، وأي ومتى، وأين، وأيان، وأنى، وحينما، وكيفما، وإذا في الشعر خاصاً.
1- ما يجزم فعلا واحدا:
فستة أحرف، وهي: لم، ولما، وألم، وألما، ولام الأمر، والدعاء، و " لا " في النهي والدعاء، وكلها حروف بإجماع النحاة.
- " لم "، لمّا" : حرفا نفي وجزم وقلب.
- ألم ، ألما : زيدت عليهما همزة تقرير.
- وكل من الأمر والدعاء يقصد به طلب حصول الفعل طلباً جازماً،و كل من النهي والدعاء يقصد به طلب الكف عن الفعل وتركه،

2- وهو ما يجزم فعلين:
ويسمى أولهما فعل الشرط، وثانيهما جواب الشرط وجزاءه، وهو على أربعة أنواع:
- النوع الأول: فهو " إن " وحده،
- النوع الثاني: وهو المتفق على أنه اسم ـ فتسعة أسماء وهي: من، وما، وأي، ومتى، وأيان، وأين، وأنى، وحيثما، وكيفما.
ويزاد على هذه الأسماء التسعة " إذا " في الشعر كما قال المؤلف،
- النوع الثالث: وهو ما اختلف في أنه اسم أو حرف، والأصح أنه حرف ـ فذلك حرف واحد وهو " إذ ما "
- النوع الرابع: وهو ما اختلف في أنه اسم أو حرف، والأصح أنه أنه اسم ـ فذلك كلمة واحدة، وهي " مهما ".

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 14 شعبان 1435هـ/12-06-2014م, 12:51 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

باب مرفوعات الأسماء


المرفوعات سبعة، وهي: الفاعل، والمفعول الذي لم يسم فاعله، والمبتدأ، وخبره، واسم كان وأخواتها، وخبر إن وأخواتها، والتابع للمرفوع وهو أربعة أشياء: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل .
إذا اجتمعت هذه التوابع كلها أو بعضها في كلام قدمت النعت، ثم عطف البيان، ثم التوكيد، ثم البدل، ثم عطف النسق.

الفاعل : هو: الاسم المرفوع المذكور قبله فعله.
وهو يشمل الاسم الصريح والاسم المؤول بالصريح.
وقول "المذكورقبله فعله" يخرج المبتدأ واسم "إن" وأخواتها فإنهما لم يتقدمهما فعل البتة، ويخرج أيضاً اسم "كان" وأخواتها واسم "كاد" وأخواتها، فإنهما وإن تقدمهما فعل فإن هذا الفعل ليس فعل واحدٍ منهما.
والمراد بالفعل ما يشمل شبه الفعل: كاسم الفعل في نحو " هيهات العقيق " و " شتان زيد وعمرو"، واسم الفاعل في نحوه " أقادم أبوك "، فالعقيق، وزيد مع ما عطف عليه، وأبوك: كل منها فاعل.

أنواع الفاعل:
* الظاهر : وهو يدل على معناه بدون حاجة إلى قرينة،
* المضمر وهو: ما لا يدل على المراد منه إلا بقرينة تكلم أو خطاب غيبة.
أنواع الفاعل المضمر:
- الضمير المتصل : وهو الذي لا يبتدأ به الكلام ولا يقع بعد " إلا ".
- الضمير المنفصل : وهو: الذي يبتدأ به ويقع بعد " إلا " في حالة الاختيار.

النائب عن الفاعل:
وهو: الاسم، المرفوع، الذي لم يذكر معه فاعله .
يكتفي بذكر الفعل والمفعول، وحينئذ يجب عليه أن يغير صورة المفعول به الذي كان منصوباً فيصيره مرفوعاً، ويعطيه أحكام الفاعل: من وجوب تأخيره عن الفعل، وتأنيث فعله له إن كان مؤنثاً، وغير ذلك..
وتتغير صورة الفعل أيضا.
تغيير الفعل بعد حذف الفاعل:
إن كان الفعل ماضياً ضُم أوله وكسر ما قبل آخره، وإن كان مضارعاً ضم أوله وفتح ما قبل آخره .

المبتدأ والخبر:
* المبتدأ: هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية.
* الخبر: هو الاسم المرفوع المسند إلى المبتدإ.
* حكم كل من المبتدأ والخبر الرفع.
* لابد من المبتدأ والخبر أن يتطابقا في الإفراد، والتثنية ، والجمع، والتذكير والتأنيث.
* المبتدأ قسمان ظاهر ومضمر.
* والخبر قسمان: مفرد وغير مفرد، وعلى التفصيل خمسة أنواع: مفرد، وجملة فعلية، وجملة اسمية، وجار ومجرور، وظرف .
- المفرد هنا ما ليس جملة ولا شبيهاً بالجملة.
- الجملة الفعلية: ما تألفت من فعل وفاعل أو نائبه.
- الجملة الاسمية: ما تألف من مبتدأ وخبر.
إن كان الخبر جملة فلابد له من رابط يربطه بالمبتدأ إما ضمير يعود إلى المبتدأ وإما اسم إشارة.
- الجار والمجرور.
- الظرف.

نواسخ المبتدأ والخبر:
العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها.
وتسمى هذه العوامل " النواسخ " لأنها نسخت حكم المبتدأ والخبر، أي: غيرته وجددت لهما حكماً آخر غير حكمهما الأول.

كان وأخواتها:
تدخل كان وأخواتها على المبتدإ وتجعله اسما وتزيل رفعه الأول وتحدث له رفعاً جديداً، وتنصب الخبر.
وهي: ثلاثة عشر فعلاً : كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، وما زال، وما انفك، وما فتيء، وما برح، وما دام، وما تصرف منها نحو: كان، ويكون، وكن، وأصبح، ويصبح، وأصبح.
- كان : وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي، إما مع الانقطاع، وإما مع الاستمرار.
- أمسى : وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في المساء.
- أصبح : وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الصباح.
- أضحى : وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الضحى.
- ظل : وهو وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار.
- بات : وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في البيات.
- صار : وهو يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي هو عليها الخبر.
- ليس : وهو يفيد نفي الخبر عن الاسم في وقت الحال.
- ما زال، ما انفك، ما فتىء، ما برح : وهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم حسبما يقتضيه الحالً.
- ما دام : وهو يفيد ملازمة الخبر للاسم أيضاً.

وتنقسم هذه الأفعال ـ من جهة العمل ـ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يعمل هذا العمل ـ وهو رفع الاسم ونصب الخبر ـ بشرط تقدم " ما " المصدرية الظرفية عليه وهو فعل واحد وهو " دام ".
القسم الثاني: ما يعمل هذا العمل بشرط أن يتقدم عليه نفي، أو استفهام، أو نهي، وهو أربعة أفعال، وهي: " زال "، " انفك "، " فتيء "، " برح ".
القسم الثالث: ما يعمل هذا العمل بغير شرط، وهو ثمانية أفعال، وهي الباقي.

وتنقسم هذه الأفعال من جهة التصرف إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: ما يتصرف في الفعلية تصرفاً كاملاً، بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، وهو سبعة أفعال، وهي: " كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار.
القسم الثاني: ما يتصرف في الفعلية تصرفاً ناقصاً، بمعنى أنه ياتي منه الماضي والمضارع ليس غير، وهو أربعة أفعال، وهي: فتيء، انفك، برح، زال .
القسم الثالث: ما لا يتصرف أصلاً، وهو فعلان: أحدهما " ليس " اتفاقاً والثاني " دام " على الأصح .

إن وأخواتها

تنصب إن وأخواتها الاسم وترفع الخبر، وهي ستُّ:
- إن : للتوكيد، ومعناه تقوية نسبة الخبر للمبتدإ.
- لكن : للاستدراك، وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه.
- كأن : للتشبيه، وهو يدل على تشبيه المبتدأ بالخبر.
- ليت " للتمني.
- لعل " للترجي والتوقع ، ومعنى الترجي: طلب الأمرالمحبوب، ولا يكون إلا في الممكن، ومعنى التوقع انتظار وقوع الأمر المكروه في ذاته،

ظننت وأخواتها:

تنصب ظننت وأخواتها المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي: 10 أفعال: ظننت، حسبت، وخِلتُ، وزعمتُ، ورأيتُ، وعلمتُ، ووجدتُ، واتخذتُ، وجعلتُ،وسمعتُ،

القسم الأول: يفيد ترجيح وقوع الخبر، وهو أربعة أفعال:" ظننت، حسبت، خلت، زعمت " .
القسم الثاني: يفيد اليقين وتحقيق وقوع الخبر، وهو ثلاثة أفعال، وهي: رأيت، وعلمت، ووجدت .
القسم الثالث: يفيد التصيير والانتقال، وهو فعلان، اتخذت، جعلت .
القسم الرابع: يفيد النسبة في السمع، وهو فعل واحد، وهو سمعت .

النعت
* النعت: تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه، وتعريفه وتنكيره
* النعت : لغة هو الوصف، واصطلاحا هو: التابع المشتق أو المؤوَّلُ بالمشتق، الموضِّح لمتبوعه في المعارف، المخصِّصصُ له في النكرات.
* ينقسمُ إلى قسمين: الأولُ: النعتُ الحقيقي، والثاني: النعت السببي.
- النعتُ الحقيقي فهو: ما رفع ضميراً مستتراً يعود إلى المنعوت، وبذلك يتبع منعوته في تذكيره أو تأنيثه، وفي إفراده أو تثنيته أو جمعه.
- النعت السببي فهو: ما رفع اسماً ظاهراً متصلاً بضمير يعود إلى المنعوت.
ويكون النعت السببي مفرداً دائماً ولو كان منعوته مثنى أو مجموعاً، ويتبع النعت السببي ما بعده في التذكير أو التأنيث.

« المعرفة وأقسامها »
المعرفة خمسة أشياء: الاسم المضمر، والاسم العلم، والاسم المبهمُ، والاسم الذي فيه الالف واللام، وما أضيف إلى واحدٍ من هذه الأربعة.
المعرفة وهي: اللفظ الذي يدل على معَيَّنٍ.
* الاسم المضمر.
* العلمُ : وهو ما يدل على معين بدون احتياج إلى قرينة تكلم أو خطاب أو غيرهما، وهو نوعان: مذكر ومؤنث.
* الاسم المبهم، وهو نوعان:
- اسم الإشارة: فهو: ما وضع ليدل على معين بواسطة إشارة حسية أو معنوية وله ألفاظ معينة.
- الاسم الموصول فهو: ما يدل على معين بواسطة جملة أو شبهها. تذكر بعده مباشرة وتسمى صِلة، وتكون مشتملة على ضمير يطابق الموصول ويسمى عائداً، ولها ألفاظ معينة أيضاً.
* المحلى بالألف واللام، وهو: كل اسم اقترنت به « أل ».
* ما أضيف إلى الأربعة المذكورة آنفا.
ترتيب هذه المعارف بعد لفظ الجلالة: الضميرُ، ثم العلمُ، ثم اسم الإشارة، ثم الاسمُ الموصول، ثم المحلى بأل، ثم المضاف إليها.
والمضاف في رتبة المضاف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فإنه في رتبة العلم.

والنكرةُ: كلُ اسم شائعٍ في جنسه لا يختصُّ به واحدٌ بعينه دون آخر، وتقريبُهُ: كل ما صَلَحَ دخولُ الألِفِ واللامِ عليه.

حروف العطف
حروف العطف عشرة، وهي: الواو، والفاء، وثمَّ، وأو، وأم، وإمَّا، وبل، ولا، ولكن، وحتى في بعض المواضع.
والعطف لغة فهو: الميل.
وفي الاصطلاح فهو قسمان: الأول: عطف البيان، والثاني: عطغ النسق.
* عطف البيان : هو التابع الجامد الموضَّح لمتبوعه في العارف المخصص له في النكرات.
* عطف النسق فهو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحدُ الحروف العشرة، وهي :
- الواو، وهي لمطلق الجمع.
- الفاءُ، وهي للترتيب والتعقيب، ومعنى الترتيب: أن الثاني بعد الأول، ومعنى التعقيب: أنه عقيبهُ بلا مُهلة،
- ثمَّ، وهي للترتيب مع التراخي، ومعنى الترتيب قد سبق، ومعنى التراخي: أن بين الأول والثاني مُهلة.
- أوْ، وهو للتخيير أو الإباحة، والفرق بينهما أن التخيير لا يجوز معه الجمع. والإباحة يجوز معها الجمع.
- أمْ، وهي لطلب التعيين بعد همزة الاستفهام.
- إمَّا، بشرط أن تسبق بمثلها، وهيْ مثل « أو » في المعنيين.
- بل، وهي للإضراب، ومعناهُ جعلُ ما قبلها في حكم المسكوت عنه،. ويشترط للعطف بها شرطان:
الأول: أن يكون المعطوف بها مفرداً لا جملة،
الثاني: ألا يسبقها استفهام.
- لا، وهي تنفي عما بعدها نفسَ الحكم الذي ثبت لما قبلها.
- لكن، وهي تدلُ على تقرير حكم ما قبلها وإثبات ضده لما بعدها،
ويشترط :
-أن يسبقها نفي أو نهي،
- وأن يكون المعطوف بها مفرداً،
-وألا تسبقها الواو.
- حتَّى، وهي للتدريج والغاية، والتدريج: هو الدلالة على انقضاء الحكم شيئاً فشيئاً، نحو: « يَموتُ الناسُ حتَّى الأنبياءُ ».
وتأتي « حتَّى » ابتدائية غير عاطفة، إذا كان ما بعدها جملة، وتأتي جارة نحو قوله تعالى: ﴿ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ ولهذا قال المؤلف: « وحتَّى في بعض المواضع ».

التوكيد
التوكيد: « تابعٌ للمُؤِكدِّ في رفعه ونصبه وخفضِه وتعريفه ».
وهو لغة: التقوية.
واصطلاحا نوعان، الأول: التوكيد اللفظي، والثاني: التوكيد المعنوي.
- التوكيد اللفظي: يكون بتكرير اللفظ وإعادته بعينه أو بمرادفه، سواءاً كان اسماً أم كان فعلاً أم كان حرفا.
- التوكيد المعنوي التابع الذي يرفع احتمال السهو أو التوسع في المتبوع.ويكون بألفاظ معلومة، وهي: النفسُ، والعين، وكلُّ، وأجمعُ، وتوابعُ أجمعُ، وهي: أكتعُ، وأبتعُ، وأبصعُ.

البدل
إذا أُبدل اسمٌ من اسمٍ أو فعلٌ من فعلٍ تَبِعه في جميع إعرابِهِ.
والبدل لغة: العِوَضَ،
واصطلاحا : التابع المقصود بالحكم بلا واسطة.

أنواع البدل
وهو على أربعةِ أقسام:
* بدلُ الشيِء من الشيءِأو بدل الكل من الكل، ويسمى البدل المطابق، وضابطه: أن يكون البدل عينَ المبدل منه.
* بدلُ البعضِ من الكل وضابطه: أن يكون البدل جزءً من المبدل منه، سواءٌ أكان أقلَّ من الباقي أم مساوياً له أم أكثر منه، ويجب في هذا النوع أن يضاف إلى ضمير عائدٍ إلى المبدل منه.
- بدل الاشتمالِ : وضابطه: أن يكون بين البدل والمبدل منه ارتباط بغير الكلية والجزئية، ويجب فيه إضافة البدل إلى ضمير عائد إلى المبدل منه أيضاً.
- بدل الغلطِ : وهذا النوع على ثلاثة أضرب:
1 ـ بدل البَداءِ، وضابطه: أن تقصد شيئاً فتقوله، ثم يظهر لك أن غيره أفضلُ منه فتعدل إليه.
2 ـ بدل النسيان، وضابطه: أن تبني كلامك في الأول على ظنٍّ، ثم تعلم خطأهُ فتعدل عنه.
3 ـ بدل الغلط، وضابطه: أن تريد كلاماً فيسبق لسانُك إلى غيره وبعد النطق تعدل إلى ما أردتَ أوَّلاً.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 14 شعبان 1435هـ/12-06-2014م, 05:02 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

منصوبات الأسماء


المنصوباتُ خمسة عشر، وهيَ: المفعولُ بِهِ، والمصدرُ، وظرفُ الزمانِ، وظرفُ المكانِ، والحال، والتمييزُ، والمُستثنى، واسم لا، والمُنادى، والمفعول من أجله، والمفعولُ معهُ، وخبرُ كان وأخواتِها، واسم إن واخواتها، والتابعُ للمنصوب وهو أربعة أشياء: النَّعتُ، والعطفُ، والتوكيدُ، البدلُ.
______________________________________________________________
المفعول به :
* هو: الاسم، المنصوب، الذي يقع عليه الفعل
أنواع المفعول به :
* ظاهر،
* مضمر قسمان: متصل، ومنفصل،
- للمتصل اثنا عشر لفظاً: منها الياءُ، وهي للمتكلم الواحد، ويجب أن يُفصلَ بينها وبين الفعل بنونٍ تسمى نون الوقاية.
- وللمنفصل: اثنا عشر لفظاً، وهي: « إيَّا » مُردَفَةً بالياء للمتكلم وحده، أو « نا » للمعظم نفسهُ، أو مع غيره، أو بالكاف مفتوحة للمخاطب المفرد المذكر، إلى آخره..
______________________________________________________________
المفعول المطلق:
المصدر هو: الاسم، المنصوب الذي يجيءُ ثالثاً في تصريف الفعل، نحو: ضرب يضرب ضرباً.
والمفعول المطلق، وهو يكون مصدراً، وهو عبارة عن « مَا ليسَ خبراً ممَّا دلَّ على تأكيد عامله، أو نَوعِهِ، أو عَدَدهِ ».
أنواع المفعول المطلق:
الأول: المؤكِّدُ لعامله، نحو « حفظتُ الدرسَ حفظاً ».
والثاني: المبين لنوع العامل، نحو « أحببت أستاذي حب الولد أباه ».
والثالث: المبين للعدد، نحو « ضربتُ الكسولَ ضربتينِ ».
أقسام المفعول المطلق
- لفظيٌ : فإن وافق لفظُهُ لقظَ فعله.
- معنويٌ : إن وافق معنى فعله دون لفظه.
______________________________________________________________
ظرف الزمان، و ظرف المكان
الظرف لغة: الوعاء، والمراد به فى عرف النحاة المفعول فيه، وهو نوعان: الأول: ظرف الزمان، والثانى: ظرف المكان.
* ظرف الزمان : هو الاسم الذى يدل على الزمان المنصوب باللفظ الدال على المعنى الواقع ذلك المعنى فيه، بملاحظة معنى « فى » الدالة على الظرفية،
وهو قسمان :
- المختص فهو « ما دال على مقدار معين محدود من الزمان ».
- المبهم فهو « ما دال على مقدار غير معين ولا محدود ».

* ظرف المكان هو: « الاسم، الدال على المكان، المنصوب باللفظ الدال على المعنى الواقِع فيه بملاحظة معنى « في » الدالة على الظرفية ».
وهو أيضاً ينقسم إلى قسمين:
- المختصُ فهو: « ما له صورةٌ وحدودٌ محصورة »
- المبهم فهو: « ما ليس له صورة ولا حدود محصورة » مثل: وراء، وأمام.
ولا يجوز أن ينصب على أنه مفعول فيه من هذين القسمين إلا الثاني، وهو المُبهَم؛ أمَّا الأول ـ وهو المختص ـ فيجب جرُّهُ بحرف جر يدل على المراد.
______________________________________________________________
الحال
الحال : لغة « ما عليه الإنسان من خير أو شر »، واصطلاحا عبارة عن « الاسم، الفَضْلَة، المنصوب، المفسِّرُلما انبهم من الهيئات ».
أنواع الحال:
هنا ما يأتي
- بياناً لصفة الفاعل،
- أو بياناً لصفة المفعول به، نحو: «
- بيانا للخبر الخبر، نحو: « أنت صديقي مخلصاً »، وقد يجيء من المجرور بحرف الجر،ركبتُ الفرسَ مُسرجاً »، وقد يكون محتملاً للأمرين جميعاً
شروط الحال وشروط صاحبها
- ولا يكون إلا نكرة،
- ولا يكون إلا بعد تمام الكلام،
- ولا يكون صاحبها إلا معرفة.
وربما وجب تقديم الحال على جميع أجزاء الكلام، كما إذا كان الحال اسم استفهام.
______________________________________________________________
التمييز

للتمييز في اللغة معنيان ، الأول التفسير مطلقاً، والثاني: فصلُ بعضِ الأمور عن بعض.
واصطلاحا عبارة عن « الاسم، الصريح، المنصوب، المُفَسِر لما انبهم من الذوات أو النَّسب ».
أنواع التمييز :
* تمييز الذات ـ ويسمى أيضاً تمييز المفرد ـ فهو « ما رفع ابهام اسم مذكور قَبلَهُ مُجملِ الحقيقة » ويكون بعد العدد أو بعد المقادير، من الموزونات.
* تمييز النسبة ـ ويسمى أيضاً تمييز الجملة ـ فهو: « ما رفع إبهام نسبة في جملة سابقة عليه »
وهو ضربان؛ الأول: مُحوَّل، والثاني: غير محول.
- المحول وهو على ثلاثة أنواع:
. المحول عن الفاعل.
. المحول عن المفعول.
. المحوَّلُ عن المبتدأ
- غير المحول فنحو « امتلأ الإناءُ ماءً »
شروط التمييز
- ولا يكون إلا نكرة،
- ولا يكون إلا بعد تمام الكلام.
______________________________________________________________
الاستثناء
حروف الاستثناء ثمانية، وهي: إلَّا، وغير، وَسِوَى، وَسُوى، وَسوَاءٌ، وَخلا، وعدا، وَحاشا.
الاستثناء معناه في اللغة مطلق الإخراج،
واصطلاحا عبارة عن "الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها، لشيء لولا ذلك الإخراج لكان داخلاً فيما قبل الأداة"

أنواع الأدوات:
1- ما يكون حرفاً دائماً وهو « إلَّا ».
2- ما يكون اسماً دائماً، وهو أربعة، وهي: « سِوى » بالقصر وكسر السين، و « سُوَى » بالقصر وضم السين، و « سَواءُ » بالمد وفتح السين، و « غير ».
3- ما يكون حرفاً تارة ويكون فعلاً تارة أخرى، وهي ثلاثُ أدواتٍ وهي: « خلا، عدا، حاشا ».

حكم المستثنى بإلا :
1- وجوب النصب على الاستثناء. إن كان الكلام السابق تاماً موجباً.
2- الحالة الثانية: جواز إتباعه لما قبل « إلّا » على أنه بدل منه مع جواز نصبه على الاستثناء. إن كان الكلام السابق تاماً منفياً.
3- وجوب إجرائه على حسب ما يقتضيه العامل المذكورُ قبل « إلّا ». إن كان الكلام السابق ناقصاً، ولا يكون إلا منفياً.
ومعنى كون الكلام السابق تاماً: أن يُذكر فيه المستثنى منه، ومعنى كونه ناقصاً ألا يذكر فيه المستثنى منه، ومعنى كونه موجباً، ألا يسبقه نفي أو شبهه، وشِبهُ النفي: النهي، والاستفهام، ومعنى كونه منفياً: أن يسبقه أحد هذه الأشياء.

المستثنى بغير وأخواتها:
والمستثنى بِسِوى، وَسُوى، وَسَوَاءِ، وَغَيرٍ مجرورٌ لا غيرُ.
أما الأداة نفسُها فإنه تأخذ حكم الاسم الواقع بعد « إلا » على التفصيل الذي سبق.

المستثنى بعدا وأخواته :
والمستثنى بخلا، وعدا، وحاشا، يجوزُ نصبُهُ وجرُهُ.
لأن أن هذه الأدوات تستعمل أفعالاً تارة، وتستعمل حروفاً تارة أخرى على ما سبق، فإن قدّرتَهُنَّ أفعالاً نصبتَ ما بعدها على أنه مفعول به، والفاعل ضميير مستتر وجوباً، وإن قدّرتَهنَّ حروفاً خفضت ما بعدها على أنه مجرور بها.
ومحلُّ هذا التردد فيما إذا لم تتقدم عليهنَّ « ما » المصدرية؛ فإن تقدمت على واحدة منهن « ما » وجب نصب ما بعدها، وسببُ ذلك أن « ما » المصدرية لا تدخلُ إلا على الأفعال؛
______________________________________________________________
اسم لا :
تعمل « لا » النافية للجنس عمل « إن » فتنصب الاسم لفظاً أو محلاً وترفع الخبر.
وهي لا تعمل هذا العمل وجوباً إلا بأربعةِ شروط:
الأول: أن يكون اسمها نكرة.
الثاني: أن يكون اسمها متصلاً بها: أي غير مفصول منها ولو بالخبر.
والثالث: أن يكون خبرها نكرة أيضاً
والرابع: ألّا تتكرر « لا » .
* إن لم تُباشِر اسمها وجبَ الرفعُ ووجبَ تكرارُ « لا » نحو « لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ »
* وإن تكررت جاز إعمالُها وإلغاؤُها، فإن شئت قلت: « لا رجُلَ في الدارِ ولا امرأةٌ ».

أنواع اسم لا :
- الأولُ المفرد : وهوما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف » فيدخل فيه المثنى، وجمعُ التكسير، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم.
وحكمه أنه يُبنى على ما ينصبُ به.
- والثاني المضاف إلى نكرة :فينصب بالفتحة الظاهرة أو بما ناب عنها
- الثالث الشبيه بالمضاف. وهو « ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه » فمثلُ المضاف في الحكم، نحو « لا مستقيماً حاله بين الناس ».
______________________________________________________________
المنادى
* المنادى : لغة : المطلوب إقباله مطلقاً، واصطلاحا هو « المطلوب إقباله بيا أو إحدى أخواتها »، وأخواتُ « يا » هي الهمزة و « أي » و « أيا » و « هيا ».

أنواع المنادى :
1- المفرد العلم.
2 ـ النكرة المقصودة؛ وهي: التي يقصد بها واحدٌ معينٌ ممَّا يصحُ إطلاق لفظها عليه.
3 ـ النكرة غير المفصودة؛ وهي: التي يقصد بها واحدٌ غير معين.
4 ـ المضاف.
5 ـ الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، سواءٌ أكان المتصل به مرفوعاً أم كان منصوباً به أم كان مجروراً بحرف جر يتعلق به.

* أما المفرد العلم، والنكرة المقصودة فيبنيان على ما يرفعان به من غير تنوين.
* الثلاثة الباقية منصوبة لا غير.
______________________________________________________________
المفعول له
المفعول من أجله ـ ويقال « المفعول لأجله »، و « المفعول له » ـ وهو اصطلاحا عبارة عن « الاسم، المنصوب، الذي يذكر بياناً لسبب وقوع الفعل » .

شروط المفعول لأجله:
لا بد في الاسم الذي يقع مفعولاً له من أن يجتمع فيه خمسة أمور:
1- أن يكون مصدراً.
2- أن يكون قَلبيّاً، ومعنى كونه قَلبيّاً ألا يكون دالاً على عمل من أعمال الجوارح كاليد واللسان.
3- أن يكون علة لما قبله.
4- أن يكون متحداً مع عامله في الوقت.
5- متحدا مع عامله في الفاعل أيضاً.

* كل اسم استوفى هذه الشروط يجوز فيه أمران: النصب، والجر بحرف من حروف الجر الدالة على التعليل كاللام.

حالات الاسم الذي يقع مفعولا لأجله:
الأولى: أن يكون مقترناً بأل.
الثانية: أن يكون مضافاً.
الثالثة: أن يكون مجرداً من « أل ومن الإضافة ».
وفي جميع هذه الأحوال يجوز فيه النصب والجر بحرف الجر، إلا أنه قد يترجح أحد الوجهين، وقد يستويان في الجواز.
______________________________________________________________
المفعول معه :
المفعول معه اصطلاحا هو:« الاسم، الفضلة، المنصوب بالفعل أو مافيه معنى الفعل وحروفه، الدّالُّ على الذات التي وقع الفعل بمصاحبتها، المسبوق بواو تفيد المعيةَ نصاً ».

أنواع الاسم الواقع بعد الواو :
1 ـ ما يتعين نَصبُهُ على أنه مفعول لأجله.
ومحله إذا لم يصحَّ تشريك ما بعد الواو لما قبلها في الحكم، نحو « أنا سائرٌ والجبل ».
2- ما يجوز نصبه أو اتباعُه لما قبله في إعرابه معطوفاً عليه :
ومحله إذا صح تشريك ما بعد الواو لما قبلها في الحكم.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 14 شعبان 1435هـ/12-06-2014م, 08:13 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

المخفوضات من الأسماء

المخفوضات ثلاثة أنواع:

* مخفوض بالحرف :
ويكون الخافض له حرفاً من حروف الخفض.

* مخفوض بالإضافة :
يكون الخافض للاسم إضافة اسم قبله إليه، ومعنى الإضافة: نسبة الثاني للأول.

وهو على ثلاثة أنواع:
- إما ما تكون الإضافة فيه على معنى « مِنْ »، فضابِطُهُ: أن يكون المضاف جزءاً وبعضاً من المضاف إليه.
- وإما ما تكون الإضافة فيه على معنى « في »، فضابطهُ: أن يكون المضاف إليه ظرفاً للمضاف.
- وإما ما تكون الإضافة فيه على معنى اللام؛ فكُلُّ ما لا يصلح فيه أحَدُ النوعين المذكورين.

* تابعٌ للمخفوض:
يكون الخافض للاسم تبعِيَّتُه لاسم مخفوض

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 05:38 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة الملك


وهي مكية.

عن أبي هُرَيرة ، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن سورة في القرآن ثلاثين آية شَفَعت لصاحبها حتى غُفر له : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ".

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يمجد تعالى نفسه الكريمة ، ويخبر أنه بيده الملك ، أي : هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله. ولهذا قال : { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق. ومعنى الآية : أنه أوجد الخلائق من العدم ، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا ؟
{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } أي : خير عملا،
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } أي : هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب ، بعدما عصاه وخالف أمره.
{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا } أي : طبقة بعد طبقة ،
وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء ؟ فيه قولان ، أصحهما الثاني ، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } أي : بل هو مصطحب مستو ، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ، ولا نقص ولا عيب ولا خلل ؛ ولهذا قال :
{ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } أي : انظر إلى السماء فتأملها ، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا ؛ أو فطورًا ؟
(مِنْ فُطُورٍ) أي : شقوق. وقيل من خُروق.
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) قال : مرتين.
{ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا } قيل ذليلا، وقيل صاغرًا.
{ وَهُوَ حَسِيرٌ } وهو كليل. وقيل الحسير : المنقطع من الإعياء.
ومعنى الآية : إنك لو كررت البصر ، مهما كررت ، لانقلب إليك ، أي : لرجع إليك البصر ، { خَاسِئًا } عن أن يرى عيبًا أو خللا { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ، ولا يرى نقصًا.
ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال :
{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت.
{ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير في قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لا على عينها ؛ لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم.
{ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } أي : جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا ، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى ،
قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها الله زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ،
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المصير) أي : { وَ } أعتدنا { لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : بئس المآل والمنقلب.
{ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا } يعني الصياح.
{ وَهِيَ تَفُورُ } بهم كما يغلي الحَبّ القليل في الماء الكثير.
{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } أي : يكاد ينفصل بعضها من بعض ، من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم ،
{ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ } يذكر تعالى عدله في خلقه ، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه.
وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة ، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة ، فقالوا :
{ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } أي : لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنزله الله من الحق ، لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به ، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل ، { فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ }
{ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس ، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات ، حيث لا يراه أحد إلا الله ، بأنه له مغفرة وأجر كبير ، أي : يكفر عنه ذنوبه ،
ثم قال تعالى منبهًا على أنه مطلع على الضمائر والسرائر :
{ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما خطر في القلوب.
{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } ؟ أي : ألا يعلم الخالق. وقيل : معناه ألا يعلم الله مخلوقه ؟ والأول أولى ، لقوله : { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم :
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } أي : فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا ، إلا أن ييسره الله لكم ؛ ولهذا قال :
{ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } فالسعي في السبب لا ينافي التوكل
{ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } أي : المرجع يوم القيامة.
{ مَنَاكِبِهَا } قيل : أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقيل الجبال.
{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }
وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ، ويؤجل ولا يعجل.
{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } أي : تذهب وتجيء وتضطرب ،
{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي : ريحا فيها حصباء تدمغكم ، وهكذا توعدهم هاهنا بقوله :
{ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي : كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي : من الأمم السالفة والقرون الخالية ،
{ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم ؟ أي : عظيمًا شديدًا أليمًا.
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } أي : تارة يصففن أجنحتهن في الهواء ، وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا
{ مَا يُمْسِكُهُنَّ } أي : في الجو
{ إِلا الرَّحْمَنُ } أي : بما سخر لهن من الهواء ، من رحمته ولطفه
{ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } أي : بما يصلح كل شيء من مخلوقاته.
(أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ) يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا غيره ، يبتغون عندهم نصرًا ورزقًا ، مُنكرًا عليهم فيما اعتقدوه ، ومُخبرا لهم أنه لا يحصل لهم ما أملوه ، فقال :
{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ } أي : ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ، ولا ناصر لكم غيره ؛ ولهذا قال : { إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ }
{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } ؟! أي : من هذا الذي إذا قطع الله رزقه عنكم يرزقكم بعده ؟! أي : لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق ، وينصر إلا الله ، عز وجل ، وحده لا شريك له ، أي : وهم يعلمون ذلك ، ومع هذا يعبدون غيره ؛ ولهذا قال :
{ بَلْ لَجُّوا } أي : استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم
{ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } أي : في معاندة واستكبارًا ونفورًا على أدبارهم عن الحق ، أي لا يسمعون له ولا يتبعونه.
{ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ؟ : وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مُكبّا على وجهه ، أي : يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه ، أي : لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب ؟ بل تائه حائر ضال ، أهذا أهدى { أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا } أي : منتصب القامة { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي : على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم ، وطريقه مستقيمة. هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة. فالمؤمن يحشر يمشي سويًا على صراط مستقيم ، مُفض به إلى الجنة الفيحاء ، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم ،
{ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ } أي : ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ،
{ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ } أي : العقول والإدراك
{ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ } أي : ما أقل تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم ، في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره.
{ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ } أي : بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها ، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم ، وحلاكم وأشكالكم وصوركم
{ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : تجمعون بعد هذا التفرق والشتات ، يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم.
ثم قال مخبرًا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه :
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : متى هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق ؟
{ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ } أي : لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله ، عز وجل ، لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه ،
{ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } وإنما علي البلاغ ، وقد أديته إليكم.
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ، ورأوا أن الأمر كان قريبا ؛ لأن كل ما هو آتٍ آتٍ وإن طال زمنه ، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك ، لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ، أي : فأحاط بهم ذلك ، وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ، ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ :
{ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } أي : تستعجلون.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : خَلِّصوا أنفسكم ، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا التوبة والإنابة ، والرجوع إلى دينه ، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنَّكَال ، فسواء عذبنا الله أو رحمنا ، فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم.
{ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } أي : آمنا برب العالمين الرحمن الرحيم ، وعليه توكلنا في جميع أمورنا، ولهذا قال :
{ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ؟ أي : منا ومنكم ، ولمن تكون العاقبة في الدنيا والآخرة ؟.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا } أي : ذاهبا في الأرض إلى أسفل ، فلا يُنَال بالفئوس الحداد ، ولا السواعد الشداد ، والغائر : عكس النابع ؛ ولهذا قال :
{ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } أي : نابع سائح جار على وجه الأرض ، لا يقدر على ذلك إلا الله ، عز وجل ، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الأرض ، بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة ، فلله الحمد والمنة.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 09:48 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة القلم

بسم الله الرحمن الرحيم
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)
وقيل : حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط ، وهو حامل (1) للأرضين السبع
وقيل : لوح من نور.
وقيل : دواة ،
{ والقلم } الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به،
فهو قسم منه تعالى ، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ؛
ولهذا قال : { وَمَا يَسْطُرُونَ }
أي وما يكتبون.
وقيل وما يعملون.
وقيل وما تكتب من أعمال العباد.
وقال آخرون : بل المراد هاهنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف سنة.
{ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } أي : لست ، ولله الحمد ، بمجنون ، كما قد يقوله الجهلة من قومك ، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين ، فنسبوك فيه إلى الجنون ،
{ وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي : بل لك الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد ، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق ، وصبرك على أذاهم.
{ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع: غير محسوب.
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
أي : وإنك لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام
وقيل لعلى أدب عظيم.
عن قتادة : سُئلت عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت : كان خلقه القرآن
{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : فستعلم يا محمد ، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم
{ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : الجنون.
وقيل أي : أولى بالشيطان.
ومعنى المفتون ظاهر ، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } لتدل على تضمين الفعل في قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أو : فستُخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون.
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } أي : هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي ، ويعلم الحزب الضال عن الحق.
ثم يقول تعالى : كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم والخلق العظيم :
{ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ }
{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } لو تُرَخِّص لهم فَيُرَخِّصون.
وقيل : ودوا لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق.
{ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ } وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء الله تعالى ، واستعمالها في كل وقت في غير محلها.
قيل : المهين الكاذب.
وقيل : هو الضعيف القلب.
وقيل : كل حلاف مكابر مهين ضعيف.
{ هَمَّازٍ } يعني الاغتياب.
{ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني : الذي يمشي بين الناس وينقل الحديث لفساد ذات البين
{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي : يمنع ما عليه وما لديه من الخير
{ ِ مُعْتَدٍ } في متناول ما أحل الله له ، يتجاوز فيها الحد المشروع
{ أَثِيمٍ } أي : يتناول المحرمات.
{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ }
قيل العتل : هو الفظ الغليظ الصحيح ، الجموع المَنُوعُ.
وقيل المُصحَّح الخَلْق ، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح ، وغير ذلك ،
وأما الزنيم : فقيل : المشهور بالشر كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها.
وقيل : هو الدّعِيُّ في القوم.
وقيل : الدعيُّ الفاحش اللئيم.
وقيل رجل كانت به زنمة ، يعرف بها.
ويقال : هو الأخنس بن شَريق الثقفي ، حليف بني زهرة.
وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسودُ بن عبد يغوث الزهري ، وليس به.
وقيل : هو ولد الزنا.
وقيل كانت له زَنَمَة في أصل أذنه ،
وقيل: هو اللئيم الملصق في النسب.
وقيل : هو المريب الذي يعرف بالشر.
والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى أن الزنيم هو : المشهور بالشر الذي يعرف به من بين الناس ، وغالبًا يكون دعيًا وله زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره.
{ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }
هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين ، كفر بآيات الله وأعرض عنها ، وزعم أنها كَذب مأخوذ من أساطير الأولين ،
{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }
قيل : سنبين أمره بيانًا واضحًا ، حتى يعرفوه ولا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخراطيم
وقيل : شين لا يفارقه آخر ما عليه.
وقيل : يقاتل يوم بدر ، فيُخطم بالسيف في القتال
وقيل : سمة أهل النار ، يعني نسود وجهه يوم القيامة ، وعبر عن الوجه بالخرطوم.
ومنهم من مال إلى أنه لا مانع من اجتماع الجميع عليه في الدنيا والآخرة.
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ)
هذا مَثَل ضَرَبه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ، وأعطاهم من النعم الجسيمة ، وهو بَعْثُهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ؛
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } أي : اختبرناهم ،
{ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ } وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه
{ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي : حلفوا فيما بينهم لَيجُذَّنَ ثَمرها ليلا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء ،
{ وَلا يَسْتَثْنُونَ } أي : فيما حلفوا به. ولهذا حنثهم الله في أيمانهم ،
{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ } أي : أصابتها آفة سماوية ،
{ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ }
أي كالليل الأسود.
وقيل مثل الزرع إذا حُصِد ، أي هشيمًا يبسًا.
{ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ } أي : لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجَذَاذ ،
{ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ } أي : تريدون الصرام. وقيل كان حرثهم عِنَبًا.
{ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } أي : يتناجون فيما بينهم بحيث لا يُسمعون أحدًا كلامهم.
ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به ، فقال :
{ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ } أي : يقول بعضهم لبعض : لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم!
{ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ }
أي : قوة وشدة،
وقيل جد،
وقيل غيظ.
وقيل عَلَى حَرْدٍ أي على المساكين.
{ قَادِرِينَ } أي : عليها فيما يزعمون ويَرومون.
{ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ } أي : فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها ، وهي على الحالة التي قال الله ، عز وجل ، قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مُدْلَهِمَّة ، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق ؛ ولهذا قالوا :
{ إِنَّا لَضَالُّونَ } أي : قد سلكنا إليها غير الطريق فتُهنا عنها. فلما وتيقنوا أنها هي قالوا :
{ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي : بل هذه هي ، ولكن نحن لا حَظّ لنا ولا نصيب.
{ قَالَ أَوْسَطُهُمْ: أي : أعدلهم وخيرهم
{ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } أي : لولا تستثنون وهو قول القائل : إن شاء الله، وقيل وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا.
وقيل هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم
{ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أتوا بالطاعة حيث لا تنفع ، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ؛
{ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ } أي : يلوم بعضهم بعضًا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب :
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } أي : اعتدينا وبَغَينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا
{ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } ق
قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا.
وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم.
{ كَذَلِكَ الْعَذَابُ } أي : هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ،
{ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي : هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم ، وعذاب الآخرة أشق.
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
لما ذكر الله تعالى حال أهل الجنة الدنيوية ، وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوا الله ، عز وجل ، وخالفوا أمره ، بين أن لمن اتقاه وأطاعه في الدار الآخرة جنات النعيم التي لا تَبيد ولا تفرغ ولا ينقضي نعيمها.
{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ } ؟ أي : أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء ؟ كلا ورب الأرض والسماء ؛
{ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ! أي : كيف تظنون ذلك ؟.
{ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف ، مُتضمن حكما مؤكدًا كما تدعونه ؟
{ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي : أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة ،
{ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي : أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون ،
{ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ } ؟ أي : قل لهم : من هو المتضمن المتكفل بهذا ؟
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ } أي : من الأصنام والأنداد ،
{ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ }
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ }
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم ، بين متى ذلك كائن وواقع ، فقال : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ }
قيل يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام.
وقيل أي يوم "يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا" كما في الحديث.
وقيل هو يوم كَرْب وشدة
قيل هي أول ساعة تكون في يوم القيامة.
وقيل شدة الأمر وجده.
وقيل الأمر الشديد المُفظِع من الهول يوم القيامة.
وقيل حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال. وكشفه دخول الآخرة ، وكشف الأمر عنه.
وقيل "عن نور عظيم ، يخرون له سجدًا".
وقد تكلم الإمام ابن القيم عن هذه الآية كلامًا بديعًا قال ، رحمه الله ، في الصواعق المرسلة (1/252 ، 253) : "والصحابة متنازعون في تفسير هذه الآية : هل المراد الكشف عن الشدة ؟ أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيها يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضوع ، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله ؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه ، وإنما ذكره مجردًا عن الإضافة منكرًا ، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والأصبع لم يأخذ ذلك من ظاهر القرآن ، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته ، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه : "فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا". ومن حمل الآية على ذلك قال : قوله تعالى : "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود" القلم : 42 : مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : "فيكشف عن ساقة فيخرون له سجدًا". وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة ، جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثل أو شبيه ، قالوا : وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه ؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال : كشف الشدة عن القوم لا كشف عنها كما قال تعالى : "فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون" الزخرف : 50 ، وقال "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر" المؤمنون : 75 ، فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه ، وأيضًا فهناك تحدث الشدة وتشتد ، ولا تزال إلا بدخول الجنة ، وهناك لا يدعون إلى السجود ، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة"
{ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي : في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا ، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه. ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة ، إذا تجلى الرب ، عز وجل ، فيسجد له المؤمنون ، لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجُد ، بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا ، كلما أراد أحدهم أن يسجد خَرّ لقفاه ، عكس السجود ، كما كانوا في الدنيا ، بخلاف ما عليه المؤمنون.
{ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ } يعني : القرآن.
وهذا تهديد شديد ، أي : دعني وإياه مني ومنه ، أنا أعلم به كيف أستدرجه ، وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر ؛
{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } أي : وهم لا يشعرون ، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة ، وهو في نفس الأمر إهانة.
{ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي : وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري بهم
{ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي : عظيم لمن خالف أمري ، وكذب رسلي ، واجترأ على معصيتي.
{ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }أي أنك يا محمد تدعوهم إلى الله ، عز وجل ، بلا أجر تأخذه منهم ، بل ترجو ثواب ذلك عند الله عز وجل ، وهم يكذبون بما جئتهم به ، بمجرد الجهل والكفر والعناد.
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ
{ فَاصْبِرْ } يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ؛ فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ،
{ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } يعني : ذا النون ، وهو يونس بن متى ، عليه السلام ، حين ذهب مُغَاضِبًا على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات. { أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
{ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } مغموم. مكروب
فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ؛ ولهذا قال تعالى : { فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
{ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } لينفذونك بأبصارهم ، أي : ليعينونك بأبصارهم ، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك ، وحمايته إياك منهم.
وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق ، بأمر الله ، عز وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
{ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أي : يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم ، ويقولون : { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أي : لمجيئه بالقرآن ، قال الله تعالى { وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ }

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 19 شعبان 1435هـ/17-06-2014م, 06:16 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة الحاقّة


الحاقة من أسماء يوم القيامة؛ لأنّ فيها يتحقّق الوعد والوعيد؛
ولهذا عظّم تعالى أمرها فقال : {وما أدراك ما الحاقّة}؟
ثمّ ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذّبين بها فقال تعالى:
{فأمّا ثمود فأهلكوا بالطّاغية} وهي الصّيحة الّتي أسكتتهم، والزّلزلة الّتي أسكنتهم.
وقيل الطّاغية الذّنوب.
وقيل: إنّها الطّغيان،
وقيل هو عاقر النّاقة.
{وأمّا عادٌ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ} أي: باردةٍ.
{عاتيةٍ} أي: شديدة الهبوب.
قيل عتت عليهم حتّى نقّبت عن أفئدتهم.
وقيل عتت عليهم بغير رحمةٍ ولا بركةٍ.
وقيل: عتت على الخزنة فخرجت بغير حسابٍ.
{سخّرها عليهم} أي: سلّطها عليهم
{سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا} أي: كوامل متتابعات مشائيم.
وقيل وكان أوّلها الجمعة.
وقال غيره الأربعاء.
ويقال: إنّها الّتي تسمّيها النّاس الأعجاز؛
وقيل: لأنّها تكون في عجز الشّتاء،
ويقال: أيّام العجوز؛ لأنّ عجوزًا من قوم عادٍ دخلت سربا فقتلها الرّيح في اليوم الثّامن. حكاه البغويّ واللّه أعلم.
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)
{خاويةٍ} خربةٍ.
وقيل باليةٍ،
أي: جعلت الرّيح تضرب بأحدهم الأرض فيخرّ ميّتًا على أمّ رأسه، فينشدخ رأسه وتبقى جثّته هامدةً كأنّها قائمة النّخلة إذا خرّت بلا أغصانٍ.
{فهل ترى لهم من باقيةٍ}؟ أي: هل تحسّ منهم من أحدٍ من بقاياهم أنّه ممّن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل اللّه لهم خلفا.
{وجاء فرعون ومن قبله}
قرئ بكسر القاف، أي: ومن عنده في زمانه من أتباعه من كفّار القبط.
وقرأ آخرون بفتحها، أي: ومن قبله من الأمم المشبهين له.
{والمؤتفكات} وهم المكذّبون بالرّسل.
{بالخاطئة} أي بالفعلة الخاطئة، وهي التّكذيب بما أنزل اللّه.
وقيل أي : بالمعصية.
وقيل : بالخطايا.
{فعصوا رسول ربهم) أي: كلّ كذّب رسول اللّه إليهم. ومن كذّب رسول اللّه فقد كذّب بالجميع.
(فأخذهم أخذةً رابيةً) أي: عظيمةً شديدةً أليمةً.
وقيل : مهلكة.
{إنّا لمّا طغى الماء} أي: زاد على الحدّ بإذن اللّه وارتفع على الوجود
وقيل كثر.
وذلك بسبب دعوة نوحٍ، عليه السّلام، على قومه حين كذّبوه وخالفوه، فعبدوا غير اللّه فاستجاب اللّه له وعمّ أهل الأرض بالطّوفان، إلّا من كان مع نوحٍ في السّفينة.
وعن عليّ بن أبي طالبٍ قال: لم تنزل قطرةٌ من ماءٍ إلّا بكيلٍ على يدي ملكٍ، فلمّا كان يوم نوحٍ أذن للماء دون الخزّان، فطغى الماء على الخزّان فخرج.
ولهذا قال تعالى ممتنًّا على النّاس :
{إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية} وهي السّفينة الجارية على وجه الماء،
{لنجعلها لكم تذكرةً} عاد الضّمير على الجنس لدلالة المعنى عليه، أي: وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيّار الماء في البحار.
وقيل أبقى اللّه السّفينة حتّى أدركها أوائل هذه الأمّة. والأوّل أظهر.
{وتعيها أذنٌ واعيةٌ} أي: وتفهم هذه النّعمة، وتذكرها أذنٌ واعيةٌ.
وقيل حافظةٌ سامعةٌ.
وقيل :عقلت عن اللّه فانتفعت بما سمعت من كتاب اللّه،
وقيل سمعتها أذنٌ ووعت. أي: من له سمعٌ صحيحٌ وعقلٌ رجيحٌ. وهذا عام فيمن فهم، ووعى.
وقيل هي أذن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ}
يقول تعالى مخبرًا عن أهوال يوم القيامة، وأوّل ذلك نفخة الفزع،
ثمّ يعقبها نفخة الصّعق حين يصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء اللّه،
ثمّ بعدها نفخة القيام لربّ العالمين والبعث والنّشور، وهي هذه النّفخة.
وقد أكّدها هاهنا بأنّها واحدةٌ لأنّ أمر اللّه لا يخالف ولا يمانع، ولا يحتاج إلى تكرارٍ وتأكيدٍ.
{وحملت الأرض والجبال فدكّتا دكّةً واحدةً} أي: فمدّت مدّ الأديم العكاظي، وتبدّلت الأرض غير الأرض،
{فيومئذٍ وقعت الواقعة} أي: قامت القيامة.
{وانشقّت السّماء فهي يومئذٍ واهيةٌ}
قيل : تنشقّ السّماء من المجرّة.
وقيل هي كقوله: {وفتحت السّماء فكانت أبوابًا}
وقيل : منخرقةٌ، والعرش بحذائها.
{والملك على أرجائها} الملك: اسم جنسٍ، أي: الملائكة على أرجاء السّماء.
قيل : على ما لم يه منها، أي: حافّتها.
وقيل : أطرافها. وقال الحسن البصريّ: أبوابها.
وقيل : على ما استدقّ من السّماء، ينظرون إلى أهل الأرض.
{ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانيةٌ} أي: يوم القيامة يحمل العرش ثمانيةٌ من الملائكة. ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم، أو: العرش الّذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء، واللّه أعلم بالصّواب.
وقيل في ذكر حملة العرش أنّهم ثمانية أوعالٍ.
وقيل: ثمانية صفوفٍ من الملائكة.
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) أي تعرضون على الله جل وعلا الذي لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} يخبر تعالى عن سعادة من أوتي كتابه يوم القيامة بيمينه، وفرحه بذلك، وأنّه من شدّة فرحه يقول لكلّ من لقيه:
{هاؤم اقرءوا كتابيه}أي: خذوا اقرؤوا كتابيه؛ لأنّه يعلم أنّ الّذي فيه خيرٌ وحسناتٌ محضةٌ؛ لأنّه ممّن بدل اللّه سيّئاته حسناتٍ.
وقيل : أي ها اقرؤوا كتابيه، و "ؤم" زائدةٌ.
وقيل : أي هاكم.
{إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} أي: قد كنت موقنًا في الدّنيا أنّ هذا اليوم كائنٌ لا محالة،
{فهو في عيشةٍ راضيةٍ} أي: مرضيّةٍ،
{في جنّةٍ عاليةٍ} أي: رفيعةٌ قصورها، حسانٌ حورها، نعيمةٌ دورها، دائمٌ حبورها.
وقد ثبت في الصّحيح: "إنّ الجنّة مائة درجةٍ، ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض".
{قطوفها دانيةٌ} قيل أي قريبةٌ، يتناولها أحدهم، وهو نائمٌ على سريره.
{كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيّام الخالية} أي: يقال لهم ذلك؛ تفضّلًا عليهم، وامتنانًا وإنعامًا وإحسانًا. وإلّا فقد ثبت في الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "اعملوا وسدّدوا وقاربوا واعلموا أنّ أحدًا منكم لن يدخله عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: "ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني اللّه برحمةٍ منه وفضلٍ").
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} وهذا إخبارٌ عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله، فحينئذٍ يندم غاية النّدم،
{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}
{يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}
يعني موتةً لا حياة بعدها.
{ما أغنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيه} أي: لم يدفع عنّي مالي ولا جاهي عذاب اللّه وبأسه، بل خلص الأمر إليّ وحدي، فلا معين لي ولا مجير.
فعندها يقول اللّه، عزّ وجلّ:
{خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه} أي: يأمر الزّبانية أن تأخذه عنفًا من المحشر، فتغله، أي: تضع الأغلال في عنقه، ثمّ تورده إلى جهنّم فتصليه إيّاها، أي: تغمره فيها.
{ثمّ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه} قيل كلّ حلقةٍ منها قدر حديد الدّنيا.
قيل : بذراع الملك.
{فاسلكوه} تدخل في استه ثمّ تخرج من فيه.
وقيل يسلك في دبره حتّى يخرج من منخريه، حتّى لا يقوم على رجليه.
{إنّه كان لا يؤمن باللّه العظيم ولا يحضّ على طعام المسكين} أي: لا يقوم بحقّ اللّه عليه من طاعته وعبادته، ولا ينفع خلقه ويؤدّي حقّهم
{فليس له اليوم هاهنا حميمٌ ولا طعامٌ إلا من غسلينٍ لا يأكله إلا الخاطئون} أي: ليس له اليوم من ينقذه من عذاب اللّه، لا حميمٌ -وهو القريب-ولا شفيعٌ يطاع، ولا طعامٌ له هاهنا إلّا من غسلينٍ.
وقيل الغسلين : هو شرّ طعام أهل النّار.
وقيل هو شجرةٌ في جهنّم.
ويُظن أنه الزّقّوم.
وقيل الغسلين: الدّم والماء يسيل من لحومهم.
وقيل: صديد أهل النّار.
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} (يقول تعالى مقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدّالّة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم ممّا لا يشاهدونه من المغيّبات عنهم: إنّ القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله، الّذي اصطفاه لتبليغ الرّسالة وأداء الأمانة.
(إنّه لقول رسولٍ كريمٍ} يعني: محمّدًا، أضافه إليه على معنى التّبليغ؛ لأنّ الرّسول من شأنه أن يبلّغ عن المرسل
{وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهنٍ قليلا ما تذكّرون} {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
{ولو تقوّل علينا}
أي: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم لو كان كما يزعمون مفتريًا علينا، فزاد في الرّسالة أو نقص منها، أو قال شيئًا من عنده فنسبه إلينا، وليس كذلك، لعاجلناه بالعقوبة.
{لأخذنا منه باليمين} قيل: معناه لانتقمنا منه باليمين؛ لأنّها أشدّ في البطش، وقيل: لأخذنا منه بيمينه.
{ثمّ لقطعنا منه الوتين} قيل وهو نياط القلب، وهو العرق الّذي القلب معلّقٌ فيه.
وقيل هو القلب ومراقّه وما يليه.
{فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} أي: فما يقدر أحدٌ منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئًا من ذلك. والمعنى في هذا بل هو صادقٌ بارٌّ راشدٌ؛ لأنّ اللّه، عزّ وجلّ، مقرّرٌ له ما يبلّغه عنه، ومؤيّدٌ له بالمعجزات الباهرات والدّلالات القاطعات.
{وإنّه لتذكرةٌ للمتّقين} يعني: القرآن
{وإنّا لنعلم أنّ منكم مكذّبين} أي: مع هذا البيان والوضوح، سيوجد منكم من يكذّب بالقرآن.
{وإنّه لحسرةٌ على الكافرين} وإنّ التّكذيب لحسرةٌ على الكافرين يوم القيامة
قيل لندامةٌ.
ويحتمل عود الضّمير على القرآن، أي: وإنّ القرآن والإيمان به لحسرةٌ في نفس الأمر على الكافرين،
{وإنّه لحقّ اليقين} أي: الخبر الصّدق الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ ولا ريب.
{فسبّح باسم ربّك العظيم} أي: الّذي أنزل هذا القرآن العظيم.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 19 شعبان 1435هـ/17-06-2014م, 09:26 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة المعارج


(سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ) فيه تضمينٌ دلّ عليه حرف "الباء"، كأنّه مقدر: يستعجل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ.
قيل أن السائل هو النّضر بن الحارث بن كلدة.
وقيل ذلك سؤال الكفّار عن عذاب اللّه وهو واقعٌ.
وقيل أي دعا داعٍ على نفسه بعذابٍ واقعٍ يقع في الآخرة.
وقيل وادٍ في جهنّم، يسيل يوم القيامة بالعذاب. وهذا القول ضعيفٌ، بعيدٌ عن المراد. والصّحيح الأوّل لدلالة السّياق عليه.
{واقعٍ للكافرين} أي: مرصد معدّ للكافرين.
{واقعٍ} جاءٍ
{ليس له دافعٌ} أي: لا دافع له إذا أراد اللّه كونه؛ ولهذا قال :
{من اللّه ذي المعارج}
قيل أي ذو الدّرجات.
وقيل المعارج : العلوّ والفواضل.
وقيل : معارج السّماء.
وقيل : ذي الفواضل والنّعم.
{تعرج الملائكة والرّوح إليه}
{تعرج} تصعد.
قيل الروح: هم خلقٌ من خلق اللّه. يشبهون النّاس، وليسوا أناسًا.
ويحتمل أن يكون المراد به جبريل، ويكون من باب عطف الخاصّ على العامّ.
ويحتمل أن يكون اسم جنسٍ لأرواح بني آدم، فإنّها إذا قبضت يصعد بها إلى السّماء، كما دلّ عليه حديث البراء.
{في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} فيه أربعة أقوالٍ:
1- أنّ المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السّافلين، وهو قرار الأرض السّابعة، وذلك مسيرة خمسين ألف سنةٍ،
2-أن المراد بذلك مدّة بقاء الدّنيا منذ خلق اللّه هذا العالم إلى قيام السّاعة،
3- أنّه اليوم الفاصل بين الدّنيا والآخرة، وهو قولٌ غريبٍ جدًّا.
4- أنّ المراد بذلك يوم القيامة.
{فاصبر صبرًا جميلا} أي: اصبر يا محمّد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه.
{إنّهم يرونه بعيدًا} أي: وقوع العذاب وقيام السّاعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع،
{ونراه قريبًا} أي: المؤمنون يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمدٌ لا يعلمه إلّا اللّه، عزّ وجلّ، لكن كلّ ما هو آتٍ فهو قريبٌ وواقعٌ لا محالة.
يقول تعالى: العذاب واقعٌ بالكافرين :
{يوم تكون السّماء كالمهل} كدرديّ الزّيت
{وتكون الجبال كالعهن} أي: كالصّوف المنفوش.
{ولا يسأل حميمٌ حميمًا يبصّرونهم} أي: لا يسأل القريب عن حاله، وهو يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره.
قيل يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم، ثمّ يفرّ بعضهم من بعضٍ بعد ذلك
{يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤويه ومن في الأرض جميعًا ثمّ ينجيه كلا} أي: لا يقبل منه فداءً ولو جاء بأهل الأرض، وبأعزّ ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الّذي كان في الدّنيا حشاشة كبده، يودّ يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب اللّه به، ولا يقبل منه.
{فصيلته}
قيل : قبيلته وعشيرته.
وقيل : فخذه الّذي هو منهم.
وقيل : أمّه.
{إنّها لظى} يصف النّار وشدّة حرّها.
{نزاعةً للشّوى}
قيل الشوى : جلدة الرّأس.
وقيل : الجلود والهام.
وقيل : ما دون العظم من اللّحم.
وقيل : العصب. والعقب.
وقيل : أطراف اليدين والرّجلين.
وقيل : نزّاعةً لحم السّاقين.
وقيل : مكارم وجهه.
وقيل : تحرق كلّ شيءٍ فيه، ويبقى فؤاده يصيح.
وقيل : نزّاعةً لهامته ومكارم وجهه وخلقه وأطرافه.
وقيل : تبري اللّحم والجلد عن العظم، حتّى لا تترك منه شيئًا.
وقيل الشّوى: الآراب العظام.
وقوله: نزّاعةً، قال: تقطع عظامهم، ثمّ يجدد خلقهم وتبدّل جلودهم.
{تدعوا من أدبر وتولّى وجمع فأوعى} أي: تدعو النّار إليها أبناءها الّذين خلقهم اللّه لها، وقدّر لهم أنّهم في الدّار الدّنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسانٍ طلق ذلق، ثمّ تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطّير الحبّ. وذلك أنّهم -كما قال اللّه، عزّ وجلّ-كانوا ممّن :
{أدبر وتولّى} أي: كذّب بقلبه، وترك العمل بجوارحه
{وجمع فأوعى} أي: جمع المال بعضه على بعضٍ فأوعاه، أي: أوكاه ومنع حقّ اللّه منه من الواجب عليه في النّفقات ومن إخراج الزّكاة.
وقيل أي كان جموعًا قمومًا للخبيث.
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان وما هو مجبولٌ عليه من الأخلاق الدّنيئة:
{إنّ الإنسان خلق هلوعًا} ثمّ فسّره بقوله:
{إذا مسّه الشّرّ جزوعًا} أي: إذا أصابه الضّرّ فزع وجزع وانخلع قلبه من شدّة الرّعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خيرٌ.
{وإذا مسّه الخير منوعًا} أي: إذا حصلت له نعمةٌ من اللّه بخل بها على غيره، ومنع حقّ اللّه فيها.
{إلا المصلّين} أي: الإنسان من حيث هو متّصفٌ بصفات الذّمّ إلّا من عصمه اللّه ووفّقه، وهداه إلى الخير ويسّر له أسبابه، وهم المصلّون.
{الّذين هم على صلاتهم دائمون} قيل: معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم.
وقيل: المراد بالدّوام هاهنا السّكون والخشوع،
وقيل: المراد بذلك الّذين إذا عملوا عملًا داوموا عليه وأثبتوه،
وقال قتادة في هذه الآية ذكر لنا أنّ دانيال، عليه السّلام، نعت أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يصلّون صلاةً لو صلّاها قوم نوحٍ ما غرقوا، أو قوم عادٍ ما أرسلت عليهم الرّيح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصّيحة. فعليكم بالصّلاة فإنّها خلق للمؤمنين حسنٌ.
{والّذين في أموالهم حقٌّ معلومٌ للسّائل والمحروم} أي: في أموالهم نصيبٌ مقرّرٌ لذوي الحاجات.
{والّذين يصدّقون بيوم الدّين} أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثّواب ويخاف العقاب؛ ولهذا قال:
{والّذين هم من عذاب ربّهم مشفقون} أي: خائفون وجلون،
{إنّ عذاب ربّهم غير مأمونٍ} أي: لا يأمنه أحدٌ ممّن عقل عن اللّه أمره إلّا بأمانٍ من اللّه تبارك وتعالى.
{والّذين هم لفروجهم حافظون} أي: يكفّونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن اللّه [فيه] ولهذا قال:
{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} أي: من الإماء،
{فإنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}
{والّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين، وضدّها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصّحيح: "آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي روايةٍ: "إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
{والّذين هم بشهاداتهم قائمون} أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها،
{والّذين هم على صلاتهم يحافظون} أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحبّاتها، فافتتح الكلام بذكر الصّلاة واختتمه بذكرها، فدلّ على الاعتناء بها والتّنويه بشرفها.
{أولئك في جنّاتٍ مكرمون} أي: مكرمون بأنواع الملاذّ والمسارّ.
يقول تعالى منكرًا على الكفّار الّذين كانوا في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهم مشاهدون له، ولما أرسله اللّه به من الهدى وما أيّده اللّه به من المعجزات الباهرات، ثمّ هم مع هذا كلّه فارّون منه، متفرّقون عنه، شاردون يمينًا وشمالًا فرقًا فرقًا، وشيعًا شيعًا، فقال تعالى:
{فمال الّذين كفروا قبلك مهطعين} أي: فما لهؤلاء الكفّار الّذين عندك يا محمّد
{مهطعين} أي مسرعين نافرين منك،
وقيل أي: منطلقين،
وقيل قبلك ينظرون
{عن اليمين وعن الشّمال عزين}، واحدها عزة، أي: متفرّقين. وهو حالٌ من مهطعين، أي: في حال تفرّقهم واختلافهم،
وقيل العزين: العصب من النّاس، عن يمينٍ وشمالٍ معرضين يستهزئون به.
وقيل متفرّقين، يأخذون يمينًا وشمالًا يقولون: ما قال هذا الرّجل؟
وقيل {مهطعين} عامدين، {عن اليمين وعن الشّمال عزين} أي: فرقًا حول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يرغبون في كتاب اللّه، ولا في نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
{أيطمع كلّ امرئٍ منهم أن يدخل جنّة نعيمٍ} أي: أيطمع هؤلاء -والحالة هذه-من فرارهم عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ونفارهم عن الحقّ -أن يدخلوا جنّات النّعيم؟
{كَلاَّ} كلّا بل مأواهم الجحيم.
ثمّ قال تعالى مقرّرًا لوقوع المعاد والعذاب بهم الّذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده، مستدلًّا عليهم بالبداءة الّتي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها، فقال :
{إنّا خلقناهم ممّا يعلمون} أي: من المنيّ الضّعيف،
{فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب} أي: الذي خلق السموات والأرض، وجعل مشرقًا ومغربًا، وسخّر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها.
وتقدير الكلام: ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب، ولا بعث ولا نشور، بل كلّ ذلك واقعٌ وكائنٌ لا محالة. ولهذا أتى ب "لا" في ابتداء القسم ليدلّ على أنّ المقسم عليه نفيٌ، وهو مضمون الكلام، وهو الرّدّ على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة، وقد شاهدوا من عظيم قدرة اللّه تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات.
فقال هاهنا:
{فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب إنّا لقادرون على أن نبدّل خيرًا منهم} أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدانٍ خيرٍ من هذه، فإنّ قدرته صالحةٌ لذلك،
{وما نحن بمسبوقين} أي: بعاجزين.
{على أن نبدّل خيرًا منهم} وقيل أي: أمّةً تطيعنا ولا تعصينا وجعلها، والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه، واللّه أعلم.
{فذرهم} أي: يا محمّد
{يخوضوا ويلعبوا} أي: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم،
{حتّى يلاقوا يومهم الّذي يوعدون} أي: فسيعلمون غبّ ذلك ويذوقون وباله
{يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنّهم إلى نصبٍ يوفضون} أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرّبّ، تبارك وتعالى، لموقف الحساب، ينهضون سراعًا كأنّهم إلى نصبٍ يوفضون.
وقيل : إلى علم يسعون.
وقيل : إلى غايةٍ يسعون إليها.
وقد قرأ الجمهور: "نصب" بفتح النّون وإسكان الصّاد، وهو مصدرٌ بمعنى المنصوب. وقرأ الحسن البصريّ: {نصبٍ} بضمّ النّون والصّادّ، وهو الصّنم،
أي: كأنّهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدّنيا يهرولون إلى النّصب إذا عاينوه يوفضون، يبتدرون، أيّهم يستلمه أوّلا.
{خاشعةً أبصارهم} أي: خاضعةً
{ترهقهم ذلّةٌ} أي: في مقابلة ما استكبروا في الدّنيا عن الطّاعة
{ذلك اليوم الّذي كانوا يوعدون}.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 19 شعبان 1435هـ/17-06-2014م, 10:26 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة نوح

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
يقول تعالى مخبرًا عن نوحٍ، عليه السّلام، أنّه أرسله إلى قومه آمرًا له أن ينذرهم بأس اللّه قبل حلوله بهم، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم؛ ولهذا قال:
{أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذابٌ أليمٌ قال يا قوم إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ} أي: بيّن النّذارة، ظاهر الأمر واضحه.
{أن اعبدوا اللّه واتّقوه} أي: اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه
{وأطيعون} فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
{يغفر لكم من ذنوبكم} أي: إذا فعلتم ما أمرتكم به وصدّقتم ما أرسلت به إليكم، غفر اللّه لكم ذنوبكم.
و " من " هاهنا قيل: إنّها زائدةٌ. ولكنّ القول بزيادتها في الإثبات قليلٌ.
وقيل: إنّها بمعنى "عن" تقديره: يصفح لكم عن ذنوبكم.
وقيل: إنّها للتّبعيض، أي يغفر لكم الذّنوب العظام الّتي وعدكم على ارتكابكم إيّاها الانتقام.
{ويؤخّركم إلى أجلٍ مسمًّى} أي: يمدّ في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الّذي إن لم تنزجروا عمّا نهاكم عنه، أوقعه بكم.
وقد يستدلّ بهذه الآية من يقول: إنّ الطّاعة والبرّ وصلة الرّحم، يزاد بها في العمر حقيقةً؛ كما ورد به الحديث: "صلة الرّحم تزيد في العمر".
{إنّ أجل اللّه إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون} أي: بادروا بالطّاعة قبل حلول النّقمة، فإنّه إذا أمر تعالى بكون ذلك لا يردّ ولا يمانع، فإنّه العظيم الّذي قهر كلّ شيءٍ، العزيز الّذي دانت لعزّته جميع المخلوقات.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوحٍ، عليه السّلام، أنّه اشتكى إلى ربّه، عزّ وجلّ، ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدّة الطّويلة الّتي هي ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، وما بيّن لقومه ووضّح لهم ودعاهم إلى الرّشد والسّبيل الأقوم، فقال:
{ربّ إنّي دعوت قومي ليلا ونهارًا} أي: لم أترك دعاءهم في ليلٍ ولا نهارٍ، امتثالًا لأمرك وابتغاءً لطاعتك،
{فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا} أي: كلّما دعوتهم ليقتربوا من الحقّ فروا منه وحادوا عنه
{وإنّي كلّما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} أي: سدّوا آذانهم لئلّا يسمعوا ما أدعوهم إليه.
{واستغشوا ثيابهم}
قيل : تنكّروا له لئلّا يعرفهم.
وقيل : غطّوا رءوسهم لئلّا يسمعوا ما يقول.
{وأصرّوا} أي: استمرّوا على ما هم فيه من الشّرك والكفر العظيم الفظيع،
{واستكبروا استكبارًا} أي: واستنكفوا عن اتّباع الحقّ والانقياد له.
{ثمّ إنّي دعوتهم جهارًا} أي: جهرةً بين النّاس.
{ثمّ إنّي أعلنت لهم} أي: كلامًا ظاهرًا بصوتٍ عالٍ،
{وأسررت لهم إسرارًا} أي: فيما بيني وبينهم، لتكون أنجع فيهم.
{فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارًا} أي: ارجعوا إليه وارجعوا عمّا أنتم فيه وتوبوا إليه من قريبٍ، فإنّه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشّرك.
{يرسل السّماء عليكم مدرارًا} أي: متواصلة الأمطار. ولهذا تستحبّ قراءة هذه السّورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية.
وقيل مدرارا : يتبع بعضه بعضًا.
{ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهارًا} أي: إذا تبتم إلى اللّه واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرّزق عليكم، وأسقاكم من بركات السّماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزّرع، وأدرّ لكم الضّرع، وأمدّكم بأموالٍ وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنّاتٍ فيها أنواع الثّمار، وخلّلها بالأنهار الجارية بينها.
هذا مقام الدّعوة بالتّرغيب.
ثمّ عدل بهم إلى دعوتهم بالتّرهيب فقال:
{ما لكم لا ترجون للّه وقارًا} أي: عظمةً
وقيل لا تعظّمون اللّه حقّ عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته.
{وقد خلقكم أطوارًا} قيل: معناه من نطفةٍ، ثمّ من علقةٍ، ثمّ من مضغةٍ.
{ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سماواتٍ طباقًا}؟ أي: واحدةً فوق واحدةٍ،
{واللّه أنبتكم من الأرض نباتًا} هذا اسم مصدر، والإتيان به هاهنا أحسن،
{ثمّ يعيدكم فيها} أي: إذا متّم
{ويخرجكم إخراجًا} أي: يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أوّل مرّةٍ.
{واللّه جعل لكم الأرض بساطًا} أي: بسطها ومهّدها وقرّرها وثبتها بالجبال الرّاسيات الشّمّ الشّامخات.
{لتسلكوا منها سبلا فجاجًا} أي: خلقها لكم لتستقرّوا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم، من نواحيها وأرجائها وأقطارها، وكلّ هذا ممّا ينبّههم به نوحٌ، عليه السّلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض، ونعمه عليهم ، فهو الّذي يجب أن يعبد ويوحّد ولا يشرك به أحدٌ.
{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} يقول تعالى مخبرًا عن نوحٍ، عليه السّلام، أنّه أنهى إليه، وهو العليم الّذي لا يعزب عنه شيءٌ، أنّه مع البيان المتقدّم ذكره، والدّعوة المتنوّعة المتشمّلة على التّرغيب تارةً والتّرهيب أخرى: أنّهم عصوه وكذّبوه وخالفوه، واتّبعوا أبناء الدّنيا ممّن غفل عن أمر اللّه، ومتّع بمالٍ وأولادٍ، وهي في نفس الأمر استدراجٌ وإنظارٌ لا إكرامٌ؛ ولهذا {وولده} قرئ بالضّمّ وبالفتح، وكلاهما متقاربٌ.
{ومكروا مكرًا كبّارًا}
قيل كبارا أي عظيمًا.
وقيل أي كبيرًا.
والمعنى : مكروا باتّباعهم في تسويلهم لهم بأنّهم على الحقّ والهدى،
{وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} وهذه أسماء أصنامهم الّتي كانوا يعبدونها من دون اللّه.
قيل أنها أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ، عليه السّلام، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسمّوها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت
وقيل هذه أصنامٌ كانت تعبد في زمن نوحٍ.
وقيل كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوحٍ،
{وقد أضلّوا كثيرًا} يعني: الأصنام الّتي اتّخذوها أضلّوا بها خلقًا كثيرًا، فإنّه استمرّت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم.
{ولا تزد الظّالمين إلا ضلالا} دعاءٌ منه على قومه لتمرّدهم وكفرهم وعنادهم، وقد استجاب اللّه له، وأغرق أمّته بتكذيبهم لما جاءهم به.
{ممّا خطاياهم} وقرئ: {خطيئاتهم} {أغرقوا} أي: من كثرة ذنوبهم وعتوّهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم
{أغرقوا فأدخلوا نارًا} أي: نقلوا من تيّار البحار إلى حرارة النّار،
{فلم يجدوا لهم من دون اللّه أنصارًا} أي: لم يكن لهم معينٌ ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب اللّه
{وقال نوحٌ ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} أي: لا تترك على [وجه] الأرض منهم أحدًا ولا تومريّا وهذه من صيغ تأكيد النّفي.
{ديّارًا}
قيل أي واحدًا.
وقيل الدّيّار: الّذي يسكن الدّار.
فاستجاب اللّه له، فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتّى ولد نوحٍ لصلبه الّذي اعتزل عن أبيه، ونجّى اللّه أصحاب السّفينة الّذين آمنوا مع نوحٍ، عليه السّلام، وهم الّذين أمره اللّه بحملهم معه.
{إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك} أي: إنّك إن أبقيت منهم أحدًا أضلّوا عبادك، أي: الّذين تخلقهم بعدهم
{ولا يلدوا إلا فاجرًا كفّارًا} أي: فاجرًا في الأعمال كافر القلب، وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا.
{ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا}
قيل : مسجدي،
ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها، وهو أنّه دعا لكلّ من دخل منزله وهو مؤمنٌ.
{وللمؤمنين والمؤمنات} دعاءٌ لجميع المؤمنين والمؤمنات، وذلك يعم الأحياء منهم والأموات؛
ولهذا يستحبّ مثل هذا الدّعاء، اقتداءً بنوحٍ، عليه السّلام.
{ولا تزد الظّالمين إلا تبارًا}
قيل إلّا هلاكًا.
وقيل إلّا خسارًا، أي: في الدّنيا والآخرة.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 05:46 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة الجن


قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يأمر الله تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر قومه أنّ الجنّ استمعوا القرآن فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له
(يهدي إلى الرّشد) أي: إلى السّداد والنّجاح
{فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا}
{وأنّه تعالى جدّ ربّنا}
قيل {جدّ ربّنا} أي: فعله وأمره وقدرته.
وقيل جدّ اللّه: آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه.
وقيل : أي تعالى جلاله وعظمته وأمره.
وقيل : تعالى أمر ربّنا.
وقيل: تعالى ذكره.
وقيل :أي: تعالى ربّنا.
{ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا} أي: تعالى عن اتّخاذ الصّاحبة والأولاد،
{وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا}
{سفيهنا} يعنون: إبليس،
وقيل : اسم جنسٍ لكلّ من زعم أنّ للّه صاحبةً أو ولدًا.
أي كان يقول سفيههم قبل إسلامه على الله شططا.
{شططًا}
قيل جورًا.
وقيل : ظلمًا كبيرًا.
وقيل : أي باطلًا وزورًا؛
{وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا} أي: ما حسبنا أنّ الإنس والجنّ يتمالئون على الكذب على اللّه في نسبة الصّاحبة والولد إليه. فلمّا سمعنا هذا القرآن وآمنّا به، علمنا أنّهم كانوا يكذبون على اللّه في ذلك)
{وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا} أي: كنّا نرى أنّ لنا فضلًا على الإنس؛ لأنّهم كانوا يعوذون بنا، أي كما كان عادة العرب في جاهليّتها. فلمّا رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم :
{فزادوهم رهقًا}
قيل أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا
وقيل أي: إثمًا،
وقيل: ازدادت الجنّ عليهم جرأةً.
وقيل : زاد الكفار طغيانا.
{وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا} أي: لن يبعث اللّه بعد هذه المدّة رسولًا.
{وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا}
يخبر تعالى عن الجنّ حين بعث اللّه رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أنّ السّماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشّياطين عن مقاعدها الّتي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلّا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصّادق. وهذا من لطف اللّه بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز،
{وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} أي: من يروم أن يسترق السّمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا له، لا يتخطّاه ولا يتعدّاه، بل يمحقه ويهلكه،
{وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} أي: ما ندري هذا الأمر الّذي قد حدث في السّماء، لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربّهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشّرّ إلى غير فاعلٍ، والخير أضافوه إلى اللّه عزّ وجلّ. وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثيرٍ بل في الأحيان بعد الأحيان.
{وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك} أي: غير ذلك،
{كنّا طرائق قددًا}
قيل : أي: طرائق متعدّدةً مختلفةً وآراء متفرّقةً.
وقيل أي: منّا المؤمن ومنّا الكافر.
{وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هربًا} أي: نعلم أنّ قدرة اللّه حاكمةٌ علينا وأنّا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنّا في الهرب، فإنّه علينا قادرٌ لا يعجزه أحدٌ منّا.
{وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به} يفتخرون بذلك، وهو مفخرٌ لهم، لهم، وشرفٌ رفيعٌ وصفةٌ حسنةٌ.
{فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيّئاته
{وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون} أي: منّا المسلم ومنّا القاسط، وهو: الجائر عن الحقّ النّاكب عنه، بخلاف المقسط فإنّه العادل،
{فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا} أي: طلبوا لأنفسهم النّجاة،
{وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا} أي: وقودًا تسعّر بهم.
{وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا لنفتنهم فيه} اختلف المفسّرون في معنى هذا على قولين:
أحدهما: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمرّوا عليها، {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: كثيرًا. والمراد بذلك سعة الرّزق. وعلى هذا يكون معنى قوله: {لنفتنهم فيه} أي: لنختبرهم، ولنبتليهم، من يستمرّ على الهداية ممّن يرتدّ إلى الغواية؟.
قيل أنها نزلت في كفّار قريشٍ حين منعوا المطر سبع سنين.
والقول الثّاني: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} الضّلالة {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: لأوسعنا عليهم الرّزق استدراجًا. وله اتجاه، وتيأيد بقوله: {لنفتنهم فيه}
{ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا}
قيل : أي: عذابًا شاقًّا شديدًا موجعًا مؤلمًا.
وقيل : أي: مشقّةً لا راحة معها.
وقيل : جبلٌ في جهنّم.
وقيل : بئرٌ فيها.
{وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} يأمر الله تعالى عباده أن يوحّدوه في مجال عبادته، ولا يدعى معه أحدٌ ولا يشرك به
قيل لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجدٌ إلّا المسجد الحرام، ومسجد إيليّا: بيت المقدس.
وقيل : نزلت في المساجد كلّها.
وقيل : نزلت في أعضاء السّجود،
{وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}
قيل لمّا سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتلو القرآن كادوا يركبونه؛ من الحرص.
وقيل :لمّا رأوه يصلّي وأصحابه، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قالوا: عجبوا من طواعية أصحابه له، قال: فقالوا لقومهم: {لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}
وقيل : لمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا إله إلّا اللّه" ويدعو النّاس إلى ربّهم، كادت العرب تلبد عليه جميعًا.
وقيل تلبّدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى اللّه إلّا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه.
والأخير هو الأظهر لقوله بعده:
{قل إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا} أي: قال لهم الرّسول-لمّا آذوه وخالفوه وكذّبوه وتظاهروا عليه، ليبطلوا ما جاء به من الحقّ واجتمعوا على عداوته:
{إنّما أدعو ربّي} أي: إنّما أعبد ربّي وحده لا شريك له، وأستجير به وأتوكّل عليه، {ولا أشرك به أحدًا}
{قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا} أي: إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ، وعبدٌ من عباد اللّه ليس إليّ من الأمر شيءٌ في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كلّه إلى اللّه عزّ وجلّ.
ثمّ أخبر عن نفسه أيضًا أنّه لا يجيره من اللّه أحدٌ، أي: لو عصيته فإنّه لا يقدر أحدٌ على إنقاذي من عذابه،
{ولن أجد من دونه ملتحدًا}
قيل: لا ملجأ.
وقيل أي : لا نصير ولا ملجأ.
وقيل : لا وليّ ولا موئل.
{إلا بلاغًا من اللّه ورسالاته}
قيل : هو مستثنى من قوله: {لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا} {إلا بلاغًا}
ويحتمل أن يكون استثناءً من قوله: {لن يجيرني من اللّه أحدٌ} أي: لا يجيرني منه ويخلّصني إلّا إبلاغي الرّسالة الّتي أوجب أداءها عليّ،
{ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدًا} أي: أنما أبلّغكم رسالة اللّه، فمن يعص بعد ذلك فله جزاءٌ على ذلك نار جهنّم خالدين فيها أبدًا، أي لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها.
{حتّى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا} أي: حتّى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجنّ والإنس ما يوعدون يوم القيامة فسيعلمون يومئذٍ من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا، هم أم المؤمنون الموحّدون للّه عزّ وجلّ، أي: بل المشركين لا ناصر لهم بالكلّيّة، وهم أقلّ عددًا من جنود اللّه عزّ وجلّ
{قل إن أدري أقريبٌ ما توعدون أم يجعل له ربّي أمدًا}؟ أي: مدّةً طويلةً.
وفي هذه الآية الكريمة دليلٌ على أنّ الحديث الّذي يتداوله كثيرٌ من الجهلة من أنّه عليه السّلام، لا يؤلّف تحت الأرض، كذبٌ لا أصل له،
{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ} وهذا يعمّ الرّسول الملكيّ والبشريّ.
{فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} أي: يختصّه بمزيد معقّباتٍ من الملائكة يحفظونه من أمر اللّه، ويساوقونه على ما معه من وحي اللّه؛
{ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}
وقد اختلف المفسّرون في الضّمير الّذي في قوله: {ليعلم} إلى من يعود؟
فقيل: إنّه عائدٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قيل أربعة حفظةٍ من الملائكة مع جبريل، {ليعلم} محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم {أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}
وقيل : ليعلم أهل الشّرك ومن كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربّهم. وفي هذا نظرٌ.
وقال البغويّ: قرأ يعقوب: "ليعلم" بالضّمّ، أي: ليعلم النّاس أنّ الرّسل بلّغوا.
ويحتمل أن يكون الضّمير عائدًا إلى اللّه عزّ وجلّ، وهو قولٌ حكاه ابن الجوزيّ في "زاد المسير" ويكون المعنى في ذلك: أنّه يحفظ رسله بملائكته ليتمكّنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما بيّن إليهم من الوحي؛ ليعلم أنّ قد أبلغوا رسالات ربّهم، مع العلم بأنّه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعًا لا محالة؛ ولهذا قال بعد هذا :
{وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيءٍ عددًا}

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 10:17 AM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة المزّمّل


يأمر تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يترك التّزمّل، وهو: التّغطّي في اللّيل، وينهض إلى القيام لربّه عزّ وجلّ، وكذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممتثلًا ما أمره اللّه تعالى به من قيام اللّيل، وقد كان واجبًا عليه وحده، وهاهنا بيّن له مقدار ما يقوم، فقال تعالى:
{يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلا قليلا}.
{يا أيّها المزّمّل}
قيل : يا أيّها النّائم.
وقيل : المزّمّل في ثيابه،
وقيل : نزلت وهو متزمّلٌ بقطيفةٍ.
وقيل : يا محمد، زمّلت القرآن.
{نصفه} بدلٌ من اللّيل
{أو انقص منه قليلا. أو زد عليه} أي: أمرناك أن تقوم نصف اللّيل بزيادةٍ قليلةٍ أو نقصانٍ قليلٍ، لا حرج عليك في ذلك.
{ورتّل القرآن ترتيلا} أي: اقرأه على تمهّلٍ، فإنّه يكون عونًا على فهم القرآن وتدبّره. وكذلك كان يقرأ صلوات اللّه وسلامه عليه،
وروي أنه "كان يقرأ السّورة فيرتّلها، حتّى تكون أطول من أطول منها."
وفي صحيح البخاريّ، عن أنسٍ: أنّه سئل عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: كانت مدًّا، ثمّ قرأ {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} يمدّ بسم اللّه، ويمدّ الرّحمن، ويمدّ الرّحيم.
وقد وردت عدة أحاديث تدل على استحباب التّرتيل وتحسين الصّوت بالقراءة، كما جاء في الحديث: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"
{إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا}
قيل : أي العمل به.
وقيل: ثقيلٌ وقت نزوله؛ من عظمته.
وفي أوّل صحيح البخاريّ عن عبد اللّه بن يوسف، عن مالكٍ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة: أنّ الحارث بن هشامٍ سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: "أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثّل لي الملك رجلًا فيكلّمني فأعي ما يقول". قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلّى اللّه عليه وسلّم في اليوم الشّديد البرد، فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقًا هذا لفظه.
واختار ابن جريرٍ أنّه ثقيلٌ من الوجهين معًا، كما قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: كما ثقل في الدّنيا ثقل يوم القيامة في الموازين.
{إنّ ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئًا وأقوم قيلا}
قيل : نشأ: قام بالحبشة.
وقيل: اللّيل كلّه ناشئةٌ.
يقال: نشأ: إذا قام من اللّيل.
وقيل بعد العشاء.
والغرض أنّ ناشئة اللّيل هي: ساعاته وأوقاته، وكلّ ساعةٍ منه تسمّى ناشئةً، وهي الآنّات.
والمقصود أنّ قيام اللّيل هو أشدّ مواطأةً بين القلب واللّسان، وأجمع على التّلاوة؛ ولهذا قال :
{هي أشدّ وطئًا وأقوم قيلا} أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها من قيام النّهار؛ لأنّه وقت انتشار النّاس ولغط الأصوات وأوقات المعاش.
وعن أنس بن مالكٍ أنه قرأ هذه الآية: "إن ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئًا وأصوب قيلًا" فقال له رجلٌ: إنّما نقرؤها {وأقوم قيلا} فقال له: إنّ أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحدٌ.
{إنّ لك في النّهار سبحًا طويلا}
قيل : الفراغ والنّوم.
وقيل : فراغًا طويلًا.
وقيل : فراغًا وبغيةً ومنقلبًا.
وقيل : تطوّعًا كثيرًا.
وقيل {[إنّ لك في النّهار] سبحًا طويلا} قال: لحوائجك، فأفرغ لدينك اللّيل. قال: وهذا حين كانت صلاة اللّيل فريضةً، ثمّ إنّ اللّه منّ على العباد فخفّفها ووضعها، وقرأ: {قم اللّيل إلا قليلا} إلى آخر الآية، ثمّ قال: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} حتّى بلغ: {فاقرءوا ما تيسّر منه} [اللّيل نصفه أو ثلثه. ثمّ جاء أمرٌ أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمّته] فقال: قال: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 49] وهذا الّذي قاله كما قاله.
عن سماك الحنفيّ، سمعت ابن عبّاسٍ يقول: أوّل ما نزل: أوّل المزّمّل، كانوا يقومون نحوًا من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أوّلها وآخرها قريبٌ من سنةٍ.
{واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا} أي: أكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك، وما تحتاج إليه من أمور دنياك،
وقيل {وتبتّل إليه تبتيلا} أي: أخلص له العبادة.
وقيل : اجتهد وبتّل إليه نفسك.
{ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} أي: هو المالك المتصرّف في المشارق والمغارب لا إله إلّا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتّوكّل، {فاتّخذه وكيلا}
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالصّبر على ما يقوله من كذّبه من سفهاء قومه، وأن يهجرهم هجرًا جميلًا وهو الّذي لا عتاب معه.
ثمّ قال له متوعّدًا لكفّار قومه ومتهدّدًا -وهو العظيم الّذي لا يقوم لغضبه شيءٌ-:
{وذرني والمكذّبين أولي النّعمة} أي: دعني والمكذّبين المترفين أصحاب الأموال، فإنّهم على الطّاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم،
{ومهّلهم قليلا} أي: رويدًا،
{إنّ لدينا أنكالا} وهي: القيود.
{وجحيمًا} وهي السّعير المضطرمة.
{وطعامًا ذا غصّةٍ} ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج.
{وعذابًا أليمًا يوم ترجف الأرض والجبال} أي: تزلزل،
{وكانت الجبال كثيبًا مهيلا} أي: تصير ككثبان الرّمل بعد ما كانت حجارةً صمّاء، ثمّ إنّها تنسف نسفًا فلا يبقى منها شيءٌ إلّا ذهب، حتّى تصير الأرض قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عوجًا، أي: واديًا، ولا أمتًا، أي: رابيةً، ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع.
ثمّ قال مخاطبًا لكفّار قريشٍ، والمراد سائر النّاس:
{إنّا أرسلنا إليكم رسولا شاهدًا عليكم} أي: بأعمالكم،
{كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرّسول فأخذناه أخذًا وبيلا}
{أخذًا وبيلا} أي: شديدًا، أي فاحذروا أنتم أن تكذّبوا هذا الرّسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون، حيث أخذه اللّه أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، وأنتم أولى بالهلاك والدّمار إن كذّبتم؛ لأنّ رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران.
{فكيف تتّقون إن كفرتم يومًا يجعل الولدان شيبًا}
يحتمل أن يكون {يومًا} معمولًا لتتّقون، أي كيف يحصل لكم أمانٌ من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم؟
ويحتمل أن يكون معمولًا لكفرتم، أي كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه؟
وكلاهما معنًى حسنٌ، ولكنّ الأوّل أولى، واللّه أعلم.
{يومًا يجعل الولدان شيبًا} أي: من شدّة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول اللّه لآدم: ابعث بعث النّار. فيقول من كم؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة.
{السّماء منفطرٌ به} قال الحسن، وقتادة: أي بسببه من شدّته وهوله.
ومنهم من يعيد الضّمير على اللّه عزّ وجلّ. وقيل، وليس بقويٍّ؛ لأنّه لم يجر له ذكرٌ هاهنا.
{كان وعده مفعولا} أي: كان وعد هذا اليوم مفعولًا أي واقعًا لا محالة، وكائنًا لا محيد عنه.
{إنّ هذه} أي: السورة.
{تذكرةٌ} أي: يتذكّر بها أولو الألباب؛
{فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا} أي: ممّن شاء اللّه هدايته،
{إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الّذين معك} أي تارة هكذا، وتارةً هكذا، وذلك كلّه من غير قصدٍ منكم، ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام اللّيل؛ لأنّه يشقّ عليكم؛
{واللّه يقدّر اللّيل والنّهار} أي تارة يعتدلان، وتارةً يأخذ هذا من هذا، أو هذا من هذا،
{علم أن لن تحصوه} أي: الفرض الّذي أوجبه عليكم
{فاقرءوا ما تيسّر من القرآن} أي: من غير تحديدٍ بوقتٍ، أي: ولكن قوموا من اللّيل ما تيسّر. وعبّر عن الصّلاة بالقراءة،
وقد استدلّ أصحاب الإمام أبي حنيفة، رحمه اللّه، بهذه الآية، وهي قوله: {فاقرءوا ما تيسّر من القرآن} على أنّه لا يتعيّن قراءة الفاتحة في الصّلاة، بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن، ولو بآيةٍ، أجزأه؛ واعتضدوا بحديث المسيء صلاته الّذي في الصّحيحين: "ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن".
وقد أجابهم الجمهور بأحاديث منها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"
{علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه} أي: علم أن سيكون من هذه الأمّة ذوو أعذارٍ في ترك قيام اللّيل، من مرضى لا يستطيعون ذلك، ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل اللّه في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بما هو الأهمّ في حقّهم من الغزو في سبيل اللّه وهذه الآية -بل السّورة كلّها-مكّيّةٌ، ولم يكن القتال شرع بعد، فهي من أكبر دلائل النّبوّة، لأنّه من باب الإخبار بالمغيّبات المستقبلة.
{فاقرءوا ما تيسّر منه} أي: قوموا بما تيسّر عليكم منه.
وهذا ظاهرٌ من مذهب الحسن البصريّ: أنّه كان يرى حقًّا واجبًا على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشيءٍ منه في اللّيل؛
وهناك من يرى وجوب قيام شهر رمضان، فاللّه أعلم.
{وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} أي: أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزّكاة المفروضة. وهذا يدلّ لمن قال: إنّ فرض الزّكاة نزل بمكّة، لكنّ مقادير النّصب والمخرج لم تبين إلّا بالمدينة. واللّه أعلم.
وقيل : إنّ هذه الآية نسخت الّذي كان اللّه قد أوجبه على المسلمين أوّلًا من قيام اللّيل.
{وأقرضوا اللّه قرضًا حسنًا} يعني: من الصّدقات، فإنّ اللّه يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره،
{وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه هو خيرًا وأعظم أجرًا} أي: جميع ما تقدّموه بين أيديكم فهو [خيرٌ] لكم حاصلٌ، وهو خيرٌ ممّا أبقيتموه لأنفسكم في الدّنيا.
{واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلّها؛ فإنّه غفورٌ رحيمٌ لمن استغفره.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 11:57 AM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة المدّثّر

ثبت في صحيح البخاريّ [من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة] عن جابرٍ أنّه كان يقول: أوّل شيءٍ نزل من القرآن: {يا أيّها المدّثّر}
وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أنّ أوّل القرآن نزولًا قوله تعالى: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}
ووجه الجمع أنّ أوّل شيءٍ نزل بعد فترة الوحي هذه السّورة،
{قم فأنذر} أي: شمّر عن ساق العزم، وأنذر النّاس. وبهذا حصل الإرسال، كما حصل بالأوّل النّبوّة.
{وربّك فكبّر} أي: عظّم.
{وثيابك فطهّر}
قيل لا تلبسها على معصيةٍ ولا على غدرة.
وقيل فطهّر من الذّنوب.
وقيل من الإثم.
وقيل : اي نفسك، ليس ثيابه.
وقيل أي عملك فأصلح،
وقيل أي: لست بكاهنٍ ولا ساحرٍ، فأعرض عمّا قالوا.
وقيل طهّرها من المعاصي، وكانت العرب تسمّي الرّجل إذا نكث ولم يف بعهد اللّه إنّه لمدنس الثّياب. وإذا وفّى وأصلح: إنّه لمطهّر الثّياب.
وقيل لا تك ثيابك الّتي تلبس من مكسبٍ غير طائبٍ، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصيةٍ.
وقيل اغسلها بالماء.
وقيل : كان المشركون لا يتطهّرون، فأمره اللّه أن يتطهّر، وأن يطهّر ثيابه.
وهذا القول اختاره ابن جريرٍ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإنّ العرب تطلق الثّياب عليه،
وقيل وقلبك ونيتك فطهر.
وقيل وخلقك فحسّن.
{والرّجز فاهجر}
قيل أي الأصنام والأوثان اهجر.
وقيل :أي: اترك المعصية.
وعلى كلّ تقديرٍ فلا يلزم تلبّسه بشيءٍ من ذلك،
{ولا تمنن تستكثر}
قيل : أي : لا تعط العطيّة تلتمس أكثر منها.
وروي عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ: "ولا تمنن أن تستكثر".
وقيل : لا تمنن بعملك على ربّك تستكثره.
وقيل : لا تضعف أن تستكثر من الخير.
وقيل : لا تمنن بالنّبوّة على النّاس، تستكثرهم بها، تأخذ عليه عوضًا من الدّنيا.
فهذه أربعة أقوالٍ، والأظهر القول الأوّل، واللّه أعلم.
{ولربّك فاصبر}
قيل أي: اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربّك عزّ وجلّ،
وقيل : اصبر عطيّتك للّه تعالى.
{فإذا نقر في النّاقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ}
قيل {النّاقور} الصّور. قيل : وهو كهيئة القرن.
{فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ} أي: شديدٌ.
{على الكافرين غير يسيرٍ} أي: غير سهلٍ عليهم.
يقول تعالى متوعّدًا لهذا الخبيث الّذي أنعم اللّه عليه بنعم الدّنيا، فكفر بأنعم اللّه، وبدّلها كفرًا، وقابلها بالجحود بآيات اللّه والافتراء عليها، وجعلها من قول البشر. وقد عدّد اللّه عليه نعمه حيث قال:
{ذرني ومن خلقت وحيدًا} أي: خرج من بطن أمّه وحده لا مال له ولا ولد، ثمّ رزقه اللّه،
{مالا ممدودًا} أي: واسعًا كثيرًا
قيل: ألف دينارٍ.
وقيل: مائة ألف دينارٍ.
وقيل: أرضًا يستغلّها.
وقيل غير ذلك.
{وبنين شهودًا}
قيل لا يغيبون، أي: حضورًا عنده لا يسافرون في التّجارات، بل مواليهم وأجراؤهم يتولّون ذلك عنهم وهم قعودٌ عند أبيهم، يتمتّع بهم ويتملّى بهم.
وكانوا -فيما ذكر-ثلاثة عشر.
وقيل : كانوا عشرةً.
وهذا أبلغ في النّعمة [وهو إقامتهم عنده].
{ومهّدت له تمهيدًا} أي: مكّنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك،
{ثمّ يطمع أن أزيد كلا إنّه كان لآياتنا عنيدًا} أي: معاندًا، وهو الكفر على نعمه بعد العلم.
{سأرهقه صعودًا}
روي أن "الصّعود: جبلٌ من نارٍ يصعد فيه سبعين خريفًا، ثمّ يهوي به كذلك فيه أبدًا".
وروي أنه "جبلٌ في النّار من نارٍ يكلّف أن يصعده، فإذا وضع يده ذابت، وإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله ذابت، وإذا رفعها عادت".
وقيل : صعودٌ: صخرةٌ [في جهنّم] عظيمةٌ يسحب عليها الكافر على وجهه.
وقيل : صخرةً ملساء في جهنّم، يكلّف أن يصعدها.
وقيل : مشقّةً من العذاب.
وقيل : عذابًا لا راحة فيه. واختاره ابن جريرٍ.
{إنّه فكّر وقدّر} أي: إنّما أرهقناه صعودًا، أي: قرّبناه من العذاب الشّاقّ؛ لبعده عن الإيمان، لأنّه فكّر وقدّر، أي: تروّى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن، ففكّر ماذا يختلق من المقال،
{وقدّر} أي: تروّى،
{فقتل كيف قدّر ثمّ قتل كيف قدر} دعاء عليه،
{ثمّ نظر} أي: أعاد النّظرة والتّروّي.
{ثمّ عبس} أي: قبض بين عينيه وقطّب،
{وبسر} أي: كلح وكره،
{ثمّ أدبر واستكبر} أي: صرف عن الحقّ، ورجع القهقرى مستكبرًا عن الانقياد للقرآن،
{فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر} أي: هذا سحرٌ ينقله محمّدٌ عن غيره عمّن قبله ويحكيه عنهم؛
{إن هذا إلا قول البشر} أي: ليس بكلام اللّه.
وهذا المذكور في هذا السّياق هو: الوليد بن المغيرة المخزوميّ، أحد رؤساء قريشٍ -لعنه اللّه-
{سأصليه سقر} أي: سأغمره فيها من جميع جهاته.
{وما أدراك ما سقر}؟ وهذا تهويلٌ لأمرها وتفخيمٌ.
{لا تبقي ولا تذر} أي: تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثمّ تبدّل غير ذلك، وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون،
{لوّاحةٌ للبشر}
قيل : أي للجلد،
وقيل : تلفح الجلد لفحةً فتدعه أسود من اللّيل.
وقيل : تلوح أجسادهم عليها.
وقيل :أي: حرّاقةٌ للجلد.
{عليها تسعة عشر} أي: من مقدّمي الزّبانية، عظيمٌ خلقهم، غليظٌ خلقهم.
{وما جعلنا أصحاب النّار} أي: خزّانها،
{إلا ملائكةً} أي: [زبانيةً] غلاظًا شدادًا.
{وما جعلنا أصحاب النّار إلا ملائكةً} أي: شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون.
{وما جعلنا عدّتهم إلا فتنةً للّذين كفروا} أي: إنّما ذكرنا عدّتهم أنّهم تسعة عشر اختبارًا منّا للنّاس،
{ليستيقن الّذين أوتوا الكتاب} أي: يعلمون أنّ هذا الرّسول حقٌّ؛ فإنّه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السّماويّة المنزّلة على الأنبياء قبله.
{ويزداد الّذين آمنوا إيمانًا} أي: إلى إيمانهم. بما يشهدون من صدق إخبار نبيّهم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم،
{ولا يرتاب الّذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الّذين في قلوبهم مرضٌ} أي: من المنافقين
{والكافرون ماذا أراد اللّه بهذا مثلا}؟ أي: يقولون: ما الحكمة في ذكر هذا هاهنا؟ ق
{كذلك يضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء} أي: من مثل هذا وأشباهه يتأكّد الإيمان في قلوب أقوامٍ، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة، والحجّة الدّامغة.
{وما يعلم جنود ربّك إلا هو} أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلّا هو تعالى، لئلّا يتوهّم متوهّمٌ أنّهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفةٌ
وقد ثبت في حديث الإسراء المرويّ في الصّحيحين وغيرهما. عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في صفة البيت المعمور الّذي في السّماء السّابعة: "فإذا هو يدخله في كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، لا يعودون إليه آخر ما عليهم".
وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : "ما في السموات السّبع موضع قدمٍ ولا شبرٍ ولا كفٍّ إلّا وفيه ملكٌ قائمٌ، أو ملكٌ ساجدٌ، أو ملكٌ راكعٌ، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعًا: سبحانك! ما عبدناك حقّ عبادتك، إلّا أنّا لم نشرك بك شيئًا"..
{وما هي إلا ذكرى للبشر} أي: النّار الّتي وصفت،
{كلا والقمر واللّيل إذ أدبر} أي: ولّى،
{والصّبح إذا أسفر} أي: أشرق،
{إنّها لإحدى الكبر} أي: العظائم، يعني: النّار،
{نذيرًا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر} أي: لمن شاء أن يقبل النّذارة ويهتدي للحقّ، أو يتأخّر عنها ويولّي ويردّها.
{كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ} أي: معتقلةٌ بعملها يوم القيامة،
{إلا أصحاب اليمين} فإنّهم {في جنّاتٍ يتساءلون عن المجرمين} أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدّركات قائلين لهم:
{ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلّين ولم نك نطعم المسكين} أي: ما عبدنا ربّنا ولا أحسنّا إلى خلقه من جنسنا،
{وكنّا نخوض مع الخائضين} أي: نتكلّم فيما لا نعلم.
وقيل كلّما غوي غاوٍ غوينا معه،
{وكنّا نكذّب بيوم الدّين حتّى أتانا اليقين} يعني: الموت.
{فما تنفعهم شفاعة الشّافعين} أي: من كان متّصفًا بهذه الصّفات فإنّه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافعٍ فيه؛ لأنّ الشّفاعة إنّما تنجع إذا كان المحلّ قابلًا فأمّا من وافى اللّه كافرًا يوم القيامة فإنّه له النّار لا محالة، خالدًا فيها.
{فما لهم عن التّذكرة معرضين} أي: فما لهؤلاء الكفرة الّذين قبلك ممّا تدعوهم إليه وتذكّرهم به معرضين،
{كأنّهم حمرٌ مستنفرةٌ فرّت من قسورةٍ} أي: كأنّهم في نفارهم عن الحقّ، وإعراضهم عنه حمر من حمر الوحش إذا فرّت ممّن يريد صيدها من أسدٍ،
وقيل أو: رامٍ، وهو قول الجمهور.
{بل يريد كلّ امرئٍ منهم أن يؤتى صحفًا منشّرةً} أي: بل يريد كلّ واحدٍ من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتابًا كما أنزل على النّبيّ.
وقيل : يريدون أن يؤتوا براءةً بغير عملٍ.
{كلا بل لا يخافون الآخرة} أي: إنّما أفسدهم عدم إيمانهم بها، وتكذيبهم بوقوعها.
{كلا إنّه تذكرةٌ} أي: حقًّا إنّ القرآن تذكرةٌ،
{فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء اللّه هو أهل التّقوى وأهل المغفرة} أي: هو أهلٌ أن يخاف منه، وهو أهلٌ أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 01:35 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة القيامة


{لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنّفس اللّوّامة}
إذا كان المقسم عليه منتفيًا، جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النّفي.
والمقسوم عليه هاهنا هو إثبات الميعاد، والرّدّ على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بعث الأجساد؛
قيل الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنّفس اللّوّامة.
وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعًا.
والصّحيح أنّه أقسم بهما جميعًا.
فأمّا يوم القيامة فمعروفٌ،
وأمّا النّفس اللّوّامة :
فقيل : إنّ المؤمن دائما يلوم نفسه ويحاسبها وتندم على ما فاتها، وإنّ الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه.
ووقيل : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلّا يلوم نفسه يوم القيامة.
وقيل اللّوّامة: المذمومة.
وقال قتادة: {اللّوّامة} الفاجرة.
قال ابن جرير : الأشبه بظاهر التّنزيل أنّها الّتي تلوم صاحبها على الخير والشّرّ وتندم على ما فات.
{أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه} أي: يوم القيامة، أيظنّ أنّا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرّقة؟
{بلى قادرين على أن نسوّي بنانه}
قيل : أي أن نجعله خفّا أو حافرًا. ووجّهه ابن جريرٍ بأنّه تعالى لو شاء لجعل ذلك في الدّنيا.
والظّاهر من الآية أنّ قوله: {قادرين} حالٌ من قوله: {نجمع} أي: أيظنّ الإنسان أنا لا نجمع عظامه؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه، أي: قدرتنا صالحةٌ لجمعها، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فتجعل بنانه -وهي أطراف أصابعه-مستويةً.
{بل يريد الإنسان ليفجر أمامه}
قيل : يعني يمضي قدمًا.
وقيل : الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثمّ أتوب قبل يوم القيامة،
ويقال: هو الكفر بالحقّ بين يدي القيامة.
وقيل ليمضي أمامه راكبًا رأسه.
وقيل : لا يلقى ابن آدم إلّا تنزع نفسه إلى معصية اللّه قدمًا قدمًا، إلّا من عصمه اللّه.
وقيل : هو الّذي يعجل الذنوب ويسوّف التّوبة.
وقيل : هو الكافر يكذّب بيوم الحساب. وهذا هو الأظهر من المراد؛ ولهذا قال بعده :
{يسأل أيّان يوم القيامة}؟ أي: يقول متى يكون يوم القيامة؟ وإنّما سؤاله سؤال استبعادٍ لوقوعه، وتكذيبٌ لوجوده،
{فإذا برق البصر}
{برِق} أي: حار. ينظرون من الفزع هكذا وهكذا، لا يستقرّ لهم بصرٌ على شيءٍ؛ من شدّة الرّعب.
وقرأ آخرون: "برَق" : وهو قريبٌ في المعنى من الأوّل.
والمقصود أنّ الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذلّ من شدّة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور.
{وخسف القمر} أي: ذهب ضوءه.
{وجمع الشّمس والقمر} ك
وروي عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ: "وجمع بين الشّمس والقمر".
{يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ} أي: إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذٍ يريد أن يفرّ ويقول: أين المفرّ؟ أي: هل من ملجأٍ أو موئلٍ؟
{كلا لا وزر إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} أي لا نجاة.
{لا وزر} أي: ليس لكم مكانٌ تعتصمون فيه؛
{إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} أي: المرجع والمصير.
{ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} أي: يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أوّلها وآخرها، صغيرها وكبيرها،
{بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره} أي: هو شهيدٌ على نفسه، عالمٌ بما فعله ولو اعتذر وأنكر،
قيل أي : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه.
{ولو ألقى معاذيره}
قال مجاهد : ولو جادل عنها فهو بصيرٌ عليها.
وقال قتادة : ولو اعتذر يومئذٍ بباطلٍ لا يقبل منه.
وقيل : معاذيره : حجّته. واختاره ابن جريرٍ.
وقيل: لو ألقى ثيابه.
وقيل ولو أرخى ستوره، وأهل اليمن يسمّون السّتر: المعذار.
والصّحيح قول مجاهد وأصحابه.
{لا تحرّك به لسانك لتعجل به}
هذا تعليمٌ من اللّه عزّ وجلّ لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم في كيفيّة تلقّيه الوحي من الملك، فإنّه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره اللّه عزّ وجلّ إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفّل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسّره لأدائه على الوجه الّذي ألقاه إليه، وأن يبيّنه له ويفسّره ويوضّحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثّانية تلاوته، والثّالثة تفسيره وإيضاح معناه؛
{لا تحرّك به لسانك لتعجل به} أي: بالقرآن،
{إنّ علينا جمعه} أي: في صدرك،
{وقرآنه} أي: أن تقرأه،
{فإذا قرأناه} أي: إذا تلاه عليك الملك عن اللّه عزّ وجلّ،
{فاتّبع قرآنه} أي: فاستمع له، ثمّ اقرأه كما أقرأك،
{ثمّ إنّ علينا بيانه} أي: بعد حفظه وتلاوته نبيّنه لك ونوضّحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا
عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدّةٌ، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه، يتلقّى أوّله ويحرّك به شفتيه خشية أن ينسى أوّله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل اللّه: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به}
عن ابن عبّاسٍ: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به} قال: كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه، فقال اللّه: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنّ علينا} أن نجمعه لك {وقرآنه} أن نقرئك فلا تنسى..
{كلا بل تحبّون العاجلة وتذرون الآخرة} أي: إنّما يحملهم على التّكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله اللّه عزّ وجلّ على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من الوحي الحقّ والقرآن العظيم: إنّهم إنّما همّتهم إلى الدّار الدّنيا العاجلة، وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة.
{وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ} من النّضارة، أي حسنةٌ بهيّة مشرقةٌ مسرورةٌ
{إلى ربها ناظرةٌ} أي: تراه عيانًا،
وقد ثبتت رؤية المؤمنين للّه عزّ وجلّ في الدّار الآخرة في الأحاديث الصّحاح، من طرقٍ متواترةٍ عند أئمّة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها؛
ومن تأوّل ذلك بأنّ المراد بـ {إلى} مفرد الآلاء، وهي النّعم، فقال تنتظر الثّواب من ربها، فقد أبعد هذا القائل النجعة، وأبطل فيما ذهب إليه.
{وجوهٌ يومئذٍ باسرةٌ} هذه وجوه الفجّار تكون يوم القيامة باسرةٌ.
قيل : كالحةٌ.
وقيل : تغيّر ألوانها.
وقيل أي: عابسةٌ.
{تظنّ} أي: تستيقن،
{أن يفعل بها فاقرةٌ}
قال مجاهدٌ: داهيةٌ.
وقال قتادة: شرٌّ.
وقال السّدّيّ: تستيقن أنّها هالكةٌ.
وقال ابن زيدٍ: تظنّ أن ستدخل النّار.
يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال -ثبّتنا اللّه هنالك بالقول الثّابت-فقال تعالى: {كلا إذا بلغت التّراقي}
إن كانت {كلا} رداعة فمعناها: لست يا ابن آدم تكذّب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانًا.
وإن كانت بمعنى (حقًّا) فظاهرٌ، أي: حقًّا إذا بلغت التّراقي، أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك،
والتّراقي: جمع ترقوةٍ، وهي العظام الّتي بين ثغرة النّحر والعاتق،
{وقيل من راقٍ}
قيل : أي من راقٍ يرقي؟ أي: من طبيبٌ شافٍ.
وقيل: من يرقى بروحه: ملائكة الرّحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة.
{والتفّت السّاق بالسّاق}
قيل: التفّت عليه الدّنيا والآخرة.
وقيل : آخر يومٍ في الدّنيا، وأوّل يومٍ من أيّام الآخرة، فتلتقي الشّدّة بالشّدّة إلّا من رحم اللّه.
وقيل : الأمر العظيم بالأمر العظيم.
وقيل : بلاءٌ ببلاءٍ.
وقيل :هما ساقاك إذا التفّتا.
وقيل لفّهما في الكفن.
وقيل : اجتمع عليه أمران: النّاس يجهّزون جسده، والملائكة يجهّزون روحه.
{إلى ربّك يومئذٍ المساق} أي: المرجع والمآب،
وذلك أنّ الرّوح ترفع إلى السّماوات، فيقول اللّه عزّ وجلّ: ردّوا عبدي إلى الأرض، فإنّي منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارةً أخرى.
{فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى} هذا إخبار عن الكافر الّذي كان في الدّار الدّنيا مكذّبًا للحقّ بقلبه، متولّيًا عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطنًا ولا ظاهرًا،
{فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى ثمّ ذهب إلى أهله يتمطّى} أي: جذلا. أشرًا بطرا كسلانًا، لا همّة له ولا عمل،
وقيل يختال. وقيل يتبختر.
{أولى لك فأولى ثمّ أولى لك فأولى} وهذا تهديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته، أي: يحقّ لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك
{أيحسب الإنسان أن يترك سدًى} لا يبعث.
وقيل يعني لا يؤمر ولا ينهى.
والظّاهر أنّ الآية تعمّ الحالين، أي: ليس يترك في هذه الدّنيا مهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدًى لا يبعث، بل هو مأمورٌ منهيٌّ في الدّنيا، محشورٌ إلى اللّه في الدّار الآخرة. والمقصود هنا إثبات المعاد، والرّدّ على من أنكره من أهل الزّيغ والجهل والعناد، ولهذا قال مستدلًّا على الإعادة بالبداءة فقال.
{ألم يك نطفةً من منيٍّ يمنى}؟ أي: أما كان الإنسان نطفةً ضعيفةً من ماءٍ مهينٍ، يمنى يراق من الأصلاب في الأرحام.
{ثمّ كان علقةً فخلق فسوَّى} أي: فصار علقةً، ثمّ مضغةً، ثمّ شكّل ونفخ فيه الرّوح، فصار خلقًا آخر سويًا سليم الأعضاء، ذكرًا أو أنثى بإذن اللّه وتقديره؛ ولهذا قال: {فجعل منه الزّوجين الذّكر والأنثى}
{أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} أي: أما هذا الّذي أنشأ هذا الخلق السّويّ من هذه النّطفة الضّعيفة بقادرٍ على أن يعيده كما بدأه؟

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 04:12 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة الإنسان

عن ابن عباسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة " الم تنزيل " السّجدة، و " هل أتى على الإنسان "

{هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا} يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنّه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر لحقارته وضعفه، فقال: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}؟
ثمّ بين ذلك فقال:
{إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ} أي: أخلاطٍ. والمشج والمشيج: الشّيء الخليط، بعضه في بعضٍ.
وقيل : ماء الرّجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثمّ ينتقل بعد من طورٍ إلى طورٍ، وحالٍ إلى حالٍ، ولونٍ إلى لونٍ.
{نبتليه} أي: نختبره،
{فجعلناه سميعًا بصيرًا} أي: جعلنا له سمعًا وبصرًا يتمكّن بهما من الطّاعة والمعصية.
{إنّا هديناه السّبيل} أي: بيّنّاه له ووضّحناه وبصّرناه به، أي: بيّنّا له طريق الخير وطريق الشّرّ.
وقيل يعني خروجه من الرّحم. وهذا قولٌ غريبٌ، والصّحيح المشهور الأوّل.
{إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا} منصوبٌ على الحال من "الهاء" في قوله: {إنّا هديناه السّبيل} تقديره: فهو في ذلك إمّا شقيٌّ وإمّا سعيدٌ،
{إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرًا} يخبر تعالى عمّا أرصده للكافرين من خلقه به من السّلاسل والأغلال والسّعير، وهو اللّهب والحريق في نار جهنّم،
ولمّا ذكر ما أعدّه لهؤلاء الأشقياء من السّعير قال بعده:
{إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا} وقد علم ما في الكافور من التّبريد والرّائحة الطّيّبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللّذاذة في الجنّة.
وقيل برد الكافور في طيب الزّنجبيل؛ ولهذا قال:
{عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا} أي: هذا الّذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عينٌ يشرب بها المقرّبون من عباد اللّه صرفًا بلا مزجٍ ويروون بها؛ ولهذا ضمّن يشرب "يروى" حتّى عدّاه بالباء، ونصب {عينًا} على التّمييز.
وقيل : هذا الشّراب في طيبه كالكافور.
وقيل : هو من عينٍ كافورٍ.
وقيل : يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يشرب} حكى هذه الأقوال الثّلاثة ابن جريرٍ.
{يفجّرونها تفجيرًا} أي: يتصرّفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالّهم.
والتّفجير هو الإنباع،
وقال مجاهدٌ: يقودونها حيث شاؤوا،
وقال الثّوريّ: يصرفونها حيث شاؤوا.
{يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا} أي: يتعبّدون للّه فيما أوجبه عليهم من فعل الطّاعات الواجبة بأصل الشّرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.
ويتركون المحرّمات الّتي نهاهم عنها خيفةً من سوء الحساب يوم المعاد،
وهو اليوم الّذي شره مستطيرٌ، أي: منتشرٌ عامٌّ على النّاس إلّا من رحم اللّه.
قال ابن عبّاسٍ: فاشيًا.
وقال قتادة: استطار -واللّه-شرّ ذلك اليوم حتّى ملأ السّماوات والأرض.
{ويطعمون الطّعام على حبّه}
قيل: على حبّ اللّه تعالى. وجعلوا الضّمير عائدًا إلى اللّه عزّ وجلّ لدلالة السّياق عليه.
والأظهر أنّ الضّمير عائدٌ على الطّعام، أي: ويطعمون الطّعام في حال محبّتهم وشهوتهم له،
قيل الأسير: من أهل القبلة.
وقال ابن عبّاسٍ: كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين.
وقيل هم العبيد -واختاره ابن جريرٍ-لعموم الآية للمسلم والمشرك.
وقيل: هو المحبوس،
أي: يطعمون لهؤلاء الطّعام وهم يشتهونه ويحبّونه، قائلين بلسان الحال:
{إنّما نطعمكم لوجه اللّه} أي: رجاء ثواب اللّه ورضاه
{لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} أي: لا نطلب منكم مجازاةً تكافئونا بها ولا أن تشكرونا عند النّاس.
قيل : أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغبٌ.
{إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: إنّما نفعل هذا لعلّ اللّه أن يرحمنا ويتلقّانا بلطفه، في اليوم العبوس القمطرير.
عن ابن عبّاسٍ {عبوسًا} ضيّقًا، {قمطريرًا} طويلًا.
وقل : {يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: يعبس الكافر يومئذٍ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران.
وقال مجاهدٌ: {عبوسًا} العابس الشّفتين، {قمطريرًا} قال: تقبيض الوجه بالبسور.
وقيل : تعبس فيه الوجوه من الهول، {قمطريرًا} تقليص الجبين وما بين العينين، من الهول.
وقيل : العبوس: الشّرّ. والقمطرير: الشّديد.
وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها، وأعلاها وأولاها -قول ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه.
{فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا} وهذا من باب التّجانس البليغ :
{فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم} أي: آمنهم ممّا خافوا منه،
{ولقّاهم نضرةً} أي: في وجوههم،
{وسرورًا} أي: في قلوبهم. وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه،
{وجزاهم بما صبروا} أي: بسبب صبرهم أعطاهم ونوّلهم وبوّأهم
{جنّةً وحريرًا} أي: منزلًا رحبًا، وعيشًا رغدًا ولباسًا حسنًا.
{متّكئين فيها على الأرائك} يخبر تعالى عن أهل الجنّة وما هم فيه من النّعيم المقيم، وما أسبغ عليهم من الفضل العميم
الأرائك هي السّرر تحت الحجال.
{لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا} أي: ليس عندهم حرّ مزعجٌ، ولا بردٌ مؤلمٌ، بل هي مزاجٌ واحدٌ دائمٌ سرمديّ،
{ودانيةً عليهم ظلالها} أي: قريبةٌ إليهم أغصانها،
{وذلّلت قطوفها تذليلا} أي: متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلّى من أعلى غصنه، كأنّه سامعٌ طائعٌ،
قال مجاهدٌ: إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلّت له حتّى ينالها، وإن اضطجع تدلّت له حتّى ينالها، فذلك قوله: {تذليلا}
وقال قتادة: لا يردّ أيديهم عنها شوكٌ ولا بعد.
{ويطاف عليهم بآنيةٍ من فضّةٍ وأكوابٍ} أي: يطوف عليهم الخدم بأواني الطّعام، وهي من فضّةٍ، وأكواب الشّراب وهي الكيزان الّتي لا عرى لها ولا خراطيم.
{قوارير قوارير من فضّةٍ} فالأوّل منصوبٌ بخبر "كان" أي: كانت قوارير. والثّاني منصوبٌ إمّا على البدليّة أو تمييزٌ؛ لأنّه بيّنه بقوله: {قوارير من فضّةٍ}
{قدّروها تقديرًا} أي: على قدر ريّهم، لا تزيد عنه ولا تنقص، بل هي معدّة لذلك، مقدّرةٌ بحسب ريّ صاحبها. وهذا أبلغ في الاعتناء والشّرف والكرامة.
وقيل : قدّرت للكفّ.
وقيل : على قدر أكفّ الخدّام.
وهذا لا ينافي القول الأوّل، فإنّها مقدّرةٌ في القدر والرّيّ.
{ويسقون فيها كأسًا كان مزاجها زنجبيلا} أي: ويسقون -يعني الأبرار أيضًا-في هذه الأكواب
{كأسًا} أي: خمرًا،
{كان مزاجها زنجبيلا} فتارةً يمزج لهم الشّراب بالكافور وهو باردٌ، وتارةً بالزّنجبيل وهو حارٌّ، ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارةً ومن هذا تارةً.
وأمّا المقرّبون فإنّهم يشربون من كلٍّ منهما صرفًا،
{عينًا فيها تسمّى سلسبيلا} أي: الزّنجبيل عينٌ في الجنّة تسمّى سلسبيلًا.
قيل : اسم عينٍ في الجنّة.
وقال مجاهدٌ: سمّيت بذلك لسلاسة سيلها وحدّة جريها.
وقال قتادة: عينٌ سلسة مستقيد ماؤها.
وحكى ابن جريرٍ عن بعضهم أنّها سمّيت بذلك لسلاستها في الحلق. واختار هو أنّها تعمّ ذلك كلّه، وهو كما قال.
{ويطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا} أي: يطوف على أهل الجنّة للخدمة ولدانٌ من ولدان الجنّة
{مخلدون} أي: على حالةٍ واحدةٍ مخلّدون عليها، لا يتغيّرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السّنّ.
ومن فسرّهم بأنّهم مخرّصون في آذانهم الأقرطة، فإنّما عبّر عن المعنى بذلك؛ لأنّ الصّغير هو الّذي يليق له ذلك دون الكبير.
{إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا} أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السّادة، وكثرتهم، وصباحة وجوههم، وحسن ألوانهم وثيابهم وحليّهم، حسبتهم لؤلؤًا منثورًا. ولا يكون في التّشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللّؤلؤ المنثور على المكان الحسن.
{وإذا رأيت} أي: وإذا رأيت يا محمّد،
{ثمّ} أي: هناك، يعني في الجنّة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور،
{رأيت نعيمًا وملكًا كبيرًا} أي: مملكةً للّه هناك عظيمةً وسلطانًا باهرًا.
وثبت في الصّحيح أنّ اللّه تعالى يقول لآخر أهل النّار خروجًا منها، وآخر أهل الجنّة دخولًا إليها: إنّ لك مثل الدّنيا وعشرة أمثالها.
{عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ} أي: لباس أهل الجنّة فيها الحرير،
ومنه سندسٌ، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها ممّا يلي أبدانهم،
والإستبرق منه ما فيه بريقٌ ولمعانٌ، وهو ممّا يلي الظّاهر، كما هو المعهود في اللّباس
{وحلّوا أساور من فضّةٍ} وهذه صفة الأبرار، وأمّا المقرّبون فكما قال: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ} [الحجّ: 23]
ولمّا ذكر تعالى زينة الظّاهر بالحرير والحليّ قال بعده:
{وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا} أي: طهّر بواطنهم من الحسد والحقد والغلّ والأذى وسائر الأخلاق الرّديّة،
{إنّ هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورًا} أي: يقال لهم ذلك تكريمًا لهم وإحسانًا إليهم
{وكان سعيكم مشكورًا} أي: جزاكم اللّه على القليل بالكثير
{إنّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلًا}يقول تعالى ممتنًّا على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بما نزّله عليه من القرآن العظيم تنزيلًا
{فاصبر لحكم ربّك} أي: كما أكرمتك بما أنزلت عليك، فاصبر على قضائه وقدره، واعلم أنّه سيدبرك بحسن تدبيره،
{ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} أي: لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدّك عمًّا أنزل إليك بل بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، وتوكّل على اللّه؛ فإنّ اللّه يعصمك من النّاس. فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر بقلبه.
{واذكر اسم ربّك بكرةً وأصيلا} أي: أول النّهار وآخره.
{ومن اللّيل فاسجد له وسبّحه ليلا طويلا} كقوله: {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا} [المزّمّل: 1-4].
ثمّ قال: منكرًا على الكفّار ومن أشبههم في حبّ الدّنيا والإقبال عليها والانصباب إليها، وترك الدّار الآخرة وراء ظهورهم:
{إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلا} يعني: يوم القيامة.
{نحن خلقناهم وشددنا أسرهم}
{وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا} أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبدلناهم فأعدناهم خلقًا جديدًا. وهذا استدلالٌ بالبداءة على الرّجعة.
وقيل : وإذا شئنا أتينا بقومٍ آخرين غيرهم،
{إنّ هذه} يعني: هذه السورة
{تذكرةٌ فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا} أي طريقًا ومسلكًا، أي: من شاء اهتدى بالقرآن،
{وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} أي: لا يقدر أحدٌ أن يهدي نفسه، ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعًا،
{إلا أن يشاء اللّه إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا} أي: عليمٌ بمن يستحقّ الهداية فييسّرها له، ويقيّض له أسبابها، ومن يستحقّ الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجّة الدّامغة؛
{يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا} أي: يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، ومن يهده فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.

رد مع اقتباس
  #41  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 04:58 PM
ياسمين مصباح ياسمين مصباح غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 106
افتراضي

تفسير سورة المرسلات.


عن ابن عبّاسٍ، عن أمّه: أنّها سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفًا.

{والمرسلات عرفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً } قال: الملائكة. وهكذا قيل في " العاصفات" و " النّاشرات " [و " الفارقات "] و " الملقيات": أنّها الملائكة.
وقيل هي الرّسل. وفي روايةٍ عنه: أنّها الملائكة.
وقيل : الرّيح. وكذا قيل في: {فالعاصفات عصفًا والنّاشرات نشرًا} إنّها الرّيح.
وتوقّف ابن جريرٍ في {والمرسلات عرفًا} هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعرف، أو كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضًا؟ أو: هي الرّياح إذا هبّت شيئًا فشيئًا؟ وقطع بأنّ العاصفات عصفًا هي الرياح، وتوقّف في {والنّاشرات نشرًا} هل هي الملائكة أو الرّيح؟
وقيل : أنّ النّاشرات نشرًا: المطر.
والأظهر أنّ: "المرسلات" هي الرّياح، وهكذا العاصفات هي: الرّياح، يقال: عصفت الرّيح إذا هبّت بتصويتٍ، وكذا النّاشرات هي: الرّياح الّتي تنشر السّحاب في آفاق السّماء، كما يشاء الرّبّ عزّ وجلّ.
{فالفارقات فرقًا فالملقيات ذكرًا عذرًا أو نذرًا} يعني: الملائكة، ولا خلاف هاهنا؛ فإنّها تنزل بأمر اللّه على الرّسل، تفرّق بين الحقّ والباطل، والهدى والغيّ، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرّسل وحيًا فيه إعذارٌ إلى الخلق، وإنذارٌ لهم عقاب اللّه إن خالفوا أمره.
{إنّما توعدون لواقعٌ} هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام، أي: ما وعدتم به من قيام الساعة
{لواقع} أي: لكائنٌ لا محالة
{فإذا النّجوم طمست} أي: ذهب ضوؤها،
{وإذا السّماء فرجت} أي: انفطرت وانشقّت، وتدلّت أرجاؤها، ووهت أطرافها.
{وإذا الجبال نسفت} أي: ذهب بها، فلا يبقى لها عينٌ ولا أثرٌ،
{وإذا الرّسل أقّتت}
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: جمعت
وقال مجاهدٌ: {أقّتت} أجّلت.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {أقّتت} أوعدت.
{لأيّ يومٍ أجّلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين} يقول تعالى: لأيّ يومٍ أجّلت الرّسل وأرجئ أمرها؟ حتّى تقوم السّاعة، وهو يوم الفصل،
ثمّ قال معظّمًا لشأنه:
{وما أدراك ما يوم الفصل ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين} أي: ويلٌ لهم من عذاب اللّه غدًا.
{ألم نهلك الأوّلين}؟ يعني: من المكذّبين للرسل المخالفين لما جاؤوهم به،
{ثمّ نتبعهم الآخرين} أي: ممّن أشبههم؛
{كذلك نفعل بالمجرمين ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}
ثمّ قال ممتنًّا على خلقه ومحتجًّا على الإعادة بالبداءة:
{ألم نخلقكم من ماءٍ مهينٍ}؟ أي: ضعيفٍ حقيرٍ بالنّسبة إلى قدرة البارئ عزّ وجلّ،
{فجعلناه في قرارٍ مكينٍ} يعني: جمعناه في الرّحم، وهو قرار الماء من الرّجل والمرأة، والرّحم معدٌّ لذلك، حافظٌ لما أودع فيه من الماء.
{إلى قدرٍ معلومٍ} يعني: إلى مدّةٍ معيّنةٍ من ستّة أشهرٍ أو تسعة أشهرٍ؛
ولهذا قال: {فقدرنا فنعم القادرون ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}
{ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياءً وأمواتًا}
قال ابن عبّاسٍ: {كفاتًا} كنّا.
وقال مجاهدٌ: يكفت الميّت فلا يرى منه شيءٌ.
وقال الشّعبيّ: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. وكذا قال مجاهدٌ وقتادة.
{وجعلنا فيها رواسي شامخاتٍ} يعني: الجبال، أرسى بها الأرض لئلّا تميد وتضطرب.
{وأسقيناكم ماءً فراتًا} عذبًا زلالا من السّحاب، أو ممّا أنبعه اللّه من عيون الأرض.
{ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين} أي: ويلٌ لمن تأمّل هذه المخلوقات الدّالّة على عظمة خالقها، ثمّ بعد هذا يستمرّ على تكذيبه وكفره.
يقول تعالى مخاطبًا للكفّار المكذّبين بالمعاد والجزاء والجنّة والنّار، أنّهم يقال لهم يوم القيامة:
{انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعبٍ} يعني: لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخانٌ، فمن شدّته وقوّته أنّ له ثلاث شعبٍ،
{لا ظليلٍ ولا يغني من اللّهب} أي: ظلّ الدّخان المقابل للّهب لا ظليلٌ هو في نفسه، ولا يغني من اللّهب، يعني: ولا يقيهم حرّ اللّهب.
{إنّها ترمي بشررٍ كالقصر} أي: يتطاير الشّرر من لهبها كالقصر.
وقيل : كالحصون.
وقيل : يعني أصول الشّجر.
{كأنّه جمالةٌ صفرٌ} أي: كالإبل السود. واختاره ابن جريرٍ.
وقيل : حبال السفن.
وقيل : قطع نحاسٍ.
{هذا يوم لا ينطقون} أي: لا يتكلّمون.
{ولا يؤذن لهم فيعتذرون} أي: لا يقدرون على الكلام، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا، بل قد قامت عليهم الحجّة، ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون.
وعرصات القيامة حالاتٌ، والرّبّ تعالى يخبر عن هذه الحالة تارةً، وعن هذه الحالة تارةً؛ ليدلّ على شدّة الأهوال والزّلازل يومئذٍ. ولهذا يقول بعد كلّ فصلٍ من هذا الكلام: {ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}
{هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين فإن كان لكم كيدٌ فكيدون} أي أنّه جمعهم بقدرته في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر.
{فإن كان لكم كيدٌ فكيدون} تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، أي: إن قدرتم على أن تتخلّصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنّكم لا تقدرون على ذلك.
{إنّ المتّقين في ظلالٍ وعيونٍ} يقول تعالى مخبرًا عن عباده المتّقين الّذين عبدوه بأداء الواجبات، وترك المحرّمات: إنّهم يوم القيامة يكونون في جنّاتٍ وعيونٍ، أي: بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه، من ظلّ اليحموم، وهو الدّخان الأسود المنتن.
{وفواكه ممّا يشتهون} أي: من سائر أنواع الثّمار، مهما طلبوا وجدوا.
{كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون} أي: يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم.
ثمّ قال تعالى مخبرًا خبرًا مستأنفًا:
{إنّا كذلك نجزي المحسنين} أي: هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل،
{كلوا وتمتّعوا قليلا إنّكم مجرمون} خطابٌ للمكذّبين بيوم الدّين، وأمرهم أمر تهديدٍ ووعيدٍ فقال تعالى:
{كلوا وتمتّعوا قليلا} أي: مدّةً قليلةً قريبةً قصيرةً،
{إنّكم مجرمون} أي: ثمّ تساقون إلى نار جهنّم الّتي تقدّم ذكرها،
{وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} أي: إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفّار أن يكونوا من المصلّين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه؛
{فبأيّ حديثٍ بعده يؤمنون}؟ أي: إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأيّ كلامٍ يؤمنون به؟!

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir